عرض مشاركة واحدة
قديم 08-06-2010, 03:01 PM   #1
إداري
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 1,222
افتراضي ضوابط الصيام الفقهية للشيخ وليد السعيدان حفظه الله

ضوابط الصيام الفقهية للشيخ وليد السعيدان حفظه الله :

الضابط الأول
لا يثبت دخول رمضان وخروجه إلا بالرؤية أصلاً أو إلاتمام بدلاً

أقول : اعلم أرشد الله لطاعته أن علامات دخول شهر رمضان وخروجه علامتان لا ثالث لهما ، علامة أصليه وعلامة بدلية فأما العلامة الأصلية فهي رؤية هلال شوال في إثبات خروجه ، فإذا تحققت الرؤية فإنه يعمل بها ولا أن تعداها إلى غيرها وذلك لحديث ابن عمر في الصحيحين أن النبي  ذكر رمضان وقال : ( لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له )(1) وعند البخاري وغيره من حديث أبي هريرة -  - قال : قال أبو القاسم  : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين )(2) فقول عليه الصلاة والسلام ( صوموا لرؤيته ) هذه رؤية الخروج ، إذاً لا يثبت دخول شهر رمضان وخروجه إلا بالرؤية ، وهي العلامة الأصلية وهي أقوى العلامات ، فيجب الصوم برؤية هلال رمضان بإجماع المسلمين ، وكذلك يجب الفطر برؤية هلال شوال إجماعاً وقال أبو داود – رحمه الله – في سننه : حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثني عبدالرحمن بن مهدي ، قال حدثني معاوية بن صالح عن عبدالرحمن بن أبي قيس قال سمعت عائشة – رضي الله عنها - تقول : ( كان رسول الله  يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره ثم يصوم لرؤية رمضان فإن غم عليه عدّ العدة ثلاثين يوماً ثم صام )(3) حديث إسناده صحيح ، فهذه الأدلة وغيرها مما لم يذكر تفيد إفادة قطعية أن الرؤية هي العلامة الأصلية في إثبات دخول الشهر وإثبات خروجه فإن تعذرت الرؤية فقد تعذر حينئذ الأصل ، وقد تقرر في القواعد أنه إذا تعذر الأصل يصار إلى البدل ، قال الناظم :
وعلم بأن الأصل إن تعذرا للبدل المشروع صددت مراً
والعلامة البدلية الشرعية للرؤية هي كمال شهر شعبان ثلاثين يوماً هذا في إثبات الدخول ، وإكمال شهر رمضان ثلاثين يوماً هذا في إثبات الخروج والدليل على ذلك الأحاديث المتقدمة فإن فيها قوله  : ( فإن غم عليكم فاقدروا له ) وللبخاري : ( فأكملوا العدة ثلاثين )(1) وله :( فإن غمي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين )(2) والمـراد بقوله  ( فاقدروا له ) أي احسبوا له قدرة وهو إكمال شعبان ثلاثين يوماً ، وخير ما فسرت به السنة هو السنة ، وليس المراد به التضييق كما ذهب إليه بعض أسيادنا من أهل العلم عليهم الرحمة والرضوان ، واعلم أن ترائي الهلال كان هو عادة القوم في زمن النبوة كما في حديث ابن عمر -  - قال : ( تراءى الناس الهلال )(3) الحديث أي اجتمعوا للرؤية وتكلفوا النظر إليه ، فإذا لم تتحقق الرؤية فالواجب علينا الإتمام ، وهذا هو عين هذا الضابط ، فقوله ( أو إلا تمام بدلاً ) أي أنه إذا تعذرت الرؤية فليس لنا إلا العلامة البدلية وهي الإتمام ، هذا هو شرح الضابط لنا إلا العلامة البدلية يبقى عندنا النظر في مسائل مهمة تبحث تحت هذا الضابط ، وأرى أنه من باب إتمام الفائدة عرضها لتكمل الفائدة ويتحقق المقصود فأقول وبالله التوفيق ومنه أستمد الفضل وحسن التحقيق :
( المسألة الأولى ) جعل بعض العلماء لدخول الشهر وخروجه علامة ثالثة غير العلامتين المذكورتين ، وهي الشهادة .
وأقول : هذه العلامة تدخل ضمناً تحت العلامة الأصلية وهي الرؤية فإن هذا الشاهد أو المخبر يخبر بماذا ويشهد ؟ لا شك أنه يخبر بأنه رأى الهلال فثبت الرؤية بإخباره فنكون قد صمنا وأفطرنا بالرؤية فإن رؤية الهلال ليس المخاطب بها أناساً معينين بل الخطاب فيها عام للمسلمين لكنها تثبت برؤية بعضهم فإذا أثبتها بعضهم اكتفينا بذلك فإثبات هذا البعض ليس علامة جديدة وإنما هو إخبار أو شهادة بالعلامة الأصلية فالراجح والله أعلم أن الإخبار أو الشهادة على رؤية هلال الدخول والخروج ليس علامة مستقلة بل هي داخلة ضمناً تحت العلامة الأصلية وهي الرؤية ، وإن لم يقبل هذا الكلام فأقول : الخلاف في ذلك لفظي لا ثمرة له فإذا قال المخبر رأيت هلال رمضان وتحققت فيه شروط القبول ثبت دخول الشهر فسواءاً قلنا ثبت بالإخبار أو الرؤية فالنتيجة واحدة فلا نطيل الكلام فيه والله أعلم .
( المسألة الثانية ) اعلم رحمك الله تعالى أنه لا يلزم في المخبر بالرؤية إثباتها بلفظ الشهادة وإنما يكفي فيها لفظ الخبر فقط وذلك لحديث ابن عمر -  - قال : ( تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي  أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه )(1) حديث إسناده صحيح فهذا الحديث يثبت أمرين ، الأول : أن إثبات رؤية الدخول يكتفى فيها بواحد ففيه رد على من قال لا بد من رجلين ، فإن هذا الحديث نص صحيح صريح في الرد عليهم .
الثاني : أن فيه قول ابن عمر ( فأخبرت ) فقبل النبي  خبره واعتمده فصام وأمر الناس بالصيام ، ولم يقل لا بد من لفظ الشهادة لأمره النبي  أن يؤديها به لكن لما لم يأمره دل على عدم الاعتبار لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ومثله أيضاً ما رواه الخمسة عن ابن عباس -  - أن أعرابياً جاء إلى النبي  فقال : إني رأيت الهلال فقال : أتشهد ألا إله إلا الله قال : نعم ، قال أتشهد أن محمداً رسول الله قال : نعم فقال : ( أذن في الناس يا بلال أن يصوموا غداً )(1) وصححه ابن خزيمة لكن في سنده مقال : وهنا فائدتان :-
الأولى : أنه  قبل خبر هذا الأعرابي وهو واحد فدل على أنه يكتفى بالواحد في إثبات الرؤية ، قال الترمذي : والعمل عليه عند أهل العلم قالوا : تقبل شهادة رجل واحد في الصيام قال النووي وهو الأصح .
الثانية : أن هذا الأعرابي أدلى بالخبر بقوله : ( إني رأيت الهلال ) ولم يقل : أشهد بالله أني رأيت الهلال وقبل النبي  خبره هذا واعتمده مما يدل على أنه لا يعتبر لفظ الشهادة والله أعلم .
( المسألة الثالثة ) ذهب الأصحاب – رحمهم الله – في المشهود عنهم أنه إن حال دون رؤية الهلال ليلة الثلاثين غيم أو قتر أنه يجب صوم اليوم التالي لهذه الليلة وجعلوا ذلك من باب الاحتياط ، وهو قول جملة من الصحابة كعمر وابنه وعمرو بن العاص وأبي هريرة وأنس ومعاوية وعائشة وأسماء بنت أبي بكر الصديق – رضي الله عنهم - وقال صاحب الإنصاف : وهو المذهب عند الأصحاب ونصروه وصنفوا فيه التصانيف . أهـ .
( المسألة الرابعة ) ذهب الأصحاب – رحمهم الله – في المشهور عنهم أنه إن لم ير الهلال مع صحو ليلة الثلاثين من شعبان أصبحوا مفطرين وكره حينئذ الصوم لأنه يوم الشك المنهي عنه ، وأما إن حال دونه أي دون هلال رمضان غيم أو قتر فإنه يجب صوم اليوم التالي لهذه الليلة حكماً ظنياً احتياطياً بنية رمضان ، وهو قول جمع من الصحابة كعمر وابنه وعمرو بن العاص وأبي هريرة وأنس ومعاوية وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكر الصديق – رضي الله عن الجميع – وقال في الإنصاف : وهو المذهب عند الأصحاب ونصروه وصنفوا في التصانيف وردوا حجج المخالف وقالوا : نصوص أحمد تدل عليه .كذا قالوا – رحمهم الله تعالى رحمة واسعة وأعلى نزلهم في الجنة - ولكن القول الراجح في هذه المسألة إن شاء الله تعالى أن الاعتبار بالرؤية المحققة أو إكمال شعبان ثلاثين يوماً ، وذلك لأنه لا يثبت دخول الشهر إلا بالرؤية أصلاً أو بالإتمام بدلاً فقولهم : إن لم يرى الهلال ليلة الثلاثين وكانت السماء صحواً أصبحوا مفطرين هذا الإشكال فيه وليس هذا بيوم شك بل هو يقينه أنه ليس من رمضان ، وذلك لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان واليقين لا يزول بالشك وغلبة الظن منزلة منزلة اليقين دون رؤية غيم أو قتر فإنه يجب الصيام فهذا فيه نظر ظاهر والراجح إن شاء الله تعالى خلافه وذلك لأمور :
الأول : حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله  : ( لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه )(1) والقول بوجوب صوم هذا اليوم الذي يشك أنه من رمضان تقدم لرمضان بصوم يوم وقد ثبت النهي عنه وقد تقرر في القواعد أن النهي المجرد عن القرينة يفيد التحريم .

الثاني : حديث عمار بن ياسر – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله  : ( من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم  )(1) رواه الخمسة وعلقه البخاري وسنده صحيح ، وهذا اليوم يوم لا نجزم أنه من رمضان فهو يوم الشك فيه ، فمن صامه فقد عصى أبا القاسم  وهذا نص صحيح صريح الدلالة على النهي عن صومه .
الثالث : في حديث ابن عمر في الصحيحين أن النبي  قال : ( فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً ) وهو نص في محل النزاع فالأصحاب يقولون فإن غم عليكم فصوموه احتياط والنبي  يقول : ( فإن غم عليكم فأكملوا عـدة شعبان ثلاثـين يوماً )(2) وقوله  مقدم على قول غيره ، كما قال الناظم :
أطع الرسول وسلمن لقوله إياك لا تصغي لقول ثاني
فلو كان صيام هذا اليوم واجباً أو مشروعاً ولو شرعية إباحة لبينه النبي  بياناً كافياً شافياً فلما لم يأمر وعلم أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ، وقد تقرر في القواعد أن الأمر بالشيء نهي عن ضده كما قال الناظم :
والأمر نهي عن جميع ضده والنهي قل بواحد من ضده
والمراد في المعنى لا في اللفظ ، فلما ثبت أمر النبي  بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً مع وجود المانع من الرؤية علمنا أنه نهي عن الصوم وحقيقة النهي المجرد عن القرائن التحريم كما أن حقيقة الأمر المجرد عن القرائن الوجوب والله أعلم .
