أبو عبد الرحمن عبد الباقي
02-13-2011, 10:40 PM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
دائما ، نسعى في دعوتنا للآخرين أن يلتزموا بالحسن من الأخلاق ، والابتعاد عن السيء منها .
وكثيرا ما نلاحظ - بعد توفيق الله - أن كثيرا ممن ساءت أخلاقهم قد تبدلت إلى الأحسن .
ولكن ذات مرة ، تأملت في هذا الأمر ، فقلت لنفسي : هل يمكن أن تتبدل الأخلاق الحسنة غلى أخرى سيئة؟
ثم بعدها شرعتُ في النظر في هذا الأمر ، فوجدتُ ما يلي :
قال الماوردي رحمه الله في كتابه الرائع (أدب الدنيا والدين) : ربما تغير حسن الخلق الْوَطَاءُ إلَى الشَّرَاسَةِ وَالْبَذَاءِ ؛ لأسباب عارضة ، وأمور طارئة ، تجعل اللين خشونة ، وَالْوَطَاءَ غلظة ، والطلاقة عُبوسًا .
فَمِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ :
1- المنصب والجاه :
فربما إذا نال منصبًا ووجاهة أدى ذلك لتغيره مع الناس وتحول أخلاقه من الحسن إلى السيئ ، وهذا ينتج عن لؤمٍ في الطبع ، كان يختفي وراء حاله الأولى.
لهذا نقول : اعلم أن هذا المنصب لابد وأن يفارقك أو تفارقه ، ولن يبقى ، فهو لو دام لمن قبلك ما وصل إليك . فتنبه ، ولا يغرنك الشيطان ويخدعك عن نفسك .
2- الغنى وزيادة المال :
فبه تتحول أخلاق اللئيم بَطَراً ، وتسوء أخلاقه أَشَراً . فتراه بعد السكينة والهدوء مع الناس ، تحول إلى الكبر والتعالي ناسيًا ما كان فيه من قبل ، وأن
الذي لأعطاه هذا المال قادرا على أن يسلبه منه .
قال بعض الشعراء :
فَإِنْ تَكُنْ الدُّنْيَا أَنَالَتْك ثَرْوَةً..
فَأَصْبَحْت ذَا يُسْرٍ وَقَدْ كُنْت ذَا عُسْرِ
لَقَدْ كَشَفَ الإِثْرَاءُ مِنْك خَلائِقًا..
مِنْ اللُّؤْمِ كَانَتْ تَحْتَ ثَوْبٍ مِنْ الْفَقْرِ
3- الفقر بعد الغنى ويسر الحال :
فقد يتغير به الخلق إما أنفة من ذل الاستكانة أو أسفًا على فائت الغنى .
وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ الطَّائِيُّ :
وَأَعْجَبُ حَالاتِ ابْنِ آدَمَ خَلْقُهُ..
يَضِلُّ إذَا فَكَّرْتَ فِي كُنْهِهِ الْفِكْرُ
فَيَفْرَحُ بِالشَّيْءِ الْقَلِيلِ بَقَاؤُهُ..
وَيَجْزَعُ مِمَّا صَارَ وَهُوَ لَهُ ذُخْرُ
4- الْهُمُومُ الَّتِي تُذْهِلُ العقل ، وَتَشْغَلُ الْقَلْبَ ، فَلا تَتْبَعُ الاحْتِمَالَ وَلا تَقْوَى عَلَى صَبْرٍ .
5- الأَمْرَاضُ الَّتِي يَتَغَيَّرُ بِهَا الطَّبْعُ مَا يَتَغَيَّرُ بِهَا الْجِسْمُ ، فَلا تَبْقَى الأَخْلاقُ عَلَى اعْتِدَالٍ وَلا يُقْدَرُ مَعَهَا عَلَى احْتِمَالٍ .
آلَةُ الْعَيْشِ صِحَّةٌ وَشَبَابُ.. فَإِذَا وَلَّيَا عَنْ الْمَرْءِ وَلَّى
6- كبر السِّنِّ وَحُدُوثُ الْهَرَمِ لِتَأْثِيرِهِ فِي آلَةِ الْجَسَدِ ، كَذَلِكَ يَكُونُ تَأْثِيرُهُ فِي أَخْلاقِ النَّفْسِ ، فَكَمَا يَضْعُفُ الْجَسَدُ عَنْ احْتِمَالِ مَا كَانَ يُطِيقُهُ مِنْ أَثْقَالٍ ، فَكَذَلِكَ تَعْجِزُ النَّفْسُ عَنْ أَثْقَالِ مَا كَانَتْ تَصْبِرُ عَلَيْهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْوِفَاقِ ، وَمَضِيقِ الشِّقَاقِ .
والذي دعاني لهذا التأمل ، هو أنني وجدتُ فساد الأخلاق يستشري بين صفوف المسلمين - وخاصة - بين شباب المسلمين ، وتعددت مظاهر الفساد الخلقي والتي لا تخفى على كل غيور على دينه.
فحاولت أن أنظر في تلك الأسباب التي أدت لشيوع ظاهرة الفساد الخلقي في مجتمع المسلمين ، فوجدت من جملة تلك الأسباب :
1- حـب الدنيـا :
من أخطر ما يضر الأخلاق ويفسد السلوك ويدمّر الفضائل حب الدنيا ، فهو رأس كل بليّة ، من أجلها يغشّ التجار ، ومن أجلها يخون الناس الأمانات .
بسبب حبّ الدنيا تُنكث العهود ، وتجحد الحقوق ، بسببها تنسَى الواجبات ، وتستباح المحرمات .
من أجل حب الدنيا يكذب العِباد ويزوّرون ، ومن أجلها تداس القيم ويباع الدين والشرف والعرض.
قال الفضيل بن عياض : «جُعل الشر كله في بيت ، وجُعل مفتاحه حب الدنيا ، وجعل الخير كله في بيت ، وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا »
وكان مالك بن دينار يقول : « إن البدن إذا سقم : لم ينجح فيه طعام ، ولا شراب ، ولا نوم ، ولا راحة ، كذلك القلب إذا علق حب الدنيا لم تنجح فيه المواعظ»
وقال أيضا مالك : « حزنك على الدنيا يخرج حزن الآخرة من قلبك ، وفرحك بالدنيا يخرج حلاوة الآخرة من قلبك »
وقال الحسن البصري : « لو لم تكن لنا ذنوب نخاف على أنفسنا منها إلا حبنا للدنيا ، لخشينا على أنفسنا ، إن الله يقول : (تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة) ، أريدوا ما أراد الله »
و كان ابن السماك يقول : « من أذاقته الدنيا حلاوتها بميله إليها جرعته الآخرة مرارتها لمجانبته عنها »
وعن يزيد بن ميسرة قال : « كان أشياخنا يسمون الدنيا خنزيرة ولو وجدوا لها اسماً شرا منها لسموها به ، وكانوا إذا أقبلت إلى أحدهم دنيا » ، قالوا : « إليك عنَّا يا خنزيرة لا حاجة لنا فيك إنا نعرف إلهنا »
وقال النبي « أَلاَ إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلاَّ ذِكْرَ اللَّهِ وَمَا وَالاَهُ وَعَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا »
2- طــو ل الأمــل :
وهو نتيجة حتمية لحب الدنيا ، به ـ طول الأمل ـ يتعلق العبد بالدنيا وأوهامها ، والبحث عن المتعة الزائفة وأوحالها، فينتج من هذا قسوة القلب وغلظته لأن نقاء القلب وصفاءه، لا يكون إلا بتذكر الآخرة والموت، فيزداد التعلق بالله جل وعلا. أما هذا فقد ملأ قلبه بالدنيا فلا مكان فيه لغيرها.
فإذا دعوتَ مثل هذا وذكرتَه بربه فلا يخشع أو يخضع لما تقول ، نعم فإن القلب أصبح قاسيا ، أصابه الران من كثرة الذنوب ، فأصبح لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا .
لهذا فإن الله قد حذَّر من طول الأمل والتعلق بالدنيا لما يجره من خطر على العبد وعلى المجتمع بانتشار سوء الأخلاق فيه.
فقال تعالى : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد : 16]
فكما ترى في الآية من التحذير من الركون لطول الأمل لأن نتيجته قسوة القلب (فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) التي تؤدي إلى عدم سماع أي موعظة أو الخشوع من سماع أي كلام ولو كان كلام الله أو حديث رسول الله ، ونعم هذا هو حالنا فنحن نسمع كلام الله ليل نهار ، ونسمع حديث رسول الله والمواعظ هنا وهناك ، فما لان القلب وما خشع أو خضع لماذا ؟ لأنه امتلأ بطول الأمل والتعلق بالدنيا .
ولأن القلب لا يتأثر بهذا أو ذاك ، ولا يعرف الحق من الباطل انتشر الفساق وسوء الأخلاق في مجتمع المسلمين (وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) فأصبحنا نرى الفساق في كل مكان يتسكعون في الطرقات ، لا يحترمون كبيرا أو يرحمون صغيرا ، ولا يسلم منهم النساء كبيرة كانت أم صغيرة ، إذا نصحهم ناصح تبجحوا فيه بكل قبيح وسيء ، لماذا ؟ إنه طول الأمل.
فلا تنخدع أيها المسلم بالدنيا وطول الأمل فيها ، واعلم أنك أمام الله موقوف ، وعما تفعل مسئول ، وأذكرك بهذه الآية .
قال تعالى لمن خدعه الأمل : (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الحجر : 3]
فالآية تهديد ووعيد من الله لمن خدعه الأمل وتمادى في غيه وفساد أخلاقه ، بأنه سوف يعلم جزاء ما يعمل ، ونعم فوعده الحق ، وقوله الصدق .
3- الإهمــال في التربيــة :
فقد أهمل أكثر الآباء والأمهات تربية أولادهم ، وكل ما يشغلهم هو أن يطعموهم أفخر الطعام ، وأن يرتدوا أبهى الملابس ، فعمل الأب ليل نهار من أجل أن يوفر لأولاده متع الحياة .
ونسي ما أمره الله به ، فقد قال له الله جل شأنه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم :6]
قال ابن كثير رحمه الله : أي : مروهم بالمعروف ، وانهوهم عن المنكر ، ولا تدعوهم هملا فتأكلهم النار يوم القيامة.انتهى.
فبالله عليك : ماذا قلت لولدك لما رأيته يفرط في الصلاة ولا يصلي ؟ ماذا قلت له لما رأيته يشاهد الأفلام والمسلسلات الساقطة ؟
ماذا قلت لابنتك أو زوجتك لما رأيتها تخرج بملابس شفافة أو ضيقة تصف جسدها ؟ هل نهيتهم ؟ هل أمرتهم بأن يبتعدوا ويتركوا هذا المنكر الذي هم عليه ، حتى لا يكونوا من حطب جهنم ؟
أم يا ترى أنت الذي اشتريت لأولادك هذا (المفسد) التليفزيون ، ومعه هذا (المدمر) الدش ؟
أليس أنت الذي أعطيت لزوجتك وابنتك المال لتشتري هذه الملابس التي تجلب عليك قبلهم لعنة الله وسخطه ؟
بهذا تكون قد وقيتهم من النار ، أم كبرتهم وسمنتهم ليكونوا لجهنم حطبا .
قال الله : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا )
قال ابن كثير رحمه الله : أي : استنقذهم من عذاب الله بإقام الصلاة ، واصطبر أنت على فعلها.
هل أمرتهم بالصلاة ؟ أم ياترى أنت أيضا تفرط في الصلاة ؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله .
لهذا انتشر سوء الخلق وانتشر الانحلال والفساد بين الشباب من الجنسين ، فلا مُوجِه ، ولا معلم ، ولا أي شيء غير التليفزيون . وماذا به ممثل ساقط خليع ، يتعلم منه الشباب الخلاعة والانحلال .
به مغنية ساقطة ، تتعلم منها النساء الخلاعة والميوعة وانحلال الأخلاق .
راقصة عارية يتعلم منه النساء العري والتكشف والابتذال .
نعم هؤلاء هم من يربون أبناءنا اليوم ، هؤلاء هم قدوة أبنائنا ، هؤلاء هم أقرب الناس إلى قلوب أبنائنا .
أيتها الأم ألا تفيقين ؟ أيها الأب ألا تستيقظ ؟ قبل فوات الأوان ، ثم تندم بعد أن لا ينفع الندم .
ألا ترفع هذا المفسد من بيتك ؟ ألا تزيل هذا المخرب من سطحك ؟ أم ماذا تتنظر ؟
وصدق القائل :
1ـ يا من جلبت الــدشّ رفقًــا إنمــا ..
أفســدتَ مـا في البيت من غلمان
2ـ خنت الأمانة في الشباب وفي النسا ..
وجعــلت بيتـك منتدى الشيطان
3ـ خنت الأمانة في البنات ولن ترى ..
منهــن بــرًا إنهــــن عوانــي
4ـ ترضى لنفسك أن تكون مفرطًــا ..
في الــدين والأخلاق والإيمان
5ـ ترضى لنفسك أن تكون مزعزعـا ..
لقــواعد الإســـلام والإيمان
6ـ ترضى لنفسك أن تكون مروجــا ..
لبضاعة الكفـــران والخسران
7ـ أفسدت ما في البيت مـن أخلاقــه ..
أذهبت ما في البيت من إحسان
8ـ أدخلت في البيت الضلال مع الخنا ..
والفســق بعد تــلاوة القــرآن
ونعم لا شك إن فساد الخلق ضرره كبيره وأثره عظيم على المجتمع ككل ، بل وعلى صاحب الخلق السيء نفسه :
: أثر سوء الأخلاق على الفرد :
- سوء الخلق يجلب على العبد البغض من الله ومن الملائكة ومن الناس أجمعين .
فقد قال النبي : «إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَاحِشَ الْمُتَفَحِّشَ»
الفاحش : البذيء سيء الأخلاق . نعم هذا لا يحبه الله.
وإذا أبغضه الله ، بغَّضه الله إلى جميع خلقه .
فعن أبي هريرة أن النبي قال : «إِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ إِنِّى أُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضْهُ - قَالَ - فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِى فِى أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضُوهُ - قَالَ - فَيُبْغِضُونَهُ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِى الأَرْضِ» أرأيت بسوء الخلق جمعت بغض الله والملائكة والناس أجمعين.
ونعم بغض الناس لك يجعلهم منك ينفرون ومن رؤيتك يبتعدون ، ولطريق غير طريقك يسلكون ، فتكون في المجتمع منبوذا ، وتعيش فيه مرفوضا .
وإن تكلم معك أحد بلطف ، فليس عن حب وكرامة ، إياك أن تعتقد هذا ، بل اتقاء لسوء خلقك ، وخوفا من شرك .
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِىِّ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ « بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ ، وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ » . فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِىُّ فِى وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا ، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِى وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ « يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِى فَحَّاشًا ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ »( ) أتحب أن تكون ذلك الرجل الذي يبغضه الناس ، وإن أحسنوا معه كان لاتقاء شره ؟ أظنك لا تحب هذا.
- انتشار سوء الخلاق من علامات يوم القيامة :
فقد قال النبي «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ الْفُحْشُ وَالتَّفَاحُشُ وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ وَسُوءُ الْمُجَاوَرَةِ وَحَتَّى يُؤْتَمَنَ الْخَائِنُ وَيُخَوَّنَ الأَمِينُ»
- الحسرة والندامة هي ما ينتظر صاحب الخلق السيء.
نعم : أخلاق العبد السيئة وسلوكياته المشينة تأكل الخيرات ، وتحرق الحسنات ، وتحمّله من غيره الأوزار والسيئات ، وتقذف به في الدركات ، ولو صلّى وصام وعمل الصالحات.
سَألَ النبيُ يومًا أصحابه فقال : « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟». قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ.
فَقَالَ : « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِى قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ»
تأمّل : في هذا الرجل الذي قد أجهد نفسه في الطاعة، وأسهر ليله في الإنابة ، أظمأ نهاره بالصيام ، وتكبّد سفرًا في الحج إلى بيت الله الحرام .
فلما وقف بين يدي الجليل المتعال فوجئ برصيد هائل من الديون ، فقد شتم وسفك وضرب وهتك وسرق.
فوزّعت حسنات النهار وطاعات الليل سدادًا لتلك الديون في يوم الجزاء والنشور . فهذا أجير مغبون ، وذاك عامل مظلوم ، وهذا جار له مشتوم ، وذاك ضعيف ماله مأكول ، فوقف أمام الجميع بين يدي الجبار العظيم ، وقلبه متألم متأوّه محزون، فانهمرت الدموع من العيون ، هل من طريق للفرار من الديون؟! فهذا وأمثاله يوم القيامة هم المفلسون ، فأخلاقهم السيئة هي التي جلبت عليهم هذا الخسران.
أثر سوء الخلق على المجتمع :
مكارم الأخلاق ضرورة اجتماعية لا يستغني عنها مجتمع من المجتمعات ، ومتى فُقدت الأخلاق التي هي الوسيط الذي لابد منه لانسجام الإنسان مع أخيه الإنسان ، تفكك أفراد المجتمع ، وتصارعوا ، وتناهبوا مصالحهم ، ثم أدى بهم ذلك إلى الانهيار ثم الدمار .
من أجل ذلك فقد جعل الإسلام الأخلاق مناط الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة ، فهو يعاقب الناس بالهلاك في الدنيا لفساد أخلاقهم .
فقال تعالى : ( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ) [يونس: 13]
وقال تعالى : (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود: 117]
وقال تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ)[الأنعام:6]
واعلم أن حُسن الخلق يوجب التحاب والتآلف، وسوء الخلق يُثمر التباغض والتحاسد والتدابر.
فمجتمع يبغض بعضه بعضا ، لا شك أنه مجتمع لا يأمن فيه الإنسان على نفسه وولده وماله ، فينتج عن هذا عدم الولاء والانتماء لهذا المجتمع.
كذلك هذا البغض والتحاسد الناتج عن سوء الأخلاق دليل على التفكك والتمزق فى عرى المجتمع ، ومجتمع مفكك ممزق لا شك هو مجتمع ضعيف في مواجهة أعدائه فيكيدون له ويدبرون عليه ، دون اهتمام من أحد ، لأن أفراد هذا المجتمع قد انشغل كل منهم بأخيه كيف يسيء إليه كيف يدمره كيف يزيل النعمة عنه .
بهذا وجد أعداؤنا غايتهم ، وحققوا حلمهم الذي طالما سعوا إليه ، والسبب التفكك والضعف الناتج عن سوء الأخلاق.
سوء الخلق والانحراف عن الطريق المستقيم مكَّن أعداء الإسلام من النيل من شباب المسلمين ، إذ وجدوا إقبالاً لا مثيل له على كل ما يقدمون من مفاسد وانحرافات لتدمير هذا الشباب.
فقديماً فشلوا في هذا لأنهم وجدوا شبابًا يلتزمون بأخلاق القرآن بأخلاق نبي الإسلام .
أما اليوم فحال شبابنا لا يخفى على أحد ، استهتار بالدين واستخفاف بالأخلاق ، فأعلى أمانيهم مشاهدة فيلم ساقط أو سماع أغنية هابطة ، أو ارتداء (بنطلون على الموضة)
أيها الشاب المسلم : أترضى أن تكون طريقا لأعداء الإسلام إلى الإسلام وبلادنا ؟
أترضى أن تكون مُعينا لهم لتحقيق أهداف طالما سعوا إليه وفشلوا فيها ؟
نعم أعلم أنك لا ترضى ، لهذا أيها الحبيب تنبه وارجع إلى أخلاق الإسلام العظيم ، وتعاليمه الراقية ، لتدرك ما تريد من السعادة والمتعة الحقيقة.
فوالله : لن تدرك أي متعة أو سعادة وأنت بعيد عن الله ، وأنت تسير في طريق الشيطان ، فلا يلازمك إلا الهم وضيق الصدر ، نعم أنت تشعر بهذا ، وإن أكلت ما تشاء ، ولبست ما تشاء ، وركبت ما تشاء ، وسكنت فيما تشاء ، وتزوجت من تشاء ، فليس لك إلا الهم والشقاء ، لأنك خالفت رب الأرض والسماء .
قال الله : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) [طه: 124]
أي الهم والغم وضيق الصدر .
وفي المقابل لو كنت مع الله فعنده السعادة ، عنده الهناء والمتعة التي تبحث عنها . قال الله ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) [النحل :97] أي حياة سعيدة مباركة ، هذا فقط مع الله (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا" [النساء: 87] (وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا) [النساء: 122]
دائما ، نسعى في دعوتنا للآخرين أن يلتزموا بالحسن من الأخلاق ، والابتعاد عن السيء منها .
وكثيرا ما نلاحظ - بعد توفيق الله - أن كثيرا ممن ساءت أخلاقهم قد تبدلت إلى الأحسن .
ولكن ذات مرة ، تأملت في هذا الأمر ، فقلت لنفسي : هل يمكن أن تتبدل الأخلاق الحسنة غلى أخرى سيئة؟
ثم بعدها شرعتُ في النظر في هذا الأمر ، فوجدتُ ما يلي :
قال الماوردي رحمه الله في كتابه الرائع (أدب الدنيا والدين) : ربما تغير حسن الخلق الْوَطَاءُ إلَى الشَّرَاسَةِ وَالْبَذَاءِ ؛ لأسباب عارضة ، وأمور طارئة ، تجعل اللين خشونة ، وَالْوَطَاءَ غلظة ، والطلاقة عُبوسًا .
فَمِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ :
1- المنصب والجاه :
فربما إذا نال منصبًا ووجاهة أدى ذلك لتغيره مع الناس وتحول أخلاقه من الحسن إلى السيئ ، وهذا ينتج عن لؤمٍ في الطبع ، كان يختفي وراء حاله الأولى.
لهذا نقول : اعلم أن هذا المنصب لابد وأن يفارقك أو تفارقه ، ولن يبقى ، فهو لو دام لمن قبلك ما وصل إليك . فتنبه ، ولا يغرنك الشيطان ويخدعك عن نفسك .
2- الغنى وزيادة المال :
فبه تتحول أخلاق اللئيم بَطَراً ، وتسوء أخلاقه أَشَراً . فتراه بعد السكينة والهدوء مع الناس ، تحول إلى الكبر والتعالي ناسيًا ما كان فيه من قبل ، وأن
الذي لأعطاه هذا المال قادرا على أن يسلبه منه .
قال بعض الشعراء :
فَإِنْ تَكُنْ الدُّنْيَا أَنَالَتْك ثَرْوَةً..
فَأَصْبَحْت ذَا يُسْرٍ وَقَدْ كُنْت ذَا عُسْرِ
لَقَدْ كَشَفَ الإِثْرَاءُ مِنْك خَلائِقًا..
مِنْ اللُّؤْمِ كَانَتْ تَحْتَ ثَوْبٍ مِنْ الْفَقْرِ
3- الفقر بعد الغنى ويسر الحال :
فقد يتغير به الخلق إما أنفة من ذل الاستكانة أو أسفًا على فائت الغنى .
وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ الطَّائِيُّ :
وَأَعْجَبُ حَالاتِ ابْنِ آدَمَ خَلْقُهُ..
يَضِلُّ إذَا فَكَّرْتَ فِي كُنْهِهِ الْفِكْرُ
فَيَفْرَحُ بِالشَّيْءِ الْقَلِيلِ بَقَاؤُهُ..
وَيَجْزَعُ مِمَّا صَارَ وَهُوَ لَهُ ذُخْرُ
4- الْهُمُومُ الَّتِي تُذْهِلُ العقل ، وَتَشْغَلُ الْقَلْبَ ، فَلا تَتْبَعُ الاحْتِمَالَ وَلا تَقْوَى عَلَى صَبْرٍ .
5- الأَمْرَاضُ الَّتِي يَتَغَيَّرُ بِهَا الطَّبْعُ مَا يَتَغَيَّرُ بِهَا الْجِسْمُ ، فَلا تَبْقَى الأَخْلاقُ عَلَى اعْتِدَالٍ وَلا يُقْدَرُ مَعَهَا عَلَى احْتِمَالٍ .
آلَةُ الْعَيْشِ صِحَّةٌ وَشَبَابُ.. فَإِذَا وَلَّيَا عَنْ الْمَرْءِ وَلَّى
6- كبر السِّنِّ وَحُدُوثُ الْهَرَمِ لِتَأْثِيرِهِ فِي آلَةِ الْجَسَدِ ، كَذَلِكَ يَكُونُ تَأْثِيرُهُ فِي أَخْلاقِ النَّفْسِ ، فَكَمَا يَضْعُفُ الْجَسَدُ عَنْ احْتِمَالِ مَا كَانَ يُطِيقُهُ مِنْ أَثْقَالٍ ، فَكَذَلِكَ تَعْجِزُ النَّفْسُ عَنْ أَثْقَالِ مَا كَانَتْ تَصْبِرُ عَلَيْهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْوِفَاقِ ، وَمَضِيقِ الشِّقَاقِ .
والذي دعاني لهذا التأمل ، هو أنني وجدتُ فساد الأخلاق يستشري بين صفوف المسلمين - وخاصة - بين شباب المسلمين ، وتعددت مظاهر الفساد الخلقي والتي لا تخفى على كل غيور على دينه.
فحاولت أن أنظر في تلك الأسباب التي أدت لشيوع ظاهرة الفساد الخلقي في مجتمع المسلمين ، فوجدت من جملة تلك الأسباب :
1- حـب الدنيـا :
من أخطر ما يضر الأخلاق ويفسد السلوك ويدمّر الفضائل حب الدنيا ، فهو رأس كل بليّة ، من أجلها يغشّ التجار ، ومن أجلها يخون الناس الأمانات .
بسبب حبّ الدنيا تُنكث العهود ، وتجحد الحقوق ، بسببها تنسَى الواجبات ، وتستباح المحرمات .
من أجل حب الدنيا يكذب العِباد ويزوّرون ، ومن أجلها تداس القيم ويباع الدين والشرف والعرض.
قال الفضيل بن عياض : «جُعل الشر كله في بيت ، وجُعل مفتاحه حب الدنيا ، وجعل الخير كله في بيت ، وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا »
وكان مالك بن دينار يقول : « إن البدن إذا سقم : لم ينجح فيه طعام ، ولا شراب ، ولا نوم ، ولا راحة ، كذلك القلب إذا علق حب الدنيا لم تنجح فيه المواعظ»
وقال أيضا مالك : « حزنك على الدنيا يخرج حزن الآخرة من قلبك ، وفرحك بالدنيا يخرج حلاوة الآخرة من قلبك »
وقال الحسن البصري : « لو لم تكن لنا ذنوب نخاف على أنفسنا منها إلا حبنا للدنيا ، لخشينا على أنفسنا ، إن الله يقول : (تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة) ، أريدوا ما أراد الله »
و كان ابن السماك يقول : « من أذاقته الدنيا حلاوتها بميله إليها جرعته الآخرة مرارتها لمجانبته عنها »
وعن يزيد بن ميسرة قال : « كان أشياخنا يسمون الدنيا خنزيرة ولو وجدوا لها اسماً شرا منها لسموها به ، وكانوا إذا أقبلت إلى أحدهم دنيا » ، قالوا : « إليك عنَّا يا خنزيرة لا حاجة لنا فيك إنا نعرف إلهنا »
وقال النبي « أَلاَ إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلاَّ ذِكْرَ اللَّهِ وَمَا وَالاَهُ وَعَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا »
2- طــو ل الأمــل :
وهو نتيجة حتمية لحب الدنيا ، به ـ طول الأمل ـ يتعلق العبد بالدنيا وأوهامها ، والبحث عن المتعة الزائفة وأوحالها، فينتج من هذا قسوة القلب وغلظته لأن نقاء القلب وصفاءه، لا يكون إلا بتذكر الآخرة والموت، فيزداد التعلق بالله جل وعلا. أما هذا فقد ملأ قلبه بالدنيا فلا مكان فيه لغيرها.
فإذا دعوتَ مثل هذا وذكرتَه بربه فلا يخشع أو يخضع لما تقول ، نعم فإن القلب أصبح قاسيا ، أصابه الران من كثرة الذنوب ، فأصبح لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا .
لهذا فإن الله قد حذَّر من طول الأمل والتعلق بالدنيا لما يجره من خطر على العبد وعلى المجتمع بانتشار سوء الأخلاق فيه.
فقال تعالى : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد : 16]
فكما ترى في الآية من التحذير من الركون لطول الأمل لأن نتيجته قسوة القلب (فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) التي تؤدي إلى عدم سماع أي موعظة أو الخشوع من سماع أي كلام ولو كان كلام الله أو حديث رسول الله ، ونعم هذا هو حالنا فنحن نسمع كلام الله ليل نهار ، ونسمع حديث رسول الله والمواعظ هنا وهناك ، فما لان القلب وما خشع أو خضع لماذا ؟ لأنه امتلأ بطول الأمل والتعلق بالدنيا .
ولأن القلب لا يتأثر بهذا أو ذاك ، ولا يعرف الحق من الباطل انتشر الفساق وسوء الأخلاق في مجتمع المسلمين (وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) فأصبحنا نرى الفساق في كل مكان يتسكعون في الطرقات ، لا يحترمون كبيرا أو يرحمون صغيرا ، ولا يسلم منهم النساء كبيرة كانت أم صغيرة ، إذا نصحهم ناصح تبجحوا فيه بكل قبيح وسيء ، لماذا ؟ إنه طول الأمل.
فلا تنخدع أيها المسلم بالدنيا وطول الأمل فيها ، واعلم أنك أمام الله موقوف ، وعما تفعل مسئول ، وأذكرك بهذه الآية .
قال تعالى لمن خدعه الأمل : (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الحجر : 3]
فالآية تهديد ووعيد من الله لمن خدعه الأمل وتمادى في غيه وفساد أخلاقه ، بأنه سوف يعلم جزاء ما يعمل ، ونعم فوعده الحق ، وقوله الصدق .
3- الإهمــال في التربيــة :
فقد أهمل أكثر الآباء والأمهات تربية أولادهم ، وكل ما يشغلهم هو أن يطعموهم أفخر الطعام ، وأن يرتدوا أبهى الملابس ، فعمل الأب ليل نهار من أجل أن يوفر لأولاده متع الحياة .
ونسي ما أمره الله به ، فقد قال له الله جل شأنه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم :6]
قال ابن كثير رحمه الله : أي : مروهم بالمعروف ، وانهوهم عن المنكر ، ولا تدعوهم هملا فتأكلهم النار يوم القيامة.انتهى.
