عرض مشاركة واحدة
قديم 10-30-2011, 08:30 AM   #9
إداري
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 1,222
افتراضي رد: تبصير الناسك بأحكام المناسك ( تشمل عامة أحكام الحج مختصرة محررة ) للشيخ وليد السعيدان

مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن أول شيء يصنعه إذا قدم منى أن يؤم جمرة العقبة وهي آخر الجمرات أقصاهن من منى وأدناهن من مكة, وهي الجمرة الآخرة وقد تسمى الجمرة القصوى باعتبار من يؤمها من منى, وسمية جمرة العقبة لأنها في عقبة مأزم منى وخلفها من ناحية الشام وادٍ فيه بايع الأنصار رسول الله  بيعة العقبة, وقد ذكر الأصحاب أن رميها هذه الجمرة هو تحية منى, كما أن تحية البيت الطواف, ورمي جمرة العقبة من واجبات الحج بلا ريب, وذلك لأن النبي  رماها وقال (( لتأخذوا عني مناسككم )) والفعل إذا اقترن به أمر لساني فإنه يفيد الوجوب, أعني إذا كان الأمر القولي يفيد الوجوب, وقال الوزير وغيره أجمعوا – أي الأئمة الأربعة – على وجوب رمي جمرة العقبة يوم النحر خاصة بسبع حصيات ا.هـ. ويكون رميها بحصياتٍ مثل حصى الحذف, ويرميها واحدة بعد واحدة, فلو رماها دفعة واحدة لم يجزئه إلا عن واحدة فقط, قال في الإنصاف:- لا أعلم فيه خلافاً, وكذلك لو وضع السبع بيده في الحوض وضعاً, أي من غير رمي ولا طرح, قولاً واحداً لأنه خلاف الوارد ولا يسمى رمياً, ولا هو في معنى الرمي, والمقصود من الرمي إقامة ذكر الله تعالى, واتباع سنة النبي  وإحياء لسنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما في الحديث (( إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة والرمي لإقامة ذكر الله تعالى )) ويرميها مستقبلاً لها بجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه, هذا هو الذي صح عن رسول الله , وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود  أنه انتهى إلى جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ورمى بسبع, وقال:- هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة ولا تكون مكة عن يساره ومنى عن يمينه إلا وهو مستقبلاً للجمرة, والمقصود هو وقوع حصاة في المرمى, ولا يلزم أن تضرب الشاخص, بل المطلوب وقوعها في المرمى فقط وتكفي غلبة الظن في الوقوع, لأن القاعدة تقول:- غلبة الظن كافية في العمل, وهذه الغلبة مرجعها أمران:- الأول:- أن تكون رميته مواجهة للمرمى, الثاني:- أن تكون الرمية قوةً وتخفيفاً مناسبة لبعد المرمى وقربه فإذا تحقق هذان الأمران كفاه ذلك ولا يلزمه أن يتحقق التحقق اليقين من وقوع حصاته في المرمى فإن هذا من تكليف مالا يطاق وقد قال تعالى  لا يكلف الله نفساً إلا وسعها  وقد قدمنا أن هذه الجمرة لا ترمى إلا بعد طلوع الشمس بالنسبة للذكور الأقوياء والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أنه لا بأس بلقط الحصيات من المزدلفة, أي التي سترمى يوم النحر, وبعض أهل العلم يقول:- إن لقطها من المزدلفة مستحب واستدلوا لذلك بأمرين:- الأول:- حديث الفضل بن العباس رضي الله عنهما أن النبي  قال له غداه يوم النحر (( القط لي حصى )) فلقط له حصيات مثل حصى الحذف, وسنده صحيح, الثاني:- أنه إذا أتى إلى منى فالسنة له أن لا يشتغل بشيء قبل الرمي فاستحب له أن يأخذ الحصى من المزدلفة لئلا يشتغل عن الرمي بلقطه إذا أتى منى, ولكن أقول:- لا شك أنه إن أخذ الحصى من غير المزدلفة أنه يجزئه لأن اسم الحصى يقع عليه والله أعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن الأصل في العبادات الحظر والتوقيف, وأن الأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة الصريحة وبناءً عليه, فإن غسل الحصى ليس من السنة, بل إذا اعتقد أنه من القرب, فإنه قد أتى باب بدعة, لأنه  أمر بلقط الحصى ولم يثبت عنه  أنه أمر بغسلها أو غسلها هو, فلو كان غسل الحصى من الخير لدلنا عليه النبي  فإنه المشرع لنا بقوله وفعله وإقراره, وقد قال عليه الصلاة والسلام (( من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد )) ولمسلم (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) وقد تقرر في القواعد أن كل فعلٍ توفر سببه على عهد النبي  ولم يفعله فالمشروع تركه, وقد لقط الحصى في حجته وكان غسلها من الأمور المتيسرة بلا كلفة فلو كان غسلها مشروعاً لفعله فلما لم يفعله دل على أنه ليس بمشروع. فكما أن فعله  يأخذ منه تشريع, فكذلك تركه  يأخذ منه تشريع. والله أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن الأفضل في رمي جمرة العقبة أن يكون راكباً, وهذا مع تيسر الأمر, ولا أظنه في هذا الزمان متيسراً ولكن المقصود معرفة الأفضل, فإن تيسر لك أن ترمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً فإنه الأفضل, وذلك لأنه  رمى جمرة العقبة راكباً, فقد روى مسلم في صحيحه بسنده من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال:- رأيت رسول الله  يرمي على راحلته يوم النحر, ويقول (( خذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه )) وروى مسلم أيضاً في صحيحه بسنده من حديث يحيى بن حصين عن جدته أم الحصين قالت (( حججت مع رسول الله  حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة فانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة, أحدهما يقود راحلته والآخر رافع ثوبه على رسول الله  من الشمس,...الحديث )) وقال أبو داود في سننه:- حدثنا إبراهيم بن مهدي, حدثني علي بن مسهر عن يزيد بن أبي زياد, أخبرنا سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه قالت (( رأيت رسول الله  يرمي الجمرة من بطن الوادي وهو راكب يكبر مع كل حصاة...الحديث )) وفي لفظ له (( رأيت رسول الله  عند جمرة العقبة راكباً ورأيت بين أصابعه حجراً فرمى ورمى الناس ))"حديث صحيح" وهذا في رمي جمرة العقبة فقط وأما ما تبقى من الرمي في أيام التشريق فالأفضل فيها أن يكون ماشياً, هكذا نقل عنه , قال أبو داود في سنه:- حدثنا القعنبي قال حدثنا عبدالله – يعني ابن عمر – عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما (( أنه كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر ماشياً ذاهباً راجعاً ويخبر أن النبي  كان يفعل ذلك ))"حديث صحيح" ولكن كما ذكرت لك أن هذا فيما إذا تيسر له ذلك وإلا فليرم الإنسان حسب ما تيسر له, والله أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن المتقرر في القواعد أن الأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة الصريحة, وقد شرحناها في موضعٍ آخر, وبناءً عليه فالراجح المحفوف بالدليل والقاعدة أنه يجوز الرمي بحصاةٍ قد رمي بها, وذلك لأن الأصل في الأشياء الحل والإباحة إلا بدليل, ولا أعلم دليلاً صالحاً لإثبات الكراهة المدعاة من بعض أهل العلم رحمهم الله تعالى, فالحق الحقيق بالقبول هو جواز ذلك ولا حرج فيه وإن احتاط الإنسان فتورع عن ذلك فهو الأفضل عندنا ولا شك خروجاً من الخلاف ولكن لو أنه فعل ذلك فلا حرج عليه البتة ورميه صحيح لا غبار عليه, وذلك لأنه لم يثبت دليل صحيح صريح في كراهة الرمي بحصاة قد رمي بها, وأما قولهم:- إنها حصاة قد فعل بها عبادة, فليس بشيء إذ لا دليل يدل على كراهة إعادة العبادة بها مرة أخرى وليس الاستحسان طريقاً تعرف به الأحكام الشريعة, أما قولهم:- قياساً على الوضوء بماءٍ قد استعمل في طهارة, فليس بشيء أيضاً لأن القول الصحيح والرأي الراجح المليح جواز التطهر بماء قد تطهر به, ولا حرج في ذلك وقد شرحنا المسألة في موضع آخر والكراهة لا يجوز ادعاؤها إلا بدليل ولا أعلم إلى ساعتي هذه دليلاً صحيحاً صريحاً على هذه الكراهة لا من القرآن ولا من السنة ولا من هدي السلف ولا من الإجماع ولا من القياس الصحيح, فحيث لا دليل فالأصل عدم الكراهة لأن الأصل العدم, والأصل أن الأحكام الشرعية لا تثبت إلا بدليل الصحيح الصريح, والأصل هو البقاء على الأصل حتى يرد الناقل, فإن قلت:- ولماذا ادعيت الأفضلية في الرمي بحصاةٍ لم يرم بها مع عدم وجود الدليل على الكراهة؟ فأقول:- لأنك لو رميت بحصاةٍ لم يرم بها لما أنكر عليك أحد من أهل العلم, بل اتفق أهل العلم جميعاً على أنك قد فعلت ما أمرت به شرعاً وأما لو خالفت ورميت بحصاةٍ قد رمي بها لأنكر عليك من يمنع ذلك, وقد تقرر في القواعد أن فعل مااتفق عليه العلماء أولى من فعل ما انفرد به أحدهما ما أمكن, وهذا واضح, فالحق في هذه المسألة عدم الكراهة ولكن الأحسن أن لا ترمي إلا بحصاةٍ لم يرم بها والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن الشريعة مبنية على أصلين عظيمين هما قطب رحا الشريعة, الأول:- ألا نعبد إلا الله تعالى, الثاني:- أن لا نعبده إلا بما شرعه لنا نبيه  وبناءً عليه فليس من السنة الوقوف للدعاء بعد رمي جمرة العقبة لا في يوم النحر ولا في أيام التشريق بل السنة بعد رميها الانصراف, وذلك لأنه  رماها وانصرف, ونحن نفعل كما فعل من غير زيادة ولا نقصان, لأن العبادات مبناها على الاتباع والاقتفاء لا على الابتداع والابتداء, فنحن نتبع ولا نبتدع, ولا نزال بخير ماكنا على ذلك, فلا ينبغي لأحد أن يعتقد استحباب الدعاء في هذا الموطن بخصوصه, لأن الاستحباب حكم شرعي والأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة الصريحة, وقد تقرر في القواعد أن الأصل في العبادات الحظر والتوقيف, وأما من قاس الدعاء هنا على الدعاء بعد رمي الجمرة الأولى والثانية في أيام التشريق, فيقال له:- إن قياسك هذا باطل لأنه في مصادمة النص, وقد تقرر في القواعد أن القياس إذا صادم النص فإنه باطل, وتقرر في القواعد أيضاً أنه لا اجتهاد مع النص, فإن قال:- إنما فعلت دعاء والدعاء مطلوب في كل وقت, فيقال له:- نعم ولكن أنت تعتقد فضيلة الوقوف للدعاء في هذا الموطن بخصوصه, فهو شيء زائد على مجرد استحباب الدعاء وقد تقرر في القواعد أن شرعية الأصل لا تستلزم شرعية الوصف, فالدعاء الذي فعلته مشروع باعتبار أصله ولكنه ممنوع باعتبار وصفه وأنت خبير بأن العبادة لا تكون عبادة إلا إذا وافقت المشروع أصلاً ووصفاً, ولا يكتفى فقط باتفاق الأصل مع مخالفة الوصف, وبالجملة فلو كان الدعاء عند جمرة العقبة من الخير لدلنا عليه النبي  فإنه ماترك لنا وجهاً من وجوه الخير إلا دلنا عليه ولا شراً إلا حذرنا منه, فالحق الحقيق بالقبول أن الدعاء بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر وفي أيام التشريق ليس من السنة في شيء بل إذا أصر العبد عليه مع علمه بالحكم الشرعي معتقداً فضيلته في هذا الموطن بخصوصه فقد أتى ببدعة وأحدث في الدين ما ليس منه وقد تقرر في القواعد أن كل إحداثٍ في الدين فهو رد, والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- قاعدة:- ( من شك في نسكٍ يطلب فيه العدد فإنه يبني على غالب ظنه وإلا فعلى الأقل ) وقد شرحنا هذه القاعدة في ضوابط كتاب الحج من كتابنا إتحاف النبهاء في شرح ضوابط الفقهاء, وبيانها أن يقال:- إن من أنساك الحج ما يطلب فيه العدد كالطواف والسعي والرمي, ومع الغفلة والسهو ومعاركة الزحام قد يداخل الإنسان شك في شيء من عدد ذلك, فإذا ورد عليك شك في العدد فتعامل معه بحالتين:- الأولى:- أن تبني أولاً على غالب ظنك, فإن كان عندك غلبة ظن فاعمل بها تقبل الله منا ومنك, وغلبة الظن تكون بعد النظر في القرائن, فإذا توصلت بعد النظر في القرائن إلى غلبة الظن فاعمل بها, ولا يجب عليك إلا ذلك وذلك لأنه قد تقرر في القواعد أن غلبة الظن كافية في العمل, وتقرر أيضاً أن غلبة الظن منزلة منزلة اليقين, الثانية:- إذا لم يغلب على ظنك شيء ولا تزال في دائرة الشك ولم يترجح عندك أحد الطرفين, ففي هذه الحالة يجب عليك أن تطرح الزائد وتعمل بالأقل, وذلك لأن الأقل متيقن لأنه لم يحصل الشك فيه وإنما الشك حصل في الزيادة وقد تقرر في القواعد أن اليقين لا يزول بالشك, ولأنك شاك في الشيء الزائد هل فعلته أم لم تفعله؟ وقد تقرر في القواعد أن من شك هل فعل أو لم يفعل فالأصل أنه لم يفعل, فهذا هو طريقة التعامل الصحيحة فيما إذا طرأ عليك شك في نسكٍ يطلب فيه العدد, ولكن أنبهك لأمرٍ مهم في الحالة الثانية:- وهو أن هذا الشك الذي أدى بنا إلى البناء على الأقل إنما هو الشك الصادر في أثناء العبادة ومن رجل معتدل الشك, وبناءً عليه فلو أن الشك لم يطرأ عليك إلا بعد الفراغ من هذا النسك, فإنه لا اعتداد به ولا تلتفت إليه مطلقاً والهُ عنه واشغل نفسك وتفكيرك بغيره, ولا تصرف له أي نوعٍ من أنواع الهمة لأن الأصل أن المسلم قد فعل العبادة على وجه المأمور به شرعاً, ولأن الشيطان حريص على أن يدخل على النفس ما ينكدها ويكدر صفو تعبدها, فلا تفتح له الأبواب وكذلك إذا كان الرجل مصاباً بكثرة الشكوك والوساوس فإن هذا الرجل لو أعملنا شكه واعتبرناه لأهلكناه وقتلناه وزدنا في علته ووجعه, بل علاجه أن لا يلتفت إلى شكه مطلقاً لا أثناء العبادة ولا بعدها,ولذلك قرر أهل العلم هذه القاعدة التي تقول:- ( لا يعتبر الشك بعد الفعل ومن كثير الشك ) وفيها قال الناظم:-

وبناءً عليه فإذا طفت وشككت هل أنت في الشوط الرابع أو الخامس؟ فاعمل بما يغلب على ظنك أولاً, فإن لم تكن عندك غلبة ظن فاعمل بالأقل, فأنت الآن في الشوط الرابع, وإذا سعيت وشككت هل سعيت خمساً أم ستاً؟ فاعمل بغالب ظنك أولاً وإلا فابني على الأقل دائماً, وإذا رميت وشككت هل رميت خمساً أم ستاً فاعمل بما يغلب على ظنك أولاً, وإلا فاعمل بالأقل دائماً, وهكذا والله أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن الشريعة مبناها على التيسير لا على التعسير وعلى التخفيف لا الإثقال, ولذلك فقد تقرر في القواعد أنه لا واجب مع العجز ولا محرم مع الضرورة وتقرر أيضاً أنه إذا ضاق الأمر اتسع, وتقرر أيضاً أن المأمور مناط بالاستطاعة قال تعالى  فاتقوا الله ما استطعتم  وقال تعالى  لا يكلف الله نفساً إلا وسعها  وقال عليه الصلاة والسلام (( إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم )) وتقرر أيضاً أن التكاليف مشروطة بالقدرة على العلم والعمل, وبناءً عليه فالأصل في الرمي أن يرمي كل حاجٍ عن نفسه, ولا يجوز لأحد أن يوكل أحداً في الرمي عنه هذا هو الأصل, لكن قد يعرض للعبد حالة لا يستطيع معها أن يرمي عن نفسه كمرضٍ ونحوه, فإذا كان هذا العذر مانعاً له من الرمي عن نفسه فليوكل غيره بالرمي, وهذا من تخفيف الله على عباده ولله الحمد والمنة, وقد تقرر في القواعد أن المشقة تجلب التيسير, وتقرر أيضاً أنه إذا تعذر الأصل فإنه يصار إلى البدل, ويقاس على المرض ما كان في معناه من الأعذار المانعة من الرمي, كالكبر والحمل والصغر ونحو هذه الأعذار, وهو مذهب كثير من أهل العلم رحمهم الله تعالى, والأصل فيه مارواه ابن ماجه في سننه قال:- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبدالله بن نمير عن أشعث عن أبي الزبير عن جابر  قال (( حججنا مع رسول الله  ومعنا النساء والصبيان, فلبينا عن الصبيان ورمينا عنه )) ورجال هذا الإسناد ثقات معروفون إلا أشعث وهو ابن سوار الكندي النجار الكوفي مولى ثقيف فقد ضعفه غير واحد, ومسلم إنما أخرج له في المتابعات, وهو ممن يعتبر بحديثه كما يدل على ذلك إخراج مسلم له في المتابعات وروى الدورقي عن يحيى:- أشعث بن سوار الكوفي ثقة, وقال ابن عدي:- لم أجد لأشعث متناً منكراً وإنما يغلط في الأحايين في الأسانيد ويخالف. والحديث قد ضعفه الإمام الألباني رحمه الله تعالى, وقال ابن حجر عن أشعث هذا في التقريب ( ضعيف ) فإذا ثبت ذعف الحديث فلا نستدل به وإنما الدليل يكون بالأدلة والقواعد الدالة على التخفيف والتيسير وقد قدمنا لك طرفاً منها في أول المسألة, وقد سئل سماحة الوالد الشيخ عبدالعزيز بن باز رفع الله درجته في الفردوس الأعلى عن حكم الاستنابة في رمي الجمار للعاجز عن مباشرة الرمي لمرض أو نحوه؟ فقال:- ( نعم تجوز الاستنابة في رمي الجمار للعاجز عن مباشرة ذلك لمرضٍ أو كبر سن أو لصغر وكذا لم يخشى على غيره كالحامل وذات الطفل التي لا تجد من يحفظ طفلها حتى ترجع لما عليهما من الخطر والضرر في مزاحمة الناس وقت الرمي, وقد نص أهل العلم على هذه المسألة, واحتجوا عليها بما رواه أحمد وابن ماجه عن جابر  أنه قال:- أحرمنا عن الصبيان ورمينا عنهم, ومن الحجة على ذلك أيضاًَ قوله تعالى  فاتقوا الله ما استطعتم  وقوله عليه الصلاة والسلام (( لا ضرر ولا ضرار )) ا.هـ. كلامه رحمه الله تعالى. وقد ذكر بعض أهل العلم دليلاً حسناً في هذا فقال:- إن الاستنابة في أصل الحج جائزة للمريض الذي لا يستطيع الحج بنفسه فإذا جاز التوكيل في أصل الحج فلأن يجوز التوكيل في الرمي الذي هو بعض الحج من باب أولى, وبالجملة فالصحيح في هذه المسألة هو جواز التوكيل ويدخل تحت هذا الجواز عدة فروع :-
الأول :- المريض الذي مرضه يمنعه من الذهاب للرمي ومزاحمة الناس إذا لم يستطع الرمي من الليل إن كان المرمى لا زحام فيه .
الثاني :- المغمى عليه طيلة أيام التشريق فإنه يرمى عنه بعض الحجاج لأنه الآن عاجز عن الرمي وسيفوته الوقت لو لم يرم عنه أحد .
الثالث:- الكبير في السن الذي لا يستطيع الدخول في زحام الناس ويغلب على ظنه الهلكة لو رمى بنفسه .
الرابع :- الصغير الذي لا يستطيع الرمي بنفسه لصغر سنه وضعف قوته, لا سيما وأن الرمي بالليل الآن صار ذا زحامٍ شديد فقد لا يستطيع الصغير مزاحمة الناس حتى بعد منتصف ليلة المزدلفة, فيرمي عنه وليه أو بعض الحجاج بالوكالة, لأنه لا ضرر ولا ضرار.
الخامس :- من كسر في قدمه كسراً يعيقه عن الذهاب للرمي ومزاحمة الناس فإنه يوكل من يرمي عنه ولا يكلف الله إلا وسعها .
السادس :- من كان مرافقاً للمريض لا يستغنى عنها وليس ثمة أحد يعقبه في هذه المرافقة حتى يرمي ويرجع, فلا حرج عليه في هذه الحالة أن يوكل من يرمي عنه, هذا إذا طال زمن المرافقة وأما إذا كانت تستغرق أيام التشريق فلا حرج عليه أن يؤخر رمي يومٍ ليرميه في اليوم الذي بعده, فإن مراعاة النفس البشرية أولى من مراعاة حال البهائم والقياس الأولوي حجة, فإذا جاز ذلك للرعاة تأخير الرمي يوماً لمراعاة حال البهائم فكيف بمراعاة النفس الآدمية, وأما إذا طال زمن المرافقة واستغرق كل أيام التشريق فلا بأس عليه أن يوكل من يرمي عنه, ولكن كما ذكرت لك:- هذا التوكيل مشروط بثلاثة شروط:- الأول:- أن تكون مرافقة لا يستغنى عنها, الثاني:- أن لا يجد بدلاً عنه يعقبه مدة ذهابه للرمي ورجوعه, الثالث:- أن يطول زمنها, والله أعلم .
السابع :- المرأة الحامل الذي لاتستطيع الرمي, خوفاً على نفسها أو خوفاً على ولدها فيجوز لها التوكيل لاسيما في هذا الزحام الشديد فإن التدافع قد يؤدي إلى إسقاط جنينها كما هو معروف .
الثامن :- المرأة المرضع ذات الطفل إذا لم تجد من يمسك طفلها حتى ترمي وتعود فيجوز لها التوكيل. وعلى ذلك فقس وهذا كله داخل تحت أصل عظيم من أصول الشريعة وهو ( رفع الحرج ) والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أنه إذا زال عذر المستنيب ولا تزال أيام الرمي باقية أنه لا يلزمه إعادة الرمي, وذلك لأنه قام بما وجب عليه شرعاً, ومن قام بما وجب عليه شرعاً فإنه لا يلزمه الإعادة, ولاسيما أن الانتقال من الأصل إلى البدل هنا انتقال رخصة لا انتقال ضرورة, كمن قدر على الهدي بعد الشروع في الصيام فإنه لا يلزمه الهدي بل يكمل أيام صومه وكمن كفر بالصيام عن يمينه لعجزه عن الإطعام والكسوة ثم قدر عليهما في أثناء الصيام فإنه لا يلزمه الانتقال لهما بل يكمل أيام صومه, وأزيدك إيضاحاً فأقول:- إن الانتقال من الأصل إلى البدل لا يخلوا من حالتين:- إما أن يكون انتقال ضرورة وإما أن يكون انتقال رخصة, فإذا كان انتقال ضرورة فإنه يلزمه عند زوال العذر الانتقال إلى الأصل ولو في أثناء فعل البدل كمن قدر على التطهر بالماء وقد صلى بالتيمم وكمن قدرت على الاعتداد بالحيض وقد بدأت بالاعتداد بالأشهر, وأما إذا كان الانتقال انتقال رخصة وتوسع فلا يلزمه العودة إلى الأصل بعد الشروع في بدله كما مثلنا سابقاً, ولأنه قد تقرر في الشريعة أن الجواز ينافي الضمان, ونحن قد أجزنا له بالأدلة أن يوكل غيره, فحيث اجزنا له ذلك فإنه لاضمان عليه في إعادة الرمي بعد زوال العذر, ولأنه حال توكيله كان يغلب على ظنه أنه لا يقدر على الرمي وزوال العذر من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله, وغلبة الظن كافية في العمل, ولأن إعادة الرمي دليل على نقض رمي وكيله, وقد وقع رمي وكيله صحيحاً, وما وقع صحيحاً فلا يجوز نقضه إلا ببينة صحيحة صريحة لأن العبادة المنعقدة بالدليل لا تنقض إلا بالدليل ولأن رمي وكيله منزل منزلة رميه هو بنفسه وقد برأت ذمته برمي وكيله عنه, فأمرنا له بالإعادة إعمار لذمته مرة أخرى, والأصل براءة الذمة بالرمي الأول. فقد سقط وجوب الرمي عنه بالرمي الأول فأين الدليل الدال على إعمار ذمته بوجوب آخر, ولأن العبد لم يطالب إلا برمي واحد, وقد رمى بالوكالة فلو أوجبنا عليه رمياً آخر نكون بذلك قد أوجبنا عليه رميين والأصل أنه رمي واحد فأين الدليل الموجب لرمي آخر ولأن وجوب رمي آخر عليه حكم شرعي والأصل في الأحكام الشرعية التوقيف, ولا نعلم دليلاً يصلح أن يكون سنداً لهذا الوجوب الجديد فالأصل عدمه, وما كان الأصل عدمه فثبوته يفتقر لدليل صحيح صريح, وحيث لا دليل فالأصل هو صحة الرمي الأول والاكتفاء به والله أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن رمي جمرة العقبة له وقتان وقت ابتداء ووقت انتهاء فأما وقت الابتداء بالنسبة للضعفة ومن في حكمهم فإنه من منتصف ليلة يوم النحر أو من مغيب القمر تلك الليلة, وأما وقته بالنسبة للأقوياء فإنه من طلوع الشمس, وقد قدمنا الأدلة على ذلك, وأما انتهاؤه, فلا أعلم إلى ساعتي هذه دليلاً يفيد أنه ينتهي إلى وقت كذا وكذا, ولكن نجزم جزماً أنه يستمر إلى غروب الشمس يوم النحر, وذلك للإجماع. قال ابن عبدالبر رحمه الله تعالى:- أجمع أهل العلم على أن من رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها وإن لم يكن مستحباً لها, ذكره ابن قدامة عنه في المغني. فهذا الوقت مجزوم به للإجماع المذكور وقد تقرر في الأصول أن الإجماع حجة شرعية يجب قبولها والمصير إليها وتحرم مخالفتها, وأما تأخير الرمي إلى مابعد غروب الشمس فقد اشتد خلاف أهل العلم فيه, والراجح إن شاء الله تعالى هو استمرار وقت رمي جمرة العقبة إلى آخر الليل أي قبل طلوع الفجر من اليوم الحادي عشر, وبهذا أفتى أهل العلم في زماننا وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى والدليل على ذلك عدم الدليل المانع والأصل التوسعة على الناس فيما لم يرد فيه نص صحيح صريح, ولاسيما مع شدة الزحام, وقد تقرر في القواعد أن رفع الحرج أصل من أصول الشريعة وما خير  بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثماً ولا إثم في الرمي ليلاً, إذ لا دليل يمنعه والأصل عدم المنع, والمنع حكم شرعي والأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة, ولأنه  أجازة للرعاة أن يتخلفوا عن رمي يوم كامل ويرموه في اليوم الذي بعده من أجل مراعاة حال البهائم ورحمة بها وشفقة عليها, فلأن يجوز الرمي ليلاً مراعاة لحال الآدميين حتى لا يقتل بعضهم بعضاً من باب أولى, بل من باب أوجب وقد تقرر في الأصول أن القياس الأولوي حجة, ولم نعلم على مدى السنين التي حججناها أن أحداً مات في الرمي ليلاً, وإنما الآفة تكون بالرمي ضحىً فإنه تزدحم على الجمرة الأعداد الكثيرة والجموع الغفيرة, ويحصل من الزحام والتدافع والتقاتل والأذى ما الله به عليم, فكان المناسب شرعاً التوسعة على الناس في ذلك فيقال لهم :- لا بأس بتأخير الرمي إلى قبيل الفجر من يوم الحادي عشر, فإن الناس إذا علموا بذلك وفقهوه وتعودوا عليه سهل عليهم الأمر ولانت لهم هذه الشعيرة, وأما زحم الناس في وقت الضيق بلا دليل فإن هذا من التعدي والعدوان, فالراجح جواز الرمي ليلاً وأن وقت رمي جمرة العقبة يمتد إلى طلوع الفجر من يوم الحادي عشر فمن رماها في هذا الوقت فقد أصاب النسك ويستدل عليه أيضاً بحديث (( رميت بعد ما أمسيت )) فقال (( لا حرج )) وهو حديث صحيح, ولكن عليه مناقشات في صراحته جعلتنا نؤخره إلى آخر المسألة والله أعلم . والصحيح أيضاً أن من أخر رمي جمرة العقبة إلى الليل ورماها فإن رميه هذا أداء لا رمي قضاء على الصحيح من أقوال أهل العلم لأن القضاء فعل العبادة بعد خروج وقتها, والليل وقت للرمي , فالرمي في الليل رمي في الوقت لا رمي خارج الوقت فيكون أداءً لا قضاء والله ربنا أعلى وأعلم .
مسألة :- قاعدة ( أعمال يوم النحر مبناها على التوسعة ) وقد شرحناها في ضوابط الحج من إتحاف النبهاء, وبيانه أن يقال:- إن يوم النحر هو يوم الحج الأكبر على الصحيح من أقوال أهل العلم رحمهم الله تعالى, وذلك لأن غالب أعمال الحج فيه وهي كما يلي:- الرمي – أي رمي جمرة العقبة - , فذبح الهدي, فالحلق أو التقصير, فالطواف أي طواف الإفاضة ثم السعي لمن عليه السعي, فهذه هي المرادة بقولنا ( أعمال يوم النحر ) وأما قولنا ( مبناها على التوسعة ) أي أن العبد إذا قدم بعضها على بعض فلا بأس عليه, وهذا من رحمة الله تعالى بعباده, ومن إرادة التخفيف عليهم, لكن الأفضل للحاج أن يحرص كل الحرص على الترتيب الوارد عنه  لأنه أكمل وأتم وأحسن, لكن لو خالف وقدم بعضها على بعض فلا حرج عليه, لأن مبناها على التوسعة وعلى ذلك وردت الأدلة الصحيحة الصريحة, ففي الصحيحين من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص قال:- وقف رسول الله  في حجة الوداع بمنىً للناس يسألونه, فجاء رجل فقال يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أنحر فقال (( اذبح ولا حرج )) ثم جاءه رجل آخر فقال يا رسول الله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي فقال(( ارم ولا حرج )) قال:- فما سئل رسول الله  عن شيء قدم ولا أخر إلا قال (( افعل ولا حرج )) وقوله (( لا حرج )) نكرة في سياق النفي فيعم كل أنواع الحرج فلا إثم ولا فدية ولا أي شيء من أنواع الحرج لأن المتقرر في الأصول أن النكرة في سياق النفي تعم. وعنه  قال:- وقف رسول الله  على راحلته, فطفق ناس يسألونه فيقول القائل منهم يا رسول الله لم أكن أشعر أن الرمي قبل النحر فنحرت قبل الرمي فقال رسول الله  (( فارم ولا حرج )) قال:- وطفق آخر يقول:- إني لم أشعر أن النحر قبل الحلق فحلقت قبل أن أنحر فيقول (( انحر ولا حرج )) فما سمعته سئل يومئذٍ عن أمرٍ مما ينسى المرء ويجهل من تقديم بعض الأمور قبل بعض وأشباهها إلا قال رسول الله  (( افعلوا ولا حرج )) وعنه  قال سمعت رسول الله  وأتاه رجل يوم النحر وهو واقف عند الجمرة فقال يا رسول الله حلقت قبل أن أرمي؟ فقال (( ارم ولا حرج )) وأتاه آخر فقال إني ذبحت قبل أن أرمي فقال (( ارم ولا حرج )) وأتاه آخر فقال:- إني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي فقال (( ارم ولا حرج )) قال:- فما رأيته سئل يومئذٍ عن شيء إلا قال (( افعلوا ولا حرج )) ولمسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي  قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال (( لا حرج )) وفي بعض طرق البخاري عن ابن عباس في هذا الحديث:- زرت قبل أن أرمي قال (( لا حرج )) فقال آخر:- رميت بعد ما أمسيت؟ قال (( لا حرج )) وللبخاري من حديث جابر  تعليقاً:- سئل رسول الله  عن من حلق قبل أن يذبح ونحوه فقال (( لا حرج, لا حرج )) وقال أبو داود في سننه:- حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا جرير عن الشيباني عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك قال خرجت مع رسول الله  حاجاً فكان الناس يأتونه فمن قال:- يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف أو قدمت شيئاً أو أخرت شيئاً فكان يقول (( لا حرج, لا حرج إلا على رجل اقترض عرض رجل مسلم وهو ظالم فذلك الذي حرج وهلك ))"حديث صحيح". وبناءً على ذلك فمن طاف قبل رمي جمرة العقبة فليرم ولا حرج, ومن سعى قبل طواف الإفاضة فليطف الإفاضة ولا حرج, ومن حلق قبل الرمي فليرم الجمرة ولا حرج, ومن ذبح قبل الرمي فليرم الجمرة ولا حرج, ومن طاف قبل الحلق فليحلق ولا حرج, ومن طاف قبل النحر فلينحر ولا حرج, وعلى ذلك فقس, وهذا من نعمة الله وتوفيقه لهذه الأمة ورحمته بها زادها الله شرفاً ورفعة والحمد لله أولا ً وآخراً وظاهراً وباطناً والله ربنا أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم أرشدك الله لطاعته أن الحلق في الحج أفضل من التقصير, وهذا لا نعلم فيه مخالفاً والمقصود في حق الرجال لا النساء, والدليل على ذلك ما في الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال:- حلق رسول الله  وحلق طائفة من أصحابه وقصر بعضهم, قال عبدالله:- إن رسول الله  قال (( يرحم الله المحلقين )) مرة أو مرتين ثم قال (( والمقصرين )) وفي لفظ:- أن رسول الله  قال (( رحم الله المحلقين )) قالوا:- والمقصرين يا رسول الله, قال (( رحم الله المحلقين )) قالوا:- والمقصرين يا رسول الله, قال (( رحم الله المحلقين )) قالوا:- والمقصرين يا رسول الله قال (( والمقصرين )) وفي رواية:- فلما كانت الرابعة قال (( والمقصرين )) ولهما من حديث أبي هريرة  قال قال رسول الله  (( اللهم اغفر للمحلقين )) قالوا:- وللمقصرين, قال (( اللهم اغفر للمحلقين )) قالوا:- يا رسول الله وللمقصرين, قال (( اللهم اغفر للمحلقين )) قالوا:- يا رسول الله وللمقصرين, قال (( وللمقصرين )) وروى مسلم في صحيحه بسنده عن أم الحصين أنها (( سمعت رسول الله  في حجة الوداع دعا للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة واحدة )) وفي المتفق عليه من حديث ابن عمر (( أن رسول الله  حلق رأسه في حجة الوداع )) وأما النساء فالتقصير هو المشروع في حقهن لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله  (( ليس على النساء حلق, إنما على النساء التقصير ))"حديث صحيح". واعلم رحمك الله تعالى أن الأفضل في الحلق أو التقصير الابتداء بشق الرأس الأيمن ثم الأيسر لحديث أنس بن مالك  أن رسول الله  أتى منىً فأتى الجمرة فرماها, ثم أتى منزله ونحر ثم قال للحلاق (( خذ )) وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر...الحديث ))"رواه مسلم" وقد تقرر في القواعد أن اليمين تقدم في كل ماكان من باب التكريم والتزيين واليسرى فيما عداه وقد شرحناه في مواضع أخرى. واعلم أن التقصير لا بد أن يكون من عامة الرأس لا من بعض جوانبه فقط, كما يفعله بعض الجهلة, واعلم أن التقصير يكون أفضل في حالة واحدة فقط وهي تقصير التحلل من عمرة التمتع, وذلك ليجعل الحلق في التحلل من حجه لأن هذا أكمل, وهو الوارد عن السلف من الصحابة والتابعين, واعلم أن الحلق أو التقصير من جملة أنساك الحج على القول الصحيح فهو واجب من واجبات الحج, واعلم أن الأصلع الذي لا شعر له أصلاً لا يجب عليه شيء, لأن الحلق إنما يجب على من رأسه شعر وهذا لا شعر له وقد تقرر في القواعد أنه لا واجب مع العجز, ولأن من شروط التكليف أن يكون بتحصيل ما ليس بحاصل والأصلع قد حصل زوال شعره سابقاُ فكيف يكلف بإزالته وقد زال, فإن تحصيل ماهو حاصل من تكليف مالا يطاق ولا تأتي الشريعة به البتة, ولأن المتقرر في القواعد أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً وعلة الحلق أو التقصير أخذ شيء من الرأس ليحصل التحلل,وهذا فيمن كان له شعر لوجود العلة التي هو وجود الشعر وأما الأصلع فلا شعر له فقد زالت العلة فيزول الحكم بزوالها, فلا حلق لعدم الشعر, وأما من قال:- بأنه يمر الموسى على شعره, فهذا شيء لا دليل عليه وإنما هو استحسان منه, وقد تقرر أن الاستحسان لا مدخل له في التشريع مالم يستند إلى نص, ولأن حركة الموسى لا يتعبد بها لذاتها حتى نقول بذلك وإنما حركة الموسى لانتزاع الشعر, والأصلع لا شعر له حتى ينتزع, فيكون أمرنا له بهذه الحركة التي لا فائدة منها عبث لا طائل من ورائه, ولأن استحبابنا له تحريك الموسى على رأسه إثبات لحكم شرعي والحكم الشرعي لا يثبت إلا بدليل صحيح صريح, ولأن الأصل في الذمة البراءة فأين الدليل الذي يعمرها بوجوب إمرار الموسى على الرأس أو استحبابه؟ فحيث لا دليل فالأصل عدم الوجوب والأصل عدم الاستحباب, فالصحيح في هذه المسألة أن الأصلع الذي لا شعر له لا يلزمه شيء لا من باب الوجوب ولا من باب الاستحباب, والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في الشيء الذي يحصل به التحلل الأول والمراد بالتحلل الأول أي أن بعض ما كان حراماً عليه بالإحرام صار حلالاً, ويقابله التحلل الثاني وهو أن تحل له جميع محظورات الإحرام, فالتحلل الأول يحصل به حل بعض هذه المحظورات والتحلل الثاني يحصل به حل جميع المحظورات, والمسألة الآن فيما يحصل به التحلل الأول, وقد اختلف أهل العلم في ذلك على مذاهب ولكن أقول:- اعلم أولاً أن الأصل بقاء حكم الإحرام حتى يكمل الحاج جميع نسكه, هذا هو الأصل لأنه إنما أحرم ليؤدي هذه المناسك من طواف وسعي ووقوف بعرفة ومبيت بمنى ومزدلفة ورمي وهو في حال الإحرام, فالأصل إذاً بقاء حكم الإحرام, ولأن المتقرر في القواعد أن الأصل هو البقاء على الأصل حتى يرد الناقل والأصل الذي يجب البقاء عليه هنا هو حكم الإحرام, ولأنه قد تقرر في القواعد أيضاً أن اليقين لا يزول بالشك والمتيقن هنا هو أنه محرم فلا يجوز أن نلقي هذا الحكم المتيقن بمجرد الشكوك والأوهام والنقول الواهية الضعيفة أو الآراء التي لم تبن على علمٍ ولا على بصيرة, ولأنه قد تقرر في القواعد أيضاً أن الأصل بقاء ما كان على ما كان, وأن الحالة السابقة مستصحبة في الحالة الراهنة وأنت تعلم أن الإحرام هو ما كان, فالأصل بقاؤه على ما كان, أي كما أن حكم الإحرام ثابت في السابق فإنه أيضاً يثبت الآن, ومن رفعه إجمالاً أو رفع شيئاً منه فإنه مطالب بالدليل, لأن المتقرر في القاعدة:- أن الدليل يطلب من الناقل عن الأصل لا من الثابت عليه, وبناءً على ذلك فأقول:- نحن لا نطالب من قال بأنه محرم بشيء من الأدلة لأنه جار على الأصل المتقرر وإنما نطالب من قال, قد حل التحلل الأول بالدليل المثبت لهذه الدعوى فإن جاء به صحيحاً صريحاً فعلى العين والرأس ونكون باعتماده قد انتقلنا عن اليقين الأول باليقين الثاني, ونحقق بذلك القاعدة التي تقول:- اليقين لا يزول إلا باليقين وأما إذا كان الدليل الذي يستدل به من قال بالتحلل لا يصلح أن يعتمد عليه إما لعدم صحة سنده أو لعدم صراحة متنه وولالته ,فنعتذر عن القول بالتحلل لأنه خلاف الأصل, فانتبه لهذه المسألة فإن المنبه عليها قليل وبالله التوفيق فهذا أولاً, وأما ثانياً:- فاعلم رحمك الله تعالى أن أهل العلم اتفقوا على أن محظور الوطء لا يكون حلالاً إلا بالفراغ من سائر أنساك الحج عدا طواف الوداع, فلا يكون الوطء حلالاً بإجماع أهل العلم إلا بعد الرمي والنحر والحلق والطواف, والسعي لمن عليه سعي, هذا مالا نعلم فيه خلافاً وإنما الخلاف حصل في غير الوطء, وأما ثالثاً:- استدل من قال بأن التحلل الأول يحصل بعد رمي جمرة العقبة فقط, فإذا رمى الحاج جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء, استدلوا بحديث ابن عباس الذي رواه أحمد والنسائي وابن ماجه, قال ابن ماجه في سننه:- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا, حدثنا وكيع ( ح ) وحدثنا أبو بكر خلادٍ الباهلي قال حدثنا يحيى بن سعيد ووكيع وعبدالرحمن بن مهدي قالوا:- حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن الحسن العرني عن ابن عباس قال (( إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيءٍ إلا النساء, فقال له رجل:- ياابن عباس والطيب, فقال:- أما أنا فقد رأيت رسول الله  يضمخ رأسه بالمسك, أفطيب ذلك أم لا؟ )) وهذا الحديث كما ترى رجال إسناده ثقات, ولكن له علتان:-
الأولى:- الانقطاع بين الحسن العرني وابن عباس, فإن الحسن العرني رحمه الله تعالى لم يدرك ابن عباس قاله أبو حاتم, وقال الإمام أحمد:- لم يسمع منه, وأنت خبير بأن هذا الانقطاع سبب قوي من أسباب تضعيف هذا الحديث.
الثانية:- الاختلاف في رفعه ووقفه, فإن أكثر الرواة عن سفيان أوقفوه على ابن عباس رضي الله عنهما ولم يرفعه إلا وكيع في الرواية وأما في روايته الثانية المقرونة بعبدالرحمن بن مهدي فإنها موقوفة أيضاً, فالأشبه بالصواب أن حديث ابن عباس هذا موقوف, وأن رفعه خطأ, والدليل على أنه موقوف أن ابن عباس احتاج لتأييد كلامه بقوله (( أما أنا فقد رأيت رسول الله  يضمخ رأسه بالمسك, أفطيب ذلك أم لا؟ )) ولو كان كلامه في أول الحديث من المرفوع لما احتاج إلى تأييده بشيء, مما يفيدك أن الحكم على حديث ابن عباس هذا بأنه موقوف هو الأشبه والأقرب إن شاء الله تعالى. وحيث كان الحديث موقوفاً على ابن عباس فإنه يشترط للاحتجاج به بعد صحة السند أن لا يخالفه صحابي آخر, وابن عباس هنا قد خولف, فقد خالفه ابن الزبير وعائشة رضي الله عنهما لأنهما يريان أنه لا تحلل إلا بعد الرمي والحلق, كما نقله عنهما ابن قدامة في المغني فالحق في هذا الحديث أنه لا يصلح للاستدلال لأنه ضعيف ولأنه مختلف في رفعه ووقفه, وعلى ترجيح وقفه فقد خالف ابن عباس جمعٌ من الصحابة رضي الله عن الجميع وأرضاهم فهذا ثالثاً, وأما رابعاً:- فاعلم أن من جملة ما استدل به من قال بأن التحلل يحصل بمجرد رمي جمرة العقبة أثر مروي عن مكحول عن عمر  أنه قال (( إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء والطيب والصيد )) كذا ينقله بعض أهل الفقه في كتبهم ولكن لا نعلم لهذا الأثر سنداً تمكن دراسته, فضلاً عن أنه ضعيف بمجرد معرفتنا أن مكحولاً يرويه عن عمر مباشرة, ومن المعلوم أن مكحولاً لم يدرك عمر فهذا الأثر مرسل, وأنت تعلم أن المتقرر في الأصول أن المرسل قسم من أقسام الضعيف، إلا مرسل الصحابي فالقول الصحيح فيه القبول, وأما مرسل غيره فإن الراجح فيه أنه لا يقبل وأما رجال أسناد هذا الأثر الذين هم دون مكحول فإننا لا نعلمهم وبالجملة فهذا الأثر حقه الإطراح لا الاعتماد لأن المتقرر في الأصول أن الحكم الشرعي يفتقر في ثبوته للأدلة الصحيحة الصريحة, فلا يصلح هذا الأثر لأن ينقلنا عن حكم الأصل المتقرر هو بقاء حكم الإحرام لأن الأصل هو البقاء على الأصل حتى يرد الناقل, وأما خامساً :- فاعلم أن من جملة أدلتهم على أن التحلل يحصل بمجرد رمي الجمرة فقط, ما رواه أبو داود في سننه من طريق الحجاج بن أرطأة عن الزهري عن عمرة بنت عبدالرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله  (( إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء )) ولكن نأسف جداً عن قبول هذا الحديث واعتماده, لأنه عندنا ضعيف و والله لو صح لقلنا به, لأنه صريح في الدلالة لكنه غير صحيح السند لأنه من رواية الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف ولأن الحجاج المذكور يرويه عن الزهري مباشرة ومن المعلوم أن الحجاج بن أرطأة لم يسمع من الزهري ولم يره كما أفاده أبو داود في سننه, فإنه قال بعد روايته لهذا الحديث:- هذا حديث ضعيف, والحجاج لم يرى الزهري ولم يسمع منه ا.هـ. وقد ضعفه النووي في شرح المهذب فإنه قال:- أما حديث عائشة رضي الله عنها فرواه أبو داود بإسنادٍ ضعيف جداً من رواية الحجاج ابن أرطأة ا.هـ. فحيث ثبت ضعف هذا الحديث أيضاً فإننا لا نقول به لأن الأصل هو البقاء على الأصل حتى يرد الناقل ولا يصلح الحديث الضعيف أن يكون ناقلاً لنا عن حكم الأصل المتقرر بالدليل لأن الانتقال عنه حكم شرعي والأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة الصريحة, أما سادساً :- فقد استدل من قال بزيادة الحلق في التحلل بحديث يرويه أحمد والبيهقي والدارقطني من طريق الحجاج بن أرطأة, عن أبي بكر بن محمد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله  (( إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شيء إلا النساء )) ونأسف أيضاً عن قبول هذا الحديث لأنه ضعيف لضعف الحجاج بن أرطأة, ولا أعلم إلى ساعتي هذه طريقاً آخر لهذا الحديث إلا ويمر على الحجاج بن أرطأة, أي أن مدار حديث عائشة المذكور في المسألة الخامسة والسادسة مدار مخرجه على الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف والنتيجة من هذا البحث إلى هذه المسألة السادسة هو أن كل حديث فيه إذا رميتم أو إذا رميتم وحلقتم فهو من قبيل الضعيف, والأحكام الشرعية لا تثبت بالأحاديث الضعيفة لأنها وقف على الدليل الشرعي الصحيح الصريح. فإن قلت:- وماذا تقول أنت في هذه المسألة؟ فأقول:- انتظر حتى تنتهي من جميع فروع هذه المسألة وسيتبين لك إن شاء الله تعالى وجه الصواب فيها والمهم الآن أن تعرف حديث (( إذا رميتم )) أو حديث (( إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء... )) أنها ضعيفة لا تقوم بها الحجة. وقد ذكرتها لك وذكرت لك وجه الضعف فيها فإذا علمت هذا فانتقل الآن معي إلى الأمر السابع فأقول:- وأما سابعاً:- فالصواب في التحلل الأول هو أنه لا يكون إلا بعد رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير, ولا بد من مجموع الأمرين, فليس التحلل الأول يحصل بالرمي فقط, وإنما الرمي يعتبر بداية الشروع في التحلل, قال ابن تيمية رحمه الله تعالى:- فإذا شرع في الرمي قطع التلبية فإنه حينئذٍ يشرع في التحلل ا.هـ. لكن تحلله الأول لا يكون إلا بالحلق أو التقصير مع الرمي, هذا هو الصواب في هذه المسألة, فإن قلت:- وما الدليل على ذلك؟ فأقول:- الدليل على ذلك الإجماع, وقد نقل هذا الإجماع العارف بمذاهب العلماء ابن تيمية رحمه الله تعالى, فإنه لما ذكر الرمي والحلق أو التقصير قال بعد ذلك:- وإذا فعل ذلك فقد تحلل باتفاق المسلمين التحلل الأول, فيلبس الثياب ويقلم أظافره وكذلك له على الصحيح أن يتطيب ويتزوج ويصطاد ولا يبقى عليه من المحظورات إلا النساء ا.هـ. وقول الشيخ هنا ( باتفاق المسلمين ) تفيد أن الإجماع مما ثبت عنده الثبوت القطعي كما هي عادته في نقل الإجماع, فإنه بالتتبع للمسائل التي قال فيها ( باتفاق المسلمين ) وجدنا أنها مما تأكد عنده التأكد التام الذي لا يخالطه ريب, وحيث ثبت هذا الإجماع فنحن نقول به لأن المتقرر في الأصول أن الإجماع حجة شرعية يجب قبولها واعتمادها والمصير إليها وتحرم مخالفتها, ولم يقع الإجماع إلا على مجموع الأمرين, الرمي والحلق أو التقصير, وبناءً عليه فالصواب الذي لا شك فيه عندنا أن التحلل الأول لا يكون إلا بالرمي والحلق أو التقصير ويؤيد هذا أيضاً ما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت (( كنت أطيب رسول الله  لإحرامه حين يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت )) وهذا نص صحيح صريح في أن التحلل حصل قبل الطواف, ونحن نعلم جزماً أنه  قبل هذا الطيب قد رمى ونحر وحلق فاستعماله للطيب قبل الطواف يدل على إنه قد تحلل التحلل الأول, وهو الذي ذكر ابن تيمية عليه الإجماع, ومن المعلوم عندنا أن الحلق أو التقصير هو الذي يحصل به التحلل من النسكين الحج والعمرة ولذلك فإنه  لما أمر أصحابه بأن يحلوا من القران والإفراد إلى التمتع ويجعلوا طوافهم وسعيهم للعمرة قال لهم (( أحلوا من إحرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة وقصروا ثم أقيموا حلالاً...الحديث )) ولذلك فإن المعتمر إذا طاف وسعى فإنه لا يزال على إحرامه حتى يتحلل بالحلق أو التقصير وكذلك الحج فإنه لا يحصل التحلل الأول منه إلا بالحلق أو التقصير, مع تقديم الرمي, فلا بد للتحلل الأول من رمي وتقصير أو رمي وحلق, ويؤيد ذلك أيضاً ما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن أخته حفصة رضي الله عنها أنها قالت يارسول الله ما شأن الناس حلوا بعمرة ولم تحلل أنت من عمرتك؟ فقال (( إني لبدت رأسي وقلدت هدي فلا أحل حتى أنحر )) ومن المعلوم أنه  لم ينحر إلا بعد الرمي, فلو كان التحلل يحصل بمجرد الرمي لقال (( فلا أحل حتى أرمي )) لكنه لم يقل ذلك وإنما قال (( فلا أحل حتى أنحر )) مما يدل على أن الرمي وحده غير كاف في التحلل, فإن قلت:- ومن أين لك أن الحلق شرط في الحل فإنه لم يقل (( فلا أحل حتى أحلق )) وإنما قال (( فلا أحل حتى أنحر ))؟ فأقول:- نعم هذا سؤال جيد ولكن نجيب عنه بجوابين:- أحدهما:- أن الحل المذكور في الحديث إنما يقصد به التحلل بالحلق, فينحر ثم يتحلل بالحلق, وهكذا فعل , ويؤيد هذا أن حفصة رضي الله عنها رأت الناس تحللوا من عمرتهم بالتقصير ورأت هي رسول الله  لم يتحلل معهم بالتقصير فسألت عن المانع فأجابها بأن المانع له من التحلل بالتقصير هو سوق الهدي فإذا زال المانع بنحره حلق, وبه تعرف الحكمة من قوله (( إني لبدت رأسي )) مع أن تلبيد الشعر ليس من موانع الحل وإنما المانع هو سوق الهدي, لكن لأن السؤال وقع على إرادة معرفة المانع من التحلل بالتقصير فذكر لها حال رأسه وأنه لبده ولن يتعرض له إلا بعد النحر, فقوله (( فلست أحل حتى أنحر هديي )) أي لن أغير حال هذا التلبيد بتقصير أو حلق إلا بعد نحر الهدي, فبان بهذا أن المراد بالحل في قوله (( فلا أحل )) أنه يريد به الحلق, الثاني:- إجماع المسلمين بأنه إن حلق أو قصر مع تقديم الرمي فإنه قد حل التحلل الأول، ولذلك فالمفتى به عندنا وعليه أكثر أهل العلم أن ذبح الهدي لا دخل له في التحلل. والمقصود:-أن التحلل الأول لا يكون إلا بالرمي مع الحلق أو التقصير وعمدتنا في ذلك الإجماع، والله تعالى أعلى وأعلم. وأما ثامناً:- اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في جواز عقد النكاح بعد التحلل الأول على أقوال والراجح منها الجواز وهو رواية عن الإمام أحمد واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى . وأما تاسعاً :- اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في جواز الصيد خارج الحرم بعد التحلل الأول والأقرب منها الجواز واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. وأما عاشراً :- فالجماع, والعبد الضعيف لا يعلم خلافاً بين أهل العلم في أن الجماع لا يحل إلا بعد التحلل الثاني, فهذا هو التفصيل في هذه المسألة حسب الجهد والطاقة مع الاعتراف التام بالعجز والتقصير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وحسبنا الله ونعم الوكيل والله ربنا أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أنه لا بد من طواف الإفاضة باتفاق المسلمين, حكاه أبو العباس في الفتاوى, ووقته للضعفة ومن في حكمهم يبدأ من منتصف ليلة النحر أو بعد غياب القمر فيها, وأما للأقوياء فيبدأ من الفجر ويستحب لهم أن لا يطوفوا إلا بعد الرمي والنحر والحلق كما فعله  ويجوز تقديمه على ذلك كله لحديث:- أفضت قبل أرم ؟ فقال (( ارم ولا حرج )) وإن لم يطف طواف الإفاضة فإن حجه لم يتم باتفاق الأمة, وتقدمت تفاصيل الطواف في ما مضى من المسائل والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن المبيت بمنى ليالي أيام التشريق من واجبات الحج وفي المسألة خلاف لكن هذا هو الراجح, فالمبيت بمنى من جملة مناسك الحج الواجبة وذلك لأن النبي  بات بها وقال (( لتأخذوا عني مناسككم )) وهذا فعل مقرون بأمر لساني مفيد للوجوب وقد تقرر في الأصول أن الفعل إذا كان كذلك فإنه يفيد الوجوب, فعلينا أن نأخذ عنه مناسكنا, ومن جملة ذلك البيتوتة بمنى ليالي أيام التشريق ويدل على وجوبه أيضاً ما في الصحيحين (( أن النبي  رخص للعباس أن يبيت بمكة أيام منى من أجل السقاية )) وفي رواية (( أذن للعباس )) وهذا يفيد أن المبيت واجب لأن التعبير بالرخصة والإذن يقتضي أن ما يقابلها عزيمة وأن الإذن وقع للعلة المذكورة وإذا لم توجد هي أو ما في معناها لم يحصل الإذن, ويدل عليه أيضاً أنه قد ثبت عن عمر بن الخطاب أنه كان يمنع الحجاج من المبيت خارج منى وكان  يرسل رجالاً يدخلونهم في منى, وهو من الخلفاء الراشدين الذين أمرنا بالاقتداء والتمسك بسنتهم ويدل عليه أيضاً ما رواه أبو داود في سننه قال:- حدثنا عبدالله بن مسلمة القعنبي عن مالك ( ح ) وحدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب, قال أخبرني مالك عن عبدالله ابن أبي بكر بن محمد بن حزم عن أبيه عن أبي البداح بن عاصم عن أبيه أن رسول الله  (( رخص لرعاء الإبل في البيتوتة يرمون يوم النحر ثم يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين ويرمون يوم النفر ))"حديث صحيح" فترخيصه لهم بالبيتوتة خارج منى من أجل الرعاية دليل على أن الأصل في البيتوتة الوجوب, فالقول الحق في هذه المسألة هو أن المبيت بمنى ليالي أيام التشريق من أنساك الحج الواجبة والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن أهل الأعذار الملحة لا يجب عليهم المبيت بمنى كأهل السقاية إن عاد زمن الاحتياج إليها, وكرعاة الإبل إن عاد زمن الاحتياج إليها وكالجند المرابطين في أماكنهم لحفظ أمن الحجاج وسلامتهم وهذا من باب قياس الأولى لأنه إذا جاز التخلف عن المبيت من أجل مراعاة حال البهائم فكيف بالتخلف لمراعاة حال الآدميين لا شك أنه أولى بالجواز وأحرى به, وكالمسبوق في المكان الذي بحث وبحث في منى فلم يجد له مكاناً فإن واجب المبيت يسقط عنه لأنه لا واجب مع العجز ولكن من باب الاحتياط عليه أن يبيت حيث انتهت خيام القوم, وليست الطرقات مكاناً للمبيت لما فيه من تعطيل مصالح الناس ولما فيه من إيذاء المارة وأصحاب الحاجات ولما فيه من الخطر العظيم كما هو معروف ويجوز للطبيب أيضاً أن يتخلف عن المبيت لما لابد له منه من مراعاة حال المرضى ومراقبة سير صحتهم. فمن كان له عذر من هذه الأعذار أو ما يقاس عليها أو أولى منها فإنه يرخص له في ترك المبيت في منى ليالي أيام التشريق والله أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن الرمي بعد الزوال في أيام التشريق من واجبات الحج وذلك لأنه  رمى بعد الزوال في هذه الأيام وقال (( لتأخذوا عني مناسككم )) فدل ذلك على أن الرمي في هذه الأيام من جملة النسك والله أعلم .
مسألة :- واعلم عفا الله عنا وعنك أن الرمي في هذه الأيام لا يكون إلا بعد الزوال فمن رمى قبل الزوال فعليه أن يعيده بعده, وهذا لا نقوله إثقالاً ولا تعقيداً وإنما نقوله متابعة لسيد الأولين والآخرين  وذلك لأنه  لم يكن يرمي في هذه الأيام إلا بعد الزوال فإذا قرنت هذا الفعل بقوله (( لتأخذوا عني مناسككم )) أفادك أن هذا الفعل واجب من الواجبات فقد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال (( رمى رسول الله  الجمرة يوم النحر ضحىً وأما بعد, فإذا زالت الشمس )) ومن المعلوم أنه  كان يحب التيسير والتخفيف على أمته فمكوثه في منى ضحى أيام التشريق وتأخيره للرمي إلى ما بعد الزوال دليل على أن الرمي هذه الأيام لا يكون إلا بعد الزوال, وهذا الفعل الصادر منه  يعتبر نصاً في المسألة وبناءً فكل قياسٍ صادم النص فإنه يعتبر فاسد الاعتبار, وليس أحد بأرحم على الأمة منه , ولا يجوز لأحدٍ كائناً من كان أن يصف هذا التشريع بأن فيه تعقيداً وإثقالاً لأن الله تعالى قال  لا يكلف الله نفساً إلا وسعها  وقال  يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر  وقد تقرر في القواعد أن العبادة المؤقتة لا تصح قبل دخول وقتها, فمن رمى في أيام التشريق قبل الزوال فكأنه وقف بعرفة في اليوم الثامن وكأنه صلى قبل الوقت, ولقد فقه الصحابة هذا التعبد عن النبي  حق فقهه فكانوا لا يرمون إلا بعد الزوال فقد روى البخاري في صحيحه بسنده عن وبرة قال:- سألت ابن عمر رضي الله عنهما, متى أرمي الجمار؟ قال:- إذا رمى إمامك فارمه, فأعدت عليه المسألة فقال (( كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا )) وقد تقرر في الأصول في مباحث السنة أن الصحابي إذا قال (( كنا نفعل كذا )) ولم يقرن هذا الفعل بعهد النبي  فإنه يعتبر نقلاً للإجماع السكوتي, وقوله (( نتحين )) فيه دليل على ترقب دخول الوقت إذ لو لم يكن الزوال هو بداية وقت الرمي لما كانوا يشددون على أنفسهم بهذا التحين والترقب, ولكن لأن المتقرر في نفوسهم أن الرمي في هذه الأيام لا يكون إلا بعد الزوال صاروا يحرصون على مراقبة الزوال ويتتبعون حركة الفيء حتى إذا مالت الشمس عن كبد السماء رموا الجمرات وخير الهدي هديهم ولا عبرة بمن خالف هذا الهدي, وكل تخفيف يدعى في هذه المسألة فإنه لا يقبل إذا كان مضمونه مخالفة المتقرر شرعاً, ومذاهب أهل العلم وفتاويهم لا تأخذ كيفما اتفق, بل لابد فيها من أن توزن بالكتاب والسنة فما وافقهما منها أخذنا به وإلا فهو لصاحبه, عفا الله عن أهل العلم وغفر لهم ورفع نزلهم في الفردوس الأعلى وجزاهم الله تعالى خير ما جزى عالماً عن أمته والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- واعلم رحمك الله تعالى أن الرمي في أيام التشريق لابد فيه من الترتيب, فيرمي أولاً الجمرة الأولى وهي التي تلي مسجد الخيف, فيرميها بسبع حصيات متعاقبات ويكبر مع كل حصاة وأما البسملة فلا نعلم لها ذكراًَ في شيء من المنقول الصحيح. فإذا رماها فيستحب له أن يتقدم قليلاً ويأخذ ذات اليمين أي يجعل الجمرة عن يساره, ويبتعد عن حطمة الناس, ويرفع يديه ويدعو دعاءً طويلاً, بقدر سورة البقرة إن استطاع, قاله الشيخ تقي الدين وتلميذه, فإذا انتهى جاء إلى الجمرة الوسطى فيرميها بسبع حصيات متعاقبات ويكبر مع كل حصاة, فإذا رماها فيستحب له أن يتقدم قليلاً ويأخذ ذات الشمال أي يجعل الجمرة عن يمينه, ويرفع يديه ويدعو دعاءً طويلاً بقدر ذلك, ثم يتقدم فيرمي جمرة العقبة ويمضي ولا يقف عندها للدعاء لعدم النقل وقد شرحنا مسألة الدعاء عند جمرة العقبة في مسألة تقدمت والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- واعلم رحمك الله تعالى أن صيام أيام التشريق حرام إلا لمن لم يجد الهدي. وعلى ذلك دلت السنة الصحيحة الصريحة, قال الإمام أبو داود في سننه حدثنا عبدالله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن يزيد بن الهاد عن أبي مرة مولى أم هانيء أنه دخل مع عبدالله بن عمرو على أبيه عمرو بن العاص فقرب إليه طعاماً فقال ( كل ) قال:- إني صائم فقال عمرو (( كل فهذه الأيام التي كان رسول الله  يأمرنا بإفطارهن وينهى عن صيامها )) قال مالك:- وهي أيام التشريق, وهذا الحديث له حكم الرفع على القول الصحيح عند الأصوليين, والأمر يفيد الوجوب, والنهي يفيد التحريم ولأنها أيام عيد, قال أبو داود في سننه:- حدثنا الحسن بن علي قال حدثنا وهب قال حدثنا موسى ابن علي (ح ) وحدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن موسى بن علي قال سمعت أبي أنه سمع عقبة بن عامر يقول قال رسول الله  (( يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب ))"حديثان صحيحان" وعن عائشة رضي الله عنها وابن عمر  قالا (( لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي ))"رواه البخاري" والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- واعلم رحمك الله تعالى أن المبيت بمنى أول أيام التشريق واجب, وهكذا المبيت الليلة الثانية, فإذا أراد أن يتعجل في يومين فلا إثم عليه لقوله تعالى  فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى  إلا أنه ينبغي له أن يخرج من منى قبل غروب شمس اليوم الثاني وقبل حلول ليلة اليوم الثالث وذلك لأنه تعالى إنما جوز له التعجل في اليومين, واليوم اسم لبياض النهار فإذا غربت الشمس لزمه المبيت والرمي من الغد بلا نزاع, قال ابن المنذر:- وثبت عن عمر أنه قال (( من أدركه المساء في اليوم الثاني فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس ))"رواه مالك" وقال الشافعي:- ليس له أن ينفر بعد غروب الشمس ا.هـ. وهو رواية عن أبي حنيفة وقاله الشيخ تقي الدين وغيره ونص عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى واعلم أنه إن نفر في وقت جواز النفرة ثم عاد لمنى في اليوم الثالث لم يضره رجوعه وليس عليه رمي لحصول الرخصة، قال ابن تيميه رحمه الله تعالى:- ولا ينفر الإمام الذي يقيم للناس المناسك بل السنة أن يقيم إلى اليوم الثالث ا.