الرابع : أن القاعدة المتقررة أن الأصل بقاء ما كان على ما كان وأنه لا ينتقل عن اليقين بالشك بل لا بد من يقين آخر يزيله ، قال الناظم :
إن اليقين دائماً لا يرفع بالشك أما باليقين يرفع
والأصل هو بقاء شعبان وهو اليقين فلا نزيله إلا بيقين ، ودخول رمضان لا يتحقق ذلك إلا بالرؤية أو إكمال شعبان ثلاثين يوماً كما هو مقتضى هذا الضابط .
وأما قولهم : إن نصوص الإمام أحمد تدل عليه فيجاب عنه بقول صاحب الفروع : كذا قال : ولم أجد عن أحمد أنه صرح بالوجوب ولا أمر به فلا تتوجه إضافته إليه ولذلك قال شيخنا أي أبو العباس – رحمه الله – تعالى : لا أصل للوجوب في كلام أحمد ولا في كلام أحد من الصحابة . اهـ .
وأما قولهم : إنه مذهب من ذكر من الصحابة فيجاب عنه بجوابين :-
الأول : أنه معارض بمثله فإنه قد ثبت عن بعضهم النهي عن صيامه قال الشيخ تقي الدين : وقد روي عنهم وعن غيرهم النهي عن صوم يوم الشك والأمر بإكمال العدة . إهـ قلت : وقد روى ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأبي سعيد وأنس وأبي هريرة وحذيفة وعمار وعائشة – رضي الله عنهم أجمعين – وقد تقرر في القواعد أن مذهب الصحابي إذا خالف نصاً فإنه ليس بحجة كما قال الناظم :
قول الصحابي حجة فأصغ لي ما لـم يأتي دليـل معتـلي
وقول من سموا من الصحابة – رضي الله عنهم – معارض للدليل الصحيح الصريح القاضي بالنهي عن صيام يوم الشك .
وأما قولهم : نصومه احتياطاً ، فيجاب عنه بأن الاحتياط إنما هو في متابعة السنة لا في مخالفتها ، بل أقول : إن الاحتياط هو أن لا يصام ذلك اليوم لأن النبي  نهى عن صومه فالأحوط متابعته ، ويقال أيضاً : إن التعليل بالأحوط لا يكون في كل المسائل وإنما يكون فقط في المسائل التي فيها نقطة اتفاق بين أهل العلم ولذلك فإنه قد تقرر في القواعد أن فعل ما اتفق عليه العلماء أولى من فعل ما انفرد به أحدهما ما أمكن ، وهذه المسألة ليس فيها نقطة اتفاق فإننا إذا صمنا أنكر علينا القائلون بالنهي عن صوم الشك وإذا لم نصم أنكر علينا القائلون بوجوب الصوم إذاً فكيف يعلل بالأحوط هنا فضلاً عن أنه احتياط عورض بنهي صحيح صريح ولذلك فإن قاعدة الخروج من الخلاف مستحب لا تدخل إلا في المسائل الخلافية التي فيها جزئية متفق عليها وقد استوفينا شرحها في كتابنا تلقيح الأفهـام .
والمقصود أن القول الراجح الذي تؤيده الأدلة والقواعد هو القول الثاني أعني القول القاضي بالنهي عن صوم هذا اليوم لأن رمضان لا يثبت دخولاً وخروجاً إلا بالرؤية فإن تعذرت فبالإتمام واختار هذا القول أبو العباس بن تيمية – رحمه الله – والله أعلم .
( المسألة الخامسة ) ما الحكم إذا رؤي الهلال في بلد ولم ير في بلد آخر فهل رؤيته في هذا البلد تقضي بوجوب الصوم في سائر بلاد الإسلام أو لا ؟ أقول : هذه مسألة خلافيه كبيرة قديمة ، والحق فيها إن شاء الله تعالى أنه إذا رؤي الهلال في بلد أنه يلزمهم الصوم ومن اتفق معهم في المطالع ، وهو اختيار الشيخ تقي الدين وغيره من المحققين ، فإنه قال : تختلف المطالع باتفاق أهل المعرفة بهذا ، فإن اتفقت : أي المطالع لزم الصوم وإلا فلا وهو الأصح للشافعية وقول في مذهب الإمام أحمد إهـ ، وقال ابن عبدالبر – رحمه الله – : اجمعوا على أن الرؤية لا تراعى مع البعد كالأندلس من خراسان . إهـ قلت : ويدل على رجحان هذا القول عدة أمور : منها : قوله  : صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته . فإنه قد علق الصوم بالرؤية فإذا رآه أهل بلد صاموا ويلحق بهم من اتفق معهم في المطالع ، ومنها : ما رواه مسلم في صحيحه قال : حدثنا يحيى بن يحيى ، ويحيى بن إيوب وقتيبة وابن حجر ، قال : يحي بن يحي ( أخبرنا ) وقال الآخرون ( حدثنا ) إسماعيل وهو ابن جعفر عن محمد وهو ابن أبي حرملة عن كريب ( أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل عليّ رمضان وأن بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبدالله بن عباس – رضي الله عنهما – ، ثم ذكر الهلال ، فقال متى رأيتم الهلال فقلت : رأيناه ليلة الجمعة فقال : لا ، لكننا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه . فقلت : أو لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه ، فقال : لا ، هكذا أمرنا رسول الله  )(1) وقال النووي – رحمه الله – في ترجمته لهذا الحديث ( باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم ) وأنهم إذا رأوا الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بعد عنهم ) إهـ .
قلت : وتحديد هذا البعد الصحيح فيه إن شاء الله تعالى اعتبار اختلاف المطالع واتفاقها لا بمسافة القصر كما هو وجه عند الشافعية رحمهم الله تعالى . وهذا الحديث نص في محل النزاع والله أعلم .
( المسألة السادسة ) ما الحكم إذا رأى رجل هلال رمضان أو شوال ولم يقبل خبره فهل يصوم ويفطر سراً أو لا يصوم ولا يفطر إلا مع الناس ؟ فيه خلاف بين أهل العلم – رحمهم الله تعالى – والأقرب إن شاء الله تعالى أنه لا يصوم ولا يفطر وحده بل يصوم ويفطر مع الناس وهو رواية في مذهب الإمام أحمد واختاره الشيخ تقي الدين أبو العباس – رحم الله الجميع – فإنه قال : يصوم مع الناس ويفطر معهم وهذا أظهر الأقوال . إهـ ودليل رجحان هذا القول حديث أبي هريرة -  - قال : قال رسول الله  : ( الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون )(2) رواه الترمذي وقال : حديث غريب حسن ، وصححه الألباني – رحم الله الجميع – وللترمذي أيضاً وصححه عن عائشة – رضي الله عنها – مرفوعاً ( الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس)(1) قال شيخ الإسلام قدس الله روحه : إن هذا اليوم الذي تعلمون أنه وقت الصوم والفطر والأضحى فإذا لم تعلمون لم يترتب عليه حكم . إهـ وقال الإمام أحمد – رحمه الله – : يصوم ويفطر مع الإمام وجماعة المسلمين في الصحو والغيم ، وقال : يد الله على الجماعة إهـ وقياس هذه المسألة فيمن رأى هلال النحر وحده فإنه لا يقف إلا مع المسلمين . قال أبو العباس : ما علمت أن أحد قال من رآه – أي هلال النحر – يقف وحده دون سائر الحجاج و أنه ينحر في اليوم الثاني ويرمي جمرة العقبة ويتحلل دون سائر الحجاج وإنما تنازعوا في الفطر فالأكثرون ألحقوه بالنحر وقالوا : لا يفطر : إلا مع المسلمين وآخرون قالوا : بل يفطرون كالصوم ولم يأمر الله العباد بصوم واحد وثلاثين يوماً ، ثم قال : وتناقض هذه الأقوال يدل على أن التصحيح هو مثل ذلك في ذي الحجة وحينئذ فشرط كونه هلالاً وشهراً شهرته بين الناس به حتى لو رآه عشرة ولم يشتهر ذلك عن عامة أهل البلد لكون شهادتهم مردودة أو لكونهم لم يشهدوا به كان حكمهم حكم سائر المسلمين فكما لا يقفون ولا ينحرون ولا يصلون العيد إلا مع المسلمين فكذلك لا يصومون إلا مع المسلمين وهذا قوله : ( صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون ) إهـ كلامه – رحمه الله – وقوله أقرب إلى الاستدلال الشرعي والاعتبار الصحيح والله أعلم .
( المسألة السابعة ) ما الحكم لو رؤي الهلال نهاراً أو لم تقم النية على رؤيته إلا بالنهار ؟ أقول : هذا فيه خلاف بين أهل العلم والفضل – رحمهم الله – فالمذهب عند الأصحاب أنهم يمسكون ذلك اليوم ويقضونه ، أما وجوب الإمساك فلأنه من خصائص رمضان وأما قضاؤه فلأنهم لم يأتوا فيه بصوم صحيح لعدم تبييت النية ولأن بعضهم يمكن أن يكون قد وقع منه مفسد للصوم من أكل أو شرب أو جماع أو نحوه ، لكن الأقرب إن شاء اله تعالى أنه يلزمه الإمساك دون القضاء ، وذلك لأن القاعدة المتقررة عند أهل العلم – رحمهم الله – أن التكليف مشروط بالعلم ، وهو لم يعلم بالوجوب إلا في أثناء النهار فخوطب بالصوم حين علمه ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها واختار هذا القول أبو العباس – رحمه الله – فإنه قال : ويصح صوم الفرض بنية من النهار إذا لم يعلم وجوبه بالليل كما إذا شهدت النية بالنهار ، وقال : ومن تجدد له صوم بسبب كما إذا قامت البينة بالرؤية أثناء النهار فإنه يتم بقية يومه ولا يلزمه قضاء وإن كان قد أكل وفي الصحيح من حديث سلمه بن الأكوع -  - قال : ( أمر النبي  رجلاً من أسلم أن أذن في الناس من كان أكل فليصم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم فإن اليوم عاشوراء )(1) ووجه الشاهد منه أنه أمر من لم يأكل بإتمام الصوم مع إنشاء النية من النهار والقول الراجح إن شاء الله تعالى أن صوم عاشوراء كان في بدايته فرضاً ثم نسخت فريضته ، فمع كونه فرضاً جاز إنشاء النية له من النهار ولم يشترط تبييتها من الليل في حق من لم يعلم بالوجوب إلا في النهار ولم يشترط ، وكذلك من كان قد أكل فإنه يتوقف عن الأكل وينشئ نية الصوم ، ولم يأمر أحداً منهم بالقضاء مما يدل على أنهم طولبوا بالنية من حين علمهم بالوجوب ولم يضرهم عدم تبييتها من الليل ولم يضرهم أكلهم من النهار الذي كان في علم الله تعالى أنه يجب صومه لكنهم لا يكلفون بإدراك علم الله تعالى وإنما يكلفون بما يعلمون فإنه لا تكليف إلا بعلم وهؤلاء الذين لم تقم عندهم البينة على إثبات دخول الشهر إلا في النهار إنما يطالبون بالنية من حين العلم ولا يضر تقدم مفسد من مفسدات الصوم قبل العلم بالوجوب لأنه قبل العلم به لا تكليف عليه فلا موآخذه عليه وهذا القول هو الذي يتوافق مع روح الشريعة إن شاء الله تعالى ولأن الدليل دل على أن الصائم إذا أكل أو شرب ناسياً أنه يتم صومه ولا يضره ذلك لأنه ناسِ مع علمه بأصل الوجوب فما بالك بالذي أكل أو شرب وهو جاهل بالوجوب أصلاً ، فلاشك أنه أحق بالعذر من باب أولى وقد تقرر في القواعد أن مفهوم الموافقة الأولوي حجة والله تعالى أعلم وأعلى وبهذا المسألة نختم الكلام على هذا الضابط ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة .
محب الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس