عرض مشاركة واحدة
قديم 06-28-2011, 01:43 PM   #9
داعية مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: المغرب/الدار البيضاء
المشاركات: 443
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى أبو عبد البر طارق دامي
افتراضي رد: شرح حديث لا عدوى ولا هامة ولا صفر/ ابن رجب الحنبلي

هذا تتمة للموضوع لشيخ الإسلام

قال شيخ الإسلام/ الإستقامة:
**التوفيق بين القدر السابق و الأخذ بالأسباب**
فإن قيل فإذا كان القدر السابق لا ينافى الأسباب فما وجه ما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قلت يا رسول الله إني رجل شاب وأنا أخاف على نفسي العنت ولا أجد ما أتزوج به النساء
فسكت عني
ثم قلت مثل ذلك
فسكت عني
ثم قلت مثل ذلك
فسكت عني
ثم قلت مثل ذلك
فقال النبي صصص :يا أبا هريرة جف القلم بما أنت لاق فاختص على ذلك أو دع
فهذا يقتضى أن اختصاءه الذي قصد أن يمتنع به من الفاحشة لا يدفع المقدور
وكذلك في الصحيح عن أبي سعيد الخدري أنهم سألوا النبي صصص عن العزل
فقال النبي صصص: لا عليكم أن تفعلوا فما من نسمة كتب الله أن تكون إلا وهي كائنة
فهذا يقتضى ان عزل الماء وهو سبب لعدم العلوق لا فائدة فيه لدفع ما كتبه الله من الاولاد
وفي الصحيحين عن ابن عباس وهو في مسلم عن عمران بن حصين وهذا لفظه أن النبي صصص قال يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب
قال ومن هم يا رسول الله
قال هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون
فقال عكاشة: ادع الله يجعلني منهم
قال أنت منهم
فقام رجل فقال: يا نبي الله ادع الله ان يجعلني منهم
فقال سبقك بها عكاشة
فقد جعل التوكل ها هنا موجبا لترك الاكتواء والاسترقاء وهما من الأسباب
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود قال قالت ام حبيبة زوج النبي صصص: اللهم امتعنى بزوجي رسول الله وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية
قال فقال النبي صصص: قد سألت الله لآجال مضروبة وأيام معدودة وأرزاق مقسومة لن يعجل الله
شيئا قبل أجله ولن يؤخر شيئا عن أجله ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار أو عذاب في القبر كان خيرا وأفضل
قال وذكرت عنده القردة والخنازير هي من مسخ
فقال إن الله لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك
وفي رواية قال رجل: يا رسول الله القردة والخنازير هي مما مسخ
فقال النبي صصص: إن الله لم يهلك قوما أو يعذب قوما فيجعل لهم نسلا
فهذا الحديث أخبر فيه أن الدعاء وهو من الأسباب لا يفيد في إطالة الأعمار ويفيد في النجاة من عذاب الآخرة
**ليس كل ما يظنه الإنسان سببا يكون سببا وليس كل سبب مباحا في الشريع**
قيل ليس كل ما يظنه الإنسان سببا يكون سببا وليس كل سبب مباحا في الشريعة بل قد تكون مضرته أعظم من منفعته فيُنتهي عنه وليس كل سبب مقدورا للعبد فالعبد يؤمر بالسبب الذي أحبه الله ويؤذن له فيما أذن الله فيه مع أمره بالتوكل على الله تعالى فأما ما لا قدرة له فيه فليس فيه إلا التوكل على الله والدعاء له وذلك من أعظم الأسباب التي يؤمر بها العبد أيضا
وما كان من الأسباب محرما لرجحان فساده على صلاحه أو غير نافع لا يفيد بل يظن أنه نافع فإنه لا يؤمر به أيضا فلا يؤمر بما لا فائدة فيه وما كان فساده راجحا نهى عنه
**الأسباب إما أن تكون مقدورة أو غير مقدور**
وجماع الأمر أن الأسباب إما أن تكون مقدورة أو غير مقدورة فغير المقدور ليس فيه إلا الدعاء والتوكل
والمقدور إما أن يكون فساده راجحا أو لا يكون
فإن كان فساده راجحا نهى عنه وإن لم يكن فساده راجحا فينهى عنه كما ينهى عن إضاعة المال والعبث
وأما السبب المقدور النافع منفعة راجحة فهو الذي ينفع ويؤمر به ويندب اليه

**التوكل على الله من أعظم الأسباب**
وايضا فينبغى أن يعرف التوكل على الله من أعظم الأسباب فربما كان بعض الأسباب يضعف التوكل فإذا ترك ذلك كمل توكله
فهذا التقسيم حاصر والقدر يأتى على جميع الكائنات وبهذا يتبين فقه الأحاديث
**توجيه حديث الإختصاء**
أما حديث الاختصاء فإن الاختصاء محرم لرجحان مفسدته وقد ثبت في الصحيح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال زجر رسول الله ص عثمان بن مظعون عن التبتل ولو أذن لاختصينا
وبين النبي صصص أنه مع ركوب الاختصاء المحرم لا يسلم من الزنا, بل لا بد أن يفعل ما كتب عليه منه كما في الصحيحين عن النبي صصص أنه قال كتب الله على ابن آدم حظه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة فالعينان تزنيان وزناهما النظر واللسان يزني وزناه المنطق والأذنان تزنيان وزناهما الاستماع واليد تزني وزناها البطش والرجل تزني وزناها الخطا والنفس تتمنى والفرج يصدق ذلك أو يكذبه
** توجيه حديث العزل**
وأما حديث العزل فالعزل لا يمنع انعقاد الولد ولا تركه يوجب الولادة ولهذا لو عزل عن سريته وأتت بولد ألحق به فإن الماء سباق مع ما فيه من ترك لذة الجماع فأخبر النبي صصص بأن الولد المكتوب يكون عزلت أو لم تعزل
كما قال ليس من كل الماء يكون الولد
فلا يكون ترك العزل سببا للولادة ولا العزل سببا لمنعها والقدر ماض بالأمرين فلا فائدة فيه
ومثل هذا ما ثبت في الصحيح أنه نهى عن النذر وقال لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل
فأخبر أن النذر ليس من الأسباب التي تجتلب بها المنفعة وتدفع بها المضرة ولكن نلقيه إلى ما قدر له فنهى عنه لعدم فائدته
**توجيه حديث السبعين ألفا**
وأما حديث السبعين ألفا فلم يصفهم بترك سائر التطبب وإنما وصفهم بترك الاكتواء والاسترقاء
والاكتواء مكروه وقد نهى عنه في غير هذا الحديث لما قال وأنا أنهى أمتي عن الكى والمسترقى لم يفعل شيئا إلا اعتماده على الراقى فتوكله على الله سبحانه وحده لا شريك له أنفع له من ذلك
وهذا الجواب الآخر وهو ان المسترقى يضعف توكله على الله فإنه إنما طلب دعاء الغير ورقيته فاعتماد قلبه على الله وحده وتوكله عليه أكمل لإيمانه وأنفع له
**توجيه حديث أم حبيبة **
وأما حديث أم حبيبة ففيه أن الدعاء يكون مشروعا نافعا في بعض الأشياء دون بعض وكذلك هو
ولهذا لا يحب الله المعتدين في الدعاء فالاعمار المقدرة لم يشرع الدعاء بتغييرها بخلاف النجاة من عذاب الآخرة فإن الدعاء مشروع له نافع فيه
وقد كتبت مسألة زيادة العمر بصلة الرحم في غير هذا الموضع ولا يلزم من تأثير صلة الرحم ونحو ذلك أن يزيد العمر كما قد يقال بزيادة العمر بتأثير الدعاء ولذلك كان يكره أحمد أن يدعى له بطول العمر ويقول هذا فرغ منه
****
__________________
أشكو إلى الله كما قد شكى ... أولاد يعقوب إلى يوسف
قد مسني الضر وأنت الذي ... تعلم حالي وترى موقفي
بضاعتي المزجاة محتاجة ... إلى سماح من كريم وفي
فقد أتى المسكين مستمطرا ... جودك فارحم ذله واعطف
فاوف كيلي وتصدق على ... هذا المقل البائس الأضعف
أبو عبد البر طارق دامي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس