ملتقى أهل الدعوة إلى الله عز وجل
 

العودة   ملتقى أهل الدعوة إلى الله عز وجل > المنتدى للتصفح فقط ولا يوجد تسجيل أو مشاركات سوى الإدارة .. لمراسلتنا على بريدنا ahldawa@gmail.com > قسم الأفكار والوسائل الدعوية
المنتديات موضوع جديد التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

آخر 1 مشاركات دعواتكم لإخوانكم في فلسطين وفي كل مكان ممن اُعتدي عليهم ودعواتكم لكل مسلم متضرر في شتى بقاع الأرض (الكاتـب : - )      
إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-10-2011, 05:42 PM   #1
إداري
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 1,222
Thumbs up قاعدة مهمة جدا ( متى تقول ومتى لا تقول ) (لكل مقام مقال ، وليس كل ما يعلم يقال) وزن الأمور بميزانها الصحيح

من القواعد المهمة جدا للداعية والعالم وطالب العلم بشكل خاص ولغيرهم بشكل عام ..
قال الشيخ وليد السعيدان حفظه الله :
( القاعدة الثالثة والثلاثون )
(لكل مقام مقال ، وليس كل ما يعلم يقال)
أقول :ــ لقد قررنا سابقا أن الشريعة جاءت لتحقيق المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها ، وأنها مبنية على تحصيل أعلى المصلحتين ،ودفع أكبر الفسادين ، وأن المتقرر أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وبناء على ذلك فإن الدعوة إلى الله تعالى لا بد وأن تبنى على هذه القواعد الشرعية المعتمدة بالدليل كتابا وسنة ، وأنها ــ أي الدعوة ــ لا تزال سليمة مادام الداعية يراقب هذه القواعد ،وينظر في المصالح والمفاسد ، وعلى هذا :ــ فإن رأى الداعية إلى الله تعالى أن المصلحة في السكوت عن نوع من العلم أو في مسألة من المسائل ،وأن الحكمة الدعوية تقتضي منه السكوت في هذه الحالة ، فالمشروع له أن يسكت ،وليس لأنه يعلم هذه المسألة فلا بد أن يبينها ، فإن العلم بالشيء أمر ، ووجوب بلاغه أمر آخر ، فإن البلاغ لا بد وأن يربط بتحقيق المصالح وتكميلها ،وتعطيل المفاسد وتقليلها ، ولكن لا بد وأن يكون رقابة المصلحة والمفسدة خالية وبعيدة عن الشهوات وحظوظ النفس ، لأن من الدعاة من تملكه الخوف من كل شيء ، فتراه يقدر المصالح والمفاسد بناء على هذا الذعر العظيم الذي امتلأت به جوانب نفسه ، فالمصالح والمفاسد لا تكون معتبرة إلا إن كانت متفقة مع ما اعتبره الشرع منها ، فإبلاغ العلم والدعوة إلى الله تعالى لا بد وأن تكون مرتبطة بتحقيق المصالح ودفع المفاسد، ولذلك فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم معاذا عن التحديث بما حدثه به في شأن فضل كلمة التوحيد ، لما قال له " حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا " فقال معاذ :ــ أفلا أبشر الناس ؟ قال " لا تبشرهم فيتكلوا " متفق عليه ، فلما كان إخبار الناس بهذا الأمر فيه نوع مفسدة مقابلة ، صار من الحكمة الدعوية السكوت عنه ، وعدم إخبار الناس ، وذلك خوفا من اتكالهم على هذا الأمر وترك العمل أو التساهل فيه ، مع أن إبلاغ العلم من الواجبات المتحتمات ، ولكن لما كانت الدعوة بإبلاغه مرهونة بتحقيق المصالح ودفع المفاسد صار من الحكمة السكوت عنه ، لأنه ليس كل ما يعلم يقال ، ولكل مقام مقال ، وهذا الأمر هو الذي حدا بأبي هريرة رضي الله عنه أن يسكت عن وعاء من الأحاديث التي سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه لو بثه لحصلت المفسدة ، فرأى رضي الله عنه أن الحكمة في السكوت عن هذا النوع من العلم ، وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله تعالى أنه فيما يخص ذم ولاية الصبيان من بني أمية ، وذكر بعض ما يحدثونه في الدين من التقديم والتأخير والتغيير ، وأبو هريرة قد حفظ من الحديث ما لم يحفظه غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فلو أنه تعرض له أحد هؤلاء الأمراء الصبيان بالسوء لذهب أكثر الحديث ، فكانت الحكمة في السكوت عن هذا النوع من العلم ، ولأنها من الأحاديث التي لا يتعلق بها عمل ، وإنما هي في بيان بعض الأخبار التي ستكون في الأمة بسبب إمارة الصبيان من بني أمية ، فليس كتمها من الأمور الموجبة للمفسدة في الأمة ، ويحمل أيضا على أنها من جملة الأحاديث التي فيها الخبر عن الملاحم والفتن التي تقع بين الناس ، مما لو أخبر به لبادر الناس إلى تكذيبه ، كما قال ابن كثير رحمه الله :(وهذا الوعاء الذي كان لا يتظاهر به هو الفتن والملاحم وما وقع بين الناس من الحروب والقتال وما سيقع ،التي لو أخبر بها قبل كونها لبادر كثير من الناس إلى تكذيبه ،وردوا ما أخبر به من الحق.كما قال :لو أخبرتكم أنكم تقتلون إمامكم وتقتتلون فيما بينكم بالسيوف لما صدقتموني ) ولذلك قال رضي الله عنه " حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم وعاءين من العلم ، أما أحدهما فبثثته فيكم ، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم " رواه البخاري ، وما ذلك إلا لأنه ليس كل ما يعلم يقال ، ولكل مقام مقال ، إن من الناس من إذا تعلم شيئا من العلم قام وبثه في الناس ولو كان في بثه مفسدة ، المهم أنه لا بد وأن يقوله براءة للذمة كما يتوهمه ، وهذا خطأ ، بل الدعوة مربوطة بالنظر في المصالح والمفاسد ، ولأحمد بسنده عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ :ــ يَقُولُونَ أَكْثَرْتَ فَلَوْ حَدَّثْتُكُمْ بِكُلِّ مَا سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ رَمَيْتُمُونِى بِالْقَشْعِ وَمَا نَاظَرْتُمُونِى .... قلت :ــ وهذا هو العقل والرأي والسديد ، قال ابن بطال رحمه الله تعالى على قول أبي هريرة في الحديث السابق (وكذلك ينبغي لكل من أمر بمعروف إذا خاف على نفسه في التصريح أن يُعَرِّض.ولو كانت الأحاديث التي لم يحدث بها من الحلال والحرام ما وَسِعَهُ تركها) وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كشف المشكل (ولقائل أن يقول كيف استجاز كتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال "بلغوا عني" وكيف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما إذا ذُكِر قُتِل راويه وكيف يستجيز المسلمون من الصحابة الأخيار والتابعين قتل من يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالجواب أن هذا الذي كتمه ليس من أمر الشريعة فإنه لا يجوز كتمانها وقد كان أبو هريرة يقول لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم وهي قوله {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى}فكيف يظن به أن يكتم شيئا من الشريعة بعد هذه الآية وبعد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ عنه وقد كان يقول لهم "ليبلغ الشاهد منكم الغائب" وإنما هذا المكتوم مثل أن يقول :ــ فلان منافق وستقتلون عثمان و "هلاك أمتي على يدي أغيلمة من قريش"بنو فلان فلو صرح بأسمائهم لكذبوه وقتلوه )إهــ كلامه رحمه الله تعالى ، وقال في مرعاة المفاتيح (وأراد بالوعاء الذي لم يبثه، ما كتمه من أخبار الفتن والملاحم، وتغير الأحوال في آخر الزمان، وما أخبر به الرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من فساد الدين على يدي أغيلمة من سفهاء قريش، وقد كان أبو هريرة يقول: لو شئت أن أسميهم بأسمائهم، أو المراد الأحاديث التي فيها تبيين أسماء أمراء الجور، وأحوالهم، وزمنهم، وقد كان أبو هريرة يكني عن بعض ذلك ولا يصرح خوفا على نفسه منهم، كقوله أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان، يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية؛ لأنها كانت سنة ستين من الهجرة، واستجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة) وقال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى وأجزل له الأجر على حديث كتم أبي هريرة رضي الله عنه لبعض العلم (كان في ذلك الجراب أحاديث الفتن التي تكون بين المسلمين فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم بما سيكون من الفتن التي تكون بين المسلمين ومن الملاحم التي تكون بينهم وبين الكفار ولهذا لما كان مقتل عثمان وفتنة ابن الزبير ونحو ذلك، وقد قال رضي الله عنه: لو أخبركم أبو هريرة أنكم تقتلون خليفتكم وتهدمون البيت وغير ذلك لقلتم كذب أبو هريرة، فكان أبو هريرة يمتنع من التحديث بأحاديث الفتن قبل وقوعها لأن ذلك مما لا يحتمله رؤوس الناس وعوامهم) وقد كانت رغبة النبي صلى الله عليه وسلم أن يهدم البيت ويبنيه على قواعد إبراهيم ويجعل له بابين ، باب يدخل الناس منه ، وباب يخرجون منه ،ولكن هل طبق النبي صلى الله عليه وسلم هذه الرغبة ، مع أنها من العلم ، وهل بثها بين الناس ؟ والجواب :ــ لا ، بل بقي البيت على ما هو عليه ، فما المانع ؟ إنه تحقيق المصالح ودفع المفاسد ، فلما كان تبليغ هذا العلم والقيام به يوجب شيئا من المفاسد ويعطل جملا من المصالح كانت المصلحة الدعوية السكوت عنه ، وعدم بثه في الناس ، فروى الحاكم وغيره عن عائشة رضي الله عنه أنها قالت :قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا عائشة لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لهدمت البيت حتى أدخل فيه ما أخرجوا منه في الحجر فإنهم عجزوا عن نفقته و جعلت لها بابين بابا شرقيا و بابا غربيا و ألصقته بالأرض و لوضعته على أساس إبراهيم " ولما حدث أبا هريرة بقوله " اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد ألا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة " عاد ونهاه عن التحديث بذلك لما راجعه عمر رضي الله عنه ، والحديث في صحيح مسلم ، وما ذلك إلا لأن إبلاغ العلم لا يكون كيفما اتفق ، لا ، بل لا بد وأن يكون منظورا فيه إلى تحقيق المصالح ودفع المفاسد ، لأنه ليس كل ما يعلم يقال ، ولكل مقام مقال ، و لهذا كان السلف يعملون بذلك كثيراً .فانظر إلى الحسن البصري رحمه الله تعالى حيث أنكر على أنس بن مالك رضي الله عنه حين حدث الحجاج بن يوسف بحديث قتل النبي صلى الله عليه وسلم للعرنيين ؛ قال لأنس وأنكر عليه : لم تحدث الحجاج بهذا الحديث ؟! قال له لأن الحجاج عاث في الدماء , وسيأخذ هذا الحديث يتأول به صنيعه , فكان واجباً أن يُكتم هذا الحديث وهذا العلم عن الحجاج ؛ لكي لا يكون في فهمه وعقله - الذي ليس على السواء وليس على الصحة - أن هذا الحديث يؤيده , أو أن هذا الحديث دليل معه , فيفهمه على غير فهمه .فالحسن رحمه الله أنكر على أنس رضي الله عنه -وهو الصحابي - تحديثه , وندم أنس رضي الله عنه بعد ذلك على تحديثه الحجاج بحديث العُرَنيين .
وحذيفة - قبل أبي هريرة - كتم أحاديث من أحاديث الفتن , لأنه رأى أن الناس لا يحتاجونها
والإمام أحمد كره أيضا التحدث بالأحاديث التي فيها الخروج على السلطان , لأنه قال : لا خير في الفتنة , ولا خير في الخروج .وأبو يوسف كره التحدث بأحاديث الغرائب.ومالك رحمه الله كره التحديث بأحاديث فيها ذكر لبعض الصفات .والمقصود من هذا : أنه في الفتن ليس كل ما يعلم يُقال , ولا كل ما يُقال لا بد وأن يُقال في كل الأحوال.لا بدَّ من ضبط الأقوال ؛ لأنك لا تدري ما الذي سيحدثه قولك ؟ وما الذي سيحدثه رأيك ؟ وما الذي سيحدثه فهمك؟والسلف رحمهم الله أحبو السلامة في الفتن , فسكتوا عن أشياء كثيرة ؛ طلباً للسلامة في دينهم , وأن يلقوا الله جلَّ وعلا سالمين ، وقد ثبت أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال لابنه حين حدَّث في القيام ببعض الأمر في الفتنة ؛ قال لابنه : يا هذا ! أتريد أن تكون رأساً في الفتنة ! لا , لا والله .فنهى سعد بن أبي وقاص ابنه عن أن يكون سعد أو أن يكون أبنه رأساً في الفتنة , ولو بمقال أو بفعال , ولو رآها حسنة صائبة ؛ فإنه لا يأمن أن تكون عاقبتها غير حميدة .والناس لا بدَّ أن يزنوا الأمور بميزان شرعي صحيح , حتى يَسْلَموا, وحتى لا يقعوا بالخطأ .ثم إن للأعمال وللأفعال وللتصرفات ضوابط لا بدَّ من رعايتها ؛ فليس كل فعل يُحمد في حال يُحمد في الفتنة إذا كان سيفهم منه غير الفهم الذي يُراد أن يُفهم منه . وقد أثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله المشهور: (ليس كل ما يُعلم يقال، ولا كل ما يقال حضر أهله، ولا كل ما حضر أهله حان وقته) بل المعروف عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد غزوة ورَّى بغيرها ، فليس كل ما يعلم يقال ، وقال مالك رحمه الله تعالى :ــ لا يكون المرء إمام وهو يحدث بكل ما سمع ، وقد كان السلف رحمهم الله تعالى يكرهون تحديث الناس بالمتشابه من العلم ، وكانوا يحذرون من بث الشبه بين الناس حتى ولو كانت مقرونة بالجواب ، خوفا من فهم الشبهة وتشرب القلب بها وعدم فهم جوابها ، وعن عبد الرحمن بن عوف أنه قال محدثاً عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- :« لو شهدت أمير المؤمنين أتاه رجل فقال : إن فلاناً يقول لو مات أمير المؤمنين لبايعنا فلاناً ، فقال عمر : لأقومن العشية ، فأحذر هؤلاء الرهط، الذين يريدون يغضبوني ، قلت : لا تفعل ، فإن الموسم ، يجمع رعاع الناس ، ويغلبون على مجلسك، فأخاف أن لا ينزلوها على وجهها فيطيروا بها كل مطير ، وأمهل حتى تقدم المدينة ، دار الهجرة ، ودار السنة ، فتخلص بأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين والأنصار ، ويحفظوا مقالتك وينزلوها على وجهها ، فقال : والله لأقومن في أول مقام أقومه بالمدينة » فانظر إلى حكمة هذا العاقل الحصيف ذي الرأي السديد ، كيف اقترح على عمر رضي الله عنه تأخير الأمر إلى القدوم إلى دار العلم والفهم الصحيح السليم ، فهذه القاعدة طيبة جدا في فهم الدعوة والمطلوب فيها على الوجه الصحيح ، وعن علي رضي الله عنه قال: (حدثوا الناس بما يعرفون ، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟)وفي رواية: (أيها الناس، تحبون أن يكذب الله ورسوله؟ حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون) وقال ابن مسعود: (ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة) ، وفي رواية: (إن الرجل ليحدث بالحديث، فيسمعه من لا يبلغ عقله فهم الحديث، فيكون عليه فتنة) ، وقال أيوب: (لا تحدثوا الناس بما لا يعلمون فتضروهم)، وعن وهب بن منبه قال: (ينبغي للعالم أن يكون بمنزلة الطباخ الحاذق، يعمل لكل قوم ما يشتهون من الطعام، وكذلك ينبغي للعالم أن يحدث كل قوم بما تحتمله قلوبهم وعقولهم من العلم) إن الدعوة ليست صراخا في المنابر بشتى الموضوعات أمام من هب ودب ، وليست هي فتل عضلات أمام العامة حتى تثبت لهم بأنك لا تخاف ولا تخشى في الله لومة لائم ، لا ، بل هي قائمة على تحقيق المصلحة الخالصة أو الراجحة ، ودفع المفسدة الخالصة أو الراجحة ،ولقد قرر أهل العلم رحمهم الله تعالى قاعدة سد الذرائع ، وخرجوا عليها من الفروع ما لا يحصى ،ومما ذكروه تحتها هذه القاعدة التي نحن بصدد شرحها ، فإن كان إبلاغ العلم والدعوة إلى الله تعالى في هذا الأمر المعين في هذه الظروف الحالة لا يحقق المصلحة الشرعية المطلوبة ، ولا يدفع المفسدة المطلوب شرعا دفعها ، بل لا يكون من ورائه إلا بث المفاسد وموت المصالح فالواجب السكوت ، وقد قرر أهل العلم رحمهم تعالى أن إنكار المنكر إن كان سيترتب عليه ما أهو أنكر منه فالواجب السكوت وعدم الإنكار ، ولو رجعت إلى قاعدة الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى لوجدت أن الفروع عليها هي بعينها الفروع على هذه القاعدة فلا داعي لإعادتها ، وعليه :ــ فمن المقرر أنه ليس كل ما يعلم يقال، ولا كل صحيح صالح للنشر، لقصور العقول أحيانا عن تحمله، أو لسوء التعامل معه، أو لعدم تنزيل الكلام منازله الصحيحة، وما أجمل ما قاله بعض أهل العلم وهو يتكلم عن بعض الأطروحات وبعض الكتابات التي لم يراع فيها جانب تحقيق المصالح ودفع المفاسد ، قال (معالم ومنارات - (1 / 136)
وهذا الأمر يتعلق بالقالب الذي يقدم من خلاله العلم، واللغة المستخدمة في التبليغ، ومدى ملاءمة المقام للتحديث بهذا العلم، كما يتعلق بمضمون الخطاب فالناس يسعهم من الجهل ما لا يسع طالب العلم والعالم، فينبغي أن يراعي المتحدث في هذا الباب هذه النقطة، فما يقدمه الباحث في هذا الباب على أنه ظن يظنه بعض الناس أمرا يقينيا قطعيا، وما يورده من أحاديث ولو بأسانيدها ولو مع التنبيه والإحالة على المصادر قد تكون عند البعض صحيحة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لمجرد كونها مسبوقة بقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو قلت ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، ولا شك أن إشغال الناس بما لا ينفعهم في هذه المباحث وإدخالهم في مثل هذه المضائق خطأ فلديهم من الالتزامات الشرعية ما هو أولى بهم من هذه المباحث فإشغالهم بها لا شك أولى وأنفع، فكيف إذا كان في مثل هذه الأطروحات وهذه الكتابات ما يحمل البعض على ترك العمل والقعود انتظارا لخروج مهدي من هنا أو هناك، فكيف إذا كان فيها ما يهيئ الجو لكل مدع للمهدوية مثلا فيجد له أتباعا ممن تقاصرت عقولهم وفهومهم عن ملكة التمحيص والنقد، لا شك أن الأمر حينئذ يكون أخطر وأخطر، وكيف إذا كان في هذه الكتابات ما يمهد الجو للطاعنين في الدين بدعوى معارضة الواقع لواقع النصوص الشرعية فالقوم يربطون الكتاب والسنة بما سيكون على سبيل التفصيل والتنزيل ففلان هو المهدي وفلان هو الدجال وفلان هو القحطاني وفلان هو السفياني، والناس منصورون في مكان كذا بتاريخ كذا يحدده تحديدا زاعما أن القرآن والسنة قطعي في هذا الباب، فإذا تخلف ما قطع به صار عند بعض الناس فتنة إذ لم يعودوا بالتكذيب لصاحب الكتاب بل عادوا بالتكذيب لله ورسوله والعياذ بالله، وقد وقع شيء من هذا، فلله كم من خير ضل وكم من صالح زل بسبب هذه الكتابات ) وقال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى (من العلم مالا يؤمر به الشخص نوعا أو عينا إما لأنه لا منفعة فيه له لأنه يمنعه عما ينفعه، وقد ينهى عنه إذا كان فيه مضرة له، وذلك أن من العلم مالا يحمله عقل الإنسان فيضر) وقال رحمه الله تعالى (المسائل الخبرية العلمية قد تكون واجبة الاعتقاد وقد تجب في حال دون حال وعلى قوم دون قوم وقد تكون مستحبة غير واجبة وقد تستحب لطائفة أو في حال كالأعمال سواء وقد تكون معرفتها مضرة لبعض الناس فلا يجوز تعريفه بها) وما أروع ما قاله الإمام الشاطبي: (ليس كل علم يبث وينشر وإن كان حقا، وقد أخبر مالك عن نفسه أن عنده أحاديث وعلما ما تكلم فيها ولا حدث بها، وكان يكره الكلام فيما ليس تحته عمل، وأخبر عمن تقدمه أنهم كانوا يكرهون ذلك، فتنبه لهذا المعنى، وضابطه أنك تعرض مسألتك على الشريعة، فإن صحت في ميزانها، فانظر في مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله، فإن لم يؤد ذكرها إلى مفسدة، فاعرضها في ذهنك على العقول، فإن قبلتها، فلك أن تتكلم فيها إما على العموم إن كانت مما تقبلها العقول على العموم، وإما على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم، وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ، فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة لشرعية والعقلية) وهل سكت النبي صلى الله عليه عن التصريح بأسماء المنافقين وتحديدهم بأعيانهم إلا لأنه لا مصلحة يجنيها الدين بمعرفة أسمائهم ، وإنما هي الفتن والقلاقل ، فكان من الحكمة السكوت عن التصريح به، والمهم أيها الداعية المبارك أن تعتمد هذه القاعدة الطيبة المباركة في سيرك في الدعوة إلى الله تعالى ، فقد بانت بركتها واتضحت ثمرتها في القديم والحديث ، والله تعالى أعلى وأعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .......
محب الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:30 AM بتوقيت مسقط


Design By: aLhjer Design
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Translated By Sma-jo.com