القوي بالله
12-16-2010, 08:11 PM
قد يُستَنكَر الموضوع أو قد يُستَغرَب، بل لن نكون مُبالِغين إنْ قُلنا: قد يُستَهجَن، أحقًّا أنَّ مَن أكرَمَه ربُّه، فأكمَلَ خِلقَته، وأحسَنَ صُورَته، وأنطَقَ لسانَه، وسَوَّى بنانه - تَعلُوه نملةٌ، ويعظم شأنها شأنه؟!
أخي القارئ:
حُقَّ لك أنْ تَعجَب، ولكن لو تأمَّلت وتفكَّرت وتدبَّرت، لوجَدتَ صِدقَ عنواني، فإليك ما رُمتُ بيانه:
لقد قَصَّ الله - تعالى - علينا في مُحكَم التَّنزِيل قصَّة نبيِّنا سليمان - عليه السلام - وأنَّه حُشِرَ له ذلك الجيش العظيم من الجنِّ والإنس والطَّير، فهم يُوزَعون، وسارَ بهم حتى وصَلُوا إلى ذلك الوادي الذي سمَّاه ربُّنا - عزَّ وجلَّ - بوادي النَّمل، من اسمه تتَّضِح لك صُورَته أنَّه وادٍ قد مُلِئ بهذا المخلوق، ولا يَخفَى على كلِّ ذي لُبٍّ ما للنَّمل من دأبٍ ونَشاطٍ في مُمارَسة عمَلِه من غير هَوادَةٍ ولا تَقصِير، فضلاً أنْ يكون فيه تأجيلٌ أو تأخيرٌ، هذا جانب.
وأيضًا لا يَغِيب عنَّا حجمُها وصغرها، حتى إنَّه لربما يَطَأ الشَّخص بقدمه هذا المخلوق من غير شعورٍ بوجوده، وحجمُها بالنِّسبة لهذا الجيش العظيم السائر في طَريقِه الممتثِل لأمر قائده، هذه لمحةٌ بسيطة للجانبين.
نعود لقصَّتنا:
فبينَما النَّمل مُشتَغِلٌ بعمَلِه مُنهَمِكٌ بدَورِه، إذا بصائحٍ ومُنذِرٍ ومُنادٍ لبَنِي جِلدته، نملة من هذا الوادي قد أفزَعَها ما رَأَتْ، وأخافَها ما شاهَدتْ، فنادَتْ مُنذرةً، ووضَعتْ حلاًّ للمُشكِلة، وبيَّنت الأسباب وقدَّمت الأعذار بأسلوبٍ يَحمِل النُّصح والصِّدق والأدب وحُسن الظنِّ، وما لا يُحصِيه إلاَّ ربُّ السَّماء والأرض من العِبَر والعِظَات في هذه القصَّة، فانظُر - يا رَعاكَ الله - لهذه النَّملة عندما رأتْ هذا الخطر مُتوجِّهًا إلى بني جِلدَتِها فعملت واجتَهدتْ وأفرَغتْ جُهدَها في إبعاد قومِها عن هذا الخطَر.
ومع تبايُن واختِلاف الخطَر وكيفيَّة حُصولِه بين تِلكُم القصَّة، وبين خطَر العدوِّ الحقيقي من شَرْقٍ حاقِدٍ أو غَرْبٍ مُتربِّص، أقول: مع البَوْنِ الشاسع والاختِلاف الواضِح والظاهر بين نيَّة ذلك الجيش وبين نَوايَا ذلك العدوِّ الحقيقي، مع هذا الاختِلاف إلاَّ أنَّ وجْه الرَّبط بين الأمرَيْن - كما لا يَخفَى - هو حتميَّة الخطَر القائم.
فأين بنو علمان من النُّصح والإرشاد والتَّوجِيه والبَيان في تَفرِيج كُربات الأمَّة ومَآزِقها ومَخاطِرها من عمل تلك النَّملة؟ فهل نصَحُوا وبيَّنوا وأوضَحُوا وكشَفُوا عَوَرَ العدوِّ وخُططَه وكيفيَّة السلامة منه؟ فإنَّه لا يَخفَى على كلِّ ذي لُبٍّ ومَن معه مُسكَة عقل، الإجابةُ على هذا أنَّهم تخاذَلُوا عن ذلك إنْ لم يكن أعانوا العدوَّ ومهَّدوا له وأنجَزُوا مهمَّته، فيا للعجب من نملةٍ آثَرتْ مصلحة قومِها على الصَّمت والإعراض، ومن قومٍ أعانوا عَدُوَّهم على قَومِهم من هدْمٍ وفَسادٍ، فشَتَّان بين هذا وذاك! فلا خيرَ في شِرذِمةٍ النَّملُ خيرٌ منهم في الصِّدق والنُّصح والإرشاد.
