| |||||
|
03-28-2018, 10:57 AM | #1 |
إداري تاريخ التسجيل: Jun 2010 المشاركات: 1,222 | صدق نبوءات النبي صلى الله عليه وسلم صدق نبوءات النبي صلى الله عليه وسلم ... د. محمد بن عبدالسلام صدق نبوءات النبي - صلى الله عليه وسلم - إن من أعظم دلائل نبوَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من القرآن والسنة: ما وقع فيهما من إخبار عن الأحداث والأحوال قبل بَعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- وإخبارٍ عن أحداث وقعت في زمان النبي -صلى الله عليه وسلم- وإخبار عن أحداث وقعت بعد موته -صلى الله عليه وسلم- وإخبار عن أحداث تقع قبل قيام الساعة، وهذا من أدلة صدق النبي -صلى الله عليه وسلم- بإخباره بالغيب؛ سواءً كان غيبًا لاحقًا، أم سابقًا، أم حاضرًا. أولاً: ما قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-: إخباره عن الأُمم السابقة مع كونه أُميًّا ما قرَأ ولا كتَب، ولا اشتغلَ بمُدارسة مع العلماء، بل تربَّى في قوم كانوا يعبدون الأصنام ولا يعرفون الكتاب، وكانوا عارين عن العلوم العقلية، ولم يغب عن قومه زمنًا يمكن له التعلُّم فيه، ولم يَثبُت أنه التقَى بعلماء من أهل الكتاب إلا بورقة بن نوفل، والثابت أنه لَقِيه مرة واحدة عندما جاءه الوحي، ثم مات ورقة قبل الرسالة، وكذلك بالراهب الذي رآه وهو شاب صغير أثناء رحلته مع عمه للتجارة، ونصَح عمَّه بأن يعود به إلى بلده؛ لأنه يخاف عليه من اليهود أن يَقتلوه، ولم يَلقه مرة أخرى. وقد أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أخبار وأحوال للأُمم السابقة، وذلك من خلال القرآن؛ كما جاء في قول الله تعالى: ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾ [آل عمران: 44]. وكما جاء في قوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ ﴾ [هود: 100]. وكذلك في قوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ﴾ [يوسف: 102]. وهذه أمثلة قليلة مما ورَد في كتاب الله من الإخبار عن أحوال ما كان في الأُمم السابقة، وقد ذكر الله في الآيات التي ذكَرناها أن هذا إخبار عن طريق الوحي لرسوله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن ليَعلمه إلا بالوحي، وهذا من أثبت الأدلة والبراهين الدالة على صِدقه ونبوَّته - صلى الله عليه وسلم. كما أنه قد ورَد من خلال كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخبار كثيرة عن أحوال حدَثت في الزمن الماضي؛ مثل: بيانه لقصة ذي القرنين الذي طاف مشارق الأرض ومغاربها؛ كما جاء في كتاب الله تعالى في سورة الكهف: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا ﴾ [الكهف: 83 - 85]، حتى قوله تعالى: ﴿قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا﴾ [الكهف: 98]. فبيَّن لنا القرآن المتلوُّ على النبي -صلى الله عليه وسلم- قصة ذلك الرجل، وكذلك بيانه لحال الثلاثة الذين دخلوا الغار، فانسدَّ عليهم، فدعا كل واحد منهم بصالح عمله، حتى انفرَجت الصخرة عليهم وخرجوا؛ كما جاء في الحديث الصحيح عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمِعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((انطلَق ثلاثة رهطٍ ممن كان قبلكم، حتى أَوَوا المَبيت إلى غار، فدخلوه، فانحدَرت صخرة من الجبل فسدَّت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا يُنجيكم من هذه الصخرة إلا أن تَدعوا الله بصالح أعمالكم...))؛ الحديث[1]، وأيضًا إخباره -صلى الله عليه وسلم- عن خبر الثلاثة: الأبرص والأقرع والأعمى من بني إسرائيل، وابتلائهم بالمَلَك الذي جاءَهم، فسأل كل واحد عن حاجته، فأجابهم الله تعالى بأن عافَى كل واحد منهم، وأمدَّه بالنعمة، حتى إذا تَنعَّموا بالعافية والمال، جاءهم المَلَك مرة أخرى يسألهم الصَّدقة، فتنكَّروا إلا واحدًا منهم، فحرَم الله الاثنين الآخرين من النعمة، وابتلاهما مرة أخرى، وهما الأقرع والأبرص، وبارَك للذي كان أعمى في عافيته وماله؛ لأنه شكَر لنعمة الله؛ كما جاء في الحديث الصحيح أن أبا هريرة - رضي الله عنه - سمِع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى، بدا لله - عز وجل - أن يَبتليَهم، فبعث إليهم ملَكًا...))