عرض مشاركة واحدة
قديم 06-25-2011, 10:38 PM   #8
داعية مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: المغرب/الدار البيضاء
المشاركات: 443
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى أبو عبد البر طارق دامي
افتراضي رد: شرح حديث لا عدوى ولا هامة ولا صفر/ ابن رجب الحنبلي


**توجيه حديث: لا عدوى ولا طيرة والشؤم في ثلاث في المرأة والدار والدابة**
فأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طيرة والشؤم في ثلاث في المرأة والدار والدابة" خرجاه في الصحيحين من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد اختلف الناس في معناه أيضا:
فروي عن عائشة رضي الله عنها أنها أنكرت هذا الحديث أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقالت:
إنما قال: كان أهل الجاهلية يقولون ذلك خرجه الإمام أحمد
وقال معمر سمعت من يفسر هذا الحديث يقول:
شؤم المرأة: إذا كانت غير ولود
وشؤم الفرس: إذا لم يكن يغزى عليه في سبيل الله
وشؤم الدار: جار السوء
وروي هذا المعنى مرفوعا من وجوه لا تصح
ومنهم من قال قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"لا شؤم وإن يكن اليمن في شيء ففي ثلاثة" فذكر هذه الثلاثة وقال هذه الرواية أشبه بأصول الشرع كذا قاله ابن عبد البر ولكن إسناد هذه الرواية لا يقاوم ذلك الإسناد.
و التحقيق أن يقال في إثبات الشؤم في هذه الثلاث: ما ذكرناه في النهي عن إيراد المريض على الصحيح والفرار من المجذوم ومن أرض الطاعون ,إن هذه الثلاث أسباب قدر الله تعالى بها الشؤم واليمن ويقرنه بها
ولهذا يشرع لمن استفاد زوجة أو أمة أو دابة أن يسأل الله تعالى من خيرها وخير ما جلبت عليه ويستعيذ به تعالى من شرها وشر ما جبلت عليه
كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي خرجه أبو داود وغيره
وكذا ينبغي لمن سكن دارا أن يفعل ذلك
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم قوما سكنوا دارا فَقَلَّ عددهم وقل مالهم أن يتركوها ذميمة
فتَرْك ما لا يجد الإنسان فيه بركة من دار أو زوجة أو دابة غير منهي عنه
وكذلك من اتجر في شيء فلم يربح فيه ثلاث مرات فإنه يتحول عنه روى ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه قال:
من بورك له في شيء فلا يتغير عنه
** تخصيص الشؤم بزمان دون زمان**
و أما تخصيص الشؤم بزمان دون زمان كشهر صفر أو غيره فغير صحيح
وإنما الزمان كله خلق الله تعالى وفيه تقع أفعال بني آدم فكل زمان شغله المؤمن بطاعة الله فهو زمان مبارك عليه
وكل زمان شغله العبد بمعصية الله فهو مشؤم عليه
فالشؤم في الحقيقة هو معصية الله تعالى
كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: إذا كان الشؤم في شيء ففيما بين اللحين ـ يعني اللسان ـ
وقال: ما من شيء أحوج إلى طول سجن من لسان
وقال عدي بن حاتم: أيمن أمرئ وأشأمة بين لحييه يعني لسانه
وفي الحديث: "إن البلاء والدعاء يلتقيان بين السماء والأرض فيعتلجان إلى يوم القيامة" خرجه البزار والحاكم
وخرج في الترمذي من حديث سلمان: "لا يرد القضاء إلا بالدعاء"
وقال ابن عباس: لا ينفع الحذر من القدر ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر
وعنه قال: الدعاء يدفع القدر وهو إذا دفع القدر فهو من القدر
وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الأدوية والرقى هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال: "هي من قدر الله تعالى"
وكذلك قال عمر رضي الله عنه لما رجع من الطاعون فقال له أبو عبيدة:
أفرارا من قدر الله؟
فقال عمر: نفر من قدر الله إلى قدر الله
فإن الله تعالى قدر المقادير ويقدر ما يدفع بعضها قبل وقوعه وكذلك الأذكار المشروعة تدفع البلاء.
وفي حديث عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من قال حين يصبح ويمسي: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم لم يصبه بلاء"
**لا شؤم إلا المعاصي والذنوب **
وفي الجملة: فلا شؤم إلا المعاصي والذنوب فإنها تسخط الله عز وجل فإذا سخط على عبده شقي في الدنيا والآخرة كما إنه إذا رضي عن عبده سعد في الدنيا والآخرة.
قال بعض الصالحين وقد شكي بلاء وقع في الناس فقال:
ما أرى ما أنتم فيه إلا بشؤم الذنوب
وقال أبو حازم: كل ما يشغلك عن الله من أهل أو مال أو ولد فهو عليك مشؤم
وقد قيل:
فلا كان ما يلهي عن الله أنه ... يضر ويؤذى إنه لمشؤم
فالشؤم في الحقيقة هو معصية الله واليمن هو طاعة الله وتقواه كما قيل:
إن رأيا دعا إلى طاعة الله ... لرأى مبارك ميمون
و العدوى التي تهلك من قاربها هي المعاصي ,فمن قاربها وخالطها وأصر عليها هلك وكذلك مخالطة أهل المعاصي ومن يحسن المعصية ويزينها ويدعو إليها من شياطين الإنس وهم أضر من شياطين الجن
قال بعض السلف: شيطان الجن نستعيذ بالله منه فينصرف وشيطان الإنس لا يبرح حتى يوقعك في المعصية
وفي الحديث: "يحشر المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"
وفي حديث آخر: "لا تصحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي" ومما يروى لعلي رضي الله عنه:
فلا تصحب أخا الجهـ ... ـل وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى ... حكيما حين آخاه
يقاس المرء بالمرء ... إذا ما المرء ماشاه
وللشيء على الشيء ... مقاييس وأشباه
وللقلب على القلب ... دليل حين يلقاه
فالعاصي مشؤم على نفسه وعلى غيره فإنه لا يؤمن أن ينزل عليه عذاب فيعم الناس خصوصا من لم ينكر عليه عمله فالبعد عنه متعين فإذا كثر الخبث هلك الناس عموما
وكذلك أماكن المعاصي وعقوباتها يتعين البعد عنها والهرب منها خشية نزول العذاب
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه لما مر على ديار ثمود بالحجر:
"لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين خشية أن يصيبكم ما أصابهم"
ولما تاب الذي قتل مائة نفس من بني إسرائيل وسأل العالم: هل له من توبة؟ قال له:
نعم فأمره أن ينتقل من قرية السوء إلى القرية الصالحة فأدركه الموت بينهما فاختصم فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فأوحى الله إليهم أن قيسوا بينهما فإلى أيهما كان أقرب فألحقوه بها فوجدوه إلى القرية الصالحة أقرب برمية حجر فغفر له.
هجران أماكن المعاصي وأخواتها من جملة الهجرة المأمور بها فإن المهاجر من هجر ما نهى الله عنه قال إبراهيم بن أدهم:
من أراد التوبة فليخرج من المظالم وليدع مخالطة من كان يخالطه وإلا لم ينل ما يريد.
احذروا الذنوب فإنها مشؤمة عواقبها ذميمة وعقوباتها أليمة والقلوب.
و المحبة لها سقيمة السلامة منها غنيمة والعافية منها ليس لها قيمة والبلية بها لا سيما بعد نزول الشيب داهية عظيمة.
__________________
أشكو إلى الله كما قد شكى ... أولاد يعقوب إلى يوسف
قد مسني الضر وأنت الذي ... تعلم حالي وترى موقفي
بضاعتي المزجاة محتاجة ... إلى سماح من كريم وفي
فقد أتى المسكين مستمطرا ... جودك فارحم ذله واعطف
فاوف كيلي وتصدق على ... هذا المقل البائس الأضعف
أبو عبد البر طارق دامي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس