محب الدعوة
06-22-2010, 10:43 PM
تأليف
وليد بن راشد السعيدان
الحمد لله حمد الشاكرين والشكر لله شكر المعترفين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد :-
فهذا مختصر في أصول الفقه شاملاً لمسائله على القول الراجح مجردا عن الدليل والخلاف ليسهل حفظه فأقول :
الأصول : جمع أصل وهو الأساس والدليل والقاعدة المستمرة والراجح .
والفقه لغة : الفهم
وشرعاً : معرفة الأحكام الشرعية المكتسب من أدلتها التفصيلية .
وتعلمه فرض كفاية .
وفائدته : استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة .
وأول من ألف فيه على وجه الاستقلال الإمام الشافعي في كتابه الرسالة .
والحكم الشرعي : هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين على جهة الاقتضاء والتخيير والوضع .
وهو قسمان : حكم تكليفي ، وحكم وضعي .
والحكم التكليفي خمسة أقسام :
واجب ومندوب ومحرم ومكروه ومباح .
فالواجب لغة : الساقط واللازم .
وشرعاً : ماطلب الشارع فعله على جهة الإلزام .
وثمرته : أنه يثاب فاعله امتثالاً ويستحق العقاب تاركه .
ومثاله الصلاة والزكاة وبر الوالدين .
وينقسم باعتبار ذاته إلى:
معين : كالصلاة والصوم والحج.
وإلى مخير : كخصال الكفارة وخالف فيه المعتزلة .
وينقسم باعتبار وقته إلى :
مؤقت : كالصلاة .
وغير مؤقت : كالوفاء بالنذر وإخراج الكفارات وبر الوالدين وصلة الأرحام .
و المؤقت ينقسم إلى :
مضيق : وهو مالا يتسع لفعل غيره من جنسه كالصوم في رمضان .
وإلى موسع : وهو ما يتسع لغيره من جنسه كالصلاة وخالف فيه الحنفية .
وينقسم باعتبار الفاعل إلى :
عيني : كالصلاة والصوم .
وإلى كفائي : كالجهاد وتغسيل الميت وتكفينه و الصلاة عليه .
وينقسم باعتبار مقداره إلى :
محدد : كمقادير الكفارات وأروش الجنايات والصلوات .
وغير محدد : كبر الوالدين وصلة الأرحام و الطمأنينة في الركوع و السجود .
ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب كالمشي لصلاة الجماعة .
ووسائل الواجب واجبة : كالسفر للحج .
والواجبات منوطة بالقدرة وتسقط بالعجز إجماعاً .
والندب في اللغة : الدعاء .
وشرعاً : ماطلبه الشارع على غير جهة الإلزام وثمرته يثاب فاعله امتثالاً ولا يعاقب تاركه ،كالرواتب والسواك ودعاء الاستفتاح .
وهو لتكميل الفرض وحمايته ولرفعة الدرجات .
والمندوب مأمور به حقيقة .
ومن أسمائه السنة و القربة و النافلة و المستحب .
و المؤكد منه ما داوم النبي على فعله كالرواتب والوتر .
وغير المؤكد مالم يداوم على فعله كركعتي الضحى و جلسة الإستراحة .
ولا يلزم المندوب بالشروع إلا في النسكين كنفل الصلاة و الصوم .
ومن الحكمة تركه أحياناً إذا كان في الترك مصلحة التأليف .
والعبادات الوردة على وجوه متنوعة تفعل على جميع وجوهها في أوقات مختلفة .
وماليس بسنة راتبة جاز فعله أحياناً كالإجتماع في صلاة الضحى و قيام الليل .
ومالا يشرع قضاؤه يفوت بفوات محله كالاستفتاح وتكبيرات العيد والإشارة بالسبابة في التشهد .
والحرام لغة : المنع .
وشرعاً : ما طلب الشارع تركه على جهة الإلزام .
وثمرته : ما يستحق العقاب فاعله و يثاب تاركه امتثالاً .
ومثاله : الزنا و القتل و السرقة .
وتباح المحرمات عند حلول الضرورات .
ووسائل الحرام حرام .
ومن أسمائه المحظور، و المنهي عنه .
وينقسم إلى :
حرام لذاته : كالقتل بغير حق والزنا والسرقة .
وحرام لغيره : كالصلاة في المقبرة و البيع بعد النداء الثاني يوم الجمعة .
وإن عاد النهي إلى ذات العبادة أو شرط صحتها دل على فسادها ، وإن عاد إلى أمرٍ خارجٍ فلا .
والمكروه لغة : المبغوض .
وشرعاً : ما طلب الشارع تركه على غير وجه الإلزام .
وثمرته : ما يثاب تاركه امتثالاً ولا يعاقب فاعله .
ومثاله : تشبيك الأصابع و الكلام حال الخلاء .
وأكثر إطلاقه شرعاً وعند السلف على الحرام .
والكراهة ترتفع عند الحاجة .
ووسائل المكروه مكروهة .
والمباح لغة : المأذون فيه .
وشرعاً : مالا يتعلق به طلب فعل و لا طلب كف .
وثمرته : مالا يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه لذاته .
ومثاله : الأكل والشرب والنوم والوطء والممازحة .
والمباحات تكون طاعات بالنيات الصالحات .
والأصل في العادات الإباحة .
والأصل في الآنية الإباحة .
والأصل في المعاملات الإباحة .
والحكم الوضعي هو:
خطاب الشارع المتعلق بجعل شئ سبباً لشيء أو شرطاً له أو مانعاً منه ، أو مصححاً أو مفسداً .
والسبب هو:
ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته .
كوقت الصلاة وحولان الحول للزكاة والبلوغ لوجوب التكليف .
والأسباب الشرعية مبناها على التوقيف .
وكل من اتخذ سبباً لم يدل عليه شرعٌٌ ولا قدرٌ فإن اعتقده الفاعل بذاته فشرك أكبر وإلا فشرك أصغر .
والشرط في اللغة : العلامة .
وشرعاً : ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم وجوده وجود ولا عدم لذاته كشروط الطهارة واستقبال القبلة وإزالة النجاسة للصلاة .
والأصل في الاشتراط الشرعي التوقيف على النص .
ومنه شرط الصحة وهو ما تتوقف عليه الصحة كالإسلام و العقل لصحة العبادات .
وشروط وجوب وهو ما يـتوقف عليه وجوب العبادة كالبلوغ للتكليف وبلوغ النصاب لوجوب الزكاة .
ولاتصح العبادة إلا إذا توفرت شروطها وانتفت موانعها .
والأصل في العبادات الإطلاق عن الشروط إلا فيما ورد فيه النص .
ويجوز تقديم العبادة بعد تحقق سبب وجوبها وقبل شرط الوجوب .
كالكفارة إذا تحققت اليمين، وزكاة المال إذا بلغ نصاباً وقبل حولان الحول .
والمانع لغة : الحاجز بين الشيئين .
وشرعاً : ما يلزم وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته .
ونقيض شروط الصحة موانع .
والصحة لغة : ضد المرض .
وشرعاً : ترتب الأثر المقصود من الفعل .
فالصحيح من العبادات ما استجمع ما وجب فيه شرعاً وسقط به الطلب ، والصحيح من المعاملات ما تحقق منه مقصود ولم يخالف نصاً .
والفساد والبطلان تخلف الآثار المقصودة من الفعل .
وهما بمعنى واحد ، والتفريق بينهما مجرد اصطلاح .
والعبادة المنعقدة بالدليل الشرعي لا تبطل إلا بالدليل الشرعي .
ونواقض الوضوء توقيفية .
وموجبات الغسل توقيفية .
ومبطلات الصلاة توقيفية .
والشريعة مبناها على أن لا يعبد إلا الله ولا يعبد إلا بما شرعه نبيه .
وكل إحداثٍ في الدين فهو رد .
وكل بدعةٍ ضلالة .
والأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة الصريحة .
وشرعية الأصل لا تستلزم شرعية الوصف .
والحاكم هو الله وحده جل وعلا و النبي مبلغ عن الله تعالى .
وما ينطق عن الهوى إن هوإلا وحيٌ يوحى .
والعبادة المؤقتة بوقت تفوت بفوات وقتها إلا من عذر .
والأداء فعل العبادة في وقتها المقرر شرعاً ، والقضاء فعلها بعد خروج وقتها ، والإعادة فعلها في وقتها بسبب خللٍ أوجب ذلك ،والقضاء كالأداء إلا فيما فرق فيه النص .
والعزيمة في اللغة : القصد المؤكد .
وشرعاً : وصف للحكم الثابت ابتداءً لا لأجل عذر .
والرخصة لغة : التسهيل و التيسير .
وشرعاً : وصف للحكم الثابت على خلاف دليل شرعي باقٍ للعذر .
والشريعة مبناها على رفع الحرج .
وكل فعل في تطبيقه عسر فإنه يصحب باليسر .
والأخذ بالرخصة عند حلول أسبابها أفضل .
وقد تكون واجبة كالأكل من الميتة للمضطر .
ومندوبة كالفطر للمسافر إن شق عليه الصوم ، وكالقصر في السفر .
والنطق بكلمة الكفر إن كان ممن ينتفع به الإسلام بعلم ونحوه .
ولا يجوز تتبع الأقوال الشاذة المخالفة للنص في بعض المذاهب ، والله أعلم .
***********
( فصل )
والتكليف لغة : إلزام ما فيه كلفة .
وشرعاً : إلزام مقتضى خطاب الشرع .
وأركانه ثلاثة : المكلِف ـ بالكسرـ وهو الشارع ، والمكلـَّف وهم الثقلان ، والمكلف به وهو الفعل والترك .
وصيغة التكليف ، وهي الخطاب بأمر أو نهي أو تخيير .
ولا تكليف إلا بعقل وبلوغ وفهم خطاب واختيار وقدرة .
وجميع تكاليف الشريعة داخلة تحت القدرة و الاستطاعة ، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها .
والمميز ليس بمكلفٍ في الأصح.
وأمرهم بالصلاة أمر تعويد وتدريب لا أمر تكليف .
ووجوب الزكاة والضمان في مال الصغير والمجنون من باب ربط الحكم بالسبب .
وأجر العبادة للصغير ولمن أمره بها .
والشرائع لا تلزم إلا بالعلم فلا تكليف إلا بعلم ولا عقوبة إلا بعد إنذار .
والجهل عذر إن كانت القرائن تصدِّق دعواه .
ولا عذر بالجهل في المسائل العقدية الكبيرة المعلومة من الدين بالضرورة .
والكفار مخاطبون بفروع الشريعة في الأصح .
ولا يقضي الكافر مافاته زمن الكفر .
ويشترط في الفعل المكلف أن يكون معلوماً ومعدوماً وممكناً .
فلا تكليف بما لا يطاق عقلاً ولا عرفاً .
وقد تجاوز الله عن هذه الأمة ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم .
ولا تسقط المأمورات بالجهل والنسيان ، فمن نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك .
وباب التروك يسقط بهما .
ولا تكليف على نائم ، لكنه يقضي ما فاته زمن النوم إن أمره الدليل بذلك .
والمغمى عليه مكلف فلا يسقط عنه ما وجب ولكن لا يطالب به مطالبة أداء حال الإغماء لعدم التمكن وعليه القضاء وإن طال زمنه .
والسكران الطافح لا يقع طلاقه ولا عتاقه ولا تصح عبادته لفقدان مناط التكليف وهو العقل .
والغضبان جداً لا يقع منه ذلك في الأصح ، وهو اختيار الشيخين .
ولا تصح عقود المكره من بيع وشراء وإجارة إلا ما كان منها بحق .
ولا يقع طلاقه ولا عتقه ولا يكفر بقول كلمة الكفر أو فعله بسبب الإكراه .
ومن سحر ليطلق فإكراه .
والإكراه لا يبيح الزنا ولا قتل المعصوم بالاتفاق .
وحديث طارق بن شهاب محمول على شريعة من قبلنا أو على بداية الإسلام وقد نسخ ، والله أعلم .
**********
(فصل في الأدلة الشرعية)
والأدلة : جمع دليل وهو المرشد إلى المطلوب .
وشرعاً : ما يتوصل بالنظر الصحيح فيه إلى مطلوب خبري .
وهي قسمان : متفق عليها ، ومختلف فيها .
والأصل في الأدلة الشرعية العموم وإن وردت على أسباب خاصة .
وأولها القرآن , وهو كلام الله تعالى منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود , وهو كلام الله حقيقة حروفه ومعانيه .
والقرآن حجة بالاتفاق .
وهو اسم للنظم والمعنى خلافا لبعض الأحناف .
وقد أنزل على سبعة أحرف وكلها عربية .
واقتصر فيه على حرف واحد لما جمعه الصحابة .
والقراءة الصحيحة ماصح سندها ووافقت اللغة ولو من وجه , ووافقت رسم المصحف العثماني . ولا يشترط لصحتها التواتر في الأصح واختاره الشيخ والقراءة الشاذة ماصحَّ سندها ووافقت اللغة وخالف الرسم العثماني وهي حجة في الأصح .
وتشابه القرآن وإحكامه عام وخاص .
فالعام منه معناه الإتقان والاتفاق وعدم الاختلاف وتأييد بعضه بعضاً والتشابه الخاص معناه عدم فهم المراد ، والإحكام الخاص معناه وضوح المراد وليس في المصحف ماتتفق الأمة على عدم فهم المراد منه . والتشابه منه نسبي عرضي وآيات الصفات والمعاد معلومة من جهة معانيها ومجهولة من جهة كيفيتها .
وإن كان المقصود بتأويله ما تؤول إليه حقيقة اللفظ فالوقف على قوله: (إلا الله ) وإن كان المقصود به التفسير فالوقف على قوله : (والراسخون في العلم ) .
والقرآن كله عربيٌ , والألفاظ الأعجمية فيه صارت عربية بالتعريب وفي القرآن مجاز إلا في آيات الصفات وحقائق اليوم الآخر فلا مجاز فيها بل الواجب حملها على ظاهرها وإمرارها كما جاءت من غير كيف .
**********
( فصل )
والسنة لغة : الطريقة حسنة كانت أو سيئة .
وشرعاً : مانقل عن النبي من قوله أو فعله أو تقريره أو تركه وهي حجة إذا صح سندها بالإجماع .
والنبي معصوم فيما يبلغه من الشرع ومعصوم من الكبائر .
وقد كانت تنـزَّل على النبي كما ينـزَّل عليه القرآن .
وإذا وردت الحكمة في القرآن مقرونة مع الكتاب فهي السنة بإجماع السلف .
وهي تبين القرآن وتؤكد أحكامه وتثبت بها الأحكام استقلالاً .
وأقواله إن كانت خبراً فالواجب تصديقها وعدم السماح للشك أن يتطرق في صدق خبره .
وإن كانت أمراً فالواجب طاعته فيها ولا خيرة في ذلك إلا فيما ورد له صارف فيكون للأفضلية والندب .
وإن كانت نهياً فالواجب اجتناب ما نهى عنه وزجر ولا خيرة في ذلك إلا فيما ورد له صارف فيكون لكراهة التنزيه .
وأما أفعاله فالأصل فيها الندب مالم تقترن بأمرٍ فتحمل على ما تفيده صيغة الأمر .
والأصل في أفعاله التشريع , فإذا دار الفعل بين كونه عادة أو تشريعاً ولا مرجع فالأصل أنه تشريع كتربية الشعر وترجيله والذهاب لمسجد العيد من طريق والعودة من طريق ولبس الخاتم وتسمية الأثاث والدواب والأصل عدم الاختصاص إلا بدليل . ولكن ما ثبت له من الخصائص بالطريق الصحيح فنتعبد لله بتركها واعتقاد خصوصيته بها كالزواج بأكثر من أربع والوصال باليومين والثلاثة , وهي كثيرة .
ولا يجوز الغلو في إثبات ما لا دليل عليه من الخصائص كما هو الحال عند المبتدعة .
ولا تصح الأعمال إلا بالإخلاص والمتابعة .
وجهات المتابعة ستة :
الجنس والسبب والصفة والزمان والمكان والمقدار .
وأما الأفعال الجبلية فلا نتأسى به فيها لذاتها وإنما التأسي به يكون في هيئاتها كالأكل والشرب وهيئته , والنوم وهيئته , وقضاء الحاجة وهيئته ا, والمشي وهيئته , ونحو ذلك .
وإقراره حجة كإقراره على إنشاد الشعر في المسجد وإقرار العزل وإقراره صلاتهم قبل المغرب ركعتين .
وكل فعل توفر سببه على عهد النبي ولم يفعله فالمشروع تركه .
كترك الأذان والإقامة في العيد والكسوف .
وترك التطوع بعد العيد في المسجد ولم يمت إلا وقد بلغ كل ما أمر ببلاغه على أحسن الوجوه وأفصح البيان وكمال الشفقة والنصح وغاية الصدق .
والخبر لغة : النبأ .
واصطلاحاً : ما يحتمل الصدق والكذب لذاته .
وأخبارالشارع لا تحتمل إلا الصدق ولا يتطرق تصور الخَلف فيها بوجه من الوجوه .
والمتواتر لغة : المتتابع .
واصطلاحاً : ما رواه جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب عادة وأسندوه إلى الحس .
وهو نوعان : لفظي : وهو ما اتفق الرواة على لفظه ومعناه كحديث (من كذب علي متعمداً ) و حديث (من بنى مسجداً) ونحوها .
ومعنوي : وهو ما اتفق الرواة على معناه دون لفظه كأحاديث المسح على الخفين والرؤية والشفاعة والحوض ونحوها .
وهو يفيد العلم اليقيني ويوجب العمل .
والعبرة بوجود العلم في النفس لا مجرد العدد .
وخبر الآحاد ما فقد شرط التواتر .
وأجمع السلف على وجوب العمل بخبر الآحاد في العقائد والشرائع .
وهو يفيد الظن إلا إذا اقترنت به قرائن ترفعه إلى القطع كاتفاق الشيخين على إخراجه أو تلقي الأمة له بالقبول .
وخبر الآحاد معتمد فيما تعم به البلوى إذا توفرت فيه شروط الاحتجاج .
وهو ينقسم إلى : صحيح وحسن وضعيف .
فالصحيح : ما رواه عدل تام الضبط بسند متصل وخلا من الشذوذ والعلة القادحة .
والحسن : ما رواه خفيف الضبط كذلك .
والضعيف: ما خلا عن شروط الصحيح والحسن .
ولا يجوز الاحتجاج به ولا إثبات شيء من الأحكام الشرعية به .
ولابد من بيان حاله إذا روي .
ويشترط في الراوي لقبول روايته الإسلام والبلوغ والضبط .
وإذا تعارض رأي الراوي وروايته قدمنا روايته على رأيه .
وتفسير الراوي مقدم على غيره إذا لم يخالف ظاهر الحديث .
وأجمع المسلمون على أن الكذب على المصطفى كبيرة من الجرائم وعظيمة من الموبقات .
ومن مقتضيات شهادة أن محمداً رسول الله تقديم قوله على كل قول .
**********
( فصل )
والإجماع لغة : العزم والاتفاق .
وشـرعاً : اتفاق مجتهدي هذه الأمة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم في عصر من العصور على حكم شرعي .
وهو جائزعقلاً ، وواقع شرعاً ولا تجتمع الأمة على ضلالة البتة .
وهوحجة شرعية يجب قبولها واعتمادها والمصير إليها وتحرم مخالفتها وأضبطه ما كان في عصر الصحابة والتابعين .
ومنه النطقي: وهو الثابت بنطق المجتهد نفسه .
ومنه السكوتي : وهو حجة ظنية على الصحيح .
ومنه القطعي : وهو الثابت بالتواتر بنقل الآخر عن الأول .
وهذا هو الذي يكفر من أنكره وخالفه .
ولا يشترط انقراض العصر على الصحيح .
واتفاق الخلفاء الأربعة أوالشيخين أقرب للصواب ولا شك ولكنه ليس إجماعاً .
واتفاق أهل البيت ليس بإجماع .
وما جرى مجرى النقل من عمل أهل المدينة فهو حجة كنقلهم مقدار الصاع والمد والأذان وترك أخذ الزكاة في الخضروات .
واتفاقهم قبل مقتل عثمان حجة كذلك . وماعدا ذلك فليس بحجة ولا إجماع .
ومخالفة الواحد والاثنين من المجتهدين تنقض الإجماع .
**********
( فصل )
والقياس لغة : التقدير .
وشرعاً : حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما .
وهو حجة على إثبات الأحكام التي لم يرد لها نص بخصوصها وصدر من عالم مؤهل قد استجمع شروط الاجتهاد وأن يكون في نفسه صحيحاً .
وكل قياس صادم النص فإنه فاسد الاعتبار ، ولا قياس مع النص .
وأركانه : الأصل و الفرع والحكم والعلة .
وشروط الأصل ثبوته بنص أوإجماع .
وأن لا يكون منسوخا .
وأن يكون معقول المعنى .
ويشترط في الفرع أن لا يكون منصوصاً عليه وأن تتحقق فيه علة الأصل .
ويشترط في الحكم أن يكون حكماً شرعياً باقياً غير منسوخ ثابـتاً بالنص أو الإجماع أو اتفاق الخصمين .
ويشترط في العلة أن تكون متعدية .
منضبطة ظاهرة لا خفية وعادة الشرع أن العلة إذا كانت خفية نيط الحكم بالوصف الظاهر .
كانتقاض الوضوء بالنوم وإراقة المخلوط بعد ثلاث والقصر في السفر وتعرف العلة بالنص والإجماع والإيماء والمناسبة والدوران والسبر التقسيم .
والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً .
والحكم المقرون بالفاء بعيد وصف مشعر بعليته .
وترتيب الحكم على الوصف بصيغة الجزاء مشعر بأنه علته .
والقياس المساوي حجة .
والقياس الأولوي حجة .
والشريعة لا تفرق بين متماثلين ولا تجمع بين مختلفين .
وليس شيء فيها على خلاف الخلاف .
والصحيح جواز الاحتجاج بالقياس في الحدود .
والصحيح جواز الاحتجاج بالقياس في الرخص .
والصحيح جواز الاحتجاج بالقياس في الكفارات عند اتفاق علل الأفعال .
والأصل في الذمم البراءة .
والأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته .
والأصل بقاء ما كان على ما كان .
واليقين لا يزول بالشك .
والصحيح جواز القياس في جزء العبادة لا في إثباتها كلاً على وجه الاستقلال.
**********
( فصل )
والأصل هو :
البقاء على الأصل حتى يرد الناقل .
والأصل استصحاب عموم الدليل حتى يرد المخصص .
والأصل استصحاب إطلاق النص حتى يرد المقيد .
والأصل استصحاب حكم دل الشرع على ثبوته واستمراره حتى يثبت خلافه .
والأصل في الأشياء الإباحة إلا بدليل .
والأصل في الذمم البراءة .
والأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته .
والأصل بقاء ما كان على ما كان .
واليقين لا يزول بالشك .
والمثبت والنافي كلاهما مطالب بالدليل على دعواه .
وقول الصحابي إذا لم يخالف نصاً ولم يخالف صحابي آخر .
وقوله فيما لا مجال للرأي فيه له حكم الرفع إن لم يكن معروفاً بالأخذ عن أهل الكتاب .
وإذا قال قولاً ولم يخالفه آخر من الصحابة فهو إجماع وحجة .
والشرائع متفقة في عقائدها مختلفة في شرائعها .
وشريعة الإسلام هي أفضلها وآخرها وأكرمها وأخفها .
وماثبت في شرعنا من الشرائع السابقة فهو شرع لنا بالاتفاق ، وإلا يكن كذلك فشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد نسخه في شرعنا .
وسد الذرائع أصل من أصول الشريعة .
والمصلحة المرسلة يفزع إليها كدليل إن كانت حقيقة لا متوهمة .
ولم تعارض نصاً أو إجماعاً صحيحاً .
ولم تعارض مصلحة مساوية أو أعظم منها .
وأن تكون في مواضع الاجتهاد .
وكل حيلة يتوصل بها إلى إحقاق باطل أو إبطال حق فهي محرمة .
**********
( فصل في النسخ )
النسخ لغة : النقل والإزالة .
وشرعاً : رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخ عنه .
وهو جائز عقلا وواقع شرعاً .
ولا يدخل في الأخبار لأن نسخها تكذيب لها .
ولا ما كانت مصلحته مستمرة كالصلاة , أو مفسدته مستمرة كالشرك ونحوها ويشترط في الناسخ أن يكون نصا من قرآن أو سنة فلا يصح بالقياس أو الإجماع .
وأن يكون متأخرا ويعرف ذلك بالنص أو إخبار الصحابي أو الإجماع وبضبط تاريخ القصة .
ويطلق في عرف السلف الأوائل على التقييد والتخصيص وزيادة البيان وإذا أمكن الجمع فلا نسخ .
ورفع البراءة الأصلية لا يعتبر نسخاً .
وقد ينسخ الحكم واللفظ كقول عائشة رضي الله عنها كان في ما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرَّمن ثم نسخن إلى خمس معلومات .
وقد ينسخ الحكم ويبقى اللفظ كآية المصابرة وعدة المتوفى عنها زوجها .
وقد ينسخ اللفظ ويبقى الحكم كآية الرجم في حديث عمر رضي الله عنه .
والقرآن ينسخ بالقرآن كآية المصابرة. والسنة تنسخ بالسنة كحديث (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) الحديث .
والقرآن ينسخ السنة كنسخ الاستقبال لبيت المقدس .
والصحيح جواز نسخ القرآن بالسنة .
ويجوز النسخ قبل التمكن من الامتثال وإلى غير بدل .
والزيادة على النص ليست نسخاً .
**********
( فصل في الأمر )
وهو طلب الفعل بالقول على وجه الاستعلاء .
واتفق السلف على أن له صيغة تخصه .
فمنها فعل الأمر ( افعل ) وما تصرف منه .
والفعل المضارع المجزوم بلام الأمر .
واسم فعل الأمر .
والمصدر النائب عن فعل الأمر .
وصيغة الأمر في الكتاب والسنة إذا تجردت عن القرائن أفادت الوجوب وبالقرينة تفيد ما تفيده القرينة .
والأمر المتجرد عن القرائن يفيد الفورية . ولا يفيد التكرار على الصحيح والأمر المعلق على شرط أو صفة هما علته يفيد التكرار بتكررهما .
وأوامر الله تعالى تستلزم الإرادة الشرعية لكنها لا تستلزم الإرادة الكونية .
والأمر بالشيء نهي عن ضده من جهة المعنى .
وإتيان المكلف بالمأمور به على وجه المطلوب يقتضي الإجزاء .
والأمر بالأمر بالشيء لا يخلو فإن كان الأول وسيلة في إبلاغ الأمر للثاني وتنتهي مهمته بإبلاغه فهو أمر متوجه للثاني ، فإن كان الأمر للأول سيق مساق التكليف له فهو أمر للأول وليس أمراً للثاني .
والأمر بعد الحضر يفيد ما كان يفيده قبل الحضر .
**********
( فصل )
والنهي طلب الترك جزماً بالقول على جهة الاستعلاء .
وصيغته ( لا تفعل ) وما تصرف منها .
والنهي المطلق عن القرينة يفيد التحريم وبالقرينة يفيد الكراهة .
وهو يفيد التكرار والفورية .
وكل فعل لعن فاعله أو توعد عليه بعقوبة أو وجب فيه حد أو وصف بأنه من عمل المنافقين والكفار فإنه محرم والنهي عن الشيء أمر بضد من أضداده من جهة المعنى واللزوم .
وجنس المأمور أعظم من ترك المنهي .
**********
( فصل في العام والخاص )
والعام لغة : الشامل .
وشرعاً : مادل على معين محصور .
والأصل في الأحكام الشرعية العموم .
وكل حكم ثبت في حقه صلى الله عليه وسلم فإنه يثبت في حق الأمة تبعاً إلا بدليل الاختصاص .
وكل حكم ثبت في حق واحد من الأمة فإنه يثبت في حق الأمة إلا بدليل الاختصاص .
والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
والخاص مقدم على العام .
واللفظ العام بعد تخصيصه حجة فيما بقي .
وذكر العام ببعض أفراده بحكم يوافق حكم العام ليس تخصيصاً ومذهب السلف أن للعموم ألفاظاً تخـصه .
وهي :
لفظ ( كل وجميع وكافة وسائر وعامة ) .
والألف واللام الاستغراقية إذا دخلت على المفرد والجمع .
والمفرد والجمع إذا أضيفا .
والنكرة في سياق النهي والنفي والشرط .
و( من ) للعاقل و( ما ) لغير العاقل و( أي ) لهما .
والأسماء الموصولة .
وكل حكم ثبت في حق أحد الجنسين فإنه يثبت للآخر تبعاً إلا بدليل الاختصاص .
وكل حكم ثبت في حق الأحرار فإنه يثبت في حق العبيد تبعاً إلا بدليل الاختصاص .
وترك الاستفصال في مقام الاحتمال منزل منزلة العموم في المقال .
ومن العموم ما هو محفوظ أي لم يدخله التخصيص ومنه ما قد خص .
وإذا تعارضا قدم العموم المحفوظ على العموم المخصوص لقوته .
والمخصصات متصلة ومنفصلة :
فالمتصلة هي:
الاستثناء والشرط والصفة والغاية .
ويشترط في الاستثناء الاتصال إلا لانقطاع الضرورة وعدم الاستغراق إلا من الصفة .
ولا يجوز تخصيص العام إلا بنص صحيح صريح .
وأما المنفصلة فهي :
الحس و العقل والإجماع، وقول الصحابي الذي له حكم الرفع والقياس إن كان مقطوعاً به ، والنص ويدخل تحته تخصيص الكتاب بالكتاب وتخصيص السنة بالكتاب والكتاب بالسنة والسنة بالسنة .
وإذا تعقب الاستثناء جملاً عاد إلى جميعها إذا لم يكن ثمة قرينة .
**********
( فصل )
والمطلق هو :
ما دل على الحقيقة بلا قيد .
والأصل بقاء المطلق على إطلاقه ولا يقيد إلا بدليل .
ويحمل المطلق على المقيد إذا اتفقا في الحكم .
والمنطوق هو :
ما دل عليه اللفظ في محل النطق .
وأقسامه :
صريح ، وغير صريح .
فالصريح :
هو المعنى الذي وضع اللفظ له، ويدخل تحته دلالة المطابقة و التضمن غير صريح والمعنى الذي دل عليه اللفظ في غير ما وضع له كدلالة الالتزام .
وغير الصريح له ثلاثة أقسام :
الأول :
دلالة الاقتضاء، ودلالة الإشارة، ودلالة التنبيه، ولازم القول ليس قولاً إلا بعد عرضه وقبوله .
والمفهوم : هو مادل عليه اللفظ لا في محل النطق .
وهو ثلاثة:
أولوي ومساوي ومخالف .
والمفهوم الأولوي حجة .
ومفهوم الموافقة المساوي حجة .
ومفهوم المخالفة حجة . كمفهوم الصفة والشرط والغاية والعدد وإذا تعارض المنطوق والمفهوم قدم المنطوق .
والأصل هو البقاء على الظاهر حتى يرد الناقل .
والأصل هو البقاء على الحقيقة ولا ينتقل إلا المجاز إلا بقرينة .
والواجب حمل المجمل على المبين .
ويجب عقد العزم على العمل بالمجمل حتى ورود البيان .
والبيان إما أن يكون بقوله صلى الله عليه وسلم أو فعله أو بهما أو بالإقرار .
ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة .
وغلبة الظن كافية للتعبد .
**********
( فصل )
وأدلة الشريعة لا يمكن أن تتعارض في ذاتها لأنها من عند حكيم حميد لا يأتيها الباطل من بين يديها ومن خلفها .
وإذا وجد المجتهد بين الأدلة ما يوهم التعارض فيدفع أولاً بالجمع بينهما ، الجمع بين الأدلة واجب ما أمكن ، وإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما ما أمكن ، فإن لم يمكن فينتقل إلى النسخ بشرطه فإن لم يمكن فالترجيح بينهما إما بالنظر إلى إسنادهما أو متنهما أو بالنظر إلى أمر خارجي . فإن لم يمكن فالتوقف .
والمثبت مقدم على النافي .
وكل مذهب يخالف منهج السلف في أمور الاعتقاد فهو باطل .
وألفاظ الشارع تحمل على الحقيقة الشرعية لا اللغوية إلا بقرينة .
ومن حفظ حجة على من لم يحفظ .
وإذا عرضت واقعة فانظر حكمها في القرآن أولا فإن لم يكن فالسنة فإن لم يكن فالإجماع فإن لم يكن فالقياس ، والله أعلم .
************
( فصل )
( في الاجتهاد والتقليد )
والاجتهاد لغةً:
بذل الوسع والطاقة .
وشرعاً :
بذل الوسع في النظر في الأدلة الشرعية لاستنباط الأحكام الشرعية ولا يجوز إلا من عالم فقيه .
وإذا حكم الحاكم فأصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر .
والصحيح أنه يتجزأ .
ولا اجتهاد مع النص .
والاجتهاد لا ينقض الاجتهاد .
وشروطه الإسلام والعقل والبلوغ .
ومعرفة الآيات والأحاديث الدالة على الأحكام بطريق النص أو الظاهر , ومعرفة طريق تصحيح الأحاديث وأساليب الحكم عليها .
ومعرفة الناسخ والمنسوخ .
ومواطن الإجماع .
وعارفاً بدلالات الألفاظ .
ومراتب الأدلة وطرق الجمع بينها والعدالة .
ويجوز الاجتهاد في عصره صلى الله عليه وسلم في الغيبة , والحضور بإذنه .
وكل مجتهد مصيب باعتبار سلوك طرق الاستدلال والترجيح .
وليس مصيباً باعتبار إصابة الحق لأن الحق واحد لا يتعدد .
ولا ينكر تغير الفتوى بتغير الأزمان .
ولا إنكار في مسائل الاجتهاد .
ويجوز للمجتهد التقليد للضرورة .
والتقليد إتِبَاع قول الغير من غير معرفة دليله .
وهو جائز للعامة الذين لا قدرة لهم على النظر في الأدلة .
ويجوز التمذهب بمذهب إلا فيما علم مخالفته للنص .
والتعصب لا يجوز لقول أحد ولا لفعله إلا الشارع .
والفتوى بيان الحكم الشرعي .
وهي جائزة في الأصل , وتكون واجبة إذا كان المفتي أهلا للإفتاء وكانت الحاجة قائمة ولم يوجد مفتي سواه .
ولا يجوز كتم العلم .
ولا يلزمه أن يفتي فيما لم يقع .
ويجوز كتمها إذا كانت المصلحة في ذلك .
ولابد من النية الصالحة لأنه موقع عن الله .
وأن يكون ذا حلم وعلم و وقار .
وأن يتورع ما استطاع عن الإفتاء .
وأن يكون ذا رفق فلا يتسرع في إصدار الفتوى وليستفسر عن مواضع الإجمال في الفتوى .
وأن يستشير من يثق بدينه وعلمه .
وأن يكون حافظا للسر .
قوياً على تغيير رأيه إذا تغير الاجتهاد .
وعلى المستفتي أن يجتهد في البحث عن المفتي الأعلم والأدين .
وأن يلزم الأدب مع المفتي .
وأن يوضح له كل ما يتعلق بالفتوى مما له تأثير في الحكم .
ويجوز أخذ الرزق على الفتوى .
وهذا آخر التلخيص نفعنا الله بهدي كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وصلى الله عليه وسلم .
وليد بن راشد السعيدان
الحمد لله حمد الشاكرين والشكر لله شكر المعترفين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد :-
فهذا مختصر في أصول الفقه شاملاً لمسائله على القول الراجح مجردا عن الدليل والخلاف ليسهل حفظه فأقول :
الأصول : جمع أصل وهو الأساس والدليل والقاعدة المستمرة والراجح .
والفقه لغة : الفهم
وشرعاً : معرفة الأحكام الشرعية المكتسب من أدلتها التفصيلية .
وتعلمه فرض كفاية .
وفائدته : استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة .
وأول من ألف فيه على وجه الاستقلال الإمام الشافعي في كتابه الرسالة .
والحكم الشرعي : هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين على جهة الاقتضاء والتخيير والوضع .
وهو قسمان : حكم تكليفي ، وحكم وضعي .
والحكم التكليفي خمسة أقسام :
واجب ومندوب ومحرم ومكروه ومباح .
فالواجب لغة : الساقط واللازم .
وشرعاً : ماطلب الشارع فعله على جهة الإلزام .
وثمرته : أنه يثاب فاعله امتثالاً ويستحق العقاب تاركه .
ومثاله الصلاة والزكاة وبر الوالدين .
وينقسم باعتبار ذاته إلى:
معين : كالصلاة والصوم والحج.
وإلى مخير : كخصال الكفارة وخالف فيه المعتزلة .
وينقسم باعتبار وقته إلى :
مؤقت : كالصلاة .
وغير مؤقت : كالوفاء بالنذر وإخراج الكفارات وبر الوالدين وصلة الأرحام .
و المؤقت ينقسم إلى :
مضيق : وهو مالا يتسع لفعل غيره من جنسه كالصوم في رمضان .
وإلى موسع : وهو ما يتسع لغيره من جنسه كالصلاة وخالف فيه الحنفية .
وينقسم باعتبار الفاعل إلى :
عيني : كالصلاة والصوم .
وإلى كفائي : كالجهاد وتغسيل الميت وتكفينه و الصلاة عليه .
وينقسم باعتبار مقداره إلى :
محدد : كمقادير الكفارات وأروش الجنايات والصلوات .
وغير محدد : كبر الوالدين وصلة الأرحام و الطمأنينة في الركوع و السجود .
ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب كالمشي لصلاة الجماعة .
ووسائل الواجب واجبة : كالسفر للحج .
والواجبات منوطة بالقدرة وتسقط بالعجز إجماعاً .
والندب في اللغة : الدعاء .
وشرعاً : ماطلبه الشارع على غير جهة الإلزام وثمرته يثاب فاعله امتثالاً ولا يعاقب تاركه ،كالرواتب والسواك ودعاء الاستفتاح .
وهو لتكميل الفرض وحمايته ولرفعة الدرجات .
والمندوب مأمور به حقيقة .
ومن أسمائه السنة و القربة و النافلة و المستحب .
و المؤكد منه ما داوم النبي على فعله كالرواتب والوتر .
وغير المؤكد مالم يداوم على فعله كركعتي الضحى و جلسة الإستراحة .
ولا يلزم المندوب بالشروع إلا في النسكين كنفل الصلاة و الصوم .
ومن الحكمة تركه أحياناً إذا كان في الترك مصلحة التأليف .
والعبادات الوردة على وجوه متنوعة تفعل على جميع وجوهها في أوقات مختلفة .
وماليس بسنة راتبة جاز فعله أحياناً كالإجتماع في صلاة الضحى و قيام الليل .
ومالا يشرع قضاؤه يفوت بفوات محله كالاستفتاح وتكبيرات العيد والإشارة بالسبابة في التشهد .
والحرام لغة : المنع .
وشرعاً : ما طلب الشارع تركه على جهة الإلزام .
وثمرته : ما يستحق العقاب فاعله و يثاب تاركه امتثالاً .
ومثاله : الزنا و القتل و السرقة .
وتباح المحرمات عند حلول الضرورات .
ووسائل الحرام حرام .
ومن أسمائه المحظور، و المنهي عنه .
وينقسم إلى :
حرام لذاته : كالقتل بغير حق والزنا والسرقة .
وحرام لغيره : كالصلاة في المقبرة و البيع بعد النداء الثاني يوم الجمعة .
وإن عاد النهي إلى ذات العبادة أو شرط صحتها دل على فسادها ، وإن عاد إلى أمرٍ خارجٍ فلا .
والمكروه لغة : المبغوض .
وشرعاً : ما طلب الشارع تركه على غير وجه الإلزام .
وثمرته : ما يثاب تاركه امتثالاً ولا يعاقب فاعله .
ومثاله : تشبيك الأصابع و الكلام حال الخلاء .
وأكثر إطلاقه شرعاً وعند السلف على الحرام .
والكراهة ترتفع عند الحاجة .
ووسائل المكروه مكروهة .
والمباح لغة : المأذون فيه .
وشرعاً : مالا يتعلق به طلب فعل و لا طلب كف .
وثمرته : مالا يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه لذاته .
ومثاله : الأكل والشرب والنوم والوطء والممازحة .
والمباحات تكون طاعات بالنيات الصالحات .
والأصل في العادات الإباحة .
والأصل في الآنية الإباحة .
والأصل في المعاملات الإباحة .
والحكم الوضعي هو:
خطاب الشارع المتعلق بجعل شئ سبباً لشيء أو شرطاً له أو مانعاً منه ، أو مصححاً أو مفسداً .
والسبب هو:
ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته .
كوقت الصلاة وحولان الحول للزكاة والبلوغ لوجوب التكليف .
والأسباب الشرعية مبناها على التوقيف .
وكل من اتخذ سبباً لم يدل عليه شرعٌٌ ولا قدرٌ فإن اعتقده الفاعل بذاته فشرك أكبر وإلا فشرك أصغر .
والشرط في اللغة : العلامة .
وشرعاً : ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم وجوده وجود ولا عدم لذاته كشروط الطهارة واستقبال القبلة وإزالة النجاسة للصلاة .
والأصل في الاشتراط الشرعي التوقيف على النص .
ومنه شرط الصحة وهو ما تتوقف عليه الصحة كالإسلام و العقل لصحة العبادات .
وشروط وجوب وهو ما يـتوقف عليه وجوب العبادة كالبلوغ للتكليف وبلوغ النصاب لوجوب الزكاة .
ولاتصح العبادة إلا إذا توفرت شروطها وانتفت موانعها .
والأصل في العبادات الإطلاق عن الشروط إلا فيما ورد فيه النص .
ويجوز تقديم العبادة بعد تحقق سبب وجوبها وقبل شرط الوجوب .
كالكفارة إذا تحققت اليمين، وزكاة المال إذا بلغ نصاباً وقبل حولان الحول .
والمانع لغة : الحاجز بين الشيئين .
وشرعاً : ما يلزم وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته .
ونقيض شروط الصحة موانع .
والصحة لغة : ضد المرض .
وشرعاً : ترتب الأثر المقصود من الفعل .
فالصحيح من العبادات ما استجمع ما وجب فيه شرعاً وسقط به الطلب ، والصحيح من المعاملات ما تحقق منه مقصود ولم يخالف نصاً .
والفساد والبطلان تخلف الآثار المقصودة من الفعل .
وهما بمعنى واحد ، والتفريق بينهما مجرد اصطلاح .
والعبادة المنعقدة بالدليل الشرعي لا تبطل إلا بالدليل الشرعي .
ونواقض الوضوء توقيفية .
وموجبات الغسل توقيفية .
ومبطلات الصلاة توقيفية .
والشريعة مبناها على أن لا يعبد إلا الله ولا يعبد إلا بما شرعه نبيه .
وكل إحداثٍ في الدين فهو رد .
وكل بدعةٍ ضلالة .
والأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة الصريحة .
وشرعية الأصل لا تستلزم شرعية الوصف .
والحاكم هو الله وحده جل وعلا و النبي مبلغ عن الله تعالى .
وما ينطق عن الهوى إن هوإلا وحيٌ يوحى .
والعبادة المؤقتة بوقت تفوت بفوات وقتها إلا من عذر .
والأداء فعل العبادة في وقتها المقرر شرعاً ، والقضاء فعلها بعد خروج وقتها ، والإعادة فعلها في وقتها بسبب خللٍ أوجب ذلك ،والقضاء كالأداء إلا فيما فرق فيه النص .
والعزيمة في اللغة : القصد المؤكد .
وشرعاً : وصف للحكم الثابت ابتداءً لا لأجل عذر .
والرخصة لغة : التسهيل و التيسير .
وشرعاً : وصف للحكم الثابت على خلاف دليل شرعي باقٍ للعذر .
والشريعة مبناها على رفع الحرج .
وكل فعل في تطبيقه عسر فإنه يصحب باليسر .
والأخذ بالرخصة عند حلول أسبابها أفضل .
وقد تكون واجبة كالأكل من الميتة للمضطر .
ومندوبة كالفطر للمسافر إن شق عليه الصوم ، وكالقصر في السفر .
والنطق بكلمة الكفر إن كان ممن ينتفع به الإسلام بعلم ونحوه .
ولا يجوز تتبع الأقوال الشاذة المخالفة للنص في بعض المذاهب ، والله أعلم .
***********
( فصل )
والتكليف لغة : إلزام ما فيه كلفة .
وشرعاً : إلزام مقتضى خطاب الشرع .
وأركانه ثلاثة : المكلِف ـ بالكسرـ وهو الشارع ، والمكلـَّف وهم الثقلان ، والمكلف به وهو الفعل والترك .
وصيغة التكليف ، وهي الخطاب بأمر أو نهي أو تخيير .
ولا تكليف إلا بعقل وبلوغ وفهم خطاب واختيار وقدرة .
وجميع تكاليف الشريعة داخلة تحت القدرة و الاستطاعة ، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها .
والمميز ليس بمكلفٍ في الأصح.
وأمرهم بالصلاة أمر تعويد وتدريب لا أمر تكليف .
ووجوب الزكاة والضمان في مال الصغير والمجنون من باب ربط الحكم بالسبب .
وأجر العبادة للصغير ولمن أمره بها .
والشرائع لا تلزم إلا بالعلم فلا تكليف إلا بعلم ولا عقوبة إلا بعد إنذار .
والجهل عذر إن كانت القرائن تصدِّق دعواه .
ولا عذر بالجهل في المسائل العقدية الكبيرة المعلومة من الدين بالضرورة .
والكفار مخاطبون بفروع الشريعة في الأصح .
ولا يقضي الكافر مافاته زمن الكفر .
ويشترط في الفعل المكلف أن يكون معلوماً ومعدوماً وممكناً .
فلا تكليف بما لا يطاق عقلاً ولا عرفاً .
وقد تجاوز الله عن هذه الأمة ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم .
ولا تسقط المأمورات بالجهل والنسيان ، فمن نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك .
وباب التروك يسقط بهما .
ولا تكليف على نائم ، لكنه يقضي ما فاته زمن النوم إن أمره الدليل بذلك .
والمغمى عليه مكلف فلا يسقط عنه ما وجب ولكن لا يطالب به مطالبة أداء حال الإغماء لعدم التمكن وعليه القضاء وإن طال زمنه .
والسكران الطافح لا يقع طلاقه ولا عتاقه ولا تصح عبادته لفقدان مناط التكليف وهو العقل .
والغضبان جداً لا يقع منه ذلك في الأصح ، وهو اختيار الشيخين .
ولا تصح عقود المكره من بيع وشراء وإجارة إلا ما كان منها بحق .
ولا يقع طلاقه ولا عتقه ولا يكفر بقول كلمة الكفر أو فعله بسبب الإكراه .
ومن سحر ليطلق فإكراه .
والإكراه لا يبيح الزنا ولا قتل المعصوم بالاتفاق .
وحديث طارق بن شهاب محمول على شريعة من قبلنا أو على بداية الإسلام وقد نسخ ، والله أعلم .
**********
(فصل في الأدلة الشرعية)
والأدلة : جمع دليل وهو المرشد إلى المطلوب .
وشرعاً : ما يتوصل بالنظر الصحيح فيه إلى مطلوب خبري .
وهي قسمان : متفق عليها ، ومختلف فيها .
والأصل في الأدلة الشرعية العموم وإن وردت على أسباب خاصة .
وأولها القرآن , وهو كلام الله تعالى منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود , وهو كلام الله حقيقة حروفه ومعانيه .
والقرآن حجة بالاتفاق .
وهو اسم للنظم والمعنى خلافا لبعض الأحناف .
وقد أنزل على سبعة أحرف وكلها عربية .
واقتصر فيه على حرف واحد لما جمعه الصحابة .
والقراءة الصحيحة ماصح سندها ووافقت اللغة ولو من وجه , ووافقت رسم المصحف العثماني . ولا يشترط لصحتها التواتر في الأصح واختاره الشيخ والقراءة الشاذة ماصحَّ سندها ووافقت اللغة وخالف الرسم العثماني وهي حجة في الأصح .
وتشابه القرآن وإحكامه عام وخاص .
فالعام منه معناه الإتقان والاتفاق وعدم الاختلاف وتأييد بعضه بعضاً والتشابه الخاص معناه عدم فهم المراد ، والإحكام الخاص معناه وضوح المراد وليس في المصحف ماتتفق الأمة على عدم فهم المراد منه . والتشابه منه نسبي عرضي وآيات الصفات والمعاد معلومة من جهة معانيها ومجهولة من جهة كيفيتها .
وإن كان المقصود بتأويله ما تؤول إليه حقيقة اللفظ فالوقف على قوله: (إلا الله ) وإن كان المقصود به التفسير فالوقف على قوله : (والراسخون في العلم ) .
والقرآن كله عربيٌ , والألفاظ الأعجمية فيه صارت عربية بالتعريب وفي القرآن مجاز إلا في آيات الصفات وحقائق اليوم الآخر فلا مجاز فيها بل الواجب حملها على ظاهرها وإمرارها كما جاءت من غير كيف .
**********
( فصل )
والسنة لغة : الطريقة حسنة كانت أو سيئة .
وشرعاً : مانقل عن النبي من قوله أو فعله أو تقريره أو تركه وهي حجة إذا صح سندها بالإجماع .
والنبي معصوم فيما يبلغه من الشرع ومعصوم من الكبائر .
وقد كانت تنـزَّل على النبي كما ينـزَّل عليه القرآن .
وإذا وردت الحكمة في القرآن مقرونة مع الكتاب فهي السنة بإجماع السلف .
وهي تبين القرآن وتؤكد أحكامه وتثبت بها الأحكام استقلالاً .
وأقواله إن كانت خبراً فالواجب تصديقها وعدم السماح للشك أن يتطرق في صدق خبره .
وإن كانت أمراً فالواجب طاعته فيها ولا خيرة في ذلك إلا فيما ورد له صارف فيكون للأفضلية والندب .
وإن كانت نهياً فالواجب اجتناب ما نهى عنه وزجر ولا خيرة في ذلك إلا فيما ورد له صارف فيكون لكراهة التنزيه .
وأما أفعاله فالأصل فيها الندب مالم تقترن بأمرٍ فتحمل على ما تفيده صيغة الأمر .
والأصل في أفعاله التشريع , فإذا دار الفعل بين كونه عادة أو تشريعاً ولا مرجع فالأصل أنه تشريع كتربية الشعر وترجيله والذهاب لمسجد العيد من طريق والعودة من طريق ولبس الخاتم وتسمية الأثاث والدواب والأصل عدم الاختصاص إلا بدليل . ولكن ما ثبت له من الخصائص بالطريق الصحيح فنتعبد لله بتركها واعتقاد خصوصيته بها كالزواج بأكثر من أربع والوصال باليومين والثلاثة , وهي كثيرة .
ولا يجوز الغلو في إثبات ما لا دليل عليه من الخصائص كما هو الحال عند المبتدعة .
ولا تصح الأعمال إلا بالإخلاص والمتابعة .
وجهات المتابعة ستة :
الجنس والسبب والصفة والزمان والمكان والمقدار .
وأما الأفعال الجبلية فلا نتأسى به فيها لذاتها وإنما التأسي به يكون في هيئاتها كالأكل والشرب وهيئته , والنوم وهيئته , وقضاء الحاجة وهيئته ا, والمشي وهيئته , ونحو ذلك .
وإقراره حجة كإقراره على إنشاد الشعر في المسجد وإقرار العزل وإقراره صلاتهم قبل المغرب ركعتين .
وكل فعل توفر سببه على عهد النبي ولم يفعله فالمشروع تركه .
كترك الأذان والإقامة في العيد والكسوف .
وترك التطوع بعد العيد في المسجد ولم يمت إلا وقد بلغ كل ما أمر ببلاغه على أحسن الوجوه وأفصح البيان وكمال الشفقة والنصح وغاية الصدق .
والخبر لغة : النبأ .
واصطلاحاً : ما يحتمل الصدق والكذب لذاته .
وأخبارالشارع لا تحتمل إلا الصدق ولا يتطرق تصور الخَلف فيها بوجه من الوجوه .
والمتواتر لغة : المتتابع .
واصطلاحاً : ما رواه جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب عادة وأسندوه إلى الحس .
وهو نوعان : لفظي : وهو ما اتفق الرواة على لفظه ومعناه كحديث (من كذب علي متعمداً ) و حديث (من بنى مسجداً) ونحوها .
ومعنوي : وهو ما اتفق الرواة على معناه دون لفظه كأحاديث المسح على الخفين والرؤية والشفاعة والحوض ونحوها .
وهو يفيد العلم اليقيني ويوجب العمل .
والعبرة بوجود العلم في النفس لا مجرد العدد .
وخبر الآحاد ما فقد شرط التواتر .
وأجمع السلف على وجوب العمل بخبر الآحاد في العقائد والشرائع .
وهو يفيد الظن إلا إذا اقترنت به قرائن ترفعه إلى القطع كاتفاق الشيخين على إخراجه أو تلقي الأمة له بالقبول .
وخبر الآحاد معتمد فيما تعم به البلوى إذا توفرت فيه شروط الاحتجاج .
وهو ينقسم إلى : صحيح وحسن وضعيف .
فالصحيح : ما رواه عدل تام الضبط بسند متصل وخلا من الشذوذ والعلة القادحة .
والحسن : ما رواه خفيف الضبط كذلك .
والضعيف: ما خلا عن شروط الصحيح والحسن .
ولا يجوز الاحتجاج به ولا إثبات شيء من الأحكام الشرعية به .
ولابد من بيان حاله إذا روي .
ويشترط في الراوي لقبول روايته الإسلام والبلوغ والضبط .
وإذا تعارض رأي الراوي وروايته قدمنا روايته على رأيه .
وتفسير الراوي مقدم على غيره إذا لم يخالف ظاهر الحديث .
وأجمع المسلمون على أن الكذب على المصطفى كبيرة من الجرائم وعظيمة من الموبقات .
ومن مقتضيات شهادة أن محمداً رسول الله تقديم قوله على كل قول .
**********
( فصل )
والإجماع لغة : العزم والاتفاق .
وشـرعاً : اتفاق مجتهدي هذه الأمة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم في عصر من العصور على حكم شرعي .
وهو جائزعقلاً ، وواقع شرعاً ولا تجتمع الأمة على ضلالة البتة .
وهوحجة شرعية يجب قبولها واعتمادها والمصير إليها وتحرم مخالفتها وأضبطه ما كان في عصر الصحابة والتابعين .
ومنه النطقي: وهو الثابت بنطق المجتهد نفسه .
ومنه السكوتي : وهو حجة ظنية على الصحيح .
ومنه القطعي : وهو الثابت بالتواتر بنقل الآخر عن الأول .
وهذا هو الذي يكفر من أنكره وخالفه .
ولا يشترط انقراض العصر على الصحيح .
واتفاق الخلفاء الأربعة أوالشيخين أقرب للصواب ولا شك ولكنه ليس إجماعاً .
واتفاق أهل البيت ليس بإجماع .
وما جرى مجرى النقل من عمل أهل المدينة فهو حجة كنقلهم مقدار الصاع والمد والأذان وترك أخذ الزكاة في الخضروات .
واتفاقهم قبل مقتل عثمان حجة كذلك . وماعدا ذلك فليس بحجة ولا إجماع .
ومخالفة الواحد والاثنين من المجتهدين تنقض الإجماع .
**********
( فصل )
والقياس لغة : التقدير .
وشرعاً : حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما .
وهو حجة على إثبات الأحكام التي لم يرد لها نص بخصوصها وصدر من عالم مؤهل قد استجمع شروط الاجتهاد وأن يكون في نفسه صحيحاً .
وكل قياس صادم النص فإنه فاسد الاعتبار ، ولا قياس مع النص .
وأركانه : الأصل و الفرع والحكم والعلة .
وشروط الأصل ثبوته بنص أوإجماع .
وأن لا يكون منسوخا .
وأن يكون معقول المعنى .
ويشترط في الفرع أن لا يكون منصوصاً عليه وأن تتحقق فيه علة الأصل .
ويشترط في الحكم أن يكون حكماً شرعياً باقياً غير منسوخ ثابـتاً بالنص أو الإجماع أو اتفاق الخصمين .
ويشترط في العلة أن تكون متعدية .
منضبطة ظاهرة لا خفية وعادة الشرع أن العلة إذا كانت خفية نيط الحكم بالوصف الظاهر .
كانتقاض الوضوء بالنوم وإراقة المخلوط بعد ثلاث والقصر في السفر وتعرف العلة بالنص والإجماع والإيماء والمناسبة والدوران والسبر التقسيم .
والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً .
والحكم المقرون بالفاء بعيد وصف مشعر بعليته .
وترتيب الحكم على الوصف بصيغة الجزاء مشعر بأنه علته .
والقياس المساوي حجة .
والقياس الأولوي حجة .
والشريعة لا تفرق بين متماثلين ولا تجمع بين مختلفين .
وليس شيء فيها على خلاف الخلاف .
والصحيح جواز الاحتجاج بالقياس في الحدود .
والصحيح جواز الاحتجاج بالقياس في الرخص .
والصحيح جواز الاحتجاج بالقياس في الكفارات عند اتفاق علل الأفعال .
والأصل في الذمم البراءة .
والأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته .
والأصل بقاء ما كان على ما كان .
واليقين لا يزول بالشك .
والصحيح جواز القياس في جزء العبادة لا في إثباتها كلاً على وجه الاستقلال.
**********
( فصل )
والأصل هو :
البقاء على الأصل حتى يرد الناقل .
والأصل استصحاب عموم الدليل حتى يرد المخصص .
والأصل استصحاب إطلاق النص حتى يرد المقيد .
والأصل استصحاب حكم دل الشرع على ثبوته واستمراره حتى يثبت خلافه .
والأصل في الأشياء الإباحة إلا بدليل .
والأصل في الذمم البراءة .
والأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته .
والأصل بقاء ما كان على ما كان .
واليقين لا يزول بالشك .
والمثبت والنافي كلاهما مطالب بالدليل على دعواه .
وقول الصحابي إذا لم يخالف نصاً ولم يخالف صحابي آخر .
وقوله فيما لا مجال للرأي فيه له حكم الرفع إن لم يكن معروفاً بالأخذ عن أهل الكتاب .
وإذا قال قولاً ولم يخالفه آخر من الصحابة فهو إجماع وحجة .
والشرائع متفقة في عقائدها مختلفة في شرائعها .
وشريعة الإسلام هي أفضلها وآخرها وأكرمها وأخفها .
وماثبت في شرعنا من الشرائع السابقة فهو شرع لنا بالاتفاق ، وإلا يكن كذلك فشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد نسخه في شرعنا .
وسد الذرائع أصل من أصول الشريعة .
والمصلحة المرسلة يفزع إليها كدليل إن كانت حقيقة لا متوهمة .
ولم تعارض نصاً أو إجماعاً صحيحاً .
ولم تعارض مصلحة مساوية أو أعظم منها .
وأن تكون في مواضع الاجتهاد .
وكل حيلة يتوصل بها إلى إحقاق باطل أو إبطال حق فهي محرمة .
**********
( فصل في النسخ )
النسخ لغة : النقل والإزالة .
وشرعاً : رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخ عنه .
وهو جائز عقلا وواقع شرعاً .
ولا يدخل في الأخبار لأن نسخها تكذيب لها .
ولا ما كانت مصلحته مستمرة كالصلاة , أو مفسدته مستمرة كالشرك ونحوها ويشترط في الناسخ أن يكون نصا من قرآن أو سنة فلا يصح بالقياس أو الإجماع .
وأن يكون متأخرا ويعرف ذلك بالنص أو إخبار الصحابي أو الإجماع وبضبط تاريخ القصة .
ويطلق في عرف السلف الأوائل على التقييد والتخصيص وزيادة البيان وإذا أمكن الجمع فلا نسخ .
ورفع البراءة الأصلية لا يعتبر نسخاً .
وقد ينسخ الحكم واللفظ كقول عائشة رضي الله عنها كان في ما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرَّمن ثم نسخن إلى خمس معلومات .
وقد ينسخ الحكم ويبقى اللفظ كآية المصابرة وعدة المتوفى عنها زوجها .
وقد ينسخ اللفظ ويبقى الحكم كآية الرجم في حديث عمر رضي الله عنه .
والقرآن ينسخ بالقرآن كآية المصابرة. والسنة تنسخ بالسنة كحديث (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) الحديث .
والقرآن ينسخ السنة كنسخ الاستقبال لبيت المقدس .
والصحيح جواز نسخ القرآن بالسنة .
ويجوز النسخ قبل التمكن من الامتثال وإلى غير بدل .
والزيادة على النص ليست نسخاً .
**********
( فصل في الأمر )
وهو طلب الفعل بالقول على وجه الاستعلاء .
واتفق السلف على أن له صيغة تخصه .
فمنها فعل الأمر ( افعل ) وما تصرف منه .
والفعل المضارع المجزوم بلام الأمر .
واسم فعل الأمر .
والمصدر النائب عن فعل الأمر .
وصيغة الأمر في الكتاب والسنة إذا تجردت عن القرائن أفادت الوجوب وبالقرينة تفيد ما تفيده القرينة .
والأمر المتجرد عن القرائن يفيد الفورية . ولا يفيد التكرار على الصحيح والأمر المعلق على شرط أو صفة هما علته يفيد التكرار بتكررهما .
وأوامر الله تعالى تستلزم الإرادة الشرعية لكنها لا تستلزم الإرادة الكونية .
والأمر بالشيء نهي عن ضده من جهة المعنى .
وإتيان المكلف بالمأمور به على وجه المطلوب يقتضي الإجزاء .
والأمر بالأمر بالشيء لا يخلو فإن كان الأول وسيلة في إبلاغ الأمر للثاني وتنتهي مهمته بإبلاغه فهو أمر متوجه للثاني ، فإن كان الأمر للأول سيق مساق التكليف له فهو أمر للأول وليس أمراً للثاني .
والأمر بعد الحضر يفيد ما كان يفيده قبل الحضر .
**********
( فصل )
والنهي طلب الترك جزماً بالقول على جهة الاستعلاء .
وصيغته ( لا تفعل ) وما تصرف منها .
والنهي المطلق عن القرينة يفيد التحريم وبالقرينة يفيد الكراهة .
وهو يفيد التكرار والفورية .
وكل فعل لعن فاعله أو توعد عليه بعقوبة أو وجب فيه حد أو وصف بأنه من عمل المنافقين والكفار فإنه محرم والنهي عن الشيء أمر بضد من أضداده من جهة المعنى واللزوم .
وجنس المأمور أعظم من ترك المنهي .
**********
( فصل في العام والخاص )
والعام لغة : الشامل .
وشرعاً : مادل على معين محصور .
والأصل في الأحكام الشرعية العموم .
وكل حكم ثبت في حقه صلى الله عليه وسلم فإنه يثبت في حق الأمة تبعاً إلا بدليل الاختصاص .
وكل حكم ثبت في حق واحد من الأمة فإنه يثبت في حق الأمة إلا بدليل الاختصاص .
والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
والخاص مقدم على العام .
واللفظ العام بعد تخصيصه حجة فيما بقي .
وذكر العام ببعض أفراده بحكم يوافق حكم العام ليس تخصيصاً ومذهب السلف أن للعموم ألفاظاً تخـصه .
وهي :
لفظ ( كل وجميع وكافة وسائر وعامة ) .
والألف واللام الاستغراقية إذا دخلت على المفرد والجمع .
والمفرد والجمع إذا أضيفا .
والنكرة في سياق النهي والنفي والشرط .
و( من ) للعاقل و( ما ) لغير العاقل و( أي ) لهما .
والأسماء الموصولة .
وكل حكم ثبت في حق أحد الجنسين فإنه يثبت للآخر تبعاً إلا بدليل الاختصاص .
وكل حكم ثبت في حق الأحرار فإنه يثبت في حق العبيد تبعاً إلا بدليل الاختصاص .
وترك الاستفصال في مقام الاحتمال منزل منزلة العموم في المقال .
ومن العموم ما هو محفوظ أي لم يدخله التخصيص ومنه ما قد خص .
وإذا تعارضا قدم العموم المحفوظ على العموم المخصوص لقوته .
والمخصصات متصلة ومنفصلة :
فالمتصلة هي:
الاستثناء والشرط والصفة والغاية .
ويشترط في الاستثناء الاتصال إلا لانقطاع الضرورة وعدم الاستغراق إلا من الصفة .
ولا يجوز تخصيص العام إلا بنص صحيح صريح .
وأما المنفصلة فهي :
الحس و العقل والإجماع، وقول الصحابي الذي له حكم الرفع والقياس إن كان مقطوعاً به ، والنص ويدخل تحته تخصيص الكتاب بالكتاب وتخصيص السنة بالكتاب والكتاب بالسنة والسنة بالسنة .
وإذا تعقب الاستثناء جملاً عاد إلى جميعها إذا لم يكن ثمة قرينة .
**********
( فصل )
والمطلق هو :
ما دل على الحقيقة بلا قيد .
والأصل بقاء المطلق على إطلاقه ولا يقيد إلا بدليل .
ويحمل المطلق على المقيد إذا اتفقا في الحكم .
والمنطوق هو :
ما دل عليه اللفظ في محل النطق .
وأقسامه :
صريح ، وغير صريح .
فالصريح :
هو المعنى الذي وضع اللفظ له، ويدخل تحته دلالة المطابقة و التضمن غير صريح والمعنى الذي دل عليه اللفظ في غير ما وضع له كدلالة الالتزام .
وغير الصريح له ثلاثة أقسام :
الأول :
دلالة الاقتضاء، ودلالة الإشارة، ودلالة التنبيه، ولازم القول ليس قولاً إلا بعد عرضه وقبوله .
والمفهوم : هو مادل عليه اللفظ لا في محل النطق .
وهو ثلاثة:
أولوي ومساوي ومخالف .
والمفهوم الأولوي حجة .
ومفهوم الموافقة المساوي حجة .
ومفهوم المخالفة حجة . كمفهوم الصفة والشرط والغاية والعدد وإذا تعارض المنطوق والمفهوم قدم المنطوق .
والأصل هو البقاء على الظاهر حتى يرد الناقل .
والأصل هو البقاء على الحقيقة ولا ينتقل إلا المجاز إلا بقرينة .
والواجب حمل المجمل على المبين .
ويجب عقد العزم على العمل بالمجمل حتى ورود البيان .
والبيان إما أن يكون بقوله صلى الله عليه وسلم أو فعله أو بهما أو بالإقرار .
ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة .
وغلبة الظن كافية للتعبد .
**********
( فصل )
وأدلة الشريعة لا يمكن أن تتعارض في ذاتها لأنها من عند حكيم حميد لا يأتيها الباطل من بين يديها ومن خلفها .
وإذا وجد المجتهد بين الأدلة ما يوهم التعارض فيدفع أولاً بالجمع بينهما ، الجمع بين الأدلة واجب ما أمكن ، وإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما ما أمكن ، فإن لم يمكن فينتقل إلى النسخ بشرطه فإن لم يمكن فالترجيح بينهما إما بالنظر إلى إسنادهما أو متنهما أو بالنظر إلى أمر خارجي . فإن لم يمكن فالتوقف .
والمثبت مقدم على النافي .
وكل مذهب يخالف منهج السلف في أمور الاعتقاد فهو باطل .
وألفاظ الشارع تحمل على الحقيقة الشرعية لا اللغوية إلا بقرينة .
ومن حفظ حجة على من لم يحفظ .
وإذا عرضت واقعة فانظر حكمها في القرآن أولا فإن لم يكن فالسنة فإن لم يكن فالإجماع فإن لم يكن فالقياس ، والله أعلم .
************
( فصل )
( في الاجتهاد والتقليد )
والاجتهاد لغةً:
بذل الوسع والطاقة .
وشرعاً :
بذل الوسع في النظر في الأدلة الشرعية لاستنباط الأحكام الشرعية ولا يجوز إلا من عالم فقيه .
وإذا حكم الحاكم فأصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر .
والصحيح أنه يتجزأ .
ولا اجتهاد مع النص .
والاجتهاد لا ينقض الاجتهاد .
وشروطه الإسلام والعقل والبلوغ .
ومعرفة الآيات والأحاديث الدالة على الأحكام بطريق النص أو الظاهر , ومعرفة طريق تصحيح الأحاديث وأساليب الحكم عليها .
ومعرفة الناسخ والمنسوخ .
ومواطن الإجماع .
وعارفاً بدلالات الألفاظ .
ومراتب الأدلة وطرق الجمع بينها والعدالة .
ويجوز الاجتهاد في عصره صلى الله عليه وسلم في الغيبة , والحضور بإذنه .
وكل مجتهد مصيب باعتبار سلوك طرق الاستدلال والترجيح .
وليس مصيباً باعتبار إصابة الحق لأن الحق واحد لا يتعدد .
ولا ينكر تغير الفتوى بتغير الأزمان .
ولا إنكار في مسائل الاجتهاد .
ويجوز للمجتهد التقليد للضرورة .
والتقليد إتِبَاع قول الغير من غير معرفة دليله .
وهو جائز للعامة الذين لا قدرة لهم على النظر في الأدلة .
ويجوز التمذهب بمذهب إلا فيما علم مخالفته للنص .
والتعصب لا يجوز لقول أحد ولا لفعله إلا الشارع .
والفتوى بيان الحكم الشرعي .
وهي جائزة في الأصل , وتكون واجبة إذا كان المفتي أهلا للإفتاء وكانت الحاجة قائمة ولم يوجد مفتي سواه .
ولا يجوز كتم العلم .
ولا يلزمه أن يفتي فيما لم يقع .
ويجوز كتمها إذا كانت المصلحة في ذلك .
ولابد من النية الصالحة لأنه موقع عن الله .
وأن يكون ذا حلم وعلم و وقار .
وأن يتورع ما استطاع عن الإفتاء .
وأن يكون ذا رفق فلا يتسرع في إصدار الفتوى وليستفسر عن مواضع الإجمال في الفتوى .
وأن يستشير من يثق بدينه وعلمه .
وأن يكون حافظا للسر .
قوياً على تغيير رأيه إذا تغير الاجتهاد .
وعلى المستفتي أن يجتهد في البحث عن المفتي الأعلم والأدين .
وأن يلزم الأدب مع المفتي .
وأن يوضح له كل ما يتعلق بالفتوى مما له تأثير في الحكم .
ويجوز أخذ الرزق على الفتوى .
وهذا آخر التلخيص نفعنا الله بهدي كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وصلى الله عليه وسلم .