؛ الحديث[2]. والأمثلة لا تكاد تُحصى؛ لتُثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما كان يَنطق عن الهوى، وأن إخباره من خلال القرآن أو السنة من الأدلة الدامغة على صِدقه ونبوَّته - صلى الله عليه وسلم. ثانيًا: في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-: • فمن ذلك ما أخبَر به النبي -صلى الله عليه وسلم- عن نصْر بدرٍ، وأن الله وعده إحدى الطائفتين: إما العِير القافلة من الشام، وكان على رأسها أبو سفيان بن حرب، وإما قريش التي خرَجت لتحمي تجارتها، وتُحارب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد وقَع النصر في بدر كما حدَّث به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكل تفاصيله وجزئيَّاته، فقد حدَّثهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في آخر الأمر وقُبيل المعركة بقليلٍ بنتائجها، وكيف أن فلانًا المُشرك سيُقتل هنا في هذا الموضع، وفلانًا يُقتل هنا، وفلانًا سيُقتل هنا، وقد وقَع الأمر كما حدَّث به -صلى الله عليه وسلم- فإن أحدًا من القتلى لم يُجاوز مكانه الذي أشار إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بجمْع قتلى المشركين؛ حيث أُلقوا في قليب واحدٍ، وقال لهم مناديًا إيَّاهم بأسمائهم: ((يا فلان، ويا فلان، هل رأيتُم ما وعدكم ربُّكم حقًّا، فإني قد رأيتُ ما وعدني ربي حقًّا؟!))، وذلك كما جاء في الحديث الصحيح أن نبيَّ الله -صلى الله عليه وسلم- أمَر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش، فقُذِفوا في طَوِيٍّ من أطواء بدرٍ، خبيث مُخبثٍ، وكان إذا ظهَر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليالٍ، فلما كان ببدر اليومَ الثالث، أمر براحلته، فشُدَّ عليها رَحْلُها، ثم مشى واتَّبعه أصحابه، وقالوا: ما نُرى يَنطلق إلا لبعض حاجته، حتى قام على شَفَة الرَّكِيِّ، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: ((يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، أيسرُّكم أنكم أطعتُم الله ورسوله، فإنا قد وجَدنا ما وعدنا ربُّنا حقًّا، فهل وجدتُم ما وعد ربُّكم حقًّا؟!))، قال: فقال عمر: يا رسول الله، ما تُكلِّم من أجسادٍ لا أرواحَ لها؟! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفس محمدٍ بيده، ما أنتم بأسمعَ لِما أقول منهم))[3]. وكانت بدر آية وبرهانًا على صِدق النبي -صلى الله عليه وسلم- من وجوه كثيرة، منها: 1- إخباره بما كان فيها، ثم وقوع الأمر كما أخبر به - صلى الله عليه وسلم. 2- أن فئة قليلة لم تَخرج لقتالٍ؛ وإنما لغنيمة باردة (غير ذات الشوكة)، فإذا بها تُفاجأ بجيش يفوقها ثلاث مرات، جاء ليُقاتل مفاخرًا بقوَّته، مستندًا إلى خبرته ورجاله الأشدَّاء المتمرِّسين، ثم كانت النتيجة عكس ما يتوقَّعه المتوقعون، وعلى خلاف العادة الجارية في أن الكثير يغلب القليل، والقوي يغلب الضعيف، فخرَق الله - عز وجل - العادة لأهل الإسلام، وجعل الضعيفَ يغلب القوي، والقليل يَهزِم الكثير، وغير ذَوِي الخبرة في القتال من صِبيَة الأنصار يقتلون الصناديد من المشركين، فقد قُتِل أبو جهل بأيدي غلامين صغيرين لا يتجاوز عُمر الواحد منهما خمسة عشر عامًا، وهما معاذ ومُعوِّذ ابنا عَفراء! • وكذلك حدَّث الرسول -صلى الله عليه وسلم- بما يكون في أُحدٍ من الكسرة، فقال: ((رأيت في رؤياي أني هزَزت سيفًا، فانقطع صدره، فإذا هو ما أُصيب من المؤمنين يوم أُحد، ثم هزَزته أخرى، فعاد أحسنَ ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت فيها بقرًا، واللهُ خيرٌ، فإذا هم المؤمنون يوم أُحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير وثواب الصدق الذي آتانا الله به بعد يوم بدرٍ))[4]. • كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بدخول مكة مُعتمرين، فدخلوها في السنة السابعة، ووقع صُلح الحديبية الذي ظنَّه المسلمون أعظمَ هزيمة لهم، فقد ظنُّوا أنهم قَبِلوا بالدنيَّة، وهي أن يتخلَّوا عمن هاجر إليهم من المسلمين، ويردُّوه إلى الكفار، وهذا من الذل والدنيَّة، والعرب لا تَرضى أن يُسلم العربي جواره، ويُفرِّط فيمَن يَستغيث به ويَلوذ إليه، ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرهم أن هذا الصلح هو أعظمُ فتحٍ في الإسلام، وقد كان، فلم يكن فتحٌ أكبر منه؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا ﴾ [الفتح: 1 - 3][5]. وقال - جل في علاه -: ﴿ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 27]. • وكذلك أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- صحابته أنهم يفتحون خيبرَ، وأن غنيمتها تكون لمن خرَج معه في غزوة الحديبية فقط، وقد وقَع الأمر كما حدَّث به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تمامًا؛ قال تعالى: ﴿ سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ ﴾ [الفتح: 15]، والمغانم هنا: فتح خيبر، وقد أخبر الله تعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم- بذلك قبل أن يتوجَّه إلى خيبر، وأخبَره بما سيقوله المخلفون، وبماذا يردُّ عليهم، ووقَع الأمر كما حدَّث النبي -صلى الله عليه وسلم- تمامًا، وقد أخبر -صلى الله عليه وسلم- بفتح خيبر على يدي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ثم إخراج اليهود منها. فعن سلَمةَ بن الأكْوَع - رضي الله عنه - قال: كان عليٌّ - رضي الله عنه - تخلَّف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في خيبر، وكان به رمدٌ، فقال: أنا أتخلَّف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! فخرج علي، فلحِق بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فلمَّا كان مساء الليلة التي فتَحَها في صباحها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لأُعطينَّ الراية أو قال: ليأخُذنَّ غدًا رجل يحبُّه الله ورسوله))، أو قال: ((يحب الله ورسوله، يَفتح الله عليه))، فإذا نحن بعلي وما نَرجوه، فقالوا: هذا علي، فأعطاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففتَح الله عليه[6]. وما ذُكِر يمثِّل القليل مما نبَّأ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في زمانه، فوقَع كما نبَّأ به تمامًا. ثالثًا: بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم-: • الإخبار عن حال الخلافة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-: لقد أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحال الخلافة بعده إلى ما شاء الله تعالى، وقد حدَّد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مدة الخلافة، فعن سَفينة - رضي الله عنه - مولَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الخلافة في أُمتي ثلاثون سنة، ثم مُلك بعد ذلك))، ثم قال لي سفينة: أمسِك خلافة أبي بكر، ثم قال: وخلافة عمر وخلافة عثمان، ثم قال لي: أمسِك خلافة علي، قال: فوجَدناها ثلاثين سنة[7]، وقد فسَّرها سفينة بأن خلافة أبي بكر سنتان، وعمر عشر، وعثمان اثنتا عشرة، وعلِي ستٌّ. الإخبار عن حوادث سوف تكون بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- ومنها: 1- إخباره -صلى الله عليه وسلم- عن حدوث الطاعون في بلاد الشام: فعن عوف بن مالك - رضي الله عنه - قال: أتيتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك وهو في قُبة من أَدَمٍ، فقال: ((اعدُد ستًّا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتْح بيت المقدس، ثم مُوتانٌ يأخذ فيكم كقُعاص الغنَم، ثم استفاضة المال؛ حتى يُعطى الرجل مائة دينار، فيظل ساخطًا، ثم فتنة لا يَبقى بيت من العرب إلا دخَلته، ثم هُدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيَغدِرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كلِّ غاية اثنا عشر ألفًا))[8]. ويلاحظ قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ((فيكم))؛ إذ فيه إشارة إلى أن هذا الموت سيكون في جيل الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - وقد حصل ذلك فعلاً. وقد حدَّث عوف بن مالك - رضي الله عنه - عام عَمواس بهذا الحديث معاذَ بن جبل قبل موته به، وأنه قد تحقَّق ثلاثة مما ذكَره، والله تعالى أعلم. 2- إخباره -صلى الله عليه وسلم- بفتح الأمصار وخروج أصحابه تاركين المدينة إليها: فعن سفيان بن أبي زهير - رضي الله عنه - أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((تُفتح اليمن، فيأتي قوم يَبُسُّون، فيتحمَّلون بأهلهم ومَن أطاعهم، والمدينة خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون، ويُفتح الشام، فيأتي قوم يَبُسُّون، فيتحمَّلون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون، وتُفتح العراق، فيأتي قوم يَبسُّون، فيتحمَّلون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون))[9]. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه: هَلُمَّ إلى الرخاء، هَلُمَّ إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، والذي نفسي بيده، لا يخرج منهم أحدٌ رغبة عنها، إلا أخلف الله فيها خيرًا منه، ألا إن المدينة كالكِير تُخرج الخبيثَ، لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شِرارَها كما يَنفي الكِيرُ خَبَث الحديد))[10]. 3- إخباره -صلى الله عليه وسلم- بأن دينه سيَعلو على كل الأديان، وأنه سيُنصَر، وأن أُمته ستَفتح العالم، وتُفتح لها كنوز الأرض؛ أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في مكة في فئة مستضعفة أن دينه سيعمُّ الجزيرة كلها، فعن خبَّاب بن الأرَت - رضي الله عنه - قال: شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو متوسِّد بُردةً له في ظلِّ الكعبة، فقلنا: ألا تَستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((قد كان مَن قبلكم يُؤخذ الرجل، فيُحفر له في الأرض، فيُجعل فيها، فيُجاء بالمِنشار، فيُوضع على رأسه، فيُجعل نصفين، ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لَحمه وعظْمه، فما يصده ذلك عن دينه، والله، ليتِمَّنَّ هذا الأمر؛ حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئبَ على غنمه، ولكنكم تستعجلون))[11]. وقد وقَع هذا الأمر في حياته -صلى الله عليه وسلم- فدانت الجزيرة كلها بالإسلام، وأمِنَ الناس فيها من أقصاها إلى أقصاها، وكان تصوُّر هذا ضربًا من الخيال؛ فقد كان القتل وقطْع الطريق والإغارة، والنَّهب والسلب في كلِّ ركنٍ من أركانها، إلا المسجد الحرام فقط. 4- إخباره -صلى الله عليه وسلم- بفتح جزيرة العرب، ثم فارس ثم الروم، ووقوع الأمر كما حدَّث به تمامًا. فعن جابر بن سَمُرة عن نافع بن عتبة - رضي الله عنهما - قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة، قال: فأتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قومٌ من قِبَل المغرب، عليهم ثياب الصوف، فوافَقوه عند أَكَمةٍ، فإنهم لَقيامٌ ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاعد، قال: فقالت لي نفسي: ائتِهم، فقُم بينهم وبينه، لا يَغتالونه، قال: ثم قلت: لعلَّه نجيٌّ معهم، فأتيتُهم، فقمتُ بينهم وبينه، قال: فحفِظت منه أربع كلمات أَعُدُّهنَّ في يدي، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((تَغزون جزيرة العرب فيَفتحها الله، ثم فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجَّال فيَفتحه الله))[12]. وقد وقع ثلاث منهنَّ، ويبقى فتْح الدجَّال، وسيقع الأمر كما حدَّث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تمامًا؛ ليكون ذلك آية أخرى لمن يَشهدها في وقتها. 5- وكذلك أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بفتح كنوز كسرى وقيصر، وذلك في أثناء حفر الخندق في غزوة الأحزاب؛ حيث كاد المسلمون أن يَهلِكوا فيها، وفي أثناء هذه المحنة يُبشِّرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهذا، حتى ظنَّ المنافقون والمشركون عندما أخبر بذلك رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أن هذا هروب إلى الأمام، ودَغدغة للعواطف والأحلام، وكان الأمر يقينًا صادقًا، وحكمًا فاصلاً، وردَّد المسلمون منذ ذلك الوقت وعبر العصور: (لا إله إلا الله عز وجل وحْده، صدَق وعده، ونصَر عبده، وأعزَّ جنده، وهزَم الأحزاب وحده)[13]. 6- إنفاق كنوز كسرى وقيصر في سبيل الله تعالى: لقد أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن كنوز كسرى وقيصر ستُفتح، وأنها ستُنفق في سبيل الله - عز وجل - ذلك لأنه -صلى الله عليه وسلم- قد أعطاه الله تعالى الكنزين: الأحمر، والأبيض، وأنها ستُنفق كلها في سبيل الله تعالى، وقد كان كذلك؛ حيث فُتِحت كنوز كسرى في زمن عمر - رضي الله عنه - وأُنفقت في سبيل الله تعالى على المسلمين، كما فتِحت الشام في أواخر زمن أبي بكر وأوائل زمن عمر - رضي الله عنهما - وأُنفِقت في سبيل الله تعالى في المسلمين. فعن ثوبان - رضي الله تعالى عنه - مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله زَوَى لي الأرض، فرأيتُ مشارقها ومغاربها، وإن أُمتي سيبلغ مُلكها ما زُوِي لي منها، وأُعطيتُ الكنزين: الأحمر، والأبيض، وإني سألت ربي لأُمتي ألا يُهلكها بسَنة عامَّة، وألا يُسلِّط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم، فيَستبيح بَيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد، إني إذا قضيت قضاءً، فإنه لا يُرَد، وإني أعطيتُك لأُمتك ألا أُهلِكهم بسنة عامَّة، وألا أُسلِّط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم يَستبيح بَيضتهم، ولو اجتمع عليهم مَن بأقطارها، أو قال: مَن بَيْن أقطارها؛ حتى يكون بعضهم يُهلِك بعضًا، ويَسبي بعضهم بعضًا))[14]. وعبَّر بالأحمر عن كنز قيصر؛ لأن الغالب عندهم كان الذهب، وبالأبيض عن كنز كسرى؛ لأن الغالب عندهم كان الفضة والجوهر، وقد ظهَر ذلك في زمان الفتوح في خلافة عمر، فإنه سِيق إليه تاج كسرى وحِليته، وما كان في بيوت أمواله، وجميع ما حوَته مُملكته على سَعتها وعَظمتها، وكذلك فعل الله تعالى بقيصر لما فُتِحت بلاده. وهذا تحقيق لما أخبَر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بفتح قصورهما، وأخَذ ما فيها من الكنوز. فعن جابر بن سَمُرة - رضي الله عنه - قال: سمِعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لتَفتحنَّ عصابة من المسلمين أو من المؤمنين، كنز آلِ كسرى الذي في الأبيض))[15]. 7- النبي -صلى الله عليه وسلم- يُخبر بفتح القسطنطينية: عن أبي قَبيل قال: كنا عند عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - وسُئل: أي المدينتين تُفتح أولاً: القسطنطينية، أو روميَّة؟ فدعا عبدالله بصندوق له حلَقٌ، قال: فأخرج منه كتابًا، قال: فقال عبدالله: بينما نحن حول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نكتب، إذ سُئِل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أيُّ المدينتين تُفتح أولاً: قسطنطينية، أو روميَّة؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مدينة هِرقْل تُفتح أولاً؛ يعني: قسطنطينية))[16]. 8- إخباره -صلى الله عليه وسلم- بغزو أُمته في البحر: وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أُمته ستغزو في البحر؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه سمِعه يقول: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخل على أم حرامٍ بنت مِلحان، فتُطعمه وكانت أم حرَام تحت عُبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأطعَمته وجعلَت تَفلِي رأسَه، فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم استيقَظ وهو يضحك، قالت: فقلت: وما يُضحكك يا رسول الله؟ قال: ((ناس من أُمتي عُرِضوا عليَّ غُزاةً في سبيل الله، يركبون ثَبَجَ هذا البحر ملوكًا على الأَسِرَّة)) - أو ((مثل الملوك على الأَسِرَّة))، شكَّ إسحاق - قالت: فقلت: يا رسول الله، ادعُ الله أن يَجعلني منهم، فدعا لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم وضع رأسه، ثم استيقَظ وهو يضحك، فقلت: وما يُضحكك يا رسول الله؟ قال: ((ناس من أُمتي عُرِضوا علي غُزاةً في سبيل الله))؛ كما قال في الأول، قالت: فقلت: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلني منهم، قال: ((أنتِ من الأوَّلين))، فركِبت البحر في زمان معاوية بن أبي سفيان، فصُرِعت عن دابَّتها حين خرَجت من البحر، فهَلَكت[17]. وقبر أُمِّ حَرامٍ بنت مِلحان - رضي الله عنها - معروف بجزيرة قبرص إلى اليوم. 9- إخباره -صلى الله عليه وسلم- بفتح مصر: عن أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنكم ستَفتحون مصر، وهي أرض يسمَّى فيها القيراط، فإذا فتَحتموها، فأحسِنوا إلى أهلها؛ فإن لهم ذِمَّة ورحمًا - أو قال: ذمة وصِهرًا - فإذا رأيت رجلين يختصمان فيها في موضع لَبنة، فاخرُج منها))، قال: فرأيت عبدالرحمن بن شرحبيل بن حسنة وأخاه ربيعة، يَختصمان في موضع لَبنة، فخرَجت منها[18]. رابعًا: مع آخر الزمان: لقد أنبأنا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن علامات آخر الزمان، وأعطانا أَماراتها، وكأنه يصِف لنا انتهاء الحياة ككتاب أمامه يقرأ منه، ووصَف لنا فيه كيفيَّة وقوعها، وصوَّر هذه الكيفية، وهذه العلامات تنقسم إلى: صغرى، ووسطى، وكبرى. ومن العلامات الصغرى: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقوم الساعة حتى تَخرج نارٌ من أرض الحجاز، تُضيء أعناق الإبل ببُصرى))[19]. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقوم الساعة حتى يُقبَض العلم، وتَكثُر الزلازل، ويتقارَب الزمان، وتظهر الفِتن، ويَكثُر الهرَج، وهو القتل؛ حتى يَكثر فيكم المال، فيَفيض))[20]. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقوم الساعة، حتى يَكثر فيكم المال فيَفيض؛ حتى يهمَّ ربُّ المال مَن يَقبل صدقته، وحتى يَعرضه، فيقول الذي يَعرضه عليه: لا أَرَبَ لي))[21]. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقوم الساعة، حتى يَحسِر الفرات عن جبلٍ من ذهب يَقتتل الناس عليه، فيُقتَل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كلُّ رجل منهم: لعلِّي أكون أنا الذي أنجو))[22]. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقوم الساعة، حتى يُبعث دجَّالون كذابون قريبًا من ثلاثين، كلُّهم يَزعُم أنه رسول الله))[23]. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: ((لا تقوم الساعة، حتى يُقاتل المسلمون اليهود، فيَقتلهم المسلمون، حتى يَختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي، فتعالَ فاقتُله، إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود))[24]. ومن العلامات الوسطى: • ظهور المهدي - عليه السلام -: فعن أم سلَمةَ - رضي الله عنها - قالت: سمِعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((المهدي من عِترتي، من ولدِ فاطمة))[25]. وعن أبي سعيد الخُدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المهدي مني، أجْلى الجَبهة، أقْنَى الأنف، يَملأ الأرض قسطًا وعدلاً، كما مُلِئتْ جَورًا وظلمًا، ويَملِك سبع سنين))[26]. وعن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المهدي منَّا أهلَ البيت، يُصلحه الله في ليلة))[27]. وعن عبدالله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تَذهب الدنيا، حتى يَملِك العربَ رجلٌ من أهل بيتي، يُواطئ اسمه اسمي))[28]. ومن العلامات الكبرى: النبوءة بالمسيح الدجَّال وغيره من الآيات، وقد جاءنا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك أحاديثُ كثيرة لا تكاد تُحصى في الإخبار عن الدجال، وعن وصفه والتحذير منه. ومنها ما ثبَت عن حذيفة بن أَسيد الغفاري - رضي الله عنه -: اطَّلع النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا ونحن نتذاكر، فقال: ((ما تَذاكرون؟))، قالوا: نذكر الساعة، قال: ((إنها لن تقوم حتى ترونَ قبلها عشر آيات، فذكَر الدُّخان والدجَّال، والدابَّة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم -صلى الله عليه وسلم- ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوفٍ: خسف بالمشرق، وخسْف بالمغرب، وخسْف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تَخرج من اليمن تَطرد الناس إلى مَحشرهم))[29]. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقوم الساعة، حتى تَطلُع الشمس من مغربها، فإذا رآها الناس آمَن مَن عليها، فذاك حين لا ينفع نفسًا إيمانُها لم تكن آمَنت من قبلُ))[30]. وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الناس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجَّال، فقال: ((إني لأُنذركموه، وما من نبيٍّ إلا أنذَره قومَه، لقد أنذَر نوح قومه، ولكني أقول لكم فيه قولاً لم يقله نبيٌّ لقومه، تعلمون أنه أعورُ، وأن الله ليس بأعور))[31]. وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من نبيٍّ إلا وقد أنذَر أُمته الأعورَ الكذاب، ألا إنه أعورُ، وإن ربَّكم ليس بأعور، ومكتوب بين عينيه "ك ف ر"))[32]. وعن حذيفة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لأنا أعلمُ بما مع الدجَّال منه، معه نهران يَجريان: أحدهما رأي العين ماءٌ أبيض، والآخر رأي العين نارٌ تأجَّج، فإما أدْرَكَنَّ أحدٌ، فليَأتِ النهر الذي يراه نارًا، وليُغمض، ثم ليُطأطئ رأسه، فيشرب منه، فإنه ماء باردٌ، وإن الدجال ممسوح العين، عليها ظَفَرةٌ غليظة، مكتوب بين عينه: (كافرٌ)، يقرؤه كلُّ مؤمنٍ كاتب وغير كاتب))[33]. وعن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يَخرج الدجَّال في أُمتي، فيَمكث أربعين، لا أدري أربعين يومًا، أو أربعين شهرًا، أو أربعين عامًا، فيَبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عُروة بن مسعود، فيَطلبه فيُهلِكه، ثم يَمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة))[34]. وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَن حفِظ عشرَ آيات من أول سورة الكهف، عُصِم من الدجال))[35]. وأنبأنا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن نزول المسيح من السماء، وإنه سيَنزل في الشام، ومتى ينزل، وأنه سيُصلي في بيت المقدس بصلاة المسلمين، وأنه سيَقتل الدجال، كما أخبر أن المسيح سيَحكم الأرض بشريعة الإسلام. فعن النَّواس بن سَمعان - رضي الله عنه - قال: ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الدجَّال ذات غَداةٍ، فخفَّض فيه ورفَّع، حتى ظننَّاه في طائفة النخل، فلما رُحنا إليه، عرَف ذلك فينا، فقال: ((ما شأنكم؟))، قلنا: يا رسول الله، ذكرت الدجال غداةً، فخفَّضت فيه ورفَّعت، حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال: ((غير الدجَّال أخوَفني عليكم، إن يَخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه دونكم، وإن يَخرج ولست فيكم، فامرؤ حجيجُ نفسِه، والله خليفتي على كل مسلم، إنه شاب قَطَطٌ، عينه طافئة، كأني أُشبِّهه بعبدالعزى بن قطن، فمن أدرَكه منكم، فليَقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنه خارجٌ خَلَّةً بين الشام والعراق، فعاث يمينًا وعاث شمالاً، يا عباد الله، فاثْبُتوا))، قلنا: يا رسول الله، وما لُبثه في الأرض؟ قال: ((أربعون يومًا: يوم كسنة، ويوم كشهرٍ، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيَّامكم))، قلنا: يا رسول الله، فذلك اليوم الذي كسنةٍ أتَكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: ((لا، اقْدُروا له قَدْره))، قلنا: يا رسول الله، وما إسراعه في الأرض؟ قال: ((كالغيث استَدبَرته الريح، فيأتي على القوم، فيدعوهم، فيؤمنون به ويَستجيبون له، فيأمر السماء فتُمطر، والأرض فتُنبت، فتَروح عليهم سارِحتهم أطول ما كانت ذرًّا، وأسبغه ضروعًا، وأمدَّه خواصرَ، ثم يأتي القوم، فيدعوهم فيردُّون عليه قولَه، فيَنصرف عنهم، فيُصبحون مُمحِلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخَرِبة، فيقول لها: أخرجي كنوزَك، فتَتْبعه كنوزها كيَعاسيب النحل، ثم يدعو رجلاً ممتلئًا شبابًا، فيَضربه بالسيف فيَقطعه جَزْلتين رَمية الغرض، ثم يدعوه، فيُقبل ويتهلَّل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك؛ إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مَهْرودتين، واضعًا كفَّيه على أجنحة مَلَكين، إذا طأطا رأسه قطَر، وإذا رفَعه تحدَّر منه جُمان كاللؤلؤ، فلا يَحِلُّ لكافرٍ يجد ريح نفَسِه إلا مات، ونفَسُه ينتهي حيث ينتهي طَرْفه، فيَطلبه حتى يُدركه بباب لُدٍّ، فيَقتله، ثم يأتي عيسى ابنَ مريم قومٌ قد عصمَهم الله منه، فيَمسح عن وجوههم، ويُحدِّثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك؛ إذ أوحى الله إلى عيسى: أني قد أخرَجت عبادًا لي لا يَدانِ لأحدٍ بقتالهم، فحرِّز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج مأجوجَ وهم من كل حَدَبٍ يَنسلون، فيمرُّ أوائلهم على بحيرة طبريَّة، فيَشربون ما فيها، ويمرُّ آخرهم، فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماءٌ، ويُحصَر نبيُّ الله عيسى وأصحابه؛ حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرًا من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيَرغب نبي الله عيسى وأصحابه، فيُرسل الله عليهم النَّغَف في رِقابهم، فيُصبحون فَرْسَى كموتِ نفسٍ واحدة، ثم يَهبط نبيُّ الله عيسى وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبرٍ إلا ملأه زَهَمُهم ونَتْنُهم، فيَرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيُرسل الله طيرًا كأعناق البُخت، فتَحملهم فتَطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطرًا لا يَكُنُّ منه بيتُ مَدرٍ ولا وبَرٍ، فيَغسل الأرض حتى يتركها كالزَّلَفَة، ثم يقال للأرض: أنْبِتي ثمرتك ورُدِّي بَركتك، فيومئذٍ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقِحْفها، ويُبارك في الرِّسْل؛ حتى إن اللِّقْحة من الإبل لتكفي الفئامَ من الناس، واللِّقْحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفَخِذ من الناس، فبينما هم كذلك، إذ بعَث الله ريحًا طيِّبة، فتأخذهم تحت آباطِهم، فتَقبض رُوح كلِّ مؤمنٍ وكل مسلم، ويَبقى شِرار الناس يتهارَجون فيها تهارُجَ الحُمر، فعليهم تقوم الساعة))[36]. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده، ليُوشِكَنَّ أن يَنزل فيكم ابن مريم حكمًا مُقسطًا، فيَكسِر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضَع الجِزية، ويَفيض المال؛ حتى لا يقبله أحدٌ))[37]. فانظر أيها العاقل إلى هذا الإخبار الإعجازي عن غيبيَّات لا يَعلمها إلا علاَّمُ الغيوب، فهل يُعقل أن يُنبَّأ بها بشرٌ من عند نفسه؟! والله، لا يكون ذلك إلا لنبيٍّ يُوحى إليه، فمتى نُقِرُّ بالحق ونتَّبعه؟! [1] رواه البخاري (2272)، ومسلم (2743). [2] رواه البخاري (3464)، ومسلم (2275). [3] رواه البخاري (3976)، ومسلم (2874) عن أنس - رضي الله عنه. [4] رواه البخاري (4081)، ومسلم (2272) عن أبي موسى - رضي الله عنه. [5] القصة بتمامها رواها البخاري (2731 - 2732). [6] رواه البخاري (2975)، ومسلم 2407. [7] رواه أبو داود (4646)، والترمذي (2226)، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (3341). [8] رواه البخاري (3176). [9] رواه البخاري (1875)، ومسلم (1388). [10] رواه مسلم (1381). [11] رواه البخاري (3612). [12] رواه مسلم (2900). [13] انظر: سيرة ابن كثير (3/ 186). [14] رواه مسلم (2889). [15] رواه مسلم (2919). [16] رواه أحمد في المسند (2/ 176 - 6645) وغيره، وصحَّحه الألباني في الصحيحة (4). [17] رواه البخاري (2788، 2789)، ومسلم (1912). [18] رواه مسلم (2543). [19] رواه البخاري (7118)، مسلم (2902). [20] رواه البخاري (1036). [21] رواه البخاري (1412)، ومسلم (157، 1012). [22] رواه البخاري (7119)، ومسلم (2894). [23] رواه البخاري (3609)، ومسلم (157). [24] رواه البخاري (2926)، ومسلم (2922)، واللفظ لمسلم. [25] رواه أبو داود (4284)، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (6743). [26] رواه أبو داود (4285)، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (6736). [27] رواه ابن ماجه (4085)، وأحمد (1/ 84 - 645)، وحسَّنه الألباني في الصحيحة (2371). [28] رواه الترمذي (2230)، وصحَّحه الألباني في الجامع الصغير (7275). [29] رواه مسلم (2901). [30] رواه البخاري (4636)، ومسلم (157). [31] رواه البخاري (3057)، ومسلم (169). [32] رواه البخاري (7131)، ومسلم (2933). [33] رواه مسلم (2934). [34] رواه مسلم (2940). [35] رواه مسلم (809). [36] رواه مسلم (2937). [37] رواه البخاري (2222)، مسلم (155). منقول من موقع الألوكة ... |
|
|