محب الدعوة
03-18-2018, 07:41 AM
خشوع ومغفرة .
د راغب السرجاني ..
هل أنت مستعدٌّ لرحلة السماء؟!
كيف تستعدُّ إذا سافرتَ إلى مدينة مجاورة؟!
وكيف إذا كان سفرك إلى دولة غير دولتك؟
بعيدة.. بعيدة؟
فكيف إذا كان إلى السماء؟!
هناك.. هناك..
اخترقنا.. اخترقنا..
بعد الكواكب والنجوم..
والأبراج والأفلاك..
فُتِحَت الأبواب..
هذه هي السماء الأولى..
ثم الثانية، فالثالثة.... فالسابعة!
ما هذه الألوان العجيبة؟
لا ندري ما هي!
آه..
إنها سدرة المنتهى[1]!
نعم.. المنتهى!!
أنت الآن في حضرة المَلِك!
رب السموات والأرض وما بينهما..
عجيب! كيف انتقلنا إلى هذا المكان؟!
إنها كلمة واحدة!
«الله أكبر»!
تكبيرة الإحرام!
بعدها.. صِرنا معه!!
لو عشنا في الصلاة بهذا التصوُّر لاختلفت درجة خشوعنا اختلافًا جذريًّا.. أجسادنا على الأرض، وأرواحنا في السماء.. نَفْقَه بين يدي مَنْ نقف.. نستوعب عروج الأرواح إلى السماء.. نستحضر رحلة النبيِّ الأمين صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى.. وفي الوقت ذاته نفهم جيدًا أهداف الصلاة.. وهي في الحقيقة كثيرة..
من هذه الأهداف طاعة الله -تعالى- فيما أمر.. واتباع الرسول الهادي صلى الله عليه وسلم فيما فعل؛ قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}[الأحزاب: 36].
ومنها: تعظيم الربِّ سبحانه، وتمجيده وتقديسه، وإعلان عبوديتنا له وحده..
ومنها: شكر الله -تعالى- على نعمه علينا، وحفظه لنا، ومغفرته لذنوبنا..
ومنها: تحصيل الحسنات، وتثقيل الموازين، والتزيُّن ليوم العرض الأكبر..
ومنها: رفع الدرجات، والسبق إلى الجنة.. وفي هذا يحكي لنا أبو هريرة رضي الله عنه موقفًا لطيفًا تظهر فيه قيمة الصلاة -مع الصيام- في رفع الدرجات؛ فقد قال رضي الله عنه: كان رَجُلَانِ من بَلِيٍّ من قُضاعة أَسْلَمَا مع النبي صلى الله عليه وسلم، واسْتُشْهِدَ أحدُهما، وَأُخِّرَ الآخر سَنَةً. قال طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: فأُرِيتُ الجنة، فرَأَيْتُ فيها المُؤَخَّرَ منهما أُدْخِل قَبْلَ الشهيد، فَعَجِبْتُ لذلك، فأصبحتُ فذَكَرْتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ذُكِرَ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ، وَصَلَّى سِتَّةَ آلَافِ رَكْعَةٍ[2] أَوْ كَذَا وَكَذَا رَكْعَةً صَلَاةَ السَّنَةِ»[3]. فانظر كيف يُحصي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة بعدد الركعات وليس بعدد الصلوات، للدلالة على أهمية كل جزئية من جزئيات الصلاة!
ومنها: البحث عن راحة نفوسنا، وسكون قلوبنا، وهدوء جوارحنا..
ومنها: الانتظام في جسد الأُمَّة الإسلامية، وتعظيم مقدساتها -ومن أهمِّهَا الصلاة- فهذا توقير للدين، وتمجيد لشريعة الله عزَّ وجل.. قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحج: 32].
ومنها: الفرار إلى الله بذنوبنا، وسؤال غفرانها والعفو عنها، وليس لنا غيره يغفرها لنا؛ قال تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللهِ..}[الذاريات: 50]، وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالجُمْعَةُ إِلَى الجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ»[4]. وفي حديث آخر يذكر أن الصلاة «تغسل» كل الذنوب دون أن يستثني منها صغيرة أو كبيرة؛ فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم -فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه-: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ؟» قالوا: لا يُبْقِي من دَرَنِهِ شَيْئًا. قال: «فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ يَمْحُو اللهُ بِهَا الخَطَايَا»[5].
