عرض مشاركة واحدة
قديم 02-04-2018, 08:06 AM   #1
إداري
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 1,222
افتراضي لا تخاطر بدينك وتفتي بغير رشد .. للشيخ عبدالرزاق البدر

|لا تخاطر بدينك وتفتي بغير رشد|
لفضيلة الشيخ عبد الرزاق البدر -حفظه الله ورعاه-

[ من شرح الأدب المفرد / ش34]




قال -رحمه الله تعالى-: بَابُ إِثْمِ مَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِغَيْرِ رُشْدٍ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيد، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ تَقَوَّلَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنِ استشارهُ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رُشْدٍ، فَقَدْ خَانَهُ، ومن أفتي بِغَيْرِ ثَبْتٍ فَإِثْمُهُ عَلَى مَنْ أفتاه". (1)

================================================== ==

ثم عقد الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- هذه الترجمة "بَابٌ: إِثْمِ مَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِغَيْرِ رُشْدٍ"، وهذه الترجمة فيها عَودٌ إلى الترجمة التي قبل السابقة، فيها عودٌ إلى المستشار وبيان وجوب النصيحة في المشورة وأنّ من اسُتشير في أمرٍ يجب أن ينصح من استشاره ويدله إلى ما يعلمه خير، أما إذا خاطر بمن استشاره ودله إلى أمرٍ لا يعلمه خيرًا له ولا يعلمه رشدا؛ فإنّ هذا إثمٌ عظيم وذنبٌ وخيم.
عقد الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- هذه الترجمة للتحذير؛ قال: "بَابٌ: إِثْمِ مَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِغَيْرِ رُشْدٍ"، أي أنْ يستشيره أخاه في أمرٍ من الأمور فيدله إلى غير رشد.

ومتى يدل الإنسان غيره إلى غير رشد؟ يظهر -والله أعلم- في حالتين:
- الحالة الأولى: فيما لو كان غاشًّا غير ناصح؛ فإنه يخاطر بمن يستشيره ويدله ما يعلم هو أنه لا خير فيه لصاحبه ولا نفع فيه له فيدله مخاطرةً به وإضرارًا به وإلقاءً به إلى التهلكة وتوريطًا له، فيكون غاشًّا، والغش يكون في أمور الدين ويكون -أيضا- في أمور الدنيا.
الآن جاء في الحديث أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "«إنّ أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين».
إمام الضلال قد يدل غيره إلى أمرٍ إذا استشاره يعلم في قرارة نفسه أنه خلاف الصواب وخلاف الحق وخلاف الهُدى ويدله عليه، ولا يدله على الحق والهُدى، يكتم الهدى ويخفيه ولا يدله عليه ويلبس الحق بالباطل لأغراض دنيوية دنية؛ إما يريد رئاسة أو يريد مالا أو يريد فاحشة... أو غير ذلك من الأغراض الدنيئة ؛ فيكون غاشًّا للناس في دينهم. وأيضا هناك من يغش الناس في دنياهم إما لمصالحها يطلبها في غشه لهم أو أنه مريض بالغش -والعياذ بالله-، فيسُرُّه أن يتورط غيره أو أن يُبتلى غيره بالفساد أو بالشر.
فهذه حاله؛ أن يكون المستشار غاشًّا.

- والحالة الثانية: أن يكون المستشار على غير علم وعلى غير فَهْم، ثم يتعجل.
وأحيانا يتعجل رغبةً في نصح من استشاره وشفقة عليه، وانتبهوا هنا يكون أشفق على من استشاره وعطف عليه وحن عليه، ولكن ليس عنده علم يدله عليه ويُبين له من خلاله فيرشده، مثل أن يسأله في مسألة دينية ومستعجل، ويقول: الآن ماذا أفعل؟ السفر ورائي...الطائرة الآن تمشي... إيش أفعل؟!!" فيعطف عليه ويحِن ويقول: "لا بأس..افعل كذا!" وهو لا يستحضر فيها هديا ولا شرعا ولا حكما، وإنما عطف عليه.
ولهذا؛ قال العلماء قديما ناصحَا من يفتي الناس: "لا يكون همك تخليص المستفتي، وليكن همك تخليص نفسك" لأنك إذا دللته على شيء تحمّلت إثمه ولا يشفع لك في هذا الباب أنك عطفت عليه أو رحمته أو حنيت عليه، هذه نصيحة ومَشورة.

أَذْكر في هذا الباب أنني مرة لقيت رجلا في أيام الحج، كان من نهجه وطريقته: حلق اللحية، وهي كما لا يخفى معصية لله ومخالفة للرسول -عليه الصلاة والسلام-، فكان من هديه وطريقته حلق اللحية، وذهب واعتمر وحلق رأسه بالموس (عندما اعتمر) ثم -مثلما يفعل بعض الناس- خرج إلى الحل وأتى بعمرة جديدة، ولما وصل إلى المروة جاء إلى التحلل من النُّسك (نسك العمرة بالحلق أو التقصير) فلما أراد أن يتحلل إذا بشعر رأسه أصلع؛ ما فيه شيء يحلق! قال لي: لقيت رجل ملتحي عند المروة وقلت له أنا أريد أن أتحلل وأنا الآن أصلع..إيش أفعل؟!! فنظر إلي وقال: اِحْلق الشارب، يقول: "فحلقت الشارب"، وأنا رأيت هذا الشخص محلوق اللحية والشارب والرأس.. وتحلل بحلق الشارب!
هذا الكلام الذي قلته لكم الآن أضحككم.. لكن لما قلته للشيخ ابن باز دمعت عينه -رحمة الله عليه-..
لأن هـذه جـرأةٌ علـى ديــن الله.. وقــولٌ علـى الله بغيـر علــم.. وتوريــطٌ للنــاس بالكـلام في ديـن الله -سبحانـه وتعـالى- بغيــر علــمٍ وبغيــر بصيرة.
هذا الذي أفتاه بهذه الفتوى لا يقول بها أيُّ عالمٍ مطلقًا، ولا توجد حتى في الفتاوى الشاذة، وليس لها ذِكر ثم يتجرأ بهذه الجرأة! بعض الناس لا يبالي..!
ولهذا قيل: "من أخطأ (لا أدري) أصيبت مقاتله" (2)
إذا كان الإنسان لا يدري ولا يعرف حكم الأمر الذي سُئل عنه؛ لماذا يخاطر بدينه ويفتي من سأله؟! فالمسألــة جد خطيــــرة!
عقد لها الإمام البخاري لها هذه الترجمة: "إِثْمِ مَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِغَيْرِ رُشْدٍ".

قال: "وَمَنِ استشارهُ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رُشْدٍ، فَقَدْ خَانَهُ"؛ وهذا فيه أنّ إرشاد الأخ المسلم بغير رشدٍ إذا استشار خيانةٌ له، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: «من غشنا فليس منا»، وقال في صفة المنافق: «إذا ائْتُمِن خان»، فهذا ائتمنه على مصلحته، فإذا أرشده إلى غير رشدٍ خانه.
وأنت إذا جمعت بين الحديث الأول «المستشار مؤتمن» وبين قوله -هنا-: (( فقد خانه)) يبين لك معنى «المستشار مؤتمن» أي أنه يجب عليه أن يدله على ما فيه رشد وصلاح يعلمه له، وإن لم يفعل ذلك فقد خان، لم يؤدِّ الأمانة، لأن ضد الأمانة: الخيانة، فإذا لم يُشر عليه بنصحٍ فقد خانه، والخيانة عندما يؤتمن الإنسان على أمرٍ من الأمور هي من أوصاف المنافقين؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: «آية المنافق ثلاث..» وذكر منها: «إذا ائْتُمِن خان»، ومن ذلكم إذا ائْتُمِن على أمرٍ من الأمور واسُتشير فيه واستُنصح فيه ويدل بغير رشد فيكون خائنًا بذلك، وهذا موضع الشاهد من الحديث للترجمة.



_____________________________
(1) قال الإمام الألباني -رحمه الله-:
"صحيح لغيره دون زيادة : "ومن استشاره … " (الصحيحة : 3100) وأما زيادة : (ومن استشاره. .) فهي ضعيفة."
(2) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، باب: ما يلزم العالم إذا سئل عما لا يدريه من وجوه العلم: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَجْلانَ، يَقُولُ: " إِذَا أَخْطَأَ الْعَالِمُ لا أَدْرِي أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ " .


منقول ...
محب الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس