عرض مشاركة واحدة
قديم 08-06-2010, 03:02 PM   #3
إداري
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 1,222
افتراضي رد: ضوابط الصيام الفقهية للشيخ وليد السعيدان حفظه الله

الضابط الثالث
يغلب جانب المنفذ المعتاد ويغلب جانب التغذية في غيره

أقول : اعلم أرشدك لطاعته ووفقنا وإياك لسلوك سبيل مرضاته أن للإنسان جوفين : جوف البطن وجوف الدماغ ولكل جوف منفذان ، منفذ معتاد تصل الأشياء إلى هذا الجوف من طريقة ومنفذ غير معتاد فالمنفذ المعتاد للبطن هو الفم ، فالأشياء تصل عادة إلى جوف البطن من الفم ، والمنفذ المعتاد للدماغ هو الأنف فالأشياء تصل عادة إلى الدماغ من الأنف فهذان المنفذان معتادان ، وأما المنافذ التي ليست بمعتادة فكالعين والأذن والعروق والدبر ونحوها فإن منافذ لأحد الجوفين لكنها ليست بمعتادة ، إذا علمت هذا فأقول : إذا وصل شيء إلى الجوف فانظر : هل وصله من منفذه المعتاد أم من منفذه غير معتاد ، فإن وصله من منفذه المعتاد فإنه يكون مفسداً للصوم من غير فرق بين أن يكون مغذياً أو غير مغذِ لأن المعتمد حينئذ جانب المنفذ لمعتاده وهذا هو معنى قولنا ( يغلب جانب المنفذ المعتاد ) أي أن ما وصل إلى الجوف من منفذه المعتاد يكون مبطلاً للصوم تغليباً لجانب المنفذ المعتاد ، وأما إذا وصل إلى الجوف شيء من غير المنافذ المعتادة فإننا حينئذ ننظر إلى هذا الشيء الواصل هل هو مغذِ يقوم مقام الأكل والشرب أم لا ؟ فإن كان مغذيا فإنه يكون مفسداً للصوم لأنه في معنى الأكل والشرب ويحمل العلة التي يحملها الأكل والشرب ، وأما إن لم يكن هذا الشيء مغذياً فإنه حينئذ لا أثر له في الإبطال لأنه ليس أكلاً أو شرباً ولا في معناهما ، هذا ما تحرر عندي في شرح هذا الضابط وهو ضابط لا ينخرم أبداً ولله الحمد والمنة ، وإليك الفروع المخرجة عليه حتى ترى كيف يعرف حكمها بإنزالها عليه فأقول :-
منها : قطرة الفم ، ما الحكم إذا قطر الصائم في فمه من قطرة الفم ؟ أقول : الجواب يعرف من هذا الضابط وهو أن قطرة الفم تدخل معه وهو منفذ معتاد للجوف فإذا قطر الصائم في فمه ووجد طعمها في جوفه فإنه صومه يفسد ، فإن قلت : هي ليست بمغذية ، أقول : نعم هي ليست كذلك لكننا غلبنا المنفذ فهي في معنى الشرب تغليباً لجانب المنفذ ، وقد قررنا سابقاً أن ما دخل من منفذ معتاد فإننا لا نفرق فيه بين كونه مغذياً أولاً ، وإنما الاعتبار حينئذ جانب المنفذ المعتاد وعليه الفتوى في البلاد السعودية زادها الله شرفاً ورفعة.
ومنها : قطرة العين فإذا قطر الصائم في عينه وأحسن بمرارتها في جوفه فنحن نجزم يقينا أنها قد وصلت للجوف فهل تكون مفسدة للصوم ؟ أقول : الجواب يعرف من هذا الضابط وهو أن العين ليست بمنفذ معتاد للجوف وحينئذ نفرق بين المغذي من غيره ومن المعلوم لدى الجميع أن قطرة العين ليست بمغذية فليست هي أكلاً وشرباً ولا في معناهما فلا تكون مفسدة للصوم والله أعلم .
ومنها : قطرة الأذن يقال فيها ما يقال في قطرة العين ، فمن قطر في أذنه وأحس بطعمها في حلقة فإنه لا يؤثر في صومه لأنه دخلت للجوف من منفذ غير معتاد فإنه لا يؤثر في صومه لأنها دخلت للجوف من منفذ غير معتاد وليست بمغذية ، والله أعلم .
ومنها : ما يعرف اليوم بالمنظار الطبي وهو شيء كالذي يدخل من فم المريض يصل إلى جوفه لنظر محل المرض ، فهل إذا استعمله الصائم يفسد صومه أم لا ؟ أقول : فيه خلاف بين أهل العلم المعاصرين فقيل يجوز وقيل لا والصواب إن شاء الله تعالى أنه لا يجوز استعماله إذا لم يكن ثمة ضرورة فمن استعمله فإن صومه يفسد لأنه دخل للجوف من منفذه المعتاد كل مطالباً ما يوضع عليه مادة تسهل دخوله كالدهن وربما كان المقصود منه غسيل الجوف أصلاً وكل ذلك مفسد للصوم .