ومنها: تقديم طلباتنا الكثيرة لإصلاح ديننا ودنيانا، وأولانا وآخرتنا، ومعاشنا ومعادنا.. فكل شيء بيده سبحانه، وخزائنه لا تنفد.. قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ}[الحجر: 21]، ولاحظ أسلوب القصر في الآية؛ فهذا يعني أن كلَّ ما نُريده من متاع الدنيا والآخرة موجود في خزائن الله -تعالى-!
ومنها:.......
ومنها:.......
لا نستطيع الاستقصاء والحصر، فهذه هي الصلاة!
ولهذا ظلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوصِي بها الأُمَّة حتى اللحظات الأخيرة من حياته، وانظر إلى هذا الوصف المؤثِّر من أنس بن مالك رضي الله عنه وهو يقول: كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَهُوَ يُغَرْغِرُ بِنَفْسِهِ: «الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ!»[6].
حبيبي يا رسول الله..
أبعد كل هذا يُصَلِّي المسلمون صلاتهم بلا خشوع؟!
كلُّ هذه الأهداف الكبرى في الصلاة جعلت العلماءَ يُناقشون مسألة الخشوع في الصلاة من الناحية الفقهية، وهل هو واجب لا تتمُّ الصلاة إلَّا به؟ أم أن الصلاة تَصِحُّ حتى لو صلَّى المسلم بلا خشوع؟
قال ابن تيمية رحمه الله: «إن كانت غفلة الذهن في الصلاة أقلَّ من الحضور، والغالب الحضور، لم تجب الإعادة، ولكن يكون الثواب ناقصًا؛ فإن النصوص قد تواترت بأن السهو لا يُبطل الصلاة، وإنما يُجبر بعضه بسجدتي السهو، وأمَّا إن غلبت الغفلة على الحضور، ففيه للعلماء قولان: أحدهما: لا تصحُّ الصلاة؛ لأن مقصود الصلاة لم يحصل، فهو شبيه صلاة المرائي، وهذا قول أبي عبد الله بن حامد (من أصحاب أحمد بن حنبل)، وأبي حامد الغزالي وغيرهما. والثاني: تبرأ الذمَّة، فلا تجب عليه الإعادة، وإن كان لا أجر له فيها، ولا ثواب، وذلك بمنزلة صوم الذي يقول الزور؛ فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَه»[7]. وهذا هو المأثور عن الإمام أحمد، وغيره من الأئمة.. وهذا القول الأخير أرجح؛ فإن النصوص والآثار إنما دلَّت على أن الأجر والثواب مشروط بحضور الذهن، ولكنها لا تدلُّ على وجوب الإعادة»[8].
وأرى أن هذا الاختلاف من رحمة الله بنا، وبصرف النظر عنه فإن إدراك هذا النقاش الفقهي بين العلماء يجعلنا نقدر للخشوع قدره.
ومن هنا فإن اهتمامنا ينبغي ألَّا يقف عند أهمية الصلاة فقط؛ بل من الضروري أن نتجاوز ذلك إلى الحديث عن أهمية «الخشوع» في الصلاة، فإننا لن نسعى ونكِدَّ ونتعب للحصول على شيء إلَّا إذا أدركنا قيمته وأهميته.
ولعلَّ من كبرى ثمرات الخشوع في الصلاة أنه يكون سببًا مباشرًا في غفران الذنوب! ففي الآية الكريمة الجامعة التي جمعت صفات القوم الذين أعدَّ الله تعالى لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا نجد صفة الخشوع بارزة بينهم؛ قال تعالى: {إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالخَاشِعِينَ وَالخَاشِعَاتِ وَالمُتَصَدِّقِينَ وَالمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[الأحزاب: 35]، ولعلَّنا نلاحظ هنا أنه سبحانه لم يذكر «المصلِّين»، إنما حدَّد «الخاشعين»، فليست أيُّ صلاة تضمن لصاحبها المغفرة، إنما المقصود الصلاة الخاشعة.
ولهذه الأهمية القصوى للخشوع نجد رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُنَبِّه في مواقف كثيرة على علاقة الخشوع بالمغفرة.. فمن هذه المواقف -مثلًا- ما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال: أَشْهَدُ أنِّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللهُ تَعَالَى؛ مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ، وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ، وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ، كَانَ لَهُ عَلَى اللهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ»[9]! فانظر إلى الصياغة العجيبة لنصِّ الحديث، حيث جعل الله عزَّ وجل على نفسه عهدًا -ولا يحتاج لذلك- أن يغفر لمَنْ أتقن صلاته، بدايةً من وضوئها، ومرورًا بوقتها والخشوع فيها! أمَّا الذي لا يخشع في صلاته فهو «يُغامر» مغامرة خطرة للغاية! فقد يغفر له الله -سبحانه-، وقد يُعَذِّبه!
وفي موقف آخر يحكي أبو الدرداء رضي الله عنه فيقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا -شَكَّ سَهْلٌ[10]- يُحْسِنُ فِيهِمَا الذِّكْرَ وَالخُشُوعَ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ اللهَ عزَّ وجل غَفَرَ لَهُ»[11]. فهو هنا يُشير إلى الإحسان في الوضوء، وكذلك الإحسان في الصلاة، عن طريق الخشوع والتدبُّر في الذِّكر أثناء الصلاة، ولكنه يُضيف الاستغفار بعد الصلاة، وعندها يغفر الله للمُصَلِّي.
وفي موقف ثالث يُؤَكِّد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كلَّ صلاة خاشعة تُكَفِّر ما قبلها من ذنوب، باستثناء الكبائر التي تحتاج إلى توبة خاصة؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «مَا مِن امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ، مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ»[12].
بل أكثر من ذلك ما رواه عمرو بن عبسة السُّلَمِيُّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «... فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ للهِ إِلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»! فهو هنا يشرح حالة عجيبة تُمحى فيها كلُّ ذنوب المُصَلِّي، فيخرج من ذنوبه «كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»! وهذا شريطة أن يُفَرِّغ قلبه لله -سبحانه- في هذه الصلاة، وهي درجة رفيعة من درجات الخشوع، ويُؤَكِّد هذا المعنى ما فعله عثمان بن عفان رضي الله عنه،
حيث توضَّأ ذات يوم، ثم قال لأصحابه: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم توضَّأ نحو وُضوئي هذا، ثمَّ قال: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غَفَرَ اللهُ لَهُ
مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»[13].
أليس الخشوع في الصلاة بهذه الصورة نعمة كبيرة من نعم الله عزَّ وجل على المسلمين؟
بلى والله!
ما أروع هذه النعمة التي تستوجب غفران الله -سبحانه-، ومحو الخطايا، وتكفير الذنوب!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
[1] في قوله صلى الله عليه وسلم: «.. ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى سِدْرَةِ المُنْتَهَى، وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لا أَدْرِي مَا هِيَ..». البخاري: كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء، (342) عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض، (163).
[2] سِتَّة آلَافِ رَكْعَةٍ: عدد أيام السنة الهجرية 354 يومًا، ونحن نصلِّي في اليوم 17 ركعة في صلاة الفريضة، فيصبح عدد الركعات في السنة 17×354= 6018 ركعة! فصلِّ اللهم على معلِّم الناس الخير!
[3] أحمد (8380)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده حسن. وأبو يعلى (648)، وقال حسين سليم أسد: رجاله رجال الصحيح. وقال الهيثمي: رواه أحمد وإسناده حسن. انظر: مجمع الزوائد، 10/339، وصححه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة (2591).
[4] مسلم: كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان... (233)، والترمذي (214)، وأحمد (9186)، والبيهقي: السنن الكبرى، (20548).
[5] البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلوات الخمس كفارة، (505)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات، (667).
[6] ابن ماجه: كتاب الوصايا، باب هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم (2697)، والنسائي (7094)، وأحمد (12190)، وقال شعيب الأرناءوط: حديث صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح. وأبو يعلى (2990)، وقال حسين سليم أسد: إسناده صحيح. والطبراني: المعجم الكبير، (19642)، وصححه الألباني، انظر: صحيح سنن ابن ماجه 2/363 (2200).
[7] البخاري: كتاب الأدب، باب قول الله تعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}[الحج: 30]، (5710) واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله عنه، والترمذي (707)، وأبو داود (2362)، والنسائي (3245)، وأحمد (9838)، وابن حبان (3480).
[8] ابن تيمية: الفتاوى الكبرى، 2/226، وانظر: ابن تيمية: موسوعة فقه السنة.. فقه الصلاة وأحكامها، ص406.
[9] أبو داود: كتاب الصلاة، باب في المحافظة على وقت الصلوات (425)، وأحمد (22756)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبيد الله الصنابحي. والبيهقي: السنن الكبرى، (6292)، والطبراني: المعجم الأوسط، (4658)، وصححه النووي، انظر: خلاصة الأحكام، 1/246، وصححه الألباني، انظر: صحيح أبي داود، 2/302.
[10] واقع الأمر أن أحد رواة الحديث وهو أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ وَهِمَ فِي اسْمِ مُحَدِّثِهِ! فَقَالَ: سَهْلُ بْنُ أَبِي صَدَقَةَ، وَإِنَّمَا هُوَ صَدَقَةُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ الْهُنَائِيُّ، وصَدَقَة هو الذي شكَّ أقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ركعتين، أم أربع. وصَدَقَة من الثقات، قال الذهبي: روى الكوسج، عن ابن معين: ثقة. ميزان الاعتدال 2/310، وانظر: شمس الدين أبو المحاسن: الإكمال في ذكر من له رواية في مسند الإمام أحمد من الرجال ص183.
[11] أحمد (27586)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده حسن. وصححه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة، (3398).
[12] مسلم: كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء والصلاة عقبه، (228) عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وابن حبان (1044)، والبيهقي: السنن الكبرى، (3397).
[13] البخاري: كتاب الصوم، باب السواك الرطب واليابس للصائم، (1832)، ومسلم: كتاب الطهارة، باب صفة الوضوء وكماله، (226) واللفظ له.
د راغب السرجاني ..
هل أنت مستعدٌّ لرحلة السماء؟!
كيف تستعدُّ إذا سافرتَ إلى مدينة مجاورة؟!
وكيف إذا كان سفرك إلى دولة غير دولتك؟
بعيدة.. بعيدة؟
فكيف إذا كان إلى السماء؟!
هناك.. هناك..
اخترقنا.. اخترقنا..
بعد الكواكب والنجوم..
والأبراج والأفلاك..
فُتِحَت الأبواب..
هذه هي السماء الأولى..
ثم الثانية، فالثالثة.... فالسابعة!
ما هذه الألوان العجيبة؟
لا ندري ما هي!
آه..
إنها سدرة المنتهى[1]!
نعم.. المنتهى!!
أنت الآن في حضرة المَلِك!
رب السموات والأرض وما بينهما..
عجيب! كيف انتقلنا إلى هذا المكان؟!
إنها كلمة واحدة!
«الله أكبر»!
تكبيرة الإحرام!
بعدها.. صِرنا معه!!
لو عشنا في الصلاة بهذا التصوُّر لاختلفت درجة خشوعنا اختلافًا جذريًّا.. أجسادنا على الأرض، وأرواحنا في السماء.. نَفْقَه بين يدي مَنْ نقف.. نستوعب عروج الأرواح إلى السماء.. نستحضر رحلة النبيِّ الأمين صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى.. وفي الوقت ذاته نفهم جيدًا أهداف الصلاة.. وهي في الحقيقة كثيرة..
من هذه الأهداف طاعة الله -تعالى- فيما أمر.. واتباع الرسول الهادي صلى الله عليه وسلم فيما فعل؛ قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}[الأحزاب: 36].
ومنها: تعظيم الربِّ سبحانه، وتمجيده وتقديسه، وإعلان عبوديتنا له وحده..
ومنها: شكر الله -تعالى- على نعمه علينا، وحفظه لنا، ومغفرته لذنوبنا..
ومنها: تحصيل الحسنات، وتثقيل الموازين، والتزيُّن ليوم العرض الأكبر..
ومنها: رفع الدرجات، والسبق إلى الجنة.. وفي هذا يحكي لنا أبو هريرة رضي الله عنه موقفًا لطيفًا تظهر فيه قيمة الصلاة -مع الصيام- في رفع الدرجات؛ فقد قال رضي الله عنه: كان رَجُلَانِ من بَلِيٍّ من قُضاعة أَسْلَمَا مع النبي صلى الله عليه وسلم، واسْتُشْهِدَ أحدُهما، وَأُخِّرَ الآخر سَنَةً. قال طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: فأُرِيتُ الجنة، فرَأَيْتُ فيها المُؤَخَّرَ منهما أُدْخِل قَبْلَ الشهيد، فَعَجِبْتُ لذلك، فأصبحتُ فذَكَرْتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ذُكِرَ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ، وَصَلَّى سِتَّةَ آلَافِ رَكْعَةٍ[2] أَوْ كَذَا وَكَذَا رَكْعَةً صَلَاةَ السَّنَةِ»[3]. فانظر كيف يُحصي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة بعدد الركعات وليس بعدد الصلوات، للدلالة على أهمية كل جزئية من جزئيات الصلاة!
ومنها: البحث عن راحة نفوسنا، وسكون قلوبنا، وهدوء جوارحنا..
ومنها: الانتظام في جسد الأُمَّة الإسلامية، وتعظيم مقدساتها -ومن أهمِّهَا الصلاة- فهذا توقير للدين، وتمجيد لشريعة الله عزَّ وجل.. قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحج: 32].
ومنها: الفرار إلى الله بذنوبنا، وسؤال غفرانها والعفو عنها، وليس لنا غيره يغفرها لنا؛ قال تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللهِ..}[الذاريات: 50]، وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالجُمْعَةُ إِلَى الجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ»[4]. وفي حديث آخر يذكر أن الصلاة «تغسل» كل الذنوب دون أن يستثني منها صغيرة أو كبيرة؛ فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم -فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه-: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ؟» قالوا: لا يُبْقِي من دَرَنِهِ شَيْئًا. قال: «فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ يَمْحُو اللهُ بِهَا الخَطَايَا»[5].
ومنها: تقديم طلباتنا الكثيرة لإصلاح ديننا ودنيانا، وأولانا وآخرتنا، ومعاشنا ومعادنا.. فكل شيء بيده سبحانه، وخزائنه لا تنفد.. قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ}[الحجر: 21]، ولاحظ أسلوب القصر في الآية؛ فهذا يعني أن كلَّ ما نُريده من متاع الدنيا والآخرة موجود في خزائن الله -تعالى-!
ومنها:.......
ومنها:.......
لا نستطيع الاستقصاء والحصر، فهذه هي الصلاة!
ولهذا ظلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوصِي بها الأُمَّة حتى اللحظات الأخيرة من حياته، وانظر إلى هذا الوصف المؤثِّر من أنس بن مالك رضي الله عنه وهو يقول: كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَهُوَ يُغَرْغِرُ بِنَفْسِهِ: «الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ!»[6].
حبيبي يا رسول الله..
أبعد كل هذا يُصَلِّي المسلمون صلاتهم بلا خشوع؟!
كلُّ هذه الأهداف الكبرى في الصلاة جعلت العلماءَ يُناقشون مسألة الخشوع في الصلاة من الناحية الفقهية، وهل هو واجب لا تتمُّ الصلاة إلَّا به؟ أم أن الصلاة تَصِحُّ حتى لو صلَّى المسلم بلا خشوع؟
قال ابن تيمية رحمه الله: «إن كانت غفلة الذهن في الصلاة أقلَّ من الحضور، والغالب الحضور، لم تجب الإعادة، ولكن يكون الثواب ناقصًا؛ فإن النصوص قد تواترت بأن السهو لا يُبطل الصلاة، وإنما يُجبر بعضه بسجدتي السهو، وأمَّا إن غلبت الغفلة على الحضور، ففيه للعلماء قولان: أحدهما: لا تصحُّ الصلاة؛ لأن مقصود الصلاة لم يحصل، فهو شبيه صلاة المرائي، وهذا قول أبي عبد الله بن حامد (من أصحاب أحمد بن حنبل)، وأبي حامد الغزالي وغيرهما. والثاني: تبرأ الذمَّة، فلا تجب عليه الإعادة، وإن كان لا أجر له فيها، ولا ثواب، وذلك بمنزلة صوم الذي يقول الزور؛ فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَه»[7]. وهذا هو المأثور عن الإمام أحمد، وغيره من الأئمة.. وهذا القول الأخير أرجح؛ فإن النصوص والآثار إنما دلَّت على أن الأجر والثواب مشروط بحضور الذهن، ولكنها لا تدلُّ على وجوب الإعادة»[8].
وأرى أن هذا الاختلاف من رحمة الله بنا، وبصرف النظر عنه فإن إدراك هذا النقاش الفقهي بين العلماء يجعلنا نقدر للخشوع قدره.
ومن هنا فإن اهتمامنا ينبغي ألَّا يقف عند أهمية الصلاة فقط؛ بل من الضروري أن نتجاوز ذلك إلى الحديث عن أهمية «الخشوع» في الصلاة، فإننا لن نسعى ونكِدَّ ونتعب للحصول على شيء إلَّا إذا أدركنا قيمته وأهميته.
ولعلَّ من كبرى ثمرات الخشوع في الصلاة أنه يكون سببًا مباشرًا في غفران الذنوب! ففي الآية الكريمة الجامعة التي جمعت صفات القوم الذين أعدَّ الله تعالى لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا نجد صفة الخشوع بارزة بينهم؛ قال تعالى: {إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالخَاشِعِينَ وَالخَاشِعَاتِ وَالمُتَصَدِّقِينَ وَالمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[الأحزاب: 35]، ولعلَّنا نلاحظ هنا أنه سبحانه لم يذكر «المصلِّين»، إنما حدَّد «الخاشعين»، فليست أيُّ صلاة تضمن لصاحبها المغفرة، إنما المقصود الصلاة الخاشعة.
ولهذه الأهمية القصوى للخشوع نجد رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُنَبِّه في مواقف كثيرة على علاقة الخشوع بالمغفرة.. فمن هذه المواقف -مثلًا- ما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال: أَشْهَدُ أنِّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللهُ تَعَالَى؛ مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ، وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ، وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ، كَانَ لَهُ عَلَى اللهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ»[9]! فانظر إلى الصياغة العجيبة لنصِّ الحديث، حيث جعل الله عزَّ وجل على نفسه عهدًا -ولا يحتاج لذلك- أن يغفر لمَنْ أتقن صلاته، بدايةً من وضوئها، ومرورًا بوقتها والخشوع فيها! أمَّا الذي لا يخشع في صلاته فهو «يُغامر» مغامرة خطرة للغاية! فقد يغفر له الله -سبحانه-، وقد يُعَذِّبه!
وفي موقف آخر يحكي أبو الدرداء رضي الله عنه فيقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا -شَكَّ سَهْلٌ[10]- يُحْسِنُ فِيهِمَا الذِّكْرَ وَالخُشُوعَ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ اللهَ عزَّ وجل غَفَرَ لَهُ»[11]. فهو هنا يُشير إلى الإحسان في الوضوء، وكذلك الإحسان في الصلاة، عن طريق الخشوع والتدبُّر في الذِّكر أثناء الصلاة، ولكنه يُضيف الاستغفار بعد الصلاة، وعندها يغفر الله للمُصَلِّي.
وفي موقف ثالث يُؤَكِّد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كلَّ صلاة خاشعة تُكَفِّر ما قبلها من ذنوب، باستثناء الكبائر التي تحتاج إلى توبة خاصة؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «مَا مِن امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ، مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ»[12].
بل أكثر من ذلك ما رواه عمرو بن عبسة السُّلَمِيُّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «... فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ للهِ إِلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»! فهو هنا يشرح حالة عجيبة تُمحى فيها كلُّ ذنوب المُصَلِّي، فيخرج من ذنوبه «كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»! وهذا شريطة أن يُفَرِّغ قلبه لله -سبحانه- في هذه الصلاة، وهي درجة رفيعة من درجات الخشوع، ويُؤَكِّد هذا المعنى ما فعله عثمان بن عفان رضي الله عنه،
حيث توضَّأ ذات يوم، ثم قال لأصحابه: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم توضَّأ نحو وُضوئي هذا، ثمَّ قال: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غَفَرَ اللهُ لَهُ
مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»[13].
أليس الخشوع في الصلاة بهذه الصورة نعمة كبيرة من نعم الله عزَّ وجل على المسلمين؟
بلى والله!
ما أروع هذه النعمة التي تستوجب غفران الله -سبحانه-، ومحو الخطايا، وتكفير الذنوب!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
[1] في قوله صلى الله عليه وسلم: «.. ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى سِدْرَةِ المُنْتَهَى، وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لا أَدْرِي مَا هِيَ..». البخاري: كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء، (342) عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض، (163).
[2] سِتَّة آلَافِ رَكْعَةٍ: عدد أيام السنة الهجرية 354 يومًا، ونحن نصلِّي في اليوم 17 ركعة في صلاة الفريضة، فيصبح عدد الركعات في السنة 17×354= 6018 ركعة! فصلِّ اللهم على معلِّم الناس الخير!
[3] أحمد (8380)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده حسن. وأبو يعلى (648)، وقال حسين سليم أسد: رجاله رجال الصحيح. وقال الهيثمي: رواه أحمد وإسناده حسن. انظر: مجمع الزوائد، 10/339، وصححه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة (2591).
[4] مسلم: كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان... (233)، والترمذي (214)، وأحمد (9186)، والبيهقي: السنن الكبرى، (20548).
[5] البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلوات الخمس كفارة، (505)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات، (667).
[6] ابن ماجه: كتاب الوصايا، باب هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم (2697)، والنسائي (7094)، وأحمد (12190)، وقال شعيب الأرناءوط: حديث صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح. وأبو يعلى (2990)، وقال حسين سليم أسد: إسناده صحيح. والطبراني: المعجم الكبير، (19642)، وصححه الألباني، انظر: صحيح سنن ابن ماجه 2/363 (2200).
[7] البخاري: كتاب الأدب، باب قول الله تعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}[الحج: 30]، (5710) واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله عنه، والترمذي (707)، وأبو داود (2362)، والنسائي (3245)، وأحمد (9838)، وابن حبان (3480).
[8] ابن تيمية: الفتاوى الكبرى، 2/226، وانظر: ابن تيمية: موسوعة فقه السنة.. فقه الصلاة وأحكامها، ص406.
[9] أبو داود: كتاب الصلاة، باب في المحافظة على وقت الصلوات (425)، وأحمد (22756)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبيد الله الصنابحي. والبيهقي: السنن الكبرى، (6292)، والطبراني: المعجم الأوسط، (4658)، وصححه النووي، انظر: خلاصة الأحكام، 1/246، وصححه الألباني، انظر: صحيح أبي داود، 2/302.
[10] واقع الأمر أن أحد رواة الحديث وهو أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ وَهِمَ فِي اسْمِ مُحَدِّثِهِ! فَقَالَ: سَهْلُ بْنُ أَبِي صَدَقَةَ، وَإِنَّمَا هُوَ صَدَقَةُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ الْهُنَائِيُّ، وصَدَقَة هو الذي شكَّ أقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ركعتين، أم أربع. وصَدَقَة من الثقات، قال الذهبي: روى الكوسج، عن ابن معين: ثقة. ميزان الاعتدال 2/310، وانظر: شمس الدين أبو المحاسن: الإكمال في ذكر من له رواية في مسند الإمام أحمد من الرجال ص183.
[11] أحمد (27586)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده حسن. وصححه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة، (3398).
[12] مسلم: كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء والصلاة عقبه، (228) عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وابن حبان (1044)، والبيهقي: السنن الكبرى، (3397).
[13] البخاري: كتاب الصوم، باب السواك الرطب واليابس للصائم، (1832)، ومسلم: كتاب الطهارة، باب صفة الوضوء وكماله، (226) واللفظ له.