ملتقى أهل الدعوة إلى الله عز وجل
 

العودة   ملتقى أهل الدعوة إلى الله عز وجل > المنتدى للتصفح فقط ولا يوجد تسجيل أو مشاركات سوى الإدارة .. لمراسلتنا على بريدنا ahldawa@gmail.com > قسم خطبة الجمعة والمواعظ العامة
المنتديات موضوع جديد التعليمـــات المجموعات التقويم مشاركات اليوم البحث

آخر 1 مشاركات دعواتكم لإخوانكم في فلسطين وفي كل مكان ممن اُعتدي عليهم ودعواتكم لكل مسلم متضرر في شتى بقاع الأرض (الكاتـب : - )      
إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-29-2019, 06:37 PM   #1
إداري
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 1,222
افتراضي الفرح

الفرح ..

ملخص البحث:
عنوان هذا البحث "الفرح: دراسة قرآنية تربوية" عرض فيه الباحث للفرح في ضوء القرآن الكريم، ودلالة آياته، وهداياتها، التي تحدثت عن الفرح، مستعيناً بالدراسات الإنسانية في هذا المجال.


ذكر البحث أن الإنسان غيرُ متَّزن تجاه انفعالاته، والفرحُ واحد منها؛ ولهذا حرص القرآن الكريم على توجيه هذه الانفعالات وضبطها؛ لتؤدي دورها الإيجابي في حياة الإنسان، وقد تبيّن من خلال هذه الدراسة القرآنية أن الفرح ثلاثة أقسام:

القسم الأول: المحمود، وهو ما يتعلق بأمور الدين، ولهذا القسم صوره وآثاره الإيجابية، عرض لها الباحث.



والقسم الثاني: هو المذموم، تحدث عنه البحث في ضوء حديث القرآن عنه، فذكر صوراً منه صدرت عن اليهود والمنافقين والكافرين والمترفين، ثم ذكر آثاره السلبية الكثيرة.



كان الفرح المباح هو القسمَ الثالث من أقسام الفرح، وبيّن البحث: أن هذا القسم ينسجم مع الطبيعة السوية للنفس البشرية، مع ضرورة الاحتراز منه؛ لكيلا يؤدي التساهل في شأنه إلى عواقبَ غيرِ محمودة.

وقد ظهر للباحث تميّز المنهج القرآني بشأن الانفعالات في الحكم، والضبط، والتوجيه، مع وجود قواسم مشتركة بينه وبين بعض ما ورد عن مدارس الفلسفة وعلم النفس في هذا المجال، وقد قصد الباحث من هذه الدراسة أن تكون خطوةً في مجال الدراسة في التفسير الموضوعي.



المقدمة:

بسم الله، له الحمد، سبحانه عزَّ من قائل: ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ﴾ [النجم: 43].


الإنسان... هذا المجموعة من الانفعالات، لا يخلو - وهو يمضي في رحلته الدنيوية - من أن يكون فرحاً أو حزيناً، والفرح هو الأصل؛ لأنه الأنسب إلى طبيعة النفس السليمة التي فُطر عليها.


بَيْدَ أن الأحوالَ قُلَّب، والأيامَ دول، فتارة تبشُّ الدنيا للإنسان فيفرح، وتداعب منه العواطف، ثم بعدُ، حين تعصف به العواصف، وهو بذلك بين مفرحتين، قاعد بين سلامة وحَيْن.


المفرحات كثيرة، وكلٌّ يسعى إليها، والمحزنات كذلك، وكُثْرٌ يهربون منها، ولكن لنا أن نتساءل كما تساءل الفلاسفة من قبلُ: لِمَ يقعُ الناس في الشقاء وهم يهربون منه؟ ولِمَ تَفُوتُهم السعادة والكل يحرص عليها؟


هذا الاضطراب أو الخلل، أيعود إلى سوء استعمالنا لهذه الانفعالات؟ فنفرح فيما لا ينبغي، على الوجه الذي لا ينبغي! أم أن فقدان الضوابط أدَّى إلى طغيانها - أي: الانفعالات -؟ فغدا عدم الاتزان سمةًَ بارزةً في الحياة الإنسانية، حتى صرتَ ترى من الناس - والحالة هذه - من يألم من اللمس، ويجفل من الهمس، وعلى صعيدٍ آخر أناس غلاظ الأكباد، لا انسجام مع دواعي الفرح ولا انقياد.


أم أن لخفاء بعض المعالم أثراً في عدم تمايز أقسام الفرح، المحمود منها والمذموم، ثم المباح، فأدَّى هذا التداخل إلى سلبيات وانحرافات؟.

تساؤلات ومفارقات تضافرت؛ فكانت هذه الدراسة القرآنية التربوية للفرح، تهدف إلى جَمْعِ مُتفرِّقه، ولَمِّ شعثه؛ لتنتظم في صعيد واحد، تتضح فيه معالمه، وقد قيل: "كم من منفرد حِيلَ بينه وبين أخيه، ونازحٍ عن أمه وأبيه، ومنفصلٍ عن فصيلته التي تؤويه".

لقد شجع على هذه الدراسة أني لم أجد - بعد طول بحث ونظر - من كتب عن الفرح كتابة مستقلة، وهذا مبلغ علمي في ذلك.

جاءت هذه الدراسة في ضوء القرآن الكريم، وكان مِحْوَرَها، واستعنت بالدراسات الإنسانية؛ لعلها تكون خطوةً في الاتجاه السليم نحو تأصيلٍ لانفعال الفرح بخاصة، والانفعالات الأخرى بعامة، وهي من جهة أخرى: محاولة لتقديم دراسة تطبيقية لموضوع قرآني، في ضوء خطوات التفسير الموضوعي.


تمهيد:

الفرح واحد من عدة انفعالات تشكل بمجموعها - عند بعض علماء النفس - الانفعالات الأصلية أو الأساسية [1، ص50] للنفس البشرية، وهي: الفرح، والحزن، والحب، والكره، والرغبة، والتعجب [1، ص51].

ينبثق عنها ما سمي بالانفعالات الخاصة، وهي تربو على الثلاثين عند "ديكارت" [1، ص51]، ومنها: التكبر، والحسد، والشماتة، والندم، والرأفة؛ لكنَّ هذه وأشباهَها عند آخرين بعضُ أنواع الانفعالات الأصلية، ويبدو هذا التقسيم فنيّاً [2، ص34].

إن الفرح الذي يَعنينا في هذه الدراسة ذاك الفرحُ الفطري المعروف، وهو كغيره من الانفعالات التي خلقت مع الإنسان، وجُبِلَتْ عليها النفس، فما من إنسان إلا وهو يفرح ويحزن كما قال علماء النفس [2، ص34]، وسبقهم السلف إلى هذا المعنى بعبارة أكمل نُقِلت عن ابن عباس، ونسبها بعضهم إلى تلميذه عكرمة، جاء فيها: "ليس من أحدٍ إلا وهو يحزن ويفرح، ولكن المؤمن يجعل مصيبتَه صبراً، وغنيمتَه شكراً" [3، جـ17، ص258].


قيل: إن الفرح ليس خاصاً بالإنسان؛ فإن الحيوانات تفرح، وتعبر عن فرحها بالضحك [4، ص83] باعتباره أهم الإشارات الدالة على الفرح [1، ص51]، والغالب أنها تعبر عن فرحها بحركات قد يعرفها من يُعْنى بشؤونها.

قد لا يقبل "المَنَاطِقَةُ" هذا الرأي، وهم الذين يُعَرِّفون الإنسان بأنه حيوان ضاحك؛ تمييزاً له عن سائر المخلوقات، وهي دعوة لإعادة النظر في هذا التعريف، في ضوء تطور الدراسات التي تُعْنى بشؤون الطيور والحيوانات، والتي بلغت شأواً يستحق التأمل.

إن الفرح - من حيث هو انفعالٌ طبيعي، وشعور وجداني - شيءٌ جميل، وحسبنا دليلاً أنه مشروع في أصله، وهو صفة كمال [5، جـ3، ص464]، وجاء النص الصحيح في إثباته لله تعالى، قال - صلى الله عليه وسلم -: (لَلَّهُ أَفْرَحُ بتوبة عبده من أحدكم؛ سقط على بعيره، وقد أضله في أرض فلاة)[1].


لقد أثبت الرسول - صلى الله عليه وسلم - الفرحَ لله تعالى، ونحن نثبت لله تعالى هذه الصفة كما أثبتها له رسوله - صلى الله عليه وسلم - وكما أثبت الله تعالى لنفسه مثيلاتها من الصفات، كالغضب والحب، إثباتاً يليق بجلاله، ويناسب ذاتَه الْعَلِيَّة.

ولا يُلْتَفَت إلى ما ذكره بعض شُرَّاح الحديث [7، جـ1، ص84] في هذا المقام من تأويل الفرح بالرضا؛ بحجة أن الله تعالى منزَّه عن الفرح؛ لأنه اعتزاز وطرب، يجده الإنسان من نفسه عند ظفره بغرضٍ يستكمل به نقصانه، أو يسد به خَلَّتَه، أو يدفع به عن نفسه ضرراً أو نقصاً.

ولا يتعذَّر على منصف أن يثبت لله هذه الصفات، مع تنزيهه - سبحانه - عن المشابهة والمماثلة، في ضوء قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ [الشورى:11].


فالرب - سبحانه - يوصف بالفرح اللائقِ بذاته، والمباينِ لفرح الخلق - [9، ص308]، وفى هذا إشارة إلى إيجابية الفرح كما ذكرنا، فهو قِوام تمتع النفس بالخير، الذي تُصَوِّره لها انطباعاتُ الدماغ على أنها تملك خيراً معيناً [1، ص62]، يستحق أن يقابل بهذا التأثر المبهج، وهو الفرح.

كثير من متع الحياة تتوقف على الفرح؛ لأن الانفعالاتِ - في ذاتها - جزءٌ من تكوين الإنسان السَّوي، والسوء إنما يأتي الفرح من خارجه [1، ص10]، فيحيله إلى شيء مذموم ومضر، يؤدي بالإنسان إلى الخسران.

لقد أدرك الفلاسفة وعلماء النفس هذا الأمر، فنبَّهوا إلى أثر الإرادة في تهذيب الفرح [1، ص410] باعتباره انفعالاً، وعبّر بعضهم عنها بقوة الأعصاب [1، ص64]، أو بضرورة ممارسة الفضيلة؛ لتجنب الآثار السلبية للفرح على النفس [1، ص9]، ومنهم من ربط بين الفرح كونه انفعالاً وبين قوة التفكير [10، ص ص261-263؛ 11، ص201]، وآخرون وصفوا الضابط الذي يُجنّب الإنسان سلبيات الفرح بالمكابدة [12، ص150].

للقرآن في هذا المجال منهج متميز، سيكون محورَ هذه الدراسة - إن شاء الله - بخاصة أن القرآن الكريم يتضمن اثنتين وعشرين آية عرضت للفرح صراحةً، بالإضافة إلى آيات أُخَرَ ألقت بظلالها على هذا الموضوع، يضاف إليها أحاديث نبوية أسهمت في التأصيل الشرعي للفرح.

حمل خلقُ الله تعالى لأبى البشر آدم - عليه السلام - كثيراً من مظاهر التكريم له؛ فقد خلقه الله تعالى بيديه الكريمتين، قال تعالى: ﴿ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ ﴾ [ص:75].

ونفخ الله تعالى في آدم من رُوحه، وأمر الملائكة أجمعين أن يسجدوا له: ﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [الحجر:29]، إضافةً إلى كثير من مظاهر التكريم، والتي عرض لها القرآن، ليس هذا مقامَ ذكرها.

لقد صاحب مظاهرَ التكريم هذه تلبُّسُ الإنسان ببعض الصفات السلبية، جعلها الله تعالى في النفس البشرية؛ لحكم أرادها سبحانه وتعالى، منها: تأكيد حاجة الإنسان لعناية ربه وهديه ورحمته، فكان أن تلبَّس الإنسان [13، ج29، ص169] أشد التلبس بصفات: كالضعف، والعجلة، وجعلت في قالب أنه جُبِلَ عليها وخلق منها؛ إمعاناً في إبراز تأصيلها في نفسه.

خُلق الإنسان عجولاً، يقول تعالى: ﴿ خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ﴾ [الأنبياء: 37]، ولازمته صفة الضعف: ﴿ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً ﴾ [النساء:28]، ومن الضعف والعجلة نشأت صفة عدم التوازن.

إن الإنسان - بصفة عامة - غيرُ متَّزن تجاه انفعالاته، وما يَعْرض له، وأكد القرآن الكريم هذه الصفة في مواضع منها: ﴿ إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ﴾ [ المعارج:19-21]، والهلع: قلة إمساك النفس عند اعتراء ما يحزنها أو ما يسرها، أو عند توقع ذلك والإشفاق منه [13، جـ29، ص 167].

والفرح: انفعال جُِبل عليه الإنسان وتلبَّس به، ومن الخذلان بقاء النفس على ما جُبِلَت عليه [5، جـ3، ص479]، فلابد - والحالة هذه - من مقابلة هذا الفرح الفطري بشيء مكتسب؛ ليضبط هذا الانفعال، وهذا متوافر في توجيهات الشرع، وهي تؤدي هذه المهمة خيرَ أداء، هذه المهمة التي أوكلها الفلاسفة وعلماء النفس إلى الإرادة، أو المكابدة، أو قوة التفكير - كما أسلفنا - وإن كنا نرى أن هذه كلها إلى التفاهم أقرب منها إلى التصادم في القيام بمهمة ضبط الفرح، مع تميز المنهج الإسلامي في هذا المقام.

حرص الإسلام على تهذيب الفرح وتوجيهه؛ لإبراز الجانب الإيجابي منه، ولاستثماره بما يعود على النفس بالخير والسعادة، خلافاً لبعض المدارس الفلسفية التي ترى ضرورة استئصال الانفعالات - والفرح واحد منها - لأنها أمراض حقيقية.


كلمة في التعريف:

الفرح - الانفعال في النفس، والآثار على الجسم - شيء معروف مألوف لدى الناس، لا يختلفون في استحضاره في الذهن ولا في تصوره، وإن تباينت أسبابه، وآثاره، ووسائل التعبير عنه.

إن الشيءَ الذي يُفرح الرجل، غيرُ الشيء الذي يُفرح الطفل، وما يُفرح المرأة غير ما يُفرح مَنْ سواها، وقد تختلف تبعاً لذلك آثارُ هذا الفرح ووسائل التعبير عنه، ولكن لا اختلاف في أن ما يشعر به كل واحد منهم من لذة وسعادة وابتهاج - يُسمى فرحاً.

وقد يبدو الباحث في تعريف الفرح في موقف يُمْلي عليه شيئاً من الاحتياط، فيكون حديثه إلى تحليلِ مفهوم أقرب منه إلى توضيحِ معلوم.

لأهل اللغة في تعريف الفرح كلمة تُلقي بظلالها على دلالته، فالفرح من كلمات الأضداد عندهم، تحدث ابن فارس عن هذه اللفظة فذكر لها أصلين، أحدهما: المعنى المتبادر، وهو ما كان ضد الحزن، والثاني: المُفْرَح بسكون الفاء وفتح الراء، بمعنى المثقَل بالدين [14، جـ4، ص500؛ 15، جـ5، ص20].

وجاء في القاموس المحيط [16، جـ3، ص462]: المفرَح - بفتح الراء - المحتاج المغلوب الفقير، الذي لا يعرف له نسب ولا ولاء، والقتيل يوجد بين الفريقين، وخلص الراغب من هذا فقال: "فكأن الإفراح يستعمل في جلب الفرح، وإزالة الفرح" [17، ص228].

وأنشد القرطبي المفسر لبشر بن عبد الله قوله:

إِذَا أَنْتَ لَمْ تَبْرَحْ تُؤَدِّي أَمَانَةً ♦♦♦ وَتَحْمِلُ أُخْرَى أَفْرَحَتْكَ الْوَدَائِعُ



ثم قال: "أي: أفسدك؛ لأنها تثقله فتحزنه" [ 3، ج13، ص ص313 - 314].


وكون كلمة الإفراح من الأضداد وضعاً له أصل معتبر، فالفرح الحاصل من لذة الشبع يسبقه ألم الجوع، ويتبعه حزن خوفاً من عودته [ 18، ص166]؛ فإنه لا توجد لذة بدنية إلا والحزن يتقدَّمها، وكثيراً ما يتعقَّبها، ولقد لمح المتنبي هذا التلازم، فقال
[19، جـ25، ص16]:
أَشَدُّ الْغَمِّ عِنْدِي فِي سُرُورٍ ♦♦♦ تَيَقَّنَ عَنْهُ صَاحِبُهُ انْتِقَالاَ


هناك مطلوبات كثيرة يشتهي الإنسان الحصول عليها، والتمتع بها، والفرح بلذاتها، فإذا لم يحصل عليها، أصابه الغم والحزن [12، ص57]. وحُقَّ للعرب أن تقول: "المرء بين مفرحتين، قاعد بين سلامة وحَيْن"، وقريب منه قولهم: "أفرحَتْنِي الدنيا ثم أفرحتني [20، جـ4، ص 178]، أي: سرتني ثم أحزنتني.

وفي ضوء ما تقدم يتبين ضعف قول من قال [21، ص48]: "ولا ضدِّيةَ للفرح وضعاً، وإنما جُعِل المدينُ مفرحاً على سُنَّة العرب في التفاؤل، فالتعبير مجازي أدبي، أصبح عرفاً لغوياً".

لا يخلو الفرح من آثار سلبية، بخاصة إذا بُني علي أساس غير صحيح، يقول "ديكارت" [1، ص86]: "إن انفعالَي الفرحِ والحزن حين يكونان متساويين في الاستناد إلى أساس خاطئ؛ فإن الفرح في العادة يكون أشدَّ ضرراً من الحزن". ويعلل هذا قائلاً: "لأن هذا الأخير - يعنى: الحزن - حين يلزمنا جانب التحفُّظ والتخوُّف يعدنا بطريقة ما إلى الحيطة والحذر، في حين أن الآخر - الفرح - يجعل الذين يستسلمون له جسورين وغير مبالين".

وقد أبدع أحمد بن يحيي "ثعلب" حين فسّر الفرح بأنه: "خفة في النفس [22، جـ2، ص541]، والخفة في انفعال النفس مظنة أن يتجاوز الفرح حدوده، وما قصة الرجل الذي وجد راحلته، التي عليها طعامه وشرابه، بعد أن يئس منها، واستسلم للموت عنا ببعيدة؛ فإنه حين وجدها واقفة فوق رأسه، قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ هذا الخطأ الشنيع من شدة الفرح"[2].

وقد لحظ "أفلاطون" هذا الشيء؛ فقال: "إن اللذة المفرطة تجعل الإنسان هائم العقل مضطرباً، مثل ما يفعل به الحزن في الغالب" [12، ص144].

لعل ما تقدم يفسر لنا: لِمَ كانت العرب تعدُّ تركَ الفرح منقبةً تُمْدح بها؟ كما قال شاعرهم [23، جـ20، ص112؛ 24، جـ7، ص133]:

وَلَسْتُ بِمِفْرَاحٍ إِذَا الدَّهْرُ سَرَّنِي ♦♦♦ وَلاَ جَازِعٍ عَنْ صَرْفِهِ الْمُتَقَلِّبِ


وقول الآخر أيضاً [23، جـ20، ص112]:

إِنْ تُلاَقِ مُنْفِساً لاَ تَلْقَنَا ♦♦♦ فُرُحَ الخَيْرِ وَلاَ نَكْبُو بِضُرّ



وكأن الدافع إلى هذا الموقف تجنب أن يوصف أحدهم بالخفة والطيش.

ويُسهِّل فهمَ تفسير ثعلب للفرح بأنه خفة في النفس - ما ذكره العلم الحديث: من أن الإنسان الفرح يسرع نبضه؛ لأن الأوردة المتجهة إلى القلب تتوسع، ويكون الدم فيها ساعة الفرح سائلاً جداً ورقيقاً [1، ص ص66، 77]، ويتناسب مع هذا قول العرب في وصف الشخص (الفَرِح) بقولهم: "يكاد يطير من الفرح".

وأكثر من هذا؛ فإن الفرح قد يؤدي إلى الموت، بخاصة أن الفرح يأتي فجأة [1، ص77]، وفى حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن أهل الجنة ما يُعِين على تفهُّم هذا الرأي، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - في وصف فرح أهل الجنة: (فلولا أن الله قضى لأهل الجنة الحياة فيها والبقاء، لماتوا فرحاً)[3].

وعلى الرغم من هذه الملابسات، التي تصاحب الفرح أحياناً، فلا خلاف في أن الفرح إذا أُطْلق، فإنه انشراح الصدر بلذة عاجلة [17، ص228]، وأوسع منه قولهم: انفعال نفسي بنعمة حسِّية أو معنوية، يُلِذُّ القلبَ ويشرح الصدر [26، جـ11، ص406]. وجاء في "المعجم الفلسفي" [27، جـ1، ص654]: السرور، والفرح، والحبور: حالة ملائمة للنفس تنتشر في جوانبها كلها.

ثَمَّةَ فرحٌ آخر، وهو الفرح العقلاني كما يسميه الفلاسفة وعلماء النفس [1، ص ص62، 63؛ 11، ص143]، ويسميه علماء السلوك فرح القلب [28، ص297]، وهو المقابل للفرح الذي هو انفعال النفس، الناتج عن مؤثر خارجي حسي أو معنوي [1، ص62]، في حين أن الفرح العقلاني يأتي النفس من فعل النفس وحده، ولا يعني هذا أن بينهما انفكاكاً.

يرى الفلاسفة الأقدمون أن الفرح العقلاني أكملُ من الفرح الجسماني؛ لأن الأخير تشوبه شوائب، وللذته ضدٌّ، كلذة الشبع، فإنه يقابلها ألم الجوع، بخلاف لذة المعرفة؛ فليس للذتها ضدٌّ [12، ص143]؛ وفي القرآن الكريم من الآيات، التي عرضت للفرح ما يشير في ضوء هداياتها ومقاصدها إلى هذا النوع من الفرح.



الفرح والسرور:

إن ثمَّةَ صلةً بين الفرح والسرور، تحسن الإشارة إليها في معرض الحديث عن تعريف الفرح؛ استكمالاً لجوانب هذه المسألة، فيرى بعض العلماء أن الفرح والسرور متقاربان [29، ص508]، وبهما تسمى تلك الحالة التي تتولد من لذة القلب بإدراك المحبوب ونيل المشتهى [5، جـ3، ص454]، ويرى ابن عاشور أن: الفرح "شدة السرور" [13، جـ11، ص204].

وقيل: السرور أصفى؛ لأنه خالص من الكدر، بخلاف الفرح، فلربما شابَهُ حذر وكدر [16، جـ3، ص464]، واستعمل السرور في الشيء المحمود، وذم الفرح؛ لأنه يورث أَشَراً وبَطَراً، كما في قوله تعالى: ﴿ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ [ القصص: 76].

يبدو أن هذه الفروق لا تَسْلم من النقد؛ فإن السرور كالفرح، من حيث إن كِلَيهما قد لا ينجو صاحبُه من الكدر؛ وحسبنا دليلاً سرور الكافر بين أهله في الدنيا، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً ﴾[الانشقاق: 13]، وهو سرور مملوء بالكدر؛ لأنه جَلَبَ لصاحبه عذاباً شديداً في الآخرة، ولم ينل من حقيقة السرور في الدنيا إلا القشور، وكم صادف في دروبها من شرور.

وحَصْرُ السرور في الأمور المحمودة بحجة أنه ورد في أمر الآخرة - ليس منضبطاً، نعمْ ورد قوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً ﴾ [الانشقاق:7-9]، وورد كذلك قوله تعالى في شأن أهل الجنة: ﴿ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً ﴾ [الإنسان: 11]، ولكن ورد السرور في مقام الذم في حديث القرآن عن أهل النار- كما أشرنا-: ﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً * وَيَصْلَى سَعِيراً * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً ﴾ [الانشقاق: 10- 13].

والقول نفسه ينال الفرح، فإنه ليس محصوراً في مقام الذم؛ فقد ورد الأمر به في قوله تعالى: ﴿ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ ﴾ [يونس: 58]، وفي قوله تعالي: ﴿ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ [آل عمران: 170]، فلا حجة في الآيات القرآنية لمن مال إلى هذا التفريق.

يوجَّه النقد أيضاً لمن يرى [20، ص49] أن: الأصل في السرور أن مادته من إخفاء الشيء في الصدر وكتمانه، والسرور شعور جوَّاني لا تظهر آثاره بخلاف الفرح.


ذلك أن الآيات المتقدمة - والتي عرضت للسرور - تدل علي خلاف هذا، فسرور الكافر في أهله ظاهر في اللهو والتقلب في الملذات الحسية، وسرور المؤمن بين أهله في الجنة ظاهر، فهو يزداد نضارةً وجمالاً وشباباً، ويتقلب في نعيم الجنة الحسي، ويبدو أن لا فرق بينهما وضعاً، بيدَ أن الفرح أكملُ وصفاً؛ لأن الرب - تبارك وتعالى - يُوصَف به دون السرور؛ فدل ذلك على أن معناه أكمل من معنى السرور" [9، ص308].

والصلة ظاهرة بين الفرح والاستبشار؛ فكلاهما مرتبط باللذة، فالفرح بالعاجلة، والاستبشار بالآجلة، بخاصة إذا جاءت على لسان الشرع؛ فإنها تكون في حكم العاجلة من حيث تحقُّقُ الحصول.

جاء في "المعجم الوسيط" [30، جـ2، ص704]: الفرحة: المسرَّة والبشرى.

وفى "أساس البلاغة" [31، ص337]: لك عندي فُرْحة - بضم الفاء - أي: بشرى، ويقال: لك عندي فرحة إذا كنت صادقاً [32، جـ2، ص601].

فالفرح يكون بالمحبوب بعد حصوله، ويكون كذلك قبل حصوله، إذا كان على ثقة من تحققه، وهذا هو الاستبشار، ومنه قوله تعالى: ﴿ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ [آل عمران:170]، فجمع الله لهم في الآية مسرَّتين: المسرة بأنفسهم، والمسرة بمن بقي من إخوانهم [13، جـ4، ص166].


أقسام الفرح:

الفرح يُمْدح ويُذم بحسب تعلقه، وهذا يعني أن للفرح أقساماً بهذا الاعتبار، وفي سبيل تمييز الممدوح منه والمذموم نظر بعض المفسرين إلى الفرح في ضوء وروده مقيداً أو مطلقاً في القرآن الكريم.

إذا جاء الفرح مطلقاً فهو مذموم - في نظر هؤلاء - كما في قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ [القصص: 76]، نقل هذا ابن القيم [5، ص455]، وقال الآلوسي: "وأكثر ما ورد الفرح في القرآن للذم، فإن قُصِد المدح قُيِّد" [23، جـ12، ص16]، ومثّل للأخير صاحب "البحر المحيط" [24، ج5، ص17] بقوله تعالى: ﴿ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ [آل عمران:170].

يبدو أن ما ذُكر محل نظر، وليس بمُطَّرِد، فقد جاء الفرح مقيَّداً في مقام الذم: ﴿ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44]، وقوله تعالى: ﴿ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ ﴾ [الرعد: 26].


وهذا ما تنبه له ابن عطية حين قال [32، جـ7، ص 284]: "ولا يأتي الفرح في القرآن ممدوحاً؛ إلا إذا قيد أنه في الخير"، فقيد التقييد الذي أطلقه غيره؛ ليجعل الفرح الممدوح ما قيد بالخير، فيكون المذموم ما قيد بنقيضه أو ترك.

سار على هذا ابن القيم [5، ص456] حين جعل الفرح المقيد نوعين: مقيد في الدنيا يُنسي صاحبَه فضلَ الله ومنته، ومثّل له بقوله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ ﴾ [الأنعام: 44]، والثاني مقيد بفضل الله ورحمته ومثّل له بقوله تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ ﴾ [يونس: 58].

هذا كلام مستقيم، بيدَ أنه لا يسوغ التسليم بهذا التقسيم؛ فالآيات التي ورد فيها ذكر الفرح في القرآن الكريم اثنتان وعشرون آية، مقيدة صراحةً بذكر المتعلق، سواء أكانت في الفرح المحمود أو المذموم.

يستثنى من ذلك ثلاث آيات ظاهرها أنها مطلقة، لكن سياقها القرآني مقيد لها لمن تأملها، ففي قوله تعالى حكايةً عن قوم قارون: ﴿ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ [القصص: 76] هذا الإطلاق مقيد بالفرح المبالغ فيه في زخارف الدنيا، والسياق القرآني ناطق بهذا.

وفي قوله تعالى: ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ﴾ [هود: 10]ظاهره مطلق، وحقيقة الأمر أنه مقيد بالفرح بالنعمة، وعدم التوازن في الانفعال تجاهها.

ومما يعين على تفهم التقييد في هذه الآية آية أخري مشابهة لها ورد فيها الفرح مقيداً، وهي قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنْسَانَ كَفُورٌ ﴾ [الشورى: 48].

والآية الثالثة وردت في معرض ذم المنافقين، وهي قوله تعالى: ﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ ﴾ [التوبة: 50]، فرحون بسلامتهم وبمصيبة المسلمين، وهذا ينبئ عنه السياق، فالتقييد ظاهر.

يتَّسق هذا الذي ذكرنا مع ما سبق من أن الفرح بذاته لا يتوجه له مدح ولا ذم - باعتباره انفعالاً جبلت النفس عليه - وإنما يكون هذا بالنظر إلى متعلِّقه، فتارةً يكون الفرح محموداً إذا أمر به، وتعلق بأمر شرعي، كالفرح بالإسلام، وتارة أخرى يكون الفرح مذموماً، كفرح المنافقين بمصائب المسلمين، ويكون مباحاً إذا تعلق بأمر دنيوي مباح.


وخلاصة القول:

إن الفرح الذي عرض له القرآن الكريم ثلاثة أقسام: فرح محمود، وفرح مذموم، وفرح مباح، وهي الأقسام التي سنعرض لها في ضوء الآيات القرآنية، نكشف عن مقاصدها، ونبين هداياتها في حدود سعة المقام، وإسعاف المقال.

بين يَدَيْ هذه الأقسام أسطر نوجز فيها جانباً من موقف الإسلام من الانفعالات، فقد حرص الإسلام على ضبط الانفعالات بعامة، بعد أن اعترف بها، خلافاً لبعض المدارس الفلسفية التي ترى ضرورة استئصال الانفعالات؛ لأنها أمراض حقيقية، كالمدرسة الرواقية [1، ص15، الهامش]، في حين يرى الإسلام توجيهها؛ توظيفاً لمنافعها، ودفعاً لمضارِّها، وهذا يتلخص في أن يكون الانفعال فيما ينبغي، وبالقدر الذي ينبغي، وعلى الوجه الذي ينبغي، وهذا جماع الاعتدال وعينُه.

هذا الذي ذُكر ليس خاصاً بالفرح، وإنما هو للانفعالات بعامة كما أشرنا، فإن الحزن انفعال، وقد يقتل، وكم من شخص مات غماً وحزناً، وفى حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن أهل النار - والذي تقدم مثله في أهل الجنة - ما يسوِّغ تقبُّل إمكانية حصوله، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (فلولا أن قضى الله لأهل النار الحياة فيها، لماتوا ترحا)[4].

إذا هُذِّبَ الحزن، سُرِّيَ عن صاحبه، وخُفِّفَ عنه، فقد حزن الرسول - صلى الله عليه وسلم - على موت ابنه إبراهيم، وكان حزنه منضبطاً بالشرع حين قال: (إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا)[5].

وقد يبلغ الحزن بالمؤمن مداه، ولكنه لا يؤثر على صلته بالله، ولا يخرجه عن الجادَّة، فقد حزن يعقوب - عليه السلام - على يوسف حتى ابيضَّت عيناه من الحزن، ولكنه لم يقطع رجاءه بالله، ولم ييأس من رحمته، وقال - وهو على تلك الحالة من الحزن -: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].

ومثل ذلك الغضب، فهو انفعال كذلك، الإفراط فيه مذموم، ولهذا عَدَّه الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الشيطان[6]، وأوصى رجلاً، فقال له مراراً: (لا تغضب)[7].

والتفريط في الغضب، وانعدامه في النفس - مذمومٌ؛ لأنه لا يبقي فيها حميَّة ولا غَيْرَةً، وحين أمر الله تعالى ملائكة العذاب أن تهلك أهل قرية، أمرها أن تبدأ بعابد من أهل هذه القرية؛ لأن وجهه لم يتمعَّر بسبب انتهاك حرمات الله، ولم يغضب في الله أبداً.

وقد تمثلت الفضيلة بأسمى صورها في سلوك الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكان لا يغضب من أجل أمور الدنيا العابرة، فإذا انتُهكت حرمة من حرمات الله، اشتد غضبه[8].


إن بين الفرح - هذا الانفعال الفطري الذي يتساوى الناس في أصله - وبين توجيهات الشرع المكتسبة الواردة في شان الفرح، والانفعالات بعامة، والتي يتفاوت موقف الناس تجاهها، إن بينهما - مسافةً بعيدة، ودرجات عديدة، كافية هذه وتلك لإبراز الفروق بين سلوك الناس في هذا الميدان.

سعى الإسلام - ابتداءً - إلى تصحيح معتقد الناس تجاه ما يجري في هذه الحياة الدنيا، حين أعاد الأمر كله لله تعالى؛ مُلْكاً وخَلْقاً، ومشيئةً وقضاءً، قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 22-23].

إن الله تعالى - وهو يربي عباده ويقوِّم سلوكهم - يبين لهم أنه - تعالى - قدَّر مقادير الخلق قبل أن يخلق الأرض، أو قبل أن يخلق النفس، على اختلاف في عود الضمير في قوله تعالى: ﴿ نَبْرَأَهَا ﴾ [الحديد: 22] [24، جـ5، ص224؛ 3، جـ17، ص257] أهو عائد على الأرض؟ أم على النفس؟، فما في الأرض من قحط، وجدب، وما شابهَ ذلك مما يُلْحق بالنفس الهم والغم، فإنه مقدَّر في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الله الخلائق بخمسين ألف سنة[9].

وما أصاب النفس من ألم، أو مصيبة، أو نقص في الأموال، وفوات الملذات، فإنه مقدَّر كذلك، وفي ذلك تسلية للمسلمين وتربية [23، جـ27، ص409]، حين علموا أن ذلك مما اقتضاه ارتباط أسباب الحوادث بعضها ببعض، على ما سيَّرها عليه نظام جميع الكائنات في هذا العالم.

إذا علم المؤمن ذلك وآمن به، أيقن أن هذا المقدَّر لا يدفعه تسخُّط، ولا ينجي منه جزع، عندها يضبط انفعالاته بضابط الشرع، سواء فيما اتصل بحزنه كما تقدم، أو في فرحه الذي أشارت إليه بقية الآية بطريق الإيماء [23، ج27، ص186]؛ ذلك أن القرآن الكريم استغنى بذكر المصيبة عن ذكر المسرة من باب الاكتفاء، وبدلالة قوله في الآية نفسها: ﴿ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ﴾ [الحديد: 23].

وربما كان الاستغناء باعتبار الأصل اللغوي للمصيبة؛ فهي مشتركة في المصيبة والمسرة، فإن أصلها من الرمية، وهي [23، جـ27، ص186] من: أصاب السهم إذا وصل المرمى بالصواب، وقيل: أصلها في الخير من الصوب، وهو المطر، وفي الشر من إصابة السهم.

وأياً ما كان التوجيه، فما يقال في أمر المصيبة المحزنة، يقال في أمر النعمة المفرحة؛ فالمسلم المتَّزن - في ضوء توجيهات الآية السابقة - لا يحزن حزن القانط من رحمة الله، ولا يفرح فرح البطر المنسي لشكر الله.

يقول صاحب "التحرير والتنوير" عند تفسير الآية المتقدمة [13، جـ27، ص411]: "والمعنى أخبرتكم بذلك؛ لتكونوا حكماء بصراء، فتعلموا أن لجميع ذلك أسباباً وعللاً، وأن للعالم نظاماً مرتبطاً بعضه ببعض، وأن الآثار حاصلة عقب مؤثراتها لا محالة، وإنَّ إفضاءَها إليها - بعضُه خارجٌ عن طوق البشر، ومتجاوزٌ حدَّ معالجته ومحاولته، وفعل الفوات مُشْعِرٌ بأن الفائت قد سعى المفوَّت عليه في تحصيله، ثم غلب علي نواله بخروجه عن مكانته، فإذا رسخ في علم أحد، لم يحزن على ما فاته مما لا يستطيع دفعه، ولم يغفل عن ترقُّب زوال ما يَسرُّه، إذا كان مما يسرّه، ومن لم يتخلَّق بخلق الإسلام، يتخبط في الجزع إذا أصابه مصاب، ويستطار خيلاً وتطاولاً إذا ناله أمر محبوب؛ فيخرج عن الحكمة في الحالين".

إن الإسلام بهذا التأصيل - الذي يؤدي إلى الاتِّزان والاعتدال - يكون قد حفظ الضرورات الخمس - الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعرض - من غلواء الانفعالات وجموحها، ومن ثَمَّ تهذيبها؛ للإفادة من إيجابياتها.


الفرح المحمود:

الفرح - من حيث هو انفعال فطري - يتساوى فيه الناس جميعاً، يُمدح ويُذم بحسب متعلِّقه، ومحله القلب، وما يُفْرح الإنسان أمر مكتسب، وهو محل التباين، ومن هنا تأتي عناية الإسلام؛ لتجعل هذا الفرحَ محموداً.

ومثل الفرح بقية الانفعالات في صلتها بالمدح والذم، فما [36، ص17] حب الدين وكل ما يتعلق به إلا ذاك الحب العادي، الذي يمارسه الناس جميعاً، بيدَ أنه موجَّهٌ إلى حب الله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ ﴾ [البقرة: 165].

لقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم أن الفرح بالإسلام هو أسمى درجات الفرح وأفضلُها، فأمر به وأثاب عليه، وعرَّض بمن أعرض عنه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 57-58].

تفضل الله على الناس فأنزل كتاباً كريماً، جعله موعظة بما فيه من تذكير بما ينفع، وتحذير مما يضر، ووصفه بأنه شفاء لما في الصدور من داء وشقاء، لمن وفِّق إلى الإفادة منه، وهو - أيضاً - كتاب هداية، وجالبُ رحمةٍ للمؤمنين.

ولئن تعددت عبارات المفسرين في بيان المراد بفضل الله وبرحمته، والتي أمر الله بالفرح بهما، فإن مدارها واحد، وهي إلى تفسير التنوع أقرب.

في "الكشَّاف" [37، جـ2، ص353]: عن أبيّ بن كعب، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ ﴾ [يونس:58]، فقال: بكتاب الله، والإسلامُ فضله، ورحمته ما وعد عليه.

عقَّب عليه أبو حيَّان [24، جـ5، ص169] بقوله: "لو صحَّ هذا الحديث، لم يمكن خلافه".

وعن أنسٍ مرفوعاً: (أن فضل الله القرآن، ورحمته أن جعلكم من أهله وأتباعه). ونُقل القول نفسه عن أبي سعيد موقوفاً، وهو الأصح [38، جـ7، ص87]، وأورد الطبري [38، جـ15، ص ص106-107] هذه الآثار كلها بأسانيدها.

أوضح ابن القيم [5، ص454] كلام أبي سعيد قائلاً: "يريد بذلك أمرين؛ الأول: الفضل في نفسه، والثاني: استعداد المحل لقبوله، كالغيث يقع على الأرض القابلة للنبات، فيتم المقصود بالفضل وقبول المحل له".

"وهذا الذي يقتضيه اللفظ؛ فإن الفضل هو هداية الله التي في القرآن، والرحمة هي التوفيق إلى اتباع الشريعة التي هي الرحمة في الدنيا والآخرة"، قاله صاحب "التحرير" [13، جـ11، ص205] وأصله لصاحب "المحرر" [32، جـ3، ص126].

فَهِم جَمْعٌ من المفسرين أن أسلوب الآية يفيد الحصر، في قوله تعالى: ﴿ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾ [يونس: 58]، فيرى الرازي أن قوله ﴿ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾ [يونس: 58] يفيد الحصر [19، جـ17، ص ص123-124]؛ فيجب أن لا يفرح الإنسان إلا بذلك، ثم ساق ستة وجوه؛ لترجيح ما ذهب إليه، وحكم بعدها، قائلا: "فثبت أن الفرح باللذات الجسمانية فرح باطل".

ورد في "تفسير المنار" [ 26، جـ11، ص406] ما يؤكد معنى الاختصاص ويشرحه: "فالتعبير في الآية غاية في البلاغة؛ لما فيه من التأكيد والمبالغة في التقرير؛ فإن أصل المعنى بدونهما: قل ليفرحوا بفضل الله وبرحمته، فأخَّر الأمر وقدَّم متعلِّقة؛ لإفادة الاختصاص، كأنه قال: إن كان في الدنيا شيء يستحق أن يُفرح به؛ فهو فضل الله ورحمته".

بيد أن صاحب "المنار" وإن وافق الرازي وغيره بالقول بإفادة أسلوب الآية للحصر؛ إلا أنه لم يرتضِ توجيه الرازي، الذي جعل الفرح بشيء من أمور الدنيا باطلاً.

وأَدَعُ صاحب المنار يبيِّن وجهة نظره، فيقول [26، جـ11، ص407]: "إن الفرح بفضل الله وبرحمته أفضل وأنفع لهم مما يجمعونه من الذهب والفضة، والخيل المسومة، والأنعام، والحرث، وسائر متاع الدنيا مع فقدهما، لا لأنه سبب سعادة الآخرة الباقية المفضلة على الحياة الدنيا الفانية - كما اشتهر فيما خطته الأقلام ولاكته الألسنة - بل لأنه هو الذي يجمع بين سعادة الدارين، كما حصل بالفعل؛ إذ كانت هدايةُ الإسلام بفضل الله وبرحمته سبباً لما ناله المسلمون في العصور الأولى من الملك الواسع، والمال الكثير، مع الصلاح والإصلاح، والعدل والإحسان، والفوز الكبير، فلما صار جمعُ المال، ومتاع الدنيا، وفرح البطر به هو المقصودَ لهم بالذات، وتركوا هداية الدين في إنفاقه والشكر عليه؛ ذهبت دنياهم من أيديهم إلى أيدي أعدائهم".

إن استحضار الجو العام، الذي نزلت فيه هذه الآيات يُعِين على تفهُّم الآراء المتقدمة - والتي قد تبدو متعارضة - فقد نزلت في العهد المكي، وقد اشتد النزاع بين المسلمين والكفار، وكان عامة المسلمين فقراء ضعفاء، في حين كان الكفار يتفاخرون بكثرة أموالهم ومتاعهم، وأولادهم أيضاً.

لقد ذكر لنا القرآن الكريم نماذج من هؤلاء الكفار المعجبين بما لديهم من متاع، يقول عن الوليد بن المغيرة: ﴿ أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ﴾ [القلم:14-15]، وأنموذج آخر، قال عنه القرآن الكريم: ﴿ وَجَمَعَ فَأَوْعَى ﴾ [المعارج: 18]، وجمع المال والتفاخر به يصاحبه في العادة فرح.

جاء كلام الرازي - فيما يبدو - في إطار الجو العام الذي نزلت فيه هذه الآيات، فرأى أن هذا الفرح - وهو صفة للكفار - فرحٌ باطل، فأفرده بالذكر، ثم عمم الحكم على من كانت هذه حالَه.

واحتاط الآلوسي لنفسه حين قال [ 23، جـ12، ص112]: "إن الفرح بمتاع الدنيا (لذَاتِه) باطل؛ فقُيِّد"؛ تجنباً للنقد الذي وجِّه لتعميم الرازي.

جاء كلام صاحب "المنار" - راعى الإصلاح الاجتماعي في عصره - متأثراً بالجو العام الذي يعيشه المسلمون اليوم، وكأني به قد رأى في مسلمي هذا العصر بعض صفات مسلمي العهد المكي من الضعف والفقر، ورأى فيهم - أيضاً - بعض صفات مشركي العرب، من الإعراض عن الدين، وعدم الفرح به، فقال مقالته - معاتباً ومذكراً - بأن الفرح بالدنيا والآخرة حصل بالفعل للمسلمين الأُوَل، حين كان تمسكهم بالدين وفرحهم به سبباً لأن تَفْتح عليهم الدنيا أبوابَ نعيمها وزينتها؛ وهذا مبعث فرح وابتهاج.

إن الآيات هدفت أول ما هدفت إلى التنويه بالقيمة العليا لهذا الدين، الذي أخرج مَنْ آمن به من عالم الأموات إلى عالم الأحياء، وجعلهم يدركون أن للحياة معنى أسمى وأعظم مما يتصوره الكافرون الجامعون لمتاعها.

لقد جاءت عبارة "الظلال": [39، جـ3، ص180] عند تفسير هذه الآيات كاشفةً عن شيء من مقاصدها، متضمنةً المعاني السابقة: "فبهذا الفضل الذي آتاه الله عباده، وبهذه الرحمة التي أفاضها عليهم من الإيمان، فبذلك - وحده - فليفرحوا، فهذا هو الذي يستحق الفرح، لا المال، ولا أعراض هذه الحياة، إن ذلك هو الفرح العلوي، الذي يطلق النفس من المطامع الأرضية والأعراض الزائلة، فيجعل هذه الأعراض خادمة لا مخدومة، ويجعل الإنسان فوقها وهو يستمتع بها، لا عبداً خاضعاً لها".

بهذا يظهر الفرح المحمود في أبهى صوره، فرحٌ خالصٌ سامٍ بالإسلام، لا يعدله شيء، يورث صاحبَه حسنَ تقدير للدنيا، فيفرح بها في إطار الاتِّزان الذي تكون فيه الآخرة سيدةً، يَخطب ودَّها، والدنيا تابعةٌ لها.

لقد تحققت هذه المعاني السامية في نفوس المسلمين الأوائل، فهم، وإن كانوا يفرحون بما تفرح به كل نفس سوية؛ كونَ الفرحِ انفعالاً فطرياً جُبِلَتْ عليه النفس - إلا أنهم - ما كانوا يفرحون بشيء أكثر من فرحهم بهذا الدين، ولا قدَّموا عليه شيئاً مما يُفرح به في العادة.


بين أيدينا أطراف من أحاديث، تؤكد استحضار الصحابة الكرام لهذا المعنى على الدوام، وحرصهم على الاحتياط لأنفسهم في عباراتهم في هذا المقام، فهذا أنس بن مالك يقول عن الصحابة، بعد أن سمعوا قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي الذي سأله عن الساعة: (أنت مع من أحببت)، يقول أنس: "فما رأيت فرح المسلمين بعد الإسلام فرحهم أشد مما فرحوا به"[10]، وفى حديث آخر جاء قوله: "فما فرحنا بشيء بعد الإسلام فرحنا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أنت مع من أحببت)[11]، وعندما بشر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنساً بفضل انتظاره لصلاة العشاء؛ قال: "فما فرحت بعد الإسلام فرحي به"[12].

يدل هذا الاستدراك في كلام أنس: على أن الصحابة ما كانوا يفرحون بشيء - مهما كان يستحق الفرح - أكثر من فرحهم بالإسلام؛ شعوراً منهم بالنقلة الهائلة التي نقلهم الإسلام إليها حين أخرجهم من الظلمات إلى النور.

ذكر المفسرون عند تفسير الآية السابقة: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾ [يونس: 58] محاورةً تسهم في الكشف عن مقاصدها، وعن حسن فهم الصحابة لها:

عن عقبة بن الوليد، عن صفوان بن عمرو، قال: سمعت أَيْفَعَ بنَ عَبْدٍ الكَلاَعِي يقول: لمّا قدم خَرَاج العراق إلى عمر - رضي الله عنه - خرج عمر ومولًى له، فجعل عمر يعد الإبل، فإذا هي أكثر من ذلك، فجعل عمر يقول: "الحمد لله تعالى" ويقول مولاه: "هذا والله من فضل الله ورحمته"، فقال عمر: "كذبت، ليس هذا هو الذي يقول الله تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58] [40، جـ2، ص436].


إن ما جُمع من مال بين يدي عمر صعب عليه إحصاؤه يستدعي الفرح ولا شك، لكنه مهما كان لا يرقى بحال إلى أن يفرح به كفرحه بالإسلام، الذي كان سبباً في هذا الخير، وفى غيره مما يضيق المقام عن ذكره.

الفرح بالقرآن، وبالإسلام، وبالرحمة فرحٌ محمود؛ لأن هذه الأمور ﴿ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58]، أي: يجمع الكافرون من متاع وضِيَاع، وهم في غيِّهم سامدون.

وخيرٌ كذلك مما تجمعون أنتم أيها المسلمون، ولعل هذا ما يشير إليه قول عمر - رضي الله عنه - والقراءات الواردة في الآية تحتمل المعنيين، فإن قوله تعالى ﴿ يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58] قُرئت بالياء على ضمير الغائب، والمقصود بها الكفار، وقرأها جماعة من السلف (تجمعون) بالتاء؛ خطاباً للمسلمين [24، جـ5، ص170].

لم يرتضِ صاحب "التحرير والتنوير" هذا التوجيه، وقال [12، جـ11، ص200]: "لا يناسب جعل الخطاب للمسلمين؛ إذ ليس من شأنهم ما تقدم؛ ولأنه لا يظهر منه معنى التفضيل إلا بالاعتبار؛ لأن المسلمين قد نالوا الفضل والرحمة، فإذا نالوا معهما المال، لم ينتقص ذلك من كمالهم بالفضل والرحمة". وقوله: "إلا بالاعتبار" استدراك جيد، أغنى عن الاستدراك عليه.

لقد سبقت الآيةَ التي تضمنت الأمر بالفرح بالإسلام ﴿ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾[يونس: 58] آيةٌ أشارت إلى أن هذا الإسلام من عند الله، وهي قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [يونس: 57].

إن التنويه بمصدر هذا الفضل، وهو الإسلام - النعمة العظمى - يقتضي أن يكون الفرح به - وبالنعم بعامة - من حيث هي نعم من الله تعالى وتفضُّل منه، لا أن يكون الفرح بالنعم من حيث هي نعم وحسب، والبَوْن شاسع بين التصورَيْن.

لقد تنبه الرازي أكثر من غيره إلى هذا المعنى؛ فقال [19، جـ17، ص124]: "يجب على العاقل أن لا يفرح بها - النعمة - من حيث هي هي؛ بل يجب أن يفرح بها من حيث إنها من الله تعالى، وبفضل الله وبرحمته، فلهذا السبب قال الصديقون: من فرح بنعمة الله من حيث إنها تلك نعمة؛ فهو مشرك، وأما من فرح بنعمة الله من حيث إنها من الله؛ كان فرحه بالله، وذلك هو غاية الكمال ونهاية السعادة".

للفلاسفة [11، ص126] منحى - غير هذا - مخالف، يذهبون فيه إلى أن الفرح بالشيء الجميل إنما يكون لذاته، دونما اعتبار لأي شيء خارجي، ولهذه النظرة سلبيات سنورد بعضها عند الحديث عن آثار الفرح المذموم.


إن الربط بين النعمة والمنعِم، واستحضار هذا المعنى عند الفرح المحمود، الذي يكون بالإسلام وما يتصل به - يجعل لهذا الفرح آثاراً إيجابية، نذكر أهمها بإيجاز؛ إتماماً للمعنى:

1 - إن الفرح بالإسلام يقتضي الفرح بمن أنزله، وتفضَّل به على خلقه، ولهذا يفرح المسلمون بالله، وتطمئن قلوبهم بذكره وتأنس.

ويفرح المسلمون أيضاً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي حمل لهم الإسلام من الله، ففي البخاري من حديث البَرَاء بن عَازِب عن الهجرة، قوله: "ثم جاء رسول الله، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به"[13].

2 - يحمد المسلمون الله تعالي؛ لأنه أنعم عليهم بما يُفرحهم، والله تعالي يحب المدح والحمد، روي البخاري: (لا شيء أحب إليه المدح من الله)[14]، فيثاب المسلمون على فرحهم، ويثابون على حمدهم لله.

3 - رضا المسلم بما رضي الله له، والرضا من ثمرات الفرح؛ لأن الفرح بالشيء فوق الرضا به، فإن الرضا [5، ص456] طمأنينة وسكون وانشراح، والفرح لذة وبهجة وسرور، فكل فَرِحٍ راضٍ، وليس كلُّ راضٍ فَرِحاً، والرضا عند علماء النفس [1، ص113] أعذب أنواع الفرح.

4 - الفرح بالدين يعني: الحرص على الامتثال لما جاء به وتعظيمه؛ قال ابن القيم [5، ص ص 455-456]: "الفرح بالعلم والإيمان والسُنَّة دليل على تعظيمه عند صاحبه، ومحبته له، وإيثاره له على غيره، فإن فرح العبد بالشيء - عند حصوله له - على قَدْر محبته له ورغبته فيه، فمَنْ ليس له رغبة في الشيء، لا يفرحه حصوله له، ولا يحزنه فواته؛ فالفرح تابع للمحبة والرغبة".

5 - الفرح بالشيء يعدُّ سبباً مباشراً للحرص عليه؛ لأن الفرح كونه انفعالاً [1، ص25] يقوي الأفكار، ويطيل بقاءها في النفس، والدفاع عنه، والانشغال به، والتضحية من أجله، وقد تمثّلت هذه المعاني كلها في سيرة الصحابة الكرام.

يناسب الحديث عن الآثار والثمار الحديث عن فرح أهل الكتاب بالإسلام، وهو الفرح الذي أشار إليه قول الله تعالي: ﴿ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ﴾ [الرعد: 36].

والخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم - فظاهر الآية يفيد أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى يفرحون بالقرآن والإسلام، فمَن المقصود بأهل الكتاب في هذا المقام؟ وهل هذا الفرح على حقيقته؟ وهل له آثار وثمار؟

أسئلة نسعى للإجابة عنها بما يتسع له المقام، وذلك بإيجاز أقوال المفسرين في هذه الآية.


يرى بعض المفسرين [38، جـ16، ص474؛ 3، جـ9، ص325؛ 23، جـ13، ص 166] أن المراد بأهل الكتاب - الوارد ذكرهم في الآية - مَن أسلم منهم، كعبدالله بن سلام - رضي الله عنه- قال ابن سعدي في "تفسيره" [41، جـ2، ص342]: "الشهادة والفرح إذا أضيف إلى طائفة أو أهل مذهب، فإنما يتناول العدول والصادقين منهم؛ لأن الفرح دليل الصدق والإيمان، فكان هذا ممن آمنوا".

وعلى هذا التفسير تكون الآية موافقةً في هديها للآية التي نحن بصدد الحديث عنها، والتي تضمنت الأمر للمسلمين بالفرح ﴿ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾ [يونس: 58]، وتكون تسمية عبدالله بن سلام وأمثاله ممن أسلموا بأهل الكتاب باعتبار ما كان، وفيه تعريض بكفار قريش العرب، الذي أحجموا عن الإسلام، وأقبل عليه بعض اليهود والنصارى.

ولا يعكر هذا التفسيرَ كونُ السورةِ مكيةً؛ فإن مجيء آيات مدنية في سور مكية - والعكس - أمر لا تناكر فيه.


القول الثاني: إن المراد بهم اليهود والنصارى [32، جـ8، ص179]، وذلك أنهم لهم فرح بما ينزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - من تصديق بشرائعهم، وذكر أوائلهم، وكانوا من قبل يستفتحون على العرب، فلما نزل القرآن فرحوا به، بخاصة أنهم ظنوا - ابتداءً - أنه خاص بالعرب، فلما علموا أنه للناس كافة كفروا به.

ويُفهَم من كلام ابن القيم أنه حمل الآية على ظاهرها [28، ص397] حين قال: "فإذا كان أهل الكتاب يفرحون بالوحي، فأولياء الله وأتباع رسوله أحقُّ بالفرح به".

هذا التفسير يلقي بظلاله على سر التعبير القرآني بـ(يفرحون) دون (يؤمنون)، فقد فرح أهل الكتاب بالقرآن في وقت ما؛ لحاجة ما، دون أن يصاحب ذلك إيمان.

وليس ببعيد عن فرح هؤلاء فرح أولئك الذين ينتسبون للعروبة، ويعجبون بالإسلام ويفرحون به؛ لأنه جعل للأمة العربية ذكراً بين الأمم، وجعل لغتها العربية لغةً عالميةً، دون أن يصاحب هذا إيمان والتزام.

إنه إعجاب يعود على صاحبه بالتَّبَاب، وفرح مآله إلى ترح؛ لأن هؤلاء عرفوا وانحرفوا، وليس بشيء ما ذهب إليه الرازي [19، جـ12، ص121] في تفسيره لقوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً ﴾ [طه: 113]، حين قال: "إنا أنزلنا القرآن؛ ليتقوا، فإن لم يحصل ذلك، فلا أقل من أن يُحْدِثَ القرآن لهم ذكراً وشرفاً وصيتاً حسناً".


وثمَّةَ قولٌ ثالث في فهم فرح أهل الكتاب، يرى أصحابه [39، جـ22، ص121]: أن المعنيين بالأمر هم اليهودُ والنصارى الصادقون في التمسك بأصول كتبهم، فهذا الفريق يجد في القرآن الكريم مصداق القواعد الأساسية في عقيدة التوحيد، كما يجد الاعتراف بالديانات التي سبقته وكتبها، وعرض لها مع الإكبار والتقدير، وتصور الآصرة الواحدة التي تربط المؤمنين بالله جميعاً؛ فمِنْ ثَمَّ يفرحون، ثُمَّ يؤمنون.

والفرح هنا حقيقة نفسية في القلوب الصافية، وهو فرح الالتقاء على الحق، وزيادة اليقين بصحة ما لديهم، ومؤازرة الكتاب الجديد له.

وهو قول معتبر، تنبه أصحابه إلى ما ورد في القولين السابقين، فأزال ما قد يعلق في الذهن من إشكال في فهم الآية، وأخذ بعين الاعتبار كذلك سياق الآية ودلالة مفرادتها.


الفرح بنصر الله:

النظر إلى نصر الله تعالى للحق وأهله - في ضوء ما سبق بيانه من الآثار والثمار - يشير بجلاء: أن الفرح بهذا النصر فرح محمود، وهو متفرِّع عن أصل الانتماء لهذا الحق.

قال تعالى: ﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الروم:2-5].

يوم أن كان الصراع على أَشُدِّهُ في مكة بين المسلمين والمشركين، حصل قتال بين الفرس - وكانوا عَبَدَةَ نارٍ، لا كتاب لهم - وبين الروم - النصارى - وكان النصر في هذه المعركة للفرس، ففرح المشركون في مكة بهذا النصر [37، جـ3، ص197]، وقالوا للمسلمين: "أنتم والروم والنصارى أهل الكتاب، ونحن والفرس أميِّون لا كتاب لنا، وقد أظهر الله إخواننا على إخوانكم، ولَنَظْهَرَنَّ عليكم".

أنزل الله تعالى هذه الآياتِ مشيرةً إلى هزيمة الروم، ومؤكدةً أن الفرس سيُهزمون في معركتهم القادمة مع الروم، وسيكون هذا بعد عدة سنوات، وعندها سيفرح المسلمون بنصر الله، وقد تحقق وعد الله.

الذي يعنينا في هذا المقام قوله:﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ ﴾ [الروم: 4، 5]، وصلته بالسياق الوارد فيه، فالمعنى المتبادر: أن يكون فرح المسلمين هذا كان بسبب انتصار الروم على الفرس؛ ردّاً على فرح كفار قريش بانتصار الفرس على الروم، ويحتمل أن يكون هذا الفرح ناشئاً عن ظهور حجة القرآن الكريم، الذي أخبر عن هذا النصر قبل عدة سنوات من حصوله [ 37، جـ 3، ص197]، وهذا يؤكد مصدريَّة القرآن الكريم، وإبطال قول كفار مكة فيه.

وقد ورد أن هذا النصر تزامن مع غزوة بدر؛ فتكون الإشارة إلى فرح المسلمين بالانتصار على كفار مكة، وهي بشرى بفرح آجل، وقد تحقق، وهذا يجعل فرح المسلمين مضاعفاً، حين فرحوا بانتصارهم على كفار مكة، ثم فرحوا بانتصار الروم على الفرس.


وثمَّةَ فرحٌ رابع ناشئ عن تناقص الأمتين؛ الروم في الواقعة الأولى، ثم الفرس في الواقعة الثانية، وفي هذا التناقص والضعف قوةٌ للإسلام وأهله؛ لأن المسلمين قاتلوا الفرس والروم فيما بعدُ، وانتصروا عليهم.

ذكر الزمخشري وأبو حيان [37،جـ3، ص197؛ 24، جـ7، ص 161] أن قوله تعالى: ﴿ غُلِبَتِ ﴾ [الروم: 2] قُرئت بالفتح على البناء للمعلوم، والروم فاعل، وقُرئت (سيُغلبون) بالمبني للمجهول، أي: سيغلبهم المسلمون فيما بعد، ويفرحون بهذا النصر.

وإذا كانت النكت - كما يقال - لا تتزاحم، فإن صور الفرح المذكورة لا تتزاحم أيضاً، وكلها محتمل في ضوء المناسبة والسياق.


جماع الأمر هنا:

أن المسلم مأمور بأن يفرح، حين ينتصر الحق على الباطل، في أيٍّ من ميادين الصراع، وهو فرح محمود يثاب عليه، بل إن الفيروزآبادي حصر الفرح فيه، فقال: "ما أذن الله تعالى في شيء من الفرح إلا في هذا المقام"، وأراد قوله: ﴿ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ ﴾ [الروم: 4، 5]، وفي قوله تعالى: ﴿ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾ [يونس: 58] [42، جـ4، ص178]، ولعله أراد إبراز هذا النوع من الفرح لا حصره فيه.

إن بين الفرح بالإسلام والفرح بنصرته وأهله صوراً متعددة من الفرح المحمود، لا تكاد تحصى، أسماها [28، ص 397] منزلةً: الفرح بالله تعالى، وبأسمائه وصفاته، والفرح بالعبودية له سبحانه، والفرح كذلك بكلامه وأحكامه، والفرح برسوله - صلى الله عليه وسلم - وهذا أفضل ما يُعطاه العبد، وبها يبتهج القلب.

ولا شك أن دوام هذا - وما شاكلَه - إنما يكون بالتمكين للدين، وبزوال ما يضاده، وبانتصار أهله، ولهذا كان الفرح به محموداً، ويوازيه الفرح بانقطاع دابر الكافرين، وهو الفرح الذي يعبر عنه بحمد الله تعالى على هلاك أهل الشرك؛ لأن في هلاكهم تمكيناً للدين الحق، وهو أمر يفرح به أهل الإسلام، بمقابلة فرح أهل الكفر بالدنيا، ونسيان أمر الآخرة والكفر بها.

يتضح ما تقدم في قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام:45، 44]، ففي الآية تنبيهٌ [13، جـ8، ص232] على أنه يحق الحمد لله عند هلاك الظَّلَمَة؛ لأن هلاكهم صلاح للناس، والصلاح أعظم النعم، وشكر النعمة واجب.

وفي فرح الظَّلَمَة المعرضين عن الله فتنةٌ للناس في حياتهم، وتعطيل للعمل بالشريعة، وانتشار للفوضى؛ فكان الخلاص منهم مدعاةً للفرح، أوجب حمد الله عليه.

إن الفرح المحمود - الذي سبق الحديث عنه - إنما يكون في الدنيا، وله امتداد في الآخرة، يظهر في صور نعرض لها بما يتناسب مع الحديث عن العالم الآخر.

لقد ذكر القرآن الكريم فرح الشهداء، وهم أولئك الذين فرحوا بالإسلام في الدنيا؛ فهانت عليهم أرواحهم في سبيله؛ فماتوا من أجله؛ فامتد فرحهم في الآخرة؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [آل عمران: 169-170].

إنه فرح متميز لفئة مخصوصة بالتكريم، تفرح عند ربها فرحاً يليق بهم في مقامهم ذاك، وقد أومأت السُّنَّة إلى بعض مظاهره، حين ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر في الجنة، تروح وتغدو أينما شاءت، تتمتع بنعيم الجنة، يفرحون بما آلت إليه حالهم بفضل الله تعالى، ويستبشرون بما ستؤول إليه أحوال إخوانهم الذين يطمعون أن يرزقوا الشهادة، وينتظرون اللحوق بإخوانهم.

إن فرح المؤمن بلقاء الله يفوق الوصف، حين يقال له: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 27 -30 ] [24، ص 399] فلو لم يكن إلا هذه الفرحة وحدها، لكان العقل يأمر بإيثارها، فكيف ومن بعدها أنواعٌ من الفرح؟.

ذكر ابن القيم [28، ص399] منها: "حين يلقى المؤمن أهله وأصحابه، فيفرحون به ويفرح بهم، فرحَ الغائب يقدم على أهله، وهذا كله قبل الفرح الأكبر، يوم حشر الأجساد، بجلوسه في ظل العرش، وشربه من الحوض".

بعد ذلك فرحٌ آخر لا يقدَّر قدره، ولا يعبَّر عنه، تتلاشى هذه الأفراح كلها عنده، إنه الفرح برؤية وجه الله تبارك وتعالى.

إن هذا الفرح المحمود بذاته، والطيب بآثاره، والمُثاب صاحبه، تخلو صوره كلها - ما ذكرنا منها وما لم نذكر - من المكدرات والشوائب [43، ص347]، ومن المزاحمات، أبوابها متسعة للمتواردين عليها، فلا شحناء بينهم ولا تحاسد.

فرح الدنيا - المذموم منه والمباح - مزدحمة أبوابه، كثيرة شوائبه، كلٌّ يضيق بصاحبه، وحسبنا هذا المثال الحسي الذي يختصر البيان، فإن أماكن العبادة كثيراً ما تزدحم، حتى لا يجد المرء فيها موضع قدم، ورغم هذا لا يسعه أمام هذا المشهد إلا أن يقول: ما شاء الله، وهو يشعر بسعادة وانشراح في الصدر، قد لا يتفطَّن له في تلك اللحظات، ولا يجد في نفسه شيئاً على الذين سبقوه إلى هذه الأماكن أو زاحموه عليها.

لو وقف الشخص نفسه في مكان، فيه من متع الدنيا وزينتها ما يبعث الفرح في النفوس، ثم زاحمه عدد من الأشخاص - لَشَعَرَ بشيء من التذمر والكدر.

إن في الفرح المحمود - بكل صوره - سرّاً، وله حلاوة حق لمن تذوقها ألا يلقي بالاً لغيرها، وحق لهذا الفرح المحمود أن يكون أسمى أقسام الفرح وأكملها.


الفرح المذموم:

ذكرنا - سابقاً -: أنه ما من إنسان إلا وهو يفرح ويحزن، فإذا وجّه الفرح إلى شيء محمود، صرف القلب عن ضده، وشغل عنه، وإلا وجد الفرح المذموم إلى القلب سبيلاً، بخاصة إذا كان في القلب مرض شبهة أو مرض شهوة.

عرض القرآن الكريم إلى الفرح المذموم، فذكر منه صوراً، أسندها إلى طوائف صدروا عنها في كثير من تصرفاتهم، وكان لهذا الفرح المذموم أسبابُه ودوافعه ابتداءً، ثم آثاره لاحقاً.

المتأمل في الآيات - التي تحدثت عن هذا الفرح - يجد المتلبسين به هم اليهودَ والمنافقين والكافرين والمترفين، ولعل من المناسب الحديث عن صور هذا الفرح من خلال هذه الطوائف:


اليهود والفرح المذموم:

إن الكذب جريمة أخلاقية، توجب على من وقعت منه أن يتوارى خجلاً، لكن أن يصبح الكذب مبعثَ فرح في النفوس، ويطلب مَنْ صدر منهم هذا الكذب الحمد والثناء عليه، فهذا ما لا يُتَصَوّر إلا من أناس، نفوسُهم خسيسة، وأغراضهم رخيصة، واليهود أَوْلى الناس بهذه الصفات، وهم من تمثّلت بهم، قال تعالى: ﴿ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 188].

كان اليهود يخالطون الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المدينة أحياناً، وحدث مرة أن سألهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - سؤالَ اختبارٍ وكشفِ نيّاتٍ، فكذبوا عليه، ثم فرحوا بهذا الكذب، ثم أشعروا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنهم يستحقون منه المدح والثناء على تجاوبهم.

أنزل الله تعالى هذه الآية، وضمَّنها وعيداً وتهديداً لهؤلاء اليهود؛ على فرحهم المذموم الذي أبدوه، وعلى الحمد الذي طلبوه.

قرأ هذه الآية مروان بن الحكم، وكان قد غفل عن سبب نزولها؛ فالتبس عليه معناها، ورأى أن فيها وعيداً وتهديداً لمن يفرح ويحب الثناء، وعلى هذا لن ينجو أحد من العذاب؛ فكل الناس يفرحون كما ذكرنا.

روى البخاري ومسلم[15]: "أن مروان بن الحكم، قال لبوَّابه: اذهب - يا رافعُ - إلى ابن عباس، فقل: لئن كان كل امرئ فَرِحَ بما أُتِيَ، وأحبَّ أن يُحْمد بما لم يفعل معذباً، لنُعَذَّبنَّ أجمعون!! أجاب ابن عباس: ما لكم ولهذه، إنما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهوداً، فسألهم عن شيء، فأخبروه بغيره، فأَرَوْهُ أنهم قد استحمدوا إليه بما أخبروه، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم".

جاءت هذه الآية تُشَنِّع على اليهود فرحَهم المذموم، وحرصهم المحموم على الثناء بالكذب والخداع، فهي فيهم، وفي كل مَنْ سلك مسلكهم من الناس؛ لاتحاد جنسِ الحكم والعلةِ فيه؛ فإنه لا ينجو من وعيدها [13، جـ4، ص194] من يفعل الشر والخسة، ثم لا يقف عند حد الانكسار لما فعل، أو تطلب الستر على شنعته؛ بل يرتقي، فيترقب ثناء الناس على سوء صنعه، ويتطلب المحمدة عليه.

كشفت هذه الآية عن الصلة بين الكذب والفرح المذموم، فكل صفة تغري بالأخرى، وقد توعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - مَنْ يكذب؛ من أجل أن يُضحك الناس، ويُدخل الفرح إلى قلوبهم[16]، فالكاذب يفرح؛ لأنه استطاع أن يُضحك الناس، وهم يضحكون ويفرحون بما يسمعون.


المنافقون والفرح المذموم:

ليس يصعُب - إدراكُ الصلة الوثيقة بين المنافقين واليهود؛ فإن اليهود احتضنوا بِذْرة النفاق ورعَوها، وكان منهم منافقون.

إن الكذب أبرزُ صفة في المنافقين، وهو الذي يميزهم عن أهل الكفر الصريح، وكان عندهم منهجَ حياة؛ فلا غرو أن يكون أولُ وعيدٍ للمنافقين على كذبهم: ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [البقرة: 10].

يمكن - في ضوء ما ذكرنا - تفهُّمُ ما رواه البخاري ومسلم أيضاً[17]، عن أبي سعيد الخدري: (أن رجالاً من المنافقين في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا إذا خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الغزو، تخلفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله، فإذا قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الغزو اعتذروا إليه، وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت: ﴿ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا ﴾ [آل عمران:188].

لا يبعد في ضوء هدايات سورة آل عمران، وهي التي تتحدث عن اليهود والمنافقين، وفيها وردت الآية موضع البحث، لا يبعد أن يراد بها المنافقون أيضاً، إضافةً إلى اليهود، الذين كانوا قدوة للمنافقين في شنائعهم، وعبارات السلف في شأن أسباب النزول تستوعب ما ذكرنا.

ثمَّةَ آياتٌ صريحةٌ في الحديث عن فرح المنافقين المذموم، والذي ظهر منهم في تخلفهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴾ [التوبة:81].

تخلف المنافقون عن مشاركة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام في الخروج للغزو، ثم جاؤوا يعتذرون، فأعذرهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - إهمالاً لهم، وتقليلاً من شأنهم، ففرحوا حينئذٍ بعدم الخروج، وفرحوا بإعذار الرسول - صلى الله عليه وسلم - لهم.

كشف هذا الفرح عن كذب المنافقين، وكشف كذلك عن كراهيتهم لهذا الدين؛ إذ لو كان في قلوبهم إيمان، لبكوا بسبب تخلفهم عن الغزو مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما حصل لذاك النفر: ﴿ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ﴾ [التوبة:92].


إن البكاء من هؤلاء بسبب عدم الخروج علامةُ صدق وإيمان، كما كان الفرحُ من أولئك للسبب نفسه - وهو عدم الخروج - علامةَ كفر ونفاق، وقد توعدهم الله تعالى: ﴿ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [التوبة: 82]، والضحك هنا كناية عن الفرح، أو أريد ضحكهم فرحاً؛ لاعتقادهم ترويج حيلتهم على النبي - صلى الله عليه وسلم.

جمع المنافقون إلى الفرح - الدال على الجبن، والحرص على السلامة مهما كان الثمن - الشماتةَ، وهي لا تنفك عن الفرح المذموم؛ فإن الشماتة - كما قرر علماء النفس [1، ص194] -: الفرح بشرٍّ ينال الغير، ولا تصدر عن فاضل قط.

يفرح المنافقون، إذا مسَّ المسلمين قَرْح، أو نزلت بهم نكسة، وتبدو عليهم مظاهر الإعجاب؛ لأنهم احتاطوا لأنفسهم، فنجوا وأصيب غيرهم: ﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ ﴾ [التوبة:50].

بئس الفرح هذا الممزوج بالعُجْب والشماتة، والذي ينم عن عدم إيمان بالقضاء والقدر، وعن حقد على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام، وعن تمني الهلاك لهم، وكلُّ هذه القبائح كشف عنها الفرح المذموم في هذه المواطن.

وقد أظهر اليهود كذلك الفرح بمصائب المسلمين، ذكر هذا القرآن الكريم في سياق حديثه عن قبائح أهل الكتاب: ﴿ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ﴾ [آل عمران:120].

إنَّ تشابُهَ المشاعر بين اليهود والمنافقين ليس بمستغرب؛ فالكفر ملة واحدة، فقد قرر القرآن الكريم أن الطائفتين تفرحان بمصاب المسلمين، وليس ببعيد عنا فرحُ كفار قريش بانتصار الفرس على الروم، مع أنه لم تكن هناك مودة[18] أو تعاون بينهما.

إن ضحكةً متبادلةً، أو فرحةً مشتركةً كفيلةٌ بأن تكشف المحبة القائمة بين أعداء الإسلام، والقواسم المشتركة في عداوة الجميع لهذا الدين وأهله، فحَرِيٌّ بالمسلمين أن يجمعهم الفرح المحمود وميادينه، كما جمع الفرح المذموم أعداءهم.


الكافرون والفرح المذموم:

أبرز ما يُلْحظ في حديث القرآن الكريم عن فرح الكافر: أنه فرح غير متَّزن؛ لأن الكافر زائغ القلب، ليس لانفعالاته ضابط من شرع، أو موجِّه من دين؛ فهو لا يؤمن بشيء من ذلك، ولا يرفع به رأساً، أو يدفع به بأساً، ولهذا أُوكِلَ إلى نفسه، فظهر عدم اتزانه، بخلاف المؤمن كما سبق بيان هذا.

عرض القرآن الكريم لهذا الاضطراب في فرح الكافرين في أكثر من آية، منها قوله تعالى: ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ﴾ [هود: 9-10] وعلى الرغم من الاختلاف القائم بين المفسرين في تعيين المراد بالإنسان في هذه الآية، وفي مثيلاتها كقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴾ [الروم: 36]، وقوله تعالى أيضاً: ﴿ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ ﴾ [الشورى: 48].

أقول: على الرغم من هذا الاختلاف[19]، فإن الكافر يدخل فيها دخولاً أوّلياً، فإن أريد هنا جنس الإنسان بعامةٍ - باعتبار أنه جُبِل على عدم الاتزان، وهو قول كثير من المفسرين، كالطبري والخطيب [38، جـ 7، ص 6؛ 44، جـ25، ص 84] - فإن الكافر أبرز أفراد النوع الإنساني في هذا المجال؛ لأن هذا الخُلُق - وهو عدم التوازن [12، جـ25، ص ص 34-135] لا يزيله إلا الإسلام؛ فالذين لم يسلموا باقون عليه.

وإن أريد بالإنسان في هذه الآيات الكافر بخاصة - وهو ما ذهب إليه جمع من المفسرين، كالقرطبي [3، جـ9، ص10] - فقولٌ ظاهر ويؤيده السياق، حيث وُصف الإنسان في الآيتين بأنه كفور، وهو وصف خاص، وقد يعكر صفو هذا القول أن وصف الكفور يشمل الكفر بالله وكفران النعمة، والإنسان بعامة متلبِّس بالوصف الثاني، وإن كان مجيء وصف كفور على صيغة المبالغة يؤيد التوجه الثاني، وعلى كلٍّ؛ فإن الكفر بالله وكفران النعمة بينهما تلازم في أغلب الحالات.

لقد كان لعدم توازن الكافر في انفعالاته مظاهر وآثار منها: أن فرحه محصور في الدنيا، ولا يلتفت إلى نداء الآخرة. يقول الله تعالى: ﴿ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ ﴾ [الرعد:26].

إن في الدنيا أشياء مفرحة تغري بالإنسان، ويبشُّ لها؛ ولكنها قليلة زائلة، يخالطها الكدر والشوائب، وهي لا شيء إذا ما قيست بما في الآخرة من نعيم مقيم يُفرح، وقد أومأت الآية إلى هذا المعنى، وتقدم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لولا أن كتب الله الخلود على أهل الجنة، لماتوا فرحاً).


إن فرح الكافر قاصر مذموم، حين حصره في الدنيا على حساب الآخرة، وما نعيم الدنيا إلا مجرد ذوق، كما أشارت الآيتان السابقتان ﴿ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ ﴾ [الشورى: 48] [23، جـ22، ص15]، وأصل الذوق: أخذ شيء يسير للمعاينة فقط، ولا شك أن نعيم الدنيا كله لا يعدو أن يكون ذوقاً بالنسبة لنعيم الآخرة.

إن فرح الكافر بهذا الذوق، وقناعته به مؤشرٌ على دنوِّ همَّته، وضيق أفقه، فقد رضي أن يكون حظُّه من النعيم هذا الذوقَ وحسب، بخلاف المؤمن؛ لما ذاق فأُعْجِب، تعلقت همَّته بالآخرة محل النعيم المقيم؛ فصار الذوق للمؤمن وسيلة؛ لأنه يسعى إلى سعادة عظمى، والكافر لا يرجو بعد الدنيا سعادةً ولا فرحاً؛ فصار ما في الدنيا غاية عنده.

في قصة سليمان - عليه السلام - مع ملكة سبأ، صورتان متقابلتان لفرح المؤمن وفرح الكافر: لقد فرح أهل سبأ بهديتهم التي حُملت إلى سليمان، وهي شيء تافه إذا ما قيست حتى بنعيم الدنيا، وقد ظنوا أن نبي الله سليمان سيفرح بالهدية كما فرحوا: ﴿ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ * فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ﴾ [النمل: 35 - 36].

أجابهم سليمان بكل استعلاء: أنتم وحدكم الذين تفرحون بمثل هذه التوافه، أما نحن، فإنَّا نفرح بما آتانا الله من إيمان؛ فهو مصدر الفرح الحق.


وثمَّةَ وجهٌ آخر مذموم في فرح الكافر، وهو أنه يفرح بالنعمة من حيث هي نعمة، دونما التفات إلى مصدرها؛ فهو فرح يتعلق بالنعمة نفسها، وليس لكونها من الله تعالى: ﴿ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الرعد: 26]، ﴿ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا ﴾ [الشورى: 48] وحدها.

ذكر الرازي [19، جـ25، ص108] مثالا حسيّاً قرَّب به هذا المعنى، فقال: "لو أن ملكاً وضع أمام أحد الأمراء رغيفاً، أو أمر الخادم أن يضع أمام هذا الأمير زبدية طعام؛ فإن الأمير يفرح بهذا، ولو قدم الملك إلى فقيرٍ رغيفاً، أو زبدية طعام غير ملتفت إليه؛ فإن الفقير يفرح، لكن فرح الأمير يكون بهذا الشيء اليسير من يد الملك، أو بأمره، أما فرح الفقير الغافل، فإنه يكون بالرغيف والزبدية، وشتَّان بين الفرحَيْن، مع أن ما فرحا به شيء واحد".

إن الفرق ظاهر بين حال الكافر في فرحه وحال المؤمن، فارتباط فرح الكافر بالنعمة ذاتها يفسر عدم توازنه؛ لأنه يفرح بها فرح البَطَر إذا أقبلت، ويحزن حزناً شديداً إذا فقدها؛ لافتقاره للضابط المكتسب، الذي يكبح جماع انفعالاته.


أما المؤمن، فإنه حين ترتبط النعمة عنده بالله تعالى؛ فإنه يفرح بها فرح المقرِّ بفضل الله الوهاب لها، فلا يبطر؛ لأن المعطي فوقه يرقب فعله، وإن نزعت منه النعمة، أو فاته الحصول عليها يصبر؛ لاعتقاده أن ما حصل كان بقضاء الله وقدره، وقد تعود إليه، ويظفر بها مرة أخرى ما دام أمرها بيد الله تعالى.

هذا التوازن هو الذي يفتقر إليه الكافر؛ إعجاباً منه بما هو عليه، وتجاهلاً لأي صوت آخر؛ ولهذا كان فرحه فيما لا ينبغي، وعلى الوجه الذي لا ينبغي.

إن هذا المسلك الذي ارتضاه الكافرون أغرى بهم، فجعلهم يُعْرِضون عن دعوة الرسل فرحاً بما عندهم وقناعةً به، وزهداً بما وراءه، ﴿ فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون ﴾ [غافر: 83].

إنها مجموعة من التصورات والأوهام، ظنها الكافرون علماً يرسم لهم منهج حياة؛ ففرحوا بها، إعجاباً وإيماناً؛ فأدَّى هذا إلى الاستهزاء بما عداها، حتى لو جاءت به الرسل.

هذا هو الفرح المذموم بعينه، حين يؤدي إلى الكفر بالحق، والإعراض عنه، والازدراء بمَنْ جاء به؛ فيحرم هذا الفرح الكافرينَ من خير الدنيا بهذا الإعراض، ومن نعيم الآخرة.

إن هذه الأوهام، التي يفرح بها الكافرون متنوعةٌ ومتعددة، فقد تكون عقائدَ جاهلية متوارثة، ظنها أهلها شيئاً، وربما تكون بقايا دين محرَّف، وقد تكون مبادئ بشرية، ونُظُماً وضعية، لكنها - ورغم الاختلاف بينها - يجمعها أنها مبعث فرح في نفوس أصحابها، وفيهم يقول الله تعالى: ﴿ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [المؤمنون:53].

ويلحظ في الآية المتقدمة قوله تعالى: ﴿ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ ﴾ [غافر: 83]، وفي الآية الثانية ﴿ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [المؤمنون: 53]، فهذا الذي يفرحون به من بدعهم هم، أو مما توارثوه واعتادوا عليه، وهو لا يغني من الحق شيئا، أما المؤمنون فإنهم يفرحون بما جاءهم من عند الله؛ فهو الرحمة والشفاء.

ناسب أن يأتي بعدُ قولُه تعالى: ﴿ فَذَرْهُمْ في غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ ﴾ [المؤمنون:54] [13، جـ18، ص ص 73- 74]، وذلك تمثيل لحال اشتغالهم بما هم فيه من الازدهار وترف العيش، عن التدبر فيما يدعوهم إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - لينجيهم من العقاب بحال قوم غمرهم الماء، فأوشكوا على الغرق، وهو يحسبون أنهم يسبحون.

ويظل الفرح المذموم صارفاً لهؤلاء عن الجادة، في الحياة الدنيا، حتى تأتيهم آجالهم، وهم على حالهم، ثم يوم القيامة تتكشَّف لهم الحقائق، فيعلمون أن فرحهم أوردهم النار: ﴿ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ * ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَينَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ * ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ * ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [غافر70-76].

ذلكم العذاب، الذي ورد في الآيات طرفٌ منه بسبب الفرح في الدنيا بغير الحق، وفي هذا إيماء إلى أن الذم متوجه إلى كون الفرح بغير الحق، لا إلى مطلق الفرح، وقد سبقت الإشارة إلى هذا المعنى بشيء من التفصيل.

من مظاهر فرح الكافرين في الدنيا ما صاحَبَه من مرح - ذكرته الآية - وكان إلى جانب الفرح سبباً لما هم فيه من عذاب، والمرح هو: الترجمة الحسية للفرح الباطل كالضحك، والإعراض، والسخرية بالفئة الْمُتَدَيّنة، والتطاول على الناس، وتتبع الملذات من مأكل ومركب، والإعجاب بهذا وأمثاله، والرضا عنه، والحرص عليه؛ فاجتمع في الكافرين فرح القلب ومرح الجوارح، وكلاهما على غير هدى.

إنها أبواب من التِّيهِ والخسران، فُتحت على الكافرين في الدنيا والآخرة، كان مفتاحها الفرحَ الباطل المذموم.


فرح المترفين:

عند الحديث عن فرح المترفين - الحال والمآل - لا نجد أوضح مثالاً من قارون، وقصتُه عَرَض لها القرآن الكريم بشيء من التفصيل؛ لما فيها من عبر وآيات.

إن ترف قارون ومرحه جعله أنموذجاً لكل الأصناف، التي صدرت منها صور من الفرح المذموم؛ فقارون من اليهود الذين عُرف عنهم حب المال وعبادته، وتقديم الفرح به على كل شيء.

أظهر قارون النفاق أيضاً، نقل القرطبي [3، جـ13، ص113] عن قتادة قوله: "كان قارون قد قطع البحر مع موسى، وكان يسمى "المنوِّر"؛ من حسن صوته في التوراة، ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري".

وفي القرآن الكريم أكثر من إشارة إلى كفر قارون، منها قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ﴾ [غافر:23-24]، كُفْرُ قارون عند القاسمي المفسِّرِ ظاهرٌ، لا إشكالَ فيه؛ لأنه في نَظَره من القبط قومِ فرعون، جاء في تفسيره [45، جـ13، ص4725]: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَومِ مُوسَى ﴾ [القصص:76]: "مِن شاكلتهم في الكفر والطغيان، وقومُ موسى جماعته الذين أرسل إليهم، وهم القبط"، وسياق الآيات التي تتحدث عن قارون تأبى ما ذهب إليه القاسمي؛ فإن السياق يشير إلى أن قارون من بني إسرائيل.

قد يبدو من خلال المحاورة بين قارون وقومه أنه كان مؤمناً، كقولهم له:﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص:77] إلى غير هذا من إيحاءات.

ليس فيما ذكر تعارض، فالذي يظهر - والله أعلم - أن قارون تنقل - بسبب فرحه ومرحه - من حالة إلى أخرى أسوأ منها، وهذا من آثار الفرح المذموم، الذي يستدرج صاحبه، ويُغري به حتى يورده النار.

إن قارون كان من بني إسرائيل، قومِ موسى، فآتاه الله تعالى مالاً كثيراً، فرح به فرحاً جعله يتجاوز الحد، فتطاول على قومه، وأعرض عن الاعتراف بفضل الله، وتجاهل الحقوق الواجبة عليه، فاستحق بذلك ما استحق.

هذا التوجيه أوْلى بالصواب من قول الخطيب [44، جـ2، ص383]: "إن قارون بغى على قومه، وانحاز إلى فرعون، فاستدرجه الله تعالى بأن آتاه مالاً كثيراً، فلمّا فُتِن به وفرح، أهلكه الله".

وقد شجع الخطيب وغيرَه على هذا الفهم تقديمُ البغي على الإيتاء؛ مما يومئ بأن البغي سابق: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ [القصص:76]، بيدَ أن تقديم البغي في الآية لا يعني تقدُّمَه في الوجود على الإيتاء، وإنما قُدّم البغي؛ لأنه الوصف الذي توجه إليه الذم، وكان سبباً في هلاك قارون، فكان مناسباً أن يقدم؛ لإبرازه والعناية به؛ إذ الفرح بالإيتاء من حيث هو أمر مباح، إذا شكر صاحبه واعترف بالفضل، وإن نشأ عنه بغي، كان عاقبة صاحبه كعاقبة قارون.


آتى الله تعالى قارون مالاً، ففرح وبغى، فانقسم قومه تجاه مسلكه إلى فئتين:

الأولى: كانت الفئةَ المؤمنة، التي لا تشغلها زخارف الدنيا ولا الفرح بها عن القيم العليا والدار الآخرة، فانبرت هذه الفئة إلى قارون ومن فُتِن به واعظةً ومحذرة: ﴿ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ [القصص: 76]، ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص:77]، والفَرِح بكسر الراء: مَن أكثر من الفرَح، وتخلَّق به على الدوام [32، جـ2، ص 299 بتصرف]، حتى يصير خُلُقاً فيه، فينقلب من انفعال نفسي معفوٍّ عنه إلى صفة مذمومة بآثارها.

فرّق بعض العلماء - كالفراء [46، جـ2،ص 311] - بين الفرِح والفارح بما يدل على أن الفرِح أكثر تلبُّساً في الفعل، فهو صفة مبالغة [44، جـ2، ص385]، ونقل الآلوسي [23،جـ19، ص 112؛ 24، جـ7، ص 133] عن عيسى بن سليمان الحجازي أنه قرأ (الفارحين) بالألف؛ مما يدل على أن للتفريق أصلاً معتبراً.

إن عامة المفسرين، وإن لم يشيروا إلى هذا الفرق، إلا أنهم فسروا لفظة "الفرِح" في الآية بما يتسق مع التفريق المتقدم.

ذكر الطبري [38، جـ20،ص 70] عن ابن عباس: "الفرحين: المرحين"، وعن مجاهد: "المتبذخين، الأشرين، البطرين"، وعند القرطبي [3، جـ31، ص413] عن مجاهد: "الباغين"، وعن ابن بحر: "لا تبخل؛ إن الله لا يحب الباخلين"، وعن بشر بن عبد الله: "لا تفرح: لا تفسد".

إن موعظة القوم لقارون كانت معتدلةً متزنة، فإنه لم يُنْهَ عن الفرح المعتدل، الذي لا يُنسي الشكر، وإنما وُجّه النهي إلى الفرح المبالغ فيه، والذي يُفضي إلى الفساد والبطر، وهو ما عبر عنه المفسرون بعبارات متنوعة.

إن هذا المعنى ينتظم مع التوجه العام للقرآن في حديثه عن الفرح، حين لم يذمَّ القرآن الفرح لذاته؛ وإنما لمتعلقه، كما هو الشأن في قصة قارون.

إن قارون لم يبتغ فيما آتاه الله الدار الآخرة، وإنما كان همه الدنيا فقط، ولم يحسن إلى الناس كما أحسن الله إليه، ودفعه فرحه المذموم إلى البخل، فوعظه قومه في هذه الأمور؛ لكنه لم يُلقِ لهم بالاً، وحمله فرحه إلى العُجْب بنفسه ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ﴾ [القصص:78].


الثانية: الفئة المفتونة: كانت الموعظة من الفئة المؤمنة إلى أولئك الذين فتنوا بكنوز قارون، وتمنوا شيئا منها ﴿ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [القصص:79]، يُنْسب لأرسطوطاليس كلامٌ يناسب هذا الموقف، والحكمةُ ضالة المؤمن، جاء في كلامه: "العلة في ميل الناس إلى اللذات الجسمية، وفي هربهم من اللذات المعنوية؛ لأنهم مع هذه اللذات ينمون وإياها يألفون، وإنهم ظنوا أنها الأَوْلى في الاختيار؛ لأنها بنظرهم تدفع الحزن... وقال: إن الأكثر منهم لم يذوقوا لذة المعرفة، فيعرفونها، ومن عرف لذة المعرفة، يصبر على ما هو أمامها من الكد والتعب والخطر حتى يصل إليها... ثم قال: فإنه لا سبيل إلى لذة المعرفة من غير رفض كثير من الشهوات واللذات، ومن غير هجران لذة الراحة والخرافات، وليس بهيّنٍ رفضُ هذه اللذات وهجرانها" [12، ص ص142-143].

ويختصر هذه المعاني كلها قوله تعالى في سياق قصة قارون: ﴿ وَلا يُلَقَّاهَا إلاَّالصَّابِرُونَ ﴾ [القصص:80].

إن أصحاب الفرح الباطلِ والمرح - قارون وأمثاله - فتنةٌ لغيرهم من الناس، بخاصة أولئك الذين تعلقت نفوسهم بالدنيا ومتاعها، فكانوا بحاجة إلى تقريع يعيد لهم صوابهم، وهو ما قامت به الفئة المؤمنة، التي تستحق الوصف بالوصف المتقدم، قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ [القصص:80].

إن الصبر المكتسب والمأمور به شرعاً خيرُ ضابط لانفعالات الإنسان، وأفضل معين على زينة الدنيا وفتنتها، والصبر أكمل وأكثر نفعاً من الضوابط التي وضعها الفلاسفة وعلماء النفس، والتي سبقت الإشارة إليها: كالمكابدة، وقوة الإرادة، وقوة التفكير، مع الإقرار بأن الصبر يتضمنها.

﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَومِهِ في زِينَتِهِ ﴾ [القصص:79]، والتعبير بعلى يتضمن معنى التكبر والتطاول، حمله فرحه على المرح، فأظهر ماله، وعرض زينته، وصاحب هذا ازدراءٌ لقومه؛ لأنهم لا يملكون ما يملك.

عاجل الله تعالى قارون - وهو على هذه الحالة - بعقوبة عجيبة مخيفة ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ ﴾ [القصص:81]، وهو نص يلقي ظلالُه رهبةً في النفوس، فيحسن أن نتركه دون تفصيل، خلافاً لجمع من المفسرين، أتوا في هذا المقام بكلام لا خطام له ولا زمام، خسف به وبدراه الأرض وكفى؛ لأنه أنموذج خطر على المجتمعات، وفتنة ظاهرة كان في هلاكه تقويم لمفاهيم كاد يعصف بها الفرح المذموم، لولا أن عاجَلَ الله قارون بالخسف، وخسف معه هذه التصورات الباطلة.


لقد ظهر هذا في تراجع الفئة التي فتنت بقارون حين أمسوا مفتونين، وأصبحوا نادمين ﴿ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ [القصص:82]، ذُكرت قصة قارون في سورة مكية، تلاها المسلمون في مكة، يوم أن كان الصراع على أشده، فكانت مناسبةً لما كان عليه بعض كفار قريش - كالوليد بن المغيرة - من تطاولٍ على الرسول والرسالة، وسخرية بالمسلمين بسبب كثرة ماله وعياله: ﴿ أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ﴾ [القلم:14-15].

جاء ذكر هلاك قارون مؤذناً بأن المال لا ينجي من عذاب الله تعالى، وكان في هلاكه وعيد شديد، لمن هم على شاكلته من أهل قريش، ومن بعدهم من المترفين المنحرفين، وتسلية للمؤمنين، ومبعث فرح لهم بأنهم على خير وإلى خير بفضل الله.

نهاية قارون دليل واضح على أن الإيتاء لا يدل على الرضا من المعطي، ولا على إكرام، ولا كان هذا العطاء مانعاً من العذاب، بل قد يكون العطاء طريقاً للهلاك، ومؤشراً على قربه ﴿ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام:44]، ولمّا غابت هذه الحقيقة عن المترفين، صارت أموالهم مدعاةً للفرح والبطر، بدلاً من أن تكون فرصةً للتأمل والمراجعة.


مر بنا عند الحديث عن الفرح المذموم شيء من آثاره السلبية، وقد يكون بعض هذه الآثار توارى في ثنايا الحديث، فيحسن بنا - والحالة هذه - أن نوجز ذكرها؛ لإبرازها:

1 - الفرح المذموم يجعل صاحبه يسيء الظن بالله؛ لأنه يخشى أن ينزع الله منه الأشياء المفرحة، والفرح المذموم - الذي لا ضابط له - يؤدي إلى حزن مذموم لا ضوابط له عند فوات نعمة، أو حصول نقمة، وهذا الشعور يفضي إلى التسخط، وعدم الرضا بالقضاء والقدر؛ وهذا هو الخسران بعينه.


2 - الفرح المذموم يلهي عن شكر المنعم؛ لانشغال صاحبه بالفرح وآثاره المتمثلة بالمرح بأنواعه، ولاعتقاده بأن لا فضل لأحد عليه، ولقد قالها قارون من قبلُ حين دُعي إلى الشكر: ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ [القصص: 78]، إن عدم الشكر سبب مباشر لنزع النعم، ولعذاب الله ﴿ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم:7].


3 - من آثار الفرح المذموم الركون إلى الدنيا، والرضا بها، والحرص عليها؛ خشيةَ أن يفوته بعض ما فيها من وسائل الفرح ودواعيه، وهذا يشغله - ولا شك - عن الآخرة والعمل لها.

إن من كانت هذه حالَه، يفتقر إلى التعقل والاتزان؛ لأنه يعيش للشهوات وفيها، وهذا يذكِّر بقول أرسطو: "ليس بين اللذات الجسمية وبين التعقل مشاركة؛ والدليل أن اللذة المفرطة تجعل الإنسان هائم العقل مضطرباً، وإنما تكون المشاركة بينها وبين السفه والغلمه" [12، ص144].


4 - الفرح المذموم يدفع صاحبه إلى البخل، ويرغِّبه فيه؛ لأن من طبيعة الإنسان أن يحرص على ما يجلب له الفرح [44، جـ27، ص884]، ويتفنن في طرق جمعه، ولا يقتصر الأمر على البخل؛ بل يتعدى إلى الأمر به، والحث عليه؛ ليكثر حزب المترفين البخلاء بإزاء حزب الفقراء، وحتى لا يكون هذا البخيل وحيداً.

لقد نبه القرآن الكريم على هذا التلازم، فقد جاء بعد الآية التي تنهى عن الفرح المفرط في سورة الحديد - ذمُّ البخل والذين يأمرون به، في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ﴾ [الحديد:24].

وقد ناسب أن يأتي بعد آية سورة الروم: ﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا ﴾ [الروم: 36] الأمرُ بإعطاء الحقوق لأهلها، والنهي عن الربا؛ لأن الفرح مظنَّة أن يبخل الإنسان، فلا يجود بالحقوق، وهو كذلك مظنَّة أن يحرص الإنسان على جمع المال دون ضوابط، ولهذا أعقب الآية السابقة قوله تعالى: ﴿ فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ﴾ [الروم:38]، ثم قوله تعالى ﴿ وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ ﴾ [الروم:39].


5 - يورث الفرح المذموم صاحبه العُجْبَ؛ بسبب حصوله على ما يفرح، والعُجْبُ مدعاة للاستهزاء بالآخرين، والبغي عليهم، كما فعل قارون، والسخريةُ والاستهزاء [1، ص108] نوع من أنواع الفرح.


6 - الشماتة: هي الفرح بشرٍّ ينال الآخرين؛ فهي من آثاره المذمومة، فمن نجا بنفسه، فرح وشمت بمن أصيب، ومن نجح من هؤلاء في أمر، فرح وشمت بمن فشل.


7 - الإنسان الفرِح المرح بالباطل فتنة للناس، وخطر على المُثُل العليا، وقد تؤدي ظاهرة انتشار الفرح المذموم إلى اختلال الموازين في المجتمع، وإلى الخطأ في تقدير الأشياء والحكم عليها.


8 - أصحاب الفرح المذموم يُعْرضون عن دعوات الخير والصلاح، ويناصبون أهلها العداوة، إما فرحاً بما اعتادوا عليه وألفوه، وإما لأن هذه الدعوات تدعو إلى الاتزان والتوسُّط، والفرح يشرق بهذه المعاني السامية.


الفرح المباح:

إن بين الفرح المحمود والفرح المذموم قسماً ثالثاً يمكن أن يسمى بالفرح المباح، ومن رامَ أن يلحقه بالقسم الأول، فلن تعجزه حجة.

وقد مضى في البحث إشارات إلى الفرح المباح، لا أخالها خفيت على القارئ، بيدَ أنّ لَمَّ شعث هذا الفرح؛ لينتظم في صعيد واحد - أحرى أن تتضح معالمه.

الفرح - هذا الانفعال الفطري - لا تكاد تخلو منه نفس بشرية؛ فإنها تفرح، وتُبدي سرورها ورضاها، حين تباشر ما من شأنه أن يفرحها في العادة، على اختلاف في الأشياء المفرحة بين إنسان وآخر، فقد يطير إنسان ما فرحاً بشيء، لا يحرك هذا الشيء نفسُه ساكناً عند آخر، ولا عجب، فإن المفرحاتِ أشياءُ مكتسبة، بخلاف الفرح نفسه، هذا مع الإقرار بوجود أشياء يفرح عامة الناس بها؛ كالمال، والنجاح، والحياة، والتميز، وما شابه ذلك.


إن الحياة من حيث هي مبعث فرح في النفس، فالله تعالى سمى الموت مصيبة: ﴿ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ﴾ [المائدة:106]، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول حين استيقاظه: (الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا)[20].

لقد ظهر لنا - مما تقدم في البحث - أن الفرح على البراءة الأصلية، مباح، معفو عنه؛ كونه انفعالاً، ما لم يطرأ عليه مؤثر خارجي يحيله إلى فرح محمود، أو مذموم، ومن هنا وجّه الشرع عنايته إلى تهذيب الفرح وضبطه.

إن المسلم أَوْلى الناس بهذا الفرح؛ فإن فيه إظهاراً لنعمة الله تعالى، وانسجاماً مع طبيعة النفس السوية.

لقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يضحك ضحك الفرح عندما يرى ما يسره، وكان يضحك مما يضحك الناس، وكان يتعجب مما يُتَعَجّب من مثله، ويستغرب وقوعه [47، جـ1، ص46].

وقدم جعفر بن أبى طالب - رضي الله عنه - من الحبشة إلى المدينة، يوم أن فتح الرسول - صلى الله عليه وسلم - خيبر، فتلقاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقَبَّل جبهته، وقال: (والله ما أدري بأيّهما أفرح: بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟) [47، جـ2، ص 144].

ها هو - صلى الله عليه وسلم - يفرح، ويسعى؛ ليفرح أصحابه معه، فقد جاء في حديث الدجال قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لكن تميماً أتاني، فأخبرني خبراً منعني القيلولة؛ من الفرح وقرة العين، فأحببت أن أنشر عليكم فرح نبيكم)[21]، وكان الصحابة الكرام إذا رأوا الغيم، فرحوا[22]؛ استبشاراً بنزول المطر وإنبات الأرض، وما يتبع ذلك من خيرات تتمناها النفس، وتفرح بها.

في ضوء ما تقدم، لا نتفق مع صاحب "روح البيان" في قوله [49، جـ7، ص38]: "أهل المحبة والإرادة - سواء نالوا ما يلائم الطبع أو فات عنهم ذلك - فإنهم لا يفرحون، ولا يحزنون؛ كما قال الله تعالى: ﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ﴾ [الحديد:23]"، ولو قيَّد الفرح بما يخرجه عن حد المباح، وكذا الحزن، لأصاب؛ لأنه الذي تدل عليه الآية التي استند إليها؛ بل إنه لأمرٌ متعذر أن لا يفرح الإنسان ولا يحزن، والمطالبة بهذا المسلك مثالية، تتجاهل طبيعة الإنسان، وقد رأينا مثل هذا التوجه عند بعض الفلاسفة، مثل سقراط، ومن تبعه مثل الكندي [50، ص ص 168- 170]، حيث يرى هؤلاء: أنه لا ينبغي للإنسان أن يقتني أشياء مفرحة؛ لأنه إذا فقدها حزن، وقد كان هؤلاء يروجون للفرح العقلاني الذي لا ضد له، وشتان بين الدعوة إلى التجاهل والدعوة إلى الاتزان.

إن شرع الله أحكم، وهديَه - سبحانه - أكمل، حين أباح الفرح بما يُفرح باعتدال، ورغَّب في الشكر عليه، وأباح الحزن على ما يُحزن باعتدال أيضاً، ورغَّب في الصبر، وهو ما ينسجم مع طبيعة النفس السوية.

إن توبيخَ الله تعالى للكافرين بقوله: ﴿ ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ في الأَرْضِ بِغَيرِ الْحَقِّ ﴾ [غافر:75] - دليلٌ على أن الفرح بالحق - وهو المحمود والمباح - جائز.

وفي حديث التوبة المشهور دلالة واضحة على إباحة الفرح في أمور الدنيا؛ لأن فرح الله تعالى شُبِّه به - مع نفي المماثلة والمشابهة - ولا يشبه فرح الله إلا بمباح، (لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة".

وفي رواية ذكرها صاحب "دليل الفالحين" نقلاً عن ابن عساكر في أماليه، عن أبي هريرة مرفوعاً: (لله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد، ومن الضال الواجد، ومن الظمآن الوارد" [6، جـ1، ص86]، وهذه كلها صور لفرح في أمور الدنيا.

يبد أن الفرح المباح ينبغي أن يحترز منه، لا خوفاً من أن يتجاوز الحد، فيصبحَ مذموماً، فهذه مسألة سبق الحديث عنها، وتحديد معالمها، ولكنّ ثمةَ مسألةً أخرى: وهي أن الفرح المباح قد يشتد، فيوقع صاحبه في أخطاء غير مقصودة، في أثناء تعبيره عن هذا الفرح.

في حديث التوبة المتقدم ما يؤكد هذا الأمر، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل الذي فقد بعيره ثم وجده: (ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح)، والأمر ما قال علماء النفس في هذا المجال: بأن الانفعالات الهائجة لا تكاد تنجو النفس من آثارها الضارة بالوظائف الفعلية؛ فالانفعال العنيف يُشوّه الإدراك، ويعطل التفكير المنظم، والقدرة على حل المشكلات، ويضعف القدرة على التذكر والتعليم، ويشل سيطرة الإدراك [50، ص167].

قال بعض شرَّاح الحديث [6، جـ1، ص86]: "أي: تجاوَزَ الصواب، وهو قوله: أنت ربي وأنا عبدك، إلى ما قاله من الخطأ من شدة الفرح؛ لما تقرر من أنه ربما اشتد حتى منع صاحبه هذا من إدراك البدهيات، فضلاً عن غيرها".

لقد وضع هذا الحديث قاعدة جليلة طالما دفع الثمن غالياً من جهلها أو تجاهلها، ذلك أن الفرح - كما يقول ديكارت [1، ص68] - يجعل الذين يستسلمون له جسورين وغير مبالين، وهذا ما يجعل الفرح في العادة أشد ضرراً على النفس من الحزن، ومن قبلُ قال أفلاطون [12، ص144]: "إن اللذة المفرطة تجعل الإنسان هائم العقل مضطرباً".

وأكمل من هذا وذاك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين جعل شدة الفرح مظنة للوقوع في الخطأ، وكأن بينهما تلازماً، وقد يكون الخطأ في القول، أو الفعل، أو في تقدير الأمور، ولهذه الجوانب صور لا حصر لها.

لا تكاد تخلو الذاكرة من حادثة - أو حوادث - مؤسفة سُمعت أو شوهدت، أعقبت فرحاً،فأعقبها حزن - كالتهور في قيادة السيارات مثلاً - كان القصد منها التعبيرَ عن الفرح؛ فأدت إلى حالات وفاة، أو إعاقة دائمة تظل ماثلة أمام الناس، ومن العجب أنها نشأت بسبب التعبير عن الفرح، يقول ديكارت [1، ص83]: "إن دفع الأشياء التي تضر، ويمكنها أن تهدم أهمُّ من اكتساب الأشياء التي تضيف كمالاً، نستطيع أن نستمر في الحياة بدونه".

وقد سبق الشرع الحكيم إلى هذا المعنى في القاعدة المشهورة التي تقول: "دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة".

وليس ببعيد عن هذا التجاوزاتُ غيرُ الشرعية في المبالغة في المباحات، أو التهاون في المفروضات، عن قصد أو من دون قصد؛ ومَرَدُّ ذلك كله شدة الفرح المباح في أصله.


الخاتمة:

وختاماً: أرى - لزاماً - أن أوجز - في فقرات معدودة - أبرز ما تضمنه هذا البحث؛ إتماماً للفائدة، ومتابعة للعادة السائدة:

1 - الإنسان - من حيث هو بانفعالاته وصفاته التي جبل عليها - غيرُ متزن، وقد تكفّلت النصوص الشرعية بالضبط والتوجيه؛ ليتمكن هذا الإنسان من التعامل والتفاعل مع ما حوله على الوجه الحسن.


2 - الفرح انفعال ظاهر في النفس البشرية، لا يلحقه مدح أو ذم - من حيث هو - وإنما يكون المدح والذم بحسب متعلقه.


3 - عُني القرآن الكريم بالفرح في آيات كثيرة، عرضت له بطريقة مباشرة و غير مباشرة، منثورة في سوره الكريمة، يستفاد من هداياتها مجتمعة أن الفرح ثلاثة أقسام: محمود، ومذموم، ومباح.


4 - ذكر القرآن الكريم الفرح المحمود، المتمثل بالفرح في الدين الإسلامي، وبكل ما يتصل به، فأمر الله به، وأعلى من شأنه، وعرَّض بمن أعرض عنه؛ لما لهذا الفرح من فوائد حميدة، وآثار مفيدة.


5 - للفرح المذموم صور متنوعة، أسندها القرآن الكريم إلى طوائف مذمومة، وهي اليهود، والمنافقون، والكافرون، والمترفون، تحدَّث من خلالها عن دوافع الفرح المذموم، وآثاره السلبية بما يكفي؛ للتبصير والتحذير لكل حريص متأمل.


6 - الفرح المباح ينسجم مع الطبيعة السوية للنفس البشرية، مع ضرورة الاحتراز منه؛ لأن للتساهل في شأنه، أو المبالغة فيه عواقبَ غيرَ محمودة.


7 - تَمَيُّز المنهج القرآني بشأن الانفعالات - في الحكم والضبط والتوجيه - مع وجود قواسم مشتركة بينه وبين بعض ما ورد عن مدارس الفلسفة، وعلم النفس في هذا المجال.



والله أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.


المراجع:

1 - ديكارت، رينيه (ت1561م). "انفعالات النفس"، ترجمة وتقويم وتعليق: جورج زيناتي، ط1، بيروت: دار المنتخب العربي للدراسات والنشر والتوزيع، 1413هـ.

2 - سبيعي، عدنان. "المدخل إلى عالم النفس الإسلامي"، ط1، دمشق: دار قتيبة، 1411هـ.

3 - القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد (ت671هـ). "الجامع لأحكام القرآن"، بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1405هـ.

4 - عطية الله، أحمد. "سيكولوجية الضحك"، القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، 1947م.

5 - ابن القيم، محمد بن أبي بكر (ت751هـ). "الضوء المنير على التفسير"، جَمَعه علي الحمد الصالحي، الرياض: مؤسسة النور، د.ت.

6 - الزبيدي، زين الدين أحمد. "مختصر صحيح البخاري"، المسمى: "التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، تحقيق إبراهيم بركة، ط4، بيروت: دار النفائس، 1409هـ.

7 - الصديقي، محمد بن علان (ت1057هـ). "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين"، بيروت: دار الكتب العلمية، د.ت.

8 - ابن حجر، أحمد بن حجر العسقلاني (ت 852هـ). "فتح الباري بشرح صحيح البخاري"، د.م: دار الفكر للطباعة والنشر، د.ت.

9 - ابن القيم، محمد بن أبى بكر (ت 751هـ). "التفسير القيم"، جَمعه محمد أوس الندوي، تحقيق محمد حامد الفقي، مكة المكرمة: مطبعة السنة المحمدية، 1949م.

10 - عثمان، عبد الكريم محمد. "الدراسات النفسية عند المسلمين والغزالي بوجه خاص"، ط2، القاهرة: مكتبة وهبة، 1401هـ.

11 - عبد الله، حسن إبراهيم. "مقدمة في فلسفة التربية الإسلامية من التربية الطبيعية الإنسانية"، الرياض: دار عالم الكتب، 1405هـ.

12 - العامري، أبو الحسن محمد بن يوسف ( ت 381هـ). "السعادة والإسعاد في السيرة الإنسانية"، دراسة وتحقيق أحمد عبد الحليم عطية، القاهرة: دار الثقافة للنشر والتوزيع، د.ت.

13 - ابن عاشور، محمد الطاهر. "تفسير التحرير والتنوير"، د.م: د.ن، د.ت.

14 - ابن فارس، أبو الحسن أحمد (ت 395هـ). "مقاييس اللغة"، تحقيق عبد السلام هارون، ط 2، القاهرة: مصطفى البابي الحلبي، 1319هـ.

15 - الأزهري، أبو منصور بن أحمد (ت 282هـ). "تهذيب اللغة"، تحقيق عبدالله درويش، ومراجعة محمد النجار،القاهرة: دار الكتب المصرية للتأليف، د.ت.

16 - الزاوي، الطاهر أحمد. "ترتيب القاموس المحيط"، بيروت: دار الكتب العلمية، 1399هـ.

17 - الراغب، أبو القاسم حسين بن محمد (ت 502هـ). "المفردات في غريب القرآن"، تحقيق محمد سيد كيلانى، بيروت: دار المعرفة، د.ت.

18 - ربيع، محمد شحاتة. "التراث النفسي عند علماء المسلمين"، د.م، دار المعرفة الجامعية، 1993م.

19 - الرازي، فخر الدين محمد بن عمر (ت 606هـ). "التفسير الكبير"، د.م، دار الفكر، 1410هـ.

20 - الفيزوزآبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب (ت 817هـ). "بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز"، القاهرة: لجنة إحياء التراث الإسلامي، 1383هـ.

21 - مجلة "الفيصل"، ع 251، مقالة الشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل.

22 - ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم (ت 711هـ). "لسان العرب"، بيروت: دار صادر، د.ت.

23 - الآلوسي، شهاب الدين محمود (ت 1270هـ). "روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني"، بيروت: دار إدارة الطباعة المنيرية، د.ت.

24 - أبو حيان، محمد بن يوسف بن علي ( ت 754هـ). "البحر المحيط"، ط1، بيروت: دار الكتب العلمية، 1413هـ، ودمشق: دار الفكر، 1398هـ.

25 - الترمذي، محمد بن عيسى (ت 279هـ). "جامع الترمذي"، ط2، الرياض: دار السلام للنشر والتوزيع، 1421هـ.

26 - رضا، محمد رشيد. "تفسير القرآن الحكيم"، الشهير بـ"تفسير المنار"،ط2، بيروت: دار المعرفة، د.ت.

27 - صليبا، جميل. "المعجم الفلسفي"، بيروت: دار الكتاب اللبناني، 1971م.

28 - ابن القيم، محمد بن أبي بكر (ت 751هـ). "الروح"، تحقيق أحمد أنيس عبادة، ومحمد فهمي السرحاني، د.م: مكتبة نصير، د.ت.

29 - الكنوي، أيوب بن موسى الحسيني (ت 1094هـ). "الكليات"، تحقيق عدنان درويش، ومحمد المصري، دمشق: منشورات وزارة الثقافة، 1976م.

30 - أنيس، إبراهيم وزملاؤه. "المعجم الوسيط"، القاهرة: دار المعارف، 1393هـ.

31 - الزمخشري، محمود بن عمر (ت 538هـ). "أساس البلاغة"، ط2، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1985م.

32 - ابن عطية، أبو محمد عبد الحق (ت 541هـ). "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز"، ط1، بيروت: دار الكتب العلمية، 1413هـ.

33 - السهارنفوري، خليل أحمد (ت 1346هـ). "بذل المجهود في حل أبي داود"، ط2، الرياض: دار اللواء، د.ت.

34 - اليحصبي، مالك بن أنس. "الموطأ"، شرح وتعليق أحمد عرموس، بيروت: دار النفائس، 1390هـ.

35 - المنذري، الحافظ زكي الدين عبد العظيم الدمشقي (ت 656هـ). "مختصر صحيح مسلم". تحقيق ناصر الدين الألباني، ط6، بيروت: المكتب الإسلامي، 1407هـ.

36 - المليجي، عبد المنعم عبد العزيز. "تطور الشعور الديني عند الطفل المراهق" ط1، القاهرة: دار المعارف، 1955م.

37 - الزمخشري، محمود بن عمر (ت 538هـ). "الكشاف عن خصائص التنزيل"، بيروت: دار المعارف، د.ت.

38 - الطبري، محمد بن جرير (ت 310هـ). "جامع البيان عن تأويل آي القرآن"، القاهرة: دار الحديث، 1407هـ.

39 - قطب، سيد إبراهيم (ت 1386هـ). "في ظلال القرآن"، ط12، جدة: دار العلم بالتعاون مع دار الشروق، 1406هـ.

40 - ابن كثير، إسماعيل الدمشقي (ت 774هـ). "تفسير القرآن العظيم"، بيروت، دار المعرفة، د.ت.

41 - ابن سعدي، عبد الرحمن بن ناصر. "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، بيروت: دار عالم الكتب، 1988م.

42 - الفيزوزآبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب (ت 817هـ). "بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز"، القاهرة: لجنة أحياء التراث الإسلامي، 1383هـ.

43 - ابن قدامة، احمد بن محمد المقدسي (742هـ). "مختصر منهاج القاصدين"، تحقيق زهير الشاويش، ط7، بيروت: المكتب الإسلامي، 1406هـ.

44 - الخطيب، عبد الكريم. "التفسير القرآني للقرآن"، د.م: دار الفكر العربي، د.ت.

45 - القاسمي، محمد جمال الدين (ت 1332هـ). "محاسن التأويل"، ط1، القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي، 1397هـ.

46 - الفراء، محمد أبو بكر (ت 207هـ). "معاني القرآن"، تحقيق ومراجعة محمد علي النجار، القاهرة: الدار المصرية للتأليف والنشر، د. ت. 1966م.

47 - ابن القيم، محمد بن أبي بكر (ت 751هـ). "زاد المعاد في هدى خير العباد"، القاهرة: دار الفكر للطباعة، د.ت.

48 - القزويني، أبو عبد الله محمد بن يزيد (ت 273هـ). "سنن ابن ماجه"، تحقيق محمد مصطفى الأعظمي، ط 1، الرياض: د.ت.، 1403هـ.

49 - البرسوي، إسماعيل حقي (ت 1137هـ). "تفسير روح البيان"، بغداد: مكتبة المثنى، د.ت.

50 - راجح، أحمد عزت. "أصول علم النفس"، ط 1، الإسكندرية: د.ن، 1976م.



[1] رواه البخاري [6، ج1، ص475].

[2] معنى حديث رواه كثيرون منهم البخاري كما تقدم [6، ج1، ص475].

[3] أخرجه الترمذي [25، ج8، ص603].

[4] أخرجه الترمذي [25، ج4، ص597].

[5] أخرجه أبو داود [33، ج14، ص93]. وفي هذا الحديث دليل على أن الانفعالات محلها القلب، ويؤكد هذا قوله تعالى: ﴿ سَنُلْقِي في قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ﴾ [آل عمران:151]، وقوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا في قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ﴾ [الحديد: 27]، وعلى هذا الفلاسفة الأقدمون، وخالف في ذلك ديكارت [1، ص31]، والقول ما قال الشرع بنصوصه الصريحة.

[6] أخرجه أبو داود [33، ج19، ص41].

[7] رواه مالك [34] ص652].

[8] رواه مالك [34، ص650].

[9] رواه مسلم [35، ص486].

[10] أخرجه الترمذي [25، ج4، ص22].

[11] رواه البخاري [6، ج2، ص25].

[12] أخرجه أبو داود [33، ج4، ص147].

[13] رواه البخاري [6، ج1، ص361].

[14] رواه البخاري [6، ج1، ص210].

[15] رواه البخاري [6، ج1، ص204] ورواه مسلم [35، ص565].

[16] أخرجه الترمذي [25، جـ4، ص 483].

[17] أخرجه البخاري [6، جـ1، ص 204] ومسلم [35، ص 565].

[18] لسيد قطب [39، جـ5، ص 2757] كلام نفيس في ظلال هذه الآية.

[19] للرازي [19، جـ22، ص 121] تفصيل لطيف في هذه المسألة، ساق فيها مسوغات الفريقين فيما ذهبا إليه كلها معتبرة، ويبقى الترجيح للسياق.

[20] أخرجه أبو داود [33، ج7، ص319].

[21] أخرجه ابن ماجه [48، جـ2، ص 397].

[22] رواه البخاري في كتاب التفسير [6، جـ1، ص 415].



نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

مقالات ذات صلة
فرح العيد عبادة
أعيادنا فرحة الأطفال
فبذلك فليفرحوا (1 /3)
فبذلك فليفرحوا (2/3)
فبذلك فليفرحوا (3/3)
فقه الفرح في الكتاب والسنة
الفرح يكون مذموما وغير مذموم
الله لا يحب الفرحين
أسرار قرآنية: فن الاستحضار
حياة اﻷرواح واﻷبدان في كلمة قرآنية!
آيات عن الفرح
الطريق إلى الفرح

مختارات من الشبكة
الفرح في الإسلام(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
الفرح برمضان(مقالة - موقع الشيخ د. عبد الله بن محمد الجرفالي)
الفرح المحمود والمذموم (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
ثقافة الفرح(مقالة - آفاق الشريعة)
مرجع الفرح واللذة الناتجين من العمل التطوعي(مقالة - آفاق الشريعة)
الفرح بالطاعات وقول النبي صلى الله عليه وسلم: للصائم فرحتان(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
الفرح المذموم وغير المذموم(محاضرة - موقع الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الزومان)
الفرح بالطاعات وقول النبي صلى الله عليه وسلم : للصائم فرحتان...(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
الفرح بقدوم رمضان المبارك(مقالة - ملفات خاصة)
عاشوراء الفرح والحزن(مقالة - آفاق الشريعة)



تعليقات الزوار
ترتيب التعليقات تصاعدياًتنازلياً
3- مكانة الفرح في الإسلام
جهاد جمال النجار - مصر 28-10-2012 12:56 pm
عند النظر إلى الآيات اللتي تدل على الفرح المحمود نري أن الفرح له مكانه عظيمة في الإسلام فنرى مع صعوبة الحياة إلا أن الله جعل مع كل صلاة راحة وتلاوة القرآن متعة وفرحة ومع الذكر طلاوة فإن الفرح هو أصل الدين والحياة ما دام مع طاعة الله تعالى وشكرا

2- بحث متميز
أبو إياس - اليمن 09-09-2010 10:37 am
جزاك الله كل الخير أخي .. وكتب لك الأجر بكل جهد بذلته وبكل حرف كتبته .. لقد مرت علي فترة ليست بالقصيرة وأنا أبحث عن دراسة متكاملة في هذا الموضوع .. وقد وجدت ضالتي هنا.

1- اضافة
الباحث مرشد الحيالي - الامارات 03-07-2009 09:14 pm
يوجد كتاب بعنوان مفرح النفس (ما يجلب الفرح والسرور من الأطعمة والأدوية والأنغام والعطور) لكنه طبعا ليس فيما يخص الانفعالات النفسية وكيف ان القران وجهها التوجيه السليم وانما هو في كل ما يجلب الفرح والسرور للنفس الإنسانية من أدوية وغيرها، ويكاد هذا الكتاب أن يكون الكتاب الوحيد في بابه في التراث الطبي القديم، وقد كتب هذا الكتاب في النصف الأول من القرن السابع الهجري. اما ما يتعلق بربط الانفغالات النفسية كالفرح والحزن فكما اشار الباحث الى انه لم يؤلف في ذلك كتاب مستقل وانما هناك اشارات في كلام العلامة ابن القيم في ثنايا كتبه مثل روضة المحبين وغيره ،ولعل ذلك خطوة دافعة للباحثين من اجل الكتابة في بعض معاني القرآن ضمن موضوع معين يدرس من جميع جوانبه مثل الصدق او التوكل وغير ذلك وهو بلا شك يفتح على الباحث افاقا واسعة في فهم لقرآن ومعرفة اسراره ومعانيه ، والشكر موصول الى الباحث الكريم فقد ظهرت بحق لمساته وابداعاته في البحث .

كتبه


زيد عمر عبدالله

الفرح: دراسة قرآنية تربوية

منقول
محب الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:58 AM بتوقيت مسقط


Design By: aLhjer Design
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Translated By Sma-jo.com