عرض مشاركة واحدة
قديم 07-21-2011, 11:10 PM   #6
إداري
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 1,222
افتراضي رد: كتاب الصيام والاعتكاف من الشرح الممتع ( كاملا )

تابع : قوله: «وتسع ذي الحجة» أي ويسن صوم تسع ذي الحجة.
وتسع ذي الحجة تبدأ من أول أيام ذي الحجة، وتنتهي باليوم التاسع، وهو يوم عرفة، والحجة بكسر الحاء أفصح من فتحها وعكسها القعدة.
ودليل استحبابها قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر» (2) والصوم من العمل الصالح.
وقد ورد حديثان متعارضان في هذه الأيام، أحدهما أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يصوم هذه الأيام التسعة (3) ، والثاني أنه كان
__________
(1) أخرجه البخاري في الصوم/ باب صوم يوم عاشوراء (2004)؛ ومسلم في الصيام/ باب صوم يوم عاشوراء (1130) (128).
(2) أخرجه البخاري في العيدين/ باب فضل العمل في أيام التشريق (969) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(3) أخرجه مسلم في الصيام/ باب صوم عشر ذي الحجة (1176) عن عائشة رضي الله عنها.
يصومها (1) ، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله في التعارض بين هذين الحديثين: إن المثبت مقدم على النافي، ورجح بعض العلماء النفي؛ لأن حديثه أصح من حديث الإثبات، لكن الإمام أحمد جعلهما ثابتين كليهما، وقال: إن المثبت مقدم على النافي، ونحن نقول: إذا تعارضا تساقطا بدون تقديم أحدهما على الآخر فعندنا الحديث الصحيح العام «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر» (2) فالعمل الصالح في أيام عشر ذي الحجة ومن ذلك الصوم أحب إلى الله من العمل الصالح في العشر الأواخر من رمضان، ومع ذلك فالأيام العشر من ذي الحجة، الناس في غفلة عنها، تَمُرُّ والناس على عاداتهم لا تجد زيادة في قراءة القرآن، ولا العبادات الأخرى بل حتى التكبير بعضهم يشح به.
وآكَدُهُ يَوْمُ عَرَفَةَ لِغَيْرِ حَاجٍّ بِهَا،.............
قوله: «وآكده يوم عرفة» أي: آكد تسع ذي الحجة، صيام يوم عرفة لغير حاج بها، ويوم عرفة هو اليوم التاسع، وإنما كان آكد أيام العشر؛ لأن النبي (ص) «سئل عن صوم يوم عرفة فقال صلّى الله عليه وسلّم: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده» (3) وعلى هذا فصوم يوم عرفة أفضل من صوم عاشوراء؛ لأن صوم عاشوراء قال فيه الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» فقط.
__________
(1) أخرجه أبو داود في الصيام/ باب في صوم العشر (2437)؛ والنسائي في الصيام/ باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر (4/220)؛ وصححه الألباني في «صحيح أبي داود» (2129).
(2) سبق تخريجه ص(469).
(3) سبق تخريجه من حديث قتادة ص(468).
قوله: «لغير حاج بها» الباء بمعنى في، وقوله «لغير حاج بها» اشترط المؤلف شرطين: الأول: لغير حاج، الثاني: بها، أي: في عرفه، فظاهره أنه لو كان الحاج في غير عرفة، مثل أن يصادفه يوم عرفة في الطريق، ولم يصل إلى عرفة إلا في الليل، فظاهر كلام المؤلف أن صوم هذا اليوم مشروع، وظاهره أيضاً أنه لو كان الإنسان بعرفة لكنه لم يحج مثل العمال وشبههم فإنه يصوم، فالحاج في عرفة لا يصوم وليس مشروعاً له الصوم لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة» (1) وهذا الحديث في صحته نظر، لكن يؤيده أن الناس شَكُّوا في صومه صلّى الله عليه وسلّم يوم عرفة، فأرسل إليه بقدح من لبن فشربه ضحى يوم عرفة والناس ينظرون إليه (2) ، ليتبين لهم أنه لم يصم؛ ولأن هذا اليوم يوم دعاء وعمل، ولا سيما أن أفضل زمن الدعاء هو آخر هذا اليوم، فإذا صام الإنسان فسوف يأتيه آخر اليوم وهو في كسل وتعب، لا سيما في أيام الصيف وطول النهار وشدة الحر، فإنه يتعب وتزول الفائدة العظيمة الحاصلة بهذا اليوم، والصوم يدرك في وقت آخر؛ ولهذا فالصواب أن صوم يوم عرفة للحاج مكروه، وأما لغير الحاج فهو سنة مؤكدة.
__________
(1) أخرجه أحمد (2/304، 446)؛ وأبو داود في الصيام/ باب في صوم يوم عرفة (2440)؛ والنسائي في «الكبرى» (2843) وابن ماجه في الصيام/ باب صوم يوم عرفة (1732)؛ وابن خزيمة (2101) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفي إسناده مهدي بن حرب الهجري، وهو ضعيف، انظر: «التلخيص» (929).
(2) أخرجه البخاري من الصوم/ باب صوم يوم عرفة (1988)؛ ومسلم في الصيام/ باب استحباب الفطر للحاج بعرفات يوم عرفة (1123) عن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها.
وَأَفْضَلُهُ صَوْمُ يَوْمٍ وَفِطْرُ يَوْمٍ.............
قوله: «وأفضله صوم يوم وفطر يوم» أي: أفضل صوم التطوع صوم يوم، وفطر يوم.
فإذا قال قائل: لماذا لم يفعله الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والرسول ينشر الأفضل وهو أخشانا لله وأتقانا له؟ قلنا: لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يشتغل بعبادات أخرى أجل من الصيام، من الدعوة إلى الله، والأعمال الأخرى الوظيفية التي تستدعي أن يفعلها، ولهذا ثبت عنه فضل الأذان، وأن المؤذنين أطول الناس أعناقاً يوم القيامة (1) ، ومع ذلك لم يباشره؛ لأنه مشغول بعبادات أخرى جليلة لا يتمكن من مراقبة الشمس في طلوعها، وزوالها وما أشبه ذلك، وقال في الرجل الذي دخل وصلى وحده: من يتصدق على هذا؟ فقام بعض أصحابه فصلى معه (2) ، فلا يقول قائل: لماذا لم يقم هو لأنها صدقة، وهو أسبق الناس إلى الخير؟ فالجواب لأنه مشتغل بما هو أهم، من تعليم الناس، والتحدث إليهم وتأليفهم وما أشبه ذلك، المهم أنه لا يُظن أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم إذا ندب إلى فعل شيء وبين أنه أفضل ولم يفعله هو، فهو قصور منه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ، ولكن اشتغاله بما هو أولى وأهم، ولهذا لما سئل عن صوم يوم وإفطار يومين؟ قال: «ليت أنا نقوى على ذلك» (3) ، يعني أنه ما
__________
(1) أخرجه مسلم في الصلاة/ باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه (387) عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.
(2) أخرجه الإمام أحمد (3/64)؛ وأبو داود في الصلاة/ باب في الجمع في المسجد (574)؛ والترمذي في الصلاة/ باب ما جاء في الجماعة في مسجد قد صلي فيه مرّة (2220) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وحسنه الترمذي وصححه الألباني في «الإرواء» (2/316).
(3) سبق تخريجه من حديث أبي قتادة رضي الله عنه ص(468).
يقوى على ذلك مع أعماله الأخرى الجليلة التي لا يقوم بها غيره.
وعلى هذا إذا جاءنا طالب علم، وقال: إنني إذا صمت قصرت عن طلب العلم وصار عندي خورٌ وضعف وتعب، وإذا لم أصم نشطت على العلم، فهل الأفضل في أن أصوم يوماً وأفطر يوماً؛ لأنه أفضل الصيام، أو أن أقوم بطلب العلم؛ نقول: الأفضل أن تقوم بطلب العلم.
وإذا جاءنا رجل عابد ليس له شغل، لا قيام على عائلة، ولا طلب علم، وقال: ما الأفضل لي، أن أصوم يوماً وأفطر يوماً، أو لا أصوم؟ نقول: الأفضل أن تصوم يوماً وتفطر يوماً، فالمهم أن التفاضل في العبادات وتمييز بعضها عن بعض وتفضيل بعضها على بعض، أمر ينبغي التفطن له؛ لأن بعض الناس قد يلازم طاعة معينة ويترك طاعات أهم منها وأنفع، وقد جاء وفد إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فجلس يتحدث إليهم وترك راتبة الظهر ولم يصلها إلا بعد العصر (1) ، فعلى هذا ينبغي للإنسان أن يعادل بين نوافل العبادات وإذا ترك شيئاً لما هو أهم منه، فلا يقال إنه تركه، بل فعل ما هو خير منه، فلا يعد ذلك قصوراً.
ودليل ذلك أن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال: «لأصومن النهار، ولا أفطر، ولأقومن الليل ولا أنام، فبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم فسأله: «أنت الذي قلت كذا؟ قال: نعم، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: صم كذا، صم كذا، قال: إني أطيق أكثر من ذلك،
__________
(1) أخرجه البخاري في الجمعة/ باب إذا كُلم وهو يصلي... (1233)؛ ومسلم في الصلاة/ باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد العصر (834).
حتى قال له: صم يوماً وأفطر يوماً فذلك أفضل الصيام، وهو صيام داود، وقال له في القيام: نم نصف الليل، وقم ثلث الليل، ونم سدس الليل، فذلك أفضل القيام وهو قيام داود» (1) ؛ لأن هذا الصيام يعطي النفس بعض الحرية، والبدن بعض القوة؛ لأنه يصوم يوماً ويفطر يوماً، وكذلك القيام إذا نام نصف الليل، ثم قام ثلثه، ثم نام سدسه، فإن تعبه في قيام الثلث سوف يزول بنومه السدس، فيقوم في أول النهار نشيطاً.
ولكن هذا، أي: صوم يوم وفطر يوم، مشروط بما إذا لم يضيع ما أوجب الله عليه، فإن ضيع ما أوجب الله عليه كان هذا منهياً عنه؛ لأنه لا يمكن أن تضاع فريضة من أجل نافلة، فلو فرض أن هذا الرجل إذا صام يوماً وأفطر يوماً، تخلف عن الجماعة في المسجد، لأنه يتعب في آخر النهار، ولا يستطيع أن يصل إلى المسجد، فنقول له: لا تفعل؛ لأن إضاعة الواجب أعظم من إضاعة المستحب، فهذا مستحب لا تأثم بتركه فاتركه.
كذلك لو انشغل بذلك عن مؤونة أهله، أي: انقطع عن البيع والشراء والعمل الذي يحتاجه لمؤونة أهله، فإننا نقول له: لا تفعل؛ لأن القيام بالواجب أهم من القيام بالتطوع، وكذلك لو أدى هذا الصيام إلى عدم القيام بواجب الوظيفة كان منهياً عنه.
وقد التزم عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ بذلك حتى كبر فتمنى أنه قبل رخصة النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، حتى اجتهد ـ رضي الله عنه ـ فصار يصوم خمسة عشر يوماً
__________
(1) سبق تخريجه ص(459).
متتابعة، ويفطر خمسة عشر يوماً متتابعة، ويرى أن هذا بدل عن صيام يوم وإفطار يوم.
ونأخذ من هذا فائدة، وهي أن الإنسان ينبغي ألا يقيس نفسه في مستقبله على حاضره، فقد يكون الإنسان في أول العبادة نشيطاً يرى أنه قادر، ثم بعد ذلك يلحقه الملل، أو يلحقهُ ضعف وتعب، ثم يندم، لهذا ينبغي للإنسان أن يكون عمله قصداً، ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم مرشداً أمته: «اكلفوا من العمل ما تطيقون» (1) أي: لا تكلفوا أنفسكم وقال: «استعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة والقصد القصد تبلغوا» (2) ، وقال «إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى» (3) والمنبت هو الذي يسير ليلاً ونهاراً، فالإنسان ينبغي له أن يقدر المستقبل، لا يقول أنا الآن نشيط سأحفظ القرآن والسنة، وزاد المستقنع وألفية ابن مالك كلها في أيام قليلة، فهذا لا يمكن، فأعط نفسك حقها، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل» (4) وكثير من الناس يكون
__________
(1) أخرجه البخاري في الصوم/ باب التنكيل لمن أكثر الوصال (1966) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) أخرجه البخاري في الإيمان/ باب الدين يسر (39) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) أخرجه البزار (74) «كشف الأستار» قال الهيثمي في «المجمع» (2/62): «فيه يحيى بن المتوكل أبو عقيل وهو كذاب» وأخرجه البيهقي من طريق أخرى (3/19) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وإسناده ضعيف كما في الضعيفة (1/64)، وأخرجه ابن المبارك في الزهد (334) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما موقوفاً.
(4) أخرجه البخاري في الرقاق/ باب القصد والمداومة على العمل (6464)؛ ومسلم في الصلاة/ باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره (782) عن عائشة رضي الله عنها.
عنده رغبة إما في العبادة، أو طلب العلم أو غير ذلك، ثم بعد هذا يكسل، فالذي ينبغي للإنسان، أن ينظر للمستقبل، كما ينظر للحاضر.
وفي حديث عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ دليل على أن صوم يوم الجمعة أو السبت إذا صادف يوماً غير مقصود به التخصيص فلا بأس به، لأنه إذا صام يوماً، وأفطر يوماً فسوف يصادف الجمعة والسبت، وبذلك يتبين أن صومهما ليس بحرام، وإلا لقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: صم يوماً، وأفطر يوماً، ما لم تصادف الجمعة والسبت.
وَيُكْرَهُ إِفرَادُ رَجَبٍ، والجُمُعَةِ، وَالسَّبْتِ، والشَّكِ............
قوله: «ويكره إفراد رجب» يعني بالصوم.
عللوا هذا بأنه من شعائر الجاهلية، وأن أهل الجاهلية هم الذين يعظمون هذا الشهر، أما السنة فلم يرد في تعظيمه شيء، ولهذا قالوا: إن كل ما يروى في فضل صومه، أو الصلاة فيه من الأحاديث فكذب باتفاق أهل العلم بالحديث، وقد ألف ابن حجر ـ رحمه الله ـ رسالة صغيرة في هذا وهي «تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب».
ويؤخذ من قوله: «إفراد رجب» أنه لو صامه مع غيره، فلا يكره؛ لأنه إذا صام معه غيره لم يكن الصيام من أجل تخصيص رجب، فلو صام شعبان ورجباً فلا بأس، ولو صام جمادى الآخرة ورجباً فلا بأس.
قوله: «والجمعة» أي يكره إفراد الجمعة والدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً
بعده» (1) وقال: «لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام» (2) وقال لإحدى أمهات المؤمنين، وقد وجدها صائمة يوم الجمعة: «أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري» (3) فإن صامها مع غيرها فلا يكره، فلو صام الخميس والجمعة فلا بأس، أو الجمعة والسبت فلا بأس.
وإن صامها وحدها لا للتخصيص، لكن لأنه وقت فراغه كرجل عامل يعمل كل أيام الأسبوع، وليس له فراغ إلا يوم الجمعة، فهل يكره؟
الجواب: عندي فيه تردد، فإن نظرنا إلى ما رواه مسلم: «لا تخصوا يوم الجمعة بصيام» قلنا: لا بأس؛ لأن هذا لم يخصه، وإن نظرنا إلى حديث «أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري» فإن هذا قد يؤخذ منه أنه يكره إفرادها، وإن كان في الأيام الأخرى لا يستطيع، وقد لا يؤخذ منه، فيقال: إن قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «أصمت أمس؟ أو أتصومين غداً؟» يدل على أنها قادرة على الصوم.
فالحاصل أنه إذا أفرد يوم الجمعة بصوم لا لقصد الجمعة، ولكن لأنه اليوم الذي يحصل فيه الفراغ، فالظاهر إن شاء الله أنه لا يكره، وأنه لا بأس بذلك.
قوله: «والسبت» أي: يكره إفراده، لحديث «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم» (4) فيحمل إن صح على النهي عن
__________
(1) سبق تخريجه ص(462).
(2) سبق تخريجه ص(463).
(3) سبق تخريجه ص(462).
(4) سبق تخريجه ص(463).
إفراده، وأما جمعه، مع الجمعة، فلا بأس؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لجويرية: «أتصومين غداً؟» فدل هذا على أن صومه مع الجمعة لا بأس به، وهذه المسألة قد يلغز بها فيقال: يومان إن أفرد أحدهما بالصوم كره، وإن اجتمعا فلا كراهة؟ مع أن الذي يتبادر أن المكروه إذا ضم إلى مكروه ازدادت الكراهة، لكن هذا إذا ضم المكروه إلى مكروه زالت الكراهة، فيجاب أن الكراهة هي الإفراد، فإذا صام الجميع فلا كراهة، فإن قيل حديث النهي عن صوم السبت عام ليس فيه تفصيل، فالجواب أنه إذا ورد ما يخصص العام وجب العمل به، وقد ورد ما يدل على جواز صومه مع الجمعة وهذا تخصيص.
قوله: «والشك» أي: يكره صوم يوم الشك، ويوم الشك هو ليلة الثلاثين من شعبان، إذا كان في السماء ما يمنع رؤية الهلال كغيم وقتر.
وقيل: هو يوم الثلاثين من شعبان، إذا كانت السماء صحواً.
والأول أرجح؛ لأنه إذا كانت السماء صحواً وتراءى الناس الهلال ولم يروه لم يبق عندهم شك أنه لم يهل، والشك يكون إذا كان هناك ما يمنع رؤية الهلال، ولكن لما كان فقهاؤنا ـ رحمهم الله ـ يرون أنه إذا كان ليلة الثلاثين، وحال ما يمنع رؤيته من غيم أو قتر يجب صومه، حملوا الشك على ما إذا كانت السماء صحواً، وهذه آفة يلجأ إليها بعض العلماء، وسبب هذه الآفة أن الإنسان يعتقد قبل أن يستدل، وهذا خطأ، والواجب أن تجعل اعتقادك تابعاً للدليل، فتستدل أولاً، ثم تحكم ثانياً.
فالأرجح أن يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان، إذا كان في السماء ما يمنع رؤية الهلال، وأما إذا كانت السماء صحواً فلا شكَّ.
وهل صومه مكروه كما قال المؤلف أو محرم؟
الجواب: في هذا خلاف بين العلماء:
القول الأول: أنه محرم.
القول الثاني: أنه مكروه.
والصحيح أن صومه محرم إذا قصد به الاحتياط لرمضان ودليل ذلك:
1 ـ قول عمار بن ياسر رضي الله عنهما: «من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم» (1) .
2 ـ قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه» (2) .
3 ـ ولأنه نوع من التعدي لحدود الله، فإن الله يقول في كتابه: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] ، ورسوله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا رأيتموه فصوموا فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين» (3) .
وَيَحْرُمُ صَوْمُ العِيدَيْنِ وَلَوْ فِي فَرْضٍ، وَصِيَامُ أيَّامِ التَّشْرِيقِ، إلاَّ عَنْ دَمِ مُتْعَةٍ وَقِرَانٍ.
قوله: «ويحرم صوم العيدين» هما يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى، والدليل على ذلك:
1 ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «نهى عن صوم يومي العيدين، عيد الفطر، وعيد الأضحى» (4) ، وخطب عمر ـ رضي الله عنه ـ في ذلك
__________
(1) سبق تخريجه ص(305).
(2) سبق تخريجه ص(305).
(3) سبق تخريجه ص(303).
