محب الدعوة
03-27-2017, 12:11 PM
* أيها الإنسان أنت رائع ! *
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد . حينما ترجع لنصوص الكتاب والسنة وتتأملها بصدق ستجد ما يُبهرك ويأخذ بلبِ قلبكَ مما تجد فيهما من نصوصٍ صريحةٍ تدلُ على كرامتِك العظيمة، وستجد ما يفتح آفاق فكرك ونظرتك والسبب في ذلك هو أنك ستتأمل ما في نصوصِهِما من تحفيزٍ قوي نحو عمل الأفضل والأحسن والأتقن والأتقى وإيجابية عالية راقية تغنيك غناءً تاماً عما سواهُما .
فأنت يا ابن آدم خلقك الله تعالى في أحسن تقويم وأسجد لأبيك الملائكة1 ، وسخر لك هذا الكون العظيم بليله ونهاره ، وشمسه وقمره ، ونجومه وكواكبه ، وبحاره وأنهاره وزروعه ، وغير ذلك كثيرٌ وكثير ، وفضلك على كثير ممن خلق تفضيلا ، فإذا علمت أن هذا هو واقعك وهذه هي مكانتك الرفيعة فلا بد أن تكون أفكارك و أقوالك وأفعالك سامية شامخة نحو المعالي فتُشَمَّر عن ساعد الجد وتسمو بنفسك إلى الأفضل في شأنك كله. [ قال الله تعالى : قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ * الآية
أيها الكريم إن الله تعالى قد أسجد لأبيك الملائكة تحيةً له وتكريما حيث قال سبحانه *وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا .. * ، وأخبر سبحانه أنه سخر لنا هذا الكون جميعا حيث قال تعالى : وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ . وقال سبحانه اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) . الآية بل حتى البحر وما فيه قد سخره الله لنا ! قال سبحانه وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) تأمل كيف قال في تلك الآيات السابقة كلمة " لكم " وكررها كثيراً !! نعم إنها لنا لنعمرها بطاعته فضلاً منه سبحانه وكرما فالحمد لله رب العالمين ...
مكانتُنا عالية فلنحذر من تضييع هذه المكانة العالية إلى المنازل الدانية ونهدم منزلتنا بأيدينا ؟ فإن قلت كيف نهدم مكانتنا ؟ فيقال بالعصيان لرب السماء والأرض نُنَزِل درجتنا ونخفض معدل ارتفاعنا وكلما ازددنا من المعاصي والآثام ازددنا نزولاً وانحداراً ! ، لكنَّ هذا لا يعني اليأس والقنوط أبداً فلا يخفاك أن لهذا النزول صعود مرة أخرى مهما فعلنا وأخطأنا ، فنحن نرتقي بالطاعة والتوبة والتغيير إلى الأفضل . أيها الإنسان خلقك الله في أحسن تقويم حيث قال جل في عُلاه * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ *فمن لي بمثلك أيها الفاضل ! فأنت في هيئة حسنة سامية مُكرَّمة من الكريم الذي حملك في البر والبحر ورزقك وفضلك على كثير ممن خلق تفضيلا قال سبحانه * وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا * كل هذه النصوص العظيمة سُقتها بين يديك لتعلم مكانتك و لتتغير إلى الأفضل فما الذي تنتظره ؟ الآن ابدأ فلا تُسوَّف لا تُؤجل فإن الوقت ثمين . علينا أن لا نحبس أنفسنا ولا ننطوي على أحزانِ ذكرياتٍ أليمة ، فإن أخطاء الماضي لا تحجز أحداً عن التغير والتغيير إلى الأفضل بل تلك الأخطاء هي دروس نستفيد منها ونأخذ العِبر منها ، ألا تعلم أن أبانا آدم عصى الله وأكل من الشجرة التي نهاه الله عنها لكنه لم يستسلم للخطأ بل تاب وأناب واعترف وتغير إلى الأفضل فملكه الله هذه الأرض وسخر له هذا الكون الفسيح ، هل تعلم حال كثير من الصحابة رضي الله عنهم قبل الإسلام وعدائهم الشديد له هل كان هذا حاجز لهم عن الإسلام والتوبة بالطبع لا فإنهم تغيروا وأسلموا فصاروا من أفضل الخلق حتى قال الله عنهم * وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وروى الإمام البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ، ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ» تغيروا إلى الأفضل فصاروا بهذه المنزلة العالية فلم يحجزهم ماضيهم عن أن ينالوا الرفعة في الدنيا والآخرة والسبب في هذا بعد الله هو التغيير إلى الأفضل الذي يجعلك إنساناً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين .
أيها الإنسان تأمل تاريخ بعض من تغيروا كيف كانوا قبل التغيير وكيف كانوا بعده !ليس من جانب ديني فقط بل حتى من جانب دنيوي مادي فهذا فقير أخذ بالأسباب ولم يلتفت للمثبطات بل صبر وصابر حتى فتح الله عليه ، وذاك شابٌ لا يعمل لكنه ذو همة عالية حتى حصل على وظيفة أو كافح في تجارة حتى نال مراده وهكذا فالتغيير إلى الأفضل إذا وضعته نصْب عينيك وعملت به بحزم وعزم فإنه ينقلك ويرفعك إلى رحاب الفلاح بإذن الله . التغيير منبعه وأساسه من النفس فلو أن كل ما في الدنيا أرادوا أن يُغيروك وأنت لا تريد فلن تتغير بإذن الله والعكس كذلك فلو أن كل ما في الدنيا أرادوا تجميدك وتثبيطك وأنت تريد أن تتغير إلى الأفضل فستتغير بإذن الله أخي الكريم غير نفسك إلى الأفضل مع الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه والتفكر في قدرته وملكوته لتزداد تعظيما وخوفا ورجاءً ، غير نفسك مع سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالتسليم لأقواله واتباعه أحسن الاتباع والاقتداء والاهتداء بهديه صلى الله عليه وسلم ، غير نفسك إلى الأفضل مع روحك وارتقِ بها نحو المعالي وخفِّف عنها نار الذنوب بالتوبة الصادقة لتنعم بروح هادئة وسكينة غامرة ، غير نفسك إلى الأفضل مع الصلاة وأدها بخشوع وحضور قلب فحتما ستغيرك الصلاة إلى خيرات كثيرة دنيا وآخرة ، غير نفسك إلى الأفضل مع فكرك فلا تضع فيه إلا الخير لأن العقل والفكر كما يقولون كالرحى ما تضع فيها تطحنه إن خيراً فخير وإن شراً فأنت الخاسر فالعقل يعتمل بما تفكر فيه فتخرج النتيجة بحسب ما فيه فاجعله يفكر بالخير والإيجابيات وأبعد عنه السلبيات من حسد وسوء ظن و من قلق وغضب ومخاوف وهموم وأحزان مبالغٌ فيها ، غير نفسك مع والديك براً ووفاءً غير نفسك إلى الأفضل مع أقاربك وأصدقائك . غير نفسك إلى الأفضل مع جميع الخلق بإحسان خُلُقك وتعاملك وأقوالك وأفعالك ألا ترى أن الله تعالى قال في محكم التنزيل * وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا * ما أعظم هذا الدين إنه يريدك أن تقول الأحسن ! ليست حسنه فحسب بل قال التي هي أحسن ، ابحث عن الأفضل في كل شيء واشمخ بأقوالك وأفعالك في كل لحظة من حياتك حتى مماتك ،( قال أحد السلف : إن استطعت أن تكون اليوم خيراً منك أمس وتكون غداً خيراً منك اليوم فافعل ) . بل المعاملة بالأحسن تشمل حتى مع الحيوان ففي صحيح الإمام مسلم عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» وأيضا المعاملة بالتي هي أحسن حتى مع أهل الكتاب غير الذين عاندوا فقد قال الله تعالى : وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ . بل حتى مع الذي بينك وبينه عداوة إذا عاملته بالتي هي أحسن انقلب انقلابا تاما من عدو لدود إلى ولي حميم قال الله تعالى وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ !! . الآية . الله أكبر ما أعظم تعاليم هذا الدين الحنيف .
وأخيراً لنحذر من فكرة أننا لا نتغير وأن هذا هو طبعُنا لا نتزَحْزح عنه مقدار أنمله ، فهذا ضرب من ضروب الخيال والأوهام التي جمدتنا على أخطائنا وتفكيرنا ! وبالأخص إذا كان ذلك الطبع سيئ وبمقدورنا وتحت استطاعتنا تغييره ، ألا ترى أن الكل يتغير ليلٌ يعقبه نهار ، شمس تشرق وتغرب ، وقمر ينير ويُظلِم ، ونجوم تظهر وتختفي ، وهكذا الكون في تغير مستمر ، وأنت أحد المخلوقات في هذا الكون الفسيح فلابد ثم لابد أن تتغير إلى الأفضل مهما كان سِنُّك ومهما كانت ظروفك وأحوالك فلتُشَمَّر عن ساعد الجد ، وابحث عن الأتقى والأنقى والأرقى لترقى وتفلح وتفوز دنياً وآخرى ، والحمد لله رب العالمين .
كتبه / فهد بن عبدالله العمرو أبو البراء / ...............
ahldawa@gmail.com
1- ذكره بنحو هذا المختصون بالتطوير والتغيير
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد . حينما ترجع لنصوص الكتاب والسنة وتتأملها بصدق ستجد ما يُبهرك ويأخذ بلبِ قلبكَ مما تجد فيهما من نصوصٍ صريحةٍ تدلُ على كرامتِك العظيمة، وستجد ما يفتح آفاق فكرك ونظرتك والسبب في ذلك هو أنك ستتأمل ما في نصوصِهِما من تحفيزٍ قوي نحو عمل الأفضل والأحسن والأتقن والأتقى وإيجابية عالية راقية تغنيك غناءً تاماً عما سواهُما .
فأنت يا ابن آدم خلقك الله تعالى في أحسن تقويم وأسجد لأبيك الملائكة1 ، وسخر لك هذا الكون العظيم بليله ونهاره ، وشمسه وقمره ، ونجومه وكواكبه ، وبحاره وأنهاره وزروعه ، وغير ذلك كثيرٌ وكثير ، وفضلك على كثير ممن خلق تفضيلا ، فإذا علمت أن هذا هو واقعك وهذه هي مكانتك الرفيعة فلا بد أن تكون أفكارك و أقوالك وأفعالك سامية شامخة نحو المعالي فتُشَمَّر عن ساعد الجد وتسمو بنفسك إلى الأفضل في شأنك كله. [ قال الله تعالى : قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ * الآية
أيها الكريم إن الله تعالى قد أسجد لأبيك الملائكة تحيةً له وتكريما حيث قال سبحانه *وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا .. * ، وأخبر سبحانه أنه سخر لنا هذا الكون جميعا حيث قال تعالى : وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ . وقال سبحانه اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) . الآية بل حتى البحر وما فيه قد سخره الله لنا ! قال سبحانه وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) تأمل كيف قال في تلك الآيات السابقة كلمة " لكم " وكررها كثيراً !! نعم إنها لنا لنعمرها بطاعته فضلاً منه سبحانه وكرما فالحمد لله رب العالمين ...
مكانتُنا عالية فلنحذر من تضييع هذه المكانة العالية إلى المنازل الدانية ونهدم منزلتنا بأيدينا ؟ فإن قلت كيف نهدم مكانتنا ؟ فيقال بالعصيان لرب السماء والأرض نُنَزِل درجتنا ونخفض معدل ارتفاعنا وكلما ازددنا من المعاصي والآثام ازددنا نزولاً وانحداراً ! ، لكنَّ هذا لا يعني اليأس والقنوط أبداً فلا يخفاك أن لهذا النزول صعود مرة أخرى مهما فعلنا وأخطأنا ، فنحن نرتقي بالطاعة والتوبة والتغيير إلى الأفضل . أيها الإنسان خلقك الله في أحسن تقويم حيث قال جل في عُلاه * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ *فمن لي بمثلك أيها الفاضل ! فأنت في هيئة حسنة سامية مُكرَّمة من الكريم الذي حملك في البر والبحر ورزقك وفضلك على كثير ممن خلق تفضيلا قال سبحانه * وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا * كل هذه النصوص العظيمة سُقتها بين يديك لتعلم مكانتك و لتتغير إلى الأفضل فما الذي تنتظره ؟ الآن ابدأ فلا تُسوَّف لا تُؤجل فإن الوقت ثمين . علينا أن لا نحبس أنفسنا ولا ننطوي على أحزانِ ذكرياتٍ أليمة ، فإن أخطاء الماضي لا تحجز أحداً عن التغير والتغيير إلى الأفضل بل تلك الأخطاء هي دروس نستفيد منها ونأخذ العِبر منها ، ألا تعلم أن أبانا آدم عصى الله وأكل من الشجرة التي نهاه الله عنها لكنه لم يستسلم للخطأ بل تاب وأناب واعترف وتغير إلى الأفضل فملكه الله هذه الأرض وسخر له هذا الكون الفسيح ، هل تعلم حال كثير من الصحابة رضي الله عنهم قبل الإسلام وعدائهم الشديد له هل كان هذا حاجز لهم عن الإسلام والتوبة بالطبع لا فإنهم تغيروا وأسلموا فصاروا من أفضل الخلق حتى قال الله عنهم * وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وروى الإمام البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ، ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ» تغيروا إلى الأفضل فصاروا بهذه المنزلة العالية فلم يحجزهم ماضيهم عن أن ينالوا الرفعة في الدنيا والآخرة والسبب في هذا بعد الله هو التغيير إلى الأفضل الذي يجعلك إنساناً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين .
أيها الإنسان تأمل تاريخ بعض من تغيروا كيف كانوا قبل التغيير وكيف كانوا بعده !ليس من جانب ديني فقط بل حتى من جانب دنيوي مادي فهذا فقير أخذ بالأسباب ولم يلتفت للمثبطات بل صبر وصابر حتى فتح الله عليه ، وذاك شابٌ لا يعمل لكنه ذو همة عالية حتى حصل على وظيفة أو كافح في تجارة حتى نال مراده وهكذا فالتغيير إلى الأفضل إذا وضعته نصْب عينيك وعملت به بحزم وعزم فإنه ينقلك ويرفعك إلى رحاب الفلاح بإذن الله . التغيير منبعه وأساسه من النفس فلو أن كل ما في الدنيا أرادوا أن يُغيروك وأنت لا تريد فلن تتغير بإذن الله والعكس كذلك فلو أن كل ما في الدنيا أرادوا تجميدك وتثبيطك وأنت تريد أن تتغير إلى الأفضل فستتغير بإذن الله أخي الكريم غير نفسك إلى الأفضل مع الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه والتفكر في قدرته وملكوته لتزداد تعظيما وخوفا ورجاءً ، غير نفسك مع سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالتسليم لأقواله واتباعه أحسن الاتباع والاقتداء والاهتداء بهديه صلى الله عليه وسلم ، غير نفسك إلى الأفضل مع روحك وارتقِ بها نحو المعالي وخفِّف عنها نار الذنوب بالتوبة الصادقة لتنعم بروح هادئة وسكينة غامرة ، غير نفسك إلى الأفضل مع الصلاة وأدها بخشوع وحضور قلب فحتما ستغيرك الصلاة إلى خيرات كثيرة دنيا وآخرة ، غير نفسك إلى الأفضل مع فكرك فلا تضع فيه إلا الخير لأن العقل والفكر كما يقولون كالرحى ما تضع فيها تطحنه إن خيراً فخير وإن شراً فأنت الخاسر فالعقل يعتمل بما تفكر فيه فتخرج النتيجة بحسب ما فيه فاجعله يفكر بالخير والإيجابيات وأبعد عنه السلبيات من حسد وسوء ظن و من قلق وغضب ومخاوف وهموم وأحزان مبالغٌ فيها ، غير نفسك مع والديك براً ووفاءً غير نفسك إلى الأفضل مع أقاربك وأصدقائك . غير نفسك إلى الأفضل مع جميع الخلق بإحسان خُلُقك وتعاملك وأقوالك وأفعالك ألا ترى أن الله تعالى قال في محكم التنزيل * وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا * ما أعظم هذا الدين إنه يريدك أن تقول الأحسن ! ليست حسنه فحسب بل قال التي هي أحسن ، ابحث عن الأفضل في كل شيء واشمخ بأقوالك وأفعالك في كل لحظة من حياتك حتى مماتك ،( قال أحد السلف : إن استطعت أن تكون اليوم خيراً منك أمس وتكون غداً خيراً منك اليوم فافعل ) . بل المعاملة بالأحسن تشمل حتى مع الحيوان ففي صحيح الإمام مسلم عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» وأيضا المعاملة بالتي هي أحسن حتى مع أهل الكتاب غير الذين عاندوا فقد قال الله تعالى : وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ . بل حتى مع الذي بينك وبينه عداوة إذا عاملته بالتي هي أحسن انقلب انقلابا تاما من عدو لدود إلى ولي حميم قال الله تعالى وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ !! . الآية . الله أكبر ما أعظم تعاليم هذا الدين الحنيف .
وأخيراً لنحذر من فكرة أننا لا نتغير وأن هذا هو طبعُنا لا نتزَحْزح عنه مقدار أنمله ، فهذا ضرب من ضروب الخيال والأوهام التي جمدتنا على أخطائنا وتفكيرنا ! وبالأخص إذا كان ذلك الطبع سيئ وبمقدورنا وتحت استطاعتنا تغييره ، ألا ترى أن الكل يتغير ليلٌ يعقبه نهار ، شمس تشرق وتغرب ، وقمر ينير ويُظلِم ، ونجوم تظهر وتختفي ، وهكذا الكون في تغير مستمر ، وأنت أحد المخلوقات في هذا الكون الفسيح فلابد ثم لابد أن تتغير إلى الأفضل مهما كان سِنُّك ومهما كانت ظروفك وأحوالك فلتُشَمَّر عن ساعد الجد ، وابحث عن الأتقى والأنقى والأرقى لترقى وتفلح وتفوز دنياً وآخرى ، والحمد لله رب العالمين .
كتبه / فهد بن عبدالله العمرو أبو البراء / ...............
ahldawa@gmail.com
1- ذكره بنحو هذا المختصون بالتطوير والتغيير