عرض مشاركة واحدة
قديم 08-06-2010, 03:05 PM   #5
إداري
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 1,222
افتراضي رد: ضوابط الصيام الفقهية للشيخ وليد السعيدان حفظه الله

الضابط الخامس
الأصل عدم الكفارة في مفسدات الصوم إلا بدليل

أقول : لقد تقر في القواعد أن الأصل براءة الذمة من كل الحقوق والأصل هو البقاء على الأصل حتى يرد الناقل ، وتقرر أيضاً أنه لا يجوز إثبات شيء من الأحكام الشرعية إلا بدليل صحيح صريح ومن ذلك أنه لا يجوز إلزام أحد بالكفارة على فعل شيء من المحرمات وعلى ذلك دليل شرعي صحيح إذا نقرر هنا فعلم أن سائر المفسدات التي يقدم الكلام عليها ودلت الأدلة على أنها مفسدة للصوم ليس في شيء منها ذكر الكفارة إلا في مفسد واحد فقط وهو الجماع لا غير فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة :( (أن رجلا جاء إلى النبي  فقال : يا رسول الله هلكت . قال : وما أهلكك ، قال : وقعت على أهلي وأنا صائم ، قال : هل تجد رقبة تعتقها قال : لا ، قال : هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين . قال : لا ، قال : هل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً قال : لا ، فجلس فأتى النبي  بعرق من تمر فقال : أين السآئل ، قال : ها أناذا يا رسول الله ، فقال خذ هذا فتصدق به ، قال : أعلى أفقر مني يا رسول الله فوالله ما بين لا بتيها أهل بيت أفقر مني ، فضحك النبي  وقال : أطعمه أهلك )(1) ففي هذا الحديث دل على وجوب الكفارة في هذا المفسد بعينه ويبقى ما عداه من المفسدات على الأصل وهو براءة الذمة فمن أوجب في شيء منها كفارة فأنه يطالب بالدليل المثبت لذلك وإلا فقوله مردود عليه وهذا هو الحق في هذه المسألة وإكمالاً لهذا الضابط إليك هذه المسائل المهمة التي كثر الخلاف فيها مع ردها إلى أدلتها وقواعدها فأقول :
منها : قد ثبت الدليل بلا وجوب الكفارة إلا على المجامع ، لكن ما علة وجوبها ؟ أقول : اختلف في ذلك فقيل العلة في وجوب الكفارة هو هتك حرمة اليوم عمداً ، وقاسوا على ذلك أن كل من هتك حرمة اليوم عمداً بأي مفسد كان فإن عليه الكفارة بجامع الهتك في كل ، وقيل : بل لا تجب الكفارة في غير الجماع إلا على من أكل أو شرب متعمداً لأنه هتك حرمة اليوم بأعلى ما في الباب ، أي أن أعلى المفسدات الأكل والشرب ، فهي أعلى من الجماع فإذا وجبت الكفارة في الجماع عمداً فيجب في الأكل والشرب عمداً من باب أولى ، وقال أكثر أهل العلم إن الكفارة لا تجب إلا في الجماع فقط ذلك لأن الأصل عدم الكفارة في مفسد الصوم إلا بدليل ولم يأت الدليل في وجوب الكافرة في مفسد الصوم إلا على المجامع فقط ، والعلة الصحيحة في وجوبها هي أنه جماع في نهار رمضان وبيان ذلك أنه قال – أي الأعرابي – يا رسول الله وقعت على أهلي في رمضان وأنا صائم ، فقال هل تجد كذا هل تجد كذا .. ، فرتب الكفارة على وصف ، مما يدل على أن علة الكفارة هو الوصف المتقدم والوصف المتقدم هو قوله : ( وقعت على أهلي في رمضان ) فعلمنا بذلك أن العلة الصحيحة هي الوطء في نهار رمضان ، فالنبي  لم يرتب الكفارة على قوله : ( هلكت وأهلكت ) حتى تكون العلة في الكفارة هتك حرمة الشهر فقط ، ولكنه استفسر عن سبب الهلاك فلما أخبره بأنه وقع على أهله في رمضان وهو صائم رتب عليه الصلاة والسلام الكفارة على ذلك ، فدل ذلك على أن هذا هو العلة الصحيحة ، وحينئذ نقول : هي من نوع العلة القاصرة التي لا تتعدى محلها فلا يقاس عليها غيرها والله ربنا أعلى وأعلم .
ومن المسائل أيضا : ما هو الواجب على من جامع في نهار رمضان ؟ أقول : الواجب على من جامع في نهار رمضان ما يلي : الأول : التوبة من الإثم الحاصل ، الثاني : فساد صومه في هذا اليوم لارتكابه مفسداً من مفسدات الصوم ، الثالث : وجوب الإمساك بقية اليوم وسيأتي ذلك في ضابط مستقل إن شاء الله تعالى ، الرابع : الكفارة المغلظة وهي على الترتيب عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً فإذا تعذر الأول صار إلى الثاني وإذا تعذر الثاني صار إلى الثالث لكن هل يجب عليه قضاء ذلك اليوم أم لا ؟ فيه روايتان عن الإمام أحمد فقيل : يقضي لأنه ورد زياردة في حديث أبي هريرة : ( وصم يوماً مكانه ) فقال أبو داود وفي سنته : حدثنا جعفر بن مسافر قال حدثنا ابن أبي فديك قال حدثنا هشام بن سعد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة قال :( جاء رجل أن النبي  أفطر في رمضان – بهذا الحديث – قال : فأتي بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعاً وقال فيه : ( كله أنت وأهل بيتك وصم يوماً واستغفر الله )(1) وصححه الألباني – رحمه الله – تعالى وقال ابن ماجة – رحمه الله – : حدثنا حرملة بن يحيى قال حدثنا عبدالله بن وهب قال حدثنا عبدالجبار بن عمر قال حدثني يحي بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله  - الحديث – وفيه : (وصم يوماً مكانه )(2) وقيل : لا يقضي واستدلوا على ذلك بأن الثالث في الصحيحين من حديث أبي هريرة إنما هو الكفارة فقط وليس فيها الأمر بالقضاء ، وإنما ورد القضاء في زيادات ضعيفة وما سلم منها فهو شاذ لمخالفته لرواية الثقات ، اختار هذا القول أبو العباس بن تيمية – رحمه الله – : فإنه قال : وقد ثبت هذا الحديث من غير وجه في الصحيحين من حديث أبي هريرة ومن حديث عائشة ولم يذكر أحد أمره بالقضاء ولو كان أمره بذلك لما أهمله هؤلاء كلهم وهو حكم شرعي يجب بيانه ولما لم يأمر به دل على أن القضاء لم يبق مقبولاً منه وهذا يدل على أنه كان متعمداً للفطر لم يكن ناسياً ولا جاهلاً إهـ كلامه .
قلت : أما سند ابن ماجة ففيه عبدالجبار بن عمر وهو ضعيف الحديث فقد ضعفه يحيى بن معين والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي والدارقطني وغيرهم ، أفاده البوصيري في الزوائد ، فهذه الزيادة ( وصم يوماً مكانه ) زيادة ضعيفة وقد تقرر في القواعد أن الأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى والله ربنا أعلى وأعلم .
ومن المسائل أيضاً : هل على المرأة كفارة كما على الرجل أم لا ؟ أقول : هذا من مواطن الإشكال عندي وذلك لأنه يتجاذبه عدة أصول :
الأول : تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز والنبي  إنما ذكر الكفارة على الزوج مع علمه أن المرأة وقع عليها ذلك لأن الأعرابي قال : ( وقعت على أهلي )(1) فبين النبي  ما يجب عليه من الكفارة وسكت عن المرأة فسكوته هذا يدل على أنه لا كفارة عليها إذا لو كان يجب عليها كفارة لبين ذلك فلما لم يبين ذلك مع أنه وقت الحاجة علمنا أن ذمتها بريئة من الكفارة لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ، فهذا الأصل يفيد أنه لا كفارة عليها ،
الثاني : كل حكم ثبت في حق الرجال فهو ثابت في حق النساء إلا بدليل والعكس بالعكس ، وهذه الكفارة ثبتت في حق الرجل فكان مقتضى هذه القاعدة أن تثبت أيضاً في حق الزوجة ، وهذا الأصل يقضي أن عليها الكفارة كما على الرجل سواءاً بسواء ،
الثالث : الشريعة لا تفرق بين متماثلين ولا تجمع بين مختلفين وقد تقرر لنا سابقاً أن العلة في وجوب الكفارة هي الوطء في نهار رمضان، فالكفارة وجبت على الزوج لأنه جامع في نهار رمضان ، والمرأة تتحقق فيها هذه العلة فإنه أيضاً قد حصل منها الجماع في نهار رمضان ، ومع اتفاق العلة فلا بد من الإلحاق ، فهي إذا مثله في العلة والشريعة لا تفرق بين متماثلين وهذا الأصل يقضي بأن عليها الكفارة كما هي على الرجل ، الرابع : الأخذ بالأحوط فإن هذا الأصل أيضاً يقضي بأن عليها الكفارة ذلك لأنه إن كفرت فإنه لا أحد ينكر عليها فإن كانت في علم أنه واجبة عليها فقد كانت به وإلا فهي من جملة الصدقات المستحبة التي تثاب عليها ، لكن لولم تكفر لأنكر عليها القائلون بوجوب الكفارة عليها وقد تقرر أن فعل ما اتفق عليه العلماء أولى من فعل ما انفرد به أحدهما ما أمكن . الخامس : أنه قد تقرر في الضوابط أن الأصل عدم الكفارة إلا بدليل لأن الأصل براءة الذمة ، فمن عمر الذمة بالكفارة فليأت بالدليل ، وقد عمرنا ذمة الرجل بالكفارة بالدليل ، ولكن أني الدليل الذي يعمر ذمة المرأة بالكفارة فحيث فالأصل عدم الكفارة كما تقرر لنا في هذا الضابط . وهذا القول رواية في مذهب الإمام أحمد ، والرواية الثانية وهي المشهورة في المذهب أن عليها الكفارة إن كانت عامدة عالمة مطاوعة ، وهو مذهب الجمهور ، والأقرب عندي والله تعالى أعلى وأعلم أن عليها الكفارة إن كانت مطاوعة عالمة عامدة ، وذلك للاتفاق في العلة أعني لأنها هتكت حرمة رمضان بالجماع مطاوعة ، فهي كالرجل ، ولأن سكوته  عن إيجاب الكفارة عليها ترد عليه احتمالات كثيرة ، منها : أنه لم تسأل ولم تعترف هي ، ومنها : أنها لم تكن صائمة لعذر من الأعذار، ومنها : أن النبي  اكتفى ببيان الحكم للرجل لعلمه اشتراك المرأة معه في الحكم ، فالتنصيص على الحكم في بعض المكلفين كافً في ذكره في حق الباقين ، وقد تقرر في القواعد أن حكمه  لواحد حكم للأمة مالم يرد دليل التخصيص وما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء إلا بدليل ومنها : يتحمل أن يكون سبب السكوت عن حكم المرأة ما عرفه من كلام زوجها بأنه لا قدرة لها على شيء وأنه كانت مكرهة ، ويدل لهذا ما روي في بعض طرق هذا الحديث أن الرجل قال : ( هلكت وأهلكت )(1) لكنها زيادة ضعيفة فهذه الاحتمالات تحوم حول سكوته  عن بيان حكم المرأة فلا يستدل به لأنه قد تقرر في الأصول أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال ، ويبقى عندنا الاشتراك في الحكم بين الرجال والنساء سليماً من المعارضة ، ولأن هذا القول هو الأحوط والله ربنا أعلى وأعلم .
ومن المسائل أيضاً : ما الحكم إذا تكرر الجماع فهل تتكرر الكفارات أم لا ؟ أقول : هذا فيه تفصيل : إما أن يكرره في يوم واحد وإما أن يكرره في أيام متعددة ، فإن كرره في يوم واحد مرتين أو أكثر فلا يخلو إما أن يكفر عن الجماع الأول وإما لا ، فإن لم يكفر عن الجماع الأول فإنه يجزئ عن الجميع كفارة واحدة وذلك لأنه قد تقرر في القواعد أن من كرر محظوراً من جنس واحد وموجبه واحد . قال ابن قدامة والشارح : بعير خلاف . وأما إذا جامع ثم كفر ثم جامع مرة أخرى فهل يلزمه للجماع الثاني كفارة جديدة أقول : هذا فيه خلاف العلماء فقيل : نعم لأنه استحلال لحرمة رمضان بلا مسوغ شرعي وتكفيره الأول لا يحل هذا اليوم له بل يلزمه الإمساك فإذا جامع ثانياً فإنه يكون قد وطئ في نهار رمضان مع لزوم الإمساك عليه فتلزمه كفارة ثانية وهذا هو المشهور من المذهب ، ونص عليه الإمام أحمد في رواية ابنه حنبل والرواية الثانية لا كفارة عليه عن الجماع الثاني وهو قول الجمهور ، وقال الوزير : أجمعوا أنه إذا وطئ وكفر ثم عاد فوطئ ثانياً في يومه ذلك أنه لا يجب عليه كفارة ثانية . إهـ قلت : وهذا القول هو الأسعد بالدليل إن شاء الله تعالى وذلك لأن الكفارة الأولى وجبت لانتهاك حرمة الصوم الصحيح بالجماع وأما الجماع الثاني فإنه لم يصادف صوماً صحيحاً حتى يفسده وتلزم بإفساده كفارة ، وإنما عليه الإثم لأنه يلزمه الإمساك لكنه إمساك لا يجزئ عن صوم فهو شرعاً ليس بصائم فلو كرر الجماع ثانياً فإنه لا يصادف صوماً صحيحاً وإنما يوافق صوماً فاسداً فلا يترتب عليه إلا الإثم فقط لإخلاله بوجوب الإمساك والله أعلم . وإما إذا تكرر الجماع في يومين مختلفين أو أكثر فإنه يلزم لكل يوم كفارة ، لأن كل يوم عبادة مستقلة له حرمة جديدة غير حرمة اليوم الذي قبله ، بدليل أن فساد بعضه لا يسري على عامته كالصلاة ، بل كل يوم له حكمه ، وهو مذهب الجمهور من الحنابلة والمالكية والشافعية ، فلو جامع في يومين لزمه كفارتان ، ولو جامع في عشرة أيام لزمه عشر كفارات وهكذا فاللهم إنا نعوذ بك من كل سوء وبلاء ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وهو أعلى وأعلم .
فإن قلت : ما الحكم لو جامع عشرين مرة في عشرين يوماً ولم يخرج كفارة عن الأيام الأولى فهل يجزئ عن الجميع كفارة واحدة أم يلزم كل يوم كفارة فأقول : أيها الأخ الحبيب نصيحتي لك إذا دخل عليك الشهر أن تعتزل امرأتك اعتزالاً كلياً فلا ترك ولا تراها ، فإنك وبال عليها وهي وبالاً عليك ، فاذهب بها إلى بيت أهلها واجلس أنت في بيت أهلك وإياك ثم إياك أن يحصل بينكما اتصال إلا في ليلة الصيام والسلام ثم أقول : عليك عشرون كفارة لأنك أفسدت عشرين يوماً كل يوم هو في نفسه عبادة مستقلة عن اليوم الذي قبله واليوم الذي بعده ، حتى وإن لم تخرج كفارات الأيام الأولى ، ولذلك فأقول : اعتق عشرين رقبة ، فإن لم تستطع فصم ألفاً وعشرين يوماً أي لكل يوم شهرين متتابعين ، ولا يلزم اتصال كفارات الأيام إذا كنت ستكفر بالصيام ، فصم شهرين متتابعين عن اليوم الأول ، ثم إن شئت أن تصلها بكفارة اليوم الثاني فلك ذلك وإن شئت أن تفصل فلك ذلك ، فإن لم تستطع فأطعم ستين مسكيناً عن كل يوم أفسدته ، فكأني بك تقول : ما هذا ؟ فأقول : نعم هو كذا وإلا فأمسك نفسك واحفظ صومك عن ما يفسده عصمنا الله وإياك من الزلل وهو أعلى وأعلم .
محب الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس