عرض مشاركة واحدة
قديم 08-06-2010, 03:06 PM   #7
إداري
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 1,222
افتراضي رد: ضوابط الصيام الفقهية للشيخ وليد السعيدان حفظه الله

الضابط السادس
من استحل حرمة رمضان بلا مسوغ شرعي لزمه إمساك بقية اليوم

هذا هو القول الفاصل إن شاء الله تعالى بين من يلزمه الإمساك مع فساد الصوم ومن لا يلزمه ذلك ، فأقول وبالله التوفيق :-
إعلم أن من أفطر في رمضان بأي مفطر من المفطرات السالفة الذكر أكلاً أو شرباً أو حجامة أو جماعاً ونحوها فلا يخلو من حالتين : إما أن يكون ذلك بالمسوغ الشرعي أي للعذر المعتبر شرعاً وإما لا ، فإن كان استحل حرمة رمضان بالعذر المعتبر فهذا إذا زال عذره ذلك فإنه يبقى على فطره ولا يلزمه الإمساك ذلك لأن حرمة هذا اليوم في حقه زالت لأنه استحلها بالعذر الشرعي ومن فعل ما يجوز له شرعاً فإنه لا ضمان الشرعي ذلك لأن الجواز الشرعي ينافي الضمان ، ولأن لزوم الإمساك مرة أخرى حكم شرعي يحتاج إلى دليل ، لأن الأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة ، ولا يقال يلزمه الإمساك لحرمة الوقت ، لأن الحرمة في حق ذلك الشخص المعين قد زالت بالمسوغ الشرعي وبقاء حرمة الزمن في حق غيره لا تتعدى إليه ، ولأن القول بالإمساك مع ذهاب حرمة الزمن في حقه وفساد صومه لا فائدة فيه ، إذ لا مصلحة يجتنى منه شرعا وما لا مصلحة فيه فإن الشريعة لا تأمر به ولا تأتي به ، ولا يقاس من ذهبت حرمة اليوم في حقه بالمسوغ الشرعي على من استحلها بلا مسوغ شرعي فإن هذا معاند ومتجانف ومستحق للعقوبة وحرمة الوقت باقية في حقه لم تنزل ، وأما الآخر فإنه فاعل لما يجوز له شرعاً مستحل للحرمة بالمسوغ المعتبر شرعاً غير متجانف للإثم ولا بمعاند ولا منتهك لحرمة الزمن فأين هذا من هذا ، فقياس أحدهما على الآخر من أفسد القياس كما قال تعالى : ( أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون ) وقال ( أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ) وأين بالله عليك العلة التي بها يلحق الفرع بالأصل في القياس هذا فاسد لا عبرة به ، فالقول الصحيح إن شاء الله تعالى أن من استحل حرمة رمضان بالعذر المعتبر شرعاً فإنه لا يلزمه إمساك بقية اليوم ، وروي عن ابن مسعود أنه قال : من أفطر أول النهار أي بالمسوغ الشرعي فليفطر آخره . فهذا فيمن استحل حرمة الشهر بالمسوغ الشرعي ، وأما من استحلها بلا مسوغ شرعي وإنما هو الهوى وشهوة النفس وتسويل الشيطان فإنه آثم وصومه فاسد ومع ذلك فإنه لا يلزمه الإمساك ولا يحل له الاستمرار في الفطر ، ذلك لأن حرمة اليوم لا زالت قائمة في حقه فإنه انعقدت بالدليل فلا تحل إلا بدليل ، وإن استحلالها بلا عذر معتبر شرعاً من الاستخفاف بها وعدم تعظيمها وهذا مناف لتقوى القلوب وقال تعالى : ( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنه من تقوى القلوب ) وقال تعالى : ( ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ) فنعوذ بالله من الاستخفاف بشعائره جل وعلا وحرماته وتعدي حدوده ، فهذا المستحل لحرمة اليوم بلا عذر لا حق له في هذا الاستحلال وإنما هو تعد منه وتجاوز لم أمر به وارتكاب وتقحم لما نهي عنه فليزمه حينئذ الإمساك بقية اليوم ، مع الإثم ، وهل يقضي أو لا يقضي ؟ هذه مسألة أخرى وقد تقرر عندنا أن العامد فإفساد الصوم بلا عذر موجب لذلك أنه لا يقضي لأن العبادة المؤقتة بوقت تفوت بفوات وقتها إلا من عذر ، وتقدم ذلك . والمقصود : هو التفريق بين من أفطر بالمسوغ الشرعي فلا يلزمه إمساك بقية اليوم ، وإليك الفروع المندرجة تحت هذا الضابط فأقول :
منها : إذا طهرت الحائض أثناء النهار فإنه من المعلوم المتقرر أن الحائض لا تصوم وهذه رأت الطهر في نهار الصيام فهل يلزمها إمساك بقية اليوم أم لا ؟ أقول : المشهور من المذهب أنه يلزمها الإمساك بقية اليوم لحرمة الزمن ، ولكن الراجح إن شاء الله تعالى أنه لا يلزمها ذلك الإمساك لأنه قد أفطرت أول اليوم بالمسوغ الشرعي فلا يلزمها إمساك بقية اليوم ، وحرمة الزمن باقية في حق غيرها أما هي فلا حرمة لهذا اليوم في حقها لزوال الحرمة بالفطر الذي اقتضاه العذر المعتني شرعاً والله أعلم .
ومنها : النفساء إذا طهرت في أثناء النهار يقال فيها ما قيل في الحائض إذا طهرت ، والراجح في هذا الفرع هو بعينه الراجح في الفرع الذي قبله ومأخذ الترجيح واحد في كليهما والله أعلم .
ومنها : إذا قدم المسافر مفطراً فهل يلزمه إمساك بقية اليوم أم لا ؟ أقول فيه خلاف والمشهور من المذهب أنه يلزمه الإمساك لحرمة الوقت ولكن الصواب في هذا أنه لا يلزمه الإمساك بقية اليوم لأنه استحل حرمة رمضان بالمسوغ الشرعي ومن استحل حرمة رمضان بالعذر الشرعي فإنه يلزمه إمساك بقية اليوم ، نعم يختفي بفطره عن الناس الذين لا يعرفون حقيقة حاله حتى لا يتهم في دينه ، هذا صحيح لكن لا يلزمه شرعاً الإمساك لعدم الدليل والأصل بقاؤه مفطراً والله أعلم .
ومنها : إذا عوفي المريض من مرضه الذي أباح له الفطر في نهار رمضان يوم الصوم فهل يلزمه الإمساك أما لا ؟ أقول : فيه خلاف والمشهور من المذهب أنه يلزمه ذلك ولكن الراجح إن شاء الله تعالى أنه لا يلزمه الإمساك وذلك لعدم الدليل ولأنه استحل حرمة هذا اليوم بالمسوغ الشرعي فلا إمساك عليه والله أعلم .
ومنها : من احتاج للفطر لإنقاذ غريق أو معصوم عن هلكة فله ذلك بل ولربما قيل بوجوبه إذا لم يتقوى عليه إلا بالإفطار لأن مصلحة حفظ النفس أوجب مراعاة مصلحة عدم الفطر ، قلة الفطر إيجاباً أو استحباباً لكن إذا أنقذه من الهلكة فهل يلزمه إمساك بقية هذا اليوم ، أقول : فيه خلاف والأصح إن شاء الله تعالى أن لا يلزمه ذلك لأنه قد استحل حرمة هذا اليوم بالمسوغ الشرعي وقد تقرر في الضوابط أنه لا يلزمه إمساك بقية اليوم والله أعلم .
ومنها : إذا أصيب شخص بنزيف مثلاً واحتيج للتبرع له بالدم ولم نجد فصيلة تناسبه إلا فصيلة هذا الصائم والأمر لا يتأخر إلى الإفطار ، فنقول : تبرع لأخيك إيجاباً واستحباباً وأنت بهذا التبرع الكثير عرفاً قد فسد صومك لكن بالمسوغ الشرعي ، فجزاك الله خيرا ، ولا يلزمك إمساك بقية اليوم لأن حرمته زالت في حقك بالعذر المعتبر شرعاً ، وعليك قضاؤه من أيام آخر ، هذا هو الراجح إن شاء الله تعالى والله تعالى أعلم .
ومنها : من جامع عالماً عامداً في نهار رمضان فإننا نقول له : أفسدت صومك يا هذا ، واستحللت حرمة اليوم بلا مسوغ شرعي ولا عذر شرعي ، فعليك إمساك بقيته ولا يحل لك تناول شيء من المفطرات لأن الحرمة باقية في حقك واستحلالك لها لا يحلها وقد تقرر أن من استحل حرمة رمضان بلا مسوغ شرعي فإنه يلزمه إمساك بقية اليوم والله أعلم .
ومنها : إن بعض الفحول من الرجال فيه مرض اشتداد الشهوة بحيث لا يفتر ذكره ، نسأل الله العافية والسلامة ، وهو ما يسمى بالشبق بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة ، وهذا المرض يوجب على صاحبه أن يخرج ماءه دائماً وإلا لأدى به إلى الهلاك وتشقق أنثييه ، فإذا كان صائماً واضطر إلى أخراج مائه فنقول : يجوز لك حينئذ ذلك بشروط : الأول : أن لا تندفع شهوته إلا بالوطء في الفرج ، فإذا كانت شهوته تندفع بغير ذلك فلا يجوز له حينئذ الوطء في الفرج ، فإن كانت تندفع بالاستمناء بيد زوجته أوطء فيما دون الفرج فله ذلك أي إخراج مائه بهذه الأشياء لأنه يخاف على نفسه فهو كالمريض وقد قال تعالى : ( وإن كنتم مرضى أو على سفر فعدة من أيام أخر ) الثاني : أن لا يجد بدال من وطء زوجته الصائمة فإن كان له زوجتان وإحداهما مفطرة لعذر غير حيض ونفاس فإنه يقدمها على الصائمة حتى لا يفسد صومها ، أما إذا لم يكن عنده إلا هذه الصائمة فنقول له : أعانك الله وثبتك وصبرك على هذه المصيبة فاصبري واحتسبي الأجر من الله ومكنيه منك ويكون صومك فاسداً وصومه فاسداً لكن بالمسوغ الشرعي ومن أفطر بالعذر المعتبر شرعاً فإنه لا يلزمه إمساك بقية اليوم ، والله المستعان وهو أعلم .
ومنها : من أكل أو شرب في نهار رمضان عالماً ذاكراً مختاراً فنقول له : قف عن الأكل وعليك الإثم وصومك فاسد ويلزمك إمساك بقية هذا اليوم مع فساده لأن حرمة اليوم باقية في حقك وقد تقرر أن من استحل حرمة رمضان بلا مسوغ شرعي أنه يلزمه إمساك بقية اليوم ، والله ربنا أعلى وأعلم .
وخلاصة الضابط أن فيه منطوقاً ومفهوماً ، فأما المنطوق فيقضي بوجوب الإمساك على من ارتكب مفسداً للصوم بلا عذر معتبر شرعاً ، ومفهومه يقضي بأن من فعل شيئاً من المفطرات بالعذر الشرعي أنه لا مؤآخذة ولا يلزمه إمساك بقية اليوم والله يتولانا وإياك وهو أعلى وأعلم .
محب الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس