محب الدعوة
10-26-2010, 06:36 PM
( خطبة للشيخ منصور الصقعوب ) حفظه الله بعنوان ( الصلاة هناء لا عناء )
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد فاتقوا الله أيها المؤمنون]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)
عباد الله:
إلى كل مهموم مغموم, إلى كل مكلوم مفجوع, إلى كل من يريد سعادة الدنيا وفوز الآخرة, إلى من يريد أن يرافق سيد البشر في أعالي الجنة, إلى كل هؤلاء أين أنتم من سلوة العارفين وأنس الطائعين أين أنتم من أعظم القربات وروعة المناجاة, أين أنتم من الصلاة, فلعمري إنها تحقق كل هذا وأكثر
إنها الصلاة فلا راحة لمن ضيعها إنها الإيمان فلا إيمان لمن تركها إنها الحياة فلا سعادة بدونها بل إنها الدين فلا دين لمن أضاعها
حينما تهفو النفوس لمرافقتة الحبيب في الجنات فليكثر الراغب من السجدات, جاء ربيعة بن كعب إلى رسول الله ومعه وَضوءه فقال له المصطفى سلني ياربيعة فقال الفتى بهمة الرجال أسألك مرافقتك في الجنة فقال أو غير ذلك, فقال هو ذاك يارسول الله" وعند أحمد في المسند أن رسول الله قَالَ له مَنْ أَمَرَكَ بِهَذَا فَقُلْتُ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَمَرَنِي بِهِ أَحَدٌ وَلَكِنِّي نَظَرْتُ فِي أَمْرِي فَرَأَيْتُ أَنَّ الدُّنْيَا زَائِلَةٌ مِنْ أَهْلِهَا فَأَحْبَبْتُ أَنْ آخُذَ لِآخِرَتِي قَالَ فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ"
ويوم أن يضيق الصدر ويحزب الأمر فإلى الصلاة بعد الله الملجأ والمفر, وكيف لا وبها تأنس القلوب, وصلى الله على من قال " جعلت قرة عيني في الصلاة" ومن كان إذا حزبه أمر قال أرحنا بها يابلال.
يشتد عليه أمر الدعوة ويحزنه من أعرض وعصى وتجبر وطغى فينزل عليه ربه مسلياً وموصياً(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ)
الصلاة بها نعالج مشاكلنا ونصالح ربنا, فإذا تأخر المطر فزعنا إلى الصلاة وإذا كسفت
الشمس هرعنا إلى الصلاة, وإذا أردنا الاستخارة توجهنا إلى الصلاة,وإذا مات الميت ودعناه وشفعنا له بالصلاة, وإذا لقينا نبينا عليه السلام في القيامة عرفنا بآثار الصلاة.
عباد الله: والأمر يعظم قدراً ويعلو أجراً إذا كان في ما افترضه الله من خمس الصلوات, تلك الشعيرة التي هي عمود الدين وبها ينجو العبد من نار الجحيم, وكي تعلم قدرها فاذكر كيف شرعت وأين فرضت, لقد شرعت في السماء السابعة ومن رب العزة مباشرة وفرضت خمسين حتى خففت وقال سبحانه في الحديث القدسي" هي خمس وهي خمسون" أي فهي خمس في الأداء وخمسون في الفضيلة والثواب
معشر الكرام: ما ظنكم بنهر تغتسلون منه كل يوم خمس مرات, فهل سيبقى من آثار الذنوب شيء والنهر هي الصلاة, ما ظنكم بعمل هو مهر الجنة لمن قام به, ومن قام به فله العهد من رب الأرباب أن ينال الجنات وذلكم العمل هو الصلاة, ويوم أن يوقف العبد للحساب والجزاء يوم المعاد فأول ما يطرق سمعه من أعماله عن حاله مع صلواته أحفظ أم ضيع, ويوم أن ترى من يقعون في المحرمات ويوبقون أنفسهم في الخطيئات فاذكر أن من أقام الصلاة حقاً فإنها ستنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر, وكم من عبدٍ ردته الصلاة عن معصية أو صرفته عن بلية أو كرّهت له مخالفة أمر رب البرية فحفظه الله حين حفظ أمر الله.
معاشر الفضلاء:
ومع كثرة الصوارف وتنوع الملهيات إلا أن في الأمة خير كبير فكم في المجتمع من صورٍ يبتهج الخاطر بذكرها وتسر العين بمرئاها تنبيك عن قدر الصلاة في النفوس
فكم يسعد المرء وهو يرى من هجروا فرشهم ومشوا في ظلمة الليل ملبين المنادي لصلاة الفجر, قاموا والنفوس تنازعهم والليل بقصره ماكفاهم لكنه اللقاء لقاء رب الأرض والسماء فمحروم من يتأخر عن لقاء الملك بمشهد الملائكة, وليبشر هؤلاء بموعود رسولهم عليه السلام"بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة "
وتسعد يوم أن ترى من بين تلك الجموع أطفال صغرت أعمارهم وكبرت هممهم, أتوا
لبيوت الله, ترى النوم ينازعهم لكن رحمة آبائهم بهم هي التي دعتهم للحضور, وهذه هي الرحمة الحقة لا رحمة من آثروا تركهم في فرشهم.
أيها الفضلاء: ويسر المرء يوم أن يكون على سفر فيرى في جنبتي الطرق أناساً من المسافرين حانت عليهم الصلاة فما تأخروا عن أدائها حتى وهم على سفر, فهذا وقف مع صاحبه, وهذا ومعه زوجته وهذا معه صبيته في مشهد لا تملك معه إلا أن تدعوا لهم أن يحفظهم ويتقبل منهم, فما أروعها من صورة تنبيك عن قدر الصلاة في النفوس
يا أيها الكرام: ألم يُلجئكم الوقت لشهود الصلاة في أحد الأسواق, ألم تروا تلك الصفوف المتطاولة في مساجد الأسواق بل ألم تروا أن المساجد في الأسواق على كبرها تمتلئ وتضيق بأناس من شتى الأجناس والألوان, قد أغلقت محالهم وأقبلوا جميعاً لبيت ربهم يركعون ويسجدون, وبالتأمين يجأرون, أوليست هذه صورة تنبيك عن قدر الصلاة في نفوس هؤلاء.
وترى في بعض الأحيان لا سيما في الإجازات ومع قصر الليل من يسهر الليل ليصلي الفجر في وقتها, وبغض النظر عن السهر وما فيه إلا أن ذلك يعد في غالب الأحوال دليلاً على الحرص على الصلاة
وحين تتجه لمساجد الطرقات والمساجد التي عُهد عنها التأخر ترى الصفوف والجماعات تلوا الجماعات, وذلك الأمر إن لم يكن ديدن الإنسان في غالب أيامه دليل على الحرص على الأجر والجماعة, فقد كان في مقدور هؤلاء أن يصلي أحدهم في بيته إذ فاتته الجماعة ولا يكلف نفسه عناء البحث عن جماعة إلا أن حرصه على الخير حداه لأن يذهب لتلك الأماكن ولو بعدت ليدرك الجماعة في المسجد, وأي فضل يدركه حينها وأي أجر يفوت من صلى في بيته.
وفي غزو غزة قبل أشهر قليلة ضُربت مساجد وقتل العشرات فيها وظن الناس أن المساجد ستخلو من قاطنيها ففوجئوا بالأعداد تزداد, قال أحدهم وهو يأتي لصلاة العشاء إلى مسجدٍ قصف في صلاة المغرب: إن إتياننا للمساجد لن يعجل آجالنا, وماذا يخيفنا فليتنا نموت ونحن نصلي, وحتى لو قصفت كل المساجد فسنصلي على أنقاضها, فبعد هذا أيها الأحبة أليست هذه
صورة تنبئ عن قدر الصلاة في النفوس
وكم نرى في مساجدنا من أناسٍ يأتون وهم يغالبون المرض تخط أرجلهم وقد عُذروا ويقول الواحد منهم: لا تهنأ لي صلاة في البيت وأنا أسمع النداء, ورأينا من يحمل للمسجد حملاً ولسان حال الواحد منهم"إذا حانت الصلاة ولم تجدوني في المسجد فاطلبوني في المقبرة, فلله درهم ما أحرصهم على الخير.
ومع كل هذه الصور الرائعة والنماذج المشرقة إلا أن المؤمل أكثر من هذا , فعبر بوابة المساجد والصلاة تسعد النفوس وتعتز الأمة ويرضى الإله, ويذوق المرء فلاح الدارين, أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)[فاطر : 29 ، 30]
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه
أما بعد: معاشر الفضلاء: وفي مقابل تلك الصور الرائعة والنماذج الطيبة لمن عُنوا بالصلاة, نماذجُ أخرى سيئة, وصورٌ تحز في النفس حين تقع من أناس يدينون بالتوحيد ويعرفون أن عمود دينهم الصلاة, ثم هم يفرطون بها ولا يولونها قدرها.
كم يحزّ في النفس أن ترى من يتفيأ صحة وأمناً وعيشاً رغداً ثم هو لا يصلي لله ولا يسجد له, ووالذي نفسي بيده إنه لمحروم كل الحرمان من حرم الصلاة والوقوف بين يدي الله, وماذا بقي من دين من ترك الصلاة وسيد الخلق يقول" بين الرجل والكفر ترك الصلاة."
ويعتصر القلب ألماً وهو يرى أناساً جاوروا المساجد فكانوا بئس الجيران, لايأتون المساجد إلا في المناسبات, إن صلوا ففي بيوتهم, يتعللون بكل عذر فإذا دعا داعي الوظيفة والمدرسة خرجوا يهرعون, فيا خيبة من ضل طريق المسجد.
وتحزن يوم أن يأتي كثيراً من مساجدنا في صلاة الفجر فتفتقد حينها رجالاً, صحاحٌ أبدانهم, لم يمنعهم من الخروج خوف ولا جوع ولا عري ولا مرض, يسمعون المنادي يجأر بأن الصلاة خير من النوم, لكنهم يتخلفون, فحرموا أنفسهم الأجر والظفر لمن صلى الفجر ومن صلى البردين دخل الجنة, وتلبسوا بصفة من صفات المُبعَدين, والنبي يقول ((ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا))
وإننا نقول لمن فقدناه في المسجد لمن يسمع في كل وقتٍ أعداداً من المؤذنين يقول كل واحدٍ منهم حي على الصلاة. ما عذرك عند الله يوم تتخلف عن الصلاة
ألم تعلم أن الضرير أتى النبي يبحث عن رخصة له أن يصلي في بيته فلم يرخص له, فكيف تعذر أنت.
ألم تعلم ولا أظنك تجهل أن رسول الله همّ بتحريق بيوت من تخلفوا عن الصلاة ولم يثنيه عن ذلك إلا قوله" لولا ما فيها من النساء والذرية", ألم تعلم أن من سيسلكون في سقر يقولون عن سبب عذابهم إذ يُسئلون( لم نك من المصلين)
ألم تسمع إلى حديث رؤيا النبي إذ يقول (إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق. وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر هاهنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود فيفعل به مثل ما فعل به المرة الأولى)).
وفي آخر الحديث: ((قال: قلت لهما: فإني رأيت منذ الليلة عجباً، فما هذا الذي رأيت؟ قال: قالا لي: أما إنا سنخبرك، أما الرجل الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه
الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة)) فإذا كان هذا في من ينام عن الصلاة فما هي عقوبة من ترك الصلوات كلها أو جلها.
