محب الدعوة
02-19-2011, 10:19 AM
ضوابط تعبير الرؤيا
فضيلة الشيخ أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله.
وبعد:
فلقد كانت الرؤيا ولا زالت في العصور المتقدمة والمتأخرة موضع جد واهتمام لدى أصحابها.
وإذا نظرت إلى القرآن وجدت أن الله تعالى قد قص فيه شيئاً من ذلك وكأنه سبحانه يدعونا إلى الاهتمام بها وبتعبيرها.
وانطلاقاً من هذا التوجيه الإلهي المتمثل في الاهتمام بالرؤيا وجدنا الكثير من الناس يهتمون بها حتى أصبحت الرؤيا تمثل شيئاً مهماً في حياتهم.
بل وأصبحت الرؤيا باباً من أبواب الدعوة إلى الخير وترك الشر فكم من أناس كانوا على غير هدى فجاءت الرؤيا لتأخذ بنواصيهم إلى طريق الهدى والنور بل كم من أناس كانوا على الكفر والشرك فجاءت إليهم الرؤيا لتكون سبباً في هدايتهم إلى الإسلام.
فقد روى الحاكم في مستدركه عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان قال كان إسلام خالد بن سعيد بن العاص قديماً وكان أول إخوانه أسلم، وكان بدء إسلامه أنه رأى في النوم أنه واقف على شفير النار فذكر من سعتها ما الله به أعلم ويرى في النوم كأن أباه يدفعه فيها ويرى رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذاً بحقويه لئلا يقع ففزع من نومه فقال: أحلف بالله إن هذه لرؤيا حق فلقي أبا بكر بن قحافة فذكر ذلك له فقال أبو بكر: أريد بك خير، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنك ستتبعه وتدخل معه في الإسلام الذي يحجزك من أن تقع فيها وأبوك واقع فيها، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأجياد فقال: يا محمد إلى ما تدعو؟ قال: أدعو إلى الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يدري من عبده ممن لم يعبده قال خالد: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله فسر النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه.
فهذه رؤيا كانت سبباً في إسلام خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه، وغير خالد الكثير.
ولما كانت الرؤيا بهذه المنزلة العظيمة كان ولابد من عرضها على أهل الخبرة من معبريها فلا تقص على حسود لدود ولا على جاهل قوله مردود بل تقص على أهل العلم والفضل من العلماء العالمين من أهل الفقه في الدين.
ومما يؤسف له أن الكثير أخطأوا في جانب الرؤيا وأعني بالخطأ هنا الخطأ الناتج من صاحب الرؤيا والناتج من المعبر فإن صاحب الرؤيا تجده لا يتحرى من يعبر له رؤياه بل يعرضها على من هو ليس بأهل للتعبير وبالتالي تضيع الفائدة المرجوة من الرؤيا.
أما الخطأ الناتج عن المعبر فهذا أمر للأسف استشرى في مجتمعاتنا فتجد الرجل الذي لا يصلح للتأويل والتعبير يتجرأ على تعبير الرؤى وهذا مما لا شك فيه جهل بأحكام ديننا الحنيف.
وانطلاقاً من مبدأ النصح لكل مسلم جعلت هذه الرسالة الصغيرة في بيان فضل الرؤيا وخطورة التجرؤ على تعبيرها وبخاصة من غير المجيدين للتعبير، والله اسأل أن ينفع بها وهو حسبنا ونعم الوكيل.
تعريف الرؤيا والحلم:
الرؤيا والحلم عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء ولكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن وغلب الحلم على ما يراه من الشر والقبيح ويستعمل كل واحد منهما موضع الآخر ( ).
قلت وعلى ذلك تكون الرؤيا والحلم من الألفاظ المترادفة يعني أن كلاً منها يؤدي نفس المعنى للآخر.
قال القاسمي: قال التوربتشي: الحلم عند العرب يستعمل استعمال الرؤيا والتفريق بينها من الاصطلاحات التي سنها الشارع للفصل بين الحق والباطل كأنه كره أن يسمى ما كان من الله وما كان من الشيطان باسم واحد، فجعل الرؤيا عبارة عن الصالح منها لما في الرؤيا من الدلالة على المشاهدة بالبصر أو البصيرة، وجعل الحلم عبارة عما كان من الشيطان، لأن أصل الكلمة لم يستعمل إلا فيما يخيل للحالم في منامه من قضاء الشهوة مما لا حقيقة له. انتهى ( ).
حقيقة الرؤيا:
اختلفت أقوال الناس في بيان حقيقة الرؤيا بين التفريط والإفراط ولذا قال المازري:
كثر كلام الناس في حقيقة الرؤيا وقال فيها غير الإسلاميين أقاويل كثيرة منكرة لأنهم حاولوا الوقوف على حقائق لا تدرك بالفعل ولا يقوم عليها برهان وهم لا يصدقون بالسمع فاضطربت أقوالهم. انتهى المراد ذكره ( ).
قلت ولكن حقيقة الرؤيا فيما ذكره ابن حجر حيث قال وقال الحكيم أيضاً وكل الله بالرؤيا ملكاً اطَّلع على أحوال ابن آدم من اللوح المحفوظ، فينسخ منها ويضرب لكل من قصته مثلاً، فإذا نام مثل تلك الأشياء على طريق الحكمة لتكون له بشرى أو نذارة أو معاتبة، والأولى قد تسلط عليه الشيطان لشدة العداوة بينهما، فهو يكيده بكل وجه، ويريد إفساد أموره بكل طريق، فيلبس عليه رؤياه، إما بتغليطه فيها، وإما بغفلته عنه ( ).
قال ابن القيم رحمه الله في بيان حقيقة الرؤيا: إنها أمثال مضروبة يضربها الملك الذي قد وكله الله بالرؤيا ليستدل الرائي بما ضرب له من المثل على نظيره ويُعبر منه على شبهه ( ).
الفرق بين الرؤيا والحلم والإلهام:
لقد ذكرنا طرفاً من ذلك عند تعريفنا للرؤيا والحلم والذي ينبغي معرفته أن نصوص القرآن والسُنة جاءت ببيان التفرقة بينهما وسنذكر طرفاً من ذلك وقبل أن نشرع في بيان الفرق بينهما نقول إن الإلهام لا يرجع إلى القواعد المعتبرة في الرؤيا والحلم وذلك لأنه لا يقع إلا للخواص بل لا يقع إلا لخواص الخواص فهو وحي باطن خفي ويحرم منه الفاسق العصي لاستيلاء وحي الشيطان عليه.
أما الفرق بين الرؤيا والحلم:
قال الله تعالى في سورة يوسف: ( قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ ).
قال الإمام الطبري رحمه الله:
يقول تعالى ذكره: قال الملأ الذين سألهم ملك مصر عن تعبير رؤيا: رؤياك هذه (أَضْغَاثُ أَحْلامٍ) يعنون أنها أخلاط رؤيا كاذبة لا حقيقة لها.
وهي جمع ضغث و (الضغث) أصله الحزمة من الحشيش يشبه بها الأحلام المختلطة التي لا تأويل لها و (الأحلام) جمع (حلم) وهو ما لم يصدق من الرؤيا ( )
وقال ابن كثير رحمه الله:
( أَضْغَاثُ أَحْلامٍ ) أي أخلاط أحلام اقتضته رؤياك هذه ( وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ ).
أي لو كانت رؤيا صحيحة من أخلاط لما كان لنا معرفة تأويلها وهو تعبيره ( ).
وقال تعالى في الرؤيا.
( إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) ( ).
قال ابن كثير رحمه الله:
قال مجاهد أراهم الله إياه في منامه قليلاً وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك فكان تثبيتاً لهم وكذلك قال إسحاق وغير واحد ( ).
ومن خلال هاتين الآيتين يتبين لنا الفرق بين الرؤيا والحلم.
إن الرؤيا ليست باخلاط وإنما هي موزونة لا اختلاط فيها ولا إشكال ويمكن تعبيرها وتأويلها. بخلاف الحلم فإنه أخلاط ورؤيا كاذبة لا حقيقة لها أي لا تأويل لها وهي غالباً تكون من تلاعب الشيطان بالإنسان فللشيطان مكايد يحزن بها بني آدم وصدق ربنا حين قال:
( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ ) ( ).
فالشاهد من هذه الآية أن الشيطان يحزن الإنسان أحياناً فيريه في منامه ما يكره.
أما ما جاء في السُنة من التفريق بينهما فمنها:
1- حديث أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان)( ).
2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
(إذا رأى أحدُكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره)( ).
3- عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم فليتعوذ منه وليبصق عن شماله فإنها لا تضره)( ).
وهناك أحاديث أخرى تدل على أن هناك فرقاً بين الرؤيا والحلم وخلاصة الأمر في الفرق بينهما:
أن الرؤيا هي التي تتضمن بشرى للعبد بخير يصيبه دنيا وأخرى أو إنذاراً أو تحذيراً له من الوقوع في شيء قد يعرض له فهذا من لطف الله تعالى بعبده أن ينذره ويحذره قبل أن تعرض عليه هذه الأشياء لينتبه لها.
أما الحلم فهو كما ذكرنا أخلاط لا حقيقة لها بل مداره على الفزع والحزن وغير ذلك مما فيه ما يكرهه الإنسان.
الأمور التي ينبغي مراعاتها في الرؤى والأحلام.
من رحمة الله بعباده أن شرع لهم أموراً عند رؤية ما يحبونه وما يكرهونه فما هو المشروع في حقهم؟
أولاً : الرؤيا الصالحة وما يشرع فيها:
1- أن يعلم أنها من الله ، كما قال صلى الله عليه وسلم (الرؤيا الصالحة من الله..)( ).
وقال أيضاً (إذا رأى أحدُكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله..)( ). وإضافتها إليه إضافة تشريف وإلا فالكل من الله يعني الحلم.
2- أن يحمد الله عليها:
ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري السابق وفيه (.. فليحمد الله عليها..).
3- أن يحدث بها: وهذا ورد أيضاً في حديث أبي سعيد السابق ولكن التحدث بها ليس لكل أحد بل لا يحدث بها إلا من يحب ففي بعض الروايات (فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يخبر إلا من يحب)( ).
4- أن لا يقصها إلا على ذي رأي ولب وحكمة وعلم ونصح.
فعن أبي رزين العقيلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءاً من النبوة وهي على رجل طائر ما لم يحدث بها، فإذا تحدث بها سقطت) قال وأحسبه قال: (ولا تحدث بها إلا لبيباً أو حبيباً) ( ).
وفي رواية أخرى (ولا يقصها إلا على وادّ أو ذي رأي) ( ).
(وادّ) بتشديد الدال اسم فاعل من الود أو ذي رأي وفي رواية أخرى (ولا يقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح) ( ).
فهذه جملة من الأدلة على أنه ينبغي على من راى رؤيا أن لا يقصها إلا على من هو معروف بالعلم والنصح والحكمة في تعبير رؤياه ولذا قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله في بيان الحكمة في عرض الرؤيا على أهل العلم والنصح قال:
أما العالم فإنه يؤولها له على الخير مهما أمكنه وأما الناصح فإنه يرشده إلى ما ينفعه ويعينه عليه وأما اللبيب وهو العارف بتأويلها فإنه يعلمه بما يعول عليه في ذلك أو يسكت وأما الحبيب فإن عرف خيراً قاله وإن جهل أو شك سكت ( ).
فنصيحتي لمن رأى رؤيا صالحة حسنة إن أراد تعبيرها فعليه أن يتحرى ويبحث عمن فيه هذه الصفات التي جاءت بها نصوص السنة فإن خالف في ذلك فقد ترك السنة وهذا تنبيه أردت أن أنبه عليه وبخاصة في هذا الزمان الذي كثرت فيه الرؤى والأحلام.
ثانياً: أما الحلم:
فله ما يخصه من أمور جاءت بها نصوص السنة المباركة تطييباً للنفوس وإذهاباً للأحزان التي قد يصاب بها المرء عند رؤيا حلم يفزعه أو يقلقه.
فمن الأمور التي ينبغي مراعاتها وفعلها لمن رأى حلماً:
أولاً: الاستعاذة من شرها.
والدليل حديث أبي سعيد الخدري السابق وفيه: (وإذا رآى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها...)( ).
ثانياً : الاستعاذة من الشيطان.
دليل ذلك حديث أبي قتادة وفيه (.. والحلم من الشيطان فإذا حلم أحدكم فليتعوذ منه..)( ).
ثالثاً : أن يبصق عن شماله.
ودليله حديث أبي قتادة (.. وليبصق عن شماله).
رابعاً : الإيقان بأنها لا تضره.
وهذا في غاية الأهمية لارتباطه بجانب مهم وهو جانب الاعتقاد فلا بد أن يعتقد أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم صدق وأنها حقاً لا تضره.
دليل ذلك نفس حديث أبي قتادة وفيه قال صلى الله عليه وسلم (وليبصق عن شماله فإنها لا تضره).
خامساً : التحول عن جنبه.
ففي صحيح مسلم عن جابر مرفوعاً (إذا رآى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق على يساره ثلاثاً وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً وليتحول عن جنبه الذي كان عليه)( ).
سادساً: أن يقوم فيصلي.
دليل ذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وفيه قال صلى الله عليه وسلم (... فإن رآى أحدكم ما يكره فليقم فليصل...)( ).
سابعاً: قراءة آية الكرسي.
دليل ذلك حديث أبي هريرة المشهور والذي فيه تعليم إبليس أبي هريرة لآية إذا قرأها لم يقربه شيطان ثم ذكر هذه الآية فقال صلى الله عليه وسلم (صدقك وهو كذوب).
قال ابن حجر رحمه الله:
ورأيت في بعض الشروح ذكر سابقة وهي قراءة آية الكرسي ولم يذكر لذلك مستنداً فإن كان أخذه من عموم قوله في حديث أبي هريرة (ولا يقربنك شيطان) فيتجه وينبغي أن يقرأها في صلاته المذكورة( ).
قلت والصواب والله أعلم أن يقرأها عند إرادته أخذ مضجعه لورود ذلك في النص وإن قرأها في صلاته فلا بأس لكنه خلاف الأولى.
ثانياً : أن لا يحدث بها أحداً:
كما جاء ذلك في حديث أبي سعيد الخدري السابق وفيه (ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره)( ).
أما الحكمة في ذكر هذه الأشياء فقد ذكرها بعض أهل العلم نوردها بإيجاز.
1- أما الاستعاذة من شرها: لأنها مشروعة عند كل أمر يكره.
2- أما الاستعاذة من الشيطان: لأن هذه الرؤيا منه وأنه يخيل بها بغرض تحزين الآدمي والتهويل عليه كما ذكرنا ذلك سابقاً.
3- أما البصق أو التفل يساراً: وذلك لطرد الشيطان وإظهار احتقاره واستفزازه وقيل بأن التفل أو البصق للتبرك بتلك الرطوبة والهواء المقارن للذكر الحسن وأما كونها من اليسار أو كون البصق عن اليسار لأنها محل الأقذار ونحوها. وأما كون البصق ثلاثاً قيل للتأكيد وكونها ثلاثاً لتكون وتراً.
4- أما كونه يعتقد أنها لا تضره: معناه أن الله جعل ما ذكر سبباً للسلامة من المكروه.
5- أما الصلاة: لأن فيها لجوءاً إلى الرب سبحانه وتعالى ولأن في التحريم بها عصمة من السوء وبها تكمل الرغبة وتصح الطلبة لقرب المصلى من ربه عند سجوده.
6- أما التحول: فهو للتفاءل فإنه به يتفاءل العبد بتحول تلك الحال التي كان عليها.
ولكن هناك تنبيهات لابد من إيرادها:
التنبيه الأول: ينبغي أن يجمع بين هذه الروايات كلها ويعمل جميع ما تضمنته فإن اقتصر على البعض أجزأه في دفع ضررها بإذن الله، ومعنى قولنا إن اقتصر على البعض يعني أن يقتصر على حديث واحد جامعاً بما فيه لأنه لم يأت حديث في الاقتصار على واحدة فقط كما ذكر.
التنبيه الثاني: أن العبد إذا قام فصلى فقد جمع بين جميع ما ذكرناه وذلك لأن في الصلاة تحولاً عن جنبه وبصقاً ونفثاً عند المضمضة في الوضوء والاستعاذة عند إرادة قراءته في الصلاة أما الدعاء فيها فإنه إن شاء الله سيكفيه شرها ولا تضره.
التنبيه الثالث: جاءت بعض النصوص في السُنة تبين لنا صفة التعوذ عند رؤية ما يكرهه الإنسان في منامه.
ففي سنن سعيد بن منصور ومصنف بن أبي شيبة ومسند عبد الرزاق عن إبراهيم النخعي قال: (إذا رآى أحدكم في منامه ما يكره فليقل إذا استيقظ أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسله من شر رؤياي هذه أن يصيبني فيها ما أكره في ديني ودنياي)( ).
أهمية الرؤيا:
قد يسأل سائل فيقول هل هناك حاجة للرؤيا وما وجه أهميتها ما دامت الأمور بقضاء الله وقدره؟
نقول لقد جاءت آيات من كتاب رب العالمين وكذا جاءت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بذكر الرؤيا والدعوة إلى الاستعاذة منها.
وهذا يدل على عظمها وشرفها فكم من رؤيا صالحة كانت سبباً في هداية عاص وكم من رؤيا حسنة كانت حرزاً من الوقوع في المهلكات وإذا أردنا أن نعدد الجوانب الحسنة التي تدل على فضل الرؤيا وأهميتها لوجدنا الكثير فانظر معي إلى بعض ما جاء في القرآن:
في قوله تعالى: ( يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى ) ( ).
فقد كانت رؤياه عليه السلام بمثابة التشريع لهذه الأمة ولذا شرع الله لنا الأضحية.
وانظر إلى يوسف عليه السلام ورؤياه تجد فيها من العجب قال تعالى في بيان فضل تعلم تأويلها.
( وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ )( ).
فالعلم بتأويل الرؤيا علم ممدوح شرعاً ولما كان العلم بها ممدوحاً كانت هي كذلك ممدوحة.
وانظر إلى سورة الأنفال حينما تتحدث عن غزوة بدر حيث قال تعالى لنبيه: ( إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) ( ).
فقد أرى الله تعالى نبيه أن الكفار قلة مع أن الواقع يدل على خلاف ذلك حيث كان عددهم أكثر من تسعمائة وعدد المسلمين ثلاثمائة مقاتل ومع ذلك أرى نبيه قلتهم ليكون تشجيعاً للمؤمنين وتحريضاً لهم على قتالهم ولذا قال تعالى بعد ذلك ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ) الآية( ).
وانظر إلى رؤياه صلى الله عليه وسلم في فتح مكة حين رآها قبل أن يفتح مكة قال تعالى: ( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً ) ( ).
فكانت الرؤيا بمثابة التطمين له صلوات الله وسلامه عليه ولأصحابه بأنه ستفتح لهم مكة وقد كانت كما رأى صلى الله عليه وسلم.
ولو أردنا أن نتحدث عن الرؤيا مع أنبياء الله ورسله لوجدنا فيها الكثير ولكن نريد أن ننبه على أمر مهم وهو أن رؤيا الأنبياء ليست كرؤيا سائر البشر لأن رؤيا الأنبياء وحي من الله تعالى.
أما عن أهمية الرؤيا في حق آحاد الناس فهي بمنزلة البشرى والنذارة فالبشرى لصاحبها بما ينفعه في دنياه وآخرته فإن كان على طاعة مثلا ثبت على هذه الطاعة وجاهد في المحافظة عليها وإن كان على معصية كانت الرؤيا بمثابة التخويف له من عذاب الله وسخطه وإنذاره وتحذيره من البقاء عليها فإن لم يكن فيها إلا ذلك فكفاها فضلاً وتعظيماً، فكم كنا نسمع عن أناس عصاة لا يصلون أو يتعاملون بالربا أو يؤجرون استراحتهم لأصحاب المعاصي والمنكرات وغيرهم. وكم كانت الرؤيا سبباً رادعاً في تحولهم إلى الاستقامة على طاعة الله وانصرافهم عما كانوا عليه.
وخلاصة القول في ذلك أن الرؤيا فيها من المنافع ما الله به عليم وهي من جملة نعم الله على عباده من بشارات المؤمنين وتنبيه الغافلين وتذكرة المعرضين وإقامة الحجة على العائدين قال صاحب التمهيد:
(وعلم تأويل الرؤيا من علوم الأنبياء وأهل الإيمان وحسبك بما أخبر الله من ذلك عن يوسف عليه السلام وما جاء في الآثار الصحاح فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم وأجمع أئمة الهدى من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين أهل السنة والجماعة على الإيمان بها وعلى أنها حكمة بالغة ونعمة يمن الله بها على من يشاء وهي المبشرات الباقية بعد النبي صلى الله عليه وسلم) ( ).
أنواع الرؤيا:
جاءت نصوص السُنَّة ببيان أنواع الرؤى ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاًً) والرؤيا ثلاثة:
1- رؤيا بشرى من الله عز وجل.
2- ورؤيا مما يحدث الإنسان نفسه.
3- ورؤيا من تحزين الشيطان.
فإذا رأى أحدكم ما يكره فلا يحدث به - وليقم وليصل والقيد في المنام ثبات في الدين والغل أكرهه ( ).
ففي هذا الحديث بيان بأقسام الرؤيا وجاء في سنن ابن ماجة من حديث عوف بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرؤيا ثلاث: منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه ومنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) ( ).
ومن نظر في النصوص التي ذكرت وغيرها مما لم يذكر يجد أن الرؤيا لا تخرج عن هذه الثلاث ونجملها فيما يلي:
1- الرؤيا الصالحة أي الرؤيا الحسنة التي لا تشتمل على شيء يكرهه الرائي بل فيها مصلحة دينية أو دنيوية.
2- الرؤيا التي تسمى رؤيا الخاطر التي سماها صلى الله عليه وسلم بما يحدث الإنسان به نفسه وحقيقة هذه أن يكون البال مشغولاً ثم يحصل النوم فيرى هذا الشيء المشغول به فهذا مما لا يضر ولا ينفع.
3- الرؤيا التي هي بمثابة التحزين للرائي والتي هي من قبل الشيطان وقد تكلمنا عنها فيما سبق.
أقسام الناس في الرؤيا:
ذكرنا فيما سبق أقسام الرؤيا هذا باعتبار الرؤيا أما باعتبار الرائي فهي أيضاً أقسام وذلك بحسب صدق الرائي وبهذا الاعتبار أي اعتبار الرائي قسم أهل العلم أحوال الناس في رؤياهم إلى ثلاثة أقسام:
أقسام الناس باعتبار الرؤيا:
1- أنبياء. 2- صالحون. 3- مستورون.
4- فسقة. 5- كفار.
أولاً : رؤيا الأنبياء:
وهم أصدق الناس رؤيا بلا شك لأنهم أصدق الناس قولاً وعملاً ولذا كانت رؤيا نبينا صلى الله عليه وسلم كفلق الصبح لأنها وحي من الله تعالى إليه. وذكرنا جانباً من جوانب رؤيا الأنبياء فيما سبق.
ثانياً : رؤيا الصالحين:
وهم في المرتبة الثانية بعد أنبياء الله ورسله والغالب على رؤياهم الصدق لكن منها ما يحتاج إلى تعبير ومنها ما لا يحتاج إلى تعبير بل تدل على الأمر دلالة واضحة.
قال صلى الله عليه وسلم (...وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً) ( ). وقال أيضاً (الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) ( ).
ثالثاً: رؤيا المستورين:
أي من حالهم مستور لهم صلاة وزكاة وحج وغيره من الطاعات لكنهم مقصرون في البعض ولهم بعض الذنوب التي هي دون الشرك فهم أيضاً لهم رؤيا ولكن هؤلاء أحياناً تأتيهم الرؤيا التي هي من الله وتأتيهم الرؤيا التي هي من الشيطان فيرون هذه تارة وهذه تارة.
