| |||||
|
06-22-2010, 11:06 PM | #1 |
إداري تاريخ التسجيل: Jun 2010 المشاركات: 1,222 | قواعد في الحكم على الآخرين ( 2 ) (( القاعدة الثالثة )) صفاء السريرة على المحكوم عليه وإحسان الظن به مطلب أساسي في الحكم عليه أقول: إن نقاء السريرة وصفائها على إخوانك أمر واجب ما استطعت إليه سبيلاً وهو سبب من أسباب دخول الجنة ، والكل يعلم حديث الرجل الذي قال فيه النبي ثلاث مرات : ( يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة ) وفي آخره قال الرجل لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم : " ماهو إلا ما رأيت يابن عمرو غير أني لا أبيت وفي قلبي غلاً لأحدٍ من عباد الله " ، أو كما قال رضي الله عنه . وهذا أمر وإن كان في بداياته صعب غير أنه يسير على من يسره الله عليه ، وهذه القاعدة العظيمة المهمة لو روعيت في الحكم على الآخرين لسقط ثلاثة أرباع هذه الأحكام التي بنيت على عداواتٍ مسبقة أو غيرةٍ مذمومة أو حسدٍ بغيض ، فإذا كان المحكوم عليه بينك وبينه عداوة على أمر من أمور الدنيا فإياك أن تنصب نفسك حاكماً عليه فإنه لابد أن تجور غالباً في حكمك لأن أمور الباطن مؤثرة تأثيراً كبيراً على أمور الظاهر وخصوصاً إذا كان المحكوم عليه من أهل السنة الذين عندهم شيء من الخطأ ، فتجد هذا الحاكم يفرح بما يجده من الخطأ حقيقة أو في ظنه ويطير به أيما مطار ، ويبثه في المجالس العامة والخاصة ويصرح باسم المحكوم عليه، ويضخم خطأه حتى يجعل من الحبة قبة ومن النملة فيلاً ومن النقطة بحراً ومن الشرارة ناراً عظيمة في قلب من يسمعه إن كان حقوداً أو قليل أدب مثله، وسبب ذلك قلة حيائه وعدم خوفه من الله تعالى ولأنه يحمل في قلبه على المحكوم عليه أشياء من الأحقاد والأضغان أو الحسد أو الغيرة المنهي عنها ويريد جاهداً بالسعي الحثيث أن يسقطه من عين الآخرين بأي طريق وهذا أمر محرم لا يجوز، وما أشد عقوبة هذا عند العليم الخبير . وقد كثر مثل هؤلاء الشرذمة في عصرنا يقعون في خيار الأمة وساداتها وعلمائها ولا يكاد يسلم من ألسنتهم أحد ويدعون أهل الأوثان والفسق والعصيان والزندقة والعلمنة والحداثة فما أصدق قول النبي عليهم : ( يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ) ولذلك فإنه من الواجب أن يكون مبدؤك إن أردت الحكم على أحد واضطررت إليه أن يكون مبدؤك العدل كما سيأتي إن شاء الله تعالى وعليك أن تتذكر قول الله تعالى : { وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُم } وأكثر من هذا الدعاء الذي هو صفة من جاء بعد المهاجرين والأنصار المذكور في قوله تعالى : { وَالذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِم يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِر لَنَا وَلإخْوَاننَِا الذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تجعَلْ في قُلوبِنَا غِلاً للذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤوفٌ رَحِيم } وقوله : ( وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضى ) وتفكر لماذا منعت الشريعة من القضاء حال الغضب ؟ فإن ذلك لما يحدثه الغضب من تشويش الفكر واستيلاء شهوة النفس وحب الانتقام وعدم النظر السليم في الأدلة والقرائن المؤدي بدوره إلى عدم موافقة الحكم للحق والعدل وكذلك وجود العداوة والحسد والشحناء على المحكوم عليه موجب لذلك أيضاً فيمنع منه شرعاً وقليل من يسلم من هذا، وأضرب لك مثلاً بالخوارج الذين خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقتلوا الخليفة الثالث واستباحوا دماء المسلمين وجعلوا ديارهم ديار حرب ووقعوا في أعراضهم سباً وشتماً وما ذلك إلا للتأويلات الفاسدة ووجود عداواتٍ مسبقة. ومثال آخر بالرافضة فإنهم خلت قلوبهم من كل قضية إلا الوقوع في خيار الخلق بعد الأنبياء من صحابة رسول الله فكفّروهم وتقربوا إلى الله – عفواً – بل إلى إبليس بسبهم وتجريحهم وتنقصهم والكذب عليهم وما ذلك إلا لوجود العداوات والأحقاد والغل الذي امتلأت به قلوبهم على خيار الأمة . ولا نزال نعايش المفاسد من هاتين الفرقتين الضالتين الخبيثتين إلى يومنا هذا . ومثال آخر : بالذين يقعون في أعراض الحكام والأمراء والملوك فإنه إذا سبرت أحوال الناس الذي يصدرون أحكاماً بالكفر أو النفاق أو الفسق أو أنه عميل ونحو ذلك وجدت كثيراً منها لأحقاد وشحناء على هؤلاء المحكوم عليهم وما ذلك إلا لأنهم منعوهم من حقهم أو أخذوا ما ليس لهم أخذه ؛ لكن لو كان الحاكم من أفجر الناس وصب على الناس المال صباً لوجدت الثناء والمدح له قد ملأ الآفاق وهذا نوع من النفاق وما هكذا تورد الأحكام . ومثال آخر : بالذي يحصل أحياناً قليلة بين الطلبة للعلم الذين يجرح بعضهم بعضاً ويقعون في أعراض إخوانهم بالقدح واتهام النيات فإن سبب ذلك إما حسد أو غيرة باطلة، فالمحكوم عليه بذلك فاق أقرانه بالتحصيل وانصراف الناس إليه وهذا المسكين يراوح في مكانه فامتلأت نفسه حسداً على أخيه ودعته للوقيعة فيه عساه أن يظفر ببغيته من ترك الناس له وانصرافهم عنه ، ولذلك لما نظر أهل السنة إلى ذلك قرروا قاعدة مهمة في هذا الباب وهي قولهم : [ كلام الأقران يطوى ولا يروى ] فما أجملها من قاعدة والوصية في الحياة وبعد الممات لمن نقل له شيء من ذلك بالصبر واحتساب الأجر ولا يرد فإن مثل هذه الفتن تزداد بالرد، واصبر على حسد الحسود فإن صبرك قاتله فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله ، وازجر الناقل وذكره بالله فإن من نقل لك نقل عنك ، ومن نمّ لك نمّ عليك، ولتستغفر لإخوانك وادع لهم بالصلاح والهداية فإنه بذلك يزداد قدرك عند الله وعند الخلق ، فأما الأخذ والرد والقيل والقال فإنها تزيد الأمر سوءاً ولا فائدة تجنى منها ويعود الأمر في آخره إلى الانتصار للنفوس لا إلى الوصول للحق وهذا شيء مجرب وقد وقعت فيه كثيراً وندمت، لكن الوقوع في شيء لا يلزم منه أن لا نحذر منه ، فاسع بارك الله فيك إلى تصفية باطنك على إخوانك ما استطعت وخصوصاً أهل العلم أعلا الله منارهم . وصفاء السريرة هي سلامة الصدر وفي الحديث : ( لا يذكر أحد منكم أحداً عندي بسوء فإن أريد أن أخرج إلى أصحابي وأنا سليم الصدر) وقد سمعت سماعاً محققاً أن بعض السذج حمله قبح سريرته على بعض إخوانه إلى أن استل من كتبهم وأشرطتهم ما يحلو له من الكلام الذي لو سمع أوله وآخره لعرف مقصود صاحبه وبدأ يبثه في الناس ويعرضه على بعض العلماء لأخذ رأيهم فيه ، وهذا أمر عظيم وعاقبته وخيمة عافانا الله وإياك منه ، فبالله عليك أيها الأخ الكريم أسدد علينا هذا الباب لا نؤتى من قِبَلِكْ فتبين بهذا أن هذه القاعدة أصل في هذا الباب يجب مراعاتها فإذا أردت أن تحكم على أحد فعليك بالنظر أولاً في باطنك هل ثمة عداوة مسبقة أو غيرة مذمومة أو حسد لأمرٍ من الأمور أو نحو ذلك فإن كان عندك على المحكوم عليه شيء من ذلك فاتق الله في نفسك وأخيك واصمت ولا تكن عوناً للشيطان واحفظ لسانك لأنك مهما فعلت فإن حكمك هذا لابد أن يشوبه شيء من التشديد والإفراط . وثانياً قدّم حسن الظن بأخيك المسلم فإن القاعدة عند أهل السنة تقول : الأصل إحسان الظن بالمسلمين ، فمهما استطعت أن تحمل كلام أخيك على محمل حسن فافعل وإن كانت هذه الكلمة الصادرة منه تحتمل احتمالات باطلة فالوِها أنت بحسن ظنك فيه إلى المعنى الحسن ، فإنك إن فعلت ذلك قتلت حظ الشيطان من قلبك ونفسك ولم تدع له مدخلاً عليك وبهذا نكون قد سددنا شيئاً كثيراً من هذا الباب وإن خالفت ذلك فلا شأن لنا بك وإنما المقصود التذكير فقط ، فينبغي لمن نصح لنفسه أن يراعي ذلك والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . واعلم رعاك الله تعالى أن هاهنا ثلاث بلايا ينبغي لأهل العلم بالكتاب والسنة الحذر منها وتحذير العامة منها فإنه ما امتلأت الصدور إلا بسبب التفريط فيها وهي الغيبة والنميمة والإشاعة ، وكل واحدة منها تحتمل كلاماً كثيراً لكن لما كان المقام مقام اختصار فأذكر المهم من الكلام عليها فأقول : أما الغيبة فاتفق أهل العلم رحمهم الله تعالى على أنها من كبائر الذنوب وعظائم الخطايا قال تعالى : { وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أِيحِبُّ أَحَدكُم أنْ يَأكُلَ لحْمَ أخِيْهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوه } أي إذا كنتم تكرهون ذلك طبعاً فاكرهوا الغيبة شرعاً ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( الغيبة ذكرك أخاك بما يكره ، فقال رجل: يا رسول الله أرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ) وقال عليه الصلاة والسلام لعائشة لما قالت : حسبك من صفية كذا وكذا : ( مه يا عائشة لقد قلتي كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته ) . ورأى ليلة أسري به قوماً لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وجنوبهم وظهورهم فقال: ( من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم ) قال بعض أهل العلم : إن لحوم العلماء مسومة وعادة الله في منتهكي أعراضهم معلومة ومن وقع في أعراضهم بالثلب عاقبه الله قبل موته بموت القلب. وينبغي أن تذبّ عن عرض أخيك فإن من ذبّ عن عرض أخيه في الدنيا ذبّ الله عن وجهه النار يوم القيامة ؛ وعليك بزجر المغتاب والتغليض عليه وإن قويت على إخراجه من المجلس فأخرجه فإنه لا ينبغي أن يرأس المغتابون المجالس . وأما النميمة فهي حرام أيضاً وكبيرة من كبائر الذنوب، قال النبي : ( لا يدخل الجنة قتات ) . ومرّ النبي على قبرين فقال : ( أما أنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ) قال: فدعى بجريدة رطبة فشقها بثنتين فغرس على كل قبر واحدة وقال: ( لعله أن يخفف عنهما مالم ييبسا ) . ولله در الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى إذ جعل النميمة نوعاً من أنواع السحر وروى في ذلك حديث ابن مسعود عند مسلم أن النبي قال : ( ألا أنبئكم ما العضه ؟ هي النميمة القالة بين الناس ) . وذلك لأن عمل الساحر هو التفريق ما استطاع إلى ذلك سبيلاً والنمام يعمل مثل عمله وأزيَد ، فبئس الخُلق هي . فكم جعلت من الصداقة عداوة ومن المحبة بغضاء ومن القرب بعداً ومن الاجتماع فرقة ، فالنمام دودة سوء ينخر في جسد الأمة ، فلنحاربه جميعاً ولنأخذ على يده حتى لا يخرق السفينة، وكم أريقت بسببها من دماء واتهم الأبرياء عافانا الله وإياك من هذا الخُلق البذيء السافل فاربأ بنفسك عنه واحذره كل الحذر وأما الإشاعة والأراجيف فملعون صاحبها ، قال تعالى : { لَئِنْ لمْ يَنْتَهِ المنَافِقُونَ وَالذِينِ في قُلُوبهِم مَرَضٌ وَالمرْجفُونَ في المدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بهِم ثمَّ لا يجَاوِرُونَكَ إلا قَلِيلاً مَلعُونِينَ أيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً } . ولعلك تذكر حديث الرجل الذي يشرشر شدقه حتى يبلغ قفاه ذلك لأنه يكذب الكذبة تبلغ الآفاق إن علاج ذلك تطبيق القاعدة المعلومة التي تقول : يجب التثبت من الأخبار إن كانت من فاسق وأصلها قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُم فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى مَا فَعَلتُمْ نَادِمِين } . فهذه البلايا الثلاث لا يجوز لك أن تبني عليها حكماً فإنك إن فعلت فإنك إذاً من الظالمين الخاسرين ، وخصوصاً في هذا الزمن الذين كثر فيه الأفاكون والخراصون . نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحفظ أمتنا منها وأن يهدي من وقع في شيء من ذلك وهو أعلى وأعلم . (( القاعدة الرابعة )) ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نـزع من شيء إلا شانه أقول : ( ما كان ) نفي وقوله ( في شيء ) نكرة وقد تقرر في الأصول أن النكرة في سياق النفي تعم ، فيدخل في ذلك كل الأشياء فالرفق يزينها والعجلة تشينها والرفق هو التأني في الأمور وعدم الاستعجال في إدراكها أو الحكم عليها ، وذلك أنه مع العجلة قد يخفى على الإنسان أشياء من مهمات أمره الذي يريد التحدث فيه، وهذه القاعدة نص حديث صحيح ، فالقاعدة الشرعية في كل الأشياء طلب الرفق والهدوء والتأني والتثبت حتى يتميز النافع من الضار والصواب من الخطأ والمصلحة من المفسدة ومن ذلك الحكم على الآخرين فإنه يطلب فيه الرفق أيضاً لأنه داخل في عموم الأشياء بل دخوله فيها أولى بل هو سبب الحديث ، فلا تستعجل بارك الله فيك في إصدار أحكامك على أحد إلا بعد التريث والنظر الطويل وفهم الواقع الفهم الذي يجعلك على نور من الله في هذا الحكم وإلا فالسكوت هو الواجب ، فإنه ما ندم في أحكامه إلا المتعجلون المتنطعون الذين يبنون أحكامهم على الإشاعات والظنون الكاذبة والهوى والتخرص والنميمة ممن لا خلاق له وهؤلاء لا يمثلون أهل العلم ولا طلابه بل هم غوغائيون مجانبون للصواب فيما استعجلوا فيه ، وأما المترفقون المتأنون الذين يدرسون الأمر من كل جوانبه وينظرون في العواقب والمفاسد والمصالح فإنهم هم الموفقون المهتدون الذي تنتفع الأمة بأحكامهم وتكون نبراساً يستضيء الناس بها ، فمن أراد النجاة من هوة العجلة وآثارها السيئة فعليه بالرفق في أمره كله ، فليكن الرفق معك في كل مصادرك ومواردك وإن كاتب هذه الأحرف قد عانى من ويلات العجلة كثيراً ، ولكن الوقوع في الشيء لا يسوغ عدم التحذير منه ، فالله الله بالرفق فإنه زين الأمور وإن الله ليعطي على الرفق مالا يعطي على العنف ، وإنه جل وعلا يحب الرفق في الأمور كلها ولا تكن ممن ينظر إلى الوقائع بالعواطف المجردة ، بل لابد أن يكون نظرك منبثقاً من هدي الكتاب والسنة، ولا تغتر بكثرة الهالكين ولكن انظر إلى من نجا كيف نجا ؟ وإنما النجاة بالرفق ولذلك مما يذمه العامة والخاصة في الإنسان أنه مستعجل نزق طائش ككاتب هذه الأحرف ، ولكن أستغفر الله وأتوب إليه من كل زلل قولي أو فعلي ، فإذا عرض أمر يراد به منك أن تحكم على أحدٍ من إخوانك فترفق وتحقق من الموضوع ولا تستعجل إرضاءً لأحدٍ كائناً من كان ، واطلب المعاذير لإخوانك فإن اللبيب من عذر ، واحذر كل الحذر مما يكتبه أصحاب الجرائد والمجلات عن أحدٍ من المسلمين وخصوصاً أهل العلم فإن بعض هؤلاء الكتّاب كذابون منافقون ويحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا . وبالمناسبة كتبت إحدى الصحف عن رجل من كبار العلماء أنه يجيز قيادة المرأة وتسرع بعض الطلبة الصغار ممن لا يعرفون في الساحة بعلمٍ ولا عمل بالإنكار على الشيخ وتوجيه التهمة إليه ووزعوا قصاصات المقال على كثير من طلبة العلم ليردوا ويناصحوا ، وهذه الأفعال سخافة في العقل وإتهام بلا مستندٍ ولا برهان وإنما حجتهم أنه موجود في هذه الصحيفة وبئس الحجة التي هي أوهى من خيط العنكبوت ، ولما اتصل بعض أهل الرفق على ذلكم الشيخ الفاضل والعالم الجليل الكامل، برئ من ذلك كل البراءة وبيّن أنه لم يقل شيئاً من ذلك وإن كلامه فُهم خطأ وأنه استُغلت بعض عباراته استغلالاً مشيناً من أهل هذه الصحيفة.. ثم ماذا ؟ وقع الأصاغر في الأكابر وتكلم الرويبضة الذي لا خلاق له ، والمستفيد من هذه العجلة إنما هم أعداء الله ورسوله . فيا أيها الإخوان لا نكن هكذا فإن مثل هذه العجلة تفسد ولا تصلح وتهدم ولا تبني وتؤخر ولا تقدم، فالرفق الرفق والقصد القصد تبلغوا واعلموا – رحمنا الله وإياكم – أن الإسلام ونصرة الدين ليست بمتوقفةٍ على حكمك هذا حتى تبادر به فلا تحكم على الغير بمجرد مقال قرأته ولا بشريط سمعته ولا بنقلٍ جاء إليك ولا بإشاعةٍ مغرضة ولا بظنٍ أو تهمة فتكون من الخاسرين ، واشتغل بما ينفعك وانظر إلى نقصك وأقبل على إكماله ودع الناس وشأنهم فإن المجال له رجاله الراسخون في الفهم والعلم . ووصيتي لنفسي وإخواني أن لا نتتبع هفوة أحدٍ أو زلته ولنستر عليه ولا نشيع الخطأ ولا نفرح به ، مع قيامنا بواجب النصيحة والمجادلة بالتي هي أحسن وأن لا نبخس الناس أشياءهم وأن نحرص كل الحرص أن نسكت عن إشاعة الفتن بين الناس ولو للتحذير، فالعامة في سلامة وعافية من ذلك ؛ وأن ندعوا لمن هفى به القلم وزل به الفهم ووقع في الخطأ ، بالهداية والرجوع إلى الحق لا بالهلاك والإهلاك والويل والثبور فإن حق إخواننا علينا الدعاء لهم بالصلاح والهداية ، قال تعالى : { إِنمَا المؤمِنُونَ إِخْوَة } وإنه بالتتبع في الأحوال وجدنا أنه لا يثبت في الساحة عند نزول الفتن إلا المترفقون العقلاء الذين ينظرون في عواقب الأمور وأبعاد الكلام وأما أهل الطيش والعجلة فهم كالزبد سرعان ما يذهب جفاءً . فاحذر – بارك الله فيك – أن تكون زبدياً فإن العجلة من جملة المغلقات التي تغلق على صاحبها سلامة الفهم ووضوح الرؤية وقد يكون الدافع لهذه العجلة سلامة القصد ونصر الدين لكن سلامة القصد لا تسوغ للإنسان أن يصدر الأحكام على غير هدىً وبصيرة فإن العواطف إذا لم تحكم بالكتاب والسنة تكون عواصف عاتية . وفي الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال للأشج أشج عبد القيس : ( إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة ) . وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : ( إن الله تعالى رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه ) رواه مسلم . والعنف هو الشدة والمشقة، وفي الصحيحين من حديث أنس أن النبي قال للصحابة وقد همّوا بمن بال في المسجد : ( دعوه وأريقوا على بوله سجلاً من ماءٍ أو ذنوباً من ماءٍ فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ) ولفظه للبخاري ، وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ( يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا ) متفق عليه . وعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله يقول : ( من يحرم الرفق يحرم الخير كله ) رواه مسلم . وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( ألا أخبركم بمن يحرم على النار ؟ يحرم على كل قريب هين لين سهل ) رواه الترمذي وسنده حسن . وروى مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي أنه لما حصل منه الكلام في الصلاة قال : ( فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً أحسن تعليماً منه فوالله ما كرهني ولا ضربني.. الحديث ) . والأدلة على ذلك كثيرة وفيما مضى كفاية إن شاء الله تعالى ، وهي وجوب الرفق في الأمور كلها ، وخصوصاً في إصدار الحكم على الآخرين حتى لا نصيب قوماً بجهالة فنصبح على ما فعلنا نادمين والله يحفظنا من العجلة وهو أعلم وأعلى . (( القاعدة الخامسة )) من وقع في مكفرٍ أو مبدع أو مفسق فإنه لا يحكم عليه بمقتضاه إلا بعد توفر الشروط وانتفاء الموانع أقول : اعلم رحمنا الله وإياك أنه لابد من التفريق بين الفعل والفاعل ، فالفعل يعطى حكمه المناسب له على مقتضى دلالة الأدلة ، وينتظر بالفاعل تحقق الشروط وانتفاء الموانع إذ ليس كل من وقع في الكفر كفر أو البدعة بدع أو الفسق فسق أو المعصية أثم فلا تلازم بين حكم الفعل وحكم الفاعل ، أي أن حكم الفعل لا ينجر إلى الفاعل إلا بعد توفر شروط وانتفاء موانع معينة وهذه القاعدة مهمة جداً فإنه بسبب الجهل بها وقع بعض الأحبة في تكفير الأعيان أو تبديعهم أو تفسيقهم بمجرد وقوعهم في شيء من ذلك ظناً منهم التلازم الذاتي بين الفعل والفاعل ، وهذا مجانب للصواب ومخالف للأدلة وخروج عن العدل الذي به قامت السموات والأرض وصلح عليه أمر الخلائق فمن لم يعرف هذه القاعدة فإنه على خطر عظيم في هذا الباب أعني في باب الحكم على الآخرين وقد شرحت طرفاً كبيراً منها في القول الرشيد في سرد فوائد التوحيد واذكر خلاصتها هنا فأقول : إن الأدلة قد دلت على التفريق بين الفعل والفاعل وذلك كما في الحديث الذي اتفق صاحبا الصحيح على إخراجه عن أنس في الرجل الذي خرج في الفلاة بناقته وعليها طعامه وشرابه ، وفي آخره قال من شدة الفرح : " اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح " فهنا قول وقائل ، فالقول في حد ذاته كفر ولا شك إذ فيه تربيب العبد وتعبيد الرب ولكن هل لزم من الوقوع فيه كفر قائله ؟ الجواب بالطبع لا.. وذلك لوجود مانع وهو عدم القصد أي الخطأ بسبب شدة الفرح التي غطت على عقله فدل ذلك على أنه ليس كل من قال الكفر أو فعله كفر مباشرة بل لابد من توفر الشروط وانتفاء الموانع والله أعلم. ومن ذلك حديث أبي هريرة عند الشيخين أيضاً في قصة الذي أسرف بالذنوب والمعاصي وأنه لما حضرته المنية قال لأبنائه : " إذا أنا مت فأحرقوني ثم ذروني في يومٍ رائح حتى لا يقدر علي فيعذبني " أو كما قال ، فهذا الرجل وقع في أمرين عظيمين وهما : إنكار البعث و إنكار قدرة الله تعالى فهذا القول والفعل منه كفر ولا شك إلا أنه لم ينطبق عليه حكم قوله هذا بدليل آخر الحديث وأن الله تعالى قال : { قَدْ غَفَرْتُ لَك } والكافر والمشرك لا يدخل في حيز المغفرة فلما غفر له علمنا جزماً أنه لم ينطبق عليه حكم قوله هذا وذلك لوجود مانع وهو الجهل والخوف الشديد الذي أغلق على عقله بحيث لم يدر عن حقيقة قوله هذا ، فجعل هذا الخوف الشديد مانعاً من انطباق حكم قوله عليه ، أي أنه لم يقصد حقيقة إنكار القدرة والبعث ولكنه ظن أنه بفعله هذا يرتاح من الحساب وهذا لجهله ، فهذا دليل على أن قول الكفر أو فعله لا يلزم منه كفر القائل أو الفاعل بل لابد من توفر الشروط وانتفاء الموانع . ومن الأدلة أيضاً حديث معاذ وأنه سجد بين يدي النبي فقال له : ( ما هذا يا معاذ ؟ فأخبره الخبر، فقال : إنه لا يسجد إلا لله تعالى ) فالسجود في حد ذاته كفر لأنه لغير الله تعالى إلا أن الفاعل لم ينطبق حكم فعله عليه – حاشاه وكلا – وذلك لوجود مانع وهو التأويل والاجتهاد وظن صواب النفس فدل ذلك على أنه لا تلازم بين الوقوع في الكفر ونحوه وبين الحكم على صاحبه . ومن الأدلة أيضاً حديث أكل عدي بن حاتم وأنه أكل في نهار رمضان عامداً ظناً منه صواب نفسه لأنه فهم الآية على غير وجهها الصحيح ، ومن المعلوم أن الأكل في نهار رمضان عمداً معصية لكن النبي لم يتكلم عليه بشيء بل لم يأمره بإعادة ذلك اليوم الذي أكل فيه فدل ذلك على التفريق بين الفاعل وفعله وأنه ليس كل من وقع في المعصية آثم . ومن الأدلة حديث المستحاضة التي قالت للنبي أنها تستحاض حيضة كثيرة شديدة وأنها تمنعها من الصلاة فبين لها - عليه أفضل الصلاة والسلام - الحكم في ذلك ولم يأمرها بقضاء ما تركته من الصلوات، ومن المعلوم أن ترك الصلاة وإخراجها عن وقتها معصية لكنها كانت هنا جاهلة بالحكم في ذلك فامتنع انطباق حكم فعلها عليها لوجود المانع وهو الجهل فدل ذلك على أنه ليس كل من وقع في المعصية آثم . ومن الأدلة أيضاً حديث عمر وعمار لما بعثهما النبي في حاجة فأجنبا فلم يجدا الماء فأما عمار فتمرغ في الصعيد كما تمرغ الدابة وأما عمر فإنه ترك تلك الصلوات ولم يصل، فأما عمار فظن أن هذا هو التيمم الشرعي ، وأما عمر فظن أن التيمم لا يرفع الحدث الأكبر ، فأخبرهما النبي بالحكم الشرعي ولم يأمر أحداً منهما بالإعادة والقضاء مع أن عمار لم يتيمم التيمم الشرعي وعمر جلس لم يصل ، ومعلوم حكم هذا الفعل لكن لم ينطبق عليهما حكم فعلهما لوجود المانع وهو التأويل والجهل بهذا الأمر فدل ذلك على أنه ليس كل من وقع في المعصية آثم . ومن الأدلة أيضاً حديث حاطب وكتابه وهو في الصحيح ومعلوم حكم التجسس على المسلمين ومعاونة الكفار لكنه رضي الله عنه لم ينطبق عليه حكم فعله لوجود المانع وهو وجود الحسنة العظيمة وهي شهود بدر واعتذاره للنبي وأنه تأول في ذلك وأراد به أن تكون له يد عند المشركين تمنع ماله وأهله ، وأخبر أنه في باطنه مبغض لهم وأنه لم يستبدل الكفر بالإيمان ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : ( أما إنه قد صدق فلا تقولوا إلا خيراً ) فدل ذلك على وجوب التفريق بين الفعل والفاعل . ومن الأدلة أيضاً أن الخوارج لما خرجوا على المسلمين استباحوا ديارهم ودماءهم وجعلوا دارهم دار حرب وفعلوا في المسلمين الأفاعيل ، فهذا الفعل كفر لأنه استحلال ماهو معلوم من الدين بالضرورة أنه حرام ولكن الصحابة لم يكفروهم بل كانوا يقولون : من الكفر فروا إلا أنهم تأولوا تأويلاً ضالاً مجانباً للحق فدل ذلك على وجوب التفريق بين الفعل والفاعل وأما الأمر بقتلهم الثابت في الحديث فإنه ليس دليلاً على أنهم كفار لأنه قد يجب قتل من عظم فساده واشتد جرمه دفعاً لضرره وفساده إذا لم يندفع ضرره وفساده إلا بالقتل ، وكذلك الإخبار بأنه شر قتلى وأنهم كلاب النار ليس هذا دليلاً على كفرهم لأنه قد ثبت بالنص أن من المسلمين من يدخل النار بسبب ما معه من الذنوب والمعاصي كالخوارج والله أعلم . ومن الأدلة أنه لما وقعت الفتنة بقول خلق القرآن – لا أعادها الله على المسلمين – تولى كبرها المعتزلة مع المأمون وحملوا الناس على القول بذلك وقتلوا من لم يجب إلى قولهم. وثبت الله بعض أهل السنة وعلى رأسهم الإمام أحمد رحمه الله تعالى وقال قولته المشهورة التي صارت من بعده عقيدة راسخة ( من قال بخلق القرآن فهو كافر ) ومع ذلك لم يكفّر الإمام أحداً من قائلي هذا القول بعينه بل كان يمنع من تكفير الأعيان وكان يصلي وراء من يقول ذلك ودعا للمأمون في آخر حياته وحلله وجميع من ضربه بسوط ولم ينكر ذلك أحد من أهل السنة مما يدل على وجوب التفريق بين الفعل والفاعل والله أعلم . فهذا طرف من الأدلة على صحة هذه القاعدة وبه تعلم وجوب فهمها واعتمادها في الحكم على الأعيان والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل . فإن قلت : فما هي هذه الشروط التي لابد من توفرها والموانع التي لابد من انتفائها للحكم على المعين بمقتضى فعله ؟ فأقول : هي كما يلي : الأول : العقل وضده الجنون ، فالعقل شرط والجنون مانع ، وبناءً عليه فمن فعل شيئاً من ذلك وبه جنون فلا يحكم عليه بمقتضاه ، والأدلة على اشتراط العقل معروفة . والثاني : البلوغ وضده الصغر ، فالبلوغ شرط والصغر مانع ، وبناءً عليه فمن فعل شيئاً من ذلك وهو غير بالغ فلا يحكم عليه بمقتضاه . الثالث : العلم وضده الجهل ، فالعلم شرط والجهل مانع، وبناءً عليه فمن فعل شيئاً من ذلك جاهلاً الحكم ومثله يجهل فلا يحكم عليه بمقتضاه . الرابع : الاختيار وضده الإكراه، فالاختيار شرط والإكراه مانع، وبناءً عليه فمن فعل شيئاً من ذلك وهو مكره فلا يحكم عليه بمقتضاه . الخامس : عدم التأويل وضده وجود التأويل، وبناءً عليه فمن فعل شيئاً من ذلك متأولاً تأويلاً سائغاً فإنه لا يحكم عليه بمقتضاه . السادس : القصد وضده عدم القصد ، وبناءً عليه فمن قال أو فعل شيئاً من ذلك غير قاصدٍ له فإنه لا شيء عليه ، ويدخل في ذلك الغفلة والنسيان وكلام المبرسم والنائم والمغمى عليه وهي التي يسميها الأصوليون عوارض الأهلية ، أي الأشياء التي تعترض للإنسان فترفع أهليته للمطالبة بالحكم أو انطباق أثره عليه ويدخل في ذلك أيضاً ما إذا كان العقل مغطى بسكرٍ أو غضبٍ أو شدة فرح أو خوف ونحو ذلك ، والله يتولانا وإياك، وأنبهك أخيراً على بعض المسائل المهمة في هذا الباب وهي كما يلي : - الأولى : اعلم – أرشدك الله لطاعته – أن انطباق حكم الفعل أو القول على فاعله وقائله يفتقر إلى اجتهاد لأنه لا يجوز لأحد أن يتكلم في ذلك إلا إذا كان من أهل الاجتهاد لأنها مسائل عظيمة ، ولها آثار وخيمة إذا انطبقت على المعين ، فاتق الله في لسانك ولا تدخل في هذه المسالك فإنك إن دخلتها بلا سلاح من العلم والتقوى فإنك لاشك هالك فاغنم السلامة بالسكوت فإن الهلكة في كثرة الكلام والله أعلم . الثانية : اعلم – رحمنا الله وإياك – أنه إذا اجتهد مجتهد فتبين له أن حكم الفعل ينطبق على فاعله فإن هذا الذي توصل إليه ليس بلازم في حق أحد فإذا خالف مجتهد آخر ورأى أنه لا ينطبق فلا يحق للأول أن يلزم الثاني باجتهاده لأن اجتهاده ينسب له وليس هو بنص يجب اتباعه فبان بذلك أن الذين يلزمون الآخرين باجتهادهم في تكفير الأعيان ليسوا على صواب بل هم مخالفون لمنهج أهل السنة في ذلك كما فعله الخوارج الذين ألزموا الأمة بالأخذ برأيهم الضال وحصل بهذا الإلزام ما حصل من الفتن العظيمة والبلاء والشر المستطير الذي لا زلنا نعايش آثاره إلى اليوم وكما فعله أيضاً جماعة التكفير والهجرة ، فإنهم ألزموا غيرهم بالأخذ باجتهادهم في تكفير الحكومات والرؤساء ومن لم يكفرهم أو شك في كفرهم فإنه مثلهم حتى أدى ذلك إلى تكفيرهم لعموم الناس إلا الطوائف القليلة وهذا كله بسبب الإلزام الاجتهاد وهو من ضيق العطن وصغر الأفق وتلبيس إبليس ولذلك نقول : اجتهادك لك تعمل به وتتحمل مسئوليته أمام الله يوم القيامة، أما أن تلزم غيرك به فإن هذا محض العنجهية المقيتة والعصبية المميتة عافانا الله وإياك من كل بلاء ومكروه والله أعلم . الثالثة : القول الجامع لأهل السنة في ذلك هو أنهم لا يشهدون لأحدٍ من أهل القبلة بعينه بجنة ولا نار ولا بغضب ولا رضى ولا لعنة إلا لمن شهد له النص بذلك، وأنهم يرجون يرجون للمحسن الثواب ويخافون على المسيء العقاب ، فاشدد يديك بهذا فإنه السلامة والعصمة في هذا الباب الخطير أعني باب التكفير والله ولي التوفيق . الرابعة : احذر – يارعاك الله – أن تكفر أحداً بعينه في مسألة اشتد خلاف العلماء فيها فإن هذا الخلاف شبهة يجعل العاقل يتورع عن تكفير أحدٍ بعينه فيه وذلك كمسألة كفر تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً فإن الخلاف قديم وهو قوي فالورع أنه إن ترجح لك القول بالتكفير أن تجعله كالحكم العام الذي لا يتوجه إلى الأفراد إلا بعد التأكد التام من انطباقه عليهم فإذا سألت عن أحدٍ بعينه في ذلك فإني أنصحك أن تتجنب الحكم على عينه بالتكفير فإن المسألة خلافية والجمهور على أنه فاسق ليس بكافر فالورع ترك توجيه التكفير لأحدٍ بعينه إذا خالف في هذه المسالة وكذلك مسألة ترك الزكاة بخلاً وتهاوناً أيضاً هي من المسائل التي اختلف العلماء فيها فمع ثبوت الخلاف فالورع أن تحجم عن توجيه التكفير لأحدٍ بعينه إذا خالف في هذه المسألة وعلى ذلك فقس فالمسائل التي اختلف العلماء فيها بين الكفر وعدم يحترز العاقل التقي الورع في تطبيقها على الأعيان بل السلامة كل السلامة في السكوت عن ذلك إلى توجيه النصيحة العامة التي تنفع المسئول عنه وغيره من الأفراد كالحديث عن أهمية الصلاة ومنزلتها في الإسلام وكذلك الزكاة وهكذا وهذه المسألة من أبواب الورع ولعل القاعدة قد فهمت إن شاء الله تعالى والله تعالى أعلى وأعلم . |
06-23-2010, 05:58 AM | #2 |
داعية مميز تاريخ التسجيل: Jun 2010 الدولة: الحمد لله المشاركات: 423 | رد: قواعد في الحكم على الآخرين ( 2 ) نفع الله بك ... |
01-04-2011, 06:50 PM | #3 |
إداري تاريخ التسجيل: Jun 2010 المشاركات: 1,222 | رد: قواعد في الحكم على الآخرين ( 2 ) نفع الله بك وبالشيخ .. |
|
|