ملتقى أهل الدعوة إلى الله عز وجل
 

العودة   ملتقى أهل الدعوة إلى الله عز وجل > المنتدى للتصفح فقط ولا يوجد تسجيل أو مشاركات سوى الإدارة .. لمراسلتنا على بريدنا ahldawa@gmail.com > المنتدى الشرعي العام
المنتديات موضوع جديد التعليمـــات المجموعات التقويم مشاركات اليوم البحث

آخر 1 مشاركات دعواتكم لإخوانكم في فلسطين وفي كل مكان ممن اُعتدي عليهم ودعواتكم لكل مسلم متضرر في شتى بقاع الأرض (الكاتـب : - )      
إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-01-2011, 01:26 PM   #11
إداري
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 1,222
افتراضي رد: كتاب المناسك للشيخ العلامة ابن عثيمين

قوله: «ووقت الذبح بعد صلاة العيد أو قدره إلى يومين بعده» ، أي: الوقت الجائز فيه الذبح يوم العيد بعد الصلاة، «أو قدره» أي: قدر زمن الصلاة لمن ليس عندهم صلاة عيد إلى آخر يومين بعده.
فتكون أيام الذبح ثلاثة فقط، يوم العيد ويومان بعده، وليس في المسألة دليل على أن الذبح يكون في يومين بعد العيد، لكن إما أن نقول: إن الذبح يوم العيد فقط، أو أيام التشريق كلها.
أما وجه الأول فلأن الذي يسمى من هذه الأيام يوم النحر هو يوم العيد، فيختص النحر به، وقد قال بذلك بعض أهل العلم: إن يوم الذبح هو يوم العيد فقط.
أما وجه الثاني فله دليل سنذكره بعد، وأما تخصيصه بيومين
فلا أعلم في ذلك أصلاً من السنة، لكنه ورد عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ تخصيصه بيومين بعد العيد (1) .
وقوله: «ووقت الذبح بعد صلاة العيد» ، علم من كلامه ـ رحمه الله ـ أن الذبح قبل الصلاة لا يجزئ؛ لأنه قبل الوقت، فكما أنه لو صلى الظهر قبل زوال الشمس لم تجزئه عن صلاة الظهر، كذلك لو ضحى قبل الصلاة فإنه لا يجزئه، وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم الحديث العام الذي يعتبر قاعدة عامة في الشريعة: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (2) ، وثبت في هذه المسألة بخصوصها «أن من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله، وليس من النسك في شيء» (3) ، ثبت ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأعلنه في خطبة عيد الأضحى.
وقد أورد عليه أبو بردة ـ رضي الله عنه ـ قصة وقعت له وهي أنه أحب أن يأكل أهل بيته اللحم قبل أن يصلي في أول النهار، فذبح أضحيته قبل أن يصلي، فسأل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك فقال له: «شاتك شاة لحم» مع أن الرجل جاهل، لكن الأوامر لا يعذر فيها بالجهل بخلاف النواهي، فالنواهي إذا فعلها الإنسان جاهلاً عذر بجهله، أما الأوامر فلا، ولهذا لم يعذره النبي صلّى الله عليه وسلّم، بل قال: «شاتك شاة لحم» ، وقال: «من ذبح قبل
__________
(1) منهم ابن عمر وعمر وعلي وأبو هريرة وأنس وابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ، انظر: «الموطأ» (2/487)، و«المحلى» (7/377)؛ والبيهقي (9/297)؛ والجوهر النقي (9/297).
(2) سبق تخريجه ص(158).
(3) سبق تخريجه ص(424).
الصلاة فليذبح مكانها أخرى» (1) ، فقال أبو بردة: إن عندي عناقاً هي أحب إلي من شاتين ـ والعناق الصغيرة من المعز لها نحو أربعة أشهر ـ أي: فهل أذبحها وتجزئ عني، قال: «نعم ولن تجزئ عن أحد بعدك» (2) ، مع أن هذه العناق لا تجزئ في الأضحية، لعدم بلوغها السن المعتبرة شرعاً، لكن النبي صلّى الله عليه وسلّم أذن له وقال: «إنها لا تجزئ عن أحد بعدك» ، هل المراد بقوله: «لا تجزئ عن أحد بعدك» عيناً أو حالاً؟ أكثر العلماء على الأول، والصحيح الثاني، وأن من وقع له مثل ما وقع لأبي بردة فلا حرج أن يذبح عناقاً؛ وذلك أن القاعدة الشرعية أن التكاليف لا تتعلق بالشخص لشخصيته؛ لأن الله لا يحابي أحداً وإنما تعلق الأحكام بالمعاني والعلل حتى خصائص الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ليست خصائص له شخصية لكن من أجل أنه رسول ولا يتصف بهذا الوصف سواه، وهذا الذي نراه هو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الحق.
فإن قيل هل تجزئ العناق وإن لم تكن ذات بال وقيمة عند صاحبها ولا يحبها؛ لأن أبا بردة: قال عندي عناق هي أحب إلى من شاتين؟ فالجواب أن هذا وصف طردي لأن محبة الإنسان للشيء لا ترفعه إلى أن يجزئ وهو على وصف لا يجزئ، ولهذا لو كان للإنسان عناق ولم تحدث له هذه الحال، وقال: إن هذه
__________
(1) سبق تخريجه ص(424).
(2) أخرجه البخاري في الأضاحي/ باب الذبح بعد الصلاة (5562)؛ ومسلم في الأضاحي/ باب وقتها (1960) عن جندب بن سفيان البجلي ـ رضي الله عنه ـ.
العناق أحب إلى من شاتين فنقول: لا تجزئ، فليست العلة هي كونها أحب إليه فهذا وصف طردي لا يعلل به.
فقوله: «من ذبح قبل الصلاة فليذبح مكانها أخرى» ، هو الدليل على أنه لا بد أن يكون الذبح بعد صلاة العيد، فإذا كان في مكان ليس فيه صلاة عيد فليعتبر ذلك بمقدار صلاة العيد، ولا يعتبر ما حوله، أي: لو فرض أنه في بادية قريبة من عنيزة مثلاً فليس المعتبر صلاة عنيزة، بل المعتبر قدر الصلاة؛ فإذا كانت صلاة العيد تحل بعد ارتفاع الشمس قيد رمح، وعيد الأضحى يسن فيه التبكير في الصلاة فيقدر بعد ارتفاع الشمس قدر رمح، نحو ربع ساعة تتم فيها الصلاة، وإذا كان ارتفاع الشمس قدر رمح مقداره ثلث ساعة، أو ربع ساعة فيكون ابتداء الذبح بعد طلوع الشمس بنحو نصف ساعة أو خمس وثلاثين دقيقة.
وعلم من قوله: «صلاة العيد» أنه لا يشترط أن يكون بعد خطبة العيد، فلو أن الإنسان انطلق من حين صلى صلاة العيد وذبح والإمام يخطب صحت الأضحية، وظاهر كلامه أن ذلك صحيح وإن لم يذبح الإمام لأن المؤلف أطلق، وهو كذلك ودليله أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ذبح قبل الصلاة فلا نسك له» ، فمفهومه أن من ذبح بعد الصلاة فله نسك، سواء انتهت الخطبة أو لم تنته، وسواء ذبح الإمام أم لم يذبح، ولكن الأفضل ألا يذبح قبل الإمام، وهذا الذي قاله العلماء صحيح فيما لو كان الناس يفعلون بالأضاحي ما كان يفعل بها في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، فهنا ننتظر الإمام لأنه إمامنا في الصلاة فكان إمامنا في النسك، وكانوا فيما سبق
يخرجون بضحاياهم إلى مصلى العيد، لكن في غير مكان الصلاة فيذبحون هناك من أجل أن يكون نفعها أعم، فكل من حضر يمكن أن يأخذ منها، فكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يخرج بأضحيته ويضحي والناس أيضاً يخرجون بضحاياهم ويضحون، لكن هذا نسي من زمن، فإذا كان الناس يضحون في مصلى العيد قلنا لا تضحوا قبل إمامكم، هذا هو الأفضل.
وقوله: «إلى يومين بعده» ، أي: إلى آخر يومين، ودليل ذلك ما روي عن بعض الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أنهم حددوا الوقت بذلك (1) .
وقال بعض أهل العلم: إن وقت الذبح يوم العيد فقط (2) ، لأنه اليوم الذي يسمى يوم النحر.
وقال بعض العلماء: بل أيام التشريق الثلاثة تبع ليوم العيد، وقال آخرون: بل شهر ذي الحجة كله وقت للذبح، فالأقوال إذاً أربعة.
ولكن أصح الأقوال: أن أيام الذبح أربعة، يوم العيد، وثلاثة أيام بعده، والدليل على هذا ما يلي:
أولاً: أنه قد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «كل أيام التشريق ذبح» (3) ، وهذا نص في الموضوع، ولولا ما أعل به من الإرسال والتدليس لكان فاصلاً في النزاع.
__________
(1) سبق تخريجها ص(456).
(2) وهو قول محمد بن سيرين وغيره، انظر: المحلى (7/377).
(3) أخرجه الإمام أحمد (4/82)؛ وابن حبان (3854) إحسان، والدارقطني (4/284)؛ والبزار (1206)؛ «الكشف»، والبيهقي (9/296) عن جبير بن مطعم ـ رضي الله عنه ـ وضعفه البيهقي والزيلعي في «نصب الراية» (3/61)، (4/213).
ثانياً: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله ـ عزّ وجل ـ» (1) ، فجعل حكمها واحداً أنها أيام أكل لما يذبح فيها، وشرب، وذكر لله ـ عزّ وجل ـ.
ثالثاً: أن هذه الأيام الثلاثة كلها تتساوى في تحريم صيامها لقول عائشة، وابن عمر ـ رضي الله عنهم ـ: «لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي» (2) .
رابعاً: أن هذه الأيام الثلاثة كلها أيام لرمي الجمرات، فلا يختص الرمي بيومين، بل كل الأيام الثلاثة.
خامساً: أنها كلها يشرع فيها التكبير المطلق والمقيد، أو المقيد على قول بعض العلماء، ولم يفرق أحد من العلماء فيما نعلم بين هذه الأيام الثلاثة في التكبير، فهي مشتركة في جميع الأحكام، وإذا كان كذلك فلا يمكن أن نُخْرِجَ عن هذا الاشتراك وقت الذبح، بل نقول: إن وقت الذبح يستمر من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى آخر أيام التشريق.
وهذا هو القول الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو رواية عن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ.
__________
(1) أخرجه مسلم في الصيام/ باب تحريم صيام أيام التشريق (1141) عن نبيشة الهذلي ـ رضي الله عنه ـ.
(2) سبق تخريجه ص(178).
مسألة: هل يجزئ الذبح من حين الصلاة أو لا بد من الخطبة وذبح الإمام؟
الصحيح أنه يكتفي بالصلاة، ولكن الأفضل أن يكون الذبح بعد الخطبة وبعد ذبح الإمام، وهذا إن فعل الإمام السنة في الذبح، وهو أن يخرج بأضحيته إلى مصلى العيد ويذبحها في مصلى العيد؛ لأن هذه هي السنة الثابتة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ينحر ويذبح بالمصلى (1) إظهاراً للشعيرة وتعميماً للنفع؛ لأنه إذا كانت هناك في مصلى العيد حضرها الفقراء والأغنياء أيضاً، فيعطى الفقراء منها صدقة، ويعطى الأغنياء منها هدية، ومعنى قوله: «ينحر بالمصلى» ، أي خارج حدود المسجد مثل ما لو خرج إنسان بأضحيته، وذبحها أمام مصلى العيد أو عن يمينه أو شماله قيل: ذبحها بالمصلى ؛ لقربه منه وليس في نفس المصلى؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى والقذر» (2) وهذا أذى وقذر، لكن عمل الناس اليوم أن الإمام وغيره لا يذبحون في المصلى، وعلى هذا فتكون في مراعاة ذبح الإمام فيه مشقة عظيمة، وقد ينازع في استحبابه؛ لأن تأخر الذبح عن ذبح الإمام فيما إذا أعلنه الإمام وتبين للناس، ولكن مراعاة انتهاء الخطبة أمر سهل، فيقال للناس: لا تذبحوا حتى تنتهي الصلاة والخطبة؛ لأن هذا هو الأفضل، وكما جاء في بعض الأحاديث.
__________
(1) أخرجه البخاري في العيدين/ باب النحر والذبح بالمصلى يوم النحر (982) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ.
(2) أخرجه مسلم في الطهارة/ باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات (285) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أمر بانتظار الخطبة (1) .
قوله: «ويكره في ليلتهما» ، أي: ليلتي أيام التشريق، لكن المؤلف يرى أن أيام الذبح يومان، ولهذا جاءت بالتثنية «في ليلتهما» ، أي ليلة الحادي عشر، وليلة الثاني عشر؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «كل أيام التشريق ذبح» (2) ، وقال: «أيام التشريق أيام أكل وشرب، وذكر لله ـ عزّ وجل ـ» (3) ، وهذا يدل على أن محل الذبح هو اليوم، وعلى هذا فيكره الذبح في الليل، ولأن الذبح في الليل ربما يعمد إليه البخلاء من أجل أن لا يتصدقوا، فلهذا كره.
وقيل في علة الكراهية خروجاً من الخلاف، أي: خلاف من قال من العلماء: إنه لا يجزئ الذبح ليلاً؛ لأن الله تعالى قال: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] ، والجواب عن هذا الاستدلال أن يقال: إن العرب يطلقون الأيام على الليالي، فيقال: أيام ويشمل الليالي، ويطلقون الليالي ويريدون الليل والنهار مثل قوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] ، أي عشر ليال والمراد الليالي والأيام، والتعليل بالخلاف فيه خلاف، والصحيح أنه لا تعليل
__________
(1) لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما ذبح بعد الخطبة، كما في حديث أبي بردة، وقد سبق تخريجه ص(424)، ولحديث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «صلى بهم يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد نحر، فأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر، ولا ينحروا حتى ينحر النبي صلّى الله عليه وسلّم»، أخرجه مسلم في الأضاحي/ باب سن الأضحية (1964).
(2) سبق تخريجه ص(459)
(3) سبق تخريجه ص(460).
بالخلاف، وهو اختيار شيخ الإسلام، ولو أننا أخذنا بهذا القول، أي بالتعليل بالخلاف ما بقي مسألة مباحة إلا وفيها كراهة؛ لأنه لا تكاد تجد مسألة إلا وفيها خلاف، فإذا قلنا إن مراعاة الخلاف لازمة، وأنه يجب أن ندع ما فيه الخلاف من باب: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، لم يبق مسألة إلا وهي مكروهة.
ولكن يقال: إن كان الخلاف له حظ من النظر، أي: من الدليل فإننا نراعيه، لا لكونه خلافاً، ولكن لما يقترن به من الدليل الموجب للشبهة، ولهذا قيل:
وليس كل خلاف جاء معتبراً
إلا خلافاً له حظ من النظر
فالصواب أن الذبح في ليلتهما لا يكره إلا أن يخل ذلك بما ينبغي في الأضحية فيكره من هذه الناحية، لا من كونه ذبحاً في الليل.
قوله: «فإن فات» ، أي: وقت الذبح، وذلك بغروب الشمس من اليوم الثاني من أيام التشريق على ما ذهب إليه المؤلف، أو بغروب الشمس من اليوم الثالث من أيام التشريق على ما رجحناه.
قوله: «قضى واجبه» ، أي: فعل به كالأداء.
وقوله «واجبه» ، أي واجب الهدي والأضحية، والمراد ما وجب قبل التعيين.
مثال ذلك: رجل قال: لله علي نذر أن أضحي هذا العام، ولكنه لم يضح حتى غابت الشمس، فنقول: اقض هذه الأضحية.
والصواب في هذه المسألة أنه إذا فات الوقت، فإن كان
تأخيره عن عمد فإن القضاء لا ينفعه، ولا يؤمر به؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (1) ، وأما إذا كان عن نسيان أو جهل أو انفلتت البهيمة، وكان يرجو وجودها قبل فوات الذبح حتى انفرط عليه الوقت، ثم وجد البهيمة ففي هذه الحال يذبحها؛ لأنه أخرها عن الوقت لعذر، فيكون ذلك كما في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك» (2) .
وإن كانت وصية ليست له، فهل تدخل في عموم قوله: «قضى واجبه» ؟ الجواب: لا، فالوصية تعتبر تطوعاً من الموصي، والواجب على الموصى إليه هو التنفيذ.
فنقول: إن الموصى إليه قائم مكان الموصي، والموصي لو أخرها إلى ما بعد غروب الشمس، أي: بعد فوات الوقت فإنه لا يلزمه القضاء؛ لأنها في حقه تطوع وليست بواجبة، وعلى هذا فإذا قدر أن الوصي لم يضحِّ هذا العام لعذر مثلاً، قلنا له: أخرها إلى العام القادم واذبحها في أيام الذبح، فيذبح على هذا أضحيتين، أضحية قضاء العام الماضي، والثانية أداء لهذا العام.
__________
(1) سبق تخريجه ص(158).
(2) سبق تخريجه ص(202).
فَصْلٌ
وَيَتَعَيَّنَانِ بِقَوْلِه: هَذَا هَدْي أو أضْحِيَةٌ لاَ بِالنِّيَّةِ ...........
قوله: «ويتعينان بقوله: هذا هدي أو أضحية لا بالنية» ، أي: الهدي والأضحية بقوله: هذا هدي بالنسبة للهدي، أو أضحية بالنسبة للأضحية، فيتعينان بالقول، ولا يتعينان بالنية، ولا بالشراء، فلو اشترى شاة بنية أن يضحي بها فإنها لا تتعين ما دامت في ملكه، إن شاء باعها وإن شاء فسخ النية، وإن شاء تصدق بها، وإن شاء أهداها.
وكذلك لو اشترى شاة يريد أن تكون هدياً كهدي متعة ـ مثلاً ـ، وفي أثناء الطريق قبل أن يقول: هي هدي، أراد أن يبيعها فلا بأس، وهنا فرق بين أن يقول: هذا هدي، أو هذه أضحية على سبيل الإخبار، وبين أن يقول: هذا هدي أو أضحية على سبيل الإنشاء، ويظهر الفرق بينهما بالمثال:
رجل يجر شاة فقال له من رآه: ما هذه؟ قال: هذه شاة للأضحية، يعني أنها شاة يريد أن يضحي بها، فهذا خبر وليس بإنشاء، بخلاف ما إذا قال: هذه أضحية لله، وأنشأ أن تكون أضحية فإنها حينئذ تتعين.
وعلم من كلام المؤلف أنها لا تتعين بالفعل، أي لا يتعين الهدي، ولا الأضحية بالفعل، ولكن في هذا نظر، فإنهم نصوا على أن الهدي إذا قلده أو أشعره بنية أنه هدي، فإنه يكون هدياً، وإن لم ينطق به.
والتقليد هو أن يُقَلِّد النعال، وقطع القرب، والثياب الخَلِقة، وما أشبه ذلك في عنق البهيمة، فإنه إذا علق هذه الأشياء في
عنقها فهم من رآها أنها للفقراء، وهذا كان معتاداً في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم وعهد من بعده، حتى تضاءل سَوْق الهدي بين الناس، وصار لا يعرف هذا الشيء.
وأما الإشعار فهو أن يشق سنام البعير حتى يخرج الدم ويسيل على الشعر، فإن من رآه يعرف أن هذا معد للنحر.
والإشعار مع أنه سوف يتأذى به البعير، ولكن لما كان لمصلحة راجحة سمح فيه كما سمح في وسم الإبل في رقبتها أو في أذنها أو فخذها أو عضدها وما أشبه ذلك، مع أن الوسم كي بالنار، لكن للمصلحة، وأحياناً يجب وسمها إذا كان يتوقف حفظ إبل الصدقة أو خيل الجهاد؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
فنقول: الهدي يتعين بالقول وبالفعل مع النية.
فالقول قوله هذا هدي.
والفعل الإشعار، أو التقليد مع النية يكون هدياً بذلك. ويترتب على التعيين وعدمه مسائل ستذكر فيما بعد.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: أنه إذا اشتراه بنية الأضحية، أو بنية الهدي أنه يكون هدياً أو يكون أضحية، وأنه لا يشترط لذلك لفظ؛ لأن المقصود أن يتعين هذا أضحية أو هدياً، وهذا يحصل بالنية لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» (1) ، ولكن الأظهر ما ذهب إليه
__________
(1) سبق تخريجه ص(70).
المؤلف ـ رحمه الله ـ وهو المشهور من المذهب، بدليل أن الإنسان لو اشترى عبداً ليعتقه في كفارة أو غيرها فلا يعتق، أو اشترى بيتاً ليوقفه على الفقراء أو المساكين، أو طلبة العلم، أو ما أشبه ذلك، فإنه لا يكون البيت وقفاً بمجرد الشراء حتى يفعل ما يختص بهذا الشيء، ولهذا قلنا في الهدي لما كان يشرع تقليده أو إشعاره: إن تقليده أو إشعاره مع النية يعتبر تعييناً.
وقوله: «لا بالنية» ، أي لا يتعين بالنية، كما لو أخرج الإنسان دراهم؛ ليتصدق بها فلا تتعين الصدقة إن شاء أمضاها، وإن شاء أبقاها؛ لأنه لم يدفعها للفقراء، فالحاصل أننا إذا سئلنا بماذا تتعين الأضحية؟ قلنا: بالقول، وبماذا يتعين الهدي؟ قلنا: بالقول وبالفعل، وإنما زاد الهدي بالفعل؛ لأن له فعلاً خاصاً وهو التقليد أو الإشعار، أما الأضحية فليس لها فعل خاص، ولهذا لا تكون أضحية إلا بالقول ولو فرض أن الناس جعلوا علامة على الأضحية، بمعنى أن الشاة إذا فعل فيها كذا وكذا فهي أضحية، فهل نقول إنه كالإشعار والتقليد؟
الجواب: نعم، وكانوا فيما سبق إذا اشتروا الضحايا ـ الغنم ـ وضعوا على رأسها الحناء أو على جنبها أو على أليتها، لكنهم لا يجعلون هذا علامة على أنها أضحية، بل علامة على أنها ملك فلان لئلا تختلط بغيرها، فهذه لا تتعين، لكن إذا كان هناك علامة معروفة عند الناس أنه إذا عُلِّمت الشاة أو البعير بهذه العلامة فهي هدي أو أضحية فإنها تتعين بذلك.
وَإِذَا تَعَيَّنت لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا، ولاَ هِبَتُهَا إِلاَّ أن يُبْدِلَهَا بِخَيرٍ مِنْهَا وَيَجُزُّ صُوفَها وَنَحْوَه إِنْ كَانَ أنْفَعَ لَهَا ....
قوله: «وإذا تعينت لم يجز بيعها» ، شرع في الأحكام التي
تترتب على تعيينها، فإذا تعينت لم يجز بيعها؛ لأنها صارت صدقة لله، كالوقف لا يجوز بيعه، والعبد إذا أعتق لا يجوز بيعه فلا يجوز بيعها بأي حال من الأحوال، حتى لو ضعفت وهزلت فإنه لا يجوز له بيعها.
قوله: «ولا هبتها» ، أي: لا يجوز أن يهبها لأحد، والفرق بين البيع والهبة أن البيع بعوض، والهبة تبرع بلا عوض.
وهل يجوز أن يتصدق بها؟
الجواب: لا يجوز أن يتصدق بها، بل لا بد أن يذبحها، ثم بعد ذبحها إن شاء وهبها وتصدق بما يجب التصدق به، وإن شاء أبقاها، وإن شاء تصدق بها كلها، لكن لا بد أن يتصدق منها بجزء كما سيأتي ذكره إن شاء الله (1) . وينبني على ذلك وجوب ذبحها ولا بد، وعلى هذا لو أن الإنسان يقود هديه فلقي فقراء وقالوا: أعطنا إياه فأعطاهم إياه، فهل يجزئه الهدي؟
الجواب: لا يجزئه.
فإن قالوا: نذبحه لك ووكلهم بذلك فهل يجزئ.
الجواب: فيه تفصيل: إن كان يثق بهم، وأنهم سوف يذبحونه فلا بأس، ويكونون وكلاء له، أما إذا لم يثق بهم بحيث يخشى أنهم سيأخذونه ثم يذهبون فيبيعونه، فهذا لا يجزئه.
مسألة: لو قال قائل: هذا جار لي فقير وطلب مني أن أعطيه أضحيتي يذبحها ويتصدق بها، فهل الأفضل أن يُعطيه إياها أو الأفضل أن يعطيه غيرها ليضحي بها لنفسه؟
__________
(1) عند قول الماتن: «وإن أكلها إلا أوقية تصدق بها جاز».
الجواب: الثاني أفضل، ويكتب لك أجر أضحيته؛ لأنك ساعدته على ذلك.
قوله: «إلا أن يبدلها بخير منها» أي: فيجوز، والإبدال نوع من البيع، لكن الغالب أن البيع يكون بنقد، ثم يشتري بدلها أضحية، لكن إذا أبدلها بخير منها مثل أن يكون عَيَّن هذه الشاة أضحية، ثم وجد مع شخص آخر شاة خيراً منها في السمن والكبر والطيب، وأراد أن يبدلها بخير منها، فإن ذلك لا بأس به؛ لأنه زاد خيراً ولم يتهم برد شيء من ملك هذه الأضحية إلى نفسه وربما يستدل لذلك بحديث الرجل الذي قال: يا رسول الله، «إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس، قال: صلِّ هاهنا فأعاد عليه، قال: صلِّ هاهنا، فأعاد عليه ثالثة، فقال: شأنك إذاً» (1) ، فدل ذلك على أن الإنسان إذا أبدل العبادة بما هو خير منها جاز ذلك، ولا بأس به، وعلى هذا فإذا أبدلها بخير منها فلا حرج: للدليل الأثري وهو قصة الرجل الذي نذر أن يصلي في بيت المقدس، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «صلِّ هاهنا» .
والدليل النظري: فيقال: إنه زاد خيراً منها؛ لأن هذا أفضل وأنفع للفقراء وأثمن غالباً.
وعلم من قوله: «إلا، أن يبدلها بخير منها» ، أنه لو باعها ليشتري خيراً منها فإن ذلك لا يجوز؛ لأن المؤلف استثنى مسألة واحدة وهي الإبدال، وعلى هذا فلو قال أنا أريد أن أبيعها ثم أشتري خيراً منها قلنا: لا يجوز.
__________
(1) سبق تخريجه ص(96).
وقال بعض العلماء: يجوز؛ لأن الأعمال بالنيات، وهذا الرجل باعها بنية أن يبدلها بخير منها فيكون جائزاً، كما لو أبدلها رأساً بخير منها.
ولكن الأولى سد الباب، وأن لا يتصرف فيها ببيع؛ لأنه ربما يتصرف فيها ببيع ليشتري خيراً منها، ثم لا يتيسر له أن يشتري أو يأخذه الطمع، أو ما أشبه ذلك، وعليه فلا يستثنى إلا الإبدال فقط.
قوله: «ويجز صوفها» ، هذا أيضاً مما يترتب على التعيين أنه لا يأخذ منها شيئاً لا صوفاً ولا لبناً إذا كان لها ولد يضره أخذ اللبن؛ لأنها الآن أصبحت خارجة عن ملكه.
ولو قال: أنا أريد أن أجز صوفها؛ لأنتفع به، قلنا: لا يجوز إلا إذا كان أنفع لها فلا بأس، وكيف يمكن أن يكون أنفع لها؟
الجواب: يمكن إذا كان عليها صوف كثير يؤذيها، وكان في جزه راحة لها، أو حصل فيها جرح وجز الشعر من أجل إبراز الجرح للهواء حتى ينشف ويبرد أو من أجل مداواته.
والخلاصة أنه إذا كان جز الصوف أنفع فإنه يجزه، وإن لم يكن فيه نفع ولا ضرر فلا يجوز؛ لأن المؤلف قيده بما إذا كان أنفع.
وقوله: «ونحوه إن كان أنفع لها» ، أي: نحو الصوف كالشعر والوبر، قال الله تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80] الشعر يكون للبقر والمعز، وللإبل الأوبار، وللضأن الأصواف.
وَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَلاَ يُعْطِي جَازِرَهَا أجرَتَه مِنْهَا، وَلاَ يَبِيعُ جِلْدَهَا، ولاَ شَيْئاً مِنْهَا، بَلْ يَنْتَفعُ بِهِ ..
وقوله: «ويتصدق به» ، أي بهذا الذي جزه، وظاهر كلام المؤلف أنه لا ينتفع به، وأنه يجب أن يتصدق به، فلو قال: أريد أن أجعله ثياباً أو أجعله حبالاً قلنا: لا يجوز، بل يجب أن تتصدق به.
وقال بعض العلماء: يجوز أن ينتفع به؛ لأنه إذا كان له أن ينتفع بالجلد كاملاً فالشعر من باب أولى، وهذا هو الصحيح أنه لا يجب عليه أن يتصدق به، لكن يجب أن يلاحظ الشرط وهو أنه لا يجزه إلا إذا كان ذلك أنفع لها، فإذا كان أنفع لها وجزه فنقول: إن شئت تصدقت به، وإن شئت وهبته وإن شئت فانتفعت به؛ لأن انتفاعك بالجلد والصوف، بل وبالشحم وباللحم والعظام جائز، ولا يلزمك أن تخرج إلا ما يصدق عليه اسم اللحم كما سيأتي.
قوله: «ولا يعطي جازرها أجرته منها، ولا يبيع جلدها ولا شيئاً منها بل ينتفع به» .
الجازر الذابح والناحر، فالناحر للإبل، والذابح لغيرها، وقوله: «لا يعطي جازرها أجرته منها» ؛ لحديث علي ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمره أن يقوم على بدنه وأن يقسم بدنه كلها، لحومها وجلودها وجلالها ولا يعطي في جزارتها شيئاً (1) ؛ ولأن هذا الجازر نائب عنه، وهو ملزم بأن يذبحها هو بنفسه، فإذا كان
__________
(1) سبق تخريجه ص(204).
ملزماً بأن يذبحها؛ من أجل أن تكون قربة فإنه لا يمكن أن يعطي الجازر منها أجرته، وهو وكيل عنه.
وقد يقول قائل: ألستم تجيزون أن يعطى العامل على الزكاة من الزكاة، فلماذا لا يجوز أن نعطي جازر الأضحية والهدي من الهدي كما نعطي العامل على الزكاة؟
قلنا: الفرق ظاهر؛ لأن هذا الجازر وكيل عن المالك، ولهذا لو وكل الإنسان شخصاً يفرق زكاته، فإنه لا يجوز أن يعطيه من سهم العاملين عليها.
فمثلاً لو أن إنساناً أرسل إلى شخص عشرة آلاف ريال، وقال له: خذ هذه وزعها زكاة، فهذا الذي أخذ العشرة آلاف لا يجوز أن يأخذ منها شيئاً؛ لأن العامل عليها هو الذي يتولاها من قبل ولي الأمر.
وهل يجوز أن يعطيه شيئاً من الأجرة؟
الجواب: لا، يعني لو قال اذبحها لي وكانت تذبح بعشرة ريالات، وقال: أعطيك خمسة من لحمها وخمسة نقداً، فلا يجوز؛ لأنه بذلك يكون قد باع ما تقرب به إلى الله وهو اللحم؛ لأن عوض الأجرة بمنزلة عوض المبيع فيكون قد باع لحماً أخرجه لله، وهذا لا يجوز.
وهل يجوز أن يعطيه هدية أو صدقة؟
الجواب: يجوز كغيره إن كان فقيراً يعطيه صدقة، وإن كان غنياً يعطيه هدية.
وقوله: «ولا يبيع جلدها ولا شيئاً منها» ، فكما سبق أنه لا
يبيعها إذا تعينت، فكذلك إذا ذبحت فإنها تتعين بالذبح، ويحسن أن نضيف هذا ـ أيضاً ـ إلى ما سبق من أنها تتعين بالقول، وبالفعل الدال على التعيين، وبالذبح؛ لأنها إذا ذبحت لم يعد يملك التصرف فيها.
وقوله: «ولا يبيع جلدها» بعد الذبح؛ لأنها تعينت لله بجميع أجزائها، وما تعين لله فإنه لا يجوز أخذ العوض عليه، ودليل ذلك حديث عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ: أنه حمل على فرس له في سبيل الله يعني أعطى شخصاً فرساً يجاهد عليه، ولكن الرجل الذي أخذه أضاع الفرس ولم يهتم به، فجاء عمر يستأذن النبي صلّى الله عليه وسلّم في شرائه حيث ظن أن صاحبه يبيعه برخص، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تشتره ولو أعطاكه بدرهم» (1) ، والعلة في ذلك أنه أخرجه لله، وما أخرجه الإنسان لله فلا يجوز أن يرجع فيه، ولهذا لا يجوز لمن هاجر من بلد الشرك أن يرجع إليه ليسكن فيه؛ لأنه خرج لله من بلد يحبها فلا يرجع إلى ما يحب إذا كان تركه لله ـ عزّ وجل ـ، ولأن الجلد جزء من البهيمة تدخله الحياة كاللحم.
وقوله: «ولا شيئاً منها» ، أي لا يبيع شيئاً من أجزائها، ككبد، أو رجل، أو رأس، أو كرش، أو ما أشبه ذلك، والعلة ما سبق.
وظاهر كلام المؤلف أنه لا يبيع شيئاً من ذلك ولو صرفه
__________
(1) أخرجه البخاري في الزكاة/ باب هل يشتري صدقته (1490)، ومسلم في الهبة/ باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق به (1620).
فيما ينتفع به، وعلى هذا يمكن أن يلغز بهذه المسألة فيقال: شيء يجوز الانتفاع به، ولا يجوز بيعه ليشتري ما ينتفع به بدله؟
الجواب: الجلد لو أراد المضحي أن يدبغه، ويجعله قِربَةً للماء يجوز، لكن لو أراد أن يبيعه ويشتري بدلاً من القربة وعاءً للماء كالترمس مثلاً فلا يجوز، كل هذا حماية لما أخرجه لله أن يرجع فيه.
وَإِنْ تَعَيَّبَتْ ذَبَحَهَا وَأجْزَأتْه إِلاَّ أن تَكُونَ وَاجِبَةً فِي ذِمَّتِهِ قَبل التَّعيِين..
قوله: «وإن تعيبت ذبحها وأجزأته إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين» ، «وإن تعيبت» الفاعل يعود على المتعيِّن من هدي أو أضحية، وهذا مما يترتب على قولنا: إنها تتعين، أنها لو تعيبت بعيب يمنع من الإجزاء فإنه يذبحها وتجزئ.
مثال ذلك: اشترى شاة للأضحية ثم انكسرت رجلها، وصارت لا تستطيع المشي مع الصحاح بعد أن عينها، فإنه في هذه الحال يذبحها وتجزئه؛ لأنها لما تعينت صارت أمانة عنده كالوديعة، وإذا كانت أمانة ولم يحصل تعيبها بتعديه أو تفريطه، فإنه لا ضمان عليه فيذبحها وتجزئه، وربما يستدل لذلك بقصة الرجل الذي اشترى أضحية فعدا الذئب على أليتها فأكلها فأذن له النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يضحي بها (1) ، وذلك لأن فقد الألية عيب يمنع الإجزاء، لكنه لما كان هذا العيب بعد التعيين، وليس بتفريط منه ولا بفعله فإنه أمين، ولا ضمان عليه.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد (3/32، 78، 76)؛ وابن ماجه في الأضاحي/ باب من اشترى أضحية صحيحة فأصابها عنده شيء (3146) عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال البوصيري: «إسناده ضعيف».
وقوله: «وإن تعيبت ذبحها وأجزأته» ، يستثنى من ذلك ما إذا تعيبت بفعله، أو تفريطه: بأن تكون بعيراً حمل عليها ما لا تستطيع أن تحمله، ثم عثرت وانكسرت، ففي هذه الحال يضمنها بمثلها أو خير منها، وكذلك لو كان بتفريطه، كأن يترك الأضحية في مكان بارد، في ليلة شاتية، فتأثرت من البرد، ففي هذه الحال يجب عليه ضمانها بمثلها أو خير منها؛ لأنه فرط، فلتفريطه يجب عليه الضمان.
وقوله: «إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين» ، فيجب عليه البدل.
مثال ذلك: رجل عليه هدي تمتع، وهدي التمتع واجب في ذمته وليس واجباً بالتعيين، لكن هدي التطوع لا يجب عليه إلا إذا عينه فيجب عليه ذبحه، والفرق أن الواجب في الذمة قبل التعيين يطالب به الإنسان كاملاً، والواجب بالتعيين وأصله تطوع فيه هذا التفصيل الذي سبق وهو أنه لا ضمان عليه إلا أن يكون ذلك بفعله أو تفريطه.
مثال الواجب في الذمة قبل التعيين: اشترى رجل هدي تمتع وعينه، ثم بعد ذلك عثر هذا الهدي وانكسر، فلا يجزئه أن يذبحه لما كان منكسراً؛ لأنه قد وجب في ذمته قبل التعيين أن يذبح هدياً لا عيب فيه، وهذا الهدي فيه عيب فليزمه أن يبدله بمثله.
مسألة: لو أنه عين هذه أضحية ثم هربت ولم يحصل عليها، فإن كانت واجبة قبل التعيين كأن يكون نذر أضحية، لزمه
البدل مثلها أو خير منها؛ لأنه لم يوف بما عليه؛ وإن لم تكن واجبة قبل التعيين نظرنا إن فرط فعليه ضمان، وإن لم يفرط فلا ضمان عليه.
مثال آخر: اشترى هدياً ثم هرب ولم يمسكه وعجز عنه ـ بعد أن عينه ـ فيلزمه بدله؛ لأنه واجب في ذمته قبل التعيين، أما هدي التطوع فإنه لا يلزمه.
وإذا قلنا يجب عليه بدله فاشترى البدل وذبحه وبعد ذبحه وجد الضال الذي هرب فهل يلزمه أن يذبحه، أو يكتفي بالبدل؟
القول الراجح أنه يكتفي بالبدل؛ لأن الرجل ضمن ما هرب وأدى الواجب بدلاً عن الذي هرب، وإذا كان يجوز أن يبدلها بخير منها وهي حاضرة، فكذلك إذا كانت هاربة من باب أولى، ولكن المذهب ليس له أن يسترجع الضال إذا وجده بل يذبحه؛ قالوا: لأن هذا الضال تعين بالتعيين فيجب عليه أن يذبحه، لكن هذا التعليل عليل، هو تعين بالتعيين ولكن أقام مقامه البدل فبرئت ذمته، فإذا عاد هذا الذي ضل فإنه يعود على ملك صاحبه يتصرف فيه تصرف المالك في ملكه.
وكذلك إذا نذر أن يذبح أضحية فاشترى شاة، وقال هذه أضحية للنذر ثم تعيبت بكسر أو عرج أو ما أشبه ذلك؛ فإنه يذبحها لأنه عينها ويذبح بدلها لأنها لا تجزئ، فلا بد أن يذبحها ويقضي ما وجب بالنذر، والصواب خلاف ذلك كما سبق وأنها إذا تعيبت ولو كانت واجبة في ذمته قبل التعيين فإنه يذبح بدلها خيراً منها أو مثلها وتجزئ، فالله لم يوجب على العباد عبادتين بدون سبب.
إذاً قوله: «إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين» ، هذا الاستثناء على القول الراجح لا حاجة إليه إذا ذبح بدلها.
والأضْحِيَةُ سُنَّةٌ وَذَبْحُهَا أفْضَلُ مِن الصَّدَقَة بِثَمَنِهَا وَيُسَنُّ أنْ يَأكُلَ وَيَهْدِي وَيَتَصدَّقَ أثْلاَثاً وَإنْ أكَلَهَا إِلاَّ أوقيةً تَصَدَّقَ بِهَا جَاز، وَإلاَّ ضَمنها.
قوله: «والأضحية سنة» ، الأضحية هي: ما يذبح من النعم في أيام الأضحى تقرباً إلى الله ـ عزّ وجل ـ.
فقولنا: «ما يذبح في أيام الأضحى» خرج به ما يذبح في غير أيام الأضحى، فإنه ليس بأضحية حتى ولو ذبح ضحى، فالعقيقة ـ مثلاً ـ إذا ذبحناها في الضحى في غير أيام الأضاحي لا تسمى أضحية.
وقولنا: «تقرباً إلى الله» خرج به ما لو ذبح لوليمة عرس في أيام الأضحى فإنها ليست بأضحية، فلا بد أن ينوي بذلك التقرب إلى الله ـ عزّ وجل ـ بهذا الذبح.
وقوله: «سنة» ، أي: سنة مؤكدة جداً؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم داوم عليها وضحى عشر سنوات، وحث عليها حتى قال: «من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا» (1) ، وكان يظهرها على أنها شعيرة من شعائر الإسلام، حتى إنه يخرج بأضحيته إلى المصلى، ويذبحها بالمصلى، ولهذا اختلف العلماء هل هي سنة مؤكدة لا يكره تركها، أو سنة يكره تركها للقادر، أو واجبة؟
فذهب أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ وأصحابه إلى أنها واجبة،
__________
(1) أخرجه أحمد (2/321)؛ وابن ماجه في الأضاحي/ باب الأضاحي واجبة هي أم لا (3123)؛ والدارقطني (4/276)؛ والحاكم (2/389) و(4/231) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
وصححه الحاكم، وقال الحافظ في البلوغ (1348): صحح الأئمة وقفه.
وأن القادر يأثم إذا لم يضح، ومال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ إلى هذا؛ لأنها شعيرة ظاهرة قرنها الله تعالى بالصلاة في قوله: {فَصَلِّ لِرَّبِكَ وَانْحَرْ *} [الكوثر] ، وفي قوله: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *} [الأنعام] .
والقول بالوجوب للقادر قوي؛ لكثرة الأدلة الدالة على عناية الشارع بها، واهتمامه بها فالقول بالوجوب قوي جداً، فلا ينبغي للإنسان إذا كان قادراً أن يدعها، ولكن إذا كان الناس في بيت واحد، وقيم البيت واحد فإنه يجزئ عن الجميع ولا حاجة إلى أن يضحي كل واحد، خلافاً لما اعتاده بعض الناس الآن تجد الأب يضحي، والزوجة تقول سأضحي والبنات الموظفات يقلن سنضحي، والبنين الموظفين يقولون: سنضحي، فهذا خلاف السنة، ما دام في المسألة سنة واضحة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فلا ينبغي أن نتجاوز، فالنبي صلّى الله عليه وسلّم ضحى بواحدة عنه وعن أهل بيته (1) وعنده تسع زوجات، كل واحدة في بيت واقتصر على ذلك، والمطالب بالتضحية هو رب البيت لأنه من الإنفاق بالمعروف.
ولكن لمن تسن للأحياء أم للأموات؟
الجواب: أنها سنة للأحياء، وليست سنة للأموات، ولذلك لم يضح النبي صلّى الله عليه وسلّم عن أحد ممن مات له، لا عن زوجته خديجة ـ رضي الله عنها ـ وهي من أحب النساء إليه، ولا عن عمه حمزة ـ رضي الله عنه ـ وهو من أحب أعمامه إليه، ولا عن أحد من أولاده ـ رضي الله عنهم ـ الذين كانوا في حياته، وأولاده بضعة
__________
(1) سبق تخريجه ص(422).
منه، وإنما ضحى عنه وعن أهل بيته، ومن أراد أن يدخل الأموات في العموم فإن قوله قد يكون وجيهاً، ولكن تكون التضحية عن الأموات هنا تبعاً لا استقلالاً؛ ولهذا لا يشرع أن يضحى عن الإنسان الميت استقلالاً؛ لعدم ورود ذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فإن ضُحي عنه:
قيل: تكون أضحية.
وقيل: تكون صدقة.
والفرق بينهما ظاهر، فإن الأضحية أجرها أكثر من أجر الصدقة.
قوله: «وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها» .
فلو قال شخص: أنا عندي خمسمائة ريال، هل الأفضل أن أتصدق بها أو أن أضحي بها؟ قلنا: الأفضل أن تضحي بها.
فإن قال: لو اشتريت بها لحماً كثيراً أكثر من قيمة الشاة أربع مرات، أو خمس مرات، فهل هذا أفضل أو أن أضحي؟
قلنا: الأفضل أن تضحي، فذبحها أفضل من الصدقة بثمنها، وأفضل من شراء لحم بقدرها أو أكثر ليتصدق به؛ وذلك لأن المقصود الأهم في الأضحية هو التقرب إلى الله ـ تعالى ـ بذبحها لقول الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: 37] ، كما أن عتق العبد أفضل من الصدقة بثمنه.
فإن قال قائل: لو كان في المسلمين مسغبة، وكانت الصدقة بالدرهم أنفع تسد ضرورة المسلمين فأيهما أولى؟
الجواب: في هذه الحال نقول: دفع ضرورة المسلمين أولى؛ لأن فيها إنقاذاً للأرواح، وأما الأضحية فهي إحياء للسنة، فقد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل.
قوله: «ويسن أن يأكل ويهدي ويتصدق أثلاثاً» ، أي: يشرع، لا على وجه الوجوب، بل على وجه الاستحباب أن يقسمها أثلاثاً، فيأكل الثلث، ويهدي بالثلث، ويتصدق بالثلث.
والفرق بين الهدية والصدقة: أن ما قصد به التودد والألفة فهو هدية؛ لما جاء في الحديث: «تهادوا تحابوا» (1) ، وما قصد به التقرب إلى الله فهو صدقة، وعلى هذا فتكون الصدقة للمحتاج، والهدية للغني.
وقوله: «أثلاثاً» أي ثلثاً للأكل، وثلثاً للهدية، وثلثاً للصدقة؛ لأجل أن يكون انتفاع الناس على اختلاف طبقاتهم في هذه الأضحية، وقدم الأكل؛ لأن الله قدمه فقال: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] .
وقوله: «ويسن أن يأكل» .
ظاهره: أنه لو تصدق بها كلها فلا شيء عليه ولا إثم عليه، وهذا بناء على أن الأكل من الأضحية سنّة كما هو قول جمهور العلماء.
وقال بعض أهل العلم: بل الأكل منها واجب يأثم بتركه؛
__________
(1) أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (594)؛ والبيهقي (6/169) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ، وعزاه الحافظ في البلوغ (935) إلى أبي يعلى وحسن إسناده.
لأن الله أمر به، وقدمه على الصدقة؛ ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع «أمر أن يؤخذ من كل بدنة قطعة فجعلت في قدر فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها» (1) ، قالوا: وتكلف هذا الأمر أن يأخذ من مائة بعير مائة قطعة تطبخ في قدر، ويأكل منها يدل على أن الأمر في الآية الكريمة للوجوب؛ ولأن هذا من باب التمتع بنعم الله ـ عزّ وجل ـ فيدخل في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله ـ عزّ وجل ـ (2) .
وعلى كل حال لا ينبغي للإنسان أن يدع الأكل من أضحيته.
واستحب بعض العلماء : أن يأكل من كبدها.
وعلل ذلك بأن الكبد أسرع نضوجاً؛ لأنها لا تحتاج إلى طبخ كثير، فإذا اختار أن يأكل منها وطبخها صار من الذين يبادرون بالأكل من أضاحيهم، والمبادرة بالمأمور به أفضل من التأخر.
وقوله: «يأكل ويهدي ويتصدق أثلاثاً» ، هذا ما اختاره أصحاب الإمام أحمد ـ رحمهم الله ـ وهذا ما ورد عن السلف ـ رحمهم الله ـ وقيل: بل يأكل ويتصدق أنصافاً لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}، وقوله: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}، ولم يذكر الله تعالى الهدية، والهدية من باب جلب المودة يحصل بهذا أو بغيره، وهذا القول أقرب إلى ظاهر
__________
(1) سبق تخريجه ص(76).
(2) سبق تخريجه ص(460).
القرآن والسنة، ولكن مع ذلك إذا اعتاد الناس أن يتهادوا في الأضاحي، فإن هذا من الأمور المستحبة؛ لدخولها في عموم الأمر بما يجلب المودة والمحبة بين الناس، ولا شك أنك إذا أهديت من لحم الأضاحي في أيام الأضحية إلى غني أنها تقع في نفسه موقعاً أعظم مما لو أهديت له ما يقابلها من الطعام كالتمر والبر وما أشبه ذلك، وإذا كان في هذا مصلحة فهي مطلوبة، ولكن تحديدها بالثلث يحتاج إلى دليل من السنة.
والرسول صلّى الله عليه وسلّم تصدق بكل لحم الإبل في الهدي، إلا القطع التي اختارها صلّى الله عليه وسلّم أن تجمع في قدر وتطبخ (1) .
وقوله: «ويسن أن يأكل ويهدي ويتصدق» ، ظاهر كلام المؤلف أن هذا الحكم في كل أضحية حتى الواجب بالنذر فإنه يأكل منها، ويهدي ويتصدق، وهو صحيح، بخلاف الواجب في الهدي فإنه لا يأكل منه إذا كان جبراناً، ويأكل منه إذا كان شكراناً، فدم هدي التمتع والقران يأكل منه، والدم الواجب لترك الواجب أو فعل المحظور لا يأكل منه، والفرق أن الثاني كفارة والأول شكر، فلذلك أكل النبي صلّى الله عليه وسلّم من هديه، وهو واجب بالقران.
إذاً الأضحية يأكل منها، سواء كانت واجبة بالنذر أو غير واجبة، وأما الهدي ففيه تفصيل كما يلي:
أولاً: ما وجب لفعل محظور أو ترك واجب فإنه لا يأكل منه؛ لأنه يقع موقع الكفارة.
__________
(1) سبق تخريجه ص(76) من حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ.
ثانياً: ما وجب لشكر النعمة كهدي التمتع والقران، فإنه يأكل منه، كما جاءت بذلك السنة، أما التطوع فلا إشكال أنه يأكل منه ويتصدق ويهدي.
وظاهر كلام المؤلف ـ أيضاً ـ أنه لو كانت الأضحية ليتيم فإنه يأكل منها ويهدي ويتصدق.
وقال بعض العلماء: إذا كانت ليتيم فإنه لا يأكل منها، ولا يهدي، ولا يتصدق إلا مقدار الواجب فقط، وهو أقل ما يقع عليه اسم اللحم؛ لأن مال اليتيم لا يجوز التبرع به.
ولكن الصحيح أنه متى قلنا بجواز الأضحية في مال اليتيم فإنه يعمل فيها ما جاءت به الشريعة، فيؤكل منها، ويهدى، ويتصدق.
مسألة: هل يشرع أن يُضحى من مال اليتيم؟ في هذا تفصيل:
إن جرت العادة بأنه يضحي من أموال اليتامى، وأنه لو لم يضح من أموالهم لانكسرت قلوبهم، فهنا ينبغي أن يضحى من ماله، كما أننا نشتري له ثوباً جديداً للعيد مع أن عنده ثوباً يكفيه، لكن نشتري له الثوب الجديد من أجل أن يوازي غيره من الناس.
فهي إذاً ـ أعني الأضحية ـ من باب النفقة بالمعروف، فإذا كان من المعروف عند الناس أنه يضحى للأيتام فإنه يضحي ولو من ماله، وهذا يقع.
مثال ذلك: أن يكون في هذا البيت أيتام ليس عندهم إلا أمهم، وأمهم فقيرة، ولكن الأيتام لهم أموال ورثوها من إخوانهم أو أعمامهم، أو من أي أنسان، المهم عنده مال، فهل نضحي
من أموالهم وندفع لهم الأضحية ليضحوا بها ويفرحوا مع الناس؟ أو نقول هذه أموال يتامى لا يجوز أن يتبرع منها بشيء؟
الجواب: الأول؛ لأن المال يخدم الإنسان، فإذا كان هؤلاء اليتامى لو لم تدخل عليهم شاة الأضحية، ولم يأكلوا اللحم مع الناس، لانكسرت قلوبهم فإنه يضحى عنهم من مالهم.
قوله: «وإن أكلها إلا أوقية تصدق بها جاز وإلا ضمنها» ، الضمير «ها» يعود على الأضحية، أي أكلها كلها ولم يتصدق بمقدار أوقية، فإنه يضمن الأوقية، وهي معيار معروف صنجة يوزن بها. لأن الله قال: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}، أي: وأطعموا منها، ومن للتبعيض، وأدنى جزء من الأضحية يصدق عليه أنه بعض.
وقال بعض العلماء: إن تصدق بها إلا أقل ما يقع عليه اسم اللحم، فإنه لا حرج عليه، ولكن لو أكلها جميعاً فإنه يضمن أقل ما يقع عليه اسم اللحم.
مثال ذلك: رجل ضحى بشاة وجعلها في الثلاجة كلها، وأكلها، نقول له الآن: يجب عليك أن تتصدق بأقل ما يقع عليه اسم اللحم، فاشتر لحماً من السوق، وتصدق به من أجل حق الفقراء، فإن أكلها إلا عضدها ـ مثلاً ـ أجزأه ذلك؛ لأن العضد يقع عليه اسم اللحم.
وَيَحْرُمُ عَلَى مَن يُضَحِّي أن يَأخُذَ فِي العَشْرِ مِن شَعْرِهِ أوْ بَشَرتِهِ شيئاً.
قوله: «ويحرم على من يضحي أن يأخذ في العشر من شعره أو بشرته شيئاً» ، الحرام من تركه لله أثيب، وإن فعله استحق العقاب على فعله.
والدليل على ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دخل العشر، وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذن من شعره ولا من بشرته ولا من ظفره شيئاً» (1) ، والأصل في النهي التحريم.
والحكمة من ذلك أن الله سبحانه وتعالى برحمته لما خص الحجاج بالهدي، وجعل لنسك الحج محرمات ومحظورات، وهذه المحظورات إذا تركها الإنسان لله أثيب عليها، والذين لم يحرموا بحج ولا عمرة شرع لهم أن يضحوا في مقابل الهدي، وشرع لهم أن يتجنبوا الأخذ من الشعور والأظفار والبشرة لأن المحرم لا يأخذ من شعره شيئاً، يعني لا يترفه، فهؤلاء ـ أيضاً ـ مثله، وهذا من عدل الله ـ عزّ وجل ـ وحكمته، كما أن المؤذن يثاب على الأذان، وغير المؤذن يثاب على المتابعة، فشرع له أن يتابع.
وقوله: «يحرم» ، هذا أحد القولين في المسألة.
والقول الثاني: أنه يكره وليس بحرام.
ولكن الذي يظهر أن التحريم أقرب؛ لأنه الأصل في النهي لا سيما فيما يظهر فيه التعبد، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أكد النهي بقوله: «فلا يأخذن» ، والنون هذه للتوكيد.
وقوله: «على من يضحي» يفهم منه أن من يُضَحَّى عنه لا حرج عليه أن يأخذ من ذلك، والدليل على هذا ما يلي:
أولاً: أن هذا هو ظاهر الحديث، وهو أن التحريم خاص
__________
(1) أخرجه مسلم في الأضاحي/ باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة أن يأخذ من شعره... (1977) عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ.
بمن يضحي، وعلى هذا فيكون التحريم مختصاً برب البيت، وأما أهل البيت فلا يحرم عليهم ذلك؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم علق الحكم بمن يضحي، فمفهومه أن من يضحى عنه لا يثبت له هذا الحكم.
ثانياً: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يضحي عن أهل بيته، ولم ينقل أنه كان يقول لهم: لا تأخذوا من شعوركم وأظفاركم وأبشاركم شيئاً، ولو كان ذلك حراماً عليهم لنهاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم عنه، وهذا هو القول الراجح.
فإن قال قائل: ما وجه قول من يقول: إنه يحرم على من يضحي أو يضحى عنه؟
قلنا: وجهه أنهم قاسوا المضحى عنه على المضحي؛ لاشتراكهم في الأجر، فكما أن المضحي يؤجر فالمضحى عنه يؤجر أيضاً، فلما اشتركا في الأجر اشتركا في الحكم.
فيقال: هذا القياس لا يصح؛ لأنه في مقابلة النص، وكل قياس في مقابلة النص فإنه فاسد الاعتبار، أي: غير معتبر ولا يرجع إليه، ثم إن التساوي ممنوع، فإنهما وإن أجرا على هذه الأضحية، فإن أجر من بذل المال، وتعب في ذبحها لا يساويه أجر من ضُحي عنه فقط، بل من بذل المال أكثر أجراً ممن لم يبذله.
وقوله: «أن يأخذ في العشر» ، المراد بالعشر عشر ذي الحجة إلى أن يضحي، فإن ضحى يوم العيد انفك ذلك عنه يوم العيد، وإن تأخر إلى اليوم الثاني، أو الثالث لم ينفك عنه ذلك إلا في اليوم الثاني أو الثالث حتى يضحي.
وقوله: «من شعره» الشعر معروف، هو شامل للشعر المستحب إزالته، والمباح إزالته، فلا يأخذ منه شيئاً.
وقوله: «شيئاً» يشمل القليل والكثير.
مثال المستحب إزالته: شعر الإبط والعانة.
والمباح إزالته كالرأس، فلا يحلق رأسه، ولا يقص منه شيئاً حتى يضحي.
وقوله: «أو بشرته» أي جلده، لا يأخذ منه شيئاً، وهل يمكن للإنسان أن يأخذ من جلده شيئاً؟ نقول: يمكن أن يأخذ كما يلي:
أولاً: إذا كان لم يختتن، وأراد الختان في هذه الأيام نقول له: لا تختتن؛ لأنك ستأخذ من بشرتك شيئاً.
ثانياً: بعض الناس يغفل فتجده يقطع من جلده من عقب الرجل، والإنسان الذي يعتاد هذا الشيء لا بد أن يصاب بتشقق العقب، فإن تركه سكن، وإن حركه فتن عليه، ولو كان فيه جلد ميت اتركه حتى لا يتشقق ويزيد.
مسألة: سكت المؤلف عن شيء جاء به الحديث وهو «الظفر» ، ولا أعلم أن أحداً من العلماء أهمل حكمه، ولعل المؤلف ـ رحمه الله ـ تركه اقتصاراً أي ذكر شيئين مما جاء به الحديث وأسقط الثالث، ولكن الحكم واحد فلا يأخذن من ظفره شيئاً، لكن لو أنه انكسر الظفر، وتأذى به فيجوز أن يزيل الجزء الذي يحصل به الأذية ولا شيء عليه، وكذلك لو سقط في عينه شعرة، أو نبت في داخل الجفن شعر تتأذى به العين، فأخذه بالمنقاش جائز؛ لأنه لدفع أذاه.
وفهم من كلام المؤلف أنه إذا أخذ شيئاً من ذلك فلا فدية عليه وهو كذلك، ولا يصح أن يقاس على المحرم؛ لأن الاختلاف ظاهر لما يلي:
أولاً: المحرم لا يحرم عليه إلا أخذ الرأس، وما سواه فإنه بالقياس، وهذا الحديث عام للرأس وغير الرأس.
ثانياً: المحرم لا يحرم عليه أخذ شيء من بشرته، وهذا يحرم.
ثالثاً: المحرم عليه محظورات أخرى غير هذا، فالإحرام أشد وأوكد فلذلك وجبت الفدية فيه، أما هذا فإنه لا فدية فيه.
مسألة: لو أخذ الإنسان وتجاوز هل تقبل أضحيته؟
الجواب: نعم تقبل لكنه يكون عاصياً، وأما ما اشتهر عند العوام أنه إذا أخذ الإنسان من شعره أو ظفره أو بشرته في أيام العشر فإنه لا أضحية له فهذا ليس بصحيح؛ لأنه لا علاقة بين صحة التضحية والأخذ من هذه الثلاثة.
وإذا قدر أن الرجل لم ينو الأضحية إلا في أثناء العشر، وقد أخذ من شعره وبشرته وظفره فيصح، ويبتدئ تحريم الأخذ من حين نوى الأضحية.
فَصْلٌ
تُسنُّ العَقِيقةُ عَن الغُلاَمِ شَاتَان، وَعَن الجَارِيَةِ شَاةٌ ......
قوله: «تسن العقيقة» ، العقيقة فعيلة بمعنى مفعولة، فهي عقيقة بمعنى معقوقة، والعق في اللغة القطع، ومنه عق الوالدين أي قطع صلتهما.
والمراد بالعقيقة شرعاً : الذبيحة التي تذبح عن المولود، سواء كان ذكراً أو أنثى.
وسميت عقيقة؛ لأنها تقطع عروقها عند الذبح، وهذه التسمية لا تشمل كل شيء، فلو قال قائل: والذبيحة العادية تقطع عروقها فهل يصح أن تسمى عقيقة؟
نقول: لا، لكن مناسبة التسمية لا تنسحب على جميع ما وجد فيه هذا المعنى، ولهذا نسمي المزدلفة جمعاً ولا نسمي عرفة جمعاً ولا نسمي منى جمعاً، فما سمي لمعنى من المعاني فإنه لا يقاس عليه ما شاركه في هذا المعنى فيسمى بهذه التسمية؛ ولهذا لا نقول الأضحية عقيقة، ولا الهدي عقيقة، ولا ذبيحة الأكل عقيقة مع أن سبب تسمية العقيقة بذلك موجود في هذه.
وعند العامة تسمى العقيقة تميمة، يقولون: لأنها تتمم أخلاق المولود، وأخذوا هذا من قوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث: «كل غلام مرتَهَن بعقيقته» (1) ، فإن المعنى أنه محبوس عن
__________
(1) وتمامه: «تذبح عنه يوم سابعه، ويحلق رأسه، ويسمى» .
أخرجه أحمد (5/7، 12، 17، 22)؛ وأبو داود في الضحايا/ باب العقيقة (2838)؛ والترمذي في الأضاحي/ باب من العقيقة (1522)؛ والنسائي في العقيقة/ باب متى يعق (7/166)؛ وابن ماجه في الذبائح/ باب العقيقة (3165)؛ والحاكم (4/237) عن سمرة ـ رضي الله عنه ـ وقال الترمذي: «حسن صحيح» وصححه الذهبي في «تلخيص المستدرك».
الانطلاق والانشراح، وكذلك عن الحماية من الشيطان.
وقوله: «تسن» أي: سنة في حق الأب، وهي سنة مؤكدة حتى أن الإمام أحمد قال: يقترض إذا لم يكن عنده مال وأرجو أن يخلف الله عليه؛ لأنه أحيا سنة، فإن لم يكن الأب موجوداً فهل تسن في بقية العصبة أو في حق الأم؟
الظاهر أنه إذا لم يكن الأب موجوداً كما لو مات وابنه حمل، فإن الأم تقوم مقام الأب في هذه المسألة.
وقوله: «تسن العقيقة» ، هل يشترط في ذلك القدرة؟ أو حتى للفقير؟
نقول: إذا كانت الواجبات الشرعية يشترط فيها القدرة فالمستحبات من باب أولى، فالفقير لا نقول له: اذهب واقترض، لكن إذا كان الإنسان لا يجد الآن، إلا أنه في أمل الوجود كموظف ولد له ولد في نصف الشهر، وراتبه على قدر حاجته فهو الآن ليس عنده دراهم، لكن في آخر الشهر سيجد الدراهم، فهل نقول: اقترض ثمن العقيقة واشتر به حتى يأتيك الراتب، أو نقول: انتظر حتى يأتيك الراتب؟ الثاني أحسن؛ لأنه يحصل به إبراء الذمة، ولا يدري الإنسان ربما تحصل فيما بين ولادة المولود وبين حلول الراتب أشياء تستلزم الأموال فيأتيه مرض، أو تنكسر السيارة، وما أشبه ذلك، فالأولى أن يقال: لا تقترض حتى إن رجوت الوفاء عن قرب فانتظر، والعقيقة لا تلزم في اليوم
السابع، أو في اليوم الرابع عشر، أو الحادي والعشرين.
قوله: «عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة» ، الغلام أي: الذكر، هكذا جاءت السنة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بالتفريق بين الذكر والأنثى (1) .
وقوله: «عن الغلام شاتان» ينبغي أن تكون الشاتان متقاربتين سناً وحجماً وشبهاً وسمناً، وكلما كانتا متقاربتين كان أفضل، فإن لم يجد الإنسان إلا شاة واحدة أجزأت وحصل بها المقصود، لكن إذا كان الله قد أغناه فالاثنتان أفضل.
قوله: «وعن الجارية شاة» الجارية الأنثى، وهذا أحد المواضع التي يكون فيها الرجل ضعف المرأة.
وهل هناك مواضع أخرى؟
الجواب: نعم، هي: الفرائض، والدية، والشهادة، والصلاة، لأن أكثر الحيض خمسة عشر يوماً على المشهور عند أكثر العلماء، فإذا كانت امرأة تحيض أكثر الحيض صار لها من الصلاة في كل شهر نصف شهر فيزيد الرجل عليها بنصف شهر، وكذلك أيضاً في العطية إذا أعطى الإنسان أولاده فإنه يعطي الذكر مثل حظ الأنثيين، وأيضاً ورد في الحديث أن عتق الذكر عن عتق جاريتين (2) .
__________
(1) لما روته عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة، أخرجه الإمام أحمد (6/31، 158، 251)؛ والترمذي في الأضاحي/ باب ما جاء في العقيقة (1513)؛ وابن ماجه في الذبائح/ باب العقيقة (3163)؛ وصححه الترمذي وابن حبان (1058).
(2) لحديث أبي أمامة وغيره من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أيما امرئ مسلم أعتق امرءاً مسلماً كان فكاكه من النار يجزئ كل عضو منه عضواً منه، وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار يجزئ كل عضو منهما عضواً منه من النار، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار يجزئ كل عضو منها عضواً منها» .
أخرجه الترمذي في النذور والأيمان/ باب ما جاء في فضل من أعتق (1547)، وقال: حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وصححه ابن القيم في الهدي (2/332).
مسألتان:
الأولى : لو أن عند إنسان سبع بنات لم يعق عنهن، فهل يجزئ أن يذبح عنهن بعيراً؟ الجواب: لا يجزئ.
الثانية: لو ذبح عن واحدة بعيراً فقيل: إنها لا تجزئ؛ لأن هذا خلاف ما عينه الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وقيل: تجزئ؛ لأنها خير من الشاة.
تُذْبَحُ يَوْمَ سَابِعِهِ فَإِنْ فَاتَ فَفِي أربَعَةَ عَشَرَ، فَإِنْ فَاتَ فِفِي إِحْدَى وَعِشْرين،...
قوله: «تذبح يوم سابعه» ، أي: يسن أن تذبح في اليوم السابع (1) ، فإذا ولد يوم السبت فتذبح يوم الجمعة يعني قبل يوم الولادة بيوم، هذه هي القاعدة، وإذا ولد يوم الخميس فهي يوم الأربعاء وهلم جرًّا.
والحكمة في أنها تكون في اليوم السابع؛ لأن اليوم السابع تختم به أيام السنة كلها، فإذا ولد يوم الخميس مر عليه الخميس والجمعة والسبت والأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء، فبمرور أيام السنة يتفاءل أن يبقى هذا الطفل ويطول عمره.
فبناء على هذا التعليل لو مات الطفل قبل السابع فإنها تسقط العقيقة؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «تذبح يوم السابع» (2) ، ولكن هذا
__________
(1) - (2) لحديث سمرة ـ رضي الله عنه ـ مرفوعاً: كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه... سبق تخريجه ص(489).
التعليل قد يكون الإنسان في شك منه، ويقول: إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم اختار اليوم السابع؛ لأن هناك أشياء كثيرة معلقة بالعدد سبعة، ولا ندري هل لحكمة أو لا؟ وعليه تسن العقيقة ولو مات قبل السابع.
ولكن هل يشترط أن يخرج حياً أو يشترط أن تنفخ فيه الروح فقط؟
الجواب: من العلماء من قال بالأول، وقال: لو نفخت فيه الروح وخرج من بطن أمه ميتاً فإنه لا عقيقة له.
ومنهم من قال: بل يعق عنه، وإن خرج ميتاً إذا خرج بعد نفخ الروح؛ لأنه بعد نفخ الروح سوف يبعث، فهو إنسان ترجى شفاعته يوم القيامة، بخلاف من خرج قبل نفخ الروح فيه فإنه لا يعق عنه؛ لأنه ليس بإنسان ولهذا فإن الجنين لا يبعث يوم القيامة إذا سقط قبل نفخ الروح فيه؛ لأنه ليس فيه روح حتى تعاد إليه يوم القيامة.
إذاً عندنا أربع مراتب:
الأول: خرج قبل نفخ الروح فيه، فلا عقيقة له.
الثانية: خرج ميتاً بعد نفخ الروح، ففيه قولان للعلماء.
الثالثة: خرج حياً ومات قبل اليوم السابع فيه أيضاً قولان، لكن القول بالعق أقوى من القول بالعق في المسألة التي قبلها.
الرابعة: بقي إلى اليوم السابع ومات في اليوم الثامن يعق عنه قولاً واحداً.
مسألة: ذكر الشارح أنه يسمى في اليوم السابع، ومحل ذلك
ما لم يكن الاسم قد هيِّئ قبل الولادة، فإن كان قد هيئ قبل الولادة فإنه يسمى يوم الولادة.
والدليل على ذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخل ذات يوم على أهله فقال: «ولد لي الليلة ولد سميته إبراهيم» (1) ، فسماه من حين ولادته؛ لأنه قد هيأ الاسم.
ولو اتفق الأهل على تسميته في اليوم الرابع أو الخامس، فإن الأولى أن يؤخر إلى اليوم السابع.
مسألة: وينبغي في اليوم السابع حلق رأس الغلام الذكر، ويتصدق بوزنه ورِقاً أي: فضة، وهذا إذا أمكن بأن يوجد حلاق يمكنه أن يحلق رأس الصبي، فإن لم يوجد وأراد الإنسان أن يتصدق بما يقارب وزن شعر الرأس فأرجو ألاَّ يكون به بأس، وإلا فالظاهر أن حلق الرأس في هذا اليوم له أثر على منابت الشعر، لكن قد لا نجد حلاقاً يمكنه أن يحلق رأس الصبي؛ لأنه في هذا اليوم لا يمكن أن تضبط حركته، فربما يتحرك ثم إن رأسه لين قد تؤثر عليه الموسى، فإذا لم نجد فإنه يتصدق بوزنه ورقاً بالخرص.
وفي هذه المناسبة يجب أن يختار الإنسان لولده الاسم الذي لا يعيَّر به عند الكبر، ولا يؤذى به؛ لأن الأب قد يعجبه اسم معين لكن في المستقبل يتأذى به الولد، فيكون سبباً لأذية ابنه، ومعلوم أن أذية المؤمن حرام، وعليه فيختار أحسن الأسماء
__________
(1) أخرجه مسلم في الفضائل/ باب رحمته (ص) الصبيان والعيال (2315) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
وأحبها إلى الله، وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن» (1) ، وأما ما يروى: «خير الأسماء ما عبِّد وحمِّد» (2) ، فهذا لا أصل له ولا يصح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم إنه إذا لم يعجبه التسمية بعبد الله وعبد الرحمن؛ لكثرة هذين الاسمين في حمولته ويخشى من الاشتباه، كما يوجد في بعض الحمائل الكبار، حتى إنه ربما يكون الكتاب الذي يرسل إلى فلان يصل إلى فلان الآخر المساوي له في الاسم، أو يحتاج أن يذكره إلى خامس جد أو ما أشبه ذلك، فله أن يسمي باسم آخر لكن يختار ما هو أنسب وأحسن.
ويحرم أن يسمي باسم يُعبد لغير الله، فلا يجوز أن يسمي عبد الرسول، ولا عبد الحسين، ولا عبد علي، ولا عبد الكعبة، وقد نقل ابن حزم الإجماع على تحريم ذلك إلا عبد المطلب فإنه ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب» (3) ، فأخذ بعض العلماء من هذا جواز التسمية بعبد المطلب، ولكن الحديث لا دليل فيه؛ لأن الحديث من باب الإخبار لا من باب الإنشاء، فالرسول يتحدث عن جده يعني عن اسم سمي وانتهى ومات صاحبه، والإخبار ليس كالإنشاء، ولهذا
__________
(1) أخرجه مسلم في الآداب/ باب النهي عن التكني بأبي القاسم (2132) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(2) كشف الخفاء (1/468).
(3) أخرجه البخاري في الجهاد والسير/ باب من قاد دابة غيره في الحرب (2864)؛ ومسلم في المغازي/ باب غزوة حنين (1776) عن البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ.
لا يجوز على القول الراجح أن يسمي الإنسان ابنه بعبد المطلب، فإن استدل مستدل بكلام الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أجبناه بأن ذلك من باب الإخبار، ولهذا لو كان لك أب يسمى بعبد الرسول فلك أن تقول أنا فلان ابن عبد الرسول وليس هذا إقراراً؛ بل إخباراً، لكن إذا كان عبد الرسول حياً فإنه يغير اسمه إلى آخر، فباب الإخبار أوسع من باب الإنشاء، والمحرم الإنشاء.
مسألة: هناك أسماء بدأت تظهر على الساحة لا سيما في النساء وهي غريبة، وقد ذكر بعض الناس رجلاً سمى ولده نكتل فقيل له لماذا؟ قال: لأن هذا أخو يوسف {فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ} وهذا من الجهل فهم يريدون أن يتبركوا بالأسماء الموجودة في القرآن الكريم فيختطفون ولا يفكرون ولا يقدرون، فالذي ينبغي أن يُختار الأسماء الموجودة في عرفه والتي يألفها الناس، وليس فيها محظور شرعي، وأما الأسماء الغربية فهي إن كانت من الأسماء المختصة بالكفار فهي حرام؛ لأن هذا من أبلغ التشبه بهم، ومن أكبر ما يجعلهم في العلياء، فإذا كان المسلمون يختارون أسماء هؤلاء الكفار، مثل جورج وما أشبهه، فإنهم بذلك يعظمونهم.
أما أسماء الملائكة:
فمن العلماء من قال: التسمي بأسمائهم حرام.
ومنهم من قال: إنه مكروه.
ومنهم من قال: مباح.
والأقرب الكراهية مثل جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، فلا نسمي بهذه الأسماء؛ لأنها أسماء ملائكة.
أما الأسماء بما في القرآن مما ليس فيه محظور، مثل سندس، فلا بأس؛ لأن هذا ليس فيه محظور، وليس فيه تزكية، لكن كما قلت لكم كون الإنسان يختار من الأسماء ما يألفه الناس ويسيرون عليه هذا هو الأولى.
والأصل أن التسمية مرجعها إلى الأب؛ لأنه هو ذو الولاية، لكن ينبغي أن يستشير الأم وإخوانه في الاسم؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» (1) ، ومن المعلوم أن الإنسان إذا تبسط مع أهله واستشار في هذه الأمور أنه من الخيرية بلا شك، ولأجل أن تطيب القلوب.
وأحياناً يتعارض قول الأم مع قول الأب في التسمية، فالمرجع إلى قول الأب، لكن إن أمكن أن يجمع بين القولين باختيار اسم ثالث يتفق عليه الطرفان فهو أحسن؛ لأنه كلما حصل الاتفاق فهو أحسن وأطيب للقلب.
قوله: «فإن فات ففي أربعة عشر، فإن فات ففي إحدى وعشرين» ، أي: تعتبر الأسابيع الثلاثة الأولى السابع، والرابع عشر، والحادي والعشرون.
__________
(1) أخرجه الترمذي في المناقب/ باب فضل أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم (3895)؛ وابن حبان (4177)؛ ـ إحسان ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ وقال الترمذي: «حسن غريب صحيح» وصححه ابن حبان، وأخرجه ابن ماجه في النكاح/ باب حسن معاشرة النساء (1977) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وصححه ابن حبان (4186).
قال في الشرح: يروى عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ (1) ، فإن فات اليوم الحادي والعشرون ففي أي يوم؛ لأنه ربما لا يتيسر للإنسان أن يذبح في اليوم السابع أو الرابع عشر أو الحادي والعشرين.
تُنْزَعُ جُدُولاً وَلاَ يُكْسَرُ عَظْمُهَا، وحُكمُهَا كَالأضْحِيَةِ إِلاَّ أنَّه لاَ يُجْزِئ فِيها شرِك فِي دَمٍ. ...
قوله: «تنزع جدولاً ولا يكسر عظمها» ، أي: أعضاءً، يعني لا تكسر عظامها، وإنما تقطع مع المفاصل، وهذا أيضاً مروي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ (2) ، قالوا: من أجل التفاؤل بسلامة الولد وعدم انكساره، ولكن ليس هناك دليل يطمئن إليه القلب في هذه المسألة؛ ولهذا قال بعض أهل العلم: إنها تفصل كما يفصل غيرها بدون أن نأخذها عضواً عضواً، والغريب أن بعض الناس قال: وينبغي أن تطبخ بالحلو أي يوضع فيها سكر تفاؤلاً بحلاوة أخلاق الطفل، وهذا قول ضعيف؛ لأنه ليس فيه دليل، ومسألة التفاؤل لا ينبغي أن نتوسع فيها هذا التوسع.
قوله: «وحكمها كالأضحية» ، أي: حكم العقيقة حكم الأضحية في أكثر الأحكام ومنها:
__________
(1) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: «بل السنة أفضل عن الغلام شاتان متكافئتان، وعن الجارية شاة تقطع جدولاً، ولا يكسر لها عظم، ويطعم ويصدق، وليكن ذاك يوم السابع، فإن لم يكن ففي أربعة عشر، فإن لم يكن ففي إحدى وعشرين».
أخرجه الحاكم (4/238)، وصححه، ووافقه الذهبي؛ وضعفه الألباني لعلتين، انظرهما في: «الإرواء» (4/395).
(2) سبق تخريجه ص(497).
أولاً: أنه لا بد أن تكون من بهيمة الأنعام، فلو عق الإنسان بفرس لم تقبل؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (1) ، وقد قال: «عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة» (2) .
ثانياً: أنه لا بد أن تبلغ السن المعتبرة، وهو ستة أشهر في الضأن، وسنة في المعز، وسنتان في البقر، وخمس سنين في الإبل.
ثالثاً: أن تكون سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء كالعور البيِّن، والمرض البين، والعرج البين، وما أشبه ذلك.
وتخالف الأضحية في مسائل منها:
أولاً: أن طبخها أفضل من توزيعها نِيَّة؛ لأن ذلك أسهل لمن أطعمت له.
ثانياً: ما سبق أنه لا يكسر عظمها، وهذا خاص بها.
ثالثاً: ما ذكره المؤلف أنه لا يجزئ فيها شرك في دم بقوله:
«إلا أنه لا يجزئ فيها شرك في دم» ، أي العقيقة لا يجزئ فيها شرك دم، فلا تجزئ البعير عن اثنين، ولا البقرة عن اثنين، ولا تجزئ عن ثلاثة ولا عن أربعة من باب أولى؛ ووجه ذلك:
أولاً: أنه لم يرد التشريك فيها، والعبادات مبنية على التوقيف.
ثانياً: أنها فداء، والفداء لا يتبعض؛ فهي فداء عن النفس، فإذا كانت فداء عن النفس فلا بد أن تكون نفساً.
__________
(1) سبق تخريجه ص(158).
(2) سبق تخريجه ص(491).
والتعليل الأول لا شك أنه الأصوب؛ لأنه لو ورد التشريك فيها بطل التعليل الثاني، فيكون مبنى الحكم على عدم ورود ذلك.
وَلاَ تُسَنُّ الفَرَعَةُ، وَلاَ العَتَيِرةُ
قوله: «ولا تسن الفرعة ولا العتيرة» ، هاتان ذبيحتان معروفتان في الجاهلية وقد اختلفت الأحاديث في إثباتهما أو نفيهما، ومن ثم قال المؤلف: «لا تسن الفرعة».
والفرعة هي ذبح أول ولد للناقة، فإذا ولدت الناقة أول ولد فإنهم يذبحونه لآلهتهم تقرباً إليها، ومعلوم أن الإنسان إذا ذبح على هذا الوجه كان شركاً أكبر لا إشكال فيه، لكن لو ذبح شكراً لله على نعمته لكون هذه الناقة ولدت، فيذبح أول نتاج لها شكراً لله ـ عزّ وجل ـ؛ من أجل أن يبارك الله له في النتاج المستقبل، فهنا لا شك أن النية تخالف ما كان عليه أهل الجاهلية تماماً، ولكنها توافق ما كان أهل الجاهلية يفعلونه في الفعل وإن اختلفت النية، فهل يقال: إنها من أجل ذلك يُنْهى عنها كما نهي عن الذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله؟ هذا هو التعليل الصحيح لولا أنه ورد في السنة (1) ما يدل على الجواز؛ وعلى هذا فنقول:
__________
(1) من ذلك ما رواه نبيشة الهذلي قال: «قالوا: يا رسول الله إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية فما تأمرنا؟ قال: اذبحوا لله ـ عزّ وجل ـ في أي شهر ما كان، وبروا الله تبارك وتعالى وأطعموا، قال: يا رسول الله إنا كنا نفرع في الجاهلية فرعاً فما تأمرنا؟ قال: في كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك حتى إذا استحمل ذبحته فتصدقت بلحمه، قال خالد: أراه قال: على ابن السبيل ـ فإن ذلك هو خير».
أخرجه أحمد (5/75، 76)؛ وأبو داود في الضحايا/ باب في العتيرة (2830)؛ والنسائي في الفرع والعتيرة/ باب تفسير العتيرة (7/169)؛ وابن ماجه في الأضاحي/ باب الفرع والعتيرة (3167)؛ والحاكم (4/235)؛ والبيهقي (9/311).
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في «الإرواء» (4/412) على شرط الشيخين.
إن ذبح الإنسان الفرعة بقصد كقصد أهل الجاهلية فهو شرك محرم لا إشكال فيه، وإن ذبحها من أجل أن يكون ذلك شكراً لله على هذا النتاج الذي هذا أوله، ولتحصل البركة في المستقبل فهذا لا بأس به.
ولكن هل هو سنة؟ يقول المؤلف: «لا تسن» .
وقوله: «ولا العتيرة» ، والعتيرة فعيلة بمعنى مفعولة، من العَتْرِ وهي ذبيحة في أول شهر رجب، فقد كانوا في الجاهلية يعظمون رجباً، لأن رجباً أحد الأشهر الأربعة الحرم التي هي: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، فكانوا يعظمون هذا الشهر ويخصونه بالعمرة أيضاً، كما كان لهم عبادات في هذا الشهر منها العتيرة يذبحونها في أول رجب.
والمؤلف يقول: «لا تسن» ، واستدل بالحديث المتفق عليه وهو قول الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «لا فَرَعَ ولا عتيرة» (1) ، وفي رواية: «لا فَرَعَ ولا عتيرة في الإسلام» (2) ، وتخصيص ذلك في الإسلام يوحي بأنها من خصال الجاهلية، ولهذا كره بعض العلماء العتيرة بخلاف الفرعة لورود السنة بها، وأما العتيرة فجديرة بأن تكون مكروهة ـ يعني الذبيحة في أول رجب ـ لا سيما وأنه إذا ذبحت في أول رجب، وقيل للناس إن هذا لا بأس به فإن النفوس
__________
(1) أخرجه البخاري في العقيقة/ باب الفرع والعتيرة (5473)؛ ومسلم في الأضاحي/ باب الفرع والعتيرة (1976) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه;ـ.
(2) أخرجها الإمام أحمد (2/229).
ميالة إلى مثل هذه الأفعال، فربما يكون شهر رجب كشهر الأضحية ذي الحجة ويتكاثر الناس على ذلك، ويبقى مظهراً ومشعراً من مشاعر المناسك وهذا لا شك أنه محظور.
فالذي يترجح عندي أن الفرعة لا بأس بها لورود السنة بها، وأما العتيرة فإن أقل أحوالها الكراهية؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم نفى ذلك وقال: «لا فرع ولا عتيرة».
وبهذا يكون قد انتهى باب الأضاحي، والهدي، وبه يتبين لنا أن الدماء المشروعة ثلاثة أقسام: هدي وأضحية وعقيقة.
وأما وليمة العرس التي قال فيها النبي صلّى الله عليه وسلّم لعبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ: «أولم ولو بشاة» (1) ، فإنها لا تختص ببهيمة الأنعام، فكما تكون بها تكون بغيرها، كالطعام، والتمر، والحيس الذي يخلط فيه التمر والأقط والسمن، وغير ذلك، لكن إذا أولم بشاة فلا بأس.
مسألة: ما يفعله بعض الناس إذا نزل منزلاً جديداً ذبح ودعا الجيران والأقارب، هذا لا بأس به ما لم يكن مصحوباً بعقيدة فاسدة، كما يفعل في بعض الأماكن إذا نزل منزلاً، فإن أول ما يفعل أن يأتي بشاة ويذبحها على عتبة الباب حتى يسيل الدم عليها، ويقول: إن هذا يمنع الجن من دخول البيت، فهذه عقيدة فاسدة ليس لها أصل، لكن من ذبح من أجل الفرح والسرور فهذا لا بأس به.
__________
(1) أخرجه البخاري في البيوع/ باب ما جاء في قول الله عزّ وجل {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ} (2049)؛ ومسلم في النكاح/ باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن (1427) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
مسألة: ما يفعله بعض الناس الآن إذا كان في رمضان ذبحوا ذبائح وقالوا: هذا عشاء الأب، وهذا عشاء الأم، وهذا عشاء الجد، وهذا عشاء الخالة، عشاء الوالدين، فهذا أيضاً ليس بمشروع إلا إذا ذبح الإنسان هذا من أجل اللحم، لا من أجل أن يتقرب إلى الله بالذبح، فإن كان هذا الأول فإنه لا بأس به فقد يقول: أنا لا أريد أن أذهب إلى المجزرة وأريد أن أذبح الشاة عندي، وآكل لحمها فقط، لا تقرباً إلى الله بالذبح، ولا افتخاراً فيقال: ذبح عن أبيه شاة أو ما أشبه ذلك فهذا لا بأس به.
والهدي منه ما هو واجب، ومنه ما هو تطوع، فالواجب هدي المتعة والقران، والتطوع أن يتقرب الإنسان إلى الله ـ عزّ وجل ـ بذبح شاة، أو بعير، أو بقرة في مكة؛ ليتصدق بها على الفقراء بدون سبب.
وأما الدم الواجب لفعل محظور، أو ترك واجب، فهذا يسمى فدية، ولا يأكل منه صاحبه شيئاً.
محب الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:23 PM بتوقيت مسقط


Design By: aLhjer Design
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Translated By Sma-jo.com