هـ. ولكن اعلم أن الأفضل لكل الحجاج أن يتأخروا لفعله ، ونفي الإثم لا يقتضي المساواة لنزولها بسبب أن أهل الجاهلية منهم من يؤثم المتعجل ومنهم من يؤثم المتأخر، فنفى الله تعالى عنهما الإثم، ولأن التأخر فيه زيادة تعبد فإنه يبيت ليلة كاملة ويرمي ليومٍ كامل وهذا أعظم أجراً فالتأخر أفضل, ولا يعني هذا أن حج المتعجل ناقص, لا وإنما المقصود أننا لو سئلنا عن الأفضل لقلنا إن التأخر أفضل والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن طواف الوداع واجب إلا أنه خفف عن الحائض والنفساء, والدليل على وجوبه مارواه مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال رسول الله  (( لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت )) وفي لفظ (( أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض )) وللبخاري في صحيحه عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:- رخص للحائض أن تنفر إذا أفاضت, قال:- وسمعت ابن عمر يقول:- إنها لا تنفر, ثم سمعت ابن عمر يقول بعد ذلك (( إن النبي  أرخص لهن )) وللبخاري من حديث أنس  (( أن النبي  صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم رقد رقدة بالمحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به )) وعن عائشة رضي الله عنها قالت:- حاضت صفية بنت حيي بعدا ما أفاضت, فذكرتُ حيضها لرسول الله  فقال (( أحابستنا هي؟ )) قالت فقلت:- إنها قد كانت أفاضت وطافت بالبيت ثم حاضت بعد الإفاضة فقال رسول الله  (( فلتنفر )) فيجب على الحاج قبل أن ينفر أن يطوف بالبيت سبعاً ويجعل هذا الطواف آخر الأعمال ليخرج بعده, لكن إن تأخر لربط المتاع أو لانتظار رفقة أو للبحث عن ضائع أو لإصلاح سيارة أو لشراء شيء لابد منه ونحو ذلك فلا بأس, وبهذا تكون مناسك حجه قد تمت, وبهذه المسألة يتم ما أردنا إثباته في هذه الوريقات اليسيرة وقد كتبناها في وقت قصير لم نتجاوز به شهراً, ولكن وبعد الانتهاء منها تبين أننا تركنا مسائل لابد منها, فأحببنا أن نلحقها بالكتاب تكميلاً لفائدته وليكون مرجعاً في هذا الباب إن شاء الله تعالى, وسوف تكون طريقتنا في هذه المسائل الزائدة على الأصل كطريقتنا فيما مضى من المسائل فأقول وبالله التوفيق ومنه أستمد الفضل والعون:-
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن القول الصحيح والرأي الراجح المليح أن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد فإن شاء قدم السعي بعد طواف القدوم وإن شاء أخره ليطوفه بعد طواف الإفاضة, وأما المتمتع فإن عليه طوافين وسعيين, طواف لعمرته وسعي لعمرته وطواف لحجه وسعي لحجه, وهذا مذهب الجمهور مالك والشافعي وأحمد في أصح الروايتين عنه, والدليل على ذلك مارواه مسلم في صحيحه من حديث عبدالله بن طاوس عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها أهلت بعمرة فقدمت ولم تطف بالبيت حتى حاضت فنسكت المناسك كلها وقد أهلت بالحج فقال لها النبي  (( يسعك طوافك لحجك وعمرتك )) وفي لفظ لأبي داود (( طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك )) ففي هذا الحديث الصحيح التصريح بأنها كانت محرمة أولاً ومنعها الحيض من الطواف فلم يمكنها أن تحل بعمرة فأهلت بالحج مع عمرتها الأولى فصارت قارنة وقد صرح النبي  في هذا الحديث الصحيح بأنها قارنة حيث قال (( لحجك وعمرتك )) ومع ذلك فقد صرح بأنها يكفيها لهما طواف واحد وفي لفظ لمسلم (( يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك )) فهذا الحديث الصحيح صريح في أن القارن يكفيه لحجه وعمرته طواف واحد وسعي واحد ومن الأدلة أيضاً على ذلك ما أخرجه الشيخان في صحيحهما عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت:- خرجنا مع رسول الله  في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال رسول الله  (( من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً )) ...الحديث... وفيه (( وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً )) وهو نص صحيح صريح متفق عليه دال على اكتفاء القارن بطوافٍ واحد لحجه وعمرته, ومن الأدلة أيضاً أننا قد رجحنا سابقاً أن النبي  كان في حجته قارناً والمنقول عنه أنه  لم يطف بالبيت إلا طوافاً واحداً أعني طواف الإفاضة, ولم يسع بين الصفا والمروة إلا سعياً واحداً وهو السعي الذي سعاه بعد طواف القدوم ومن الأدلة أيضاً حديث جابرٍ  عند مسلم وفيه أن النبي  قال (( دخلت العمرة في الحج مرتين )) وتصريحه  بدخولها فيه يدل على دخول أعمالها في أعماله حال القران. والأدلة في ذلك كثيرة, وفيما ذكر من النصوص الصحيحة الصريحة كفاية ومقنعة لمن أراد الحق, فهذا بالنسبة للقارن وأنه يكفيه طواف واحد وسعي واحد, وأما المتمتع فقلنا إنه لابد من طوافين وسعيين ويدل على ذلك مارواه البخاري في صحيحه قال:- وقال أبو كامل فضيل بن حسين البصري:- حدثنا أبو معشر قال حدثنا عثمان بن غياث عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما (( أنه سئل عن متعة الحج؟ فقال:- أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي  في حجة الوداع وأهللنا, فلما قدمنا مكة قال رسول الله  (( اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي )) وطفنا بالبيت وبالصفا والمروة وأتينا النساء ولبسنا الثياب وقال (( من قلد الهدي فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله )) ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج فإذا فرغنا من المناسك جئنا و طفنا بالبيت و بالصفا والمروة وقد تم حجنا وعلينا الهدي ... الحديث )) فهذا الحديث يفيد إفادة واضحة أن المتمتع لا يكفيه طوافه وسعيه الأول، بل لابد من طواف ثانٍ وسعي ثانٍ، وهو نص في محل النزاع، وقول البخاري هنا ( قال أبو كامل ) ليس من المعلقات كما ادعاه بعضهم بل لأن الراجح في هذه المسألة هو ما ذهب إليه الجمهور من المتأخرين من أن الراوي إذا قال:- قال فلان, فكأنه قال:- عن فلان, فالرواية بذلك متصلة لا معلقة إن كان الراوي غير مدلس, كما هو الحال هنا. ومن الأدلة على ذلك أيضاً مارواه البخاري في صحيحه قال حدثنا عبدالله بن مسلمة قال حدثنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي  قالت:- خرجنا مع النبي  في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال النبي  (( من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً...الحديث )) وفيه قالت:- فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً, وقال مسلم بن الحجاج في صحيحه:- حدثنا يحيى بن يحيى التميمي قال:- قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت (( خرجنا مع رسول الله  عام حجة الوداع...الحديث وفيه... فطاف الذين أهلوا بعمرة بالبيت وبالصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً )) فهذا نص صحيح متفق عليه يدل على الفرق بين القارن والمتمتع وأن القارن يفعل كفعل المفرد والمتمتع يطوف لعمرته ويطوف لحجه, ويسعى لعمرته ويسعى لحجه, فإن قلت:- فماذا تقول في حديث جابر في صحيح مسلم وفيه (( خرجنا مع رسول الله  مهلين بالحج معنا النساء والولدان فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت – وقال فيه – فلما كان يوم التروية أهللنا بالحج وكفنا الطواف الأول بين الصفا والمروة...الحديث )) فهذا نص صحيح صريح في الاكتفاء بالطواف الأول ولم يذكر طوافاً آخر, فكيف تقول في ذلك؟ فالجواب:- أن المتقرر في الأصول أن الجمع بين الأدلة واجب ما أمكن وأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما ما أمكن, فينزل حديث جابر هذا على أصحاب النبي  الذين لم يحلوا من إحرامهم أي على المفردين والقارنين فقط وينزل حديث ابن عباس وعائشة رضي الله عنها على المتمتعين, وبهذا يزول الإشكال وإن لم يقبل هذا الجواب فنقول:- إن حديث ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما فيهما زيادة حفظاها, وجابر ترك هذه الزيادة لعدم حفظها وقد تقرر في الأصول أن من حفظ حجة على من لم يحفظ, ويقال أيضاً:- أن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما يثبتان طوافاً وسعياً آخر غير الطواف والسعي الأول, وجابر ينفيه وقد تقرر في الأصول أن المثبت مقدم على النافي لأن المثبت معه زيادة علم خفيت على النافي وبهذا فلا يكون ثمة إشكال بينهما ولله الحمد والمنة. وهذا يبين لك أن قول الجمهور في هذه المسألة هو الصواب, بل لا نشك في أنه هو الصواب. وبه تعلم أن ما ذهب إليه أبو العباس ابن تيمية في هذه المسألة مرجوح, وأن الحق خلافه والدليل عندنا أعظم من كل أحدٍ, وإن كانت هيبة أبي العباس متقررة في نفوسنا ولكن هيبة الدليل وعظمته في نفوسنا أكبر وأقوى ولا يمكن أبداً أن تخالف الدليل من أجل أحدٍ كائناً من كان والله تعالى أعلى وأعلم. ويقال أيضاً:- إن عدم طواف المتمتع بعد رجوعه من منى الثابت في صحيح مسلم إنما رواه جابر وحده وأما طوافه بعد رجوعه من منى رواه في الصحيح ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما, وما رواه اثنان أرجح مما رواه الواحد. فإن قلت:- فما تقول في أدلة من ذهب إلى أن القارن لابد له من طوافين وسعيين؟ فأقول باختصار حتى لا أطيل:- كل حديث فيه أن القارن عليه سعيان فهو ضعيف لا تقوم به الحجة وقد تقرر في الأصول أن الأحكام الشرعية لا تثبت إلا بالأدلة الصحيحة الصريحة, ولو راجعت أسانيدها لتبين لك صحة ما قلناه, فالحق الحقيق بالقبول في هذه المسألة هو أن القارن كالمفرد يكفيه طواف واحد وسعي واحد وأن المتمتع لابد له من طوافين وسعيين, طواف وسعي لعمرته, وطواف وسعي لحجه والله تعالى أعلم وأعلى .
مسألة :- اعلم أن القول الصحيح هو جواز تأخير طواف الإفاضة إلى طواف الوداع فيطوف طوافاً واحداً لإفاضته ووداعه بنيتهما أو بنية طواف الإفاضة ويدخل معه طواف الوداع تبعاً, وذلك لأنه قد تقرر في القواعد أنه إذا اجتمع عبادتان من جنسٍ واحد وفي وقتٍ واحد فإن الصغرى تدخل في الكبرى ولكن فصلهما أولى, فإن قلت:- وماذا يفعل المتمتع الذي عليه سعي آخر بعد طواف الإفاضة أو المفرد والقارن إذا أخرا سعي الحج ليطوفاه بعد طواف الإفاضة؟ فأقول:- لا حرج في ذلك فليطوفوا طواف الإفاضة ويدخل معه الوداع تبعاً ثم يسعون سعي الحج وبقائهم في الحرم للسعي لا يؤثر لأنه بقاء اضطراري لتكميل النسك لا بقاء اختياري, وبهذا أفتى كثير من أهل العلم, وهو الحق في هذه المسألة, ولكن ينبغي للحاج أن لا يعود نفسه على هذه الرخص بل لابد له من الأخذ بالعزائم لما في ذلك من تعظيم شعائر الله تعالى والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن القول الصحيح أن حديث ابن عباس (( من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً )) إنما يصح موقوفاً على ابن عباس وقد روي مرفوعاً ولكنه لم يثبت عنه, فقد روى مالك في الموطأ عن أيوب عن أبي تميمة السختياني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال (( من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً )) وهذا إسناد في غاية الصحة إلى ابن عباس رضي الله عنهما. وقد رواه أيضاً البيهقي في سننه بسنده من حديث سعيد بن جبير أن ابن عباس قال الحديث نفسه, وقال النووي في شرح المهذب:- وأما حديث ابن عباس (( من ترك نسكاً فعليه دم )) فرواه مالك والبيهقي وغيرهما بأسانيد صحيحة عن ابن عباس موقوفاً لا مرفوعاً ا.هـ. ولذلك فالضابط عندنا في كتاب الحج يقول ( من ترك نسكه أو شيئاً منه فعليه دم ) ودليل هذا الضابط هو حديث ابن عباس المتقدم, ووجه الاحتجاج به أمران:- الأول:- أن هذا الإيجاب من ابن عباس له حكم الرفع إذ لا مجال للرأي فيه وابن عباس ليس ممن يأخذ عن أهل الكتاب وقد تقرر في الأصول وقواعد التفسير أن الراوي إذا قال قولاً لا مجال للرأي فيه وليس ممن يأخذ عن أهل الكتاب فإن لقوله هذا حكم الرفع, الثاني:- أن المتقرر في الأصول أن قول الصحابي حجة إذا لم يخالف نصاً ولم يخالفه صحابي آخر وقول ابن عباس هذا لم يخالف نصاً ولم يخالفه صحابي آخر, فلذلك فقول ابن عباس عندنا معتمد في وجوب الدم على كل من ترك نسكاً أو ترك شيئاً منه, إما لأنه له حكم الرفع وإما لأنه لا يعرف له مخالف من الصحابة وهم خير الأسوة لنا بعد رسولنا . وقوله ابن عباس ( من ترك نسكه ) أي الترك الكامل, وقوله ( أو شيئاً منه ) أي الترك الجزئي بأن يفعل بعضه ويترك بعضه بغض النظر عن مقدار هذا المتروك لأن قوله ( من ترك ) هو شرط, وقوله ( أو شيئاً منه ) نكرة وقد تقرر في الأصول أن النكرة في سياق الشرط تعم, فيعم كل متروك من النسك, ولأن المناسك التي أمرنا بها تدخل في حيز المأمورات وقد تقرر في الأصول أن المأمورات لا تسقط بالجهل والنسيان وأن الذمة لا تبرأ إلا بفعلها ولا ننظر إلى أن المتروك من النسك نزر يسير وإنما ننظر إلى أنه لم يكمل النسك الذي أمر به, فلم يقم بالعبادة على وجهها الشرعي بالصفة الواردة عنه , أرأيت على قول من أوجب تسبيح الركوع والسجود لو أن المصلي ترك تسبيحه الركوع أو السجود, ولم يسجد للسهو وطال الفصل فإن الموجبين لها يأمرونه بإعادة الصلاة لأنه ترك المأمور به فلم تبرأ ذمته مع أن المتروك نزر يسير لكنهم لم ينظروا إلى مقدار المتروك وإنما نظروا إلى أنه لم يوقع العبادة على الوجه المأمور به شرعاً وبناءً عليه فأقول:- القول الصحيح والرأي الراجح المليح هو أن من ترك مبيت ليلة واحدة من ليالي التشريق فلم يبتها في منى فإن عليه دم, لأنه ترك شيئاً من نسكه, ومن ترك رمي يوم واحدٍ من أيام التشريق فإن عليه دم إذا انتهت أيام التشريق ولم يرم لأنه ترك شيئاً من نسكه ومن ترك بعض الحصيات في جمرة واحدة فلم يرمها مثلاً إلا بأربع أو خمس فإن عليه دم إذا لم يكمل ما أمر به من الرمي, لأنه ترك شيئاً من نسكه, وأما من أوجبوا عليه إطعام مساكين فإنه ليس معهم شيء من الأدلة إلا مجرد القياسات والاستحسانات التي لا تستند إلى شيء من الأدلة, ومن ترك المبيت بمزدلفة أو وقف بها وقفاً غير معتبر لأنه قليل جداً فإن عليه دم لأنه ترك نسكاً كاملاً في الصورة الأولى ولأنه ترك شيئاً من نسكه في الصورة الثانية. ومن لم يرم جمرة العقبة أصلاً فعليه دم لأنه ترك نسكاً كاملاً, ومن رماها بحصاتين أو ثلاث فقط فإنه يجب عليه دم أيضاً إذا لم يعد الرمي أو يكمل لأنه ترك شيئاً من نسكه, ولا يأتينا رجل يقول:- قد توسعتم في إيجاب الدم, لأننا سنقول له:- إننا لم نقله من باب الهوى وإنما قلناه بمقتضى الدليل الصحيح الصريح, الذي هو حديث ابن عباس السابق, فاحفظ هذا الضابط, وأفت به ولا عليك من أحدٍ والله يحفظنا وإياك وهو أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم أن القول الصحيح أنه لو رمى بحصاة نجسة فإن ذلك يجزئه، وذلك لأنه مأمور بالرمي بالحصى وقد تحقق صدق ذلك ومسماه بمجرد هذا الرمي والأصل في العبادة عدم الاشتراط, وأن الاشتراط مخالف للأصل وقد تقرر في الأصول أن الدليل يطلب من الناقل عن الأصل لا من الثابت عليه, ولكن لاشك أن الأحسن والأكمل هو أن لا يرمي إلا بحصاة طاهرة, وإذا حصل شك في طهارة حصاة ونجاستها فاعلم أن الأصل الطهارة وأن اليقين لا يزول بالشك, وهذا القول وهو صحة الرمي ولو بحصاةٍ نجسة هو الأيسر على الناس في هذا الزمان فإن الناس كثير وقد لا يجد بعضهم مكاناً يقضي فيه الحاجة إلا في نواحي الطريق, وقد رأينا – من غير قصدٍ – من يبول في جوانب الطريق والناس يلتقطون الحصى من جانبه, فحيث لادليل فالأصل الجواز, والله أعلى وأعلم .
مسألة :- ما الحكم فيمن حاضت أو نفست قبل طواف الإفاضة؟ والجواب أن يقال:- لا يجوز لها أن تطوف إلا بعد أن تطهر لأن النبي  قال لعائشة (( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ))"متفق عليه" وبناءً عليه فيجب عليها البقاء في مكة حتى تطهر, هذا إذا لم يشق عليها البقاء مشقة خارجة عن العادة, فإن شق عليها البقاء المشقة الخارجة عن العادة فلها الذهاب لديارها حتى تطهر ثم تعود للبيت الحرام وتطوف به طواف الإفاضة, وهذا أيضاً إذا لم يشق عليها أمر العودة المشقة الخارجة عن العادة, فإن شق عليها أمر العودة المشقة الخارجة عن العادة ودخلت في دائرة الضرورة ولم يرضى الرفقة أن يبقوا معها ولزم من بقائها في مكة أن تكون وحيدة لا والي ولا منفق أو كانت ديارها بعيدة جداً عن البيت لا تستطيع أن تأتيه إلا بالنفقات الكثيرة الكبيرة التي لا يستطيعها مثلها, فلها في هذه الحالة أن تتلجم بحفاظة أو خرقة وتطوف بالكعبة ويسقط عنها اشتراط الطهارة من الحدث الأكبر في هذه الحالة لأنها عاجزة عنها وليس الأمر في يدها والواجبات تسقط بالعجز, ولأنه إذا تعارض مفسدتان روعي أشدهما بارتكاب أخفها, واختاره أبو العباس ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى, وقد بحثها ابن القيم بحثاً لا مزيد عليه وقدر في أمر الحائض هذه ثمانية أشياء ثم أجاب عن التقديرات السبعة, ثم قال بعد ذلك:- فإذا بطلت هذه التقديرات تعين التقدير الثامن وهو أن يقال:- تطوف بالبيت والحالة هذه وتكون هذه ضرورة مقتضية لدخول المسجد مع الحيض والطواف معه, وليس في هذا ما يخالف قواعد الشريعة بل يوافقها إذ غايته سقوط الواجب أو الشرط بالعجز عنه ولا واجب مع الشريعة مع العجز ولا حرام مع الضرورة ا.هـ.كلامه وقولهم في المسألة هو القول الصحيح والله ربنا أعلى وأعلم .
محب الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس