محب الدعوة
11-17-2013, 01:08 PM
مسائل مهمة اقتبستها من الأشرطة المفرغة للشيخ الألباني رحمه الله ..
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ، هذه جملة من أقوال الشيخ الألباني اقتبستها من أشرطته المفرغة أثناء اطلاعي عليها ، وهي أشرطة فرغها مجموعة من الإخوة الكرام جزاهم الله عنا خيرا ، فصرت أقتنص منها ما شئتُ لأجل جمعها في رسالة واحدة لهدف لتعميم النفع ، فمثل هذه الأشرطة المباركة قد تجد فيها من كلام الشيخ ما ليس في كتبه المطبوعة ، أو تجد كلاما مفصلا لمسألة ما لم يذكرها في كتبه أو غير ذلك ..
أخوكم أبو البراء ..
بسم الله نبدأ :
قال الشيخ المحدث الألباني رحمه الله :
1- ولكن كل الجماعات الأخرى التي تلتقي معنا في كونها في دائرة الإسلام؛ وتتبنى معنا الكتاب والسنة، فيجب على الدعاة السلفيين بخاصة، أن يبينوا لهؤلاء أن الدعوة السلفية تتميز على سائر الدعوات، بأنها تفهم الكتاب والسنة على ما كان عليه سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم، كما جاء في الحديث المتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم القائل :« خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم »، فنحن نضم إلى الكتاب والسنة منهج السلف الصالح، وهذه الضميمة ليست أمرا محدثا كما قد يتوهم كثير من الناس؛ وإنما هو المنصوص عليه في الكتاب والسنة، أما الكتاب كقوله تعالى:﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء/115]، وأما السنة فهناك حديثان مشهوران أحدهما وهو حديث الفرقة الناجية وهو معروف؛ ولا حاجة لسوقه بلفظه وإنما نسوق منه ما هو موضع الشاهد؛ وهو قوله عليه السلام حينما سئل عن الفرقة الناجية فأجاب صلى الله عليه وآله وسلم بقوله:« هي التي على ما أنا عليه وأصحابي »، والحديث الآخر حديث الخلفاء الراشدين وهو قوله عليه السلام في حديث العرباض بن سارية: « فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي » إلى آخره...، ففي هذا الحديث بيان سبيل المؤمنين الذي ذكر في الآية السابقة :﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾، فإذا الدعاة يجب أن يدندنوا حول هذه الضميمة، المميزة لدعوة الحق والمظهرة للفرقة الناجية على الفرق الأخرى وهي أنهم يكونون على ما كان عليه السلف الصالح.
لكن هذا يتطلب شيئا لم أذكره في الأمس القريب وهو مذكور في كثير من التساجيل، أن تطبيق هذه القاعدة على منهج السلف الصالح، يتطلب من الدعاة السلفيين أن يُعْنوا بمعرفة الآثار السلفية كما يُعْنًوْن بمعرفة الأحاديث النبوية، لأن معرفة هذه الآثار هي التي تحقق لهم تطبيق هذا المنهج تطبيقا عمليا وصحيحا؛ وهذه الآثار كما هو شأن الأحاديث فيها الصحيح والضعيف كذلك الآثار فيها الصحيح والضعيف، ولذلك هنا لا بد من الانتباه لما سأقوله.
إن كثيرا من كتب العلماء كالفتح مثلا (فتح الباري) للحافظ ابن حجر العسقلاني ومن جاء من بعده، حينما يحتجون ببعض الآثار لا يدققون النظر في أسانيدها!، وهنا يكمن خطأ واضح جدا، لأننا إذا أردنا أن نقول أن الصحابي الفلاني أو الصحابية الفلانية كانوا يقولون كذا... أو يفعلون كذا... ونحن نعتبر ذلك بيانا لآية في كتاب الله أو لحديث في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمعنى ذلك أنه لا بد لنا من أن نكون على بينة من صحة ذاك الآثر أو تلك الآثار، فينبغي على الداعية المسلم السلفي أن يكون على علم به أولا، وعلى دعوته وبيانه لما هو عليه ثانيا.
ثم إن الدعوة السلفية تتميز ليس بمجرد الدعوة وإنما عمليا أنها تسعى لفهم الإسلام فهما صحيحا من كل جوانبه، ليس من بعض النواحي التي يهتم بها بعض الجماعات دون نواحيَ أخرى، ويُسَمُون الأمور الأولى بالأولويات، وقد يصل بهم الأمر في هذا التقسيم للإسلام أو للعلم بالإسلام إلى أن يجعلوه قسمين لباب وقشور فيهتمون في زعمهم - والواقع أنهم لا يهتمون حتى بهذا القسم الذي سموه باللباب - يهتمون به دون أن يهتموا بالقسم الآخر، وأنا ألفت النظر إلى حقيقة علمية إذا كان المسلم على بينة منها سيتبين أنه لا مجال إطلاقا للعالم الباحث في الكتاب والسنة إلى تقسيم الإسلام إلى لب وقشر، وهذا لو كان ممكنا لما تمكن منه إلا من أحاط بالإسلام علما، وهذا يكاد أن يكون أمرا مستحيلا ، لأن الله عزوجل يقول :﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ﴾ [البقرة/255]، ولذلك فالواجب على الداعية المسلم أن يبلغ الناس الإسلام ككل في حدود علمه، وأن لا يزعم التقسيم المذكور آنفا لب وقشور، لأن الإسلام كله خير وبركة . انتهى
2- أما الأسلوب في الدعوة: فلم يدع ربنا عزوجل مجالاً لأحد بعد قوله عزوجل: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل/125] ، وهذا بلا شك أول ما يتطلب من الداعية أن يكون رحيما، وأن يكون شفيقا، وأن لا يشتد على المخالفين، ولا سيما إذا كانوا معه في أصل الدعوة - أي الكتاب والسنة - ولكنهم انحرفوا بعض الشيء في بعض النواحي فيجب الرفق بهم كما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله في الحديث المعروف عن عائشة وحسبنا منه الآن قوله لها يا عائشة : « ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما كان العنف في شيء إلا شانه ».
لكني أريد أن أذكر هنا بشيء يَغْفُلُ عنه كثير من الناس - وأعني بهم بعض الدعاة - إن الرفق ولو أنه هو الأصل في الدعوة، ولكن ذلك لا يعني أنه لا ينبغي للداعية أن يستعمل الشدة أحيانا يضعها في موضعها المناسب لها، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي خوطب بقوله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران/159]، مع ذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في بعض الأحيان يشتد على بعض المخالفين، ولو أن هؤلاء المخالفين ما كانوا يتعمدون الخطأ؛ ولكن لما كان الخطأ يتعلق بأمر هام، بما يتعلق بالإيمان وبخاصة برب الأنام، كان عليه الصلاة والسلام يستعمل شيئاً من الشدة؛ كلكم يعلم ما رواه الإمام أحمد بالمسند بالسند الصحيح عن عبد الله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب يوما في الصحابة، فقام رجل ليقول له ما شاء الله وشئت يا رسول الله !، فقال له عليه السلام: « أجعلتني لله نِدًّا ؟!!، قل: ما شاء الله وحده »، هذه الشدة إذا وضعت في مكانها فهو من الحكمة، ولذلك فلا ينبغي أن نغتر وأن نقول أن اللين دائما يجب أن يكون سمة المسلم وصفته ؛ لا ...، هذه هي الصفة الغالبة لكن أحيانا لا بد من وضع الشدة في مكانها المناسب.
وأخيراً: آتي بمثال من أحاديث الرسول عليه السلام وهو قوله: « من تعزى بعزى الجاهلية فأعضوه بِهَنِ أبيه » ، هذا التعبير قد لا يستسيغه كثير من الناس ولكن من كان يؤمن بالله ورسوله حقاً، وعرف أن هذا الحديث نطق به الرسول صلى الله عليه وسلم حينئذ سيكون هذا الحديث من جملة الأدلة أن الشدة أحيانا في محلها هي عين الحكمة، ما معنى الحديث : « من تعزى بعزى الجاهلية فأعضوه بِهَنِ أبيه » أي من تفاخر بآبائه في الجاهلية الذين كانوا في الشرك وماتوا في الشرك، فهذا قولوا له تعض كذا، تعض كذا يعني العضو، هذا هو الْـهَنْ، الـمَـكْني عنه بهذه العبارة اللطيفة في حديث الرسول، لكن يقول لنا أعضوه بهن أبيه، هذا شدة بلا شك ولكنها هي الحكمة.
هذا الذي أردت أيضا أن ألحقه بهذا السؤال.
3- من هنا أخذ الفقهاء القاعدة المعروفة ( الضرورات تبيح المحظورات ) ، ولكنهم كان من دقة فقههم وفهمهم في ملاحظتهم للآية السابقة : ﴿ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ﴾ أن أضافوا إلى القاعدة السابقة ( الضرورات تبيح المحظورات ) ضميمة مهمة جدا وهي ( الضرورة تقدر بِقَدَرِها ) يجب الجمع بين المضاف والمضاف إليه (الضرورات تبيح لمحظورات)،
( الضرورة تقدر بِقَدَرِها ).
: ﴿ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ﴾ ما معنى هذا ؟: رجل تعرض للموت جوعا في الصحراء فوجد لحم ميتة فهل يأخذ من هذا اللحم ويشوي ويأكل منه كما كان لو يأكل من لحم ذبيح طازج ؟، لا ...؛ إنما ما يدفع به الضرورة أي: ما يدفع به تعرضه للهلاك ، هذا معنى : ﴿ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ﴾ من هنا ضموا تلك الضميمة نعم الضرورات تبيح المحظورات ولكن ليست هكذا على الإطلاق، وإنما الضرورة تقدر بقدرها، شو أنت مضطر إيلو تاوذو ، ما سوى ذلك فهو على الأصل أي حرام
4- إن الله عز وجل يتفضل على عباده بما يشاء، الحديث الأول يصرح بأن الصلاة تكفر الذنوب التي كانت قبلها، وكان ذلك التكفير مشروطاً بأن يجتنب المصلي للكبائر، حيث قال: « ما اجتنبت الكبائر » أي: ما دام المصلي يجتنب الكبائر فالصلاة تكفر الذنوب التي بينها وبين الصلاة الأخرى.
لو كان هذا الحديث وحده لم يجز لنا أن نزيد عليه، لكن إذا زاد الله عز وجل على عباده في الفضل؛ فنقول: حمداً لله حيث أنعم على عباده بأجر أكبر من ذي قبل.
وهذا له أمثلة كثيرة في السنة؛ بأن الله عز وجل يزيد عباده فضلاً، وأجراً، وتخفيفاً، ونحو ذلك، هناك حديثان فيما يتعلق بصلاة الجماعة: أحدهما يقول: « صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة »، وحديث آخر يقول: « بسبع وعشرين درجة » فلا تخالف بين هذا وذاك؛ لأن الأجر الأقل يدخل في الأجر الأكثر، فالذي ينبغي أن نعتقده أن فضيلة صلاة الجماعة هي بسبع وعشرين درجة وليس فقط بخمس وعشرين؛ لأن الزيادة قد ثبتت في الحديث الصحيح.
مثلاً: هناك الآية الكريمة في خاتمة سورة البقرة: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ﴾ [البقرة:285-286] إلى آخر الآيات الواردة في خاتمة السورة، الشاهد: أن الله عز وجل في هذه الآية أو لعلي سبقتها وما تلفظت بها وهي: ﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [البقرة:284] الشاهد: أن الله عز وجل أنزل هذه الآية أول ما أنزلها، وفيه التنصيص بأن الله عز وجل يحاسب الناس على ما يظهرون، وعلى ما يخفون في صدورهم، ثم إذا حاسبهم فيعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء.
لما نزلت هذه الآية جاء طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مهتمين بحكم هذه الآية؛ لأنُه الحقيقة إذا تصورتموها يعني: لو بقي حكمها لما نجا من الحساب ومن العذاب إلا القليل من العباد؛ لأن الله عز وجل يقول: ﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾ [البقرة:284]، فكم وكم من وساوس تدور في أذهان الناس وتستقر في صدورهم، ثم الله عز وجل في هذه الآية سيحاسبهم عليها، فَكَبُر وعظم هذا الحكم على أصحاب الرسول عليه السلام، فجاءوا جثياً وجلسوا على الركب ، " قالوا: يا رسول الله! ها نحن أُمرنا بالصلاة فصلينا، وبالصوم فصمنا، وبسائر الأحكام فقمنا، أما أن يحاسبنا الله عز وجل على ما في صدورنا فهذا مما لا طاقة لنا به "، فقال عليه الصلاة والسلام: « أتريدون أن تقولوا كما قال قوم موسى لموسى: ﴿ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ﴾ [البقرة:93]؟، قولوا: سمعنا وأطعنا، قولوا: سمعنا وأطعنا »، فأخذوا يقولونها بألسنتهم حتى ذلت وخضعت لها قلوبهم، فأنزل الله عز وجل الآية الناسخة لهذا الحكم الشديد: ﴿ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَت ﴾ [البقرة:286]، أي: عملا، فرفعت المؤاخذة على ما في النفوس، هذه مؤاخذة التي ذكرت في الآية السابقة، ثم جاء حديث الرسول عليه السلام مؤكداً لاستقرار الحكم على عدم المؤاخذة بما في النفوس، فقال صلى الله عليه وسلم: « إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به » فما في النفوس لا مؤاخذة.
هذا مثال من أمثلة كثيرة، إذا عرفنا هذا رجعنا إلى الجواب مباشرة عن السؤال فنقول: كان الحكم السابق في الحديث الأول أن الصلوات مكفرات لما بينها ما اجتنبت الكبائر، ثم جاء الحديث بل أحاديث كثيرة وكثيرة جداً تؤكد أن الصلوات المفروضة تكفر الذنوب حتى الكبائر، وذلك هو قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الثاني الذي أشرت إليه في سؤالك وهو: « أرأيتم لو أن نهراً أمام دار أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات( )، أترونه يبقى على بدنه من درنه شيء ؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: فكذلك مثل الصلوات الخمس يكفر الله بهن الخطايا كلها ».
وواضح جداً أن هذا الحديث لا يقبل التأويل المعروف عند العلماء بعامة، حيث يقولون: إن العبادات التي جاءت النصوص تترى في أنها مكفرات للذنوب، إنما تكفر الصغائر دون الكبائر.
هذا القول لا نتردد في التصريح بأنه قول باطل؛ لأنه ينافي نصوصاً كثيرة وكثيرة جداً، هذا النص أحدها؛ لأن هذا المثل الذي ضربه الرسول عليه السلام، رجل قذر وسخ، فإذا انغمس كل يوم في نهر جارٍ غمر، تُرى هل الأوساخ الكبيرة تبقى والصغيرة هي التي تمحى؟، أم إن كان يبقى هناك شيء فعلى العكس، تذهب الأقذار الكبيرة وتبقى الصغيرة، فهذا المثال الذي ضربه الرسول عليه السلام يؤكد تماماً أن الصلوات مكفرات للذنوب كلها.
كذلك -مثلاً- مثل الحديث المتعلق بالحج، وبعضكم قد جاء من الحج سائلاً المولى سبحانه وتعالى أن يكون قد شملهم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: « من حج فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه »، فهل من إنسان يفهم أن الوليد حينما يسقط من بطن أمه يسقط ممتلئاً بالذنوب الكبائر دون الصغائر، أم التشبيه هنا من أبدع ما يكون أنه نظيف من كل الذنوب كبيرها وصغيرها ؟، والأحاديث في هذه القضية كثيرة وكثيرة جداً، وللحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله رسالة خاصة في الخصال المكفرة، من أراد التوسع فيها رجع إليها.
لكني أريد أن أنبه إلى شيئين اثنين: الشيء الأول: أنه يؤكد أن هذه المكفرات هي مكفرات للكبائر؛ ذلك أن المكفرات للصغائر منصوص في القرآن الكريم السبب الذي يكفر الصغائر قوله تعالى: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾ [النساء:31] فإذاً: اجتناب الكبائر نفسها هي تَذْهَب بالصغائر وتكفرها، فلا بد أن يكون لمثل هذه العبادات كالصلاة والحج ونحو ذلك رمضان، لا بد أن يكون لها فعل آخر أكثر من فعل اجتناب الكبائر، اجتناب الكبائر يكفر الصغائر، طيب الإتيان بالفرائض ماذا يفعل ؟، أيضاً يكفر الصغائر، فالصغائر ممحوة باجتناب الكبائر، فهذا يؤكد بأن الأحاديث السابقة هي على ظاهرها.
هذا هو الأمر الأول من الأمرين.
أما الأمر الثاني والأخير: أن كثيراً من الناس قد يتوهمون أن القول: بأن العبادات هذه كالصلاة والصيام تكفر الكبائر -أيضاً- أن هذا يكون حاملاً للناس بأن يتساهلوا وأن يواقعوا الكبائر؛ أن يسرقوا، وأن يزنوا، وأن يشربوا الخمر إلى آخره ... بدعوى أن الصلوات -مثلاً- تكفر الكبائر، فنحن نقول الآن، لكي تفهم المسألة من هذه الزاوية جيداً: نُذَكر أن الصلاة التي تكفر الكبائر لا يمكننا أن نقول هي صلاتنا نحن، وهذه حقيقة يجب أن نعرفها؛ حتى ننجو من التورط بهذا الترغيب الكبير الذي جاء ذكره في هذه الأحاديث، وكما يقولون عندنا في سوريا: (نحط رجلينا بمي باردة)، ها كل يوم نحنا نصلي الصلوات الخمس، فمهما فعلنا من كبائر فإذاً هي مكفرة بصلواتنا هذه.
نقول: من الذي يستطيع أن يقول بأنه هو الذي يصلي الصلاة الكاملة ؟، لأن الصلاة الكاملة هي التي لها هذه الآثار الطيبة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث المعروف: « إن الرجل ليصلي الصلاة وما يكتب له إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سبعها ... إلى أن قال عليه الصلاة والسلام: .... ربعها، نصفها »، إذاً: لا نستطيع أن نقول: أَنُه هناك صلاة كاملة حتى نقول: إن هذه الصلوات التي نصليها نحن هي مكفرات للكبائر، كل ما نستطيع أن نقول: إننا نأمل بأن نصلي وأن يغفر
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ، هذه جملة من أقوال الشيخ الألباني اقتبستها من أشرطته المفرغة أثناء اطلاعي عليها ، وهي أشرطة فرغها مجموعة من الإخوة الكرام جزاهم الله عنا خيرا ، فصرت أقتنص منها ما شئتُ لأجل جمعها في رسالة واحدة لهدف لتعميم النفع ، فمثل هذه الأشرطة المباركة قد تجد فيها من كلام الشيخ ما ليس في كتبه المطبوعة ، أو تجد كلاما مفصلا لمسألة ما لم يذكرها في كتبه أو غير ذلك ..
أخوكم أبو البراء ..
بسم الله نبدأ :
قال الشيخ المحدث الألباني رحمه الله :
1- ولكن كل الجماعات الأخرى التي تلتقي معنا في كونها في دائرة الإسلام؛ وتتبنى معنا الكتاب والسنة، فيجب على الدعاة السلفيين بخاصة، أن يبينوا لهؤلاء أن الدعوة السلفية تتميز على سائر الدعوات، بأنها تفهم الكتاب والسنة على ما كان عليه سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم، كما جاء في الحديث المتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم القائل :« خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم »، فنحن نضم إلى الكتاب والسنة منهج السلف الصالح، وهذه الضميمة ليست أمرا محدثا كما قد يتوهم كثير من الناس؛ وإنما هو المنصوص عليه في الكتاب والسنة، أما الكتاب كقوله تعالى:﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء/115]، وأما السنة فهناك حديثان مشهوران أحدهما وهو حديث الفرقة الناجية وهو معروف؛ ولا حاجة لسوقه بلفظه وإنما نسوق منه ما هو موضع الشاهد؛ وهو قوله عليه السلام حينما سئل عن الفرقة الناجية فأجاب صلى الله عليه وآله وسلم بقوله:« هي التي على ما أنا عليه وأصحابي »، والحديث الآخر حديث الخلفاء الراشدين وهو قوله عليه السلام في حديث العرباض بن سارية: « فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي » إلى آخره...، ففي هذا الحديث بيان سبيل المؤمنين الذي ذكر في الآية السابقة :﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾، فإذا الدعاة يجب أن يدندنوا حول هذه الضميمة، المميزة لدعوة الحق والمظهرة للفرقة الناجية على الفرق الأخرى وهي أنهم يكونون على ما كان عليه السلف الصالح.
لكن هذا يتطلب شيئا لم أذكره في الأمس القريب وهو مذكور في كثير من التساجيل، أن تطبيق هذه القاعدة على منهج السلف الصالح، يتطلب من الدعاة السلفيين أن يُعْنوا بمعرفة الآثار السلفية كما يُعْنًوْن بمعرفة الأحاديث النبوية، لأن معرفة هذه الآثار هي التي تحقق لهم تطبيق هذا المنهج تطبيقا عمليا وصحيحا؛ وهذه الآثار كما هو شأن الأحاديث فيها الصحيح والضعيف كذلك الآثار فيها الصحيح والضعيف، ولذلك هنا لا بد من الانتباه لما سأقوله.
إن كثيرا من كتب العلماء كالفتح مثلا (فتح الباري) للحافظ ابن حجر العسقلاني ومن جاء من بعده، حينما يحتجون ببعض الآثار لا يدققون النظر في أسانيدها!، وهنا يكمن خطأ واضح جدا، لأننا إذا أردنا أن نقول أن الصحابي الفلاني أو الصحابية الفلانية كانوا يقولون كذا... أو يفعلون كذا... ونحن نعتبر ذلك بيانا لآية في كتاب الله أو لحديث في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمعنى ذلك أنه لا بد لنا من أن نكون على بينة من صحة ذاك الآثر أو تلك الآثار، فينبغي على الداعية المسلم السلفي أن يكون على علم به أولا، وعلى دعوته وبيانه لما هو عليه ثانيا.
ثم إن الدعوة السلفية تتميز ليس بمجرد الدعوة وإنما عمليا أنها تسعى لفهم الإسلام فهما صحيحا من كل جوانبه، ليس من بعض النواحي التي يهتم بها بعض الجماعات دون نواحيَ أخرى، ويُسَمُون الأمور الأولى بالأولويات، وقد يصل بهم الأمر في هذا التقسيم للإسلام أو للعلم بالإسلام إلى أن يجعلوه قسمين لباب وقشور فيهتمون في زعمهم - والواقع أنهم لا يهتمون حتى بهذا القسم الذي سموه باللباب - يهتمون به دون أن يهتموا بالقسم الآخر، وأنا ألفت النظر إلى حقيقة علمية إذا كان المسلم على بينة منها سيتبين أنه لا مجال إطلاقا للعالم الباحث في الكتاب والسنة إلى تقسيم الإسلام إلى لب وقشر، وهذا لو كان ممكنا لما تمكن منه إلا من أحاط بالإسلام علما، وهذا يكاد أن يكون أمرا مستحيلا ، لأن الله عزوجل يقول :﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ﴾ [البقرة/255]، ولذلك فالواجب على الداعية المسلم أن يبلغ الناس الإسلام ككل في حدود علمه، وأن لا يزعم التقسيم المذكور آنفا لب وقشور، لأن الإسلام كله خير وبركة . انتهى
2- أما الأسلوب في الدعوة: فلم يدع ربنا عزوجل مجالاً لأحد بعد قوله عزوجل: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل/125] ، وهذا بلا شك أول ما يتطلب من الداعية أن يكون رحيما، وأن يكون شفيقا، وأن لا يشتد على المخالفين، ولا سيما إذا كانوا معه في أصل الدعوة - أي الكتاب والسنة - ولكنهم انحرفوا بعض الشيء في بعض النواحي فيجب الرفق بهم كما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله في الحديث المعروف عن عائشة وحسبنا منه الآن قوله لها يا عائشة : « ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما كان العنف في شيء إلا شانه ».
لكني أريد أن أذكر هنا بشيء يَغْفُلُ عنه كثير من الناس - وأعني بهم بعض الدعاة - إن الرفق ولو أنه هو الأصل في الدعوة، ولكن ذلك لا يعني أنه لا ينبغي للداعية أن يستعمل الشدة أحيانا يضعها في موضعها المناسب لها، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي خوطب بقوله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران/159]، مع ذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في بعض الأحيان يشتد على بعض المخالفين، ولو أن هؤلاء المخالفين ما كانوا يتعمدون الخطأ؛ ولكن لما كان الخطأ يتعلق بأمر هام، بما يتعلق بالإيمان وبخاصة برب الأنام، كان عليه الصلاة والسلام يستعمل شيئاً من الشدة؛ كلكم يعلم ما رواه الإمام أحمد بالمسند بالسند الصحيح عن عبد الله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب يوما في الصحابة، فقام رجل ليقول له ما شاء الله وشئت يا رسول الله !، فقال له عليه السلام: « أجعلتني لله نِدًّا ؟!!، قل: ما شاء الله وحده »، هذه الشدة إذا وضعت في مكانها فهو من الحكمة، ولذلك فلا ينبغي أن نغتر وأن نقول أن اللين دائما يجب أن يكون سمة المسلم وصفته ؛ لا ...، هذه هي الصفة الغالبة لكن أحيانا لا بد من وضع الشدة في مكانها المناسب.
وأخيراً: آتي بمثال من أحاديث الرسول عليه السلام وهو قوله: « من تعزى بعزى الجاهلية فأعضوه بِهَنِ أبيه » ، هذا التعبير قد لا يستسيغه كثير من الناس ولكن من كان يؤمن بالله ورسوله حقاً، وعرف أن هذا الحديث نطق به الرسول صلى الله عليه وسلم حينئذ سيكون هذا الحديث من جملة الأدلة أن الشدة أحيانا في محلها هي عين الحكمة، ما معنى الحديث : « من تعزى بعزى الجاهلية فأعضوه بِهَنِ أبيه » أي من تفاخر بآبائه في الجاهلية الذين كانوا في الشرك وماتوا في الشرك، فهذا قولوا له تعض كذا، تعض كذا يعني العضو، هذا هو الْـهَنْ، الـمَـكْني عنه بهذه العبارة اللطيفة في حديث الرسول، لكن يقول لنا أعضوه بهن أبيه، هذا شدة بلا شك ولكنها هي الحكمة.
هذا الذي أردت أيضا أن ألحقه بهذا السؤال.
3- من هنا أخذ الفقهاء القاعدة المعروفة ( الضرورات تبيح المحظورات ) ، ولكنهم كان من دقة فقههم وفهمهم في ملاحظتهم للآية السابقة : ﴿ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ﴾ أن أضافوا إلى القاعدة السابقة ( الضرورات تبيح المحظورات ) ضميمة مهمة جدا وهي ( الضرورة تقدر بِقَدَرِها ) يجب الجمع بين المضاف والمضاف إليه (الضرورات تبيح لمحظورات)،
( الضرورة تقدر بِقَدَرِها ).
: ﴿ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ﴾ ما معنى هذا ؟: رجل تعرض للموت جوعا في الصحراء فوجد لحم ميتة فهل يأخذ من هذا اللحم ويشوي ويأكل منه كما كان لو يأكل من لحم ذبيح طازج ؟، لا ...؛ إنما ما يدفع به الضرورة أي: ما يدفع به تعرضه للهلاك ، هذا معنى : ﴿ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ﴾ من هنا ضموا تلك الضميمة نعم الضرورات تبيح المحظورات ولكن ليست هكذا على الإطلاق، وإنما الضرورة تقدر بقدرها، شو أنت مضطر إيلو تاوذو ، ما سوى ذلك فهو على الأصل أي حرام
4- إن الله عز وجل يتفضل على عباده بما يشاء، الحديث الأول يصرح بأن الصلاة تكفر الذنوب التي كانت قبلها، وكان ذلك التكفير مشروطاً بأن يجتنب المصلي للكبائر، حيث قال: « ما اجتنبت الكبائر » أي: ما دام المصلي يجتنب الكبائر فالصلاة تكفر الذنوب التي بينها وبين الصلاة الأخرى.
لو كان هذا الحديث وحده لم يجز لنا أن نزيد عليه، لكن إذا زاد الله عز وجل على عباده في الفضل؛ فنقول: حمداً لله حيث أنعم على عباده بأجر أكبر من ذي قبل.
وهذا له أمثلة كثيرة في السنة؛ بأن الله عز وجل يزيد عباده فضلاً، وأجراً، وتخفيفاً، ونحو ذلك، هناك حديثان فيما يتعلق بصلاة الجماعة: أحدهما يقول: « صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة »، وحديث آخر يقول: « بسبع وعشرين درجة » فلا تخالف بين هذا وذاك؛ لأن الأجر الأقل يدخل في الأجر الأكثر، فالذي ينبغي أن نعتقده أن فضيلة صلاة الجماعة هي بسبع وعشرين درجة وليس فقط بخمس وعشرين؛ لأن الزيادة قد ثبتت في الحديث الصحيح.
مثلاً: هناك الآية الكريمة في خاتمة سورة البقرة: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ﴾ [البقرة:285-286] إلى آخر الآيات الواردة في خاتمة السورة، الشاهد: أن الله عز وجل في هذه الآية أو لعلي سبقتها وما تلفظت بها وهي: ﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [البقرة:284] الشاهد: أن الله عز وجل أنزل هذه الآية أول ما أنزلها، وفيه التنصيص بأن الله عز وجل يحاسب الناس على ما يظهرون، وعلى ما يخفون في صدورهم، ثم إذا حاسبهم فيعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء.
لما نزلت هذه الآية جاء طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مهتمين بحكم هذه الآية؛ لأنُه الحقيقة إذا تصورتموها يعني: لو بقي حكمها لما نجا من الحساب ومن العذاب إلا القليل من العباد؛ لأن الله عز وجل يقول: ﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾ [البقرة:284]، فكم وكم من وساوس تدور في أذهان الناس وتستقر في صدورهم، ثم الله عز وجل في هذه الآية سيحاسبهم عليها، فَكَبُر وعظم هذا الحكم على أصحاب الرسول عليه السلام، فجاءوا جثياً وجلسوا على الركب ، " قالوا: يا رسول الله! ها نحن أُمرنا بالصلاة فصلينا، وبالصوم فصمنا، وبسائر الأحكام فقمنا، أما أن يحاسبنا الله عز وجل على ما في صدورنا فهذا مما لا طاقة لنا به "، فقال عليه الصلاة والسلام: « أتريدون أن تقولوا كما قال قوم موسى لموسى: ﴿ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ﴾ [البقرة:93]؟، قولوا: سمعنا وأطعنا، قولوا: سمعنا وأطعنا »، فأخذوا يقولونها بألسنتهم حتى ذلت وخضعت لها قلوبهم، فأنزل الله عز وجل الآية الناسخة لهذا الحكم الشديد: ﴿ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَت ﴾ [البقرة:286]، أي: عملا، فرفعت المؤاخذة على ما في النفوس، هذه مؤاخذة التي ذكرت في الآية السابقة، ثم جاء حديث الرسول عليه السلام مؤكداً لاستقرار الحكم على عدم المؤاخذة بما في النفوس، فقال صلى الله عليه وسلم: « إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به » فما في النفوس لا مؤاخذة.
هذا مثال من أمثلة كثيرة، إذا عرفنا هذا رجعنا إلى الجواب مباشرة عن السؤال فنقول: كان الحكم السابق في الحديث الأول أن الصلوات مكفرات لما بينها ما اجتنبت الكبائر، ثم جاء الحديث بل أحاديث كثيرة وكثيرة جداً تؤكد أن الصلوات المفروضة تكفر الذنوب حتى الكبائر، وذلك هو قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الثاني الذي أشرت إليه في سؤالك وهو: « أرأيتم لو أن نهراً أمام دار أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات( )، أترونه يبقى على بدنه من درنه شيء ؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: فكذلك مثل الصلوات الخمس يكفر الله بهن الخطايا كلها ».
وواضح جداً أن هذا الحديث لا يقبل التأويل المعروف عند العلماء بعامة، حيث يقولون: إن العبادات التي جاءت النصوص تترى في أنها مكفرات للذنوب، إنما تكفر الصغائر دون الكبائر.
هذا القول لا نتردد في التصريح بأنه قول باطل؛ لأنه ينافي نصوصاً كثيرة وكثيرة جداً، هذا النص أحدها؛ لأن هذا المثل الذي ضربه الرسول عليه السلام، رجل قذر وسخ، فإذا انغمس كل يوم في نهر جارٍ غمر، تُرى هل الأوساخ الكبيرة تبقى والصغيرة هي التي تمحى؟، أم إن كان يبقى هناك شيء فعلى العكس، تذهب الأقذار الكبيرة وتبقى الصغيرة، فهذا المثال الذي ضربه الرسول عليه السلام يؤكد تماماً أن الصلوات مكفرات للذنوب كلها.
كذلك -مثلاً- مثل الحديث المتعلق بالحج، وبعضكم قد جاء من الحج سائلاً المولى سبحانه وتعالى أن يكون قد شملهم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: « من حج فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه »، فهل من إنسان يفهم أن الوليد حينما يسقط من بطن أمه يسقط ممتلئاً بالذنوب الكبائر دون الصغائر، أم التشبيه هنا من أبدع ما يكون أنه نظيف من كل الذنوب كبيرها وصغيرها ؟، والأحاديث في هذه القضية كثيرة وكثيرة جداً، وللحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله رسالة خاصة في الخصال المكفرة، من أراد التوسع فيها رجع إليها.
لكني أريد أن أنبه إلى شيئين اثنين: الشيء الأول: أنه يؤكد أن هذه المكفرات هي مكفرات للكبائر؛ ذلك أن المكفرات للصغائر منصوص في القرآن الكريم السبب الذي يكفر الصغائر قوله تعالى: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾ [النساء:31] فإذاً: اجتناب الكبائر نفسها هي تَذْهَب بالصغائر وتكفرها، فلا بد أن يكون لمثل هذه العبادات كالصلاة والحج ونحو ذلك رمضان، لا بد أن يكون لها فعل آخر أكثر من فعل اجتناب الكبائر، اجتناب الكبائر يكفر الصغائر، طيب الإتيان بالفرائض ماذا يفعل ؟، أيضاً يكفر الصغائر، فالصغائر ممحوة باجتناب الكبائر، فهذا يؤكد بأن الأحاديث السابقة هي على ظاهرها.
هذا هو الأمر الأول من الأمرين.
أما الأمر الثاني والأخير: أن كثيراً من الناس قد يتوهمون أن القول: بأن العبادات هذه كالصلاة والصيام تكفر الكبائر -أيضاً- أن هذا يكون حاملاً للناس بأن يتساهلوا وأن يواقعوا الكبائر؛ أن يسرقوا، وأن يزنوا، وأن يشربوا الخمر إلى آخره ... بدعوى أن الصلوات -مثلاً- تكفر الكبائر، فنحن نقول الآن، لكي تفهم المسألة من هذه الزاوية جيداً: نُذَكر أن الصلاة التي تكفر الكبائر لا يمكننا أن نقول هي صلاتنا نحن، وهذه حقيقة يجب أن نعرفها؛ حتى ننجو من التورط بهذا الترغيب الكبير الذي جاء ذكره في هذه الأحاديث، وكما يقولون عندنا في سوريا: (نحط رجلينا بمي باردة)، ها كل يوم نحنا نصلي الصلوات الخمس، فمهما فعلنا من كبائر فإذاً هي مكفرة بصلواتنا هذه.
نقول: من الذي يستطيع أن يقول بأنه هو الذي يصلي الصلاة الكاملة ؟، لأن الصلاة الكاملة هي التي لها هذه الآثار الطيبة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث المعروف: « إن الرجل ليصلي الصلاة وما يكتب له إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سبعها ... إلى أن قال عليه الصلاة والسلام: .... ربعها، نصفها »، إذاً: لا نستطيع أن نقول: أَنُه هناك صلاة كاملة حتى نقول: إن هذه الصلوات التي نصليها نحن هي مكفرات للكبائر، كل ما نستطيع أن نقول: إننا نأمل بأن نصلي وأن يغفر