| |||||
|
02-05-2011, 10:42 PM | #1 |
إداري تاريخ التسجيل: Jun 2010 المشاركات: 1,222 | قصص فيمن (تركوا لله شيئا فعوضهم خيرا منها ) .. من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه (1) إبراهيم بن عبد الله الحازمي قصص واقعية على ضوء هذا الحديث الشريف للأنبياء والرسل للصحابة والتابعين للمقدمين والمتأخرين المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. أما بعد: فقد جرت سنة الله تعالى في خلقه أن من آثر الألم العاجل على الوصال الحرام أعقبه ذلك في الدنيا المسرّة التامة، وإن هلك فالفوز العظيم، والله تعالى لا يضيع ما تحمّل عبده لأجله. وكل من خرج عن شيء منه لله حفظه الله عليه أو أعاضه الله ما هو أجلُّ منه، كما ترك يوسف الصديق عليه السلام امرأة العزيز لله وأختار السجن على الفاحشة فعوّضه الله أن مكّنه في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء، وأتته المرأة صاغرة سائلة راغبة في الوصل الحلال فتزوجها فلما دخل بها قال: هذا خيرٌ مما كنت تريدين. فتأمل كيف جزاه الله سبحانه وتعالى على ضيق السجن أن مكنه في الأرض ينزل منها حيث يشاء، وأذل له العزيز وامرأته، وأقرّت المرأة والنسوة ببراءته، وهذه سُنّته تعالى في عباده قديماً وحديثاً إلى يوم القيامة. ولما عقر سليمان بن داود عليهما السلام الخيل التي شغلته عن صلاة العصر حتى غابت الشمس سخر الله له الريح يسير على متنها حيث أراد، ولما ترك المهاجرون ديارهم لله وأوطانهم التي هي أحبُّ شيء إليهم أعاضهم الله أن فتح عليهم الدُّنيا وملكهم شرق الأرض وغربها، ولو أتقى الله السارق وترك سرقة المال المعصوم لله لآتاه الله مثله حلالاً، قال الله تعالى (ومن يتّق الله يَجْعَل لَهُ مَخْرجاً. ويَرْزُقَهُ من حيث لا يَحْتَسب) [سورة الطلاق: 2 ـ 3]. فأخبر الله سبحانه وتعالى أنه إذا اتقاه بترك أخذ ما لا يَحلّ له رزقه من حيث لا يحتسب، وكذلك الزاني لو تَرك ركوب ذلك الفرج حراماً لله لأثابه الله بركوبه أو ركوب ما هو خيرٌ منه حلالاً. . ألك قلب أيها الإنسان فاعلم إذاً. . إن من قدر على امرأة أو جاريةٍ حَرَاماً فتركها مخافة من الله أمّنه الله يوم الفزع الأكبر وحرّمَهُ على النار وأدخله الجنة. قال قتادة بن دعامة السدوسي التابعي الجليل: لا يقْدِرُ رَجلٌ على حَرَامٍ ثم يَدَعه ليس به إلا مخافة الله عز وجل إلا أبْدَله في عاجل الدنيا قبل الآخرة ما هو خيرٌ له من ذلك. وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: ما من عبد ترك شيئاً لله إلا أبدله الله به ما هو خير منه من حيث لا يحتسب، ولا تهاون به عبد فأخذ من حيث لا يصلح إلا أتاه الله بما هو أشد عليه. رواه وكيع في الزهد (2/635) وهناد رقم (851) وأبو نعيم في الحلية (1/253) وإسناده لا بأس به. ويشهد له حديث الزهري عن سالم عن أبيه مرفوعاً: ما ترك عبد شيئاً لله لا يتركه إلا له عوض الله منه ما هو خير له في دينه ودنياه. أخرجه أبو نعيم في الحلية (2/196). وعن أبي قتادة وأبي الدهماء وكانا يكثران السفر نحو البيت قالا أتينا على رجل من أهل البادية فقال لنا البدوي أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يعلمني مما علمه الله عز وجل وقال: (إنك لا تدع شيئاً إتقاء الله تعالى إلا أعطاك الله عز وجل خيراً منه). رواه أحمد (5/363) وإسناده صحيح ورواه البيهقي (5/335) ووكيع في الزهد والقضاعي في مسنده. وعن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ترك اللباس تواضعاً لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخير من أي حلل الإيمان شاء يلبسها)(1) وعنه عن أبيه قال: (من ترك شهوة وهو يقدر عليه تواضعاً لله دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق)(2) وعن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (النظرة إلى المرأة سهم من سهام إبليس مسْمومٌ من تَركَه خَوْف الله أثابه الله إيماناً يجد به حلاوته في قلبه). رواه أحمد في مسنده(3) وله شاهد من حديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نظر الرجل في محاسن المرأة سَهْمٌ من سهام إبليس مسموم فمن أعرض عن ذلك السّهم أعقبه الله عبادة تَسُرُّه). رواه عمر بن شبّة. وما حرّم الله على عبادة شيئاً إلا عوضهم خيراً منه. كما حرّم عليهم الربا وعوّضهم منه التجارة الرابحة، وحرّم عليهم القمار، وأعاضهم منه أكل المال بالمسابقة النافعة في الدين بالخيل والإبل والسهام، وحرّم عليهم الحرير وأعاضهم منه أنواع الملابس الفاخرة من الصوف والكتان والقطن، وحرّم عليهم الزنا واللواط وأعاضهم منه النكاح بالنساء الحسان، وحرّم عليهم شرب المسكر وأعاضهم عنه بالأشربة اللذيذة النافعة للروح والبدن، وحرّم عليهم سماع آلات اللهو من المعازف وغيرها وأعاضهم عنها بسماع القرآن العظيم وحرّم عليهم الخبائث من المطعومات وأعاضهم عنها بالمطاعم الطيبات.. ومن عجائب حكمة الله، أنه جعل مع الفضيلة ثوابها الصحة والنشاط وجعل مع الرذيلة عقابها، الانحطاط والمرض.. وهذه القصص التي كتبتها لوجه الله سبحانه والتي أسأله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل لها القبول بين المسلمين.. وعنونت لها (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه) أخذاً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح. وجعلت القصص على ضوء الحديث الشريف وذلك لأهمية الموضوع.. وهي قصص البعض منها ذكر في القرآن الكريم والبعض منها في السنة النبوية الصحيحة والبعض الآخر عن الصحابة والتابعين وتابعيهم وإلى الوقت المعاصر.. إن هذه القصص لأناس استشعروا عظمة الله وجلاله وهيبته.. استشعروا الخوف من الله وعقابه.. استشعروا يوم العرض عليه يوم لا ينفع مال ولا بنون.. استشعروا القرآن والسنة وهم المتقون لله.. وهم الذين يستحقون أن يعطوا من الأوقات لقراءة حوادثهم وسيرهم العظيمة.. فإلى المسلمين كباراً وصغاراً ذكوراً وإناثاً، وإلى شباب الصحوة الإسلامية وإلى كل من آثر مرضاة الله على هواه وشيطانه.. أهدي هذه الدرر والجواهر الغالية.. الغالية.. لمن هم أغلى وأغلى.. وكتب المعتز بالله وحده: إبراهيم بن عبد الله الحازمي عفا الله عنه وعامله بلطفه الرياض : 18/9/ 1411هـ -------------------------- (1) رواه الترمذي (2/ 79) والحاكم (4/183) وأحمد (3/439) وأبو نعيم في الحلية (8/ 48) وقال الترمذي: حديث حسن. وهو كما قال. (2) ذكره البخاري في تاريخه 6/2/101/ . (3) (5/384) قلت: وفيه عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي. ويقال الكوفي. فيه ضعف. ولكن يشهد له الحديث الذي بعده، ورواه أيضاً الحاكم في مستدركه (4/ 313) والقضاعي في مسنده (1/195) والطبراني في الكبير (10362) وورد من حديث ابن عمر عند القضاعي (1/196) فهو حديث حسن ولم يصب من ضعفه. والله أعلم. -------------------------------------------------------------------------------- 1 سليمان عليه السلام ذبح الخيل لله فعوضه الله ريحا تجري حيث شاء قال الله تعالى: (وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ). [سورة ص: 29ـ 33] يذكر تعالى أنه وهب لداود سليمان عليهما السلام، ثم أثنى سبحانه عليه، وأنه كثير الرجوع لمولاه، ثم ذكر تعالى ما كان من أمره في الخيل، وإليك أيها المسلم هذه القصة: كان سليمان عليه السلام محباً للخيل من أجل الجهاد بها في سبيل الله، وكان معه الخيول الصافنات وهي الخيول القوية السريعة، وكانت ذو أجنحة، ويزيد عددها على عشرين ألفاً، فبينما هو يقوم بعرضها وتنظيمها، فاتته صلاة العصر نسياناً لا عمداً، فلما علم أن الصلاة قد فاتته من أجل هذه الخيول، قال: لا والله لا تشغليني عن عبادة ربي، ثم أمر بها فعقرت، فضرب أعناقها وعراقيبها بالسيوف، فلما علم الله سبحانه من عبده سليمان أنه ذبح هذه الخيول من أجله سبحانه، وخوفاً من عذابه، ومحبة وإجلالاً له، بسبب أنه اشتغل بها حتى خرج وقت الصلاة، عوضه الله عز وجل ما هو خير منها وهو الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب، غدوها شهر، ورواحها شهر، فهذا أسرع وخير من الخيل، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين قال: (إنك لا تدع شيئاً إتقاء لله تعالى إلا أعطاك الله عز وجل خيراً منه). رواه أحمد والبيهقي وهو حديث صحيح. -------------------------------------------------------------------------------- 2 تجاوز عن المعسرين فتجاوز الله عنه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: كان رجلٌ يداين الناس، فكان يقول لفتاه: إذا جئت مُعْسِراً، فتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، قال: فلقى الله فتجاوز عنه.(1) وفي لفظ آخر: عن أبي مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الملائكة لتلقت رُوح رجل كان قبلكم، فقالوا له: هل عملت خيراً قط؟ قال لا: قالوا: تذكر، قال: لا، إلا أني كنت أداين الناس، فكنتُ آمر فتياني أن ينظروا الموسر، ويتجاوزوا عن المعسر. قال الله سبحانه وتعالى: تجاوزوا عنه.(2) -------------------------- (1) متفق عليه، البخاري 6/379 في الأنبياء، ومسلم (1562). (2) متفق عليه، البخاري 4/261 في البيوع، ومسلم (1560). -------------------------------------------------------------------------------- 3 ترك فاحشته الزنا فعوض بملك وامرأة حلال يوسف بن يعقوب عليهما السلام، قد ذكر الله قصته في سورة كاملة فيها فوائد وعبر تزيد على ألف فائدة، هذا النبي الكريم امتحن امتحاناً عظيماً، ولكنه صبر وهذا شأن الصالحين، فانقلبت المحنة إلى منحة ربانية إليك هي: يوسف أمّهُ اسمها راحيل، وله إحدى عشر أخاً، وكان أبوه يحبه حباً جماً، فبدأ الحسد يدبُ في صدور إخوته، حيث إنهم عصبة، جماعة، ومع ذلك فإن يوسف وأخيه بنيامين لهما محبة في صدور أبيهما، فماذا كان منهم، طلبوا من أبيهم أن يرسل معهم أخاهم يوسف، وأظهروا له أنهم يريدون أن يرعى معهم، وقد اضمروا له ما الله به عليم، فأخذوه، ثم ألقوه في البئر (الجبّ) ثم مرت به قافلة، فانزلوا الدلو فتعلق به، ثم باعوه على عزيز مصر، فاشتراه بدراهم معدودة(1)، ثم ماذا حدث، يقول الله تعالى: (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه، وغلقت الأبواب، وقالت هيت لك، قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون. ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين..) الآيات. يذكر تعالى ما كان من مراودة امرأة العزيز ليوسف عليه السلام عن نفسه وطلبها منه مالا يليق بحاله، ومقامه وهي في غاية الحسن والجمال والمنصب والشباب، وغلقت الأبواب عليها وعليه وتهيأت له وتصنعت ولبست أحسن ثيابها وأفخر لباسها، وهي مع ذا كله امرأة الوزير، ويوسف عليه السلام، شاب بديع الجمال والبهاء، والشباب مركب الشهوة، وكان عزباً ليس عنده ما يعوّضه، وكان غريباً من أهله ووطنه والمقيم بين أهله وأصحابه يستحيي منهم أن يعلموا به فيسقط من عيونهم، فإذا تغربّ زال هذا المانع، وكانت هي المطالبة فيزول بذلك كُلفة تعرض الرجل وطلبه وخوفه من عدم الإجابة، وكانت في محل سلطانها وبيتها بحيث تعرف وقت الإمكان، ومكانه الذي لا تناوله العيون، ومع هذا كله عف عن الحرام، وعصمه ربه عن الفحشاء، فهو من سلالة الأنبياء، وحماه مولاه عن كيد ومكر النساء، وعوّضه أن مكّنه في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء، وآتاه الملك، وأتته المرأة صاغرة سائلة راغبة، في الوصل الحلال فتزوجها، فلما دخل بها قال: هذا خيرٌ مما كنت تريدين، فتأمل أيها المسلم كيف أنه لما ترك الحرام لله عوضه الله خيراً منه. ولذلك فهو سيد السادة النجباء السبعة الأتقياء، المذكورين في الصحيحين عن خاتم الأنبياء في قوله عليه الصلاة والسلام من رب الأرض والسماء (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله). -------------------------- (1) هذا اختصار الاختصار لقصة هذا النبي الكريم، ومن أراد معرفتها كاملة فليقرأها بتدبر – أعني سورة يوسف – ثم يعود إلى أي تفسير بالمأثور وخاصة ابن كثير في تفسيره، وفي تاريخه. والله أعلم. -------------------------------------------------------------------------------- 4 حبست الشمس من أجل جهاده لله لما مات موسى عليه السلام، خرج ببني إسرائيل من التيه يوشع بن نون عليه السلام، فقطع ببني إسرائيل، نهر الأردن، وانتهى إلى أريحا، وكانت من أحصن المدائن سوراً وأعلاها قصوراً وأكثرها أهلاً فحاصرها ستة أشهر، ثم إنهم أحاطوا بها يوماً وضربوا بالقرون يعني الأبواق، وكبروا تكبيرة رجل واحد فتفسخ سورها وسقط وجبة واحدها، فدخلوها وأخذوا ما وجدوا فيها من الغنائم وقتلوا إثنى عشر ألفاً من الرجال والنساء، وحاربوا ملوكاً كثيرة، وظهر على أحد عشر ملكاً من ملوك الشام، وانتهى محاصرته لها إلى يوم الجمعة بعد العصر، فلما غربت الشمس أو كادت تغرب ويدخل عليهم السبت الذي جعل عليهم، وشرع لهم ذلك الزمان قال لها: إنك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها عليّ فحبسها الله عليه حتى تمكن من فتح البلد، وأمر القمر فوقف عند الطلوع. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس). رواه أحمد وهو على شرط البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه لا يتبعني رجل قد ملك بضع(1) امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن، ولا آخر قد بني بنياناً ولم يرفع سقفها، ولا آخر قد اشترى غنماً أو خلفات وهو ينتظر أولادها، فغزا فدنا من القرية حين صُلى العصر أو قريباً من ذلك، فقال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها عليّ شيئاً، فحبست عليه حتى فتح الله عليه، فجمعوا ما غنموا، فأتت النار لتأكله فأبت أن تطعمه، فقال: فيكم غلول،(2) فليبايعني من كل قبيلة رجل، فبايعوه، فلصقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول ولتبايعني قبيلتك فبايعته قبيلته فلصق بيد رجلين أو ثلاثة قال فيكم الغلول، أنتم غللتم فأخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب، قال: فوضعوه بالمال وهو بالصعيد، فأقبلت النار فأكلته فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا ذلك بأن الله رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا) انفرد به مسلم من هذا الوجه. ولما استقرت يد نبي إسرائيل على بيت المقدس استمروا فيه، وبين أظهرهم نبي الله يوشع يحكم بينهم بكتاب الله التوراة، حتى قبضه الله إليه وهو ابن مائة وسبع وعشرين سنة، فكان مدة حياته بعد موسى سبعاً وعشرين سنة. -------------------------- (1) البضع: الجماع، أو الفرج نفسه. (2) الخيانة وسرقة الغنائم. -------------------------------------------------------------------------------- 5 عاقبة التقوى كان الملك بخت نصر،(1) قد قدم بيت المقدس من الشام، فقتل بني إسرائيل، وأخذ مدينة بيت المقدس عنوة، وسبى ذراريهم، وفي السبى دانيال(2) عليه السلام، وكان هذا الملك قد جاءه المنجمون وأصحاب العلم قبل ذلك، وقالوا له: أنه يولد ليلة كذا وكذا غلام يعور – يعني يعيب – ملكك ويفسده، فقال الملك والله لا يبقى تلك الليلة غلام إلا قتلته، إلا أنهم أخذوا دانيال فألقوه في أجمة الأسد فبات الأسد ولبوته يلحسانه ولم يضراه، فجاءت أمه، فوجدتهما يلحسانه فنجاه الله، قال علماء تلك القرية فنقش دانيال صورته وصورة الأسدين يلحسانه في فص خاتمة لئلا ينسى نعمة الله عليه في ذلك). رواه ابن أبي الدنيا بإسناد حسن. وفي لفظ: إن نبيا، كان في بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام بزمن طويل، يقال له دانيال، وأن قومه كذبوه، فأخذه ملكهم، فقذفه إلى أُسْدٍ مجوّعة في جبّ، فلما اطلع الله تعالى على حسن إتكاله عليه، وصبره طلباً لما يديه أمسك أفواه الأسد عنه، حتى قام على رؤوسها برجليه، وهي مذللة، غير ضارة له، فبعث الله تعالى إرميا من الشام، حتى تخلص دانيال من هذه الشدة، وأهلك من أراد إهلاك دانيال. فعن عبد الله بن أبي الهديل قال: ضرّي بخت نصر أسدين، فألقاهما في جبّ، وجاء بدنيال فألقاه عليهما، فلم يهيجاه، فمكث ما شاء الله، ثم اشتهى ما يشتهي الآدميون من الطعام والشراب، فأوحى الله إلى إرميا،(3) وهو بالشام، أن أعد طعاماً وشراباً لدانيال، فقال: يا رب، أنا بالأرض المقدسة، ودانيال بأرض بابل من أرض العراق، فأوحى الله تعالى إليه أنّ أعد ما أمرناك به، فإنا سنرسل إليك من يحملك، ويحمل ما أعددت ففعل، فأرسل الله إليه من حمله، وحمل ما أعدّ، حتى وقف على رأس الجبّ. فقال دانيال: من هذا؟ قال: أنا إرميا. قال: ما جاء بك؟ قال: أرسلني إليك ربُّك. قال: وذكرني؟ قال: نعم. قال: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، والحمد لله الذي لا يخيب من رجاه، والحمد لله الذي من توكل عليه كفاه، والحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره، والحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحساناً، وبالسيئات غفراناً، والحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة، والحمد لله الذي يكشف ضرّنا، بعد كربنا، والحمد لله الذي هو ثقتنا، حين تسوء ظنوننا بأعمالنا، والحمد لله الذي هو رجاؤنا، حين تنقطع الحيل منا. -------------------------- (1) أونبوخذ نصر (604 ق.م – 561 ق. م) ملك بابل، أغار على مصر، وفتح أورشليم (القدس) وأحرقها، وأجلى أهل يهوذا إلى بابل (المنجد). (2) النبي دانيال: صاحب سفر دانيال من أسفار العهد القديم، وهو بطل نبوءة دانيال، وضعه التقليد المسيحي في عداد الأنبياء الكبار الأربعة، انظر (المنجد) والبداية ج 2/ 36 – 38، وقد وجدوا الصحابة قبره وما يتعلقه به في الفتوح التي وقعت في عهد عمر بن الخطاب. (3) إرميا: أحد كبار أنبياء بني إسرائيل الأربعة، دعي إلى النبوة قبل انقراض مملكة يهوذا، وقاس من ملوكها الاضطهادات. انظر المراجع السابقة. -------------------------------------------------------------------------------- ومضة . . من ترك شيئاً لله v v v عوضه الله خيراً منه -------------------------------------------------------------------------------- 6 عاقبة الاسترجاع والصبر الإنسان المسلم معرض في هذه الحياة للاختبار والابتلاء والامتحان، فعليه إذا ابتلى أن يصبر ويحتسب مصيبته عنده الله، فإن الله لا يضيع عنده شيء، بل يخلف عليه خير مما أُخذ منه وإليك هذه القصة التي رواها الإمام مسلم في صحيحه: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: (إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي، واخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها، قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة، أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم). أرأيت أيها المسلم: إن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، فمن ترك لطم الخدود وشق الجيوب والنياحة وغير ذلك من المنكرات واحتسب مصيبته عند الله ، واسترجع فإن الله سبحانه يُخلفه وهو خير الوارثين. -------------------------------------------------------------------------------- 7 ترك تعلم السحر فكان مشعل هداية للآخرين عن صهيب الرومي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر الساحر، قال للملك: إني قد كبرت سني وحضر أجلي فادفع إلى غلاماً، لأعمله السحر، فدفع إليه غلاماً فكان يعلمه السحر، وكان بين الملك وبين الساحر راهب، فأتى الغلام على الراهب فسمع من كلامه فأعجبه نحوه وكلامه، وكان إذا أتى الساحر ضربه، وقال: ما حبسك، وإذا أتى أهله ضربوه، وقالوا ما حبسك، فشكا ذلك إلى الراهب، فقال: إذا أراد الساحر أن يضربك فقل حبسني أهلي، وإذا أراد أهلك أن يضربوك فقل حبسني الساحر قال: فبينما هو ذات يوم إذ أتى على دابة فظيعة عظيمة، قد حبست الناس، فلا يستطيعون أن يجوزوا، فقال: اليوم أعلم أمر الساحر أحب إلى الله أم أمر الراهب: قال فأخذ حجراً فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك وأرضى من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يجوز الناس ورماها فقتلها ومضى، فأخبر الراهب بذلك، فقال: أي بني أنت أفضل مني وإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدل عليّ، فكان الغلام يبريء الأكمه والأبرص وسائر الأدواء، ويشفيهم الله على يديه، وكان جليس للملك فعمي، فسمع به فأتاه بهدايا كثيرة فقال: اشفني ولك ما ههنا أجمع، فقال: ما أنا أشفي أحد إنما يشفي الله عز وجل، فإن آمنت به ودعوت الله شفاك فآمن فدعا الله فشفاه، ثم أتى الملك فجلس منه نحو ما كان يجلس فقال له الملك: يا فلان من رد عليك بصرك، فقال ربي، قال أنا، قال لا ربي وربك الله، قال ولك رب غيري، قال نعم، ربي وربك الله، فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فأتى به، فقال: أي بني بلغ من سحرك أن تبريء الأكمه والأبرص، وهذه الأدواء، قال: ما أشفي أنا أحداً إنما يشفي الله عز وجل قال أنا، قال: لا، قال أو لك رب غيري، قال: ربي وربك الله قال: فأخذ أيضاً بالعذاب، ولم يزل به، حتى دل على الراهب، فأتى الراهب، فقال: ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه، حتى وقع شقاه، وقال للأعمى: أرجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه، حتى وقع شقاه، وقال للغلام: ارجع عن دينك فأبى فبعث به مع نفر إلى جبل كذا وكذا وقال: إذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فدهدوه، فذهبوا به، فلما علوا الجبل قال: اللهم أكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل، فدهدوا أجمعون، وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك فقال: ما فعل أصحابك فقال: كفانيهم الله، فبعث به مع نفر في قرقرة فقال: إذا لججتم البحر، فإن رجع عن دينه، وإلا فاغرقوه في البحر فلججوا به فقال الغلام: اللهم اكفنيهم بما شئت، فغرقوا أجمعون وجاء الغلام حتى دخل على الملك فقال: ما فعل أصحابك فقال: كفانيهم الله، ثم قال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما أمرك به، فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني، وإلا فإنك لا تستطيع قتلي، قال وما هو، قال: تجمع الناس في صعيد واحد، ثم تصلبني على جذع، وتأخذ سهماً من كنانتي، ثم قل: بسم الله رب الغلام فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ومات، فقال الناس: آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام فقيل للملك أرأيت ما كنت تحذر فقد والله نزل بك، قد آمن الناس كلهم فأمر بأفواه السكك فحفر فيها الأخاديد، وأضرمت فيها النيرات، وقال: من رجع عن دينه فدعوه، وإلا فأقحموه فيها، وقال فكانوا يتعادون فيها، ويتواقعون، فجاءت امرأة بابن لها ترضعه، فكأنها تقاعست أن تقع في النار، فقال الصبي: اصبري يا أماه فإنك على الحق)(1) . -------------------------- (1) كذا رواه أحمد في المسند (6/16 – 18)، ورواه مسلم والنسائي من حديث حماد بن سلمة زاد النسائي وحماد بن زيد كلاهما عن ثابت به ورواه الترمذي من طريق عبد الرزاق عن معمر عن ثابت بإسناده، وأورده ابن اسحاق في السيرة وذكر أن اسم الغلام هو: عبد الله بن التامر. ..................................... من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه (2) إبراهيم بن عبد الله الحازمي 8 ترك فاحشة الزنا خوفاً من الله فأجرى الله على يديه معجزة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى بن مريم، قال وكان في بني إسرائيل رجل عابد، يقال له جريج فابتنى صومعة، وتعبد فيها، قال: فذكر بنو إسرائيل عبادة جريج فقالت بغي منهم لئن شئتم لأفتننهْ فقالوا: قد شئنا ذاك قال: فأتته فتعرضت له، فلم يلتفت إليها فأمكنت من راع كان يؤوي غنمه إلى أصل صومعة جريج، فحملت فولدت. غلاماً، فقالوا: ممن قالت: من جريج، فأتوه فاستنزلوه، فشتموه وضربوه، وهدموا صومعته فقال: ما شأنكم، قالوا: إنك زنيت بهذه البغي، فولدت غلاماً، فقال: وأين هو، قالوا هو، ذا، قال: فقام فصل ودعا، ثم انصرف إلى الغلام فطعنه بأصبعه فقال: بالله يا غلام من أبوك. فقال: أنا ابن الراعي، فوثبوا إلى جريج فجعلوا يقبلونه، وقالوا: نبني صومعتك من ذهب، قال: لا حاجة لي في ذلك؟ ابنوها من طين كما كانت، قال وبينما امرأة في حجرها ابن لها ترضعه، إذ مر بها راكب ذو شارة فقالت: اللهم اجعل ابني مثل هذا، قال فترك ثديها وأقبل على الراكب فقال: اللهم لا تجعلني مثله، قال ثم عاد إلى ثديها فمصه، قال أبو هريرة فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحكي صنيع الصبي، ووضع أصبعه في فيَّهِ يمصها. ثم مرت بأمه تُضرب، فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثلها، قال فترك ثديها، وأقبل على الأمة، فقال: اللهم اجعلني مثلها، قال فذاك حين تراجعا الحديث فقالت: خلفي مر الراكب ذو الشارة، فقلت: اللهم اجعل ابني مثله، فقلت: اللهم لا تجعلني مثله، ومررت بهذه الأمة فقلت: اللهم لا تجعل ابني مثلها فقلت: اللهم اجعلني مثلها فقال يا أمتاه، إن الراكب ذو الشارة جبار من الجبابرة، وإن هذه الأمة يقولون: زنت ولم تزن، وسرقت ولم تسرق، وهي تقول: حسبي الله)(1) . -------------------------- (1) رواه البخاري (6/511) وأحمد وهذا لفظه، ومسلم في الأدب، وانظر كتابنا: الإعلام فيما ورد في بر الوالدين وصلة الأرحام في بقية تخريجه. -------------------------------------------------------------------------------- 9 جزاء الصدق والأمانة المسلم مأمور بأداء الأمانة، والتحلي بالأخلاق الحسنة والصفات الحميدة، فمن عمل بهذه الصفات جُوزي بالجزاء الأوفى في الدنيا والآخرة، فمن ترك الخيانة والغدر لله سبحانه بصدق وإخلاص، عوضه الله على ذلك خيراً كثيراً.. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشترى رجل من رجل عقاراً له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب فقال له الذي اشترى العقار، خذ ذهبك مني إنما اشتريت منك الأرض، ولم أبتع منك الذهب، وقال الذي له الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها فتحاكما إلى رجل فقال الذي تحاكما إليه ألكما ولد قال أحدهما لي غلام وقال الآخر لي جارية، قال: أنكحوا الغلام الجارية وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدقا.(1) وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه ذكر أنّ رجلاً من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار فقال: ائتني بشهداء أشهدهم، قال: كفي بالله شهيداً، قال: ائتيني بكفيل قال: كفي بالله كفيلاً، قال: صدقت، فدفعها إليه إلى أجل مسمى، فخرج في البحر، فقضى حاجته، ثم التمس مركباً يقدم عليه للأجل الذي أجله، فلم يجد مركباً، فأخذ خشبة فنقرها، وادخل فيها ألف دينار وصحيفة معها إلى صاحبها، ثم زجج(2) موضعها، ثم أتى بها البحر ثم قال: اللهم إنك قد علمت إني استسلفت فلاناً ألف دينار، فسألني كفيلاً، فقلت: كفى بالله كفيلاً، فرضي بذلك، وسألني شهيداً، فقلت: كفى بالله شهيداً فرضي بذلك، وإني قد جهدت أن أجد مركباً ابعث إليه بالذي أعطاني فلم أجد مركباً، وأني استودعتكها فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف وهو في ذلك يطلب مركباً إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركباً يجيئه بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطباً، فلما كسرها، وجد المال، والصحيفة، ثم قدم الرجل الذي كان تسلف منه، فاتاه بألف دينار، وقال: والله ما زلت جاهداً في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركباً قبل الذي أتيت فيه، قال هل كنت بعثت إليّ بشيء قال: ألم أخبرك إني لم أجد مركباً قبل هذا الذي جئت فيه، قال: فإن الله أدى عنك الذي بعثت به، في الخشبة فانصرف بألفك راشداً.(3) -------------------------- (1) رواه البخاري في أخبار بني إسرائيل، ومسلم. (2) أي دققه وطوّله. (3) رواه البخاري (4/469) كتاب الكفالة، ورواه أحمد في المسند. -------------------------------------------------------------------------------- 10 من فوض أمره لله كفاه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينما رجل وامرأة له في السلف الخالي لا يقدران على شيء، فجاء الرجل من سفره، فدخل على امرأته جائعاً قد أصابته سغبة(1) شديدة، فقال لامرأته: عندك شيء، قالت: نعم أبشر أتاك رزق الله فاستحثها فقال: ويحك ابتغي إن كان عندك شيء، قالت: نعم هنيئة نرجو رحمة الله، حتى إذا طال عليه المطال قال: ويحك قومي فابتغي إن كان عندك شيء فأتيني به فإني قد بلغت الجهد وجهدت، فقالت: نعم الآن ينضح التنور، فلا تعجل، فلما أن سكت عنها ساعة وتحينت أيضاً أن يقول لها، قالت من عند نفسها لو قمت فنظرت إلى تنوري فقامت فوجدت تنورها ملآن من جنوب الغنم ورحاها تطحن، فقامت إلى الرحى فنفضتها واستخرجت ما في تنورها من جنوب الغنم) قال أبو هريرة فو الذي نفس أبي القاسم بيده عن قول محمد صلى الله عليه وسلم: (لو أخذت ما في رحيبها ولم تنفضها لطحنت إلى يوم القيامة).(2) وفي لفظ آخر: دخل رجل على أهله فلما رأى ما بهم من الحاجة خرج إلى البرية، فلما رأت امرأته ما لقي، قامت إلى الرحى، فوضعتها، وإلى التنور فسجرته ثم قالت: اللهم ارزقنا فنظرت فإذا الجفنة قد امتلأت، قال وذهبت إلى التنور فوجدته ممتلئاً قال: فرجع الزوج، قال: أصبتم بعدي شيئاً، قالت امرأته: نعم من ربنا فرفعتها إلى الرحى ثم قامت، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، . قال: (أما أنه لو لم ترفعها لم تزل تدور إلى يوم القيامة). (3). -------------------------- (1) الجوع الشديد. (2) رواه أحمد في المسند وفيه شهر بن حوشب وفيه ضعف ولكن يشهد له الذي بعده. (3) رواه أحمد في المسند من حديث أبي هريرة وإسناده صحيح. -------------------------------------------------------------------------------- 11 ذهب البرد بزرعها فعوضت خيراً لصبرها عن البرقي قال: رأيت امرأة بالبادية، وقد جاء البرد(2) فذهب بزرع كان لها، فجاء الناس يعزونها، فرفعت طرفها إلى السماء، وقالت: اللهم أنت المأمول لأحسن الخلق، وبيدك التعويض عمّا تلف، فافعل بنا ما أنت أهله، فإن أرزاقنا عليك، وآمالنا مصروفة إليك. قال: فلم أبرح، حتى جاء رجل من مياسير البلد من فضلاء الناس، فحدّث بما كان، فوهب لها خمسمائة دينار.(3) -------------------------- (1) هو أبو عبد الله أحمد بن جعفر بن عبد ربه بن حسان الكاتب المعروف بالبرقي: ترجم له الخطيب البغدادي في تاريخه (4/69). (2) بفتح الباء والراء: ماء الغمام يتجمد في الهواء ويسقط على الأرض حبوباً. (3) الفرج بعد الشدة ج (1/181). -------------------------------------------------------------------------------- 12 تركها لله ففرج الله عنه عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون، إذ أصابهم مطر فآووا إلى غار فانطبق عليهم فقال بعضهم لبعض أنه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصدق فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه فقال واحد منهم: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجير عمل لي على فرق(1) من أرزٍ فذهب وتركه وإني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته فصار من أمره إني اشتريت منه بقراً، وأنه أتاني يطلب أجره فقلت اعمد إلى تلك البقر فسقها فقال لي: انما لي عندك فرق من أرز فقلت له: اعمد إلى تلك البقر فإنها من ذلك الفرق فساقها، فإن كنت تعلم اني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، فانساخت عنهم الصخرة، فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت آتيهما كل ليلة بلبن غنم لي، فأبطأت عنهما ليلة فجئت وقد رقدا، وأهلي وعيالي يتضاغون(2) من الجوع، وكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما وكرهت أن أدعهما فيستكنا لشربتهما، فلم أزل انتظر حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، فانساخت عنهم الصخرة، حتى نظروا إلى السماء، فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كانت لي ابنة عم من أحب الناس إليَّ، وأني راودتها عن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتى قدرت فأتيتها بها فدفعتها إليها فامكنتني من نفسها فلما قعدت بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فقمت وتركت المائة دينار فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، ففرج الله عنهم.(3) -------------------------- (1) مكيال بالمدينة يسع ثلاثة أصع. (2) يصيحون ويصرخون. (3) رواه البخاري ومسلم وانظر بقية التخريج والكلام على الحديث في كتابنا الاعلام فيما ورد في بر الوالدين وصلة الأرحام. -------------------------------------------------------------------------------- 13 فيمن ترك محبوبه حراماً فذل له حلالاً، أو أعاضه الله خيراً منه قال أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله تعالى: بلغني عن بعض الأشراف أنه اجتاز بمقبرة فإذا جارية حسناء عليها ثياب سوادٍ، فنظر إليها فعلقت بقلبه فكتب إليها: قد كنتُ أحسب أن الشمس واحدة *** والبدر في منظرٍ بالحسن موصوفُ حتى رأيتُك في أثواب ثاكلةٍ *** سُودٍ وصدغُك فوق الخد معطوف فرُحتُ والقلبُ مني هائم دَنِفٌ *** والكبد حرّي ودمع العين مذروف رُدّي الجواب ففيه الشكر واغتنمي *** وصل المحب الذي بالحب مشغوف ورمى بالرقعة إليها فلما قرأتها كتبت: إن كنت ذا حسبٍ زاكٍ وذا نسبٍ *** إن الشريف بغض الطرف معروف إن الزناة أُناسٌ لا خلاق لهم *** فاعلم بأنك يوم الدين موقوف واقطع رجاك لحاك الله من رجلٍ *** فإن قلبي عن الفحشاء مصروف فلما قرأ الرقعة زجر نفسه وقال: أليس امرأة تكون أشجع منك؟ ثم تاب ولبس مِدْرَعةً من الصوف والتجأ إلى الحرم، فبينما هو في الطواف يوماً وإذا بتلك الجارية عليها درعٌ من صوف فقالت له: ما أليق هذا بالشريف: هل لك في المباح؟ فقال: قد كنت أروم هذا قبل أن أعرف الله وأُحبه، والآن قد شغلني حبُّه عن حب غيره فقالت له: أحسنت ثم طافت وهي تنشد: فطفنا فلاحت في الطواف لوائحٌ *** غنينا بها عن كلّ مرْأى ومَسْمَع(1) -------------------------- (1) انظر روضة المحبين ونزهة المشتاقين لابن القيم الجوزية ص 477. -------------------------------------------------------------------------------- 14 ( ب ) وقال الحسن البصري: كانت امرأة بغيٌ قد فاقت أهل عصرها في الحسن لا تمكن من نفسها إلا بمائة دينار، وإن رجلاً أبصرها فأعجبته فذهب فعمل بيديه وعالج فجمع مائة دينار، فجاء فقال: إنك قد أعجبتني فانطلقت فعملت بيدي وعالجت حتى جمعت مائة دينار فقالت: ادفعها إلى القهرمان حتى يَنْقُدَها ويَزينها، فلما فعل قالت: ادخل وكان لها بيتٌ مُنجدٌ وسرير من ذهب، فقالت: هلمّ لك، فلما جلس منها مجلس الخائن تذكر مقامه بين يدي الله فأخذته رعدةٌ وطفئت شهوته فقال: اتركني لأخرج ولك المائة دينار فقالت: ما بدا لك وقد رأيتني كما زعمت فأعجبتك فذهبت فعالجت وكدحت حتى جمعة مائة دينار فلما قدرت عليّ فعلت الذي فعلت؟ فقال: ما حملني على ذلك إلا الفرق من الله،وذكرتُ مقامي بين يديه قالت: إن كنت صادقاً فما لي زوج غيرك قال: ذريني لأخرج قالت: إلا أن تجعل لي عهداً أن تتزوجني، فقال: لا حتى أخرج قالت: عليك عهد الله إن أنا أتيتك أن تتزوجني قال: لعل فتقنع بثوبه ثم خرج إلى بلده، وارتحلت المرأة بدُنياها نادمة على ما كان منها، حتى قدمت بلده، فسألت عن اسمه ومنزله فدُلت عليه فقيل له: الملكة جاءت بنفسها تسأل عنك، فلما رآها شهق شهقة فمات، فأسقط في يدها فقالت: أما هذا فقد فاتني أما له من قريب؟ قيل: بلى أخوه رجل فقير فقالت: إني أتزوجك حباً لأخيك قال: فتزوجته فولدت له سبعة أبناء. -------------------------------------------------------------------------------- 15 ج ) وقال الحسن بن زيد: ولينا بديار مصر رجل فوجد على بعض عُماله فحبسه وقيده، فأشرفت عليه ابنة الوالي فهويته فكتبت إليه: أيها الرامي بعينيـ *** ـه وفي الطرف الحتوف إن تُرد وصلاً فقد أمْـ *** ـكنَكَ الظبيُ الألوف فأجابها الفتى: إن تريني زاني العيـ *** نين فالفرج عفيف ليس إلاّ النظر الفا *** ترُ والشعرُ الظريفُ فأجابته: ما تأبيتُ لأني *** كنت للظبي عيوفا غير أني خفتُ ربّاً *** كان بي برّاً لطيفاً فذاع الشعر وبلغت القصة الوالي فدعا به فزوجه إياها ودفعها إليه(1) . -------------------------- (1) روضة المحبين ص: 479 ـ 480. -------------------------------------------------------------------------------- 16 ( د ) ذُكر أن رجلاً أحب امرأة وأحبته، فاجتمعا فراودته المرأة عن نفسه فقال: إن أجلي ليس بيدي، وأجلك ليس بيدك، فربما كان الأجل قد دنا فنلقى الله عاصيين. فقالت: صدقت فتابا وحسنت حالهما وتزوجت به. -------------------------------------------------------------------------------- 17 ( هـ ) وقال يحيى بن أيوب: كان بالمدينة فتى يُعجب عمر بن الخطاب رضي الله عنه شأنه، فانصرف ليلة من صلاة العشاء فتمثلت له امرأة ين يديه، فعرّضت له بنفسها ففتن بها ومضت، فاتبعها حتى وقف على بابها فأبصر وجلاً عن قلبه وحضرته هذه الآية (إن الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) [سورة الأعراف: 201]. فخر مغشياً عليه، فنظرت إليه المرأة فإذا هو كالميت، فلم تزل هي وجارية لها يتعاونان عليه حتى ألقياه على باب داره، فخرج أبوه فرآه مُلقى على باب الدار لما به، فحمله وأدخله فأفاق، فسأله ما أصابك با بني؟ فلم يخبره فلم يزل به حتى أخبره، فلما تلا الآية شهق شهقة فخرجت نفسه، فبلغ عمر رضي الله عنه قصته فقال: ألا آذنتموني بموته؟ فذهب حتى وقف على قبره فنادى: يا فلان (ولمن خاف مقام ربه جنتان) [سورة الرحمن: 46] فسمع صوتاً من داخل القبر: قد أعطاني ربي يا عمر(1) . ووردت القصة على وجه آخر وهو: كان شابٌ على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ملازماً للمسجد والعبادة، فهويته جارية فحدث نفسه بها، ثم إنه تذكر وأبصر فشهق شهقة فغشي عليه منها، فجاء عمُّ له فحمله إلى بيته فلما أفاق قال: يا عمّ انطلق إلى عمر فأقرئه مني السلام وقل له: ما جزاء من خاف مقام ربه؟ فأخبر عمر فآتاه وقد مات فقال: لك جنتان(1) . -------------------------- (1) المرجع السابق ص: 481 ـ 482. -------------------------------------------------------------------------------- المرجع/ من كتاب من ترك شيئا لله عوضه الله خيراً منه للمؤلف الفقير إلى عفو ربه: إبراهيم بن عبد الله الحازمي |
|
|