393- مراتب الوحي
قال ابن القيم:
وَكَمّلَ اللّهُ لَهُ مِنْ مَرَاتِبَ الْوَحْيِ مَرَاتِبَ عَدِيدَةً
إحْدَاهَا : الرّؤْيَا الصّادِقَةُ وَكَانَتْ مَبْدَأَ وَحْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إلّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصّبْحِ .
الثّانِيَةُ مَا كَانَ يُلْقِيهِ الْمَلَكُ فِي رَوْعِهِ وَقَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَاهُ كَمَا قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رَوْعِي أَنّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا فَاتّقُوا اللّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطّلَبِ وَلَا يَحْمِلَنّكُمْ اسْتِبْطَاءُ الرّزْقِ عَلَى أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللّهِ فَإِنّ مَا عِنْدَ اللّهِ لَا يُنَالُ إلّا بِطَاعَتِهِ
الثّالِثَةُ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَتَمَثّلُ لَهُ الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُخَاطِبَهُ حَتّى يَعِيَ عَنْهُ مَا يَقُولُ لَهُ وَفِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ كَانَ يَرَاهُ الصّحَابَةُ أَحْيَانًا . الرّابِعَةُ أَنّهُ كَانَ يَأْتِيهِ فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَكَانَ أَشَدّهُ عَلَيْهِ فَيَتَلَبّسُ بِهِ الْمَلَكُ حَتّى إنّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصّدُ عَرَقًا فِي الْيَوْمِ الشّدِيدِ الْبَرْدِ وَحَتّى إنّ رَاحِلَتَهُ لِتَبْرُك بِهِ إلَى الْأَرْضِ إذَا كَانَ رَاكِبَهَا .
الْخَامِسَةُ أَنّهُ يَرَى الْمَلَكَ فِي صُورَتِهِ الّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا فَيُوحِي إلَيْهِ مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يُوحِيَهُ وَهَذَا وَقَعَ لَهُ مَرّتَيْنِ كَمَا ذَكَرَ اللّهُ ذَلِكَ فِي النّجْمِ . السّادِسَةُ مَا أَوْحَاهُ اللّهُ وَهُوَ فَوْقَ السّمَوَاتِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ مِنْ فَرْضِ الصّلَاةِ وَغَيْرِهَا .
السّابِعَةُ كَلَامُ اللّهِ لَهُ مِنْهُ إلَيْهِ بِلَا وَاسِطَةِ مَلَكٍ كَمَا كَلّمَ اللّهُ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ هِيَ ثَابِتَةٌ لِمُوسَى قَطْعًا بِنَصّ الْقُرْآنِ وَثُبُوتُهَا لِنَبِيّنَا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ .
وَقَدْ زَادَ بَعْضُهُمْ مَرْتَبَةً ثَامِنَةً وَهِيَ تَكْلِيمُ اللّهِ لَهُ كِفَاحًا مِنْ غَيْرِ حِجَابٍ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ إنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَأَى رَبّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ بَيْنَ السّلَفِ وَالْخَلَفِ وَإِنْ كَانَ جُمْهُورُ الصّحَابَةِ بَلْ كُلّهُمْ مَعَ عَائِشَةَ ....
زاد المعاد/1/ 51/ الريان 394- الإختلاف في اختتان الرسول صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ
أَحَدُهَا : أَنّهُ وُلِدَ مَخْتُونًا مَسْرُورًا وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ لَا يَصِحّ ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيّ فِي " الْمَوْضُوعَاتِ " وَلَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ ثَابِتٌ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ خَوَاصّهِ فَإِنّ كَثِيرًا مِنْ النّاسِ يُولَدُ مَخْتُونًا . وَقَالَ الْمَيْمُونِيّ : قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ مَسْأَلَةٌ سُئِلْتُ عَنْهَا : خَتّانٌ خَتَنَ صَبِيّا فَلَمْ يَسْتَقْصِ ؟ قَالَ إذَا كَانَ الْخَتّانُ جَاوَزَ نِصْفَ الْحَشَفَةِ إلَى فَوْقٍ فَلَا يُعِيدُ لِأَنّ الْحَشَفَةَ تَغْلُظُ وَكُلّمَا غَلُظَتْ ارْتَفَعَ الْخِتَانُ . فَأَمّا إذَا كَانَ الْخِتَانُ دُونَ النّصْفِ فَكُنْتُ أَرَى أَنْ يُعِيدَ . قُلْت : فَإِنّ الْإِعَادَةَ شَدِيدَةٌ جِدّا وَقَدْ يَخَافُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِعَادَةِ ؟ فَقَالَ لَا أَدْرِي ثُمّ قَالَ لِي فَإِنّ هَاهُنَا رَجُلًا وُلِدَ لَهُ ابْنٌ مَخْتُونٌ فَاغْتَمّ لِذَلِكَ غَمّا شَدِيدًا فَقُلْت لَهُ إذَا كَانَ اللّهُ قَدْ كَفَاك الْمُؤْنَةَ فَمَا غَمّكَ بِهَذَا ؟ انْتَهَى . وَحَدّثَنِي صَاحِبُنَا أَبُو عَبْدِ اللّهِ مُحَمّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْخَلِيلِيّ الْمُحَدّثُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنّهُ وُلِدَ كَذَلِكَ وَأَنّ أَهْلَهُ لَمْ يَخْتِنُوهُ وَالنّاسُ يَقُولُونَ لِمَنْ وُلِدَ كَذَلِكَ خَتَنَهُ الْقَمَرُ وَهَذَا مِنْ خُرَافَاتِهِمْ .
الْقَوْلُ الثّانِي : أَنّهُ خُتِنَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ شَقّ قَلْبَهُ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ ظِئْرِهِ حَلِيمَةَ .
الْقَوْلُ الثّالِثُ أَنّ جَدّهُ عَبْدَ الْمُطّلِبِ خَتَنَهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَصَنَعَ لَهُ مَأْدُبَةً وَسَمّاهُ مُحَمّدًا . قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرّ : وَفِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ غَرِيبٌ ....
..........وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاضِلَيْنِ صَنّفَ أَحَدُهُمَا مُصَنّفًا فِي أَنّهُ وُلِدَ مَخْتُونًا وَأَجْلَبَ فِيهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الّتِي لَا خِطَامَ لَهَا وَلَا زِمَامَ وَهُوَ كَمَالُ الدّينِ بْنُ طَلْحَةَ فَنَقَضَهُ عَلَيْهِ كَمَالُ الدّينِ بْنُ الْعَدِيمِ وَبَيّنَ فِيهِ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خُتِنَ عَلَى عَادَة الْعَرَبُ وَكَانَ عُمُومٌ هَذِهِ السّنّة لِلْعَرَبِ قَاطِبَةً مُغْنِيًا عَنْ نَقْلٍ مُعَيّنٍ . فِيهَا وَاَللّه أَعْلَم
زاد المعاد/1/ 53/ الريان 395- أول مسجد قرئ فيه القرآن في المدينة
قال ابن القيم:
فَأَوّلُ مَسْجِدٍ قُرِئَ فِيهِ الْقُرْآنُ بِالْمَدِينَةِ مَسْجِدُ بَنِي زُرَيْقٍ
زاد المعاد/1/ 69/ الريان