عرض مشاركة واحدة
قديم 07-17-2011, 11:52 PM   #4
إداري
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 1,222
افتراضي رد: كلام قيم للإمام الألباني ( الحديث حجة في نفسه ) ، رد على من يقدم على الكتاب والسنة بآراء أو أقيسة مخالفة .

تابع :
وإن من أكبر المصائب التي حلت في خاصة المسلمين فضلا عن عامتهم أن أكثرهم اليوم وقبل اليوم منذ قرون على جهل مطبق بما أفادته هذه النصوص من الكتاب والسنة والآثار عن الصحابة وأقوال الأئمة من ذم التقليد وأنه ليس بعلم وأن العلم إنما هو قال الله قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولذلك فإنه لا يكاد يخطر في بال أحدهم أن العلم الممدوح في الكتاب والسنة إنما هو العلم بما جاء فيهما من العقائد والأحكام وأن العلماء الذين مدحوا فيها إنما هم أهل العلم بما فيهما وليسوا العارفين بأقوال الأئمة واجتهاداتهم لذلك تراهم حيارى بينها لا يعرفون الموافق للكتاب والسنة منها من المخالف . وكذلك لا يكاد يدور في خلد أحدهم مطلقا حين يقرأ في أحاديث أشراط الساعة مثلا :
يرفع فيها العلم ويظهر فيها الجهل
( متفق عليه ) أنه يدخل فيه علم المقلد الذي هو الجهل لأنه لا علم عنده كما تقدم عن الأئمة وكذلك لا ينتبه مطلقا إذا سمع قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء "
( متفق عليه ) أنهم العلماء بكتاب الله وسنة رسوله فقط . بل طالما سمعنا الكثيرين منهم يوردون هذا الحديث بمناسبة موت أحد شيوخ التقليد وكذلك يسيئون فهم بقية الحديث : " حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم ( ولفظ
[ 82 ]
(1/82)
________________________________________
البخاري : برأيهم ) فضلوا وأضلوا " فيظنون أن المراد بهم العوام الذين لا علم عندهم بالفقه التقليدي ولا معرقة لهم بالمذاهب والحقيقة أنه يدخل في هذا الوصف المقلدة الذين قنعوا من العلم بمعرفة اجتهادات الأئمة وتقليدهم فيها على غير بصيرة كما سبقت الإشارة إلى هذا المعنى في كلام ابن عبد البر الأندلسي . ويؤيد ما ذكرنا استدلال العلماء بهذا الحديث على جواز خلو الزمان من مجتهد على تفصيل مذكور في " فتح الباري " ( 13 / 244 ) فقد أشاروا بذلك إلى أن المقصود بالعلماء فيه المجتهدون وبالرؤوس : الجهال المقلدون
والسر في هذا الجهل المطبق إنما هو جهلهم بحقيقة العلم ومن هو العالم الذي تنصرف إليه الآيات والأحاديث كلما ذكر فيها كقوله تعالى : [ هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ] وقوله : [ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ] وقوله صلى الله عليه وآله وسلم
فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم
رواه الترمذي ( إسناده صحيح كما بيناه في تخريج " المشكاة - 213 ) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " . رواه مسلم . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : " ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه " رواه الحاكم ( إسناده حسن كما هو مبين في " تخريج الترغيب - 1 / 46 ) إلى غير ذلك من
[ 83 ]
(1/83)
________________________________________
الآيات والأحاديث الكثيرة في فضل العلم والعلماء وقد عقد الحافظ ابن عبد البر في كتابه " جامع بيان العلم "
(1/83)
________________________________________
بابا خاصا لبيان هذه الحقيقة فقال ( 2 / 23 ) " باب معرفة أصول العلم وحقيقته وما الذي يقع عليه اسم الفقه والعلم مطلقا " . وتبعه عليه العلامة الفلاني في كتابه " إيقاظ همم أولي الأبصار " ( ص 23 - 26 ) ثم ذكرا كلاهما تحته بعض الأحاديث والآثار التي تترجم عنه وختم الفلاني ذلك بقوله : " قلت : فهذه الأحاديث والآثار مصرحة بأن اسم العلم إنما يطلق على مافي كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والإجماع أو ما قيس على هذه الأصول عند فقد نص على ذلك عند من يرى لا على ما لهج به أهل التقليد والعصبية من حصرهم العلم على ما 'دون في كتب الرأي المذهبية مع مصادفة بعض ذلك لنصوص الأحاديث النبوية " . وجملة القول أن التقليد مذموم لأنه جهل وليس علم وإنما العلم الحقيقي هو العلم بالكتاب والسنة والتفقه بهما
(1/83)
________________________________________
جواز التقليد للعاجز عن معرفة الدليل :
وقد يقول قائل : ليس كل أحد يستطيع أن يكون عالما بهذا المعنى . فنقول : نعم هو كذلك ولكن من الذي ينازع في ذلك
[ 84 ]
(1/84)
________________________________________
والله عز و جل يقول :
[ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ] ويقول : [ فاسأل به خبيرا ] وقال صلى الله عليه وآله وسلم لمن
(1/84)
________________________________________
أفتوا بجهل : " ألا سألوا حين جهلوا فإنما شفاء العي السؤال " على أن البحث لم يكن في تحديد من يستطيع ذلك ومن لا يستطيع بل سياق الكلام يدل أنه منصب على الخاصة الذين يظن أنهم من أهل العلم ويظن أن في إمكانهم معرفة المسائل أو بعضها على الأقل بالدليل وهم في الحقيقة علماء بأقوال المذهب جهلاء بالكتاب والسنة فالسؤال غير وارد أصلا لا سيما وقد ذكرت في مطلع هذا الفصل أن النص الأصولي المذكور أفادنا أمرين هامين :
الأول : أن التقليد ليس بعلم نافع وقد بينت ذلك بما فيه مقنع إن شاء الله
والأمر الآخر : أنه وظيفة العامي الجاهل فخرج به العالم المتمكن من معرفة الأدلة وأنه هو الذي ليس التقليد وظيفة وإنما الاجتهاد وهذا مما يوضحه شرح الأمر الآخر فأقول : قال ابن عبد البر عقب ما سبق نقله عنه ملخصا : " وهذا كله لغير العامة فإن العامة لا بد لها من تقليد علمائها عند النازلة تنزل بها لأنها لا تتبين موقع الحجة ولا تصل لعدم الفهم إلى علم ذلك لأن العلم درجات لا سبيل منها إلى أعلاها
[ 85 ]
(1/85)
________________________________________
إلا بنيل أسفلها وهذا هو الحائل بين العامة وبين طلب الحجة
والله أعلم . ولم تختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها وأنهم المرادون بقول الله عز و جل : [ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ] وأجمعوا على أن الأعمى لا بد له من تقليد غيره ممن يثق بمعرفته بالقبلة إذا أشكلت عليه فكذلك من لا علم له ولا بصر بمعنى ما يدين به لا بد له من تقليد عالمه وكذلك لم يختلف العلماء أنه لا يجوز للعامة الفتيا وذلك - والله أعلم - لجهلها بالمعاني التي منها يجوز التحليل والتحريم والقول في العلم "
على أنني أرى إطلاق الكلام في العامي وأنه لا بد له من تقليد لا يخلو من شيء . لأنك إذا تذكرت أن التقليد هو العمل بقول الغير من غير حجة فمن السهل في كثير من الأحيان على بعض أذكياء العامة أن يعرف الحجة لوضوحها في النص الذي بلغه فمن الذي يزعم أن مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين " لا تبين الحجة فيه لهم بل ولمن دونهم في الذكاء ؟ ولذلك فالحق أن يقال : إن من عجز عن معرفة الدليل فهو الذي يجب عليه التقليد . ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها وسيأتي ما يؤيد هذا من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في آخر هذه الكلمة . كما أن العالم نفسه قد يضطر أحيانا إلى التقليد في بعض المسائل حين لا يظفر فيها بنص عن الله ورسوله ولم يجد فيها سوى قول من هو أعلم منه فيقلده اضطرارا
[ 86 ]
(1/86)
________________________________________
كما صنع الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في بعض المسائل ولهذا قال ابن القيم رحمه الله تعالى
( 2 / 344 ) : " وهذا فعل أهل العلم وهو الواجب فإن التقليد إنما يباح للمضطر وأما من عدل عن الكتاب والسنة وأقوال الصحابة وعن معرفة الحق بالدليل مع تمكنه منه إلى التقليد فهو كمن عدل إلى الميتة مع مقدرته على المذكى فإن الأصل أن لا يقبل قول الغير إلا بدليل فجعل المقلدة حال الضرورة رأس أموالهم "
(1/86)
________________________________________
محاربة المذهبيين للاجتهاد وإيجابهم التقليد على كل أحد :
إذا تبين هذا فقد بقي علينا البحث فيما وعدنا به فيما سبق من النظر في أحوال المتبعين للأئمة بزعمهم ومدى صحة اتباعهم لأقوالهم فأقول : إن موقف جماهير المشايخ المقلدين منذ عصور موقف غريب جدا لأنهم في الوقت الذي يدعون أنهم ليسوا أهلا للرجوع إلى الكتاب والسنة في فهم الأحكام وأن عليهم أن يقلدوا الأئمة تراهم لا يرضون أن ينسبوا إلى الجهل وهو مقتضى أقوال علمائهم بل
[ 87 ]
(1/87)
________________________________________
نراهم قد خرجوا عن تقليدهم في كثير من أصولهم وجاؤوا بقواعد من عندهم - وما كان لهم ذلك وهم يدعون التقليد - ولا سيما وهي مخالفة لنصوص الكتاب والسنة وهم إنما جاؤوا بها ليفرضوا على أنفسهم تقليد الأئمة في فروعهم خلافا لأوامرهم السابقة الذكر فقد ادعوا " أن المجتهد المطلق قد فقد "
( الدر المختار 1 / 45 - حاشية ) واشتهر عندهم أن باب الاجتهاد قد أغلق بعد القرن الرابع الهجري وقد ذكر نحوه ابن عابدين في حاشيته ( 1 / 551 ) وبذلك منعوا المسلمين من التفقه بالكتاب والسنة وأوجبوا عليهم التقليد لأحد الأئمة الأربعة كما قال في " الجوهرة " :
وواجب تقليد حبر منهم كذا حكى القوم بلفظ يفهم
وادعوا أن علم الحديث والفقه نضج واحترق ( الدر المختار 1 / 45 - حاشية ) . وأكدوا ذلك وأحكموه بقول أبي الحسن الكرخي : " كل آية تخالف ما عليه أصحابنا فهي مؤولة أو منسوخة وكل حديث كذلك فهو مؤول أو منسوخ " ( الدر المختار 1 / 45 - حاشية ) . ولذلك فمهما جئتهم بآية أو حديث استجازوا لأنفسهم رد ذلك فورا دون أن يفكروا في دلالتهما وهل هما فعلا مخالفان للمذهب وأجابوك بقولهم : " أأنت أعلم أم المذهب ؟ "
[ 88 ]
(1/88)
________________________________________
مخالفة المذهبيين لأئمتهم في التعصب لهم وفرض تقليدهم :
فهم بمثل هذه القواعد التي ابتدعوها على خلاف ما أوصاهم به أئمتهم قد مكنوا للتقليد في صدورهم وصدور طلبة العلم كلهم وصدورهم بذلك عن التفقه بالكتاب والسنة وصار الفقه في عرفهم هو فهم أقوال العلماء الواردة في كتبهم ثم لم يقنعوا بهذا كله بل دعوا إلى التعصب للمذهب بمثل قول بعضهم : " إذا سئلنا عن مذهبنا ومذهب مخالفنا ؟ قلنا وجوبا : مذهبنا صواب يحتمل الخطأ ومذهب مخالفنا خطأ يحتمل الصواب وإذا سئلنا عن معتقدنا ومعتقد خصومنا قلنا وجوبا : الحق ما نحن عليه والباطل ما عليه خصومنا " ( تاريخ التشريع الإسلامي للعلامة الخضري
( ص 332 ) . ومع أن هذه الأقوال ونحوها مما لم نذكره لم يقل بها أحد من الأئمة المتبوعين بل هم أعلم وأتقى لله تعالى من أن يتفوهوا بها فهي ظاهرة البطلان من وجهين :
الأول : أنها مخالفة للكتاب والسنة في نصوصهما الكثيرة التي تأمر بأن لا يقول الإنسلن إلا بعلم كقوله تعالى : [ ولا تقف ما ليس لك به علم ] وقد علمت أن العلم الحق إنما هو ما جاء في القرآن والسنة فأين فيهما ما يدل على ما ذكروه ؟
[ 89 ]
(1/89)
________________________________________
والآخر : أنهم يدعون التقليد والمقلد حجته قول إمامه كما هو معروف من كتبهم فأين ذلك في كلام إمامهم ؟ وحاشاهم من ذلك
(1/89)
________________________________________
كثرة الخلاف في المقلدين وقلته في أهل الحديث :
ومن عرف هذا السبب في بقاء طوائف المقلدين على تفرقهم المشين طيلة هذه القرون الطويلة حتى أفتى جمهورهم ببطلان الصلاة أو كراهتها وراء المخالف في المذهب بل منع بعضهم الحنفي أن يتزوج المرأة الشافعية وأجاز آخر ذلك لكن دون العكس معللا ذلك بقوله : " تنزيلا لها منزلة أهل الكتاب " كأن الله تعالى لم يخاطبهم بقوله : [ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ] وقال : [ وتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون ] . قال ابن القيم رحمه الله ( 1 / 314 ) : " والزبر الكتب أي كل فرقة صنفوا كتبا أخذوا بها وعملوا بها ودعوا إليها دون كتب الآخرين كما هو الواقع سواء " . أقول : ولعلهذه الكتب هي التي أشار إليها عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فيما رواه عنه عمرو بن قيس السكوني قال : " خرجت مع أبي في الوفد إلى معاوية فسمعت رجلا يحدث الناس يقول : " إن من أشراط الساعة أن ترفع الأشرار وتوضع
[ 90 ]
(1/90)
________________________________________
الأخيار وأن يخزن الفعل والعمل ويظهر القول وأن يقرأ الناس بالمثناة في القوم ليس فيهم من يغيرها أو ينكرها "
فقيل : وما المثناة ؟ قال : ما اكتتب سوى كتاب الله عز و جل " ( أخرجه الحاكم ( 4 / 554 - 555 ) وقال : صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وهو وإن كان موقوفا فله حكم المرفوع . لأنه من الأمور الغيبية التي لا تقال بمجرد الرأي لا سيما وقد رفعه بعض الرواة عنده وصححه أيضا
وكأنه لذلك كان الإمام أحمد رحمه الله - حرصا منه على إخلاص الاتباع للكتاب والسنة - يكره وضع الكتب التي تشتمل على التفريع والرأي ( قاله ابن الجوزي في " مناقب أحمد " ص 192 ) خشية إيثار الناس لها على الكتاب والسنة كما فعل المقلدة تماما فإنهم يؤثرون مذهبهم على الكتاب والسنةعند الاختلاف ويجعلونه معيارا عليهما كما تقدم كما تقدم عن الكرخي وكان الواجب اتباع الكتاب والسنة كما تقضي بذلك الأدلة المتقدمة منها وكما توجب ذلك عليهم أقوال أئمتهم وأن ينضموا إلى من كان الكتاب والسنة معه من المذاهب الأخرى ولكنهم مع الأسف الشديد ظلوا مختلفين متنازعين ولذلك قال ابن القبم ( 2 / 333 ) وقد ذكر قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي . . . . " :
[ 91 ]
(1/91)
________________________________________
" وهذا ذم للمختلقين وتحذير من سلوك سبيلهم وإنما كثر الاختلاف وتفاقم أمره بسبب التقليد وأهله الذين فرقوا الدين وصيروا أهله شيعا كل فرقة تنصر متبوعها وتدعوا إليه وتذم من خالفها ولا يرون العمل بقولهم حتى كأنهم ملة أخرى سواهم ويدأبون ويكدحون في الرد عليهم وقولون : " كتبهم " و " كتبنا " و " أئمتهم " و
أئمتنا
و " مذهبهم " و " مذهبنا " هذا والنبي واحد والقرآن واحد والرب واحد فالواجب على الجميع أن ينقادوا إلى كلمة سواء بينهم كلهم وأن لا يطيعوا إلا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا يجعلوا معه من يكون أقواله كنصوصه ولا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله فلو اتفقت كلمتهم على ذلك وانقاد كل واحد منهم لمن دعاه إلى الله ورسوله وتحاكموا كلهم إلى السنة وآثار الصحابة لقل الاختلاف وإن لم يعدم من الأرض ولهذا تجد أقل الناس اختلافا أهل السنة والحديث فليس على وجه الأرض طائفة أكثر اتفاقا وأقل اختلافا منهم لما بنوا على هذا الأصل وكلما كانت الفرقة عن الحديث أبعد كان اختلافهم في أنفسهم أشد وأكثر فإن من رد الحق مرج عليه أمره واختلط عليه والتبس عليه وجه الصواب فلم يدر أين ذهب كما قال تعالى : [ بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج ] وقال أيضا ابن القيم رحمه الله : " ونحن لا ندعي أن الله فرض على
[ 92 ]
(1/92)
________________________________________
جميع خلقه معرفة الحق بدليله في كل مسألة من مسائل الدين دقه وجله . وإنما أنكرنا ما أنكره الأئمة ومن تقدمهم من الصحابة والتابعين وما حدث في الإسلم بعد انقضاء القرون الفاضلة في القرن الرابع المذموم على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
من نصب رجل واحد وجعل فتاويه بمنزلة نصوص الشارع بل تقديمها عليه وتقديم قوله على أقوال من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جميع علماء أمته والاكتفاء بتقليده عن تلقي الأحكام من كتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة وأن ينضم إلى ذلك أنه ( يعني الرجل المقلد ) لا يقول إلا بما في كتاب الله وسنة رسوله . وهذا مع تضمنه للشهادة بما لا يعلم الشاهد والقول على الله بغير علم فيه الإخبار عمن خالفه - وإن كان أعلم منه - أنه غير مصيب للكتاب والسنة . ويقول : متبوعي هو المصيب أو يقول : كلاهما مصيب للكتاب والسنة - وقد تعارضت أقوالهما - فيجعل أدلة الكتاب والسنة متعارضة ومتناقضة والله ورسوله يحكم بالشيء وضده في وقت واحد ودينه تبع لآراء الرجال وليس له في نفي الأمر حكم معين ولا بد من واحد من الأمرين وهذا من بركة التقليد عليه
إذا عرف هذا فنحن إنما قلنا ونقول : إن الله تعالى أوجب على العباد أن يتقوه بحسب استطاعتهم . وأصل التقوى معرفة ما يتقي ثم
[ 93 ]
(1/93)
________________________________________
العمل به فالواجب على كل عبد أن يبذل جهده في معرفة ما يتقيه مما أمره الله به ونهاه عنه ثم يلتزم طاعة الله ورسوله وما خفي عليه فهو في أسوة أمثاله ممن عدا الرسول فكل أحد سواه قد خفي عليه بعض ما جاء به ولم يخرجه ذلك عن كونه من أهل العلم ولم يكلفه الله ما لا يطيق من معرفة الحق واتباعه "
(1/93)
________________________________________
محب الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس