محب الدعوة
06-22-2010, 10:09 PM
/ ما حكم السؤال عن كيفية شيءً من صفات الله تعالى ولماذا ؟ وكيف الجواب لمن سألنا عن شيءً من ذلك ؟
ج/ أقول : السؤال عن كيفية صفات الله محرم وجريمة من إقحام العقل والنفس فيما لا مجال لها فيه وهو من زلل القول وخطل الفهم الذي ينبغي لصاحبه التوبة النصوح والاستغفار الكثير منه وذلك لأنه مسلك الهالكين من أهل البدع ومن أبواب الشر التي لو فتحت لأفسدت على الناس عقيدتهم في ربهم جل وعلا ، ولأنه مخالف لمنهج السلف فإن السلف رحمهم الله تعالى لا يعرف عنهم كلمة واحدة في ذلك ولأنه من الأمور الغيبية التي هي خارجة عن حدود العقل وطاقاته فمهما أعملت عقلك في إدراك الكيفية لشيء من صفات الله فلن ترجع إلا بالضلال والخيرة والتيه والشكوك والأسئلة الكثيرة والإشكالات المحيرة التي لا جواب عنها إلا يردع العقل والنفس عن الدخول في ذلك ، فما هلك أهل التمثيل والتعطيل إلا لأنهم وضعوا لصفات الله كيفية من عند أنفسهم فرضيها أهل التمثيل فمثلوا وأباها أهل التعطيل فعطلوا ، فأحذر من سلوك سبيلهم الضال ، وقف حيث وقف السلف في صفات الله العظيم الكبير المتعال ولأن الكيفية لا تعلم إلا بالرؤية أو بمشاهدة النظير أو بإخبار الصادق عنها وكلها منتفية في حق صفات الله تعالى ، وأما الجواب لمن سألنا عن شيء من ذلك فهناك عدة أجوبة :
الأول : أن نقول له : ما سألت عنه من الصفات معناه معلوم ، وكيفه مجهول والإيمان بها واجب والسؤال عنه بدعه ، وهذا الجواب صحيح سديد باتفاق أهل السنة ، وصالح للإجابة به عن أي صفة قد سئل عن كيفيتها ، فهو وإن ورد في الإجابة عن السؤال عن كيفية صفة الاستواء ، لكن يصلح للجميع لأن المتقرر أن القول في بعض الصفات كالقول في بعضها ، وهذا أوضح .
الجواب الثاني : أن نقول : إن كيفية الشيء لا تعلم إلا بعد العلم بكفه ذاته ، فأخبرني أنت عن كفه ذات الباري جل وعلا ، فبالطبع لن يجد جواباً وسيقول لا أعلم كيفية ذاته ، فقل له : إذا كنا أنا وأنت مشتركين في عدم العلم بكيفية الذات فكيف تطالبني بكيفية صفة ذاتٍ لا أعلمها فإن من يجهل كيفية ذات شيء فإنه من باب أولى أن يجهل كيفية صفاتها ، فأنا لا أعلم كيف استواء الله لأنني أصلاً لا أعلم كيف هو في ذاته ولا أعلم كيفية وجهه ويديه وعينيه لأنني أصلاً لا أعلم كيف هو في ذاته جل وعلا ، فالجهل بكيفية الذات مفضي إلى الجهل بكيفية الصفات وقد تقرر عند أهل السنة أن القول في الصفات كالقول في الذات ، فنحن لا نعرف كيفية صفات الله تعالى لأننا أصلاً لا نعرف كيفية ذاته .
الجواب الثالث : أن تبين له أن الكيفية لا يمكن أن تعرف إلا بالرؤية ونحن لم نر الله تعالى ، أو بمشاهدة النظير ، وليس لله مثيل ولا شبيه حتى نستدل برؤية صفاته على صفاته كيف وقد قال تعالى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (الشورى: من الآية11) وقال (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) (مريم: من الآية65) وقال ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (الاخلاص:4) وقال تعالى ( فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل:74) أو بإخبار الصادق صلى الله عليه وسلم عن الكيفية ، وهذا منتفٍ أيضاً فإنه صلى اله عليه وسلم أخبرنا بالصفة ولم يخبرنا بكيفيتها فوجب الوقوف حيث وقف النص ، فبالله عليك : شيء لم أره ولم أر نظيره ولم يخبرني الصادق عن كيفيته ، فكيف أتعرف على هذه الكيفية التي تطالبني بها .
الجواب الرابع : وهو جواب علمي ، وهو بمثابة الكي الذي هو آخر العلاج ، ولعلك عرفته ، فإياك أن تجبن عنه ، بل قم به انتصارا لله تعالى وذباً عن شريعته ، ونترك تفاصيله كتقديرك للمصالح والمفاسد والله أعلم .
س211/ ما أقسام التأويل وما المقبول منها والمردود مع بيان ذلك بالأدلة والأمثلة ؟
ج/التأويل ثلاثة أقسام :
الأول : حقيقة الشيء التي يؤول إليها ، وهذا هو استعمال القرآن لهذه اللفظة وما تصرف منها ، أي حقيقة الشيء التي هو عليها في الواقع ، فتأويل الأمر امتثاله وفعله ، كما قالت عائشة رضي الله عنها ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن ) متفق عليه ، أي يوقع حقيقة ما أمر به في القرآن ، وتأويل النهي اجتنابه فتأويل قوله تعالى ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) (الإسراء:32) هو اجتناب الزنى وتأويل قوله تعالى ( وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) (الأنعام: من الآية151) هو ترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن وهكذا ، وتأويل الرؤيا وقوعها أي وقوع حقيقتها في الخارج ومنه قوله تعالى عن يوسف عليه الصلاة والسلام ( يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً ) (يوسف: من الآية100) أي أن سجود أبويه وإخوته له هو حقيقة الرؤيا التي رآها من قبل ، وتأويل الخبر وقوع حقيقته كما قال تعالى مهدداً الذين ينكرون اليوم الآخر ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ) (لأعراف: من الآية53) أي هل ينتظرون إلا وقوع حقيقته على ما أخبرت به الكتب وجاءت به الرسل يوم تأتي حقيقته حينئذ يندمون ولا ت ساعة مندم ، فتأويل اليوم الآخر هو وقوعه وتأويل الصفات هي حقيقتها التي هي عليها في الواقع ومن ذلك أيضاً قول الخضر لموسى عليهما الصلاة والسلام ( سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) (الكهف: من الآية78) أي سأخبرك بحقيقة ما رأيت من الأمور التي جعلتك تستنكر وتبادر بالإنكار ، ثم قال بعد ذلك أي بعد أن بين له حقيقتها ( ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) (الكهف: من الآية82) أي هذا الذي بينته لك هو الحقيقة التي يؤول إليها ما فعلته ،فهذا هو المعنى الأول .
الثاني : التأويل بمعنى التفسير ، ومنه قول الإمام أبن جرير الطبري في تفسيره العظيم : القول في تأويل قوله تعالى كذا وكذا.............كذا وكذا ، أي تفسير ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لأبن عباس ( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ) أي تفسير القرآن ومنه قول ابن عباس :أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله ، وقد قيل في بعض الآيات التي ورد فيها لفظ التأويل أنها بمعنى التفسير وهذا من خلاف التنوع لا التضاد ، فهذان المعنيان صحيحان مقبولان متفق عليهما بين أهل العلم ، وهما المأثوران عن السلف الصالح أعلا الله درجتهم في الفردوس الأعلى وجمعنا بهم في دار كرامته ومستقر رحمته .
الثالث : التأويل بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره الراجح إلى معناه المرجوح ، أو من حقيقته إلى مجازه وهذا النوع من التأويل لا يعرف عن السلف وإنما أحدثه المتأخرون الخلف من المتكلمين في الأصول والفقه وقد تلقفوه من أهل الكلام المذموم الذي أدخل على أهل الإسلام البلاء الكثير والشر المستطير وقد توقف أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى في قبوله ورده لأنه من الألفاظ المجملة التي تحتمل حقاً وباطلاً ، وشأنهم فيما كان من هذا القبيل التوقف والإستفصال ، فقالوا : إن كان هذا الصرف بمقتضى الدليل الصحيح الصريح فإنه صرف مقبول ، فما اقتضاه الدليل فأهلاً وسهلاً ، وأما إذا كان صرفاً لا دليل عليه وإنما مبناه على والتخرص والظنون الكاذبة والشهوات والهوى فإنه مردود على صاحبه مضروب به في وجهه ولا كرامة له ، وهو في هذه الحالة وإن سماه أصحابه تأويلاً ليروج وتقبله النفوس إلا أنه في حقيقته تحريف و خلط و باطل ودليل بطلانه أنه مخالف لمنهج السلف الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم فإنهم رحمهم الله تعالى وأعلا درجتهم في الجنة كانوا يقولون عند الظاهر المتبادر من النصوص ولا يتعدونه إلا بمقتضى دليل ، ولأن المتقرر عند أهل العلم أن الأصل هو البقاء على الظاهر الراجح ولا ننتقل إلى المرجوح إلا بدليل ، ولأن الأصل في الكلام الحقيقة فلا يعدل عنها إلى الجاز إلا بقرينه صادقة ، ولأن هذا الصرف الذي لا دليل عليه تحكم في كلام المتكلم بلا إذن منه وهذا لا يجوز في آحاد كلام البشر فكيف بكلام الله جل وعلا وكلام رسله صلوات الله وسلامه عليهم ، ولأن أدلة الشريعة إنما جاءت لإرادة البيان والهدى لا للألغاز والتعمية فكيف يخاطبنا الشارع بكلام له ظاهر وهو في حقيقة الأمر لا يريد منا أن نعتقد ظاهره من غير بيانٍ منه لذلك ، فإن هذا القول يتضمن إخراج هذه النصوص عن مقصود إنزالها الذي هو الهداية ، ولله در الإمام العلامة ابن القيم لما جعله أي التأويل بهذا المعنى من جملة الطواغيت التي أفسدت كثيراً من عقول المسلمين وعلومهم وأدخلت عليهم التمثيل والتعطيل والجير وإنكار القدر والوقيعة في خيار الأمة وسلفها فنعوذ بالله من الخذلان وزيغ القلوب بعد هدايتها والله أعلم . الشيخ وليد السعيدان
ج/ أقول : السؤال عن كيفية صفات الله محرم وجريمة من إقحام العقل والنفس فيما لا مجال لها فيه وهو من زلل القول وخطل الفهم الذي ينبغي لصاحبه التوبة النصوح والاستغفار الكثير منه وذلك لأنه مسلك الهالكين من أهل البدع ومن أبواب الشر التي لو فتحت لأفسدت على الناس عقيدتهم في ربهم جل وعلا ، ولأنه مخالف لمنهج السلف فإن السلف رحمهم الله تعالى لا يعرف عنهم كلمة واحدة في ذلك ولأنه من الأمور الغيبية التي هي خارجة عن حدود العقل وطاقاته فمهما أعملت عقلك في إدراك الكيفية لشيء من صفات الله فلن ترجع إلا بالضلال والخيرة والتيه والشكوك والأسئلة الكثيرة والإشكالات المحيرة التي لا جواب عنها إلا يردع العقل والنفس عن الدخول في ذلك ، فما هلك أهل التمثيل والتعطيل إلا لأنهم وضعوا لصفات الله كيفية من عند أنفسهم فرضيها أهل التمثيل فمثلوا وأباها أهل التعطيل فعطلوا ، فأحذر من سلوك سبيلهم الضال ، وقف حيث وقف السلف في صفات الله العظيم الكبير المتعال ولأن الكيفية لا تعلم إلا بالرؤية أو بمشاهدة النظير أو بإخبار الصادق عنها وكلها منتفية في حق صفات الله تعالى ، وأما الجواب لمن سألنا عن شيء من ذلك فهناك عدة أجوبة :
الأول : أن نقول له : ما سألت عنه من الصفات معناه معلوم ، وكيفه مجهول والإيمان بها واجب والسؤال عنه بدعه ، وهذا الجواب صحيح سديد باتفاق أهل السنة ، وصالح للإجابة به عن أي صفة قد سئل عن كيفيتها ، فهو وإن ورد في الإجابة عن السؤال عن كيفية صفة الاستواء ، لكن يصلح للجميع لأن المتقرر أن القول في بعض الصفات كالقول في بعضها ، وهذا أوضح .
الجواب الثاني : أن نقول : إن كيفية الشيء لا تعلم إلا بعد العلم بكفه ذاته ، فأخبرني أنت عن كفه ذات الباري جل وعلا ، فبالطبع لن يجد جواباً وسيقول لا أعلم كيفية ذاته ، فقل له : إذا كنا أنا وأنت مشتركين في عدم العلم بكيفية الذات فكيف تطالبني بكيفية صفة ذاتٍ لا أعلمها فإن من يجهل كيفية ذات شيء فإنه من باب أولى أن يجهل كيفية صفاتها ، فأنا لا أعلم كيف استواء الله لأنني أصلاً لا أعلم كيف هو في ذاته ولا أعلم كيفية وجهه ويديه وعينيه لأنني أصلاً لا أعلم كيف هو في ذاته جل وعلا ، فالجهل بكيفية الذات مفضي إلى الجهل بكيفية الصفات وقد تقرر عند أهل السنة أن القول في الصفات كالقول في الذات ، فنحن لا نعرف كيفية صفات الله تعالى لأننا أصلاً لا نعرف كيفية ذاته .
الجواب الثالث : أن تبين له أن الكيفية لا يمكن أن تعرف إلا بالرؤية ونحن لم نر الله تعالى ، أو بمشاهدة النظير ، وليس لله مثيل ولا شبيه حتى نستدل برؤية صفاته على صفاته كيف وقد قال تعالى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (الشورى: من الآية11) وقال (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) (مريم: من الآية65) وقال ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (الاخلاص:4) وقال تعالى ( فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل:74) أو بإخبار الصادق صلى الله عليه وسلم عن الكيفية ، وهذا منتفٍ أيضاً فإنه صلى اله عليه وسلم أخبرنا بالصفة ولم يخبرنا بكيفيتها فوجب الوقوف حيث وقف النص ، فبالله عليك : شيء لم أره ولم أر نظيره ولم يخبرني الصادق عن كيفيته ، فكيف أتعرف على هذه الكيفية التي تطالبني بها .
الجواب الرابع : وهو جواب علمي ، وهو بمثابة الكي الذي هو آخر العلاج ، ولعلك عرفته ، فإياك أن تجبن عنه ، بل قم به انتصارا لله تعالى وذباً عن شريعته ، ونترك تفاصيله كتقديرك للمصالح والمفاسد والله أعلم .
س211/ ما أقسام التأويل وما المقبول منها والمردود مع بيان ذلك بالأدلة والأمثلة ؟
ج/التأويل ثلاثة أقسام :
الأول : حقيقة الشيء التي يؤول إليها ، وهذا هو استعمال القرآن لهذه اللفظة وما تصرف منها ، أي حقيقة الشيء التي هو عليها في الواقع ، فتأويل الأمر امتثاله وفعله ، كما قالت عائشة رضي الله عنها ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن ) متفق عليه ، أي يوقع حقيقة ما أمر به في القرآن ، وتأويل النهي اجتنابه فتأويل قوله تعالى ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) (الإسراء:32) هو اجتناب الزنى وتأويل قوله تعالى ( وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) (الأنعام: من الآية151) هو ترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن وهكذا ، وتأويل الرؤيا وقوعها أي وقوع حقيقتها في الخارج ومنه قوله تعالى عن يوسف عليه الصلاة والسلام ( يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً ) (يوسف: من الآية100) أي أن سجود أبويه وإخوته له هو حقيقة الرؤيا التي رآها من قبل ، وتأويل الخبر وقوع حقيقته كما قال تعالى مهدداً الذين ينكرون اليوم الآخر ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ) (لأعراف: من الآية53) أي هل ينتظرون إلا وقوع حقيقته على ما أخبرت به الكتب وجاءت به الرسل يوم تأتي حقيقته حينئذ يندمون ولا ت ساعة مندم ، فتأويل اليوم الآخر هو وقوعه وتأويل الصفات هي حقيقتها التي هي عليها في الواقع ومن ذلك أيضاً قول الخضر لموسى عليهما الصلاة والسلام ( سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) (الكهف: من الآية78) أي سأخبرك بحقيقة ما رأيت من الأمور التي جعلتك تستنكر وتبادر بالإنكار ، ثم قال بعد ذلك أي بعد أن بين له حقيقتها ( ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) (الكهف: من الآية82) أي هذا الذي بينته لك هو الحقيقة التي يؤول إليها ما فعلته ،فهذا هو المعنى الأول .
الثاني : التأويل بمعنى التفسير ، ومنه قول الإمام أبن جرير الطبري في تفسيره العظيم : القول في تأويل قوله تعالى كذا وكذا.............كذا وكذا ، أي تفسير ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لأبن عباس ( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ) أي تفسير القرآن ومنه قول ابن عباس :أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله ، وقد قيل في بعض الآيات التي ورد فيها لفظ التأويل أنها بمعنى التفسير وهذا من خلاف التنوع لا التضاد ، فهذان المعنيان صحيحان مقبولان متفق عليهما بين أهل العلم ، وهما المأثوران عن السلف الصالح أعلا الله درجتهم في الفردوس الأعلى وجمعنا بهم في دار كرامته ومستقر رحمته .
الثالث : التأويل بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره الراجح إلى معناه المرجوح ، أو من حقيقته إلى مجازه وهذا النوع من التأويل لا يعرف عن السلف وإنما أحدثه المتأخرون الخلف من المتكلمين في الأصول والفقه وقد تلقفوه من أهل الكلام المذموم الذي أدخل على أهل الإسلام البلاء الكثير والشر المستطير وقد توقف أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى في قبوله ورده لأنه من الألفاظ المجملة التي تحتمل حقاً وباطلاً ، وشأنهم فيما كان من هذا القبيل التوقف والإستفصال ، فقالوا : إن كان هذا الصرف بمقتضى الدليل الصحيح الصريح فإنه صرف مقبول ، فما اقتضاه الدليل فأهلاً وسهلاً ، وأما إذا كان صرفاً لا دليل عليه وإنما مبناه على والتخرص والظنون الكاذبة والشهوات والهوى فإنه مردود على صاحبه مضروب به في وجهه ولا كرامة له ، وهو في هذه الحالة وإن سماه أصحابه تأويلاً ليروج وتقبله النفوس إلا أنه في حقيقته تحريف و خلط و باطل ودليل بطلانه أنه مخالف لمنهج السلف الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم فإنهم رحمهم الله تعالى وأعلا درجتهم في الجنة كانوا يقولون عند الظاهر المتبادر من النصوص ولا يتعدونه إلا بمقتضى دليل ، ولأن المتقرر عند أهل العلم أن الأصل هو البقاء على الظاهر الراجح ولا ننتقل إلى المرجوح إلا بدليل ، ولأن الأصل في الكلام الحقيقة فلا يعدل عنها إلى الجاز إلا بقرينه صادقة ، ولأن هذا الصرف الذي لا دليل عليه تحكم في كلام المتكلم بلا إذن منه وهذا لا يجوز في آحاد كلام البشر فكيف بكلام الله جل وعلا وكلام رسله صلوات الله وسلامه عليهم ، ولأن أدلة الشريعة إنما جاءت لإرادة البيان والهدى لا للألغاز والتعمية فكيف يخاطبنا الشارع بكلام له ظاهر وهو في حقيقة الأمر لا يريد منا أن نعتقد ظاهره من غير بيانٍ منه لذلك ، فإن هذا القول يتضمن إخراج هذه النصوص عن مقصود إنزالها الذي هو الهداية ، ولله در الإمام العلامة ابن القيم لما جعله أي التأويل بهذا المعنى من جملة الطواغيت التي أفسدت كثيراً من عقول المسلمين وعلومهم وأدخلت عليهم التمثيل والتعطيل والجير وإنكار القدر والوقيعة في خيار الأمة وسلفها فنعوذ بالله من الخذلان وزيغ القلوب بعد هدايتها والله أعلم . الشيخ وليد السعيدان