فبالله عليك : ماذا قلت لولدك لما رأيته يفرط في الصلاة ولا يصلي ؟ ماذا قلت له لما رأيته يشاهد الأفلام والمسلسلات الساقطة ؟
ماذا قلت لابنتك أو زوجتك لما رأيتها تخرج بملابس شفافة أو ضيقة تصف جسدها ؟ هل نهيتهم ؟ هل أمرتهم بأن يبتعدوا ويتركوا هذا المنكر الذي هم عليه ، حتى لا يكونوا من حطب جهنم ؟
أم يا ترى أنت الذي اشتريت لأولادك هذا (المفسد) التليفزيون ، ومعه هذا (المدمر) الدش ؟
أليس أنت الذي أعطيت لزوجتك وابنتك المال لتشتري هذه الملابس التي تجلب عليك قبلهم لعنة الله وسخطه ؟
بهذا تكون قد وقيتهم من النار ، أم كبرتهم وسمنتهم ليكونوا لجهنم حطبا .
قال الله : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا )
قال ابن كثير رحمه الله : أي : استنقذهم من عذاب الله بإقام الصلاة ، واصطبر أنت على فعلها.
هل أمرتهم بالصلاة ؟ أم ياترى أنت أيضا تفرط في الصلاة ؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله .
لهذا انتشر سوء الخلق وانتشر الانحلال والفساد بين الشباب من الجنسين ، فلا مُوجِه ، ولا معلم ، ولا أي شيء غير التليفزيون . وماذا به ممثل ساقط خليع ، يتعلم منه الشباب الخلاعة والانحلال .
به مغنية ساقطة ، تتعلم منها النساء الخلاعة والميوعة وانحلال الأخلاق .
راقصة عارية يتعلم منه النساء العري والتكشف والابتذال .
نعم هؤلاء هم من يربون أبناءنا اليوم ، هؤلاء هم قدوة أبنائنا ، هؤلاء هم أقرب الناس إلى قلوب أبنائنا .
أيتها الأم ألا تفيقين ؟ أيها الأب ألا تستيقظ ؟ قبل فوات الأوان ، ثم تندم بعد أن لا ينفع الندم .
ألا ترفع هذا المفسد من بيتك ؟ ألا تزيل هذا المخرب من سطحك ؟ أم ماذا تتنظر ؟
وصدق القائل :
1ـ يا من جلبت الــدشّ رفقًــا إنمــا ..
أفســدتَ مـا في البيت من غلمان
2ـ خنت الأمانة في الشباب وفي النسا ..
وجعــلت بيتـك منتدى الشيطان
3ـ خنت الأمانة في البنات ولن ترى ..
منهــن بــرًا إنهــــن عوانــي
4ـ ترضى لنفسك أن تكون مفرطًــا ..
في الــدين والأخلاق والإيمان
5ـ ترضى لنفسك أن تكون مزعزعـا ..
لقــواعد الإســـلام والإيمان
6ـ ترضى لنفسك أن تكون مروجــا ..
لبضاعة الكفـــران والخسران
7ـ أفسدت ما في البيت مـن أخلاقــه ..
أذهبت ما في البيت من إحسان
8ـ أدخلت في البيت الضلال مع الخنا ..
والفســق بعد تــلاوة القــرآن
ونعم لا شك إن فساد الخلق ضرره كبيره وأثره عظيم على المجتمع ككل ، بل وعلى صاحب الخلق السيء نفسه :
: أثر سوء الأخلاق على الفرد :
- سوء الخلق يجلب على العبد البغض من الله ومن الملائكة ومن الناس أجمعين .
فقد قال النبي : «إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَاحِشَ الْمُتَفَحِّشَ»
الفاحش : البذيء سيء الأخلاق . نعم هذا لا يحبه الله.
وإذا أبغضه الله ، بغَّضه الله إلى جميع خلقه .
فعن أبي هريرة أن النبي قال : «إِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ إِنِّى أُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضْهُ - قَالَ - فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِى فِى أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضُوهُ - قَالَ - فَيُبْغِضُونَهُ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِى الأَرْضِ» أرأيت بسوء الخلق جمعت بغض الله والملائكة والناس أجمعين.
ونعم بغض الناس لك يجعلهم منك ينفرون ومن رؤيتك يبتعدون ، ولطريق غير طريقك يسلكون ، فتكون في المجتمع منبوذا ، وتعيش فيه مرفوضا .
وإن تكلم معك أحد بلطف ، فليس عن حب وكرامة ، إياك أن تعتقد هذا ، بل اتقاء لسوء خلقك ، وخوفا من شرك .
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِىِّ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ « بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ ، وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ » . فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِىُّ فِى وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا ، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِى وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ « يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِى فَحَّاشًا ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ »( ) أتحب أن تكون ذلك الرجل الذي يبغضه الناس ، وإن أحسنوا معه كان لاتقاء شره ؟ أظنك لا تحب هذا.
- انتشار سوء الخلاق من علامات يوم القيامة :
فقد قال النبي «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ الْفُحْشُ وَالتَّفَاحُشُ وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ وَسُوءُ الْمُجَاوَرَةِ وَحَتَّى يُؤْتَمَنَ الْخَائِنُ وَيُخَوَّنَ الأَمِينُ»
- الحسرة والندامة هي ما ينتظر صاحب الخلق السيء.
