سرعة زوال الدنيا و مفاجأة الموت
و أنشدوا في بعض الشجعان مات حتف أنفه :
جائته من قبل المنون إشارة=== فهوى صريعاً لليدين و للفم
و رمى بمحكم درعه و برمحه === و امتد ملقى كالفتيق الأعظم
لا يستجيب لصارخ إن يدعه === أبداً و لا يرجى لخطب معظم
ذهبت بسالته و مر غرامه=== لما رأى حبل المنية يرتمي
يا ويحه من فارس ما باله ===ذهبت مروته و لما يُكْلم
هذي يداه و هذه أعضاؤه ===ما منه من عضو غداً بمثلم
هيهات ما حبل الردى محتاجة=== للمشرفي و لا اللسان اللهذم
هي ويحكم أمر الإله و حكمه=== و الله يقضي بالقضاء المحكم
يا حسرتا لو كان يقدر قدرها=== و مصيبة عظمت و لما تعظم
خبر علمنا كلنا بمكانه=== و كأننا في حالنا لم نعلم
*****************
و كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كثيراً ما يتمثل بهذه الأبيات :
لا شيء مما ترى تبقى بشاشته=== يبقى الإله و يفنى المال و الولد
لم تغن عن هرمز يوماً خزائنه=== و الخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
و لا سليمان إذ تجري الرياح له ===و الإنس و الجن فيما بينها ترد
أين الملوك التي كانت لعزتها ===من كل أوب إليها وافد يفد ؟
حوض هنالك مورود بلا كذب ===لا بد من ورده يوماً كما وردوا
*****************
و اذكر الموت تجد راحة في=== إذكار الموت تقصير الآمل
*****************
هي القناعة لا تبغي بها بدلاً=== فيها النعيم و فيها راحة البدن
انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها ===هل راح منها بغير القطن و الكفن ؟
****************
و لقد أحسن أبو العتاهية حيث يقول :
ياعجباً للناس لو فكروا ===و حاسبوا أنفسهم أبصروا
و عبروا الدنيا إلى غيرها=== فإنما الدنيا لهم معبر
لا فخر إلا فخر أهل التقى=== غداً إذا ضمهم المحشر
ليعلمن الناس أن التقي ===و البر كانا خير ما يدخر
عجبت للإنسان في فخره ===و هو غداً في قبره يقبر
ما بال من أوله نطفة=== و جيفة آخره يفجر
أصبح لا يملك تقديم ما=== يرجو و لا تأخير ما يحذر
و أصبح الأمر إلى غيره=== في كل ما يقضي و ما يقدر
التذكرة / القرطبي