| |||||
|
|
آخر 1 مشاركات |
| أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
09-14-2010, 10:59 PM | #1 |
إداري تاريخ التسجيل: Jun 2010 المشاركات: 1,222 | لا تحقرن من المعروف شيئا ، وقائع يسيرة جدا صارت سبباً في دخول جنة عرضها السموات والأرض ، ومعروف يسير أثر في تاريخ الأمة . د. صالح بن فريح البهلال كان في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأةٌ تكنى بأُمِّ محجن، ليس لها عملٌ سوى التقاط الخِرق والقذى والعيدان من المسجد، وفي إحدى الليالي فاضت نفسها ـ رضي الله عنهاـ، وفارقت الحياة، وودّعت الدنيا، فصلى عليها جمعٌ من الصحابة، ودفنوها، ولم يخبروا رسول -صلى الله عليه وسلم- بموتها، فافتقدها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فسأل عنها؛ اهتمامًا بها، وإكبارًا لشأنها، فأخبره الصحابة بما كان منهم تُجاهها، فقال صلى الله عليه وسلم: (دلّوني على قبرها) ثم أتى قبرها حتى وقف عليه، ثم صلى عليها. سبحان الله! امرأة ضعيفة قليلة الشأن عند أهل ذاك الزمان، يسأل عنها أفضل الورى، وخير من وطئ الثرى، فلا يقنعُ حتى يقفَ على قبرها ويصليَ عليها، وهو الذي صلاته سكن، ورحمة، ونور، وضياء، فهنيئاً لها ذلك. يا تُرى، ماذا فعلت هذه المرأة؟! وبأي شيء بلغت هذا المنزل عند نبيها؟! لقد كانت تَقُمُّ المسجد، وتلتقط القذى والخرق والعيدان منه، نعم أيها الكرام، كانت تَقُمّ المسجد وتنظّفه، فكان ما كان من سؤال نبيها صلى الله عليه وسلم عنها، ثم صلاته صلى الله عليه وسلم عليها. إذن فلا تحقرنّ من المعروف شيئاً، حتى القذاةَ تخرجها من المسجد، فربما رحمك الله بذلك. ورجل ممن كان قبلنا حدّث عنه رسولنا صلى الله عليه وسلم، فذكر أنه حوسب فلم يوجد له من الخير إلاّ عمل واحد استوجب به شكر الله له، ثم مغفرتَه لذنوبه، فما هذا العمل العظيم الذي عمله هذا الرجل؟ فاستحق شكر الله ـ سبحانه ـ وغفرانه لذنوبه؟ لقد بيّن رسولنا صلى الله عليه وسلم عمله، فقال كما في صحيح البخاري، من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ (بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخّره فشكر الله له فغفر له). وجاء في رواية عند ابن حبان: (حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير إلاّ غصن شوك كان على الطريق كان يؤذي الناس فعزله فغفر له). لقد أدرك هذا الرجل رحمة الله بسبب غصن شوك أزاله من طريق الناس، فشكر الله له، فغفر له، فلا تحقرنّ من المعروف شيئاً، ولو أن تزيل حجراً، أو أذى من طريق الناس، فربما غُفر ذنبُك بذلك. لقد دخلت الجنةَ امرأةٌ بسبب تمرة، وهذه قصتها في صحيح مسلم؛ تحكيها عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتُها ثلاثَ تمَرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة؛ لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرتُ الذي صنعتْ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أوأعتقها بها من النار). لقد أوجبت هذه المرأة بسبب تمرة جنةً عرضها السماوات والأرض، مما نستفيد منه درساً ألاّ نحتقر أمر الصدقة، ولو بقليل من المال، وقد قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل). أخرجه البخاري ومسلم. ألا وإن من الأفعال التي يغفَل عن احتسابها بعض الناس النفقةَ على الأهل؛ فإنها مع وجوبها، فيها أجر عظيم، فقد أخرج مسلم في صحيحه، من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دينار أنفقته فى سبيل الله، ودينار أنفقته فى رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك؛ أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك». فليحتسب كلٌ منا الطعام الذي يأتي به لأهله، و اللباس الذي يواريهم به، بل ليحتسب النقود التي يعطيها ولده حين يذهب إلى المدرسة، والحقيبة التي يشتريها له؛ فإن ذلك كله من أعظم النفقات عند الله، فلا يحتقر منه شيئاً، ولا يتضجر، فيفوته الأجر. وامرأة مومسة؛ بغيٌّ، زانية غفر لها ذنبها هذا بسبب عمل عملته، فيا ترى ما هو هذا العمل الذي استوجبت به مغفرة الله ورضوانه؟ لقد بيّنه رسولنا صلى الله عليه وسلم، فقال كما في صحيح البخاري، من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غفر لامرأة مومسة؛ مرت بكلبٍ على رأس ركي ـ أي بئر ـ يلهث؛ كاد يقتله العطش، فنزعت خفها، فأوثقته بخمارها، فنزعت له من الماء، فغفر لها بذلك). سبحان الله، ما أعظم فضل الله؟! وما أوسع رحمته؟! إن هذه البغي غفر لها؛ لما قام في قلبها من الإخلاص لله، فقد فعلت هذه السقاية، لم يرها أحد، وكم من عمل حقير عظّمته النية!! فإذا كان الإحسان على الكلاب يغفر به الخطايا، فكيف يصنع الإحسان على من وحّد رب البرايا؟! لا شك أن الرحمة به أحق وأجدر إذا كان خالصاً. فلا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو في العطف على الحيوان؛ فضلاً عن الإنسان. لقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ). [المجادلة:11]. فأمر ـ سبحانه ـ المؤمنين إذا كانوا في مجلس، واحتاج بعضهم أو بعض القادمين عليهم للتفسح له في المجلس، فإن من الأدب أن يفسحوا له تحصيلاً لهذا المقصود. فإن من فعل ذلك فإن الله ـ سبحانه ـ يفسحُ له، أي يوسعُ له، ويشمل ذلك توسعة الرزق في الدنيا، وتوسعة المنازل في الجنة. فإذا كان مجرد الفسح في المكان يوجب هذا الفضل العظيم، وهو لا يضرّ الفاسحَ شيئاً، ولا يكلّفه جهداً، فكيف بمن فرّج عن مسلم كربة، أو دفع عنه مسغبة، أو قضى له حاجة؟! إذن فلا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن توسع لأخيك في المجلس، فربما رحمك الله بذلك، فكنت من الفائزين. ألا وإن من الأعمال التي أرشد الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى عدم احتقارها؛ ما جاء في مسند أحمد من حديث أبي جُري الهُجيمي، قال: سألتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ المعروف، فقال: (لا تَحقِرنَّ من المعروف شيئاً، ولو أنْ تُعْطيَ صِلةَ الحبلِ، ولو أنْ تُعطي شِسْعَ النَّعلِ، ولو أنْ تُفرِغَ من دلوكَ في إناء المستسقي، ولو أنْ تُنَحِّي الشَّيءَ مِنْ طريق النَّاسِ يؤذيهم، ولو أنْ تلقى أخاكَ ووجهُك إليه منطلق، ولو أنْ تلقى أخاك فتسلِّمَ عليه، ولو أنْ تُؤْنِسَ الوحشان في الأرض). والمقصود بالوحشان الغريب، وإيناسه أن تلقاه بما يؤنسه من القول والفعل الجميل. وفي رواية لحديث أبي جري الهجيمي عند أحمد، أن أبا جري قال: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو محتب بشملة له، وقد وقع هدَبها على قدميه، فقلت: أيكم محمد؟ أو رسول الله؟ فأومأ بيده إلى نفسه، فقلت: يا رسول الله ؛ إني من أهل البادية، وفيَّ جفاؤهم فأوصني، فقال: (لا تحقرنّ من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك ووجهك منبسط..) الحديث. وفي حديث أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ في صحيح مسلم قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلِق». نعم؛ فمن المعروف المندوب إليه في الشريعة تبسّمك في وجه أخيك، وانبساط وجهك عنده، فهذا مما يجلب الودّ، ويوثق الحبّ. ومن الحرمان أن تجد بعض الناس لا يلقى أخاه إلاّ بوجه منقبضٍ، وطرف فاتر كأن الأحزان قد حلّت بساحته، وكأنما ينفق هذه الابتسامة من حرّ ماله. ألا وإن من المعروف الذي يغفل عنه بعض الناس الكلمةَ الطيبة؛ فإن الكلمة الطيبة صدقة؛ فلا يحتقر أحدنا كلمة يبذلها لأخيه؛ تحمل دلالة على خير، أو نهياً عن شر، أو ثناء صادقاً على فِعلة قام بها؛ فربما أن الله أجرى خيراً كثيراً من جرّاء هذه الكلمة. فلا تعجبوا أيها القرّاء الكرام ـ إذا علمتم ـ أن السبب الشهير لتأليف صحيح البخاري هي كلمة شيخِه إسحاقَ بن راهويه حين قال: (لو أن أحدكم يجمع كتاباً فيما صح من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم) قال البخاري: (فوقع ذلك في نفسي) فألّف كتابه الصحيح الذي هو أصح كتاب على وجه الأرض بعد كتاب الله. ولا تعجبوا ـ إذا علمتم ـ أن إمام المحدثين في زمانه الحافظَ الذهبي كان سببُ انصرافه لعلم الحديث هي كلمةٌ صدرت من شيخه البرزالي، يقول الذهبي ـ رحمه الله ـ عن شيخه البرزالي: (هو الذي حبّب إليّ طلب الحديث، فإنه رأى خطي، فقال: خطّك يشبه خط المحدثين! فأثّر قوله فيّ). وبعد هذا فلا ينبغي لأحد منا أن يحتقر من المعروف شيئاً يقدّمه لإخوانه، من بذل ابتسامة، أو إسماع كلمة طيبة، أو دفع هدية، أو رفع أذية، أو إعطاء شفاعة حسنة، أو قضاء حاجة، أو حلّ مشكلة، أو إدخال سرور بأي أنواع السرور، ولو برسالة جوال، فلعل الله أن يرضى عن شيءِ من تلك الأعمال، فيسعدَ صاحبها سعادة لا شقاوة بعدها. |
|
|