يا من تخلفت عن الصلوات ليكن في علمك أن الصلاة تشريف قبل أن تكون تكليف, تشريف للإنسان أن يؤذن له بمناجاة خالق السماوات والأرض, وأن يقوم بين يديه ليسأله ويبث إليه شكواه, ليكن في علمك أن الصلاة هناء وليست بعناء, وهي راحة وليس في تضييعها راحة, وهي النور في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة, قل لي يا من فرطت في الصلاة كلها أو بعضها أتود أن تلقى الله على عملك, وهل تعلم متى يحل بك أجلك, وهل يبيض وجهك أن تلقى الله بتضييع للصلوات وتخلفٍ عن الجماعات, وهجر للسجدات
فكيف تنام العين وهي قريرة وليس تدري بأي المكانين تنزل
وكيف تتوق النفس للجهل والهوى وكيف تغر العبد دنيا ترحل
وكيف نقضي العمر باللهو والمنى وعما قليل سوف نغدو ونرحل
وما المرء في دنياه إلا مسافر يمتع أياماً ثم يقضي فيحمل
فهنيئاً لمن ارتحل من الدنيا وهو مرضي لربه محافظٌ على صلواته فأولئك الذين تبكي على موتهم السماوات والأرض, ويسعدون بلقاء ربهم يوم العرض.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد فاتقوا الله أيها المؤمنون]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)
عباد الله:
إلى كل مهموم مغموم, إلى كل مكلوم مفجوع, إلى كل من يريد سعادة الدنيا وفوز الآخرة, إلى من يريد أن يرافق سيد البشر في أعالي الجنة, إلى كل هؤلاء أين أنتم من سلوة العارفين وأنس الطائعين أين أنتم من أعظم القربات وروعة المناجاة, أين أنتم من الصلاة, فلعمري إنها تحقق كل هذا وأكثر
إنها الصلاة فلا راحة لمن ضيعها إنها الإيمان فلا إيمان لمن تركها إنها الحياة فلا سعادة بدونها بل إنها الدين فلا دين لمن أضاعها
حينما تهفو النفوس لمرافقتة الحبيب في الجنات فليكثر الراغب من السجدات, جاء ربيعة بن كعب إلى رسول الله ومعه وَضوءه فقال له المصطفى سلني ياربيعة فقال الفتى بهمة الرجال أسألك مرافقتك في الجنة فقال أو غير ذلك, فقال هو ذاك يارسول الله" وعند أحمد في المسند أن رسول الله قَالَ له مَنْ أَمَرَكَ بِهَذَا فَقُلْتُ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَمَرَنِي بِهِ أَحَدٌ وَلَكِنِّي نَظَرْتُ فِي أَمْرِي فَرَأَيْتُ أَنَّ الدُّنْيَا زَائِلَةٌ مِنْ أَهْلِهَا فَأَحْبَبْتُ أَنْ آخُذَ لِآخِرَتِي قَالَ فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ"
ويوم أن يضيق الصدر ويحزب الأمر فإلى الصلاة بعد الله الملجأ والمفر, وكيف لا وبها تأنس القلوب, وصلى الله على من قال " جعلت قرة عيني في الصلاة" ومن كان إذا حزبه أمر قال أرحنا بها يابلال.
يشتد عليه أمر الدعوة ويحزنه من أعرض وعصى وتجبر وطغى فينزل عليه ربه مسلياً وموصياً(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ)
الصلاة بها نعالج مشاكلنا ونصالح ربنا, فإذا تأخر المطر فزعنا إلى الصلاة وإذا كسفت
الشمس هرعنا إلى الصلاة, وإذا أردنا الاستخارة توجهنا إلى الصلاة,وإذا مات الميت ودعناه وشفعنا له بالصلاة, وإذا لقينا نبينا عليه السلام في القيامة عرفنا بآثار الصلاة.
عباد الله: والأمر يعظم قدراً ويعلو أجراً إذا كان في ما افترضه الله من خمس الصلوات, تلك الشعيرة التي هي عمود الدين وبها ينجو العبد من نار الجحيم, وكي تعلم قدرها فاذكر كيف شرعت وأين فرضت, لقد شرعت في السماء السابعة ومن رب العزة مباشرة وفرضت خمسين حتى خففت وقال سبحانه في الحديث القدسي" هي خمس وهي خمسون" أي فهي خمس في الأداء وخمسون في الفضيلة والثواب
معشر الكرام: ما ظنكم بنهر تغتسلون منه كل يوم خمس مرات, فهل سيبقى من آثار الذنوب شيء والنهر هي الصلاة, ما ظنكم بعمل هو مهر الجنة لمن قام به, ومن قام به فله العهد من رب الأرباب أن ينال الجنات وذلكم العمل هو الصلاة, ويوم أن يوقف العبد للحساب والجزاء يوم المعاد فأول ما يطرق سمعه من أعماله عن حاله مع صلواته أحفظ أم ضيع, ويوم أن ترى من يقعون في المحرمات ويوبقون أنفسهم في الخطيئات فاذكر أن من أقام الصلاة حقاً فإنها ستنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر, وكم من عبدٍ ردته الصلاة عن معصية أو صرفته عن بلية أو كرّهت له مخالفة أمر رب البرية فحفظه الله حين حفظ أمر الله.
معاشر الفضلاء:
ومع كثرة الصوارف وتنوع الملهيات إلا أن في الأمة خير كبير فكم في المجتمع من صورٍ يبتهج الخاطر بذكرها وتسر العين بمرئاها تنبيك عن قدر الصلاة في النفوس
فكم يسعد المرء وهو يرى من هجروا فرشهم ومشوا في ظلمة الليل ملبين المنادي لصلاة الفجر, قاموا والنفوس تنازعهم والليل بقصره ماكفاهم لكنه اللقاء لقاء رب الأرض والسماء فمحروم من يتأخر عن لقاء الملك بمشهد الملائكة, وليبشر هؤلاء بموعود رسولهم عليه السلام"بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة "
وتسعد يوم أن ترى من بين تلك الجموع أطفال صغرت أعمارهم وكبرت هممهم, أتوا
لبيوت الله, ترى النوم ينازعهم لكن رحمة آبائهم بهم هي التي دعتهم للحضور, وهذه هي الرحمة الحقة لا رحمة من آثروا تركهم في فرشهم.
أيها الفضلاء: ويسر المرء يوم أن يكون على سفر فيرى في جنبتي الطرق أناساً من المسافرين حانت عليهم الصلاة فما تأخروا عن أدائها حتى وهم على سفر, فهذا وقف مع صاحبه, وهذا ومعه زوجته وهذا معه صبيته في مشهد لا تملك معه إلا أن تدعوا لهم أن يحفظهم ويتقبل منهم, فما أروعها من صورة تنبيك عن قدر الصلاة في النفوس
يا أيها الكرام: ألم يُلجئكم الوقت لشهود الصلاة في أحد الأسواق, ألم تروا تلك الصفوف المتطاولة في مساجد الأسواق بل ألم تروا أن المساجد في الأسواق على كبرها تمتلئ وتضيق بأناس من شتى الأجناس والألوان, قد أغلقت محالهم وأقبلوا جميعاً لبيت ربهم يركعون ويسجدون, وبالتأمين يجأرون, أوليست هذه صورة تنبيك عن قدر الصلاة في نفوس هؤلاء.
وترى في بعض الأحيان لا سيما في الإجازات ومع قصر الليل من يسهر الليل ليصلي الفجر في وقتها, وبغض النظر عن السهر وما فيه إلا أن ذلك يعد في غالب الأحوال دليلاً على الحرص على الصلاة
وحين تتجه لمساجد الطرقات والمساجد التي عُهد عنها التأخر ترى الصفوف والجماعات تلوا الجماعات, وذلك الأمر إن لم يكن ديدن الإنسان في غالب أيامه دليل على الحرص على الأجر والجماعة, فقد كان في مقدور هؤلاء أن يصلي أحدهم في بيته إذ فاتته الجماعة ولا يكلف نفسه عناء البحث عن جماعة إلا أن حرصه على الخير حداه لأن يذهب لتلك الأماكن ولو بعدت ليدرك الجماعة في المسجد, وأي فضل يدركه حينها وأي أجر يفوت من صلى في بيته.
وفي غزو غزة قبل أشهر قليلة ضُربت مساجد وقتل العشرات فيها وظن الناس أن المساجد ستخلو من قاطنيها ففوجئوا بالأعداد تزداد, قال أحدهم وهو يأتي لصلاة العشاء إلى مسجدٍ قصف في صلاة المغرب: إن إتياننا للمساجد لن يعجل آجالنا, وماذا يخيفنا فليتنا نموت ونحن نصلي, وحتى لو قصفت كل المساجد فسنصلي على أنقاضها, فبعد هذا أيها الأحبة أليست هذه
صورة تنبئ عن قدر الصلاة في النفوس
وكم نرى في مساجدنا من أناسٍ يأتون وهم يغالبون المرض تخط أرجلهم وقد عُذروا ويقول الواحد منهم: لا تهنأ لي صلاة في البيت وأنا أسمع النداء, ورأينا من يحمل للمسجد حملاً ولسان حال الواحد منهم"إذا حانت الصلاة ولم تجدوني في المسجد فاطلبوني في المقبرة, فلله درهم ما أحرصهم على الخير.