نعم : أخلاق العبد السيئة وسلوكياته المشينة تأكل الخيرات ، وتحرق الحسنات ، وتحمّله من غيره الأوزار والسيئات ، وتقذف به في الدركات ، ولو صلّى وصام وعمل الصالحات.
سَألَ النبيُ يومًا أصحابه فقال : « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟». قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ.
فَقَالَ : « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِى قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ»
تأمّل : في هذا الرجل الذي قد أجهد نفسه في الطاعة، وأسهر ليله في الإنابة ، أظمأ نهاره بالصيام ، وتكبّد سفرًا في الحج إلى بيت الله الحرام .
فلما وقف بين يدي الجليل المتعال فوجئ برصيد هائل من الديون ، فقد شتم وسفك وضرب وهتك وسرق.
فوزّعت حسنات النهار وطاعات الليل سدادًا لتلك الديون في يوم الجزاء والنشور . فهذا أجير مغبون ، وذاك عامل مظلوم ، وهذا جار له مشتوم ، وذاك ضعيف ماله مأكول ، فوقف أمام الجميع بين يدي الجبار العظيم ، وقلبه متألم متأوّه محزون، فانهمرت الدموع من العيون ، هل من طريق للفرار من الديون؟! فهذا وأمثاله يوم القيامة هم المفلسون ، فأخلاقهم السيئة هي التي جلبت عليهم هذا الخسران.
أثر سوء الخلق على المجتمع :
مكارم الأخلاق ضرورة اجتماعية لا يستغني عنها مجتمع من المجتمعات ، ومتى فُقدت الأخلاق التي هي الوسيط الذي لابد منه لانسجام الإنسان مع أخيه الإنسان ، تفكك أفراد المجتمع ، وتصارعوا ، وتناهبوا مصالحهم ، ثم أدى بهم ذلك إلى الانهيار ثم الدمار .
من أجل ذلك فقد جعل الإسلام الأخلاق مناط الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة ، فهو يعاقب الناس بالهلاك في الدنيا لفساد أخلاقهم .
فقال تعالى : ( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ) [يونس: 13]
وقال تعالى : (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود: 117]
وقال تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ)[الأنعام:6]
واعلم أن حُسن الخلق يوجب التحاب والتآلف، وسوء الخلق يُثمر التباغض والتحاسد والتدابر.
فمجتمع يبغض بعضه بعضا ، لا شك أنه مجتمع لا يأمن فيه الإنسان على نفسه وولده وماله ، فينتج عن هذا عدم الولاء والانتماء لهذا المجتمع.
كذلك هذا البغض والتحاسد الناتج عن سوء الأخلاق دليل على التفكك والتمزق فى عرى المجتمع ، ومجتمع مفكك ممزق لا شك هو مجتمع ضعيف في مواجهة أعدائه فيكيدون له ويدبرون عليه ، دون اهتمام من أحد ، لأن أفراد هذا المجتمع قد انشغل كل منهم بأخيه كيف يسيء إليه كيف يدمره كيف يزيل النعمة عنه .
بهذا وجد أعداؤنا غايتهم ، وحققوا حلمهم الذي طالما سعوا إليه ، والسبب التفكك والضعف الناتج عن سوء الأخلاق.
سوء الخلق والانحراف عن الطريق المستقيم مكَّن أعداء الإسلام من النيل من شباب المسلمين ، إذ وجدوا إقبالاً لا مثيل له على كل ما يقدمون من مفاسد وانحرافات لتدمير هذا الشباب.
فقديماً فشلوا في هذا لأنهم وجدوا شبابًا يلتزمون بأخلاق القرآن بأخلاق نبي الإسلام .
أما اليوم فحال شبابنا لا يخفى على أحد ، استهتار بالدين واستخفاف بالأخلاق ، فأعلى أمانيهم مشاهدة فيلم ساقط أو سماع أغنية هابطة ، أو ارتداء (بنطلون على الموضة)
أيها الشاب المسلم : أترضى أن تكون طريقا لأعداء الإسلام إلى الإسلام وبلادنا ؟
أترضى أن تكون مُعينا لهم لتحقيق أهداف طالما سعوا إليه وفشلوا فيها ؟
نعم أعلم أنك لا ترضى ، لهذا أيها الحبيب تنبه وارجع إلى أخلاق الإسلام العظيم ، وتعاليمه الراقية ، لتدرك ما تريد من السعادة والمتعة الحقيقة.
فوالله : لن تدرك أي متعة أو سعادة وأنت بعيد عن الله ، وأنت تسير في طريق الشيطان ، فلا يلازمك إلا الهم وضيق الصدر ، نعم أنت تشعر بهذا ، وإن أكلت ما تشاء ، ولبست ما تشاء ، وركبت ما تشاء ، وسكنت فيما تشاء ، وتزوجت من تشاء ، فليس لك إلا الهم والشقاء ، لأنك خالفت رب الأرض والسماء .
قال الله : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) [طه: 124]
أي الهم والغم وضيق الصدر .
وفي المقابل لو كنت مع الله فعنده السعادة ، عنده الهناء والمتعة التي تبحث عنها . قال الله ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) [النحل :97] أي حياة سعيدة مباركة ، هذا فقط مع الله (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا" [النساء: 87] (وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا) [النساء: 122]