ومنها : الحقن المغذية ، المعروفة عند العامة والخاصة وهي حقن تدخل مع الوريد فيستفيد منها الجسم ما يستفيده من الأكل والشرب بل بعض المرضى يعيش عليها أياماً كثيرة ، بل قد رأيت بعيني في بعض المستشفيات امرأة قد أغمي عليها بسبب حادث سيارة وماتت بعض خلايا المخ أكثر من سنتين وقد ازرقت أطرافها ولا تزال حية بسبب هذه الحقن المغذية ، فهل إذا استخدمها الصائم تكون مفسدة لصومه أولاً ؟ الجواب يعرف وحينئذ لا بد من التفريق بين المغذي من غيره ، وهذه الحقن في مقام الأكل والشرب لأنها تقوم مقامه فتكون حينئذ مفسدة للصوم لأننا قلنا في الضابط ( ويغلب جانب التغذية في غيره ) أي في غير المنفذ المعتاد نغلب جانب التغذية . والله أعلم .
ومنها : حقن الدم ، فإنه قد يحتاج الصائم إلى أن يضاف لدمه دم آخر فيقوم الطبيب بحقنه دما متوافقا مع دمه في الفصلين فإذا فعله الصائم اختياراً فما الحكم ؟ أقول : يفسد صومه ذلك لأن بدنه يتقوى بهذا الدم الزائد ، فهو وإن دخل للجوف من منفذ غير معتاد لكنه في معنى الأكل والشرب فيأخذ حكمها في إفساد الصوم والله أعلم .
ومنها : لو استدخل الصائم شيئا في دبره فأحس بطعمه في جوفه فإننا نقول : ليس الدبر هو المنفذ المعتاد للجوف وحينئذ نفرق بين المغذي وغيره وهذا الشيء الداخل من الدبر في الغالب أنه ليس بمغذ فلا يكون مفسداً للصوم لأنه دخل من منفذ غير معتاد وليس هو أكلاً أو شرباُ ولا في معناهما ولا يقوم مقامهما والله أعلم .
ومنها : حقن تخفيظ السكر المعروفة عن الأطباء هل يجوز للصائم أخذها في نهار رمضان ؟ أقول : توقفت كثيراً فيها جهلاً مني هل هي مغذية أم لا ثم سألت جمعاً من الأطباء الثقات فقالوا إنها ليست بمغذية فحيث قالوا ذلك فنقول لا بأس بها للصائم لأنه دخلت للجوف من منفذ معتاد وليست أكلاً وشرباً ولا في معناهما والله أعلم .
ومنها : لو أصابت الصائم في رأسه مأمومة أو جائفة فداواها بدواء تحلل فيها فوجد طعمه في حلقه فهل يكون ذلك مفسداً للصوم ؟ الجواب : لا ، لأنه دخل من منفذ غير معتاد وليس هو أكلاً أو شرباً ولا في معناهما واختاره أبو العباس ابن تيمية – رحمه الله رحمة واسعة – وذلك خلافاً للمذهب عند الأصحاب لكن الراجح إن شاء الله تعالى هو ما ذهب إليه أبو العباس وهو راوية في المذهب واختارها جمع من الأصحاب والله أعلم .
ومنها : العود الهندي وهو المعروف عندنا بالبخور أو الند ، فإنه إذا وضع على الجمر ثار منه دخان له رائحة زكية وهذا الدخان له جرم ، فما الحكم لو تعمد الصائم شمه حتى وجد طعمه في جوفه ؟ أقول : الحكم في ذلك فساد الصوم لأن هذا الدخان دخل للجوف من منفذ معتاد فيغلب جانب المنفذ ، فعلى الصائم حينئذ التوقي من مثل ذلك أما إذا لم يتعمد إدخال الدخان في حلقه فهذا سيأتي حكمه إن شاء الله تعالى في الضابط الذي بعد هذا والله أعلم .
ومنها : الدخان الذي عمت به البلوى في زماننا ، وهو المعروف بالسجائر أو التتن ، فإنه حرام بالنقل والعقل والحس والفطرة وقد ذكرت أدلة تحريمه في موضع آخر ، لكن هل هو مفسد للصوم إذا استعمله الصائم ؟ أقول : ندع الجواب لك والله ربنا أعلى وأعلم .
ومنها : إذا اشتهت الصائمة الحامل خرقة أو تراباً ، فإن الحامل في أشهرها الأولى تأتي بالعجائب فيما تشتهي ، وتعرف امرأة قد اشتهت أكل الطين وامرأة أخرى اشتهت أكل الصابون ، وامرأة أخرى قد اشتهت أكل معجون الأسنان ، ولا نقول ذلك الكلام سخرية بأخواتنا ، حاشا وكلا فإن هذا الأمر شيء كتبه الله على نساء بني آدام ، وإنما المراد التفريع الفقهي على هذا الضابط فهل إذا أكلته يفسد صومها أم لا ؟ الجواب : نعم بالطبع يفسد صومها لكن أقول : لماذا أفسد صومها مع أنه ليس بمغذي ؟ لا شك أن الجواب لأننا نغلب جانب المنفذ المعتاد والله أعلم .
ومنها : ما الحكم لو اكتحل الصائم في عينيه وأحس بطعمه في حلقه أقول : وصل الكحل إلى الجوف من منفذ غير معتاد وليس هو بمغذ فلا يكون مفسداً للصوم ، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية – رحمه الله – تعالى خلافاً لما هو المشهور من المذهب ، وأما حديث الكحل ( ليتقه الصائم )(1) فإنه لم يثبت من طريق تقوم به الحجة وقد تقرر في القواعد أن الأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها إلى الدليل الصحيح الصريح قال أبو العباس قدس الله روحه :
وأما حديث الكحل فضعيف(1) والله أعلم .
ومنها : لو وضع الصائم الحناء على قدميه وأحس بطعمها في حلقه فإنه لا شيء لأنه دخل من منفذ غير معتاد وليس بمغذ والله أعلم .
محب الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس