19- إذا كان الصوم يزيد في حرارة الجسم فكيف ينقص الشهوة؟
قال ابن حجر:
( فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ )
بِكَسْرِ الْوَاوِ وَبِجِيمٍ وَمَدٍّ وَهُوَ رَضّ الْخُصْيَتَيْنِ ، وَقِيلَ رَضّ عُرُوقِهِمَا ، وَمَنْ يُفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ تَنْقَطِعُ شَهْوَته ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الصَّوْمَ قَامِع لِشَهْوَة النِّكَاح . وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الصَّوْمَ يَزِيدُ فِي تَهْيِيجِ الْحَرَارَةِ وَذَلِكَ مِمَّا يُثِيرُ الشَّهْوَةَ ، لَكِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَقَعُ فِي مَبْدَأِ الْأَمْرِ فَإِذَا تَمَادَى عَلَيْهِ وَاعْتَادَهُ سَكَن ذَلِكَ ، وَاللَّه أَعْلَمُ . فتح الباري /4/149/ الكتب العلمية 20 - معنى الصِّيَام جُنَّة
قال ابن حجر:
قَوْله : ( الصِّيَام جُنَّة )
... وَالْجُنَّة بِضَمِّ الْجِيم الْوِقَايَة وَالسَّتْر . وَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذِهِ الرِّوَايَات مُتَعَلَّق هَذَا السَّتْر وَأَنَّهُ مِنْ النَّار ، وَبِهَذَا جَزَمَ اِبْن عَبْد الْبَرّ .
وَأَمَّا صَاحِب " النِّهَايَة " فَقَالَ : مَعْنَى كَوْنه جُنَّة أَيْ يَقِي صَاحِبه مَا يُؤْذِيه مِنْ الشَّهَوَات .
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : جُنَّة أَيْ سُتْرَة ، يَعْنِي بِحَسَبِ مَشْرُوعِيَّته ، فَيَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَصُونَهُ مِمَّا يُفْسِدهُ وَيَنْقُص ثَوَابه ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بِقَوْلِهِ " فَإِذَا كَانَ يَوْم صَوْم أَحَدكُمْ فَلَا يَرْفُث إِلَخْ " ، وَيَصِحّ أَنْ يُرَاد أَنَّهُ سُتْرَة بِحَسَبِ فَائِدَته وَهُوَ إِضْعَاف شَهَوَات النَّفْس ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بِقَوْلِهِ " يَدَع شَهْوَته إِلَخْ " ، وَيَصِحّ أَنْ يُرَاد أَنَّهُ سُتْرَة بِحَسَبِ مَا يَحْصُل مِنْ الثَّوَاب وَتَضْعِيف الْحَسَنَات .
وَقَالَ عِيَاض فِي " الْإِكْمَال " : مَعْنَاهُ سُتْرَة مِنْ الْآثَام أَوْ مِنْ النَّار أَوْ مِنْ جَمِيع ذَلِكَ ، وَبِالْأَخِيرِ جَزَمَ النَّوَوِيّ . وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : إِنَّمَا كَانَ الصَّوْم جُنَّة مِنْ النَّار لِأَنَّهُ إِمْسَاك عَنْ الشَّهَوَات ، وَالنَّار مَحْفُوفَة بِالشَّهَوَاتِ . فَالْحَاصِل أَنَّهُ إِذَا كَفّ نَفْسه عَنْ الشَّهَوَات فِي الدُّنْيَا كَانَ ذَلِكَ سَاتِرًا لَهُ مِنْ النَّار فِي الْآخِرَة . فتح الباري /4/130/ الكتب العلمية هل تقال إني صائم باللسان او بالقلب؟
21- وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِم " هَلْ يُخَاطِب بِهَا الَّذِي يُكَلِّمهُ بِذَلِكَ أَوْ يَقُولهَا فِي نَفْسه ؟
وَبِالثَّانِي جَزَمَ الْمُتَوَلِّي وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيّ عَنْ الْأَئِمَّة ،
وَرَجَّحَ النَّوَوِيّ الْأَوَّل فِي " الْأَذْكَار " وَقَالَ فِي " شَرْح الْمُهَذَّب " كُلّ مِنْهُمَا حَسَن ، وَالْقَوْل بِاللِّسَانِ أَقْوَى وَلَوْ جَمَعَهُمَا لَكَانَ حَسَنًا ،
وَلِهَذَا التَّرَدُّد أَتَى الْبُخَارِيّ فِي تَرْجَمَته كَمَا سَيَأْتِي بَعْد أَبْوَاب بِالِاسْتِفْهَامِ فَقَالَ " بَاب هَلْ يَقُول إِنِّي صَائِم إِذَا شُتِمَ ؟ "
وَقَالَ الرُّويَانِيّ : إِنْ كَانَ رَمَضَان فَلْيَقُلْ بِلِسَانِهِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْره فَلْيَقُلْهُ فِي نَفْسه .
وَادَّعَى اِبْن الْعَرَبِيّ أَنَّ مَوْضِع الْخِلَاف فِي التَّطَوُّع . وَأَمَّا فِي الْفَرْض فَيَقُولهُ بِلِسَانِهِ قَطْعًا ،
وَأَمَّا تَكْرِير قَوْله " إِنِّي صَائِم " فَلْيَتَأَكَّد الِانْزِجَار مِنْهُ أَوْ مِمَّنْ يُخَاطِبهُ بِذَلِكَ . وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِم مَرَّتَيْنِ " يَقُولهُ مَرَّة بِقَلْبِهِ وَمَرَّة بِلِسَانِهِ ، فَيَسْتَفِيد بِقَوْلِهِ بِقَلْبِهِ كَفّ لِسَانه عَنْ خَصْمه وَبِقَوْلِهِ بِلِسَانِهِ كَفّ خَصْمه عَنْهُ . وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْقَوْل حَقِيقَة بِاللِّسَانِ ، وَأُجِيب بِأَنَّهُ لَا يَمْنَع الْمَجَاز ... فتح الباري /4/132/ الكتب العلمية