والله المستعان وعليه التُّكلان.
أخي القارئ:
حُقَّ لك أنْ تَعجَب، ولكن لو تأمَّلت وتفكَّرت وتدبَّرت، لوجَدتَ صِدقَ عنواني، فإليك ما رُمتُ بيانه:
لقد قَصَّ الله - تعالى - علينا في مُحكَم التَّنزِيل قصَّة نبيِّنا سليمان - عليه السلام - وأنَّه حُشِرَ له ذلك الجيش العظيم من الجنِّ والإنس والطَّير، فهم يُوزَعون، وسارَ بهم حتى وصَلُوا إلى ذلك الوادي الذي سمَّاه ربُّنا - عزَّ وجلَّ - بوادي النَّمل، من اسمه تتَّضِح لك صُورَته أنَّه وادٍ قد مُلِئ بهذا المخلوق، ولا يَخفَى على كلِّ ذي لُبٍّ ما للنَّمل من دأبٍ ونَشاطٍ في مُمارَسة عمَلِه من غير هَوادَةٍ ولا تَقصِير، فضلاً أنْ يكون فيه تأجيلٌ أو تأخيرٌ، هذا جانب.
وأيضًا لا يَغِيب عنَّا حجمُها وصغرها، حتى إنَّه لربما يَطَأ الشَّخص بقدمه هذا المخلوق من غير شعورٍ بوجوده، وحجمُها بالنِّسبة لهذا الجيش العظيم السائر في طَريقِه الممتثِل لأمر قائده، هذه لمحةٌ بسيطة للجانبين.
نعود لقصَّتنا:
فبينَما النَّمل مُشتَغِلٌ بعمَلِه مُنهَمِكٌ بدَورِه، إذا بصائحٍ ومُنذِرٍ ومُنادٍ لبَنِي جِلدته، نملة من هذا الوادي قد أفزَعَها ما رَأَتْ، وأخافَها ما شاهَدتْ، فنادَتْ مُنذرةً، ووضَعتْ حلاًّ للمُشكِلة، وبيَّنت الأسباب وقدَّمت الأعذار بأسلوبٍ يَحمِل النُّصح والصِّدق والأدب وحُسن الظنِّ، وما لا يُحصِيه إلاَّ ربُّ السَّماء والأرض من العِبَر والعِظَات في هذه القصَّة، فانظُر - يا رَعاكَ الله - لهذه النَّملة عندما رأتْ هذا الخطر مُتوجِّهًا إلى بني جِلدَتِها فعملت واجتَهدتْ وأفرَغتْ جُهدَها في إبعاد قومِها عن هذا الخطَر.
ومع تبايُن واختِلاف الخطَر وكيفيَّة حُصولِه بين تِلكُم القصَّة، وبين خطَر العدوِّ الحقيقي من شَرْقٍ حاقِدٍ أو غَرْبٍ مُتربِّص، أقول: مع البَوْنِ الشاسع والاختِلاف الواضِح والظاهر بين نيَّة ذلك الجيش وبين نَوايَا ذلك العدوِّ الحقيقي، مع هذا الاختِلاف إلاَّ أنَّ وجْه الرَّبط بين الأمرَيْن - كما لا يَخفَى - هو حتميَّة الخطَر القائم.
فأين بنو علمان من النُّصح والإرشاد والتَّوجِيه والبَيان في تَفرِيج كُربات الأمَّة ومَآزِقها ومَخاطِرها من عمل تلك النَّملة؟ فهل نصَحُوا وبيَّنوا وأوضَحُوا وكشَفُوا عَوَرَ العدوِّ وخُططَه وكيفيَّة السلامة منه؟ فإنَّه لا يَخفَى على كلِّ ذي لُبٍّ ومَن معه مُسكَة عقل، الإجابةُ على هذا أنَّهم تخاذَلُوا عن ذلك إنْ لم يكن أعانوا العدوَّ ومهَّدوا له وأنجَزُوا مهمَّته، فيا للعجب من نملةٍ آثَرتْ مصلحة قومِها على الصَّمت والإعراض، ومن قومٍ أعانوا عَدُوَّهم على قَومِهم من هدْمٍ وفَسادٍ، فشَتَّان بين هذا وذاك! فلا خيرَ في شِرذِمةٍ النَّملُ خيرٌ منهم في الصِّدق والنُّصح والإرشاد.
والله المستعان وعليه التُّكلان.