فضيلة الشيخ أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله.
وبعد:
فلقد كانت الرؤيا ولا زالت في العصور المتقدمة والمتأخرة موضع جد واهتمام لدى أصحابها.
وإذا نظرت إلى القرآن وجدت أن الله تعالى قد قص فيه شيئاً من ذلك وكأنه سبحانه يدعونا إلى الاهتمام بها وبتعبيرها.
وانطلاقاً من هذا التوجيه الإلهي المتمثل في الاهتمام بالرؤيا وجدنا الكثير من الناس يهتمون بها حتى أصبحت الرؤيا تمثل شيئاً مهماً في حياتهم.
بل وأصبحت الرؤيا باباً من أبواب الدعوة إلى الخير وترك الشر فكم من أناس كانوا على غير هدى فجاءت الرؤيا لتأخذ بنواصيهم إلى طريق الهدى والنور بل كم من أناس كانوا على الكفر والشرك فجاءت إليهم الرؤيا لتكون سبباً في هدايتهم إلى الإسلام.
فقد روى الحاكم في مستدركه عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان قال كان إسلام خالد بن سعيد بن العاص قديماً وكان أول إخوانه أسلم، وكان بدء إسلامه أنه رأى في النوم أنه واقف على شفير النار فذكر من سعتها ما الله به أعلم ويرى في النوم كأن أباه يدفعه فيها ويرى رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذاً بحقويه لئلا يقع ففزع من نومه فقال: أحلف بالله إن هذه لرؤيا حق فلقي أبا بكر بن قحافة فذكر ذلك له فقال أبو بكر: أريد بك خير، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنك ستتبعه وتدخل معه في الإسلام الذي يحجزك من أن تقع فيها وأبوك واقع فيها، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأجياد فقال: يا محمد إلى ما تدعو؟ قال: أدعو إلى الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يدري من عبده ممن لم يعبده قال خالد: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله فسر النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه.
فهذه رؤيا كانت سبباً في إسلام خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه، وغير خالد الكثير.
ولما كانت الرؤيا بهذه المنزلة العظيمة كان ولابد من عرضها على أهل الخبرة من معبريها فلا تقص على حسود لدود ولا على جاهل قوله مردود بل تقص على أهل العلم والفضل من العلماء العالمين من أهل الفقه في الدين.
ومما يؤسف له أن الكثير أخطأوا في جانب الرؤيا وأعني بالخطأ هنا الخطأ الناتج من صاحب الرؤيا والناتج من المعبر فإن صاحب الرؤيا تجده لا يتحرى من يعبر له رؤياه بل يعرضها على من هو ليس بأهل للتعبير وبالتالي تضيع الفائدة المرجوة من الرؤيا.
أما الخطأ الناتج عن المعبر فهذا أمر للأسف استشرى في مجتمعاتنا فتجد الرجل الذي لا يصلح للتأويل والتعبير يتجرأ على تعبير الرؤى وهذا مما لا شك فيه جهل بأحكام ديننا الحنيف.
وانطلاقاً من مبدأ النصح لكل مسلم جعلت هذه الرسالة الصغيرة في بيان فضل الرؤيا وخطورة التجرؤ على تعبيرها وبخاصة من غير المجيدين للتعبير، والله اسأل أن ينفع بها وهو حسبنا ونعم الوكيل.
تعريف الرؤيا والحلم:
الرؤيا والحلم عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء ولكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن وغلب الحلم على ما يراه من الشر والقبيح ويستعمل كل واحد منهما موضع الآخر ( ).
قلت وعلى ذلك تكون الرؤيا والحلم من الألفاظ المترادفة يعني أن كلاً منها يؤدي نفس المعنى للآخر.
قال القاسمي: قال التوربتشي: الحلم عند العرب يستعمل استعمال الرؤيا والتفريق بينها من الاصطلاحات التي سنها الشارع للفصل بين الحق والباطل كأنه كره أن يسمى ما كان من الله وما كان من الشيطان باسم واحد، فجعل الرؤيا عبارة عن الصالح منها لما في الرؤيا من الدلالة على المشاهدة بالبصر أو البصيرة، وجعل الحلم عبارة عما كان من الشيطان، لأن أصل الكلمة لم يستعمل إلا فيما يخيل للحالم في منامه من قضاء الشهوة مما لا حقيقة له. انتهى ( ).
حقيقة الرؤيا:
اختلفت أقوال الناس في بيان حقيقة الرؤيا بين التفريط والإفراط ولذا قال المازري:
كثر كلام الناس في حقيقة الرؤيا وقال فيها غير الإسلاميين أقاويل كثيرة منكرة لأنهم حاولوا الوقوف على حقائق لا تدرك بالفعل ولا يقوم عليها برهان وهم لا يصدقون بالسمع فاضطربت أقوالهم. انتهى المراد ذكره ( ).
قلت ولكن حقيقة الرؤيا فيما ذكره ابن حجر حيث قال وقال الحكيم أيضاً وكل الله بالرؤيا ملكاً اطَّلع على أحوال ابن آدم من اللوح المحفوظ، فينسخ منها ويضرب لكل من قصته مثلاً، فإذا نام مثل تلك الأشياء على طريق الحكمة لتكون له بشرى أو نذارة أو معاتبة، والأولى قد تسلط عليه الشيطان لشدة العداوة بينهما، فهو يكيده بكل وجه، ويريد إفساد أموره بكل طريق، فيلبس عليه رؤياه، إما بتغليطه فيها، وإما بغفلته عنه ( ).
قال ابن القيم رحمه الله في بيان حقيقة الرؤيا: إنها أمثال مضروبة يضربها الملك الذي قد وكله الله بالرؤيا ليستدل الرائي بما ضرب له من المثل على نظيره ويُعبر منه على شبهه ( ).
الفرق بين الرؤيا والحلم والإلهام:
لقد ذكرنا طرفاً من ذلك عند تعريفنا للرؤيا والحلم والذي ينبغي معرفته أن نصوص القرآن والسُنة جاءت ببيان التفرقة بينهما وسنذكر طرفاً من ذلك وقبل أن نشرع في بيان الفرق بينهما نقول إن الإلهام لا يرجع إلى القواعد المعتبرة في الرؤيا والحلم وذلك لأنه لا يقع إلا للخواص بل لا يقع إلا لخواص الخواص فهو وحي باطن خفي ويحرم منه الفاسق العصي لاستيلاء وحي الشيطان عليه.
أما الفرق بين الرؤيا والحلم:
قال الله تعالى في سورة يوسف: ( قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ ).
قال الإمام الطبري رحمه الله:
يقول تعالى ذكره: قال الملأ الذين سألهم ملك مصر عن تعبير رؤيا: رؤياك هذه (أَضْغَاثُ أَحْلامٍ) يعنون أنها أخلاط رؤيا كاذبة لا حقيقة لها.
وهي جمع ضغث و (الضغث) أصله الحزمة من الحشيش يشبه بها الأحلام المختلطة التي لا تأويل لها و (الأحلام) جمع (حلم) وهو ما لم يصدق من الرؤيا ( )
وقال ابن كثير رحمه الله:
( أَضْغَاثُ أَحْلامٍ ) أي أخلاط أحلام اقتضته رؤياك هذه ( وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ ).
أي لو كانت رؤيا صحيحة من أخلاط لما كان لنا معرفة تأويلها وهو تعبيره ( ).
وقال تعالى في الرؤيا.
( إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) ( ).
قال ابن كثير رحمه الله:
قال مجاهد أراهم الله إياه في منامه قليلاً وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك فكان تثبيتاً لهم وكذلك قال إسحاق وغير واحد ( ).
ومن خلال هاتين الآيتين يتبين لنا الفرق بين الرؤيا والحلم.
إن الرؤيا ليست باخلاط وإنما هي موزونة لا اختلاط فيها ولا إشكال ويمكن تعبيرها وتأويلها. بخلاف الحلم فإنه أخلاط ورؤيا كاذبة لا حقيقة لها أي لا تأويل لها وهي غالباً تكون من تلاعب الشيطان بالإنسان فللشيطان مكايد يحزن بها بني آدم وصدق ربنا حين قال:
( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ ) ( ).
فالشاهد من هذه الآية أن الشيطان يحزن الإنسان أحياناً فيريه في منامه ما يكره.
أما ما جاء في السُنة من التفريق بينهما فمنها:
1- حديث أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان)( ).
2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
(إذا رأى أحدُكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره)( ).
3- عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم فليتعوذ منه وليبصق عن شماله فإنها لا تضره)( ).
وهناك أحاديث أخرى تدل على أن هناك فرقاً بين الرؤيا والحلم وخلاصة الأمر في الفرق بينهما:
أن الرؤيا هي التي تتضمن بشرى للعبد بخير يصيبه دنيا وأخرى أو إنذاراً أو تحذيراً له من الوقوع في شيء قد يعرض له فهذا من لطف الله تعالى بعبده أن ينذره ويحذره قبل أن تعرض عليه هذه الأشياء لينتبه لها.
أما الحلم فهو كما ذكرنا أخلاط لا حقيقة لها بل مداره على الفزع والحزن وغير ذلك مما فيه ما يكرهه الإنسان.
الأمور التي ينبغي مراعاتها في الرؤى والأحلام.
من رحمة الله بعباده أن شرع لهم أموراً عند رؤية ما يحبونه وما يكرهونه فما هو المشروع في حقهم؟
أولاً : الرؤيا الصالحة وما يشرع فيها:
1- أن يعلم أنها من الله ، كما قال صلى الله عليه وسلم (الرؤيا الصالحة من الله..)( ).
وقال أيضاً (إذا رأى أحدُكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله..)( ). وإضافتها إليه إضافة تشريف وإلا فالكل من الله يعني الحلم.
2- أن يحمد الله عليها:
ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري السابق وفيه (.. فليحمد الله عليها..).
3- أن يحدث بها: وهذا ورد أيضاً في حديث أبي سعيد السابق ولكن التحدث بها ليس لكل أحد بل لا يحدث بها إلا من يحب ففي بعض الروايات (فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يخبر إلا من يحب)( ).
4- أن لا يقصها إلا على ذي رأي ولب وحكمة وعلم ونصح.
فعن أبي رزين العقيلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءاً من النبوة وهي على رجل طائر ما لم يحدث بها، فإذا تحدث بها سقطت) قال وأحسبه قال: (ولا تحدث بها إلا لبيباً أو حبيباً) ( ).
وفي رواية أخرى (ولا يقصها إلا على وادّ أو ذي رأي) ( ).
(وادّ) بتشديد الدال اسم فاعل من الود أو ذي رأي وفي رواية أخرى (ولا يقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح) ( ).
فهذه جملة من الأدلة على أنه ينبغي على من راى رؤيا أن لا يقصها إلا على من هو معروف بالعلم والنصح والحكمة في تعبير رؤياه ولذا قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله في بيان الحكمة في عرض الرؤيا على أهل العلم والنصح قال:
أما العالم فإنه يؤولها له على الخير مهما أمكنه وأما الناصح فإنه يرشده إلى ما ينفعه ويعينه عليه وأما اللبيب وهو العارف بتأويلها فإنه يعلمه بما يعول عليه في ذلك أو يسكت وأما الحبيب فإن عرف خيراً قاله وإن جهل أو شك سكت ( ).
فنصيحتي لمن رأى رؤيا صالحة حسنة إن أراد تعبيرها فعليه أن يتحرى ويبحث عمن فيه هذه الصفات التي جاءت بها نصوص السنة فإن خالف في ذلك فقد ترك السنة وهذا تنبيه أردت أن أنبه عليه وبخاصة في هذا الزمان الذي كثرت فيه الرؤى والأحلام.
ثانياً: أما الحلم:
فله ما يخصه من أمور جاءت بها نصوص السنة المباركة تطييباً للنفوس وإذهاباً للأحزان التي قد يصاب بها المرء عند رؤيا حلم يفزعه أو يقلقه.
فمن الأمور التي ينبغي مراعاتها وفعلها لمن رأى حلماً:
أولاً: الاستعاذة من شرها.
والدليل حديث أبي سعيد الخدري السابق وفيه: (وإذا رآى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها...)( ).
ثانياً : الاستعاذة من الشيطان.
دليل ذلك حديث أبي قتادة وفيه (.. والحلم من الشيطان فإذا حلم أحدكم فليتعوذ منه..)( ).
ثالثاً : أن يبصق عن شماله.
ودليله حديث أبي قتادة (.. وليبصق عن شماله).
رابعاً : الإيقان بأنها لا تضره.
وهذا في غاية الأهمية لارتباطه بجانب مهم وهو جانب الاعتقاد فلا بد أن يعتقد أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم صدق وأنها حقاً لا تضره.
دليل ذلك نفس حديث أبي قتادة وفيه قال صلى الله عليه وسلم (وليبصق عن شماله فإنها لا تضره).
خامساً : التحول عن جنبه.
ففي صحيح مسلم عن جابر مرفوعاً (إذا رآى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق على يساره ثلاثاً وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً وليتحول عن جنبه الذي كان عليه)( ).
سادساً: أن يقوم فيصلي.
دليل ذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وفيه قال صلى الله عليه وسلم (... فإن رآى أحدكم ما يكره فليقم فليصل...)( ).
سابعاً: قراءة آية الكرسي.
دليل ذلك حديث أبي هريرة المشهور والذي فيه تعليم إبليس أبي هريرة لآية إذا قرأها لم يقربه شيطان ثم ذكر هذه الآية فقال صلى الله عليه وسلم (صدقك وهو كذوب).
قال ابن حجر رحمه الله:
ورأيت في بعض الشروح ذكر سابقة وهي قراءة آية الكرسي ولم يذكر لذلك مستنداً فإن كان أخذه من عموم قوله في حديث أبي هريرة (ولا يقربنك شيطان) فيتجه وينبغي أن يقرأها في صلاته المذكورة( ).
قلت والصواب والله أعلم أن يقرأها عند إرادته أخذ مضجعه لورود ذلك في النص وإن قرأها في صلاته فلا بأس لكنه خلاف الأولى.
ثانياً : أن لا يحدث بها أحداً:
كما جاء ذلك في حديث أبي سعيد الخدري السابق وفيه (ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره)( ).
أما الحكمة في ذكر هذه الأشياء فقد ذكرها بعض أهل العلم نوردها بإيجاز.
1- أما الاستعاذة من شرها: لأنها مشروعة عند كل أمر يكره.
2- أما الاستعاذة من الشيطان: لأن هذه الرؤيا منه وأنه يخيل بها بغرض تحزين الآدمي والتهويل عليه كما ذكرنا ذلك سابقاً.
3- أما البصق أو التفل يساراً: وذلك لطرد الشيطان وإظهار احتقاره واستفزازه وقيل بأن التفل أو البصق للتبرك بتلك الرطوبة والهواء المقارن للذكر الحسن وأما كونها من اليسار أو كون البصق عن اليسار لأنها محل الأقذار ونحوها. وأما كون البصق ثلاثاً قيل للتأكيد وكونها ثلاثاً لتكون وتراً.
4- أما كونه يعتقد أنها لا تضره: معناه أن الله جعل ما ذكر سبباً للسلامة من المكروه.
5- أما الصلاة: لأن فيها لجوءاً إلى الرب سبحانه وتعالى ولأن في التحريم بها عصمة من السوء وبها تكمل الرغبة وتصح الطلبة لقرب المصلى من ربه عند سجوده.
6- أما التحول: فهو للتفاءل فإنه به يتفاءل العبد بتحول تلك الحال التي كان عليها.
ولكن هناك تنبيهات لابد من إيرادها:
التنبيه الأول: ينبغي أن يجمع بين هذه الروايات كلها ويعمل جميع ما تضمنته فإن اقتصر على البعض أجزأه في دفع ضررها بإذن الله، ومعنى قولنا إن اقتصر على البعض يعني أن يقتصر على حديث واحد جامعاً بما فيه لأنه لم يأت حديث في الاقتصار على واحدة فقط كما ذكر.
التنبيه الثاني: أن العبد إذا قام فصلى فقد جمع بين جميع ما ذكرناه وذلك لأن في الصلاة تحولاً عن جنبه وبصقاً ونفثاً عند المضمضة في الوضوء والاستعاذة عند إرادة قراءته في الصلاة أما الدعاء فيها فإنه إن شاء الله سيكفيه شرها ولا تضره.
التنبيه الثالث: جاءت بعض النصوص في السُنة تبين لنا صفة التعوذ عند رؤية ما يكرهه الإنسان في منامه.
ففي سنن سعيد بن منصور ومصنف بن أبي شيبة ومسند عبد الرزاق عن إبراهيم النخعي قال: (إذا رآى أحدكم في منامه ما يكره فليقل إذا استيقظ أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسله من شر رؤياي هذه أن يصيبني فيها ما أكره في ديني ودنياي)( ).
أهمية الرؤيا:
قد يسأل سائل فيقول هل هناك حاجة للرؤيا وما وجه أهميتها ما دامت الأمور بقضاء الله وقدره؟
نقول لقد جاءت آيات من كتاب رب العالمين وكذا جاءت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بذكر الرؤيا والدعوة إلى الاستعاذة منها.
وهذا يدل على عظمها وشرفها فكم من رؤيا صالحة كانت سبباً في هداية عاص وكم من رؤيا حسنة كانت حرزاً من الوقوع في المهلكات وإذا أردنا أن نعدد الجوانب الحسنة التي تدل على فضل الرؤيا وأهميتها لوجدنا الكثير فانظر معي إلى بعض ما جاء في القرآن:
في قوله تعالى: ( يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى ) ( ).
فقد كانت رؤياه عليه السلام بمثابة التشريع لهذه الأمة ولذا شرع الله لنا الأضحية.
وانظر إلى يوسف عليه السلام ورؤياه تجد فيها من العجب قال تعالى في بيان فضل تعلم تأويلها.
( وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ )( ).
فالعلم بتأويل الرؤيا علم ممدوح شرعاً ولما كان العلم بها ممدوحاً كانت هي كذلك ممدوحة.
وانظر إلى سورة الأنفال حينما تتحدث عن غزوة بدر حيث قال تعالى لنبيه: ( إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) ( ).
فقد أرى الله تعالى نبيه أن الكفار قلة مع أن الواقع يدل على خلاف ذلك حيث كان عددهم أكثر من تسعمائة وعدد المسلمين ثلاثمائة مقاتل ومع ذلك أرى نبيه قلتهم ليكون تشجيعاً للمؤمنين وتحريضاً لهم على قتالهم ولذا قال تعالى بعد ذلك ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ) الآية( ).
وانظر إلى رؤياه صلى الله عليه وسلم في فتح مكة حين رآها قبل أن يفتح مكة قال تعالى: ( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً ) ( ).
فكانت الرؤيا بمثابة التطمين له صلوات الله وسلامه عليه ولأصحابه بأنه ستفتح لهم مكة وقد كانت كما رأى صلى الله عليه وسلم.
ولو أردنا أن نتحدث عن الرؤيا مع أنبياء الله ورسله لوجدنا فيها الكثير ولكن نريد أن ننبه على أمر مهم وهو أن رؤيا الأنبياء ليست كرؤيا سائر البشر لأن رؤيا الأنبياء وحي من الله تعالى.
أما عن أهمية الرؤيا في حق آحاد الناس فهي بمنزلة البشرى والنذارة فالبشرى لصاحبها بما ينفعه في دنياه وآخرته فإن كان على طاعة مثلا ثبت على هذه الطاعة وجاهد في المحافظة عليها وإن كان على معصية كانت الرؤيا بمثابة التخويف له من عذاب الله وسخطه وإنذاره وتحذيره من البقاء عليها فإن لم يكن فيها إلا ذلك فكفاها فضلاً وتعظيماً، فكم كنا نسمع عن أناس عصاة لا يصلون أو يتعاملون بالربا أو يؤجرون استراحتهم لأصحاب المعاصي والمنكرات وغيرهم. وكم كانت الرؤيا سبباً رادعاً في تحولهم إلى الاستقامة على طاعة الله وانصرافهم عما كانوا عليه.
وخلاصة القول في ذلك أن الرؤيا فيها من المنافع ما الله به عليم وهي من جملة نعم الله على عباده من بشارات المؤمنين وتنبيه الغافلين وتذكرة المعرضين وإقامة الحجة على العائدين قال صاحب التمهيد:
(وعلم تأويل الرؤيا من علوم الأنبياء وأهل الإيمان وحسبك بما أخبر الله من ذلك عن يوسف عليه السلام وما جاء في الآثار الصحاح فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم وأجمع أئمة الهدى من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين أهل السنة والجماعة على الإيمان بها وعلى أنها حكمة بالغة ونعمة يمن الله بها على من يشاء وهي المبشرات الباقية بعد النبي صلى الله عليه وسلم) ( ).
أنواع الرؤيا:
جاءت نصوص السُنَّة ببيان أنواع الرؤى ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاًً) والرؤيا ثلاثة:
1- رؤيا بشرى من الله عز وجل.
2- ورؤيا مما يحدث الإنسان نفسه.
3- ورؤيا من تحزين الشيطان.
فإذا رأى أحدكم ما يكره فلا يحدث به - وليقم وليصل والقيد في المنام ثبات في الدين والغل أكرهه ( ).
ففي هذا الحديث بيان بأقسام الرؤيا وجاء في سنن ابن ماجة من حديث عوف بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرؤيا ثلاث: منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه ومنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) ( ).
ومن نظر في النصوص التي ذكرت وغيرها مما لم يذكر يجد أن الرؤيا لا تخرج عن هذه الثلاث ونجملها فيما يلي:
1- الرؤيا الصالحة أي الرؤيا الحسنة التي لا تشتمل على شيء يكرهه الرائي بل فيها مصلحة دينية أو دنيوية.
2- الرؤيا التي تسمى رؤيا الخاطر التي سماها صلى الله عليه وسلم بما يحدث الإنسان به نفسه وحقيقة هذه أن يكون البال مشغولاً ثم يحصل النوم فيرى هذا الشيء المشغول به فهذا مما لا يضر ولا ينفع.
3- الرؤيا التي هي بمثابة التحزين للرائي والتي هي من قبل الشيطان وقد تكلمنا عنها فيما سبق.
أقسام الناس في الرؤيا:
ذكرنا فيما سبق أقسام الرؤيا هذا باعتبار الرؤيا أما باعتبار الرائي فهي أيضاً أقسام وذلك بحسب صدق الرائي وبهذا الاعتبار أي اعتبار الرائي قسم أهل العلم أحوال الناس في رؤياهم إلى ثلاثة أقسام:
أقسام الناس باعتبار الرؤيا:
1- أنبياء. 2- صالحون. 3- مستورون.
4- فسقة. 5- كفار.
أولاً : رؤيا الأنبياء:
وهم أصدق الناس رؤيا بلا شك لأنهم أصدق الناس قولاً وعملاً ولذا كانت رؤيا نبينا صلى الله عليه وسلم كفلق الصبح لأنها وحي من الله تعالى إليه. وذكرنا جانباً من جوانب رؤيا الأنبياء فيما سبق.
ثانياً : رؤيا الصالحين:
وهم في المرتبة الثانية بعد أنبياء الله ورسله والغالب على رؤياهم الصدق لكن منها ما يحتاج إلى تعبير ومنها ما لا يحتاج إلى تعبير بل تدل على الأمر دلالة واضحة.
قال صلى الله عليه وسلم (...وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً) ( ). وقال أيضاً (الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) ( ).
ثالثاً: رؤيا المستورين:
أي من حالهم مستور لهم صلاة وزكاة وحج وغيره من الطاعات لكنهم مقصرون في البعض ولهم بعض الذنوب التي هي دون الشرك فهم أيضاً لهم رؤيا ولكن هؤلاء أحياناً تأتيهم الرؤيا التي هي من الله وتأتيهم الرؤيا التي هي من الشيطان فيرون هذه تارة وهذه تارة.