ومع كل هذه الصور الرائعة والنماذج المشرقة إلا أن المؤمل أكثر من هذا , فعبر بوابة المساجد والصلاة تسعد النفوس وتعتز الأمة ويرضى الإله, ويذوق المرء فلاح الدارين, أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)[فاطر : 29 ، 30]
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه
أما بعد: معاشر الفضلاء: وفي مقابل تلك الصور الرائعة والنماذج الطيبة لمن عُنوا بالصلاة, نماذجُ أخرى سيئة, وصورٌ تحز في النفس حين تقع من أناس يدينون بالتوحيد ويعرفون أن عمود دينهم الصلاة, ثم هم يفرطون بها ولا يولونها قدرها.
كم يحزّ في النفس أن ترى من يتفيأ صحة وأمناً وعيشاً رغداً ثم هو لا يصلي لله ولا يسجد له, ووالذي نفسي بيده إنه لمحروم كل الحرمان من حرم الصلاة والوقوف بين يدي الله, وماذا بقي من دين من ترك الصلاة وسيد الخلق يقول" بين الرجل والكفر ترك الصلاة."
ويعتصر القلب ألماً وهو يرى أناساً جاوروا المساجد فكانوا بئس الجيران, لايأتون المساجد إلا في المناسبات, إن صلوا ففي بيوتهم, يتعللون بكل عذر فإذا دعا داعي الوظيفة والمدرسة خرجوا يهرعون, فيا خيبة من ضل طريق المسجد.
وتحزن يوم أن يأتي كثيراً من مساجدنا في صلاة الفجر فتفتقد حينها رجالاً, صحاحٌ أبدانهم, لم يمنعهم من الخروج خوف ولا جوع ولا عري ولا مرض, يسمعون المنادي يجأر بأن الصلاة خير من النوم, لكنهم يتخلفون, فحرموا أنفسهم الأجر والظفر لمن صلى الفجر ومن صلى البردين دخل الجنة, وتلبسوا بصفة من صفات المُبعَدين, والنبي يقول ((ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا))
وإننا نقول لمن فقدناه في المسجد لمن يسمع في كل وقتٍ أعداداً من المؤذنين يقول كل واحدٍ منهم حي على الصلاة. ما عذرك عند الله يوم تتخلف عن الصلاة
ألم تعلم أن الضرير أتى النبي يبحث عن رخصة له أن يصلي في بيته فلم يرخص له, فكيف تعذر أنت.
ألم تعلم ولا أظنك تجهل أن رسول الله همّ بتحريق بيوت من تخلفوا عن الصلاة ولم يثنيه عن ذلك إلا قوله" لولا ما فيها من النساء والذرية", ألم تعلم أن من سيسلكون في سقر يقولون عن سبب عذابهم إذ يُسئلون( لم نك من المصلين)
ألم تسمع إلى حديث رؤيا النبي إذ يقول (إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق. وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر هاهنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود فيفعل به مثل ما فعل به المرة الأولى)).
وفي آخر الحديث: ((قال: قلت لهما: فإني رأيت منذ الليلة عجباً، فما هذا الذي رأيت؟ قال: قالا لي: أما إنا سنخبرك، أما الرجل الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه
الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة)) فإذا كان هذا في من ينام عن الصلاة فما هي عقوبة من ترك الصلوات كلها أو جلها.
يا من تخلفت عن الصلوات ليكن في علمك أن الصلاة تشريف قبل أن تكون تكليف, تشريف للإنسان أن يؤذن له بمناجاة خالق السماوات والأرض, وأن يقوم بين يديه ليسأله ويبث إليه شكواه, ليكن في علمك أن الصلاة هناء وليست بعناء, وهي راحة وليس في تضييعها راحة, وهي النور في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة, قل لي يا من فرطت في الصلاة كلها أو بعضها أتود أن تلقى الله على عملك, وهل تعلم متى يحل بك أجلك, وهل يبيض وجهك أن تلقى الله بتضييع للصلوات وتخلفٍ عن الجماعات, وهجر للسجدات
فكيف تنام العين وهي قريرة وليس تدري بأي المكانين تنزل
وكيف تتوق النفس للجهل والهوى وكيف تغر العبد دنيا ترحل
وكيف نقضي العمر باللهو والمنى وعما قليل سوف نغدو ونرحل
وما المرء في دنياه إلا مسافر يمتع أياماً ثم يقضي فيحمل
فهنيئاً لمن ارتحل من الدنيا وهو مرضي لربه محافظٌ على صلواته فأولئك الذين تبكي على موتهم السماوات والأرض, ويسعدون بلقاء ربهم يوم العرض.