| |||||
|
03-01-2015, 08:39 AM | #1 |
إداري تاريخ التسجيل: Jun 2010 المشاركات: 1,222 | ضاقت الدنيا … أم ضاقت أنفسنا بسم الله الرحمن الرحيم ( ضاقت الدنيا … أم ضاقت أنفسنا ) عاش جيل آبائنا بين مرحلتين من مراحل الدنيا .. فهم أدركوا حياة البساطة والمشقة وشظف العيش والعناء .. لا يعرفون حال الحر سوى شجرة وآرفة الظل يرشون الماء على جوانبها ثم يفترش الواحد منهم قطعة قماش مهترية ، أو ربما عمد إلى تسوية التراب تحته فنام القيلولة في أحلى حالاته . . أما في الليل فإن أسطح المنازل ، أو باحات البيوت هي مقر النوم الدائم لهم ، وفي الشتاء يعمدون إلى التدفئة المعتادة عن طريق إيقاد النار ، أو البقاء في خلوة المسجد عند أداء العبادة .. إذا أرادوا الماء عمدوا إلى قليب يخدم كل القرية حفرها الرجال الأشاوس في معاناة شديدة حتى استخرجوا قطرات الماء التي تخدم كل البلدة .. وكانت معاناة المرأة في الحصول على الماء لحاجاتها الخاصة أكبر من أن تذكر في هذا المقام .. فليس هناك خزانات الماء الكبيرة ، ولا صنابير الماء ومغاسله المتطورة ؟!؟ كان الواحد منهم إذا أصيب بجرح في رجله عمد إلى شجرة معينة ففرك قدمه حتى يجف الدم ويزول الأثر .. بل ربما تعجبت إذا سمعت أن بعضهم يخيط فتحات معينة في قدمه يسمونها ( الشطوب ) يخيطها بالإبرة والسلك .. كـأنها شق في ثوب ؟ ! كانوا يتنقلون من مكان إلى آخر في مشقة وضنك .. تستمر الرحلة القصيرة أياماً وشهوراً . . فيها من المخاطر والمتاعب ما تنوء بحمله الجبال . عاش هذا الجيل بين تلك المرحلة الشديدة العصيبة .. ثم أدرك مرحلة السيارة والكهرباء والهاتف والحاسب الآلي .. فما كان ليصدق أن الدنيا ستصبح بهذه الحال .. وها هو يعيشها . لكن الأمر الأغرب هو ما عشناه نحن أبناء جيل المدارس والتقنية .. كيف كانت الحياة بالنسبة لنا ؟!؟ هذا السؤال تكرر في خاطري عندما كنت في زيارة لمسكننا القديم سواء على مشارف بلدتنا الغالية ( الحريق ) أو حارتنا الأولى ( العجلية ) ذلك البيت الذي كان يجمع أكثر من عائلة .. بدون وسائل راحة أو ترفيه ، فقط مكيف صحراوي صغير جداً يخدم البيت بأسره ، وغرفة يجتمع فيها أكثر من عشرة أو خمسة عشر نفساً .. يأكلون .. ويتنادمون الحديث .. سبحان الله ! كيف كانت هذه الغرفة الصغيرة تتسع لهم ؟ حاولت أن أمد رجلي في أول الغرفة ، وأستلقي في طرفها الآخر ، فكانت النتيجة ( الغرفة ضيقة ) دخلت إلى الباحة .. أو ( الحوش ) الذي كان مضماراً كبيراً في زمننا ، نلعب فيه الكرة ، ونتسابق مع إخوتنا أو أبناء جيراننا ..نجتمع في الصيف مع كل وافد .. نقضي فيه جلسات العائلة الكبيرة .. معقول هذه المساحة الصغيرة تكفي لكل هذه الأعمال ! ( الحوش ضيق ) توجهت إلى الغرف المخصصة للنوم . . غرف كان ينام فيها أكثر من خمسة رجال .. وأخرى تضم خمس نساء .. وثالثة ينام فيها أفراد عائلة كاملة .. الزوج والزوجة وأطفاله الأربعة .. أبداً غير معقول ! أين كانوا يضعون أرجلهم ؟! وكيف يتمددون ؟! أين مكان الجلوس ؟! أين يفرشون الفراش ؟! هل ضاقت الغرفة بعد أن فارقناها ؟ ! ( الغرفة ضيقة ) وليس هذا فحسب .. بل حتى الأطعمة التي كنا نأكلها كان لها طعم آخر .. فأين تلك الخضار التي نشم رائحتها بمجرد قطفها ؟! أين ذلك الطعم المميز للطماطم والخيار ؟! وأين تلك الرائحة لبقة المأكولات ؟! هل حقاً تغيرت الأطعمة أم تغيرت أنفسنا ؟! ( البطيخ ) كان يوضع في تبريد عجيب .. ( خيشة سفلية وأخرى علوية ) يلف البطيخ بهما ويرش عليه الماء .. فإذا مررت بجواره شممت له رائحة تدعوك للهجوم المباشر لأكله .. وكأنه الطعام الوحيد الذي تملكه .. فأين هذا البطيخ الآن ؟! أكل رمضان .. ووجبات العيد .. وطعام العشاء .. كل واحدة منها لها نكهتها الخاصة التي ما زالت تعيش في ذاكرتنا .. فأين هي ؟! الملابس الجديدة تبقى معنا أشهراً وكأنها من ديباج .. لها في نفوسنا منزلة .. ونحافظ عليها أشد المحافظة … الآن : بيوت واسعة .. فله دورين .. غرف كثيرة .. أطعمة نرمي التالف منها أكثر مما نأكل .. سيارات .. وسائل راحة .. كلها عاشت معنا ، لكن أين طعمها ؟! هل ذهب الطعم والرائحة والأنس والفرح مع الضيق ؟! هل هذه التقنية التي نعيشها صورة جوفاء خالية من كل معاني الروح الحقيقية والبسمة الصادقة ؟! حاولت أن أجيب على أسئلة تدور في خلدي وتداهم تفكيري حول ضيق الزمان أم ضيق المكان .. هل تغيرنا أم تغيرت الحياة ؟! لكني تذكرت قول الشاعر : إن الجديدين في طول اختلافهما لا يفسدان ولكن يفسد الناس إذاً هي نعم كثيرة ، نستظل بظلها ونعيش لحظاتها .. تحتاج منا إلى شكر المنعم والقيام بحقه علينا .. لأن ما مر بآبائنا وما مر بغيرنا من الأمم ليس بدعاً لا يتكرر .. وليس حكراً على أحد دون أحد .. قال الله تعالى ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه والحمد لله رب العالمين كتبه فهد بن عبدالعزيز السنيدي |
|
|