محب الدعوة
01-18-2011, 11:50 PM
حياء النساء ( خطبة جمعة للشيخ منصور الصقعوب ، إمام وخطيب جامع الحبلين بحي الريان ببريدة )
الخطبة الأولى
الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرورِ أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- تسليماً كثيراً .((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) (102 سورة آل عمران) . ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)) (سورة النساء :1) .(({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)) (سورة الأحزاب :70).
عباد الله:
خلقٌ من أخلاقِ الإسلام، هو قرينُ الإيمان، وأمارةٌ صادقة على طبيعة الإنسان، يكشفُ عن قيمةِ إيمانهِ ومقدار أدبهِ هو خيرٌ كله، وكلهُ خير، ولا يأتي إلا بخير .
هو صفة من صفات الله كما يليق بجلاله, وخلقٌ من أخلاق الملائكة، وسمةٌ من سمات الأنبياءِ وأتباع الأنبياء .
خلق من أسمى الصفات الإنسانية، وأنبل الأخلاق الفاضلة، خلقٌ مرغه الإعلام بالتراب وداستهُ بعض نسائنا في الأسواقِ والأفراحِ والمنتزهات، ووطئتهُ ثلةٌ من شبابنا في الحدائقِ والطرقات، إنَّهُ خلقُ الحياء، الخُلق الذي اتصفَ به الأنبياء، فإنَّ مما أدركَ أناسٌ من كلامِ النبوةِ الأولى، إذا لم تستح فاصنع ما شئت، إنه خلق قدوتنا محمد r والذي كان أشدُ حياءً من العذراءِ في خدرها ، إنَّهُ الحياءُ الخلقُ الذي يبعثُ على فعلِ الحسن وترك القبيح، ويمنعُ من التقصيرِ في حقِ ذي الحق .
إنَّهُ الحياءُ ما كان في شيءٍ إلا زانه، وما نُزع من شيءٍ إلا شانه، ولولا هذا الخلق لم يُقرى الضيف، ولم يوف بالوعد، ولم تؤد الأمانة، ولم تقض لأحد حاجة، ولا تحرى الرجلُ الجميلَ فآثره، والقبيحَ فتجنبه، ولا ستر له عورة، ولا امتنع عن فاحشة، ولربما لولا الحياء لم
يؤد المرء شيئاً من الأمور المفترضة عليه، ولم يرع لمخلوق حقاً، ولم يصل له رحماً، ولا بر له والداً؛ فإن الباعث على هذه الأفعال إما حياء من الله أو حياء من خلق الله.
ورب قبيحة ماحال بيني وبين ركوبها إلا الحياءُ
فكان هو الدواء لها ولكن إذا ذهب الحياء فلا دواء
ولئن كان الحياء شرفاً فإن المحمود منه ماكان على وفق مراد الله ورسوله, ونحن اليوم قد نتجاوز كثيراً من صور الحياء ونقف على صفحة من صفحاته وهو حياء النساء
وحين يكون الحديث عن الحياء فإن زينة المرأة وكمالها إنما هو بالحياء, وإنما تمدح المرأة بحيائها, ومازالت النساء في القديم وفي الحديث يضربن النماذج الرائعة في التحلي بذلك الخلق الذي تمدح به المرأة, ففي القرآن قص علينا رب العزة خبر ابنة شعيب حين ورد موسى عليه الصلاة والسلام ماء مَدين فجاءته إحدى المرأتين تمشي على استحياء لتنهي له دعوة, فأتت بأخصر لفظ وأقصر عبارة تؤدي المعنى(إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ماسقيت لنا) وكان دليل هذا الحياء أنها لم تَنسب أمْر الدعوة والجزاء لِنفسها
بل نسبته إلى أبيها ,فقالت إن ابي يدعوك, قال ابن كثير : وهذا تأدُّب في العبارة ، لم تَطلبه طَلبا مُطلقا، لئلا يُوهِم رِيبة ،بل قالت : إن أبي يدعوك لِيجزيك أجْر مَا سقيت لنا ، يعني : لِـيُثِيبك ويُكَافئك على سَقيك لِغَنَمِنَا . اهـ
وأما عائشة رضي الله عنها فقد روى أحمد وغيره أنها قالت : كنت أدخل بيتي الذي فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم و أني واضع ثوبي و أقول إنما هو زوجي و أبي فلما دفن عمر معهم فو الله ما دخلت إلا و أنا مشدودةٌ علي ثيابي حياءً من عمر رضي الله عنه, فإذا كان هذا حيائها من الأموات فكيف يكون حيائها من الأحياء, وفي السنن أن امرأة جاءت في أحد الغزوات إلى النبي صلى الله عليه و سلم وهي متنقبة تسأل عن بن لها وهو مقتول فقال لها بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة فقالت إن أرزأ ابني فلن أرزأ حيائي.
ولئن كانت هذه نماذج للنساء في أزمانٍ مضت فدونكم نموذجٌ لنساء هذه الأعصار, حدّث
أحد الدعاة قائلاً: كنت في رحلة دعوية إلى بنجلاديش مع فريق طبي أقام مخيماً لعلاج
أمراض العيون ، فتقدّم إلى الطبيب شيخٌ وقور ومعه زوجته بتردد وارتباك ، ولمّا أراد
الطبيب المعالج أن يقترب منها فإذا بها تبكي وترتجف من الخوف ، فظنّ الطبيب أنها تتألم من المرض ، فسأل زوجها عن ذلك ، فقال وهو يغالب دموعه : إنها لا تبكي من الألم .. بل تبكي لأنها ستضطر أن تكشف وجهها لرجل أجنبي ! لم تنم ليلة البارحة من القلق والارتباك ، وكانت تعاتبني كثيراً وتقول: أوَ ترضى لي أن أكشف وجهي .. ؟ ! وما قبلتْ أن تأتي للعلاج إلا بعد أن أقسمتُ لها أيماناً مغلظة بأنّ الله تعالى أباح لها ذلك للاضطرار,.فلمّا اقترب منها الطبيب ، نفرت منه ، ثم قالت : هل أنت مسلم ؟قال : نعم ، والحمد لله ! !قالت : إن كنت مسلماً .. إن كنت مسلماً .. فأسألك بالله ألاّ تهتك ستري ، إلا إذا كنت تعلم يقيناً أن الله أباح لك ذلك .. !
أُجريت لها العملية بنجاح وأزيل الماء الأبيض ، وعاد إليها بصرها بفضل الله تعالى . حدّث عنها زوجها أنها قالت : لولا اثنتان لأحببت أن أصبر على حالي ولا يمسني رجل أجنبي : قراءة القرآن ، وخدمتي لك ولأولادك . مجلة البيان - (138 / 70)
والحياء حين يطلب فإنما يتأكّد في حق المرأة ، فسِترها رمز حيائها ، وحجابُها دليل كرامتها ,وإذا اختلّ حياء المرأة تزلزلت أقدامها ، وعصفت بها الفتن ، وأصبحت سلعة
رخيصة تباع بأبخس الأثمان ، ويعبث بها دهاقنة الفساد ، وأئمة الهوى ، (وليس
لمن سُلِبَ الحياءَ صادّ عن قبيح ، ولا زاجر عن محظور ؛ فهو يُقدم على ما يشاء ،
ويأتي ما يهوى) وقديماً قال الشاعر :
فلا والله ما في العيش خير ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ
يعيش المرء ما استحيا بخير ... ويبقى العود ما بقي اللحاءُ.
وإننا اليوم نتسائل, أين الحياء من بعض النساء, أين النسوة اللاتي يتحدث عنهن الآباء, اللاتي حين يخرجن للأسواق يلزمن حافات الطريق حتى أثر مرُّهن بجُدر البيوت فغدا حداً في الجدار من لزومهن إياه, إن الحياء الذي هو شرف الرجال وزينة النساء يُكاد له اليوم عبر وسائل عديدة, فعن طريق القنوات والإذاعات بما تعرضه وتبثه من مشاهد مُسِفة وبرامج مخزيةٍ يُطعن الحياء حين يُلمع من قلّ حيائهم وتعرض بضاعتهم أمام الأبناء والبنات لتنخر في الأخلاق, وعن طريق الصحف والإعلام المقروء والقصص والروايات يُهدم الحياء, ولا يفتأ حثالة من الكتاب ممن مكنت لهم صحفنا, لا يفتأون يسعون جاهدين في نشر الرذيلة وهدم الحياء والسخرية بمن تمسكت بحجابها وسِترها, وتقديم تلك النسوة اللاتي خلعن حيائهن ونزعن حجابهن وخالفن فطرتهن وعصين ربهن على أنهن القدوات التي ينبغي أن تحذو حذوهن نساء اليوم
عباد الله: وإذا كان الحياء خلقاً يدّعيه كل إنسان ويأنف أن يوصف بضده كل أحد, فلا بد أن يعلم ان الحياء ليس بالدعاوى بل تصدقه الفعال أو تكذبه, وحينها فإننا نتسائل: أين الحياء من تلك المرأة التي خرجت للأسواق فرقّ حجابها وضاق ملبسها وفاحت رائحة أطيابها حتى كأنما خرجت لمناسبة, أمن الحياء أن تتحدث المرأة مع البائع بخضوع صوت وتضاحكه ليخفض لها في القيمة, ولربما شاورته بما تشتري, ومدت يدها ليُلبسها.
هل من الحياء أن تخرج المرأة وحدها مع السائق بلا محرم, فلئن لم تستح من الناس فلتستح من الله الذي حرم عليها الخلوة مع الأجنبي عنها.
أين الحياء من المرأة التي ما كفاها أن تعصي ربها حتى غدت تجاهر بذنبها فحادثت صاحباتها بما اقترفت وما قالت وبمن من الرجال صاحبت, ورسولنا يقول "كل أمتي معافى الا المجاهرين".
وإننا نتسائل أيضاً: هل من الحياء أن تدخل المرأة لوحدها على الطبيب الرجل في حين أنها تجد الطبية الكفؤة, ولربما خلعت حجابها حينها بلا أدنى حاجة وكأن الطبيب من محارمها.
ما بال بعض النساء تتساهل بحجابها أمام السائق وخادم البيت ومع من تراه من غير بلادها, ولربما تحرزت مع غيرهم فما هذا التناقض, وسل مدن الألعاب الترفيهية تنبيك عن صورٍ يشكو منها الحياء حين تظل البعض تلعب بمرأى من الرجال, وربما تعالت صيحاتها وبدى بعض جسمها, ولربما كان ذلك أمام نظر محرمها لينظر الجميع لها فأين حياء المرأة بل أين غيرة الرجل حينها.
وأما في قاعات الأفراح والمناسبات, فكم تقع من أمورٍ تنافي الحياء حين تبدو مع الألبسة من الأبدان النحور والظهور, وتحذو بعض نساء الإسلام حذو نساء الغرب والشرق حين تلهث وراء كل موضة يأتي بها من ليس لهم عند الله من خلاق , وأما في المشاغل النسائية فكم نحر الحياء هناك من قِبل بعض النساء حين تهتك العورات بحجة التجميل, ورسولنايقول" ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت الستر فيما بينها و بين الله عز و جل" رواه أحمد
إن فاطمة بنت رسول اللهأهمها أن يرى الناس بدنها حين يحملوها لدفنها وما ارتاحت حتى رأت التابوت الذي يغطي جميع بدنها,فهذا حياء في الممات فأين حياء بعض النساء في الحياة
إن الفتاةَ حَدِيْقةٌ وحياؤُها كالماءِ موقُوفٌ عليه نماؤُها لا خير في حسن الفتاة وعلمها إن كان في غير الصلاح رضاؤها
فجمالها وقف عليها إنما للناس منها دينها وحياؤها .
أعلم أيها الفضلاء أن من أمامي هم رجال, وأن ما أذكره غالبه عن حياء النساء, لكنني أعلم أن الله جعل القوامة للرجال, وأن المرأة ماكان لها أن تتنازل عن حيائها إلا حين تسبب في ذلك الرجل أو تساهل في أطرها على الحياء, وبعد ذلك أفليس من المنتظر ممن جُعلت لهم القوامة أن يكون لهم أثر في نشر الفضيلة وغرس الأخلاق العلية, وأن يكون لهم دور في القضية, بلى ورب البرية, وأقول ماسمعتم واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد
معاشر الأولياء: إننا ونحن نرى تعدد وسائل وأد الحياء لمطالبون بأن نغرس هذا الخلق في النفوس, ونحييه في البيوت, ونربي عليه الأبناء والبنات عبر عدة وسائل, من أهمها:
أولاً: تنشئة الأولاد من الجنسين ولا سيما البنات على اللباس المحتشم, والنأي بهم عن لباس التعري لأن من نشأت على ذلك فلربما صعب تغييرها, وقد قال الأول:
إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت ولا تلين إذا صارت من الخشب
ثانياً: وإزالة مايهدم الحياء من تلك القنوات الآثمة التي تتفنن في هدم الحياء عبر ماتبثه وتعرضه من برامج لم يكن يرى أمثالها كبار الفساق وهي اليوم تعرض أمام نظر الأولاد ذكورهم وإناثهم كبارهم وصغارهم ليستعر أوار الشهوات, ويرِقّ الحياء مع الزمن, ومع كثرة الإمساس يقل الإحساس, وما أعظم جناية ذلك الأب وتبعته يوم أن يلقي بتلك الشرور في عقر الدار بين أولئك النشء .
ثالثاً: وتجنيب البيوت الغناء فإنه هادمٌ للحياء, وفي ذلك يقول يزيد بن الوليد: (يا بني أمية، إياكم والغناء، فإنه يذهب الحياء، ويثير الشهوة، ويهدم المرؤة، وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل المسكر).
رابعاً: وللمدارس دور, عبر التوعية والقدوة والتعليم, ويعظم الإشكال حين تكون المعلمة نفسها قد ارتكبت بعض ما يخالف الحياء, من قول او فعل او ملبس او غيره.
وأما الأم فهي باذرة نبتة الحياء بإذن الله في قلوب الأبناء والبنات, وهي والأب من يسقيها, عبر القدوة وعبر إبراز النماذج الرائعة للحياء في القديم والحديث, وعبر ما يُغرس في نفوسهم من الصغر, وعبر اللجأ والدعاء لرب الأرض والسماء.
وبعد معاشر الكرام: فما أردت إلا الإصلاح ما استطعت, وما ذكرت الا واقعاً أعرضت
عن بعضه, ومع كل هذا ؛ ففي الأمة خير كبير, وفي أعدادٍ كبيرة من نساء اليوم مايستحق أن نفاخر بهن أهل القرون الماضية حشمةً وحياءً وديانةً, ولكن ذلك لا يمنعنا من التنبيه على بعض الخلل, وإذا كانت المرأة اليوم تواجه حملةً شعواء من قبل أعداء الدين في الخارج والداخل, فإن ذلك لأنها القلعة التي إذا تهاوت وهى جدار الأمة.
ونساء مجتمعنا اليوم بحاجة إلى التمسك بالحياء وبالحجاب, لتعود جهود أهل الفساد في نحورهم, ولئن كان إصلاح المجتمع مطلباً فإن ذلك يتهيأ إذا صلحت نسائه, وإذا رأيت المجتمع قد حلت الغيرة في رجاله والحياء والحشمة في نسائه فذاك مظنة توفيق وسدٌ منيع أمام طوفان الفساد بإذن الله
الخطبة الأولى
الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرورِ أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- تسليماً كثيراً .((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) (102 سورة آل عمران) . ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)) (سورة النساء :1) .(({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)) (سورة الأحزاب :70).
عباد الله:
خلقٌ من أخلاقِ الإسلام، هو قرينُ الإيمان، وأمارةٌ صادقة على طبيعة الإنسان، يكشفُ عن قيمةِ إيمانهِ ومقدار أدبهِ هو خيرٌ كله، وكلهُ خير، ولا يأتي إلا بخير .
هو صفة من صفات الله كما يليق بجلاله, وخلقٌ من أخلاق الملائكة، وسمةٌ من سمات الأنبياءِ وأتباع الأنبياء .
خلق من أسمى الصفات الإنسانية، وأنبل الأخلاق الفاضلة، خلقٌ مرغه الإعلام بالتراب وداستهُ بعض نسائنا في الأسواقِ والأفراحِ والمنتزهات، ووطئتهُ ثلةٌ من شبابنا في الحدائقِ والطرقات، إنَّهُ خلقُ الحياء، الخُلق الذي اتصفَ به الأنبياء، فإنَّ مما أدركَ أناسٌ من كلامِ النبوةِ الأولى، إذا لم تستح فاصنع ما شئت، إنه خلق قدوتنا محمد r والذي كان أشدُ حياءً من العذراءِ في خدرها ، إنَّهُ الحياءُ الخلقُ الذي يبعثُ على فعلِ الحسن وترك القبيح، ويمنعُ من التقصيرِ في حقِ ذي الحق .
إنَّهُ الحياءُ ما كان في شيءٍ إلا زانه، وما نُزع من شيءٍ إلا شانه، ولولا هذا الخلق لم يُقرى الضيف، ولم يوف بالوعد، ولم تؤد الأمانة، ولم تقض لأحد حاجة، ولا تحرى الرجلُ الجميلَ فآثره، والقبيحَ فتجنبه، ولا ستر له عورة، ولا امتنع عن فاحشة، ولربما لولا الحياء لم
يؤد المرء شيئاً من الأمور المفترضة عليه، ولم يرع لمخلوق حقاً، ولم يصل له رحماً، ولا بر له والداً؛ فإن الباعث على هذه الأفعال إما حياء من الله أو حياء من خلق الله.
ورب قبيحة ماحال بيني وبين ركوبها إلا الحياءُ
فكان هو الدواء لها ولكن إذا ذهب الحياء فلا دواء
ولئن كان الحياء شرفاً فإن المحمود منه ماكان على وفق مراد الله ورسوله, ونحن اليوم قد نتجاوز كثيراً من صور الحياء ونقف على صفحة من صفحاته وهو حياء النساء
وحين يكون الحديث عن الحياء فإن زينة المرأة وكمالها إنما هو بالحياء, وإنما تمدح المرأة بحيائها, ومازالت النساء في القديم وفي الحديث يضربن النماذج الرائعة في التحلي بذلك الخلق الذي تمدح به المرأة, ففي القرآن قص علينا رب العزة خبر ابنة شعيب حين ورد موسى عليه الصلاة والسلام ماء مَدين فجاءته إحدى المرأتين تمشي على استحياء لتنهي له دعوة, فأتت بأخصر لفظ وأقصر عبارة تؤدي المعنى(إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ماسقيت لنا) وكان دليل هذا الحياء أنها لم تَنسب أمْر الدعوة والجزاء لِنفسها
بل نسبته إلى أبيها ,فقالت إن ابي يدعوك, قال ابن كثير : وهذا تأدُّب في العبارة ، لم تَطلبه طَلبا مُطلقا، لئلا يُوهِم رِيبة ،بل قالت : إن أبي يدعوك لِيجزيك أجْر مَا سقيت لنا ، يعني : لِـيُثِيبك ويُكَافئك على سَقيك لِغَنَمِنَا . اهـ
وأما عائشة رضي الله عنها فقد روى أحمد وغيره أنها قالت : كنت أدخل بيتي الذي فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم و أني واضع ثوبي و أقول إنما هو زوجي و أبي فلما دفن عمر معهم فو الله ما دخلت إلا و أنا مشدودةٌ علي ثيابي حياءً من عمر رضي الله عنه, فإذا كان هذا حيائها من الأموات فكيف يكون حيائها من الأحياء, وفي السنن أن امرأة جاءت في أحد الغزوات إلى النبي صلى الله عليه و سلم وهي متنقبة تسأل عن بن لها وهو مقتول فقال لها بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة فقالت إن أرزأ ابني فلن أرزأ حيائي.
ولئن كانت هذه نماذج للنساء في أزمانٍ مضت فدونكم نموذجٌ لنساء هذه الأعصار, حدّث
أحد الدعاة قائلاً: كنت في رحلة دعوية إلى بنجلاديش مع فريق طبي أقام مخيماً لعلاج
أمراض العيون ، فتقدّم إلى الطبيب شيخٌ وقور ومعه زوجته بتردد وارتباك ، ولمّا أراد
الطبيب المعالج أن يقترب منها فإذا بها تبكي وترتجف من الخوف ، فظنّ الطبيب أنها تتألم من المرض ، فسأل زوجها عن ذلك ، فقال وهو يغالب دموعه : إنها لا تبكي من الألم .. بل تبكي لأنها ستضطر أن تكشف وجهها لرجل أجنبي ! لم تنم ليلة البارحة من القلق والارتباك ، وكانت تعاتبني كثيراً وتقول: أوَ ترضى لي أن أكشف وجهي .. ؟ ! وما قبلتْ أن تأتي للعلاج إلا بعد أن أقسمتُ لها أيماناً مغلظة بأنّ الله تعالى أباح لها ذلك للاضطرار,.فلمّا اقترب منها الطبيب ، نفرت منه ، ثم قالت : هل أنت مسلم ؟قال : نعم ، والحمد لله ! !قالت : إن كنت مسلماً .. إن كنت مسلماً .. فأسألك بالله ألاّ تهتك ستري ، إلا إذا كنت تعلم يقيناً أن الله أباح لك ذلك .. !
أُجريت لها العملية بنجاح وأزيل الماء الأبيض ، وعاد إليها بصرها بفضل الله تعالى . حدّث عنها زوجها أنها قالت : لولا اثنتان لأحببت أن أصبر على حالي ولا يمسني رجل أجنبي : قراءة القرآن ، وخدمتي لك ولأولادك . مجلة البيان - (138 / 70)
والحياء حين يطلب فإنما يتأكّد في حق المرأة ، فسِترها رمز حيائها ، وحجابُها دليل كرامتها ,وإذا اختلّ حياء المرأة تزلزلت أقدامها ، وعصفت بها الفتن ، وأصبحت سلعة
رخيصة تباع بأبخس الأثمان ، ويعبث بها دهاقنة الفساد ، وأئمة الهوى ، (وليس
لمن سُلِبَ الحياءَ صادّ عن قبيح ، ولا زاجر عن محظور ؛ فهو يُقدم على ما يشاء ،
ويأتي ما يهوى) وقديماً قال الشاعر :
فلا والله ما في العيش خير ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ
يعيش المرء ما استحيا بخير ... ويبقى العود ما بقي اللحاءُ.
وإننا اليوم نتسائل, أين الحياء من بعض النساء, أين النسوة اللاتي يتحدث عنهن الآباء, اللاتي حين يخرجن للأسواق يلزمن حافات الطريق حتى أثر مرُّهن بجُدر البيوت فغدا حداً في الجدار من لزومهن إياه, إن الحياء الذي هو شرف الرجال وزينة النساء يُكاد له اليوم عبر وسائل عديدة, فعن طريق القنوات والإذاعات بما تعرضه وتبثه من مشاهد مُسِفة وبرامج مخزيةٍ يُطعن الحياء حين يُلمع من قلّ حيائهم وتعرض بضاعتهم أمام الأبناء والبنات لتنخر في الأخلاق, وعن طريق الصحف والإعلام المقروء والقصص والروايات يُهدم الحياء, ولا يفتأ حثالة من الكتاب ممن مكنت لهم صحفنا, لا يفتأون يسعون جاهدين في نشر الرذيلة وهدم الحياء والسخرية بمن تمسكت بحجابها وسِترها, وتقديم تلك النسوة اللاتي خلعن حيائهن ونزعن حجابهن وخالفن فطرتهن وعصين ربهن على أنهن القدوات التي ينبغي أن تحذو حذوهن نساء اليوم
عباد الله: وإذا كان الحياء خلقاً يدّعيه كل إنسان ويأنف أن يوصف بضده كل أحد, فلا بد أن يعلم ان الحياء ليس بالدعاوى بل تصدقه الفعال أو تكذبه, وحينها فإننا نتسائل: أين الحياء من تلك المرأة التي خرجت للأسواق فرقّ حجابها وضاق ملبسها وفاحت رائحة أطيابها حتى كأنما خرجت لمناسبة, أمن الحياء أن تتحدث المرأة مع البائع بخضوع صوت وتضاحكه ليخفض لها في القيمة, ولربما شاورته بما تشتري, ومدت يدها ليُلبسها.
هل من الحياء أن تخرج المرأة وحدها مع السائق بلا محرم, فلئن لم تستح من الناس فلتستح من الله الذي حرم عليها الخلوة مع الأجنبي عنها.
أين الحياء من المرأة التي ما كفاها أن تعصي ربها حتى غدت تجاهر بذنبها فحادثت صاحباتها بما اقترفت وما قالت وبمن من الرجال صاحبت, ورسولنا يقول "كل أمتي معافى الا المجاهرين".
وإننا نتسائل أيضاً: هل من الحياء أن تدخل المرأة لوحدها على الطبيب الرجل في حين أنها تجد الطبية الكفؤة, ولربما خلعت حجابها حينها بلا أدنى حاجة وكأن الطبيب من محارمها.
ما بال بعض النساء تتساهل بحجابها أمام السائق وخادم البيت ومع من تراه من غير بلادها, ولربما تحرزت مع غيرهم فما هذا التناقض, وسل مدن الألعاب الترفيهية تنبيك عن صورٍ يشكو منها الحياء حين تظل البعض تلعب بمرأى من الرجال, وربما تعالت صيحاتها وبدى بعض جسمها, ولربما كان ذلك أمام نظر محرمها لينظر الجميع لها فأين حياء المرأة بل أين غيرة الرجل حينها.
وأما في قاعات الأفراح والمناسبات, فكم تقع من أمورٍ تنافي الحياء حين تبدو مع الألبسة من الأبدان النحور والظهور, وتحذو بعض نساء الإسلام حذو نساء الغرب والشرق حين تلهث وراء كل موضة يأتي بها من ليس لهم عند الله من خلاق , وأما في المشاغل النسائية فكم نحر الحياء هناك من قِبل بعض النساء حين تهتك العورات بحجة التجميل, ورسولنايقول" ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت الستر فيما بينها و بين الله عز و جل" رواه أحمد
إن فاطمة بنت رسول اللهأهمها أن يرى الناس بدنها حين يحملوها لدفنها وما ارتاحت حتى رأت التابوت الذي يغطي جميع بدنها,فهذا حياء في الممات فأين حياء بعض النساء في الحياة
إن الفتاةَ حَدِيْقةٌ وحياؤُها كالماءِ موقُوفٌ عليه نماؤُها لا خير في حسن الفتاة وعلمها إن كان في غير الصلاح رضاؤها
فجمالها وقف عليها إنما للناس منها دينها وحياؤها .
أعلم أيها الفضلاء أن من أمامي هم رجال, وأن ما أذكره غالبه عن حياء النساء, لكنني أعلم أن الله جعل القوامة للرجال, وأن المرأة ماكان لها أن تتنازل عن حيائها إلا حين تسبب في ذلك الرجل أو تساهل في أطرها على الحياء, وبعد ذلك أفليس من المنتظر ممن جُعلت لهم القوامة أن يكون لهم أثر في نشر الفضيلة وغرس الأخلاق العلية, وأن يكون لهم دور في القضية, بلى ورب البرية, وأقول ماسمعتم واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد
معاشر الأولياء: إننا ونحن نرى تعدد وسائل وأد الحياء لمطالبون بأن نغرس هذا الخلق في النفوس, ونحييه في البيوت, ونربي عليه الأبناء والبنات عبر عدة وسائل, من أهمها:
أولاً: تنشئة الأولاد من الجنسين ولا سيما البنات على اللباس المحتشم, والنأي بهم عن لباس التعري لأن من نشأت على ذلك فلربما صعب تغييرها, وقد قال الأول:
إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت ولا تلين إذا صارت من الخشب
ثانياً: وإزالة مايهدم الحياء من تلك القنوات الآثمة التي تتفنن في هدم الحياء عبر ماتبثه وتعرضه من برامج لم يكن يرى أمثالها كبار الفساق وهي اليوم تعرض أمام نظر الأولاد ذكورهم وإناثهم كبارهم وصغارهم ليستعر أوار الشهوات, ويرِقّ الحياء مع الزمن, ومع كثرة الإمساس يقل الإحساس, وما أعظم جناية ذلك الأب وتبعته يوم أن يلقي بتلك الشرور في عقر الدار بين أولئك النشء .
ثالثاً: وتجنيب البيوت الغناء فإنه هادمٌ للحياء, وفي ذلك يقول يزيد بن الوليد: (يا بني أمية، إياكم والغناء، فإنه يذهب الحياء، ويثير الشهوة، ويهدم المرؤة، وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل المسكر).
رابعاً: وللمدارس دور, عبر التوعية والقدوة والتعليم, ويعظم الإشكال حين تكون المعلمة نفسها قد ارتكبت بعض ما يخالف الحياء, من قول او فعل او ملبس او غيره.
وأما الأم فهي باذرة نبتة الحياء بإذن الله في قلوب الأبناء والبنات, وهي والأب من يسقيها, عبر القدوة وعبر إبراز النماذج الرائعة للحياء في القديم والحديث, وعبر ما يُغرس في نفوسهم من الصغر, وعبر اللجأ والدعاء لرب الأرض والسماء.
وبعد معاشر الكرام: فما أردت إلا الإصلاح ما استطعت, وما ذكرت الا واقعاً أعرضت
عن بعضه, ومع كل هذا ؛ ففي الأمة خير كبير, وفي أعدادٍ كبيرة من نساء اليوم مايستحق أن نفاخر بهن أهل القرون الماضية حشمةً وحياءً وديانةً, ولكن ذلك لا يمنعنا من التنبيه على بعض الخلل, وإذا كانت المرأة اليوم تواجه حملةً شعواء من قبل أعداء الدين في الخارج والداخل, فإن ذلك لأنها القلعة التي إذا تهاوت وهى جدار الأمة.
ونساء مجتمعنا اليوم بحاجة إلى التمسك بالحياء وبالحجاب, لتعود جهود أهل الفساد في نحورهم, ولئن كان إصلاح المجتمع مطلباً فإن ذلك يتهيأ إذا صلحت نسائه, وإذا رأيت المجتمع قد حلت الغيرة في رجاله والحياء والحشمة في نسائه فذاك مظنة توفيق وسدٌ منيع أمام طوفان الفساد بإذن الله