(4) أخرجه البخاري في الصوم/ باب صوم يوم النحر (1993)؛ ومسلم في الصيام/ باب تحريم صوم يومي العيدين (1138) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
على المنبر وقال: «هذان يومان نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن صومهما يوم النحر ويوم الفطر» (1) ، والحكمة في ذلك، أما يوم الفطر فلأنه يوم الفطر من رمضان ولا يتميز تحديد رمضان إلا بفطر يوم العيد، وأما الأضحى فلأنه يوم النحر، ولو صام الناس فيه لعدلوا فيه عما يحبه الله ـ عزّ وجل ـ مما أمر به في قوله: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] وكيف يأكل منها من كان صائماً؟!
2 ـ أن العلماء ـ رحمهم الله ـ أجمعوا على أن صومهما محرم، فلا يجوز لإنسان أن يصوم يوم العيدين.
ولكن لو أن العيد كان عندنا هنا، وكان في شرق آسيا مثلاً ليس يوم العيد، فهل يحرم عليهم الصوم؟
الجواب: نقول على مذهب من يرى أنه إذا ثبتت الرؤية في مكان من الأرض بطريق شرعي، فهي للجميع يكون صوم الذين في شرق آسيا حراماً؛ لأن هذا اليوم يوم عيد لهم، وإذا قلنا إن كل قوم لهم رؤيتهم وهم لم يروه ونحن رأيناه، فإنه لا يحرم عليهم، ويحرم علينا نحن.
قوله: «ولو في فرض» أي: ولو كان في فرض، فإنه يحرم أن يصوم يومي العيدين، فلو كان على الإنسان قضاء من رمضان، وقال: أحب أن أبدأ بالقضاء من أول يوم من شوال، قلنا: هذا حرام، ولو أنه نذر أن يصوم يوم الاثنين فصادف يوم العيد، فإنه حرام عليه.
__________
(1) أخرجه البخاري في الصوم/ باب صوم يوم الفطر (1990)؛ ومسلم في الصيام/ باب تحريم صوم يومي العيدين (1137).
قوله: «وصيام أيام التشريق إلا عن دم متعة وقران» أي: يحرم، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال فيها: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عزّ وجل» (1) وهذا يدل على أن هذه الأيام لا تصلح أن تكون أيام إمساك، إنما هي أيام أكل وشرب وذكر لله، وأيام التشريق ثلاثة بعد يوم النحر هي الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، وهذه الأيام تسمى أيام التشريق؛ لأن الناس كانوا يشرقون فيها اللحم، أي: يقددونه، ثم ينشرونه في الشمس من أجل أن ييبس حتى لا يتعفن، ويفسد.
وقوله: «إلا عن دم متعة وقران» أي: فيجوز صيامها فإذا حج الإنسان وكان متمتعاً، والمتمتع هو الذي يأتي بالعمرة أولاً في أشهر الحج، ثم يحل، ويأتي بالحج في عامه بعد ذلك، فعليه الهدي، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، والقارن كالمتمتع، وهو الذي يحرم بالعمرة والحج جميعاً، فيقول: لبيك عمرة وحجاً، أو يحرم بالعمرة أولاً، ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها، فعليه الهدي، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع من الحج.
ودم المتعة والقران إذا لم يجدهما الحاج، فإنه يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، وتبتدئ هذه الأيام الثلاثة في حين الإحرام بالعمرة، ولو كان قبل شهر ذي الحجة، فإذا كان متمتعاً
__________
(1) أخرجه مسلم في الصيام/ باب تحريم صوم أيام التشريق (1141) عن نبيشة الهذلي رضي الله عنه.
وأحرم بالعمرة في آخر ذي القعدة، وهو يعلم أنه لن يجد الهدي، لأنه ليس معه دراهم، فله أن يصوم.
فإن قيل: كيف يصوم في العمرة والآية الكريمة يقول الله فيها {ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] ؟
فالجواب، قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «دخلت العمرة في الحج» (1) .
وينتهي صوم الثلاثة بآخر يوم من أيام التشريق، وعلى هذا فإذا لم يصم قبل ذلك، فإنه يصوم الأيام الثلاثة الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر.
ودليل ذلك حديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهم أنهما قالا: «لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي» (2) وقول الصحابي لم يرخص، أو رخص لنا، أو ما أشبه ذلك يعتبر مرفوعاً حكماً.
محب الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس