ملتقى أهل الدعوة إلى الله عز وجل
 

العودة   ملتقى أهل الدعوة إلى الله عز وجل > المنتدى للتصفح فقط ولا يوجد تسجيل أو مشاركات سوى الإدارة .. لمراسلتنا على بريدنا ahldawa@gmail.com > المنتدى الشرعي العام
المنتديات موضوع جديد التعليمـــات المجموعات التقويم مشاركات اليوم البحث

آخر 1 مشاركات دعواتكم لإخوانكم في فلسطين وفي كل مكان ممن اُعتدي عليهم ودعواتكم لكل مسلم متضرر في شتى بقاع الأرض (الكاتـب : - )      
إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-24-2010, 09:56 PM   #1
إداري
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 1,222
Post تبصير الناسك بأحكام المناسك ( تشمل عامة أحكام الحج مختصرة محررة ) للشيخ وليد السعيدان

تبصير الناسك بأحكام المناسك ( تشمل عامة أحكام الحج مختصرة محررة ) للشيخ وليد السعيدان حفظه الله حيث قال :

فإنه قد جرت عادة أهل العلم أن يكتبوا منسكاً لأنفسهم ولمن حولهم ولعامة المسلمين من باب توضيح الأحكام في الحج وبيان الواجب منها والمستحب وتوضيح الآداب والأخطاء وما يتعلق بهذا الركن العظيم من الأحكام الشرعية, والدافع لهذا تعظيم شعائر الله تعالى والنصح لله ولرسوله ولكتابه ولعامة المسلمين, وإنه من باب التشبه بهم أحببت أن أكتب لنفسي هذه الوريقات اليسيرة والتي تشمل على عامة أحكام الحج مختصرة محررة على شكل فوائد مقتصراً فيها على القول الراجح في المسألة الخلافية, ومخرجاً فيها الفروع على أصولها والجزئيات على كلياتها, وهذه الأوراق هي في أصلها ثمرة من ثمرات ما كتبه أهل العلم في هذه المناسك فهي كالخلاصة لها, والمقصود عندي في هذه الكتابة أن تكون مسائل الحج حاضرة مع الطالب ليرجع إليها في غالب ما يرد عليه من الأسئلة .....

قم بالتحميل عن طريق المرفق أدناه ...
الملفات المرفقة
نوع الملف: doc تبصير الناسك بأحكام المناسك.doc‏ (829.5 كيلوبايت, المشاهدات 8)
محب الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-24-2010, 10:01 PM   #2
إداري
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 1,222
افتراضي رد: تبصير الناسك بأحكام المناسك ( تشمل عامة أحكام الحج مختصرة محررة ) للشيخ وليد السعيدان

ومما قاله في آخر هذه الرسالة القيمة :
مسألة :- في بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الحجاج حتى نحذرها ونحذر منها فأقول:-
منها :- الإحرام قبل الميقات تعبداً .
ومنها :- مجاوزة الميقات بلا إحرام خوفاً من رجال الأمن, وفاعل ذلك عليه دم مع ما يجب عليه من التوبة النصوح بسبب هذا الاستخفاف والتلاعب .
ومنها :- التقاط الصور بعد لبس الإحرام وفي أثناء تأدية المناسك, وهو حرام لأن التصوير كله حرام .
ومنها :- قراءة الفاتحة وآية الكرسي والمعوذتين قبل الدخول في النسك وهذا لا أصل له.
ومنها :- التلفظ بالنية عند الإهلال بالنسك فيقول ( اللهم إني نويت نسك كذا وكذا)
ومنها :- التلبية الجماعية .
ومنها :- اعتماد أدعية خاصة عند دخول مكة مع أنه لم يثبت في ذلك شيء .
ومنها :- اعتماد أدعية خاصة عند دخول مسجد الحرام وهذا لايصح فيه شيء وإنما المعتبر في الدعاء هو ما يعتمد في سائر المساجد كما في حديث أبي أسيد عند مسلم فقط.
ومنها :- الاضطباع من أول الإحرام إلى أن يحله ليوم العاشر وهذا لا أصل له وإنما يفعله البعض استحساناً, وتقليداً وإنما الاضطباع يكون في الطواف الأول فقط .
ومنها :- تعبد المرأة بالإحرام بلباسٍ معين كالأبيض والأخضر وهذا لا أصل له بل لها أن تحرم فيما شاءت .
ومنها :- تطييب ثياب الإحرام .
ومنها :- اعتقاد الآفاقي جواز الإحرام من جدة .
ومنها :- اعتقاد بعضهم أنه لا يجوز له تغيير ثياب الإحرام, وهذا خطأ فالحاج يجوز له تبديل ثيابه ولا حرج في ذلك .
ومنها :- اعتقاد البعض أن محظورات الإحرام تحرم بمجرد لبس الإزار والرداء وهذا خطأ والصواب أنه لا تحرم إلا بعد نية الدخول في النسك لأنها هي حقيقة الإحرام .
ومنها :- تساهل بعض النساء بعدم خلع القفازين والنقاب وهذا محرم لأن النقاب والقفازين من جملة المحظورات بالنسبة للمرأة .
ومنها :- تكلف بعض النساء وضع طاقية على رأسها لها مقدم يكون عازلاً بين الطرحة والوجه وهذا خطأ, بل الصواب أنها تستر وجهها ولو لامست الطرحة وجهها فلا بأس لعدم الدليل الموجب لهذه المجافاة .
ومنها :- تأخير الإحرام بالنسبة لمن في الطائرة حتى يصلوا إلى جدة, وهذا خطأ بل الصواب وجوب الإحرام إذا حاذوا الميقات .
ومنها :- اعتقاد البعض أنه يستحب الإحرام من تحت ميزاب الكعبة أي إذا أراد المتمتعون أو أهل مكة الإحرام فإن بعضهم يعمد للمسجد الحرام ليحرم من تحت الميزاب, وهذا خطأ بل الصواب أن المتمتع يحرم من مكانه الذي هو فيه, وأهل مكة يحرمون من دورهم والأصل في العبادات الوقف على الدليل .
ومنها :- رفع المرأة صوتها بالتلبية, والصواب هو أن تخفض صوتها بحيث لا تسمعها إلا من بجوارها .
ومنها :- تخصيص أدعية للطواف والسعي, كالشوط الأول يقال فيه كذا والثاني يقال فيه كذا, وهكذا وهذا كله مما لا أصل له في السنة .
ومنها :- الجهر بالدعاء في الطواف أو الجهر بالقراءة فيه بحيث يشوش على الآخرين وهذا خطأ .
ومنها :- الأدعية الجماعية خلف المطوف و هذه والله بلية لا بد من التنبيه عليها دائماً
وأبداً حتى تزول .
ومنها :- اعتقاد البعض أن اتخاذ المطوف من كمال العمرة أو من كمال الطواف وهذا لا أصل له, بل أكاد أن أقول:- إنه من منقصات أجر الطواف ما يحدث معه من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان .
ومنها :- طواف البعض داخل الحجر وهذا خطأ عضال لأن بعض الحجر من البيت جزماً, والواجب الطواف من وراء الحجر ومنها تسمية الكثير هذا الحجر بحجر إسماعيل وهي تسمية لا أصل لها, بل إنها تحمل في طياتها نفخة من نفخات القبوريين .
ومنها :- استلام الركنيين الشاميين وهذا خطأ والصواب أنهما لا يستلمان لعدم النقل والأصل في التعبد الوقف, وهما أصلاً ليس على قواعد إبراهيم .
ومنها :- تعمد التمسح بأستار الكعبة طلباً للبركة, وهذه بدعة لأن الأصل في طلب البركة من شيء الوقف على الدليل .
ومنها :- التمسح بمقام إبراهيم وهو بدعة لأن بركة المسجد الحرام أصلاً بركة معنوية لازمة وليست بركة ذاتية منتقلة فانتبه لهذا .
ومنها :- تقبيل الركن اليماني أو الإشارة إليه من بعيد وهذا لا أصل له لعدم النقل الصحيح الصريح, وإنما السنة فيه الاستلام إن أمكن وإلا فمضي ولا تفعل شيئاً .
ومنها :- تقبيل اليدين والإشارة بهما للحجر وتكرير ذلك وهذا التقبيل لا أصل له وتكرار الإشارة أيضاً لا أعلم له مستنداً, بل السنة الاقتصار في الإشارة على مرة واحدة.
ومنها :- الصلاة أو السجود المفرد على الخط الممتد من الحجر وهذه طامة كبيرة لا يزيلها إلا الفقه في الدين وإزالة الخط الذي فتن الناس به .
ومنها :- الرمل في حال الزحام الشديد .
ومنها :- مسح الأطفال باليد بعد استلام الحجر الأسود بها وهذا خطأ ولا شك .
ومنها :- قول بعضهم عند تقبيل الحجر الأسود ( اللهم صل على من بني قبلتك ) وهذا
خطأ وبدعة وهذا القول موضوع لا أصل له .
ومنها :- المزاحمة الشديدة بقصد تقبيل الحجر وقد قدمنا لك أنه خطأ لأن السنة إذا أدى فعلها إلى مفسدة فالمشروع تركها .
ومنها :- إطلاق اللسان بالسباب والشتائم بأدنى خطأ, وهذا نسمعه كثيراً بل رأيت بعض الحجاج لما زوحم التفت خلفه وبصق الذي خلفه, وهذا سوء فعل ولاشك والصواب وجوب الصبر والحلم والتزام الرفق والأناة والعفو والتجاوز والتسامح ولكن أين نحن من هذا والله المستعان .
ومنها :- المزاحمة الشديدة بالصلاة خلف المقام .
ومنها :- تخصيص دعاء للمقام وهذا لا نلم له أصلاً .
ومنها :- تخصيص دعاء للشرب من ماء زمزم وهذا مالا نعلم له أصلاً .
ومنها :- اعتقاد أن من شرب من ماء زمزم فقد غفرت ذنوبه، وهذا لا نعلم له أصلاً .
ومنها :- اعتقاد أفضلية الطواف حافياً وهذا لانعلم له أصلاً، وكل حديث في تفضيل الطواف حافياً فهو لا يصح .
ومنها :- الرمل في الطواف كله وهذا لا أصل له وإنما السنة الرمل في الأطواف الثلاثة فقط .
ومنها :- الإشارة إلى الميزاب عند محاذاته وهذا لا نعلم له أصلاً .
ومنها :- اعتقاد استحباب الاغتسال من ماء الميزاب إذا نزل المطر, وهذا لا نعلم له أصلاً .
ومنها :- مسح أعمدة المسجد أو تقبيلها وهذا لا نعلم له أصلاً .
ومنها :- التلفظ بنية السعي .
ومنها :- الركض الشديد في شوط السعي كله وهذا من البدع بلا شك .
ومنها :- سعي المرأة السعي الشديد بين العلمين وهذا لا نعلم له مستنداً لأنه من خصائص الرجال .
ومنها :- اعتقاد استحباب البدء بالطواف من الركن اليماني .
ومنها :- اعتقاد استحباب البدء بالطواف من باب الكعبة .
ومنها :- إطالة القراءة في ركعتي الطواف .
ومنها :- الزيادة على الركعتين خلف المقام, فبعضهم يصلي أربعاً وبعضهم يصلي ستاً.
ومنها :- اعتقاد بعضهم استحباب الدعاء بعدهما .
ومنها :- قراءة بعضهم  إن الصفا والمروة من شعائر الله  في كل شوط إذا دنى من الصفا والصواب قراءتها في أول سعيةٍ إذا دنى من الصفا .
ومنها :- اعتقاد بعضهم أفضلية الحلق بعد الفراغ من عمرة التمتع وهذا خطأ بل السنة التقصير وتأخير الحلق إلى يوم النحر .
ومنها :- اعتقاد البعض أن تقصيره من جوانب الرأس كاف وهذا خطأ والصواب التقصير من عموم الرأس بحيث يدور المقص على عموم الرأس .
ومنها :- حلق بعض المعتمرين بعض رأسه ليتحلل من عمرته هذه ويبقى نصف رأسه ليحلقه في عمرة أخرى, وهذا لاشك أنه خطأ .
ومنها :- أخذ شيء من اللحية بعد التحلل وهذا خطأ قبيح .
ومنها :- الوقوف خارج حدود عرفة, وهو أعظم الأخطاء لأنه يفضي إلى بطلان الحج لأن الوقوف بعرفة ركن الحج الأعظم .
ومنها :- الاقتصار على الوقوف بعرفة أول النهار فقط ويخرج منها قبل الزوال بحجة كثرة الأشغال وهذا خطأ قبيح ونخشى على فاعله من بطلان حجه لأن طائفة كبيرة من أهل العلم ذهبوا إلى أن الوقوف لا يبدأ إلا بعد الزوال .
ومنها :- اعتقاد بعضهم أن عرنة من عرفة وهذا خطأ لأن الصحيح أنها ليست منها .
ومنها :- إتمام الحجاج من أهل مكة الصلاة وعدم القصر في عرفات وهذا خطأ والصواب أن القصر يعم كل الحجاج أهل مكة وغيرهم .
ومنها :- صعود جبل إلال وهذا لا نعلم له أصلاً .
ومنها :- الصلاة إلى الشاهد الذي فوقه وهذا بدعة ولا نشك في ذلك مع أنه في وقت نهي عن الصلاة .
ومنها :- تضييع وقت الوقوف بالنوم والأحاديث التي لا مصلحة فيها, وهذه بلية وخيمة وتضييع لأفضل أوقات الحج وأرجى أوقات الإجابة فيه .
ومنها :- الإفاضة من عرفات قبل الغروب وهذا خطأ وقد شرحنا ذلك سابقاً .
ومنها :- حجز مكان زائد عن الحاجة, وهذا يقع فيه أصحاب الحملات كثيراً, وفيه ظلم وحرمان لغيرهم .
ومنها :- عدم السكينة في الإفاضة من عرفات .
ومنها :- تأخير صلاة المغرب والعشاء إلى ما بعد منتصف الليل بسبب كثرة الزحام المانع من الوصول للمزدلفة ظناً منهم أن لا صلاة إلا بعد الوصول للمزدلفة وهذا خطأ بلا شك .
ومنها :- التشاغل عن المبادرة بأداء الصلاة بعد الوصول للمزدلفة مع أن السنة هو المبادرة بالصلاة قبل حط الرحل .
ومنها :- الخروج من مزدلفة قبل منتصف الليل .
ومنها :- رمي الأقوياء الذين لا خوف عليهم للجمرة قبل الفجر .
ومنها :- التزاحم الشديد عند رمي الجمرة .
ومنها :- رمي سائر الجمرات في يوم النحر .
ومنها :- الرمي بالنعال والمظلات والأحجار الكبيرة .
ومنها :- غسل الحصى .
ومنها :- سب الشيطان ولعنه عند الرمي والتلفظ بعبارات البغض إظهاراً للعداوة .
ومنها :- رمي الجمرة من بعيد بحيث لا تصل الحصاة للمرمى .
ومنها :- اعتقاد البعض أنه يرمي عين الشيطان وذاته .
ومنها :- الرمي قبل الزوال في أيام التشريق .
ومنها :- تقييد الرمي بأذكار خاصة غير التكبير .
ومنها :- الوقوف للدعاء بعد رمي الجمرة الثالثة .
ومنها :- عدم الترتيب في رمي الجمرات أيام التشريق .
ومنها :- رمي الحصيات السبع دفعة واحدة .
ومنها :- وضع الحصى في المرمى من غير رمي .
ومنها :- الخروج من منى قبل منتصف الليل فإن من فعل ذلك فإنه لا يصدق عليه أنه بات في منى .
ومنها :- التوكل عن النساء القادرات .
ومنها :- ترك التكبير مع الرمي, والسنة أن يكبر .
ومنها :- زيادة البسملة مع التكبير وهذا لا نعلم له أصلاً .
ومنها :- مزاحمة الناس بالافتراش حول جسر الجمرات, والتضييق عليهم بالذهاب والإياب .
ومنها :- بدء النساء اللاتي وكلن بالرمي في يوم النفر الأول في طواف الوداع قبل رمي وكيلها عنها, وهذا خطأ يقع فيه الكثير وأظنه خف في الآونة الأخيرة بعد انتشار الهواتف النقالة .
ومنها :- ترك طواف الوداع عمداً اعتياظاً عنه بالدم, وهذا خطأ واستخفاف بشعائر الله وعدم تعظيم لحرماته وحدوده, وفاعله آثم وعليه التوبة النصوح .
ومنها :- رجوع القهقرى بعد طواف الوداع, وهذه بدعة بلا شك .
ومنها :- المكث الطويل بلا حاجة بعد طواف الوداع .
ومنها :- وضع الحجر للعودة إلى بلاده في وقت لا يستطيع معه من إكمال نسكه وهذا يقع فيه الكثير .
ومنها :- تخصيص أدعية مخصوصة تقال بعد طواف الوداع .
ومنها :- الإشارة للكعبة من بعيد قبل خروجه من المسجد على هيئة من يودع غالياً
عليه, وهذه الإشارة لا نعلم لها أصلاً .
ومنها :- الزيادة على الأشواط السبعة في طواف الوداع بحجة تطويل زمن التوديع وقد سئلت عن هذا فأجبت بأنه بدعة لا أصل له .
ومنها :- الذهاب إلى عرفات والمبيت بها ليلة التاسع وهذا خطأ وتضييع لسنن كثيرة .
ومنها :- تعمد لقط الحصى من جبل إلال اعتقاداً لأفضلية الرمي به .
ومنها :- تخصيص أذكار معينة لاستقبال الحاج وهذا لا نعلم له أصلاًَ. فهذه مئة خطأ من باب التمثيل لا من باب الحصر, وقد ألَّف بعض المعاصرين في هذه الأخطاء فاستوفى وأجاد وأفاد وفقه الله تعالى وزاده علماً وتقىً فإننا نشهد الله تعالى أننا نحبه فيه, فاللهم اغفر لسائر أهل العلم وارفع درجتهم وأجزهم عنا كل خير والله تعالى أعلى وأعلم .
محب الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-30-2010, 06:35 PM   #3
إداري
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 1,222
افتراضي رد: تبصير الناسك بأحكام المناسك ( تشمل عامة أحكام الحج مختصرة محررة ) للشيخ وليد السعيدان

أنصح بتحميلها إذ هي تحتوي على تدليل وتأصيل ورد الفروع إلى قواعدها الكلية ..
محب الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-30-2011, 08:14 AM   #4
إداري
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 1,222
افتراضي رد: تبصير الناسك بأحكام المناسك ( تشمل عامة أحكام الحج مختصرة محررة ) للشيخ وليد السعيدان

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ..

ولمزيد الفائدة قمت بتفريغ الرسالة كاملة هنا أنظر الردود التالية ، والحمد لله ..
محب الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-30-2011, 08:23 AM   #5
إداري
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 1,222
افتراضي رد: تبصير الناسك بأحكام المناسك ( تشمل عامة أحكام الحج مختصرة محررة ) للشيخ وليد السعيدان

تبصير الناسك
بأحكام المناسك
تأليف
وليد بن راشد السعيدان
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً ثم أما بعد :-
فإنه قد جرت عادة أهل العلم أن يكتبوا منسكاً لأنفسهم ولمن حولهم ولعامة المسلمين من باب توضيح الأحكام في الحج وبيان الواجب منها والمستحب وتوضيح الآداب والأخطاء وما يتعلق بهذا الركن العظيم من الأحكام الشرعية, والدافع لهذا تعظيم شعائر الله تعالى والنصح لله ولرسوله ولكتابه ولعامة المسلمين, وإنه من باب التشبه بهم أحببت أن أكتب لنفسي هذه الوريقات اليسيرة والتي تشمل على عامة أحكام الحج مختصرة محررة على شكل فوائد مقتصراً فيها على القول الراجح في المسألة الخلافية, ومخرجاً فيها الفروع على أصولها والجزئيات على كلياتها, وهذه الأوراق هي في أصلها ثمرة من ثمرات ما كتبه أهل العلم في هذه المناسك فهي كالخلاصة لها, والمقصود عندي في هذه الكتابة أن تكون مسائل الحج حاضرة مع الطالب ليرجع إليها في غالب ما يرد عليه من الأسئلة, والفضل فيها لله تعالى ثم لأهل العلم رفع الله منازلهم في الدنيا والآخرة وغفر لأمواتهم وثبت أحياءهم وجمعنا بهم في جنات ونهر في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر وأسميت هذه الوريقات اليسيرة بـ:- تبصير الناسك بأحكام المناسك, والله أسأل أن ينفع بها النفع العام والخاص وأن يشرح لها صدور المؤمنين وأن يوفقني فيها لأحسن القول وأن يبارك فيها البركة تلو البركة وأن يجعلنا ممن تشرف بخدمة دينه وعباده فأقول وبالله التوفيق ومنه أستمد الفضل والعون وحسن التحقيق :-
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن القول الصحيح والرأي الراجح المليح أن الحقائق الشرعية هي بعينها الحقائق اللغوية لكنها زيد فيها قيود وضوابط صارت بهذه القيود والضوابط حقيقة شرعية, فالحج لغة هو القصد, وهو في الشرع كذلك لكنه زيد فيه قيود, فليس كل قصد في الشرع يسمى حجاً, بل هو قصد خاص فالحج شرعاً هو قصد بيت الله تعالى والمشاعر لأداء نسك مخصوص في أوقاتٍ مخصوصة من شخص مخصوص, فهذا القصد التي ارتبطت به هذه القيود والضوابط هو الحج في لسان الشارع والله أعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن الحج أحد أركان الإسلام الخمسة وأحد مبانيه العظام فلا يتم إسلام المرء إلا به, لأن الشيء المبني على أركان لا يتم قيامه إلا إذا تحققت أركانه فهو فرض عين على من توفرت فيه الشروط الآتية ودليل فرضيته الكتاب والسنة والإجماع, وكل ذلك معلوم عند عامة المسلمين فضلاً عن طلبة العلم فضلاً عن العلماء فلا داعي أن نستطرد بذكر الأدلة لأنها صارت مما يعلم من الدين بالضرورة والله أعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن أهل العلم اختلفوا في وجوب الحج هل هو على الفور أم التراخي؟ والراجح من أقوالهم أنه على الفور لمن توفرت في حقه شروطه وخلافهم هذا يعود للخلاف في قاعدة أصولية وهي التي تقول:- الأمر المتجرد عن القرائن هل يفيد الفور؟ فيه خلاف والصحيح أنه يفيد الفور وبناءً عليه فالأوامر بالحج كتاباً وسنة تفيد الفورية وقد ورد لهذا الترجيح ما يشهد له من أقوال الصحابة  فالصحيح أن من توفرت فيه شروط الحج فإنه يجب عليه فوراً السعي عليه عند حلول وقت وجوبه فإن خالف ولم يحج فإنه يكون آثماً عاصياً, وإن مات فهو على خطر عظيم فالواجب الحرص على ذلك وعدم التساهل فيه, والله المستعان .
مسألة :- اتفق العلماء رحمهم الله تعالى على أن الحج إنما يجب مرة واحدة في العمر واتفقوا أيضاً على أن النبي إنما حج حجة واحدة بعد فرضه, واتفقوا أن حجته عليه
الصلاة والسلام كانت سنة عشر, والله أعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله أن الشروط المتعلقة قسمان :
شروط وجوب وشروط صحة, والمقصود بشروط الوجوب أي التي لا يتم وجوب الحج في الذمة إلا بها, والمراد بشروط الصحة أي التي لا تتم صحة الحج إلا بها, وقد يكون بعض الشروط يجمع بين الأمرين فيكون شرط وجوب وشرط صحة .
فالشرط الأول:- الإسلام, وهذا باتفاق أهل العلم, ولأن الكافر ليس من أهل العبادة, وسيأتي زيادة تفصيل لهذا الشرط إن شاء الله تعالى .
الثاني :- العقل وهذا بالاتفاق أيضاً, وهو شرط وجوب وصحة .
الثالث :- البلوغ, لقوله  (( رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون حتى يفيق وعن الصغير حتى يحتلم )) "حديث صحيح" وهو شرط وجوب لا صحة, بمعنى أن الصغير لو حج صح حجه ولكن لا يجزئه عن حجة الإسلام كما سيأتي ذلك إن شاء الله تعالى .
الرابع :- الحرية, وهذا الشرط باتفاق أهل العلم, ولكنه شرط وجوب لا شرط صحة بمعنى أنه إذا حج العبد فإن حجه يصح ولكنه لا يجزئه عن حجة الإسلام كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
الخامس :- الاستطاعة كما نص الله تعالى على ذلك في قوله تعالى  وللهِ على الناسِ حج البيت من استطاع إليه سبيلاً  وهو شرط وجوب لا شرط صحة, وقد اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في تفسير الاستطاعة على أقوال وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى .
السادس :- وجود المحرم في حق المرأة والأدلة في ذلك معروفة وهو من شروط الوجوب لا شروط الصحة بمعنى أن المرأة لو حجت بلا محرم فحجها صحيح لكنها آثمة لمخالفتها أدلة اشتراط المحرم, فهذه هي شروط الحج من باب الإجمال وأما تفصيلها فسيكون في المسائل الآتية إن شاء الله تعالى والله ربنا أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم أن القول الصحيح عند الأصوليين هو أن الكافر مخاطب بشرائع الإسلام فهو مخاطب بالصلاة والزكاة و بالحج وغيرها من شرائع الإسلام, لقوله تعالى فويلٌ للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وقوله تعالى  ما سلككم في سقر قالوا لم نكن من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخآئضين وكنا نُكذبُ بيوم الدين حتى أتانا اليقين  وغير ذلك من الأدلة, فالكافر مخاطب بالشريعة ومخاطب بتحقيق الشرط المصحح للعبادة وهو الإسلام, فإذا توفرت فيه الشروط ولم يحج فإنه يكون آثماً فهو مخاطب بالحج ومخاطب بالإسلام, فالكفر كالحدث والحج كالصلاة فكما أن المحدث إذا دخل عليه الوقت وجبت عليه الصلاة ووجب عليه تحقيق شرط صحتها وهو الطهارة فكذلك الكافر إذا حل وقت الحج فإنه مخاطب به ومخاطب بتحقيق شرط صحته وهو الإسلام, وفائدة ذلك أنه إن مات بلا حج فإنه يعاقب على كفره ويزاد في عذابه على ترك شرائع الإسلام, وبناءً عليه فالصحيح أن الإسلام ليس شرطاً للوجوب وإنما هو شرط للصحة لأن الأصح خطاب الكفار بالشريعة والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن التمييز من جملة شروط الوجوب لا الصحة فحج غير المميز صحيح ولكنه لا يكفيه عن حجة الإسلام, والدليل على صحة الحج من غير المميز حديث ابن عباس في الصحيح وفيه (( فرفعت امرأة صبياً فقالت: يارسول الله ألهذا حج؟ فقال: نعم ولكِ أجر )) وقد تقرر في الضوابط أن التمييز شرط في صحة العبادات إلا في النسكين أي الحج والعمرة فقط والله أعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن الصغير والعبد إذا حجا فإن حجهما صحيح كما ذكرنا ولكن لا يجزئهما هذا الحج عن حجة الإسلام فإذا بلغ الصغير وعتق العبد فعليهما حج آخر, برهان ذلك حديث ابن عباس  قال رسول الله  (( أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى ))"رواه أحمد والشافعي والبيهقي وغيرهم وصححه الحاكم" وقد حكاه ابن عبد البر وابن المنذر وغيرهم إجماعاً وفيه نوع خلاف لكنه لا يُذكر لأنه شاذ وبناءً عليه فإذا تحقق بلوغ الصغير وعتق العبد قبل الوقوف بعرفة ووقفا حال تحقق شرط البلوغ والحرية فإن حجهما صحيح وأما إذا لم يتحقق الشرط إلا بعد نهاية الوقوف أي طلوع فجر يوم النحر فعليهما حجة أخرى والله أعلم .
مسألة :- القول الصحيح أن المرأة إذا لم تجد محرماً فإن الحج لا يجب عليها في ذمتها فالصحيح أن المحرم للمرأة شرط وجوب لا شرط أداء, وقد اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى فيما إذا لم تجد محرماً ووجدت نساءً مأمونات فهل تحج معهن؟ على قولين والأصح منهما المنع لأن المرأة ليست محرماً للمرأة ولأن الأحاديث الواردة في شأن المحرم وردت عامة ومطلقة والأصل بقاء العام على دلالته ولا يخص إلا بدليل كما أن الأصل بقاء المطلق على إطلاقه ولا يقيد إلا بدليل ولأن النبي  لم يستفصل من الرجل الذي قال (( إن امرأتي انطلقت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا )) بل قال له (( انطلق فحج مع امرأتك )) وقد تقرر في الأصول أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال منزل منزلة التعميم في المقال.فالصحيح أن المرأة التي لم تجد محرماً لا يجب عليها الحج أصلاً فالمحرم بالنسبة للمرأة من جملة شروط الوجوب وهو داخل في عموم أدلة الاستطاعة والله أعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن الذي يظهر والله تعالى أعلم أن حديث الزاد والراحلة صالح للاحتجاج بمجموع طرقه, ولكنه وإن كان صالحاً للاحتجاج فإنه لا يلزم منه أن القادر على المشي على رجليه بدون مشقة فادحة لا يلزمه الحج إن كان عاجزاً عن تحصيل الزاد والراحلة بل يلزمه الحج لأنه يستطيع إليه سبيلاً كما أن صاحب الصنعة التي يحصل منها قوته في سفره للحج يجب عليه الحج لأن قدرته على تحصيل الزاد في طريقه كتحصيله بالفعل, وأما حديث الزاد والراحلة فإن النبي  ذكرهما لأنه الأغلب, ذلك لأن غالب الحجاج آفاقيون قادمون من بلاد بعيدة والغالب عجز الإنسان عن المشي على رجليه في المسافات الطويلة وعدم إمكان سفره بلا زاد ولا راحلة وقد تقرر في الأصول أن النص إذا كان جارياً على الأمر الغالب فإنه لا يكون له مفهوم مخالفة, ولأن الله تعالى قال  يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فجٍ عميق  فقد سوى الله تعالى بين الراجل والراكب, بل وقدم الماشي على رجليه مما يدل على أن قوله  (( الزاد والراحلة )) خرج مخرج الغالب, ولذلك فإن هذا القول إنما هو للآفاقي البعيد وأما القريب فإنه لا يشترط ذلك لوجوب الحج عليه من غير خلاف نعلمه والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن العبد إذا توفرت فيه شروط الحج ولكنه عجز عنه بنفسه لمرض لا يرجى برؤه أو لكبر لا يستطيع معه الثبوت على الراحلة فإنه يجب عليه أن يقيم من يحج عنه بماله, وهذا مفرع عن قاعدة:- إذا تعذر الأصل فإنه يصار إلى البدل, ولأن الله تعالى قال  من استطاع إليه سبيلاً  وهذا قول جماهير أهل العلم وبه قال علي بن أبي طالب والحسن البصري والثوري وإسحاق وابن المنذر وداود وغيرهم من أهل العلم وبرهان ذلك مارواه البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة من خثعم عام حجة الوداع قالت: يارسول الله إن فريضة الله أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستوي على الراحلة فهل تقضي عنه أن أحج عنه؟ فقال (( نعم )) وفي رواية في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما فقالت: إن فريضة الله أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال ((نعم)) وذلك في حجة الوداع, وروى أبو داود في سننه بسنده من حديث عمرو بن أوس عن أبي رزين وهو رجل من بني عامر أنه قال: يارسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن فقال (( حج عن أبيك واعتمر )) ورواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح وصححه الحاكم والله أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن العبد إذا فرط في السعي للحج مع توفر شروطه حتى مات فإنه يموت عاصياً آثماً ويجب الحج عنه من رأس ماله لأن فريضة الحج ترتبت في ذمته فكانت ديناً عليه وقضاء دين الله أحق, كما قال عليه الصلاة والسلام (( فدين الله أحق بالقضاء )) وأما من عاجله الموت قبل التمكن فمات غير مفرط فالظاهر أنه لا إثم عليه ولا دين لله عليه لأنه لم يتمكن من أداء الفعل حتى يترتب في ذمته ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها, والله أعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن القول الصحيح أن من شروط النائب أن يكون قد حج حجة الإسلام, وهو قول جمهور أهل العلم, بل هو قول أكثر أهل العلم, وبرهان ذلك مارواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة, قال (( من شبرمة؟ )) قال: أخ لي أو قريب لي, قال (( هل حججت قط؟ )) قال: لا, قال (( حج عن نفسك ثم عن شبرمة )) وفي رواية (( فاجعل هذه عن نفسك ثم حج عن شبرمة ))"حديث صحيح", قال النووي:- وأما حديث ابن عباس في قصة شبرمة فرواه أبو داود والدارقطني والبيهقي وغيرهم بأسانيد صحيحة ا.هـ. وهذا يدل على أن النائب في الحج لا بد أن يكون قد حج عن نفسه, فإن قلت:- وكيف نجمع بين قوله  للرجل (( حج عن أبيك واعتمر )) ولما سألته المرأة سؤالها المعروف قال لها: (( أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه أكان ذلك يجزئ عنه...الحديث )) وفي بعضها (( حج عن أمك )) ولم يستفصل منهم النبي هل حجوا أم لا؟ فأقول:- هذه الأحاديث عامة وحديث شبرمة خاصة, وقد تقرر في الأصول أن الخاص مقدم على العام فلا يحج أحد عن أحد حتى يحج عن نفسه حجة الإسلام, والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اتفق العلماء رحمهم الله تعالى على أن المريض إذا لم يجد مالاً يستنيب به فإنه لا حج عليه, ومستند هذا الإجماع القياس الأولوي وبيانه أن يقال:- إن الصحيح إذا لم يجد مالاً يحج به فإن الحج لا يجب عليه فكذلك المريض من باب أولى, وقد تقرر في القواعد بالاتفاق أنه لا واجب مع العجز, واتفق العلماء أيضاً بأن القادر على الحج بنفسه لا يجوز له أن يستنيب من الحج الواجب عليه, واتفق العلماء أيضاً على أن المريض إذا وكَّل غيره في الحج ثم شفي قبل إحرام نائبه فإن الوكالة لاغية ولا ينعقد الإحرام عنه لأن المتقرر عند العلماء أن ما جاز لعذر فإنه يزول بزواله, والمرض الذي تسوغ معه لاستنابه هو المرض الذي لا يرجى برؤه, وكذلك يقاس عليه المجنون الذي حكم عليه بالسجن المؤبد إذا لم يمكن من أداء فريضة الحج من السلطة, وكذلك الكبير الذي بلغ به الكبر عتياً بحيث لا يستطيع أن يثبت على الراحلة, والله أعلى وأعلم .
مسألة :- والصحيح الذي لا ريب فيه أنه لا يلزم النائب أن يحج من بلد المنوب عنه وهو مذهب جمهور أهل العلم واختاره جمع من المحققين وذلك لعدم الدليل, ولأن أدلة النيابة ليس فيها اشتراط ذلك فهي مطلقة عنه والأصل بقاء المطلق على إطلاقه ولا يقيد إلا بدليل والأصل في الاشتراط الشرعي التوقيف والله أعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن القول الصحيح هو أن النبي  كان في حجته قارناً, وهو المشهور من المذهب واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما من المحققين والروايات في ذلك فيها شيء من التعارض وقد اختلفت مسالك أهل العلم رحمهم الله تعالى في الجمع بينها ولكن أصح هذه الأوجه هو ما ذكره الشيخ تقي الدين وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى وخلاصة ما ذكراه هو :- أن روايات القرآن لا إشكال فيها لأنها جارية على الحقيقة في نسكه  وأما روايات التمتع فتحمل على أنه جمع بين النسكين في سفرة واحدة وهذا في اصطلاح الشارع يسمى تمتعاً ألا ترى أن العلماء أوجبوا الهدي على القارن لقوله تعالى  فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي  فالقِران من التمتع العام, فقولهم (( إنه كان متمتعاً )) لا يقصدون به التمتع الخاص الذي هو عمرة فحل فحج, لا بل يقصدون به التمتع العام أي أنه  لما جمع بين العمرة والحج في سفرة واحدة وعمل واحد فإنه يكون بذلك قد تمتع بإسقاط سفرة للعمرة وتمتع بإسقاط طواف خاص بها وتمتع بإسقاط سعي خاص بها وتمتع بإسقاط حلق أو تقصير خاص بها, أي تمتع بإسقاط إعمالها عنه مفردة وهذا نوع تمتع, بل هو تمتع عام, فالذين قالوا: (( إنه تمتع )) إنما يريدون به التمتع العام لا الخاص وأما روايات الإفراد فإنهم لا يقصدون بها أنه أفرد الحج بالقصد خاصة فإن هذا يتعارض مع الروايات الكثيرة الصحيحة الصريحة في أنه جمع بين النسكين, وإنما يريدون به أنه لم يأتي بأعمال زائدة على أعمال المفرد, وذلك لأن أعمال القارن كأعمال المفرد تماماً إلا أنه يزيد عليه بالهدي فقط وبصيغة الإحرام وإلا فسائر الأعمال واحدة, فلما كانت أعماله كأعمال المفرد قالوا: إنه أفرد الحج, فقولهم: كان مفرداً لا يريدون به أنه أحرم يوم أحرم مفرداً وإنما يريدون به وصف العمل الذي قام به, أنه ما قام إلا بعمل المفرد وهذا واضح, وقد تقرر في الأصول أن الجمع بين الأدلة واجب ما أمكن وعلى هذا فلا يكون بين هذه الروايات أي إشكال ولله الحمد والمنة, والمقصود:- أنه  كان قارناً والله تعالى أعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن أنساك الحج ثلاثة:- تمتع و إفراد وقران, وهذا بالاتفاق, فالتمتع أن يحرم بالعمرة أولاً أو يقول:- لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج, ثم يطوف ويسعى ويقصر ويحل التحلل الكامل, ثم يستأنف الإحرام بالحج في يوم التروية وأما القِران فهو أن يجمع بين العمرة والحج فيقول:- ( لبيك عمرة وحجاً ) ثم يطوف للقدوم ويسعى سعي الحج إن شاء تقديمه ويبقى على إحرامه فلا يحل منه حتى يكون تحلله يوم النحر, وأما الإفراد فهو أن يفرد الحج فيقول: ( لبيك حجاً ) ثم يطوف للقدوم ويسعى سعي الحج إن شاء تقديمه ويبقى على إحرامه فلا يحل حتى يكون تحلله يوم النحر, وكلها جائزة وفي الصحيح من حديث عائشة (( فمنا من أهلَّ بعمرة ومنا من أهلَّ بحج وعمرة ومنا من أهلَّ بالحج ...الحديث ))"متفق عليه".
مسألة :- اختلف أهل العلم في أفضل هذه الأنساك والتحقيق في ذلك هو ما اختاره أبو العباس بن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى وخلاصة ما اختاره هو:- أن القِران أفضل في حق من ساق الهدي, فإن النبي  إنما منعه من التحلل لأنه ساق الهدي فدل ذلك على أن من ساق الهدي فإن الأفضل له أن يكون قارناً, وأما من أفرد العمرة بسفر خاص في أشهر الحج فإن الأفضل له أن يكون مفرداً, وهذا باتفاق الصحابة, قال ابن تيمية:- ( فإن كان يسافر سفرة للعمرة وللحج سفرة أُخرى أو يسافر إلى مكة قبل أشهر الحج ويعتمر ويقيم بها فهذا الإفراد له أفضل باتفاق الأئمة ) ا.هـ. وأما إذا لم يسق الهدي ولم يكن قد اعتمر في أشهر الحج بسفرة خاصة فالأفضل لهذا التمتع, وهذا القول هو الذي تتآلف به الأدلة فإطلاق من أطلق الأفضلية للتمتع فيه نظر, ولكن الأصح هو هذا التفصيل والله أعلم .
مسألة :- القول الصحيح, هو أن من يدفع في بلده للبنوك الإسلامية ثمن الهدي ولا يتولى هو سياقه بنفسه من بلده فإنه لا يأخذ حكم من ساق الهدي, والله أعلم .
مسألة :- أجمع أهل العلم رحمهم الله تعالى على أن الصحابة الذين مع النبي  في حجة الوداع قد فسخوا حجهم إلى عمرة بأمره  واختلفوا في هذا الفسخ هل هو لمن بعدهم أو هو خاص بهم؟ على أقوال والصحيح منها أنه عام في كل من لم يسق الهدي لكنه كان من الواجبات في حق الصحابة وأما في حق من بعدهم فمستحب فتأكد استحبابه, أي أنه يستحب استحباباً شديداً في حق المفرد والقارن الذي لم يسق الهدي إذا طاف وسعى أن يتحلل من إفراده أو قرانه ويجعلها عمرة, لكن هذا الفسخ في حقنا نحن ليس من الواجبات المتحتمات وإنما هو من المستحبات المتأكدات, واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى, ومن أراد البقاء على إفراده أو قرانه فله ذلك لكنه خالف المستحب لأن الأفضل له أن يحل, بل إن ابن حزم وابن القيم وقبلهما ابن عباس قالوا:- يجب الفسخ, أما الإمام أحمد وأهل الحديث فيرون استحباب ذلك وهو ما اختاره الشيخ تقي الدين وهو الصحيح أي أنه مستحب لا واجب, وإنما شدد فيه  في حق الصحابة ليزيل العادة الجاهلية في عدم الاعتمار في أشهر الحج, فإنه العادة الجاهلية المتقررة هي أن الاعتمار في أشهر الحج من أفجر الفجور, ولذلك فإنه  لما أمرهم بذلك تعاظموه وكبر في نفوسهم ولم يبادروا بالامتثال أو الأمر فلما رأى  ذلك شدد في الأمر وغلظ فيه وغضب حتى يزيل هذه العادة التي تقررت من زمن الجاهلية, ومسلك الإمام أحمد وأتباعه مسلك حسن وسط بين الأقوال, والله أعلم والخلاصة أن الأفضل في حق المفرد والقارن إذا لم يسق الهدي ألأن يتحلل التحلل الكامل بعد طوافه وسعيه بالتقصير وهذا التحلل ليس من الواجبات بل هو من المستحبات والله أعلم .
مسألة :- أجمع أهل العلم على أنه لو أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج أن ذلك لا يجوز, حكاه شيخ الإسلام, وقال الوزير:- أجمع العلماء على أن المفرد لا يجب عليه الهدي.ا.هـ. وأجمع أهل العلم على استحباب هدي التطوع لا سيما في حق من لم يجب عليه الهدي وذكر ابن القيم رحمه الله تعالى أن هدي التمتع والقِران عبادة مقصودة وهو من تمام النسك وهو هدي شكر لله تعالى على حصول نسكين في سفرة واحدة وليس هو دم جبران وإلا لما جاز الأكل منه وقد قال تعالى  فكلوا منها  وقد ثبت أنه أكل من هديه وأطعم نسائه من هديهن.ا.هـ. كلامه رحمه الله تعالى, وقال ابن المنذر وابن عبدالبر:- أجمع العلماء على أن من أحرم بعمرة في أشهر الحج وحل منها وهو ليس من حاضري المسجد الحرام ثم أقام بمكة حلالاً ثم حج من عامه أنه متمتع عليه دم.ا.هـ. والله أعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن مواقيت الحج قسمان :-
مواقيت زمانية ومواقيت مكانية, فأما المواقيت الزمانية فهي المذكورة في قوله تعالى الحج أشهر معلومات  وهي شهر شوال وشهر ذي القعدة وعشر من ذي الحجة فمن عقد الإحرام بالحج قبل ذلك أو بعده فإنه لا ينعقد الإحرام به, وأما المواقيت المكانية فهي المذكورة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله  وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم وقال: (( هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة ))"متفق عليه" وفي لفظ (( فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة فمن كان دونهن من أهله حتى أهل مكة يهلون منها )) وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله  قال (( يهل أهل المدينة من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة وأهل نجد من قرن )) قال عبدالله:- وبلغني أن النبي  قال (( ويهل أهل اليمن من يلملم ))"متفق عليه" وروى البخاري بسنده إلى ابن عمر رضي الله عنهما قال:- ((لما فتح هذان المصران- أي الكوفة والبصرة- أتوا عمر فقالوا:- ياأمير المؤمنين إن رسول الله  حد لأهل نجد قرناً وهو جور عن طريقنا وإنا إن أردنا قرناً شق علينا, قال:- فانظروا حذوها من طريقكم, فحولهم ذات عرق)) ولمسلم من حديث أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبدالله رضي الله عنهما يسأل عن المهل فقال:- سمعت, أحسبه رفع إلى النبي  فقال: (( مهل أهل المدينة من ذي الحليفة والطريق الآخر الجحفة ومهل أهل العراق من ذات عرق ومهل أهل نجد من قرن ومهل أهل اليمن من يلملم )) وعن عائشة رضي الله عنها (( أن النبي  وقت لأهل العراق ذات عرق ))"رواه أبو داود والنسائي وإسناده صحيح" وفائدة هذه المواقيت المكانية أنه لا يجوز لمن أراد نسكاً أن يتجاوزهن بلا إحرام, فأما ذو الحليفة فسميت بذلك لكثرت نبات الحلفاء فيها وهو نبت معروف وتسمى الآن أبيار علي وتبلغ المسافة بينها وبين المسجد النبوي ثلاثة عشر كيلاً, وأما المسافة بينها وبين مكة فتقدر بعشرين وأربعمائة كيلو متر, وهي أبعد المواقيت عن مكة, وهي ميقات أهل المدينة ومن أتى من طريقهم وأما الجحفة فهي قرية كانت عامرة, ولكن جحفتها السيول فصار الإحرام الآن من قرية رابغ الواقعة عنها غرباً ببعد اثين وعشرين ميلاً, وتحاذي الجحفة, وتبعد رابغ عن مكة بـ(186)كيلاً, ويحرم منها أهل شمال المملكة العربية السعودية وساحل المملكة الشمالي إلى العقبة, ويحرم منها أيضاً بلدان أفريقيا الشمالية والغربية وأهل لبنان وسوريا والأردن وفلسطين ومن ورائهم, وأما قرن المنازل فهو السيل الكبير ومسافته من بطن الوادي إلى مكة تقدر بثمان وسبعين كيلاً, ويحرم منه أهل نجد وحجاج الشرق كله من أهل الخليج والعراق وإيران ومن ورائهم من أهل المشرق, وأما يلملم فهي الآن تسمى السعدية وهي قرية عامرة وسميت بالسعدية لوجود بئر فيها تسمى بذلك نسبة إلى امرأة حفرتها تسمى ( فاطمة السعدية ) ويبعد عن مكة بمسافة عشرين ومئة كيلو متر, وأما ذات عرق فإنه سمي بذلك لوجود جبل صغير فيه ويسمى بالضريبة ويقع عن مكة شرقاً بمسافة قدرها مئة كيلو متر وهو الآن مهجور لعدم مرور الطرق عليه, وأما العقيق فهو وادٍ عظيم يقع شرق مكة المكرمة ويبعد عن مكة بعشرين ومئة كيلاً, ولكن الحديث في جعل العقيق ميقاتاً ضعيف وقد رواه أحمد أبو داود والترمذي عن ابن عباس أن النبي (( وقت لأهل المشرق العقيق )) ولكنه حديث ضعيف, لأن فيه رجلاً يقال له يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف وفي الحديث انقطاع إذا لم يسمع محمد بن علي من جده كما قاله مسلم وابن القطان, ولا عبرة بمن صحح الحديث لأنه أجاب عن هاتين العلتين بمالا محصل من ورائه, فالحديث ضعيف قال الألباني في سنن أبي داود عن هذا الحديث (ضعيف) فهذا ما يتعلق بالمواقيت أسماءً ومسافة والله أعلم .
مسألة :- اعلم أرشدك الله لطاعته أن هذه المواقيت توقيفية بحيث لا يثبت منها إلا ما أثبته الشارع فلا يجوز اختراع مكان ويقال فيه هذا ميقات إلا بنص صحيح صريح لأنه إثبات لحكم شرعي وقد تقرر في الأصول أن الأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة الصريحة, وقد تقرر في الفطر السليمة المؤيدة بالنصوص الصحيحة أنه لم يمت إلا بعد أن أكمل الله تعالى لنا به الدين قال تعالى  اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً  وبناءً عليه فإن الفتوى الصادرة من بعض أهل العلم من جعل جدة ميقاتاً لركاب الطائرات الجوية, لا أساس لها من الصحة عفا الله عن من أفتى بها وعامله برحمته, وبطلان هذه الفتوى مرجعه أن هذه المواقيت الأصل فيها التوقيف ولا نعلم دليلاً من الكتاب ولا من السنة الصحيحة ولا من قول صاحبٍ أو تابعٍ أو إجماعٍ يسندها, فضلاً عن مخالفتها للثابت بالأدلة الصحيحة الصريحة ولذلك فإن هذا العالِم رحمه الله تعالى بعد إصدارها, رد عليه فيها كثير من أهل العلم ومنهم مجلس هيئة كبار العلماء في هذه البلاد, فإنهم قد قرروا بالإجماع بأن الفتوى الصادرة من هذا الرجل من جعل جدة ميقاتاً لركاب الطائرات الجوية والسفن البحرية فتوى باطلة لعدم استنادها إلى نص من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله  أو إجماع سلف الأمة, ولم يسيقه أحد من علماء المسلمين الذي يعتد بأقوالهم, كذا ما قالوا,ونعوذ بالله من الآراء الشاذة المخالفة للكتاب والسنة .
مسألة :- اعلم أن الإنسان إذا كان في الطائرة أو السفينة فإنه يجب عليه الإحرام إذا حاذى ميقاته المحدد له وهذا هو الواجب عليه ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها وهيئات الطيران تقوم مشكورة بإعلام الركاب بالزمن الذي يجب الإحرام فيه, وكذلك ربان السفن يقومون بذلك, وبناءً عليه فلا يجوز لراكب الطائرة أو السفينة أن يؤخر الإحرام حتى ينزل في جدة فإن هذا مخالف للمنصوص شرعاً فالواجب التنبه لهذا, وعلى ولاة الأمور وفقهم الله تعالى أن يبلغوا سفراءهم في هذه الدول أهمية تنبيه حجاج أهل هذه الدول بأهمية ذلك حتى تقوم الحجة ويتفقه الناس في دينهم, وعلى العلماء أيضاً مخاطبة علماء تلك البلاد ضرورة تنبيه حجاج بلادهم بفقه هذه المسألة التي يكثر السؤال عليها ويكون ذلك قبل أشهر الحج حتى يتمكن الناس من فهم هذه المسألة وهذا من التعاون على البر والتقوى وعلى شركات الطيران أن يذكر بعضهم بعضاً بأهمية تذكير الركاب من الحجاج بذلك وكذلك قبطان السفن فيما بينهم حتى يزول الجهل بهذه المسألة وينتشر العلم والله المستعان .
مسألة :- القول الصحيح والرأي الراجح المليح هو أن وجوب الإحرام من هذه المواقيت إنما هو لمريد النسك فقط, وأما إذا مر بها الإنسان وهو لا يريد النسك فإنه لا يلزمه الإحرام وبرهان ذلك مفهوم المخالفة في قوله عليه الصلاة والسلام (( ممن أراد الحج أو العمرة )) فإنه يفهم منه أن من لم يرد الحج ولا العمرة فإنه لا يلزمه الإحرام منها, وقد تقرر في الأصول أن مفهوم المخالفة حجة واختار هذا القول الشافعية والظاهرية ونصره ابن حزم في المحلى وهو رواية عن الإمام أحمد واختارها وابن عقيل وشيخ الإسلام ابن تيمية, وقال في الفروع:- وهي ظاهرة, والله أعلم .
مسألة :- اعلم أرشدك الله لطاعته أن للحج أركاناً وواجبات وسنناً, فأما أركانه فأربعة :- أولها الإحرام وثانيها الوقوف بعرفة وثالثها الطواف أي طواف الإفاضة ورابعها السعي أي سعي الحج, وأما واجباته:- فالإحرام من الميقات, والوقوف بعرفة إلى الغروب, والمبيت بمزدلفة, ورمي جمرة العقبة, والمبيت بمنى أيام التشريق, والحلق أو التقصير, والهدي بالنسبة للمتمتع والقارن, وأما سننه فهي سنن أقوال وأفعال سيأتي بيانها في أثناء المسائل إن شاء الله تعالى .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن الحج كسائر العبادات لا يقبل إلا إذا تحقق فيها شرطا قبول العمل وهما الإخلاص والمتابعة فأما الإخلاص فبأن يقصد الحاج ساعة تحركه وجه الله تعالى فلا يقصد رياءً ولا سمعة, وعليه أن يكون متنزهاً من الأمور المخلة بالتوحيد كبيرها وصغيرها, قال تعالى  وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء  وقال تعالى  فاعبد الله مخلصاً له الدين ألا لله الدين الخالص  وقال تعالى من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطلٌ ما كانوا يعملون وقال عليه الصلاة والسلام (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ مانوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ))"متفق عليه" وقال عليه الصلاة والسلام (( قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه )) فعلى الحاج في مراحل حجه دائماً تصحيح النية ومراقبتها ومراعتها وأن لا يغفل عنها لحظة واحدة, وأما المتابعة فبأن يوقع هذه الفريضة على الصفة التي أوقعها عليه رسولنا  ويحذر كل الحذر من الإحداث فيها فإن الإحداث سبب للرد والعياذ بالله تعالى, فعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله  (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ))"متفق عليه" ولمسلم (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) وقد تقرر في الأدلة الشرعية أن من مقتضيات شهادة أن محمد رسول الله أن لا يعبد الله تعالى إلا بما شرعه لنا  وليتمثل الحاج هذه البيت الذي يقول :-
فعلى الحاج أن يحقق في حجه المتابعة بجهاتها الست التي هي الجنس والسبب والزمان والمكان والصفة والمقدار, فلا يكون الحج مبروراً إلا بتحقيق هذين الشرطين, وهذا يوجب على الحاج أن يتفقه في مسائل الحج بكثرة السؤال أو بصطحاب بعض الكتيبات الموثوقة التي تتكلم عن مسائل الحج, وليحرص كل الحرص على إحسان الرفقة وإجادة اختيارهم فإنها رحلة إيمانية بكل المقاييس والله أعلم .
محب الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-30-2011, 08:26 AM   #6
إداري
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 1,222
افتراضي رد: تبصير الناسك بأحكام المناسك ( تشمل عامة أحكام الحج مختصرة محررة ) للشيخ وليد السعيدان

مسألة :- يجوز للحاج أن يبيع ويشتري في الحج, ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك شاغلاً له عن المقصود الأعظم من مجيئه إلى هذه المشاعر المعظمة وعليه بالصدقة والأمانة في بيعه وشرائه وليتق الله تعالى وليراقبه في كل مصادره وموارده وليبعد كل البعد عن الأيمان في تنفيق السلع, وبرهان ذلك قوله تعالى  ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم  قال المفسرون:- أي بالتجارة والبيع والشراء وطلب الرزق في الحج والله أعلم .
مسألة :- ينبغي للحاج إذا عزم على الحج أن يقدم بين ذلك توبة صادقة نصوحاً, وأن يعزم كل العزم المقرون بالعمل على الإقلاع عن الذنوب والمعاصي فإن القبول إنما يكون من المتقين قال تعالى  إنما يتقبل الله من المتقين  وروى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة  قال قال رسول الله  (( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه )) ورواه مسلم أيضاً, وقال تعالى  فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج  ومن تمام ذلك رد المظالم إلى أهلها والحقوق إلى أصحابها ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله  (( من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كانت له حسنات أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحل عليه )) وينبغي له أن يتزود للسفر الزاد المعنوي بالتقوى والعمل الصالح وإتقان مسائل العلم في هذا الباب, والزاد الحسي بأن يأخذ من المال ما يكفيه ويغنيه عن سؤال الناس حتى يرجع إلى أهله قال تعالى  وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقونِ يا أولي الألباب  وينبغي له أن يحرص كل الحرص أن يكون هذا الزاد من الحلال الطيب وليحذر من الأموال الربوية والسرقات ونحوها من المكاسب المحرمة, فعن أبي هريرة  قال قال رسول الله  (( ياأيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال:  ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً  وقال ياأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات مارزقناكم  ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ))"رواه مسلم" وينبغي له أيضاً أن يحرص على الاستخارة وهي ركعتان في غير وقت النهي يقرأ فيهما ما تيسر من القرآن وإذا فرغ منهما رفع يديه ودعا الله بنية خالصة وقلب حاضر قائلاً ( اللهم إني استخيرك بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق...إلخ ) الحديث معروف. ويستحب له أن يكون خروجه في بكرة الصباح لحديث (( اللهم بارك لأمتي في بكورها ))"حديث حسن" وليحرص على دعاء السفر وعلى التأمير لحديث (( إذا كنتم ثلاثة في سفر فأمروا أحدكم ))"حديث حسن" وعليه أن يحرص على كتابة الوصية فإن سفرة الحج تحفها المخاطر مع أن كتابة الوصية تشرع بتأكد ولو بلا سفر فمع السفر من باب أولى ففي الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله  قال (( ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلة أو ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه )) والله تعالى أعلم وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن من كان دون المواقيت فإن مهله من حيث أنشأ حتى أهل مكة فإن إحرامهم بالحج يكون من مكة للحديث السابق وفيه (( ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة )) إلا أن المكي أو المقيم بمكة إذا أراد العمرة فإنه لا يحرم بها من مكة على القول الصحيح وإنما يحرم بها من أدنى الحل لحديث عائشة وأن النبي  أعمرها من التنعيم وهو أدنى الحل ولو كان إحرام من مكة بالعمرة يكون بمكة لما تكلف النبي  هذا التأخير الطويل بالناس مما يدل على أن إحرام المكي أو مَنْ بمكة بالعمرة يكون من أدنى الحل, فيكون هذا الحديث مخصصاً لحديث (( ممن أراد الحج أو العمرة )) وقد تقرر في الأصول أن الخاص مقدم على العام والله أعلم .
مسألة :- اعلم أرشدنا الله وإياك لطاعته أن العبد إذا وصل إلى الميقات وكان مريداً لأحد النسكين فإن له أن يقلم أظافره وأن يقص شاربه ويحلق عانته وينتف إبطه, إن كان محتاجاً إلى ذلك وليس هذا من السنن الخاصة بالإحرام إذ لا دليل عليها وإنما هي من السنن العامة لأنها من خصال الفطرة وفعلها من جملة تعظيم شعائر الله الذي هو دليل على تقوى القلوب ولأن إزالة ذلك من باب تكميل الطهارة ولأنه قد يحتاج إلى فعل شيء من ذلك بعد إحرامه فلا يستطيع لأن دخوله في الإحرام يمنعه من ذلك, ولأن المحرم مع كثرة مشيه وحركته وشدة الحر قد تنبعث من هذه الأماكن الروائح الكريهة التي تؤذيه وتؤذي من حوله, ولأن في فعل هذه الخصال سعادة الروح وانشراح القلب كما هو معلوم مجرب ولكن كما ذكرت لك ليس فعل هذه الأشياء من السنن الخاصة في الإحرام, لا, وإنما هي من السنن العامة التي يطلب من العبد تحقيقها لحديث ((الفطرة خمس الختان والاستحداد وتقليم الأظافر ونتف الإبط وقص الشارب )) ويتأكد ذلك تأكداً تاماً إذا مر عليها أربعون يوماً لحديث (( وقَّت لنا رسول الله  في قص الشارب وتقليم الأظافر وحلق العانة نتف الإبط ألا تترك أكثر من أربعين يوماً )) وإن فعل هذه الأشياء في بيته قبل سفره فقد تحقق المطلوب فلا داعي إلى فعلها عند الإحرام والله أعلم.
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أنه يستحب للمحرم إذا أراد الإحرام أن يغتسل لأن النبي  (( تجرد لإهلاله واغتسل ))"حديث صحيح", وهو سنة في حق الذكور والإناث بل هو سنة حتى في حق الحائض والنفساء لحديث جابر الطويل في صحيح مسلم وفيه (( فولدت أسماء بنت عميس فأمرها النبي  أن تغتسل وتستثفر بثوب وتحرم )) وفي الصحيحين (( أن النبي  أمر عائشة لما حاضت وقد أحرمت بعمرة أن تغتسل وتحرم بالحج وتفعل ما يفعل الحاج غير أن لا تطوف بالبيت حتى تطهر )) ولأنه أبلغ في التنظيف والمراد منه تحصين النظافة وإزالة الرائحة ولا نعلم في ذلك خلافاً .
مسألة :- اعلم أرشدك الله لطاعته أنه لا يشترط لصحة الإحرام الطهارة, بل لو أحرمت النفساء والحائض فإن إحرامها يقع صحيحاً وتترتب عليه أحكامه ولو أحرمت الحائض فإن إحرامها يقع صحيحاً وتترتب عليه أحكامه ولو أحرم الجنب فإن إحرامه يقع صحيحاً وتترتب عليه أحكامه, برهان ذلك أن أسماء بنت عميس نفست قبل إحرامها فأمرها النبي  أن تغتسل وتحرم ومن المعلوم بالاتفاق أن هذا الغسل لا يرفع حدث النفاس وكذلك صح إحرام عائشة مع أنها قد حاضت بعد إحرامها بالعمرة,وقال أبو داود في سننه :- حدثنا محمد بن عيسى وإسماعيل بن إبراهيم أبو معمر, قالا حدثنا مروان بن شجاع عن خصيف عن عكرمة عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي  قال (( الحائض و النفساء إذا أتتا على الوقت تغتسلان وتحرمان وتقضيان المناسك كلها غير الطواف بالبيت ))"حديث صحيح" فإذا كان هذا حال الحائض والنفساء والجنب, فمن كان عليه حدث أصغر يصح إحرامه من باب أولى وهذا إجماع من أهل العلم على حسب علمنا والله أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أنه يستحب لمريد الإحرام قبل نية الدخول في النسك أن يتطيب في رأسه وسائر بدنه ولا سيما ما غابنه بأطيب ما يجد من الطيب, ولكن لا يقع على ملابس إحرامه منه شيء وبرهان ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت :- (( طيبت رسول الله  بيدي لحرمه حين أحرم ولحله حين حل قبل أن يطوف بالبيت )) وفي لفظ آخر (( طيبت رسول  بيدي بذريرة في حجة الوداع للحل والإحرام )) وهو في الصحيحين, ولمسلم عن عروة قال :- سألت عائشة رضي الله عنها, بأي شيء طيبتِ رسول الله  عند حرمه؟ قالت (( بأطيب الطيب )) وفي لفظ (( كنت أطيب رسول الله  بأطيب ما أقدر عليه قبل أن يحرم ثم يحرم )) وعنها رضي الله عنها قالت (( كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله  وهو محرم ))"متفق عليه" وعنها رضي الله عنها قالت (( كان رسول الله  إذا أراد أن يحرم تطيب بأطيب ما يجد ثم أرى وبيص الدهن في رأسه ولحيته بعد ذلك )) وفي لفظ (( كأني أنظر إلى وبيص المسك )) فإن قلت :- فقد ثبت في صحيح ابن عمر أن محمد بن المنتشر سأله عن الطيب للمحرم فقال (( ما أحب أن أصبح محرماً أنضح طيباً لأن أطَّلي بالقطران أحب من أن أفعل ذلك )) فأقول:- إن الحجة إنما في فعل النبي  لا في قول أحد من الناس كائناً من كان وقد تقرر في قواعد الدين وأصوله أن قوله  وفعله لا يجوز معارضته بقول أحد أو فعله, وتقرر أيضاً أن من حفظ حجة على من لم يحفظ, فابن عمر لم يحفظ الطيب للمحرم وعائشة حفظت, فإن قلت :- كيف يتطيب المحرم وقد ثبت أن المحرم ممنوع من الطيب ومن المعلوم أن هذا الطيب سيبقى أثره في بدنه بعد عقد الإحرام؟ فأقول:- إن الذي حرم على المحرم هو ابتداء الطيب وأما بقاء أثره فلا بأس به وهذا يدخل تحت قاعدة يغتفر في البقاء مالا يغتفر في الابتداء, وقد ورد في بعض الروايات حديث عائشة رضي الله عنها قولها (( كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله  وهو يلبي )) فإن قلت :- وما الدليل على أن مريد الإحرام ممنوع من تطييب ثياب إحرامه؟ فأقول:- الدليل على ذلك حديث صاحب الجبة المعروف وفيه (( أما الطيب فاغسله أما الطيب فاغسله أما الطيب فاغسله )) الحديث, وسيأتي في سياق محظورات الإحرام إن شاء الله تعالى, لكن إذا تطيب في بدنه ثم مع جريان العرق نزل من الرأس طيب على بعض ثياب الإحرام فلا بأس بذلك لأنه لم يبتدئ الطيب فيها, ويغتفر في البقاء مالا يغتفر في الابتداء, والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- إذا عدم المحرم الماء في ابتداء إحرامه فهل له أن يتيمم ؟
أقول :- فيه خلاف وقليل من تعرض له ولكن الأقرب والله تعالى أعلى وأعلم أن التيمم يشرع حينئذٍ وذلك لأن قاعدة الشريعة أنه إذا تعذر الأصل فإنه يصار إلى البدل وقد تقرر في الضوابط الفقهية :- أن الطهارة الترابية بدل عن الطهارة المائية عند عدمها وأن التيمم يقوم مقام الماء في كل ماهو من خصائص الماء, فيجب فيما يجب ويستحب فيما يستحب, ولعموم قوله تعالى  فلم تجدوا ماءً فتيمموا  وهذا وإن كان في الطهارة للصلاة لكن قد تقرر في الأصول أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وهذا مذهب الشافعي وبعض أهل العلم رحمهم الله تعالى فإنه قال في الأم ( أن من عجز عن الماء يتيمم ) ا.هـ. والغسل للإحرام وإن كانت علته التنظيف, لكن هذا التعليل مستنبط, فلا تكون هذه العلة حاكمة على الدليل بحيث يزول بزوالها, بل ونقول:- إن التراب أحد الطهورين فهو يقوم مقام الماء حكماً وشرعاً وإن كان الماء أبلغ منه في التنظيف لكن هذا لا يمنع من مشروعيته عند فقد الماء, فالأقرب هو أن مريد الإحرام إذا عدم الماء عدماً حقيقياً أو حكمياً فإنه يشرع له الانتقال إلى بدله وهو التيمم وله مع النية الصالحة ما للمتطهر بالماء من الأجر والله واسع الفضل والله أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن التجرد من المخيط قبل نية الإحرام واجب،وليس هو مستحباً فقط, واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى, فإنه قال ( والتجرد من اللباس واجب في الإحرام ) ا.هـ. ولكن ما الحكم لو أحرم وعليه ثياب؟ أقول :- لو أنه أحرم وعليه ثياب فإن إحرامه ينعقد صحيحاً ذلك لأن التجرد من المخيط واجب من واجبات الإحرام فقط ولكن ليس هو شرطاً فيه, فلو أحرم وعليه ثياب صح إحرامه قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى : وليس – أي التجرد من الثياب – شرطاً فيه فلو أحرم وعليه ثياب صح ذلك بسنة رسول الله  وباتفاق أئمة أهل العلم وعليه أن ينزع اللباس المحظور.ا.هـ. كلامه رحمه الله تعالى, وعليه فيجب عليه أن يخلعها فوراً بلا شق ولا فدية عليه ولكن لو استدام لبسها مع قدرته على خلعها فإن عليه الفدية ودليل صحة إحرامه بالثياب وعدم الفدية إن خلعها حديث يعلى بن أمية  (( فإنه أحرم في جبة فأمره  بخلعها ))"متفق عليه" ولأبي داود (( فخلعها من رأسه )) ولم يأمره  بإعادة إحرامه, ولم يوجب عليه الفدية فلو كان ذلك مما يجب لأَمَرَهُ به لأن المتقرر عند الأصوليين أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز, والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن السنة للرجل أن يحرم في ثوبين أبيضين جديدين أو غسيلين أحدهما يجعله رداءً والآخر يجعله إزاراً, وكذلك يندب له أن يحرم في نعلين برهان ذلك قوله  (( وليحرم أحدكم في إزار ورداءٍ ونعلين ))"رواه أحمد" وقال ابن المنذر:- ثبت ذلك عن النبي  , وستأتي إن شاء الله تعالى لبس النعل بعد قليل بحول الله وقوته, وأما كونها أبيضين فلأن البياض هو سيد الألوان وخيرها وأحبها إلى الشارع لحديث ابن عباس مرفوعاً (( البسوا من ثيابكم البياض فإنها خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم ))"رواه الخمسة إلا الترمذي وسنده صحيح" وإن لبس البرد الأخضر فحسن لحديث يعلى بن أمية  قال (( طاف النبي  مضطبعاً ببردٍ أخضر ))"رواه الخمسة إلا النسائي وهو حديث صحيح" وكل هذا بالنسبة للرجل وأما المرأة فتحرم فيما شاءت من الثياب من غير اعتقاد استحباب ثوبٍ بعينه لا أبيض ولا أخضر ولا ينبغي أصلاً أن تتكلف المرأة الإحرام في الأبيض أو الأخضر, ولكن عليها أن تجتنب ثياب الزينة الفاتنة لأنها ستكون في مجامع الناس ولا يجوز لها أيضاً أن تمس الطيب لأنها ستمر على الرجال والأحاديث في النهي عن ذلك معروفة وخوفاً من أن تكون بهذه الثياب وهذا الطيب من الفتن للرجال الأجانب في الطواف والسعي وغير ذلك من مجامع الناس, وحق هذا التنبيه أن يكون عند الكلام على طيب المحرم لكن نسيته نعوذ بالله من نسيان العلم والله أعلم .
مسألة :- اعلم وفقنا الله وإياك لطاعته أن المحرم إذا لم يجد النعلين فله أن يلبس الخفين برهان ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما... وفيه (( ولا الخفاف إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين ))"متفق عليه" وعنه  أن النبي  قال في سياق المحرمات من الألبسة (( إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين وليقطع أسفل من الكعبين... الحديث )) وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله  قال (( السراويل لمن لم يجد الإزار والخفان لمن لم يجد النعلين )) وعن جابر  قال قال رسول الله  (( من لم يجد نعلين فليلبس خفين ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل )) ولكن إذا لبس الخفين فهل يقطعهما أم لا؟ فيه خلاف, فمن العلماء من أوجب القطع ومنهم من لم يوجبه وسبب الخلاف أن هناك أحاديث تأمر بالقطع وأحاديث ذكرت لبس الخف بلا قطع, وذهب كثير من أهل العلم رحمهم الله تعالى إلى أن القطع منسوخ لأن حديث ابن عباس وحديث جابر متأخران عن حديث ابن عمر لأن حديث ابن عمر كان في المدينة قبل خروجهم في سفرة الحج وأما حديث ابن عباس فإنه كان في خطبة عرفات وكذلك حديث جابر فإنه كان في أثناء الحج فلو كان القطع واجباً لبينه لاسيما أنه قد حضر الحج من لم يحضر في المدينة, ولكن هذا ليس هو الراجح بل الراجح حسب الصناعة الأصولية هو وجوب القطع وذلك لأن حديث ابن عباس وجابر مطلقان وحديث ابن عمر مقيد وقد تقرر في الأصول وجوب بناء المطلق على المقيد إذا اتفقا في الحكم و السبب, وهذه الأحاديث قد اتفقت في حكمها وسببها فيجب حينئذٍ حمل المطلق على المقيد, وتقرر أيضاً أن هذا الحمل لا يؤثر فيه كون المطلق متأخراً عن المقيد, بل يجب الحمل ولو كان المقيد متقدماً على المطلق, كما قلنا في الخاص والعام, فإننا نبني العام على الخاص ولو كان العام متأخراً عن الخاص فكذلك هنا وتقرر في الأصول أيضاً أن إعمال الكلام أولى من إهماله, وقوله (( وليقطعهما أسفل من الكعبين )) من كلام الشارع وإعماله ممكن بلا كلفة, فحيث أمكن إعماله فإنه لايجوز حينئذٍ إلغاؤه وإهماله, فإذا كان إعمال سائر الناس واجب إذا أمكن فكيف بكلام الشارع  وتقرر في الأصول أيضاً أن الجمع بين الدليلين مقدم على النسخ فإذا أمكن الجمع بين الدليلين فإنه يكون هو الواجب لأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما ماأمكن كما تقرر في القواعد, وهنا يمكن إعمال الدليلين بحمل المطلق على المقيد فإن قلت :- إن في القطع إفساداً للخف؟ فأقول:- لا شأن لك بذلك لأنك عبد مأمور فلا حق لك أن تعارض في أمر الشارع ولا خيرة لك فيه أصلاً كما قال تعالى  وماكان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصِ الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً  إنما عليك أن تقول سمعنا وأطعنا كما قال تعالى  إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا  وإتلاف جزء يسير من الخف امتثالاً لأمر الله تعالى وأمر رسوله  ليس بشيء فوا عجبي من النفوس إذا استثقلت ذلك وقامت تبحث فيه عن المخارج, فالحق الراجح في هذه المسألة أن المحرم إذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين, فإن قلت :- إنه قد سمع الحديث المطلق عن القطع من لم يسمع حديث القطع فأقول :- وهل النبي  مأمور أن يبلغ الشريعة لكل واحد من الأمة بعينه؟ بالطبع لا بل يكفيه أن يبلغه لمن تقوم بهم الكفاية في البلاغ وقد بلغه أتم البلاغ في المدينة والصحابة من أحرص الناس على نشر العلم والخير لاسيما وأهل المدينة الذين سمعوه فإنهم سادات الناس علماً وديناً واتباعاً, فلا نحمل الأدلة مالا تحتمل من أجل هذا القطع اليسير, فاللهم أغفر لأهل العلم وارحمهم الرحمة الواسعة واجزهم خير الجزاء وارفع نزلهم في الفردوس الأعلى وبارك في علمهم إنك خير مسئول والله أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم أرشدك الله لطاعته أنه من المشروع في حق المحرم إذا خاف مانعاً من عدوٍ أو مرضٍ ونحوهما من الموانع التي تعيقه عن إكمال نسكه أن يشترط, فيقول :- ومحلي حيث حبستني, ولا يشرع هذا في حق كل محرم بل في حق من يخاف المانع من إتمام النسك, وبرهان ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت :- دخل رسول الله  على ضباعة بنت الزبير فقال لها:(( أردتِ الحج )) قالت :- والله ما أجدني إلا وجعة فقال لها:(( حجي واشترطي وقولي:- اللهم محلي حيث حبستني ))"متفق عليه" وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن ضباعة بنت الزبير بن عبدالمطلب أتت رسول الله  فقالت :- إني امرأة ثقيلة وإني أريد الحج فما تأمرني ؟ فقال (( أهلي بالحج واشترطي أن محلي حيث تحبسني )) قال:- فأدركت"رواه مسلم" وقد تقرر في الأصول:- أن ماثبت في حق واحدٍ من الأمة فإنه يثبت في حق الأمة تبعاً إلا بدليل الاختصاص, فهذا الاشتراط لها ولسائر الأمة من بعدها إلى أن تقوم الساعة- أعني ممن خاف مانعاً- وقلنا:- في حق من خاف مانعاً فقط لأنه قد حج معه  الجمع الكثير ولم يثبت عنه أنه جعل ذلك شرعاً عاماً وإنما لم يقله إلا لضباعة بنت الزبير, ولم يقله ابتداءً وإنما قاله لما علم أنها مريضة وثقيلة وأنها تخاف المانع فعندها قال لها ذلك, فدل ذلك على أن الاشتراط ليس مشروعاً في حق كل محرم وإنما يشرع فقط في حق من خاف المانع الذي يعيقه عن إكمال نسكه فإن قلت:- وما الفائدة الشرعية من الاشتراط؟ فأقول:- فائدته أنه إذا تحقق المانع الذي يمنع من إكمال النسك فله أن يحل مجاناً من غير شيء واختار هذا القول أعني تخصيص الاشتراط بمن خاف المانع فقط, شيخ الإسلام ابن تيمية, وأما إنكار ابن عمر رضي الله عنهما للاشتراط فإنه مذهب له, وقد تقرر في الأصول أن مذهب الصحابي ليس بحجة بالاتفاق إذا خالف النص, والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم هدانا الله وإياك أن القول الصحيح أن الصلاة المذكورة في حديث جابر (( فصلى رسول الله  في المسجد ثم ركب القصوى )) أن المراد بها صلاة الفريضة واعلم أن الصحيح أن هذه الصلاة التي أحرم بعدها النبي  هي صلاة الظهر واختاره ابن القيم وغيره من المحققين, وهذا هو الصحيح بلا ريب, برهان ذلك مارواه مسلم في صحيحه من حديث شعبة عن قتادة عن أبي حسان عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:(( صلى رسول الله  الظهر بذي الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن وسلت الدم وقلدها نعلين ثم ركب راحلته فلما استوت به على البيداء أهل بالحج )) وبناءً عليه فأقول:- المستحب للمحرم أن يكون إحرامه عقيب فريضة إن تيسر له ذلك, بل المستحب له أن يتحين ذلك لما رواه البخاري من حديث الأوزاعي قال :- حدثني محيي عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر أن النبي  قال (( أتاني آتٍ من ربي:- أن صل في هذا الوادي المبارك وقل :- عمرة في حجة )) وليس المراد من هذا الحديث أمره بالصلاة فقط لأنه سوف يصلي بلا شك, وقد صلى فيه قبل ذلك العصر والمغرب والعشاء والفجر, ولم يأته الأمر بالصلاة في هذا الوادي إلا قبيل الظهر ثم جاء بعده الأمر له بأن يقول (( عمرة في حجة )) وهذا مشعر بأفضلية الإحرام بعد فريضة, وبناءً عليه فالمستحب للمحرم أن يتحين أن يكون إحرامه بعد فريضة إن تيسر له ذلك بلا كلفة فإن لم يتيسر له ذلك فليعلم أنه ليس للإحرام صلاة تخصه لكن لو صادف أنه توضأ وصلى ركعتين بنية سنة الوضوء أو دخل المسجد بقصد الجلوس وصلى تحية المسجد فأحرم بعدها فلا بأس, أما أن يركع ركعتين بقصد أنهما سنة الإحرام فهذا لم يرد به نص والأصل في العبادات التوقيف والأصل أن الأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة الصريحة وقد تقرر في القواعد:- أن كل إحداثٍ في الدين فهو رد واختار هذا القول شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم وغيرهما من المحققين والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن الإحرام ليس هو لبس الثياب فقط, لا, بل الإحرام هو نية الدخول في النسك والنية من عمل القلب, ذلك لأن بعض الناس هداه الله تعالى يظن خطأً أن أحكام الإحرام تترتب مباشرة بلبسه لثياب الإحرام ولو لم ينوي الدخول في النسك, وهذا خطأ وقد تقرر في القواعد أنه لا عبرة بالظن البين خطؤه, فإذا قيل لك عرف الإحرام:- فقل:- هو نية الدخول في النسك, فلا تترتب أحكام الإحرام ولا يمنع العبد من شيء من محظورات الإحرام إلا إذا نوى الدخول في النسك والله أعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن الصحابة  اختلفوا في المكان الذي أهل منه رسول الله , فمنهم من قال:- إنه أهل بالبيداء بعدما ركب, والمراد بالبيداء أي الشرف الذي قدام ذي الحليفة سميت بيداء لأنه ليس فيها بناءٌ ولا أثر واستدلوا بحديث ابن عباس السابق وفيه (( فلما استوت به على البيداء أهل بالحج )) وقال بعضهم إنه أهل عند الشجرة قبل ارتحاله واستدلوا بما رواه الشيخان (( أن ابن عمر كان إذا قيل له:- الإحرام من البيداء قال:- البيداء التي تكذبون فيها على رسول الله , ما أهل رسول الله  إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره )) والصحيح إن شاء الله تعالى أنه أهل بعد صلاته وفي المسجد لمارواه مسلم من حديث مالك عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبدالله أنه سمع أباه يقول (( بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله  فيها, وما أهل رسول الله  إلا من المسجد – يعني ذا الحليفة – )) وكذلك أخرج الترمذي والنسائي عن عبدالسلام عن خصيف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما (( أن رسول الله  أهل في دبر الصلاة )) ومن نقل عن النبي  أنه أهل بعد ذلك فلأنه لم يسمعه إلا في هذا الموطن حيث إن الصحابة كثير لا يمكن أن يسمعوا إهلاله كلهم في كل موطن فمن كان قريباً منه في المسجد سمعه يهل فنقل ذلك ومن كان قريباً منه عند ركوبه على الدابة سمعه يهل فنقل ذلك ولما ركب وكان على البيداء رآه كثير من الصحابة فرأوه يهل فنقلوا ذلك فكل حدث بما سمع فلا تعارض بين الروايات أصلاً لكن مبدأ إهلاله كان بعد الفراغ من الصلاة في المسجد, وروى أبو داود والبيهقي عن خصيف بن عبدالرحمن الجزري عن سعيد بن جبير قال:- قلت لابن عباس: ياأبا العباس عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله  في إهلال رسول الله  حين أوجب, فقال:- إني لأعلم الناس بذلك, إنها إنما كانت من رسول الله  حجة واحدة فمن هناك اختلفوا, خرج رسول الله  حاجاً فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتيه أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه, فسمع ذلك منه أقوام فحفظته عنه ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل, وأدرك ذلك منه أقوام وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالاًَ فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل فقالوا:- إنما أهل رسول الله  حين استقلت به ناقته, ثم مضى رسول الله  فلما علا شرف البيداء أهل وأدرك ذلك منه أقوام فقالوا:- إنما أهل حين علا شرف البيداء, قال سعيد:- وأيم الله, لقد أوجب في مصلاه, وأهل حين استقلت به ناقته وأهل حين علا شرف البيداء والحديث فيه ضعيف, لكن هذا هو الراجح أن كلاً حدث بما سمع وأدرك, فهذا الخلاف من باب خلاف التنوع لا التضاد, لكن الصحيح أن مبدأ إهلاله كان بعد الفراغ من صلاته في المسجد فالمستحب للعبد أن يحرم عقيب الفراغ من الصلاة والله أعلى أعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن القاعدة المتقررة في الشريعة أن الأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة الصريحة فلا يجوز إثبات شيء منها إلا بالدليل ولنا في هذه القاعدة رسالة مستقلة, والمراد هنا:- أن نقرر لك ضابطاً في في محظورات الإحرام لا بد أن تحفظه وهذا الضابط يقول:- محظورات الإحرام توقيفية, أي أن الأصل عدم الحظر فمن ادعاه فعليه بالدليل لأنه مخالف للأصل, وقد تقرر في الأصول أن الدليل يطلب من الناقل عن الأصل لا من الثابت عليه, وقد تقرر في القواعد أيضاً أن الأصل هو البقاء على الأصل حتى يرد الناقل, فلا يجوز إثبات شيء من هذه المحظورات إلا بالدليل, وقد سيرنا المحظورات التي ثبتت بالدليل فوجدنا كما يلي :-
الأول :- الجماع ومقدماته, والدليل على ذلك قوله تعالى  فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج  والصحيح أن الرفث شامل لمباشرة النساء بالجماع ومقدماته وشامل أيضاً للكلام بذلك كأن يقول المحرم لامرأته إن حللنا من إحرامنا فعلنا كذا وكذا والدليل على أن الرفث يراد به الجماع قوله تعالى  أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم  فالمراد بالرفث في الآية المباشرة بالجماع والمتقرر في الشريعة أنها إذا نهت عن شيء فإنه يدخل ضمناً النهي عن وسائله من باب سد الذرائع, والكلام بالجماع مع الزوجة مذكر به ومرغب فيه ووسيلة من وسائله فلا بد من سده, قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى ( الرفث اسم للجماع قولاً وفعلاً ) ا.هـ. وهذا محظور على المحرم بالإجماع, وقد تقرر في الأصول أن الإجماع حجة شرعية يجب قبولها والمصير إليها وتحرم مخالفتها .
الثانـي :- حلق الشعر لقوله تعالى  ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله  والنتف كالحلق, وقد أجمع أهل العلم على ذلك .
الثالـث :- تغطية الرأس وهذا بالنسبة للذكر فقط, أي هو محظور في حق الرجال خاصة, والضابط في ذلك يقول :- من غطى رأسه بملاصق معتاد فعليه الفدية, وقد شرحناه في كتابنا ضوابط الحج, والدليل على ذلك حديث ابن عمر في الصحيحين أن رجلاً سأل رسول الله  : مايلبس المحرم من الثياب؟ فقال (( لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس...الحديث )) والشاهد منه النهي عن العمائم والبرانس, فهذه ثبتت بالنص ودخل سائر مايغطى به الرأس عادة من باب القياس فلا يجوز للمحرم أن يغطي رأسه لا بطاقية ولا بغترة ولا طربوش ولا قلنسوة ولا بخرقة يربطها على رأسه ولا عمامة ونحو ذلك وفي الصحيحين من حديث ابن عباس في المحرم الذي سقط عن راحلته فوقصته فمات فقال عليه الصلاة والسلام (( اغسلوه بماءٍ وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً )) وقد أجمع أهل العلم على ذلك .
الرابـع :- لبس المخيط, وهذا في حق الذكر خاصة والدليل على ذلك حديث ابن عمر السابق وفيه (( لا يلبس المحرم القميص ولا العمائم ولا البرانس ولا السراويلات ...الحديث )) وفي حديث يعلى بن أمية في الصحيح (( أنزع عنك هذه الجبة )) وفي لفظ (( وأما الجبة فانزعها )) وفي لفظ (( انزع عنك جبتك )) وقد أجمع أهل العلم على ذلك والمراد بالمخيط ما حيك على قدر العضو كالفنيلة والسراويلات والثياب المكممة وكذلك البشت والبرانس وقفاز الأيدي والتبان والشراب قال في الإنصاف في تفسير المخيط :( ما عمل على قدر العضو إجماعاً ) وهذا المحظور كما ذكرت لك خاص بالذكور فقط .
الخامـس :- الطيب وهو عام, وقد أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من ابتداء الطيب لأنه  أمر يعلى بن أمية أن يغسل عنه أثر الطيب بقوله (( أما الطيب فاغسله – ثلاثاً- )) وفي حديث ابن عمر السابق (( ولا ثوباً مسه الزعفران أو الورس )) وفي لفظ (( ولا تلبسوا شيئاً مسه زعفران ولا ورس )) وقال في المحرم الذي وقصته ناقته (( ولا تمسوه طيباً )) وفي لفظ (( ولا تحنطوه )) وبناءً عليه فيحرم الطيب على المحرم ادهاناً أو استعمالاً في أكل أو شرب فالقهوة المزعفرة لا يجوز شربها للمحرم لأن الزعفران نوع من الطيب, بل ولا يجوز له أن يتعمد شم الطيب, قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( ومما ينهى عنه المحرم أن يتطيب بعد الإحرام في بدنه أو ثيابه أو يتعمد شم الطيب) ا.هـ. قال صاحب الروض ( ومن الطيب المسك والكافور والعنبر والزعفران والورس والبنفسج والينوفر والياسمين والبان وماء الورد ) ا.هـ. وأما شم الفواكه كالبرتقال والأترج والتفاح والسؤجل والخزامى والإذخر والقيصوم ونحوها فلا بأس به لأنه ليس من الطيب لا شرعاً ولا عرفاً, ويجوز له أن يدهن بدهن غير مطيب, وليحذر من باب الاحتياط من المنظفات التي وضع فيها الطيب قصداً والله أعلم .
السـادس :- الصيد لقوله تعالى  لاتقتلوا الصيد وأنتم حرم  وقال تعالى  غير محلي الصيد وأنتم حرم  وقال تعالى  وحرم عليكم صيد البر مادمتم حرماً  فلا يجوز للمحرم مباشرة الصيد ولا الإشارة إليه ولا الإعانة على قتله بشيء, بل ولا يجوز له أن يقبله على وجه الهدية إذا كان صيد له, ففي الصحيح عن أبي قتادة قال :- خرجنا مع رسول الله  حتى إذا كنا بالقاحة, فمنا المحرم ومنا غير المحرم إذا بصرت بأصحابي يتراءون شيئاً فنظرت فإذا هو حمار وحش, فأسرجت فرسي وأخذت رمحي ثم ركبيت فسقط سوطي فقلت لأصحابي وكانوا محرمين:- ناولوني السوط, فقالوا:- والله لا نعينك عليه بشيء, فنزلت فتناولته ثم ركبت فأدركت الحمار من خلفه وهو من وراءِ أكمه فطعنته برمحي فعقرته فأتيت به أصحابي فقال:- بعضهم كلوه وقال بعضهم:- لا تأكلوه وكان النبي  أمامنا, فحركت فرسي فأدركته فقال (( هو حلال فكلوه )) وفي لفظ (( هل معكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء؟)) قالوا: لا, قال (( فكلوا ما بقي من لحمها )) وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن الصعب بن جثامة الليثي  أنه أهدى لرسول الله  حمار وحشياً وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه رسول الله  فلما رأى رسول الله  ما في وجهه قال (( إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ))"متفق عليه" وفي لفظ (( لولا أنا محرمون لقبلناه منك )) وفي لفظ من حديث زيد بن أرقم (( ليس بنا رد عليك ولكنا حرم )) وقد أجمع أهل العلم رحمهم الله تعالى على أن المحرم ممنوع من صيد البر, والمراد الحيوان البري المأكول فقولنا ( الحيوان البري ) يخرج حيوان البحر فإنه حلال إن لم يكن في الحرم قاله الشيخ تقي الدين وغيره وقوله ( المأكول ) يخرج غير المأكول, وسيأتي فدية من فعل هذا المحظور إن شاء الله تعالى في المسألة الخاصة بها, والله أعلم .
السابـع :- عقد النكاح أو الخطبة له ولغيره, برهان ذلك حديث عثمان  قال قال رسول الله  (( لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب ))"رواه مسلم" وقال الوزير:- أجمعوا على أن المحرم لا يعقد عقد نكاح لنفسه ولا لغيره ا.هـ.فإن قلت:- فكيف تقول في حديث ابن عباس في الصحيحين أنه قال (( تزوج رسول الله  ميمونة وهو محرم ))؟ فأقول:- لقد تقرر في الأصول أن الأدلة التي ظاهرها التعارض فإننا نوفق بينهما بالجمع أولاً إن استطعنا, وهنا لا نستطيع الجمع, أو نوفق بينهما بأن نجعل أحدهما ناسخاً والآخر منسوخاً, وهنا لايمكننا ذلك أيضاً, أو نوفق بينهما بالترجيح, وهذا ممكن هنا, فنظرنا في الدليلين فوجدنا أن حديث المنع أرجح وذلك لأمور:-
أولهـا:- أن أئمة هذا الشأن كأحمد وابن المسيب وغيرهما قالوا:- إن حديث ابن عباس هذا وَهَم ويوضح هذا الوجه الثاني:- وهو أن صاحبة القصة قد بينت هي بنفسها أن عقد النبي  كان في حاله كونه حلالاً لا محرماً برهان ذلك حديث يزيد بن الأصم عند مسلم قال ((حدثتني ميمونة بنت الحارث أن رسول الله  تزوجها وهو حلال)) وقد تقرر في الأصول في باب الترجيح أن رواية صاحب القصة التي وقعت عليه إذا حدث بها هو نفسه مقدمة على رواية غيره إذا عارضتها لأن صاحب القصة أدرى بما وقع له من غيره ويوضح ذلك أيضاً الوجه الثالث:- وهو أن الوسيط بينهما في النكاح كان أبو رافع وقد حدث هو نفسه أن النبي  تزوج ميمونة وهو حلال فقد قال الترمذي في جامعه:- حدثنا قتيبة قال حدثنا حماد بن زيد عن مطر الوراق عن ربيعة ابن أبي عبدالرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع  قال (( تزوج رسول الله  وهو حلال وبنى بها وهو حلال وكنت أنا الرسول بينهما )) وقد تقرر في الأصول أن رواية من باشر القصة وعرف تفاصيلها مقدمة على غيرها عند التعارض, ويوضح هذا الوجه الرابع:- وهو أن ابن عباس لم يحضر هذه الواقعة أصلاً لأنه كان صغيراً في المدينة وهذه الواقعة حصلت في عمرة الحديبية وابن عباس إذ ذاك كان صغيراً, فالواقعة قد نقلت له وأما ميمونة فإنها صاحبة القصة وأبو رافع باشر كل تفاصيلها فدخول الوهم في رواية ابن عباس هو الأقرب من دخوله في رواية من باشر القصة وعرف جميع تفاصيلها ولذلك قال الإمام أحمد وابن المسيب وغيرهما أن رواية ابن عباس هذه وهم, وعلى هذا فلا إشكال حينئذٍ بين هذه الأحاديث لأن حديث ابن عباس وَهَم فهو شاذ. فالمعتمد في هذه المسألة هو حديث عثمان وحديث ميمونة وحديث أبي رافع, فإن قلت:- إن حديث عثمان لا حجة فيه على تحريم العقد لأن قوله (( لا ينكح المحرم )) إنما يراد به الوطء لا مجرد العقد, فأقول:- هذا كلام من لم يدقق في لفظ الحديث, وفي القرائن التي تحف به, وبيان ذلك من وجوه:- أحدهما:- أن لفظ الحديث هكذا (( لا ينكح المحرم ولا يُنكحُ )) بضم الياء وهذا دليل على أن المراد لا يزوج ولا يمكن أن يكون المراد بذلك الوطء لأن الولي إذا زوج قبل الإحرام وطلب الزوج وطء زوجته في إحرام وليها فعليه أن يمكنه من ذلك إجماعاً فدل ذلك على أن المراد بقوله (( ولا ينكح )) ليس الوطء, بل التزويج كما هو ظاهر. والوجه الثاني:- أنه  قال (( ولا يخطب )) والمراد خطبة المرأة التي هي طلب تزويجها وذلك دليل على أن المراد العقد لأنه هو الذي يطلب بالخطبة وليس من شأن وطء الزوجة أن يطلب بخطبة كما هو معلوم. والوجه الثالث:- أن أبان بن عثمان راوي الحديث وهو من أعلم الناس بمعناه فسره بأن المراد بقوله (( ولا ينكح )) أي لا يزوج لأن السبب الذي أورد فيه الحديث هو أنه أرسل له عمر بن عبيد الله حين أراد أن يزوج ابنه طلحة بن عمر ابنة شيبة بن جبير فأنكر أبان بن عثمان ذلك أشد الإنكار وبين له أن حديث عثمان عن النبي  دليل على منع عقد النكاح في حال الإحرام ولا نعلم أن أحداً من التابعين أنكر عليه هذا التفسير, وقد تقرر في قواعد الأصول أن تفسير الراوي مقدم على غيره مالم يخالف ظاهر الحديث, فهذه الأوجه تفيد إفادة صريحة أن المراد بقوله (( لا ينكح المحرم ولا ينكح )) العقد لا الوطء والله أعلى وأعلم .
الثامـن :- تقليم الأظافر, وهذا المحظور لم أجد منه نصاً يجب المصير إليه, فليس فيه شيء من المرفوعات, ولكن قد نقل ابن المنذر إجماع أهل العلم عليه, وقال الموفق:- أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من أخذ أظفاره, وقد تقرر لنا أن الإجماع حجة شرعية يجب الأخذ بها واعتمادها والمصير إليها لأن المتقرر أن الأمة لا تجتمع على ضلالة, واستدلوا على ذلك أيضاً بالقياس الصحيح المستوفي لجميع أركانه, فقالوا:- إن المحرم ممنوع من أخذ شعره لأنه يحصل به الترفه, فكذلك تقليم الأظفار يحصل به الترفه فهو مثله في العلة وقد تقرر في الأصول أن الشريعة لا تفرق بين المتماثلات ولا تجمع بين المختلفات, ولكن أقول:- إن كان هذا القياس مدخولاً فيكفينا في ذلك الإجماع الذي نقله ابن المنذر وابن قدامة وهما معروفان بإتقانهما لمذاهب أهل العلم وتتبع الأقوال ومعرفة مواقع الوفاق من مواضع الخلاف فالعمدة في عَدِّ تقليم الأظفار من المحظورات في حق المحرم هو الإجماع الذي ذكراه والله تعالى وأعلم .
التاسـع :- لبس النقاب والقفازين بالنسبة للمرأة, ويقاس عليه من باب أولى البرقع فلا يجوز للمحرمة أن تلبس هاتين الشيئين فقط, برهان ذلك قوله  (( ولا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين ))"رواه البخاري" قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:- كراهية البرقع ثابتة عن سعيد وابن عمر وابن عباس وعائشة ولا نعلم أحداً خالف فيه ا.هـ. وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:- وخالف فيه أبو حنيفة وسنة رسول الله  أولى بالاتباع ا.هـ. ولكن يجب أن أنبهك على أمر مهم وهو:- أن المحرم على المرأة هو أن تغطي وجهها بالنقاب أو البرقع فقط, وهذا ليس أمراً لها بأن تكشفه, بل نهي لها عن هذا الغطاء المخصوص فقط, وبناءً عليه فإنها إن مرت بمجامع الرجال أو مر بها أجانب فإنه يجب عليها أن تغطي وجهها ويديها لكن تغطيها بالطرحة وبأطراف الكمين أو بأطراف العباءة ولا يجوز لها أن يراها أحد من الأجانب, وليس هناك دليل على وجوب كشف وجهها حال الإحرام, لكن ورد الدليل على نهيها عن التغطية بالنقاب, فيكون النقاب والقفاز هو المحرم بخصوصه, وأما حديث (( إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه )) فإنه لا يصح مرفوعاً للنبي  ولا أصل له ولا تقوم به الحجة, قاله ابن القيم رحمه الله تعالى وقال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى عن هذا الحديث:- لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي  أنه قال:- إحرام المرأة في وجهها, وإنما هذا قول لبعض السلف ا.هـ.كلامه, وقال ابن القيم أيضاً:- وإنما يحرم ستره – أي الوجه – بما أعد للعضو كالنقاب ونحوه لا مطلق الستر كاليدين وليس عن رسول الله  حرف واحد في وجوب كشف المرأة وجهها عند الإحرام ا.هـ. وأنبهك على أمر آخر:- وهو أن المرأة لا يجب عليها إذا غطت وجهها أن تجافيه عن وجهها كما يفعله بعض النساء, فإن هذا لا أصل له, قال أبو العباس رحمه الله تعالى:- ولو غطت المرأة وجهها بشيء لا يمس الوجه جاز بالاتفاق وإن كان يمسه فالصحيح جوازه أيضاً ا.هـ. فلا تكلف المرأة أن تجافي سترتها عن الوجه لا بعود ولا بيدها ولا غير ذلك فإن النبي  لم يثبت عنه نقل بخصوص ذلك, وقد كان أزواجه رضي الله عنهن يسدلن على وجوههن من غير مراعاة المجافاة, وقد تقرر في الأصول أن الأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة الصريحة والله أعلى وأعلم, فهذه الأمور التسعة هي محظورات الإحرام وهذا هو الذي نعلمه منها وهو الذي يقرره أهل العلم في كتبهم وما زاد على ذلك مما يذكره بعض الفقهاء في كتبهم فإنه موقوف على النظر في دليله فإن كان يصح للاعتماد اعتمدناه وإلا فالأصل عدم الحظر والله ربنا أعلى وأعلم .
مسألة :- قاعدة:- لا يؤثر فعل المنهي عنه إلا بذكرٍ وعلمٍ وإرادة وهذه قاعدة مفيدة جداً جداً وقد شرحناها في كتابنا تلقيح الأفهام ويتفرع عليها عدد من الضوابط المهمة في كثير من أبواب الفقه, ومن هذه الضوابط قولهم:- ( لا يؤثر فعل المحظور عنه إلا بذكر وعلم وإرادة ) أي أن من قارف شيئاً من هذه المحظورات ناسياً إحرامه أو كان جاهلاً بالحكم ومثله يجهل أو كان مكرهاً على هذه المقارفة, فإن هذه المقارفة لا تضره ولا يترتب عليها أثرها, فلا يترتب الأثر على فعل شيء من هذه المحظورات إلا بالذكر والعلم والإرادة, فأما الذكر فضده النسيان قال تعالى  ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا  وقال عليه الصلاة والسلام (( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ))"حديث حسن" وقد تقرر في الضوابط أن النسيان من جملة موانع التكليف, وبناءً عليه فمن فعل شيئاً من هذه المحظورات ناسياً فلا شيء عليه, من غير تفصيل بين هذه المحظورات على القول الصحيح, حتى لو وطء ناسياً أنه محرم فإنه لا شيء عليه, وأما العلم فضده الجهل, لكن لا بد أن نقيد هذه الجهل بقولنا (ومثله يجهل) فإذا كانت القرائن المصاحبة لدعوى الجهل تصحح هذه الدعوى فإنه لايؤثر عليه مفارقة شيء منها, وقد تقرر في القواعد أن الشريعة منوطة بالعلم, وبعبارة أخرى نقول:- الشرائع لا تلزم إلا بالعلم, أو نقول:- لا تكليف إلا بعلم قال الناظم :-


وأما الإرادة فضدها الإكراه, فالإكراه من مسقطات التكليف, فمن فعل شيئاً من هذه المحظورات مكرهاً فلا شيء عليه, قال تعالى  إلا من أُكره وقلبه مطمئنٌ بالإيمان  وكذلك يستدل بالحديث السابق, بل الحديث السابق أعني حديث (( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )) دليل على هذه الشروط الثلاثة, فالخطأ دليل على اشتراط العلم, والنسيان دليل على اشتراط الذكر, وقوله (( وما استكرهوا عليه )) دليل على اشتراط الإرادة, وقد شرحنا هذه الشروط في ضوابط كتاب الحج من إتحاف النبهاء يشرح ضوابط الفقهاء فلا بد قبل الإفتاء يلزوم شيء من آثار من هذه المحظورات أن يتأكد المفتي من توفر هذه الشروط الثلاثة والله أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن الصحيح هو أن السلطان لا يجوز له حال إحرامه أن يزوج بالولاية العامة, لأنه من المعلوم أن المرأة التي لا ولي لها فإن السلطان وليها,لكن إذا كان محرماً فإنه لا يجوز له أن يتولى عقد تزويج هذه المرأة التي لا ولي لها, ذلك لأنه يدخل في عموم حديث (( لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب )) فقوله (( المحرم )) مفرد دخلت عليه الألف واللام المفيدة للاستغراق وقد تقرر في الأصول أن الألف واللام إذا دخلت على المفرد أو الجمع فإنها تفيده العموم فيدخل في ذلك كل من الصنف بأنه محرم, وقد تقرر أيضاً في الأصول أن الأصل هو البقاء على الأصل حتى يرد الناقل والأصل هنا العموم فالأصل هو البقاء على هذا العموم حتى يرد المخصص, ولا نعلم دليلاً من الكتاب ولا من السنة ولا من الإجماع ولا من القياس الصحيح يخصص السلطان من عموم هذا الحديث, فحيث لا مخصص فالأصل بقاؤه داخلاً في هذا العموم وهذا قول جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى, والله تعالى أعلم وأعلى .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن القول الصحيح إن شاء الله تعالى أن عقد النكاح إذا جرى بين المحلين أي كان الزوج حلالاً والمرأة حلالاً والولي حلالاً فإنه يجوز للمحرم أن يكون شاهداً على هذا العقد, فالشهادة على العقد جائزة, وهو مذهب الشافعية وغيرهم, وبرهان ذلك أن الأصل الذي قررناه سابقاً هو أن محظورات الإحرام توقيفية على الدليل, فلا يجوز لنا أن نقول:- هذا حرام على المحرم إلا بدليل, ولم يرد الدليل إلا بقوله (( لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب )) وعقد النكاح هو الإيجاب والقبول الإيجاب الصادر من الولي والقبول الصادر من الزوج والشاهد لا صنع له في ذلك, فلا يشمله هذا النهي, فالأصل عدم تحريم الشهادة على عقد النكاح الصحيح, والأصل هو البقاء على الأصل حتى يرد الناقل, فأين الناقل من الإباحة إلى التحريم, لاسيما وأن التحريم من أحكام الشريعة وقد تقرر في القواعد أن الأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة الصريحة, فالراجح في هذه المسألة الجواز واعلم أن كل نص يمنع المحرم من الشهادة على عقد النكاح فإنه باطل لا يصح, فما ورد في بعض طرق هذا الحديث (( ولا يشهد )) فإنها لا تصح قاله في المبدع, وأما الذين كرهوا لها الشهادة فأقول لهم:- لقد تقرر عندنا أن الكراهة حكم شرعي والأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للدليل الصحيح الصريح, ولا نعلم على هذه الكراهة دليلاً يصح الاعتماد عليه, ولكن لا يخفاك – بارك الله فيك – أنه إذا اشتد الخلاف بين أهل العلم وكان للمكلف فرضه للخروج منه فالأفضل له الخروج منه, فإذا لم يحتج إلى شهادة المحرم فالأفضل له ألا يشهد خروجاً من الخلاف وقد تقرر في القواعد أن الخروج من الخلاف مستحب ومن المعلوم أنه لولم يشهد لما أنكر عليه أحد لكنه لو شهد لأنكر عليه القائلون بالتحريم أو الكراهة وقد تقرر في القواعد أن فعل ما اتفق عليه العلماء أولى من فعل من انفرد به أحدهما ما أمكن وقد شرحنا هذه القاعدة في كتابنا تلقيح الأفهام بأوسع مما هنا والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم أن المحرم لو خالف وعقد عقد الزواج حال إحرامه فإن هذا العقد عقد فاسد لا يترتب عليه أثره, وهذا القول هو مذهب الجمهور, وهو القول الصحيح بلا شك بل أقول:- أننا لا نعلم بين الصحابة  خلافاً في فساد هذا العقد, إلا ما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما, وبرهان ذلك قوله عليه الصلاة والسلام (( لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب )) فهذا نهي وقد تقرر في الأصول أن النهي يقتضي الفساد إلا بدليل يصححه, قال ابن تيمية رحمه الله تعالى في شرح العمدة:- وأيضاً فقد عمل بذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم من أكابر الصحابة ا.هـ. وروى مالك في الموطأ عن أبي غطفان بن طريف المري (( أن أباه طريفاً تزوج وهو محرم فرد عمر بن الخطاب نكاحه )) "وسنده صحيح" وعن نافع أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول (( لا ينكح ولا يخطب على نفسه ولا على غيره ))" رواه مالك وسنده صحيح أيضاً" وعن الحسن أن علياً قال (( من تزوج وهو محرم نزعنا منه امرأته ولا نجيز نكاحه ))"رواه البيهقي وابن حزم في المحلى" وعن شوذب المدني مولى زيد بن ثابت (( أنه تزوج وهو محرم ففرق بينهما زيد بن ثابت )) وهو أثر صحيح, قال ابن حزم في المحلى:- صح عن عمر بن الخطاب وزيدبن ثابت فسخ نكاح المحرم إذا نكح ا.هـ. وقال ابن تيمية بعد أن ساق هذه الآثار ( وهؤلاء أكابر الصحابة لم يقدموا على إبطال نكاح المحرم والتفريق بينهما إلا بأمر بين وعلم اطلعوه ربما يخفى على غيرهم بخلاف من نقل عنه إجازة نكاح المحرم فإنه يجوز أ، يكون قد بنى على استصحاب الحال ا.هـ. قلت:- وقد تقرر في الأصول أن رواية الناقل عن الأصل مقدمة على قول مبني على استصحاب الحال فقط, فالصحيح في هذه المسألة هو ما ذهب إليه أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة من أن عقد النكاح حال الإحرام عقد فاسد لا يترتب عليه أثره والله ربنا أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم أرشدك الله لطاعته أن الناسك بالحج إذا تحلل التحلل الأول ثم عقد النكاح فإن نكاحه في هذه الحالة صحيح, لكن لا يجوز له الوطء إلا بعد التحلل الثاني وقد اختار الصحة شيخ الإسلام ابن تيمية وابن عثيمين وغيرهما من أهل العلم رحمهم الله تعالى, والله تعالى أعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن العلماء قد اتفقوا على أن المحرم إذا جامع امرأته قبل الوقوف أن حجه يفسد بذلك, نقل ذلك ابن المنذر, وابن حزم في المحلى, واتفقوا أيضاً على أنه لا يفسد الحج من محظورات الإحرام إلا الجماع خاصة, قال ابن تيمية رحمه الله تعالى:- ليس في المحظورات ما يفسد الحج إلا جنس الرفث - إلى أن قال- وأما سائر المحظورات كاللباس والطيب فإنه وإن كان يأثم بها فلا يفسد الحج عند أحد من الأئمة المشهورين, وحيث كانت هاتين المسألتين إجماع فلا نطيل الكلام فيهما والله أعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أننا حيث حكمنا على من جامع قبل الوقوف بعرفة أن حجه فاسد فلا يعني ذلك أنه يتحلل منه, لا, بل يجب عليه المضي فيه إلى تمامه وعليه وجوباً أن يقضي هذا الحج عاماً قابلاً وعليه بدنة من باب الفدية, قال الوزير وغيره اتفقوا على أن عليهما القضاء سواءً كان الحج تطوعاً أو واجباً ا.هـ. قلت:- والأظهر أن قضاءه على الفور أي في العام القابل ولا يجوز له التأخير مع القدرة, والأظهر أيضاً أنهما في حجة القضاء لا بد أن يتفرقا كما قاله الجمهور وذلك لئلا يفسدا حجة القضاء بجماع آخر, والعمدة في هذه المسألة ماهو ثابت من الآثار من الصحابة  فقد روى مالك في الموطأ بلاغاً (( أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبا هريرة  سئلوا عن رجل أصاب أهله وهو محرم بالحج؟ فقالوا:- ينفذان لوجههما حتى يقضيا حجهما ثم عليهما حج قابل والهدي )) قال: (( وقال علي بن أبي طالب  :- وإذا أهلاَّ بالحج من عام قابل تفرقا حتى يقضيا حجهما )) وفيه انقطاع, وفي الموطأ أيضاً عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: (( ماترون في رجل وقع بامرأته وهو محرم؟ فبعث إلى المدينة يسأل عن ذلك فقال بعض الناس يفرق بينهما إلى عام قابل, فقال سعيد بن المسيب:- لينفذا لوجههما فليتما حجهما الذي أفسداه فإذا فرغا رجعا فإن أدركهما حج قابلٍ فعليهما الحج والهدي ويهلان به من حيث أهلاَّ بحجهما الذي أفسداه ويتفرقان حيث يقضيان حجهما )) وفي الموطأ أيضاً عن مالك عن أبي الزبيري المكي عن عطاء بن أبي رباح عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أنه (( سئل عن رجل وقع بأهله وهو بمنى قبل أن يفيضا فأمره أن ينحر بدنة )) وروى البيهقي في سننه الكبرى بإسناده عن عطاء أن عمر بن الخطاب  قال في المحرم بحجة أصاب امرأته يعني وهي محرمة؟ قال: (( يقضيان الحج وعليهما الحج من قابل من حيث كانا أحرما وعليهما بدنة واحدة )) وفيه انقطاع لأن عطاء لم يدرك عمر  . وروى البيهقي بإسناده (( أن مجاهداً سئل عن المحرم يواقع امرأته؟ فقال:- كان ذلك على عهد عمر  قال:- يقضيان حجهما ثم يرجعان حلالاً كل واحد منهما لصاحبه فإذا كان من قابل حجا وأهديا وتفرقا في المكان الذي أصابها فيه )) وروى البيهقي بإسناده أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما في رجل وقع على امرأته وهو محرم؟ فقال: (( اقضيا نسككما وارجعا إلى بلدكما فإذا كان عام قابل فاخرجا حاجين فإذا أحرمتما فتفرقا ولا تلقيا حتى تقضيا نسككما وأهديا هدياً )) قال النووي إسناده صحيح. وروى البيهقي بإسناده أيضاً عن عمرو بن شعيب عن أبيه (( أن رجلاً أتى عبدالله بن عمرو يسأله عن محرم وقع بامرأته؟ فأشار إلى عبدالله بن عمر فقال: إذهب إلى ذلك فسله, قال شعيب:- فلم يعرفه الرجل فذهبت معه فسأل ابن عمر فقال:- بطل حجك, فقال الرجل:- فما أصنع؟ فقال:- اخرج مع الناس واصنع ما يصنعون فإذا أدركت قابلاً فحج وأهد, فرجع إلى عبدالله بن عمرو وأنا معه, فأخبره فقال:- اذهب إلى ابن عباس فسأله قال شعيب:- فذهبت معه إلى ابن عباس فسأله فقال له كما قال ابن عمر فرجع إلى عبدالله بن عمرو وأنا معه فأخبره بما قال ابن عباس ثم قال:- ما تقول أنت؟ فقال:- قولي مثل ما قالا )) قال البيهقي:- هذا إسناد صحيح وبهذا يقين لك إن شاء الله تعالى صحة ما ذكرناه في هذه المسألة والخلاصة أن من جامع قبل الوقوف بعرفة فعليه أمور:- أحدهما:- فسد حجه, الثاني:- عليه التوبة النصوح الثالث:- عليه قضاؤه فوراً من العام المقبل, الرابع:- عليه مع حجة القضاء بدنة يذبحها ويوزعها جميعها على فقراء الحرم, الخامس:- عليه الاستمرار في حجه هذا حتى يكمل مناسكه, السادس:- عليه مع حجة القضاء أن يتفرقا فلا يراها ولا تراه حتى يقضيا حجهما من باب الاحتياط, والله تعالى أعلى وأعلم .
محب الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-30-2011, 08:28 AM   #7
إداري
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 1,222
افتراضي رد: تبصير الناسك بأحكام المناسك ( تشمل عامة أحكام الحج مختصرة محررة ) للشيخ وليد السعيدان

مسألة :- واعلم رحمك الله تعالى أن من جامع ناسياً فلا شيء عليه في أصح قولي أهل العلم رحمهم الله تعالى وذلك لأن النسيان من موانع التكليف وقد تجاوز الله عن هذه الأمة النسيان, وقد تقدم لنا أن محظورات الإحرام لا يترتب أثرها إلا بذكر وعلم وإرادة واختاره الشافعي في الجديد ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحم الله الجميع رحمة واسعة . واختاره صاحب الفائق واستظهره ابن مفلح في الفروع . واعلم رحمك الله تعالى أن الجماع المفسد للحج هو التقاء الختانين الموجب للحد والغسل واعلم أرشدك الله لطاعته أن الإتيان في الدبر كالجماع في إفساد الحج كما هو قول جماهير أهل العلم رحم الله الجميع رحمة واسعة, وهو الحق بلا ريب, واعلم أيضاً أن الأظهر أن الزنا والعياذ بالله تعالى يعطى حكم جماع الزوجة في ذلك, أي أنه إذا حصل قبل الوقوف بعرفة فإنه يفسد الحج, واعلم أيضاً أن الصحيح في تفريق الزوجين ليس في السنة كلها وإنما هو في حجة القضاء فقط, واعلم أيضاً أن الأظهر أن التفريق يبدأ من حيث الإحرام كما هو مذهب مالك ورواية عن الإمام أحمد, واعلم أن التفريق هذا من الأمور المستحبة على القول الصحيح لأنه من باب الاحتياط وقد قال به عمر بن الخطاب وعثمان وابن عباس وسعيد بن المسيب والثوري وإسحاق وابن المنذر وعطاء والنخعي وأصحاب الرأي وغيرهم, فليس هو بدعاً من القول كما سمعته من بعض الطلبة – هداه الله تعالى ووفقه لكل خير – واعلم رحمك الله تعالى أن الصحيح المُكْرِهَة على الجماع أنه لاشيء عليها والإثم والتبعة على من أكرهها, ذلك لأن الإكراه من موانع التكليف وقد تقرر في القاعدة السابقة أن محظورات الإحرام لا تؤثر إلا بذكرٍ وعلمٍ وإرادة . وأما إذا كانت مطاوعة عالمة فالأظهر أن كل واحدٍ منهما عليه ما يلزم المجامع, فحجه فاسد وحجها فاسد وعليه القضاء وعليها القضاء وعليه المضي فيه وعليها المضي فيه وعليه بدنة وعليها بدنة أخرى, هذا هو الراجح وهو مذهب مالك وأحد قولي الشافعي وبه قال النخعي والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن مقارفة هذه المحظورات بالشروط السابقة لها آثار تترتب عليها, فجميعها تتفق في أن مقارفتها من الذنوب التي توجب التوبة والاستغفار والندم على هذه المقارفة والعزم على عدم العودة إلى مثل هذه المقارفة, ولكن هناك آثار أخرى تختلف بين محظور ومحظور, فأما حلق الرأس وتغطية الرأس ولبس المخيط فإن العبد إذا قارفها عالماً ذاكراً مريداً فإن فيها فدية الأذى والمراد بها ذبح شاة, أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع, والأصل في ذلك قوله تعالى  فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك  وفي الصحيحين من حديث كعب بن عجرة  أنه قال:- حملت إلى رسول الله  والقمل يتناثر على وجهي فقال (( ماكنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى أتجد شاة؟ )) فقلت:- لا, فقال (( صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع))"متفق عليه" والحديث له ألفاظ في الصحيحين هذا مؤداها, وبناءً عليه فقد قرر أهل العلم رحمهم الله تعالى هذا الضابط الذي يقول:- فدية الأذى على التخيير بين الذبح والصيام والإطعام, كذا قالوا, رفع الله نزلهم في الفردوس الأعلى, وهذا هو المذهب وعليه الأصحاب أن من فعل محظوراً من هذه المحظورات الثلاثة من الحلق أو تغطية الرأس أو لبس المخيط بالشروط السابقة فإنه مخير بين هذه الخصال الثلاث, وليس هو مذهب الأصحاب فقط بل هو قول الجمهور, والجامع في هذه الثلاثة أنها مما يحصل بها الترفة, فلما اتفقت في العلة اتفقت في الحكم لأن الشريعة لا تفرق بين المتماثلات ولا تجمع بين المختلفات ويلحق بهذه الثلاثة أيضاً الطيب وتقليم الأظافر, فصارت خمسة أشياء, فمن حلق رأسه فعليه فدية الأذى بالتخيير بين هذه الخصال الثلاث, ومن غطى رأسه فعليه فدية الأذى بالتخيير بين هذه الأشياء الثلاثة ومن لبس المخيط فعليه فدية الأذى بالتخيير بين هذه الخصال الثلاث ومن تطيب فعليه فدية الأذى بالتخيير بين هذه الخصال الثلاث ومن قلَّم أظافره فعليه فدية الأذى بالتخيير بين هذه الخصال الثلاث فهذه المحظورات الخمسة تجب فيها التوبة ويجب فيها فدية الأذى بالتخيير بين هذه الخصال الثلاث, وأما الصيام فله أن يصوم في أي مكان شاء وهذا بإجماع أهل العلم - أعني في الصيام في أي مكان- أفاده الشيخ الشنقيطي وبناءً عليه فلا يشترط أن يكون بمكة بل لو صام بعد رجوعه إلى بلده جاز لكن الأفضل له التعجل بها لأن النبي  أخرج هذه الكفارات بصيغة الأمر فقال (( اذبح شاة )) وقال (( صم ثلاثة أيام )) وقال (( أطعم ستة مساكين )) وقد تقرر في الأصول أن المجرد عن القرينة يفيد الفورية، ولأن الإنسان لا يدري ما يعرض له, ولأن هذا من المسارعة في تبرئة الذمة, ولأنه من تعظيم شعائر الله تعالى, ولأنها تتعلق بمحظور فعل في الحج فناسب أن تكون في أزمانه ومكانه وهذا من باب الأفضل لكن لو أخره إلى الرجوع إلى بلده فلا حرج في أصح قولي أهل العلم, وأما الإطعام فيكون من معتاد قوت البلد, بل الأفضل له في الإطعام أن يطعم مأكولاً جاهزاً مع أدمه واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى, وقال:- وهو أفضل من أن يعطيه قمحاً أو شعيراً وكذلك في سائر الكفارات إذا أعطاه مما يقتات به مع أدمه فهو أفضل من أن يعطيه حباً مجرداً ا.هـ. والقاعدة المعتمدة في ذلك العرف وقد تقرر في القواعد أن العادة محكمة, فيطعم كل مما يطعمون أهليهم, وبه تعلم أن ماورد في بعض روايات حديث كعب بن عجرة من أمره  له أن يطعم فرقاً بين ستة وفي بعضها بتمر إنما هو جار على العرف المعتمد عندهم في زمنهم لأن التمر هو معتاد قوتهم, أفاده شيخ الإسلام ابن تيمية رفع الله نزله وأعلا درجته, وجزاه الله تعالى خير ما جزى عالماً عن أمته, والأظهر عندي والله تعالى أعلى وأعلم أن الإطعام لا يلزم فيه أن يكون لمساكين الحرم بل لو أطعم غير مساكين الحرم فلا بأس إن شاء الله تعالى وكذلك الذبح لا يلزم أن يكون في الحرم, وبرهان ذلك أن حديث الفدية إنما ورد فيه (( النسك شاة أو صم ثلاثة أيامٍ أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع )) فنسك الشاة ورد مطلقاً والصوم ورد مطلقاً والإطعام ورد مطلقاً وقد تقرر في الأصول أن الأصل هو بقاء المطلق على إطلاقه ولا يقيد إلا بدليل, وتقرر أيضاً أن الأصل عدم القيد والأصل هو البقاء على هذا الأصل حتى يرد الناقل ولا أعلم دليلاً من الكتاب ولا من السنة ولا من الإجماع ولا من القياس المعتبر الصحيح يوجب أن يكون هذا الذبح وهذا الإطعام في الحرم لأن هذا قيد والأصل فيه العدم, ولأنه شرط والأصل في الاشتراط التوقيف ولأنه إثبات لحكم شرعي والأصل أن الأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للدليل الصحيح الصريح, واختار هذا القول الشيخ الشنقيطي, وأما الصيام فقد ذكرت لك أن العلماء أجمعوا على جوازه في كل مكان, وبناءً عليه فأقول اختصاراً:- الصيام جائز في كل مكان بالإجماع والأظهر أن النسك والصدقة كذلك, وهذا هو الأوسع على الناس والله أعلم .
مسألة :- وأما الصيد فالواجب فيه هو ما ذكره الله تعالى بقوله  ياأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدلٍ منكم هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مسكين أو عدل ذلك صياماً ليذوق وبال أمره ... الآية  قال الناظم :-
وهذه الخصال قُرنت بـ(أو) وقد تقرر في حروف المعاني أنها للتخيير وهذا أحد معانيها وبناءً عليه فقد قرر الفقهاء هذا الضابط ( فدية الصيد على التخيير بين ذبح المثل أو الإطعام أو الصيام ) وهذه المثلية المذكورة في الآية نوعان:- نوع قد ورد فيه الأثر المرفوع أو الموقوف, فهذا النوع لا ينبغي لنا تجاوزه, ولا خيار لنا في تغييره أو تبديله ونوع لا نص فيه ولا أثر فهذا يرجع فيه إلى حكم العدلين العارفين بما يماثله من النعم والمراد بالنعم أي الإبل والبقر والغنم, هذا إن أراد أن يذبح المثل من النعم, وأما إذا شاء الإطعام, فيكون هذا الإطعام مقدراً بقيمة هذا المثل لا بقيمة الصيد, ويكون تقديره بمحل التلف أو ما قاربه كذا نص عليه الفقهاء ذلك لأن قيمة هذه الأنعام تختلف من محل إلى محل, فإذا عرف قيمة المثل فإنه يشتري به طعاماً ويطعمه المساكين, لكل مسكين نصف صاع, فإن لم يرد ذبح المثل ولا الإطعام وأراد الصيام, فله ذلك لكن لابد من معرفة قيمة المثل, ثم تقديرها بالدراهم ثم ننظر كم يشترى بهذه الدراهم من صاع؟ ثم يصوم عن كل نصف صاع يوماً, فهذا هو المراد بقوله تعالى  أو عدل ذلك صياماً  فإذا كانت دراهم المثل يشترى بها ستة عشر صاعاً فعليه أن يصوم اثنين وثلاثين يوماً, وإذا كانت دراهم المثل يشترى بها خمسين صاعاً فعليه أن يصوم مئة يوم لأن الصاع الواحد بيومين, وعلى ذلك فقس والأصح أنه يصوم عن كل نصف صاع يوماًَ ولو بلغت الأيام بالمئتين, ولا كلفة في ذلك لأن الفدية هذه مبناها على التخيير في أصح قولي أهل العلم رحمهم الله تعالى, واعلم رحمك الله تعالى أن هذا الذبح لا يكون إلا في الحرم وذلك لأمرين:- أحدها:- أن الله تعالى سماه هدياً ومن المتقرر أنه لا هدي إلا في الحرم, الثاني:- أن الله تعالى قال  بالغ الكعبة  وهذا واضح . واعلم رحمك الله تعالى أن أنه إن أراد الإطعام أو الصيام فإنني لا أعلم دليلاً تطمئن النفس إليه في لزوم أن يكونوا من مساكين الحرم, أو أن يصوم عدداً من أيام الكفارة في الحرم, وحيث لا دليل يوجب ذلك فلو أطعم غير مساكين الحرم فلا بأس إن شاء الله تعالى, ومن قال غير ذلك فليتحفنا بالدليل الموجب لذلك فإن رأيناه صالحاً للاعتماد قلنا به وتركنا ما رجحناه هنا ولا نتأخر في ذلك طرفة عين إن شاء الله تعالى فإن الحق ضالتنا والله المستعان والله أعلى وأعلم .
مسألة :- وأما عقد النكاح فلا فدية فيه, لأنه لم ينص عليه في الأدلة بفدية, ولكن قدمنا لك سابقاً أن العقد فاسد والله أعلم .
مسألة :- وأما الجماع فقد قدمنا لك أنه إن كان قبل الوقوف بعرفة فإنه يفسد الحج بالإجماع ويوجب البدنة, وعلى ذلك نص كثير من الصحابة وكذلك القول الراجح فيما إذا حصل الجماع قبل التحلل الأول فإنه يفسد الحج وهو قول الجمهور والمفتى به عندنا ويوجب البدنة أيضاً, وأما إذا حصل الجماع بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثاني فإنه لا يفسد الحج على الصحيح وفديته شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة, قال ابن باز رحمه الله تعالى:- من جامع بعد التحلل الأول وقبل الثاني فعليه وعلى زوجته إن كانت مطاوعة شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة ومن عجز عنها صام عشرة أيام ا.هـ. والله أعلم .
مسألة :- وأما المباشرة دون الفرج فإن المحرم إذا باشر دون الفرج فأنزل في حجه لا يفسد لعدم الدليل وهو مذهب الجمهور وعليه بهذا الإنزال بدنة وهو مذهب الجمهور أيضاً, وأما إذا لم ينزل فعليه حينئذٍ فدية أذى, وهو مذهب الجمهور والله تعالى أعلى وأعلم.
مسألة :- هذه بعض الترجيحات في بعض المسائل الخلافية التي تخص هذه المحظورات فأقول:- الراجح أنه يجوز للمحرم لبس الهميان وهو الحزام الذي يشده على وسطه لحفظ النفقة لأنه ليس من المخيط ولم يرد في شأن تحريمه نص والأصل عدم التحريم والراجح أن من كرر شيئاً من هذه المحظورات قبل إخراج الفدية في الفعل الأول أجزأ عن الجميع كفارة واحدة لأن المتقرر أن من كرر محظوراً من جنس واحد وموجبه واحد أجزأ عن الجميع فعل واحد مالم يخرج موجب الأول. وهذا يدخل تحت قاعدة تداخل الكفارات, والراجح أن المحرم يجوز له أن يغتسل أثناء الإحرام وله أن يبدل ثياب إحرامه بثيابٍ جديدة ففي حديث عبدالله بن حنين عن (( عبدالله بن عباس رضي الله عنهما والمسور بن مخرمة أنهما اختلفا بالأبواء فقال ابن عباس:- يغسل المحرم رأسه وقال المسور لا يغسل المحرم رأسه فأرسلني ابن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري أسأله عن ذلك فوجدته يغسل رأسه بين القرنين وهو يستتر بثوبٍ قال:- فسلمت عليه فقال:- من هذا؟ فقلت:- أنا عبدالله بن حنين أرسلني إليك ابن عباس أسألك كيف كان رسول الله يغسل رأسه وهو محرم؟ فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه ثم قال لإنسان يصب, فصب على رأسه بيديه ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ثم قال:- هكذا رأيت رسول الله  يفعل ))"متفق عليه" وقد تقرر لنا سابقاً أن محظورات الإحرام على التوقيف ولم يرد دليل صحيح في المنع من اغتسال المحرم,والأصل العدم, والراجح أن المحرم يجوز له الاحتجام, ولو كان في رأسه ولو أدَّى ذلك إلى إزالة بعض الشعر عن مكان الحجامة, برهان ذلك مارواه البخاري ومسلم عن أبي بحينة (( أن النبي  احتجم بطريق مكة وهو محرم وسط رأسه )) وفيهما من حديث ابن عباس (( أن النبي  احتجم وهو محرم )) والراجح أنه يجوز له استعمال الحناء في رأسه وبدنة لأنه ليس من الطيب, والراجح جواز استعمال الصابون المعطر لأنه ليس طيباً ولا يسمى مستعمله متطيباً وإنما فيه رائحة حسنة فلا يضره إن شاء الله تعالى وإن تركه تورعاً فقد أحسن والراجح أنه يجوز له عقد الرداء ولا فدية في ذلك والراجح أنه يجوز له لبس الساعة والخاتم والمرآة في عينيه والسماعة في أذنيه, ويجوز له لبس تركيبة الأسنان في فمه لعدم الدليل المانع, والأصل عدم التحريم, والراجح أن قتل الصيد لا فدية فيه إلا بالتعمد لقوله تعالى  فمن قتله منكم متعمداً  وهذا الشرط لا ينبغي إهماله وكل قياس يخالفه فهو باطل لأن المتقرر أن القياس المصادم لنص فاسد الاعتبار, والراجح أنه إن صال عليه صيد ولم يندفع إلا بقتله فله أن يقتله مجاناً أي لا شيء عليه لأن المتقرر أن من أتلف شيئاً لدفع ضرره لم يضمنه. والراجح أنه لو نبتت شعرة في جفنه واسترسلت على عينه فآذته فله نزعها ولا شيء عليه, والراجح أنه لو انقشرت جلدة من جسده وعليها شعر فله قلعها واستئصالها ولا شيء عليه لأنه لم يقصد إزالة ما عليها من الشعر وإنما زال الشعر معها تبعاً وقد تقرر أن التابع تابع, والراجح أن ما باشر المحرم صيده فإنه لا يجوز لغيره أكله لأنه بمنزلة الميتة, والراجح أن المحرم لا يجوز له تغطية وجهه لأنه قد ورد في بعض الروايات من سقط عن راحلته فوقصته فمات (( ولا تخمروا وجهه ولا رأسه )) وهي زيادة من ثقة وردت من طريق صحيح لم يخالف بها الثقات وقد تقرر في القواعد أن الزيادة من الثقة مقبولة مالم يخالف الثقات, والذين لم يذكرونها من الثقات لم يحفظوها ومن ذكرها فقد حفظها وقد تقرر في الأصول أن من حفظ حجة على من لم يحفظ. والراجح أنه لا يلزم التتابع في صيام فدية الأذى ولا في فدية صيام الصيد إن اختار الصيام لعدم الدليل, ولأن الصيام ورد مطلقاً والأصل بقاء المطلق على إطلاقه ولا يقيد إلا بدليل, والراجح أنه لا يجوز في فدية الصيد إخراج قيمة المثل هكذا نقوداً بل لابد من الإطعام لأن النص يقول: أو كفارة طعام مساكين  ولا يجوز مجاوزة المنصوص إلى غيره بالقياسات التي ماأنزل الله بها من سلطان, والراجح أنه لا يفسد حج من أكرهت على الجماع, والراجح أن من قطع شجر الحرم عالماً ذاكراً فإنه آثم تجب عليه التوبة ولكن لا فدية في ذلك, والراجح أن فدية الحلق والتقليم لا تجب إلا إذا أخذ الأكثر منه أي إذا حلق أكثر رأسه أو قلًَّم أكثر أظافره وجبت الفدية وأما إذا أخذ شعرة أو شعرتين أو ثلاث, أو قلَّم ظفراً أو ظفرين أو ثلاثة فلا يظهر لي إيجاب شيء عليه لاسيما وقد ثبت أنه  احتجم في وسط رأسه ومن لوازمها أخذ شيء من الشعر لكنه جزء يسير لا يحصل به الترفه وإزالة الأذى, فالأقرب في ذلك تقييده بالأكثر, والراجح أن من احتاج إلى الحلق أو تغطية الرأس أو تقليم الأظافر فله ذلك ولكن عليه الفدية اللازمة ومجرد الحاجة لها لا تسقطها لحديث كعب بن عجرة فإنه كان محتاجاً لحلق رأسه ومع ذلك فقد أوجب عليه النبي  الفدية, ولو كانت تسقط بالحاجة لسقطت عن كعب, والراجح جواز إخراج الفدية بعد تحقق سببها وقبل شرط وجوبها, ونعني بالسبب أي إذا تحققت الحاجة الداعية لها, ونعني بشرط وجوبها أي فعل المحظور, فمن احتاج إلى حلق رأسه فيجوز له إخراج الفدية قبل الحلق ومن احتاج إلى تغطية رأسه فيجوز له إخراج الفدية قبل التغطية وذلك لأن المتقرر في القواعد أن العبادة إذا كان لها سبب وجوب وشرط وجوب, فإنه يجوز فعلها بعد سبب وجوبها وقبل شرط الوجوب وقد شرحنا هذه القاعدة في تلقيح الأفهام . والحق أنه يجوز للمحرم أن يظلل رأسه بعصا فيها ثوب أو بالمظلة المعروفة اليوم, أو يضع الثوب على يديه ويرفعهما عالياً حتى تظلل رأسه عن حرارة الشمس, هذا كله جائز على الراجح ولا فدية فيه وقد ثبت أنه  ظلل عليه بثوب يقيه الحر وهو يرمي جمرة العقبة, وأما الاستظلال بالخباء والقبة المضروبة والفسطاط ونحوها فهذا لا خلاف بين أهل العلم فيه. والراجح المحرم إذا حمل متاعه على رأسه فلا شيء عليه, مالم يقصد حقيقة التغطية لأن الأمور بمقاصدها, والله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور, والراجح أن العصفر ليس بطيب, والراجح جواز نظر المحرم في المرآة, ومن منعه فلا حُجة معه والله يغفر له, والراجح أنه يجوز للمحرم مشط شعره وتسريحه إذ لا دليل يمنع, وإن سقط منه شيء فهو شعر ميت لا حكم له, والراجح أن من قتل القمل لا شيء فيه لعدم الدليل, والعجب ممن أوجب فيه شيئاً, بل لو قصد أخذها وقتلها فلا شيء عليه وأما حديث كعب فإن القمل في رأسه كان كثيراً جداً بحيث لا يذهب ضرره إلا بالحلق بدليل قوله (( حملت إلى رسول الله )) وهذا يدل على أنه مرض من هذا القمل لكثرته, ويؤيد هذا قوله (( وكان القمل يتناثر على وجهي )) وكذلك قوله  له (( ماكنت أرى الجهد بلغ بك ماأرى )) فهذا دليل على كثرته, وبالجملة فإنه لا دليل يصح في أن من قتل قملة أو عدداً من القمل فعليه كذا وكذا, هذا مالا دليل عليه, فإن قلت:- ألم يوجب النبي  على كعب أن يفدي لما أزال القمل؟ فأقول:- نعم أوجب عليه الفدية لكن العلة ليست هي ذهاب القمل وإنما لأنه حلق الشعر فلا تخلط بين الأمرين, والراجح أن المحرم يجوز له الفصد وربط الجرح وقلع الضرس والختان وقطع العضو ووضع الجبيرة على المحل المحتاج لها ولا شيء في هذا, لعدم المانع وقد قدمنا أن محظورات الإحرام توقيفية, وأما تضميد العين بالصبر الذي لا طيب فيه للحاجة الداعية لذلك فلا خلاف بين أهل العلم في جوازه. وأنه لا فدية فيه, وكذلك قد أجمعوا على إنه إن دعته الضرورة إلى تضميد العين ونحوها بما فيه طيب أن ذلك جائز وعليه الفدية. وأجمع أهل العلم على جواز الاستياك للمحرم وإن خرج بسببه دم من فمه فلا شيء عليه, والراجح أن النعناع ليس من الطيب, والراجح أن المحرم يجوز له استعمال العصفر لأنه ليس من الطيب, والأقرب إن شاء الله تعالى أن إتلاف البيض فيه القيمة أي قيمة البيض, واختاره الشنقيطي, وهو قول أكثر العلماء وسيأتي كثير من الترجيحات إن شاء الله تعالى في أثناء المسائل الآتية بإذن الله تعالى.
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن التلبية في المناسك سنة مؤكدة, وتبدأ من حين الإهلال بالحج أو العمرة, ويسن أن يرفع بها الرجل صوته وأما المرأة فبقدر ماتسمعها من بجوارها ويسن الإكثار منها في كل أحوال الحاج قائماً وقاعداً وعلى جنبٍ وماشياً وعند لقاء الأصحاب وتفرقهم وفي الصعود والنزول وغير ذلك, وصفتها أن يقول ( لبيك اللهم لبيك لبيك لاشريك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ) لحديث جابر في صفة حج  , وقد أجمع المسلمون على لفظ التلبية المذكور, ولكن اختلفوا في الزيادة عليه بألفاظ فيها تعظيم الله ودعاؤه. والراجح من هذا الخلاف أن الأفضل الاقتصار على ذلك والاقتداء بالنبي  لأن الله تعالى يقول  لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة  وقال عليه الصلاة والسلام (( لتأخذوا عني مناسككم )) وإن زاد أحياناً على ذلك فلا بأس ودليل ذلك مافي الصحيحين من حديث سالم عن حمزة ابني عبدالله بن عمر  وكذلك عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر أنهم لما ذكروا التلبية باللفظ السابق قالوا:- وكان عبدالله بن عمر يقول (( لبيك لبيك, لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل )) وفي الصحيح أيضاً أن ابن عمر قال:- كان عمر بن الخطاب يهل بإهلال النبي  من هؤلاء الكلمات ويقول (( لبيك اللهم لبيك, لبيك وسعديك والخير في يديك لبيك والرغباء إليك والعمل )) وقال أبو داود في سننه:- حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا جعفر قال حدثنا أبي عن جابر بن عبدالله قال (( أهلَّ رسول الله  - فذكر التلبية مثل حديث ابن عمر - قال:- والناس يزيدون ( ذا المعارج ) والنبي  يسمع فلا يقول شيئاً ))"حديث صحيح" وروى عنه  أنه قال في تلبيته (( لبيك إله الحق )) كما روى أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن حبان من طريق عبدالعزيز بن أبي سلمة عن عبدالله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة به, وقلنا:- إن الرجل يرفع صوته بها لما رواه أبو داود في سننه قال:- حدثنا القعبني عن مالك عن عبدالله بن أبي بكر عن محمد بن عمرو بن حزم عن عبدالملك بن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام عن خلاد بن السائب الأنصاري عن أبيه أن رسول الله  قال (( أتاني جبريل  فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال )) أو قال (( بالتلبية )) يريد أحدهما"حديث صحيح" واعلم أنه لا تشرع التلبية لغير المحرمين, كما يفعله بعض أهل البلاد, ذلك لأن هذه عبادة مؤقتة بوقت ولا دليل يفيد مشروعيتها لأهل الأمصار والأصل في العبادات التوقيف, فأما المتمتع فيستمر في التلبية إلى أن يبدأ في الطواف فإذا فرغ من عمرته وحل, فلا تلبية حتى يعود فيحرم بالحج ويستمر في التلبية حتى يرمي جمرة العقبة, وأما المفرد والقارن فيستمران في التلبية إلى رمي الجمرة, فإذا بدأ في الرمي فإنه يقطع التلبية ودليل ذلك ماثبت في صحيح مسلم من حديث الفضل بن العباس رضي الله عنهما وكان رديف النبي  في حجة الوداع من مزدلفة إلى منى قال (( إن رسول الله  لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة )) وفي لفظ لمسلم (( لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة )) وأيضاً لأنه حال رمي الجمرة سيكون منشغلاً بالتكبير مع كل حصاة. وقد اتفق أهل العلم رحمهم الله تعالى على مشروعية التلبية في المسجد الحرام ومسجد الخيف بمنى ومسجد نمرة بقرب عرفات, لأن هذه هي مواضع المناسك. فلا بد من أن تعمر بالتلبية.
مسألة :- وهي أم المسائل في هذه الكتابة وهي سياق حجة النبي  كما رواها جابر ابن عبدالله رضي الله عنهما أنقلها لك بلفظها من صحيح مسلم ثم أذكر بعدها بعض ما استخرجه أهل العلم منها من فوائد فأقول:- قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه:- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم جميعاً عن حاتم, قال أبو بكر حدثنا حاتم بن إسماعيل المدني عن جعفر بن محمد عن أبيه قال:- دخلنا على جابر ابن عبدالله رضي الله عنهما فسأل القوم حتى انتهى إلي, فقلت:- أنا محمد بن علي بن الحسين فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زري الأعلى ثم نزع زري الأسفل ثم وضع كفه بين ثديي وأنا يومئذٍ غلام شاب فقال:- مرحباً بك ياابن أخي, سل عما شئت, فسألته وهو أعمى وحضر وقت الصلاة فقام في نساجه ملتحفاً بها كلما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغرها ورداؤه إلى جنبه على المشجب فصلى بنا فقلت:- أخبرني عن حجة رسول الله  فقال بيده فعقد تسعاً فقال:- إن رسول الله  مكث تسع سنين لم يحج ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله  حاج, فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله  ويعمل مثل عمله فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما فأرسلت إلى رسول الله  نحيف الأصنع؟ قال (( اغتسلي واستثفري بثوبٍ وأحرمي )) فصلى رسول الله  في المسجد ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماشٍ وعن يمينه مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك ورسول الله  بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله, وما عمل به من شيء عملنا به, فأهلَّ بالتوحيد لبيك اللهم لبيك, لبيك لاشريك لك لبيك, إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك, وأهل الناس بهذا يهلون به فلم يرد رسول الله  عليهم شيئاً منه, ولزم رسول الله  تلبيته, قال جابر:- لسنا ننوي إلا الحج, لسنا نعرف العمرة حتى إذا أتينا البيت واستلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً ثم نفذ إلى مقام إبراهيم  فقرأ  واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى  فجعل المقام بينه وبين البيت فكان أبي يقول – ولا أعلمه إلا ذكره عن النبي  كان يقرأ في الركعتين  قل هو الله أحد  و  قل ياأيها الكافرون  ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنى من الصفا قرأ  إن الصفا والمروة من شعائر الله  أبدأ بما بدأ الله به, فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال (( لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده )) ثم دعا بين ذلك, قال مثل هذا ثلاث مرات, ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل الصفا حتى إذا كان آخر طوافه على المروة فقال (( لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة )) فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبدٍ؟ فشبك رسول الله  أصابعه واحدة في الأخرى وقال (( دخلت العمرة في الحج )) مرتين لا بل لأبدٍ أبدٍ وقدم علي من اليمن ببدن النبي  فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حل ولبست ثياباً صبيغاً واكتحلت فأنكر ذلك عليها فقالت:- إن أبي أمرني بهذا, قال:- فكان علي يقول بالعرق:- فذهبت إلى رسول الله  محرشاً على فاطمة للذي صنعت ومستفتياً لرسول الله  فيما ذكرت عنه فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها فقال (( صدقت صدقت ماذا قلت حين فرضت الحج؟)) قال:- قلت:- اللهم إني أهل بما أهل به رسولك, قال (( فإن معي الهدي فلا تحل )) قال فكان جماعة الهدي الذي قدم علي من اليمن والذي أتى به النبي  مئة, فحلُّ الناس كلهم وقصروا إلا النبي  ومن كان معه هدي فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله  فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة فسار رسول الله  ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت تصنع في الجاهلية, فأجاز رسول الله  حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال (( إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وأول دم أضعه دم ابن ربيعة بن الحارث – كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل – وربا الجاهلية موضوع وأول رباً أضعه ربا عباس بن عبدالمطلب فإنه موضوع كله فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح, ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وقد تركن فيكم مالن تضلوا بعده, إن اعتصمتم به:- كتاب الله, وأنتم تسألون عني, فما أنتم قائلون؟ )) قالوا:- نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس (( اللهم اشهد اللهم اشهد )) ثلاث مرات ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئاً ثم ركب رسول الله  حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل جبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص, وأردف أسامة خلفه ودفع رسول الله  وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى أيها الناس السكينة السكينة كلما أتى حبلاً من الحبال أرضى لها قليلاً حتى تصعد, حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذانٍ واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئاً ثم اضطجع رسول الله  حتى طلع الفجر وصلى الفجر حين تبين له الصبح بإذان وإقامة حتى ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً فدفع قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن العباس وكان رجل حسن الشعر أبيض وسيماً فلما دفع رسول الله  مرت به ظعن فطفق الفضل ينظر إليهن فوضع رسول الله  يده على وجه الفضل فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر فحول رسول الله  يده إلى الشق الآخر على وجه الفضل يصرف وجهه من الشق الآخر, حتى أتى بطن محسر فحرك قليلاً ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها, مثل حصى الحذف رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بيده فأعطى علياً فنحر الباقي وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ثم ركب رسول الله  فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبدالمطلب يسقون على زمزم فقال (( انزعوا بني عبدالمطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلواً فشرب منه )) ا.هـ. سياقه من الصحيح بلفظه وهذا الحديث العظيم في من المسائل والفوائد ما يفوق الحصر ومن باب الفائدة نذكر لك بعضاً منها على هيئة فروع فأقول:-
الفرع الأول :- أن حجته  كانت في السنة العاشرة وهذا بالإجماع, والصحيح أن فرض الحج في السنة التاسعة أو العاشرة, واختاره ابن القيم رحمه الله تعالى وغيره من المحققين .
الثاني :- أن ميقات أهل المدينة ذو الحليفة .
الثالث :- أن فرض الجاهل أن يسأل أهل العلم .
الرابع :- جواز الإرسال في الاستفتاء .
الخامس :- احتفاء العالم بالطلبة والترحيب بهم ومؤآنستهم .
السادس :- حرص الصحابة  على طلب العلم .
السابع :- حرص نساء الصحابة على طلب العلم .
الثامن :- أن مجرد حمل المرأة لا يسوغ لها تأخير الحج, إن كانت لا تجد معه ألآماً عن أداء النسك.
التاسع :- أن تعريف المرأة باسمها لا يعيب فيه كما هو المشهور عندنا في عرفنا, بل إن عندنا قد تصل الحال إلى المقاتلة, وهذا جهل نعوذ بالله من الجهل .
العاشر :- أن إحرام النفساء صحيح منعقد .
الحادي عشر :- أن إحرام الحائض صحيح منعقد لأن حدثها أخف من النفاس فانعقاده من باب أولى .
الثاني عشر :- أن إحرام الجنب ينعقد من باب أولى .
الثالث عشر :- أن الإحرام ليس من شروطه الطهارة .
الرابع عشر :- مشروعية الاغتسال للإحرام ولو للحائض والنفساء .
الخامس عشر :- وجوب التحفظ من دم النفاس والحيض لأنه نجس .
السادس عشر :- مشروعية الإحرام عقيب الصلاة, والمقصود صلاة فرض أو سنة راتبة أو سنة لها سبب وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه .
السابع عشر :- سنية تسمية الدابة .
الثامن عشر :- الذي يظهر والله أعلم أن الركوب والمشي لا يظهر بينهما تفضيل وإنما التفضيل هو أن تؤتى المناسك كما جاءت عن النبي  على الوجه المشروع فإن كان الركوب أسمح للإنسان فيركب وإن كان المشي أسمح للإنسان فيمشي لا يأخر نسكاً عن وقته الأفضل إلى وقته المفضول بحجة أن المشي أفضل أو بحجة أن الركوب أفضل وإنما يبقى على الأصل والله أعلـم .
التاسع عشر :- كمال اقتداء الصحابة بالنبي  , بل نشهد الله تعالى أنهم أكمل الأمة اقتداء وأتمها اتباعاً .
العشرون :- فيه الحرص على مخالفة ماكان عليه المشركون من العادات والعبادات .
الحادي والعشرون :- فيه جواز الزيادة على التلبية الواردة ببعض عبارات الثناء والتعظيم والتقديس .
الثاني والعشرون :- أن التلبية من خصائص الإحرام .
الثالث والعشرون :- قوله ( لسنا نعرف العمرة ) لا يقصد به أنهم لا يعرفون العمرة مطلقاً وإنما لا يعرفونها في أشهر الحج, لأنها أي العمرة في أشهر الحج كانت من عظائم الأمور وكبائر المنكرات عند الجاهلية .
الرابع والعشرون :- فيه الدليل على أن الإقرار الصادر منه  حجة لأن جابراً استدل على جواز إهلال الناس بما يهلون به بقوله ( فلم يرد رسول الله  عليهم شيئاً منه ) .
الخامس والعشرون :- قوله ( لسنا ننوي الحج ) فيه دليل على أن النية شرط, وهذا لا نعلم فيه خلاف .
السادس والعشرون :- إذا أطلق أهل العلم لفظة ( الركن ) فإنهم يريدون به الحجر الأسود باتفاقهم .
السابع والعشرون :- فيه دليل على أن السنة الابتداء بالنسك حال الوصول إلى البيت .
الثامن والعشرون :- فيه سنية استلام الركن قبل البدء بالطواف .
التاسع والعشرون :- فيه أن الطواف سبع طوافات .
الثلاثون :- فيه أن السنة في الأشواط الثلاثة الأُوَل الرمل,وهو سرعة الخطا مع تقاربيها.
الحادي والثلاثون :- فيه أن السنة في الأشواط الأربعة الأخيرة المشي فمن فاته الرحل في الثلاثة الأول فلا قضاء فيما بقي لأنه سنة فات محلها ولأن القضاء لا بد فيه من جديد كما تقرر في الأصول ولأنه بذلك سيضيع السنتين جميعاً .
الثاني والثلاثون :- فيه أن الرمل إنما يكون في الطواف الأول فقط أي طواف العمرة بالنسبة للقارن وطواف القدوم بالنسبة للمفرد والقارن, وأما طواف الإفاضة والوداع فلا رمل فيها على القول الصحيح .
الثالث والثلاثون :- ذكر النووي رحمه الله تعالى أن الإنسان إذا طاف بالبيت في غير نسك أي ليس حاجاً ولا معتمراً فإنه لا يرمل بلا خلاف .
الرابع والثلاثون :- قال أهل العلم وكل طواف يسن فيه الرمل فيسن فيه الاضطباع أي أنه لا اضطباع إلا في طواف القدوم أو طواف العمرة فقط, أما سائر أنواع الطواف الأخرى فإنه لا اضطباع فيها والله أعلم .
الخامس والثلاثون :- ليس المراد بقوله ( استلم الركن ) أي وضع يده عليه فقط فإن هذا ليس باستلام له شرعاً بل المراد باستلامه مسحه باليد, وهذا المسح سنة في كل طواف .
السادس والثلاثون :- فيه مشروعية ركعتي الطواف وهذا إجماع من أهل العلم رحمهم الله تعالى, وإنما الخلاف حصل هل هما سنة أم واجبة؟ على أقوال والأقرب أنهما سنة وهو قول الجمهور .
السابع والثلاثون :- فيه مشروعية قراءة هذه الآية أعني قوله تعالى  واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى  عند الإقبال للصلاة خلف المقام .
الثامن والثلاثون :- فيه إشعار القلب بالفعل المراد لاستحضار نيته وليكون دائماً في عبـادة .
التاسع والثلاثون :- فيه مشروعية قراءة سورتي الإخلاص والكافرون في هاتين الركعتين.
الأربعون :- فيه استحباب استلام الحجر بعد فراغه من ركعتي الطواف .
الحادي والأربعون :- اتفق أهل العلم على أن هذا الاستلام سنة فلو تركه فلا شيء عليه. قاله النووي .
الثاني والأربعون :- فيه أن السعي مبدؤه من الصفا ولا عبرة بغير ذلك .
الثالث والأربعون :- فيه استحباب قراءة قوله تعالى  إن الصفا والمروة من شعائر الله  عند البدء في السعي أي عند الإقبال على الصفا .
الرابع والأربعون :- فيه مشروعية رفع الصوت بالعلم والذكر لتعليم الجاهل .
الخامس والأربعون :- فيه استحباب المبادرة بالسعي عقيب الطواف .
السادس والأربعون :- فيه استحباب البداءة بما بدأ الله به, وأن ما بدأ به في القرآن فإن له مزية على ما بعده .
السابع والأربعون :- فيه مشروعية صعود الصفا إلى رؤية البيت .
الثامن والأربعون :- فيه استحباب توجه الداعي إلى القبلة لأنها أشرف الجهات .
التاسع والأربعون :- فيه مشروعية البداءة بالحمد والثناء على الله تعالى قبل الدعاء وفي أثنائه وفي خاتمته. وكثير من الداعين يغفل عن هذا .
الخمسون :- فيه استحباب إطالة الوقوف والدعاء في هذا الموضع .
الحادي والخمسون :- فيه بيان عظمة قدرة الله تعالى وكمال قوته .
الثاني والخمسون :- فيه مشروعية الإسراع بين العلمين في كل سعيه .
الثالث والخمسون :- فيه أن العبد متعبد بالمتابعة وتنفيذ الأمر من غير تعليق ذلك بمعرفة الحكمة, بل المعتمد من الحكمة أنه ثابت في الشرع, فلا يجوز تعليق الائتمار بأمرٍ أو الانتهاء عن النهي بمعرفة الحكمة فإن أسرار الشريعة وغاياتها وحكمها أعمق من أن يعرفها كل أحد على وجه التفصيل .
الرابع والخمسون :- فيه أنه يسن أن يفعل على المروة من الذكر والدعاء والتكرار وطول الوقوف كما فعل على الصفا, إلا قراءة الآية .
الخامس والخمسون :- فيه دليل على أن الذهاب من الصفا إلى المروة سعية والرجوع من المروة إلى الصفا سعية ثانية, خلافاً لمذهب بعض أهل العلم عفا الله عنهم وغفر لهم وأجزل لهم الأجر والمثوبة .
السادس والخمسون :- فيه استحباب فسخ القِران والإفراد إلى تمتع إذا لم يسق الهدي .
السابع والخمسون :- فيه أن مألوفات النفوس يصعب التخلص منها بل لا يكاد يتخلص منها إلا أصحاب الهمم العالية والنفوس السامية والعزائم الكبيرة .
الثامن والخمسون :- فيه استحباب بيان العلة المانعة من عدم الامتثال حتى لا يقال لك:- كيف تأمر ولا تأتمر. فانتبه لهذا .
التاسع والخمسون :- فيه إنكار الرجل على زوجته إذا رأى منها ما يوجب الإنكار ولا تحمله عاطفة الزوجية والمحبة على تقديم شهوتها وهواها على طاعة ربه ومولاه .
الستون :- فيه جواز رفع الأمر المراد إنكاره باسم الفاعل إلى السلطان ليتولى هو إنكاره وأن هذا ليس من الغيبة .
الحادي والستون :- فيه أن مثل هذه الخلافات الزوجية لا يسلم منها بيت. والعاقل هو الذي يعرف كيف يتعامل معها .
الثاني والستون :- فيه مشروعية تجمل المرأة لزوجها لا سيما إذا كان قادماً من سفر لأن هذا يحصل به كمال الاستمتاع .
الثالث والستون :- فيه جواز تكرار الكلمة الواحدة للتأكيد .
الرابع والستون :- فيه أن الإحرام المطلق, يصح وينعقد ولصاحبه أن يصرفه لأي نسك شاء, وكذلك يجوز للمحرم أن يقول:- أحرمت بما أحرم به فلان, لفعل علي .
الخامس والستون :- قوله ( فحل الناس وقصروا ) فيه أن التحلل من عمرة التمتع يستحب أن يكون بالتقصير ويترك الحلق إلى يوم النحر .
السادس والستون :- فيه مشروعية الإحرام لمن حل في يوم التروية .
السابع والستون :- أن هذا الإحرام يكون في مكانه الذي قد كان نازلاً فيه .
الثامن والستون :- فيه مشروعية فعل هذه الصلوات في منى أعني بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر .
التاسع والستون :- فيه مشروعية المبيت هذه الليلة في منى وهذا المبيت ليس من الأركان ولا من الواجبات بل هو من السنن. فلو تركه فلا دم عليه .
السبعون :- فيه استحباب عدم الخروج من منى إلى عرفات إلا بعد طلوع الشمس وهذا متفق عليه بين أهل العلم , لكن لو ذهبوا إلى عرفات قبل الفجر أو بعده وقبل طلوع الشمس فلا شيء عليهم ولكنه خالفوا الأفضل .
الحادي والسبعون :- فيه استحباب النزول بنمرة .
الثاني والسبعون :- فيه استحباب عدم دخول عرفات إلا بعد زوال الشمس وهذا إذا لم يكن الأيسر لهم الدخول قبل ذلك .
الثالث والسبعون :- فيه جواز استظلال المحرم بقبة ونحوها .
الرابع والسبعون :-فيه أن نمرة ليست من عرفات لأن النبي  أمر بضرب القبة فيها وهي نوع بناء وحجز, وهذا شيء لم يفعله في منى ولا في عرفات ولا في مزدلفة, فأمره بضرب القبة بنمرة دليل على أنها ليست من عرفات .
الخامس والسبعون :- فيه جواز استخدام الأحرار برضاهم .
السادس والسبعون :- فيه جواز تقدم المفضول على الفاضل إذا كان سعياً في خدمة الفاضل .
السابع والسبعون :- مخالفة النبي  لعادة قومه ومجاورة مزدلفة إلى عرفات فيها فائدة عظيمة وهي أن عادات القوم والأقارب والأرحام إذا كانت مخالفة للمشروع فلا ينبغي مجاملتهم على حساب الدين, بل الدين مقدم على كل شيء ولو كان في ذلك غضبهم ونفورهم فرضى الله مقدم على كل رضى وطاعته مقدمة على كل طاعة .
الثامن والسبعون :- فيه مشروعية خطبة الإمام أو نائبه بعرفات بعد زوال الشمس .
التاسع والسبعون :- فيه استحباب صلاة الظهر والعصر بعرفة بعد الخطبة جمعاً وقصراً في وقت الظهر .
الثمانون :- فيه أن أهل مكة ممن حج منهم يقصرون ويجمعون في عرفات لأنه لم يثبت عنه  أنه أمرهم بالإتمام كما أمرهم بذلك عام الفتح .
الحادي والثمانون :- فيه التأكيد على استغلال أوقات الوقوف بالإكثار من الدعاء والذكر بأنواعه .
الثاني والثمانون :- فيه استحباب رفع اليدين في الدعاء .
الثالث والثمانون :- فيه بيان عظم أمر الدماء والأعراض والأموال وأن الأصل فيها التحريم الأكيد القاطع .
الرابع والثمانون :- فيه دليل على تحريم الربا وهذا بالإجماع .
الخامس والثمانون :- فيه استحباب العفو عن الجاني .
السادس والثمانون :- فيه الشهادة بكمال البلاغ, ونحن نشهد الله تعالى أنه  قد بلغ البلاغ المبين .
السابع والثمانون :- فيه دليل على إثبات صفة العلو لله تعالى .
الثامن والثمانون :- فيه جواز الإشارة الحسية للعلو لأنه الجهة التي فيها الرب جل وعلا.
التاسع والثمانون :- فيه جواز كلام المأموم إذا أراد الخطيب منه ذلك .
التسعون :- استحباب تخفيف هذه الخطبة ليتفرغ الناس للدعاء .
الحادي والتسعون :- فيه التأكيد على حق الزوجة والزوج .
الثاني والتسعون :- فيه جواز ضرب الزوجة إذا جاءت بما يوجب ذلك ضرباً غير مبرح لأن المقصود منه التأديب لا التعذيب .
الثالث والتسعون :- فيه أنه لا يجوز للزوجة أن تدخل في بيت زوجها من لا يرضاه ولو كان أقرب قريب لأن حقه أعظم .
الرابع والتسعون :- فيه اعتماد العرف في نفقة الزوجة وكسوتها ومسكنها .
الخامس والتسعون :- فيه جواز تسمية الأصبع المسبحة بالسبابة .
السادس والتسعون :- فيه أن الصلاة المجموعة لا يؤذن لها إلا في الأولى فقط وأما الإقامة ففي كل صلاة على حدة .
السابع والتسعون :- فيه أن المسافر تسقط عنه الرواتب إلا راتبة الفجر والوتر .
الثامن والتسعون :- فيه استحباب الوقوف في الموقف الذي وقف فيه رسول الله  إن تيسر له ذلك بلا مزاحمة ولا أذى .
التاسع والتسعون :- فيه عدم مشروعية صعود الجبل كما هو الحاصل اليوم من كثير من الحجاج هداه الله تعالى .
المئة :- فيه أن الوقوف راكباً أفضل لفعله  مع أنه أشق لكنه فعله مما يدل على أنه قصده بعينه. وركوب السيارة هذه الأزمنة منزل منزلة ركوب الدابة .
الواحد بعد المئة :- فيه أن تسمية جبل عرفات بجبل الرحمة تسمية حادثة لا أصل لها وهي تشعر بشي من القدسية لهذا الجبل بخصوصه وسد الذرائع مطلوب, وإنما يقال له جبل إلال على وزن بلال أو يقال له جبل عرفات .
الثاني بعد المئة :- فيه وجوب الوقوف إلى غروب الشمس وسيأتي .
الثالث بعد المئة :- فيه جواز الإرداف على الدابة .
الرابع بعد المئة . فيه استحباب الدفع من عرفات بسكينة ومهل .
الخامس بعد المئة :- ينبغي لأهل العلم توجيه الناس برفع الصوت في مكبرات الصوت بقولهم ( أيها الناس السكينة السكينة ) .
السادس بعد المئة :- فيه بيان كمال شفقته  على أمته .
السابع بعد المئة :- فيه أن العالم إذا وجه أحداً واستعمل في التوجيه يده أن تكون هي يده اليمنى .
الثامن بعد المئة :- فيه أن من وجد فجوة في الطريق فله الإسراع فيها. وأن مزاحمة الناس وإزعاجهم بمنبه السيارة ليس من الشريعة في شيء, لأنه مخالف للسكينة المأمور بها.
التاسع بعد المائة :- فيه اهتمامه  بأمر الدابة ورحمتها فلم يشغله أمر الناس عن الدابة التي يركبها. وهذا من محاسن الإسلام, وهو من جملة حقوق الحيوان التي جاءت بها الشريعة على أكمل الوجوه وأتم تشريع .
العاشر بعد المئة :- فيه استحباب تأخير الصلاة أي صلاة المغرب والعشاء إلى الوصول إلى مزدلفة إن لم يؤد ذلك إلى إخراج العشاء عن وقتها المختار .
الحادي عشر بعد المئة :- فيه استحباب المبادرة بالصلاة قبل حط الرحل .
الثاني عشر بعد المئة :- فيه استحباب جمع المغرب مع العشاء تأخيراً في المزدلفة بقصر العشاء .
الثالث عشر بعد المئة :- فيه استحباب الاضطجاع بعد الصلاة للراحة والنوم استعداداً للأعمال القادمة في اليوم العاشر لأن أكثر أعمال الحج فيه, ولذلك فهو الحج الأكبر على القول الصحيح .
الرابع عشر بعد المئة :- فيه أن المبيت بمزدلفة بعد عرفات من النسك والصحيح أنه من واجبات الحج لا من أركانه .
الخامس عشر بعد المئة :- فيه استحباب التبكير بصلاة الفجر بعد تبين الصبح مباشرة للتفرغ للدعاء في المشعر الحرام .
السادس عشر بعد المئة :- فيه استحباب المبادرة بالخروج من مزدلفة لرمي الجمرة بعد تبين الصبح جداً وقبل طلوع الشمس مخالفة لسنة المشركين .
السابع عشر بعد المئة :- فيه استحباب البقاء قبل ذلك عند المشعر الحرام للدعاء والتهليل والتوحيد والتكبير ونحو ذلك .
الثامن عشر بعد المئة :- فيه وجوب إنكار المنكر لأن النبي  صرف وجه الفضل عن النظر إلى النساء .
التاسع عشر بعد المئة :- فيه وجوب غض البصر عن النظر للنساء الأجانب .
العشرون بعد المئة :- فيه بيان أهمية الترفق في الإنكار وعدم التعنيف إذا كان سيزول المنكر بالأيسر .
الحادي والعشرون بعد المئة :- فيه أن الرجل وإن بلغ في الدين ما بلغ فإنه لا يأمن من الفتنة بالنساء. ولا يزكي نفسه بأنه قد بلغ مرحلة لاخوف عليه معها من النساء .
الثاني والعشرون بعد المئة :- فيه استحباب تحريك الراحلة قليلاً والإسراع بالمشي إذا أتى بطن محسر .
الثالث والعشرون بعد المئة :- فيه أنه لا يرمى يوم النحر إلا جمرة العقبة فقط وهي آخر الجمرات في منى .
الرابع والعشرون بعد المئة :- فيه أنها لا ترمى إلا بسبع حصيات فقط, وهكذا هو شأن الرمي كله .
الخامس والعشرون بعد المئة :- فيه أن الرمي يكون بالحصى الصغار المقدرة بمثل حصى الحذف .
السادس والعشرون بعد المئة :- فيه أنه لا يرمى بغير ذلك فلا يرمى بالحصى الكبار جداً ولا بالنعال أو الزجاج ونحو ذلك .
السابع والعشرون بعد المئة :- فيه استحباب التكبير مع كل حصاة .
الثامن والعشرون بعد المئة :- فيه أن رمي جمرة العقبة يكون من بطن الوادي وهذا الأفضل وعليه المحققون وسيأتي بيان ذلك بأوسع من ذلك إن شاء الله تعالى .
التاسع والعشرون بعد المئة :- فيه أن رمي الجمرة من مناسك الحج, والصحيح أنها من واجباته لا من أركانه .
الثلاثون بعد المئة :- فيه استحباب النحر بعد الرمي مباشرة, وهذا ليس على الوجوب كما سيأتي بيان ذلك بأدلته إن شاء الله تعالى .
الحادي والثلاثون بعد المئة :- فيه استحباب تولي الإنسان ذبح هديه بنفسه .
الثاني والثلاثون بعد المئة :- اقتصار النبي  على نحر ثلاثٍ وستين بدنة فقط فيه إشارة إلى عمره عليه الصلاة والسلام .
الثالث والثلاثون بعد المئة :- فيه أن السنة في الإبل النحر وهو طعنها في أصل عنقها في لبتها .
الرابع والثلاثون بعد المئة :- فيه استحباب الأكل من الهدي ولو أن يأخذ منه بضعة يسيرة .
الخامس والثلاثون بعد المئة :- أجمع أهل العلم على أن الأكل من الهدي والأضحية سنة وليس بواجب, حكاه النووي في شرح مسلم .
السادس والثلاثون بعد المئة :- فيه دليل على أن طواف الإفاضة من النسك وقد قدمنا لك أنه من جملة أركان الحج .
السابع والثلاثون بعد المئة :- أجمع أهل العلم على أن طواف الإفاضة لا رمل فيه ولا اضطباع. حكاه النووي في شرح مسلم .
الثامن والثلاثون بعد المئة :- في حديث جابر هنا أنه  صلى الظهر بمكة أي صلاة الظهر يوم النحر, وفي حديث ابن عمر في الصحيح أيضاً أنه صلى الظهر يوم النحر بمنى وفيه شيء من التعارض ولكن يزول هذا الإشكال إذا علمت أن الصلاة التي أوقعها رسول الله  بمكة كانت هي الظهر فريضة, وبعد الصلاة رجع إلى منى فلما علم الصحابة الذين كانوا بمنى أنه قادم إليهم ولم يصلوا بعد أحبوا أن يدركوا فضل الصلاة خلفه, فانتظروه فلما جاءهم وجدهم لم يصلوا فصلى بهم الظهر معادة نافلة, وصلوا خلفه, فكانت صلاة الظهر الأولى التي أثبتها جابر كانت هي الفريضة وكانت صلاة الظهر الثانية التي أثبتها ابن عمر كانت نافلة وهذا جمع حسن لا تكلف فيه وقد تقرر في القواعد أن الجمع بين الأدلة واجب ما أمكن وتقرر أيضاً أن إعمال الكلام أولى من إهماله والله أعلم .
التاسع والثلاثون بعد المئة :- فيه استحباب إيقاع طواف الإفاضة قبل الظهر من يوم النحر وهذا لمن أراد كمال الاتباع, مع القدرة والإمكان ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
الأربعون بعد المئة :- فيه مشروعية ترك الفعل إذا كان من لوازم فعله اعتقاد ماليس بشرع, من باب سد الذرائع فإنه  كان بوده أن ينزع من بني عبدالمطلب لسقاية الناس لكن خشي أن يعتقد الناس أن هذا النزع من جملة المناسك فيكثر الناس عليهم وتذهب فضيلة بني عبدالمطلب, وهذا يحتاج إلى استدلال وتفريع طويل لعل الله تعالى ييسر لعده الضعيف الكتابة فيه بحوله وقوته جل وعلا .
الحادي والأربعون بعد المئة :- فيه فضيلة السقيا وأنها من أبواب الخير العظيمة والتي يترتب عليها الأجور الكبيرة .
الثاني والأربعون بعد المئة :- فيه فضيلة جابر بن عبدالله  وشدة حفظه وتمكنه من العلم.
الثالث والأربعون بعد المئة :- فيه جواز الإنابة في ذبح الهدي .
فهذه بعض الفوائد والفروع المتعلقة بحديث جابر  ولعل فيها كفاية إن شاء الله تعالى والله تعالى أعلى وأعلم .
محب الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-30-2011, 08:29 AM   #8
إداري
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 1,222
افتراضي رد: تبصير الناسك بأحكام المناسك ( تشمل عامة أحكام الحج مختصرة محررة ) للشيخ وليد السعيدان

مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن أعمال القارن كأعمال المفرد بالضبط إلا في أمرين فقط:- أحدها:- في النية, فالقارن يقول:- لبيك عمرة وحجاً, وأما المفرد فيقول:- لبيك حجاً, الثاني:- في الهدي فإن القارن يلزمه الهدي على القول الصحيح, وأما المفرد فإنه لا يلزمه الهدي وإن ذبح الهدي فقد أحسن لكن يكون من باب الأفضل فقط وأما الوجوب فلا, فهذان الأمران هما محط الخلاف بينهما فقط, وأما سائر الأعمال فهي هي لااختلاف بينهما البتة, واعلم رحمك الله تعالى أن أعمال المتمتع كالقارن تماماً إلا أنهما يختلفان في ثلاثة أشياء فقط, أحدها:- في صفة الإهلال, فإن القارن يقول:- لبيك عمرة وحجاً وأما المتمتع فإنه يقول:- لبيك عمرة فقط أو يقول لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج, الثاني:- في الإحلال فإن المتمتع إذا طاف وسعى فإنه يحل بالتقصير وأما القارن فإنه لايحل بل يبقى على إحرامه حتى يوم النحر, الثالث:- أن المتمتع عليه سعي ثان غير سعيه الأول لأن سعيه الأول للعمرة وهذا السعي للحج. وسيأتي, وبناءً عليه فأقول:- كلهم أي المتمتع والقارن والمفرد إذا وصل للحرم فإنهم يطوفون, وهذا الطواف هو طواف القدوم بالنسبة للقارن والمفرد ولكنه طواف العمرة بالنسبة للمتمتع ثم يسعون:- وهذا السعي هي سعي الحج بالنسبة للقارن والمفرد ولكنه سعي العمرة بالنسبة للمتمتع, وبعد ذلك يتحلل المتمتع بالتقصير وهو أفضل من الحلق هنا ليوفر شعره ليوم النحر, وأما القارن والمفرد فيبقيان على إحرامهما, فإذا كان يوم التروية وهو اليوم الثامن فيسن للمتمتع أن يبادر قبل الظهر بالإحرام بالحج, ويبيت الجميع هذه الليلة في منى يصلون كل فرض في وقته بقصر الرباعية, وهذا المبيت سنة باتفاق أهل العلم رحمهم الله تعالى قال ابن تيمية رحمه الله تعالى:- والسنة أن يبيت الحاج بمنى فيصلون بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ولا يخرجون منها حتى تطلع الشمس كما فعل النبي , فالمبيت بها والمسير إذا طلعت الشمس سنة باتفاق العلماء ا.هـ. كلامه رحمه الله تعالى. فإذا طلعت الشمس توجه الجميع إلى عرفات ويصلون بها الظهر والعصر جمع تقديم مع القصر, ويقضون بها إلى غروب الشمس ثم يدفعون منها إلى مزدلفة ويصلون بها المغرب والعشاء جمع تأخير بقصر العشاء ويبيتون بها حتى يصلون فيها الفجر ويتريثون قليلاً حتى يسفرون جداً ثم يسيرون جميعاً إلى منى ويرمون جمرة العقبة بسبع حصيات يكبرون مع كل حصاة ثم ينحرون هديهم ويحلقون رؤوسهم ثم يفيضون جميعاً إلى البيت ويطوفون جميعاً طواف الإفاضة, فإذا فرغوا من الطواف, بقي على المتمتع سعي ثانٍ كما سيأتي الدليل عليه إن شاء الله تعالى, ثم إذا فرغوا يرجعون إلى منى ويبيتون بها تلك الليلة فإذا زالت الشمس من غدٍ ذهبوا جميعاً لرمي الجمرات الثلاث مبتدئين بالصغرى فالوسطى فالكبرى, ثم يبيتون تلك الليلة أيضاً في منى فإذا زالت الشمس من غدٍ رموا أيضاً الثلاث جميعاً كما فعلوا بالأمس, ومن أراد التعجل منهم فليخرج من منى قبل غروب الشمس, والأفضل التأخر فيرمون اليوم الثالث من أيام التشريق كما فعلوا في اليومين السابقين, ولم يبقى عليهم إلا طواف الوداع وبهذا يكونون قد أتموا نسكهم, وقضوا ما عليهم. هذه هي صفة الحج باختصار شديد وكل ذلك مفرع على حديث جابر السابق والله أعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن صفة الطواف بالبيت هي أن يبتدئ طوافه من الركن الذي فيه الحجر الأسود فيستقبله ويستلمه ويقبله إن لم يؤذ الناس بالمزاحمة فيحاذي بجميع بدنه جميع الحجر فيمر جميع بدنه على جميع الحجر ثم يبتدئ الطواف جاعلاً البيت عن يساره ثم يمشي طائفاً بالبيت ثم يمر وراء الحجر ولا ينفذ في وسطه لأن بعض الحجر من البيت بمقدار ستة أذرع, فيكون طوافه من وراء الحجر, ويدور بالبيت فيمر على الركن اليماني ويستلمه إن قدر وإن لم يقدر فليمض ولا يؤشر إليه, ثم ينتهي إلى الركن الذي فيه الحجر الأسود, وهو المحل الذي ابتدأ طوافه منه, فإذا فعل ذلك فقد تمت له طوفة واحدة, وهكذا يفعل في سائر طوافه حتى يتم له سبعة أشواط. واعلم رحمك الله تعالى أن نقطة البداية في الطواف تتسع كلما ابتعدت عن البيت فلا يلزم الإنسان نفسه أن يتتبع الخط البني الموضوع هناك فإن هذا لا أصل له, والواجب إزالته فإنه قد فتح على كثير من الناسكين أبواب بدع كانوا في غنىً عنها وهو سبب كبير من أسباب المزاحمة التي نراها, مع أنه لا أصل له, والله أعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أنه لا يستلم من أركان البيت شيء إلا الركنين الأسود واليماني فقط, فأما الحجر الأسود فإنه يقبل مع القدرة أو يستلم بشيء ويقبل ما استلمه به, أو يشير إليه إن عجز عن ذلك, وأما الركن اليماني فإنه يستلم باليد فقط ولكن لا يشرع تقبيله, وإن عجز عن استلامه بيده فإنه لا تشرع الإشارة إليه, وأما الركنان الآخران, أعني الركنين الشاميين فإنهما لا يستلمان مطلقاً, برهان ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال (( لم أرى رسول الله  يمسح من البيت إلا الركنين اليمانيين )) وعنه  أنه قال (( لم يكن رسول الله  يستلم من أركان البيت إلا الركن الأسود والذي يليه من نحو دور الجمحيين )) أي الركن اليماني, وعنه  (( أن رسول الله  كان لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني )) وعنه  أنه قال (( ماتركت استلام هذين الركنين اليماني والحجر منذ رأيت رسول الله  يستلمهما في شدة ولا رخاء )) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال (( لم أرى رسول الله  يستلم غير الركنين اليمانيين )) وكل هذه الأحاديث في الصحيح, فإن قلت:- فإنه قد ثبت عن ابن الزبير أنه كان يستلم الأركان كلها, فأقول:- وإن يكن فإن الحجة إنما هي فيما ثبت عنه  وأما فعل ابن الزبير  فإنه مذهب له, ومذهب الصحابي ليس بحجة بالاتفاق إذا خالف نصاً أو خالفه صحابي آخر وقد تحققت هنا كلها, فإن قلت:- فقد قال معاوية لابن عباس:- إنه ليس شيء من البيت مهجوراً, فأقول:- هذا قياس في مصادمة النص وقد تقرر أن القياس المصادم للنص باطل. وتقرر في القواعد أيضاً وجوب تقديم قوله  على كل قول وتقديم فعله على كل فعل. وبالجملة فلا حاجة لنا أن نجيب عن هذه المعارضات مع وضوح السنة وثبوتها, وقلنا:- إنه إن استلمه بشيء فيقبله لحديث أبي الطفيل  قال (( رأيت رسول الله  يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن ))"رواه مسلم وغيره" والله أعلم وأعلى .
مسألة :- اعلم أن استلام الحجر الأسود وتقبيله إنما هو للتبرك باتباعه  فقط لا طلباً للبركة من هذا الحجر فإنه حجر لا يضر ولا ينفع, وبركة هذا الحجر ليست بركة ذاتية منتقلة ولكنها بركة معنوية لازمة, برهان ذلك مافي الصحيح عن عمر  أنه مر على الحجر فقبله وقال (( والله إني لأقبلك وإني أعلم أنك حجر وإنك لا تضر ولا تنفع ولو أني رأيت رسول الله  يقبلك ماقبلتك )) وعنه  أنه قبَّل الحجر والتزمه وقال ((رأيت رسول الله  بك حفياً )) أي معتنياً "رواه مسلم" وبناءً عليه فمسح الوجه وسائر الجسد باليد بعد استلام الحجر بها من المحدثات المنكرات, وكذلك مسح المحمول من الأطفال باليد التي استلم الحجر بها أيضاً هو من المبدع التي يجب إنكارها وقد تقرر في الأصول أن الأصل في العبادات الحظر والتوقيف وأن الأهواء والاستحسانات لا مدخل لها في التشريع. قال عليه الصلاة والسلام (( من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد )) وفي رواية (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) ومن الأمور المنكرة أيضاً تقبيل الحجر من بعيد, فيقبل يديه ويشير بهما إلى الحجر وهذا من البدع ولا شك والواجب إنكاره بقدر المستطاع, ومن البدع أيضاً صلاة ركعتين على الخط البني الممتد من الحجر أو السجود عليه زعماً أن هذا هو تحية الحجر وأن هذا أكمل في تعظيمه, وهذا غلط فاحش وبدعة وخيمة, وعمل باطل لأنه تخلف فيه شرط المتابعة فإن هذه الأفعال لم يفعلها رسول الله  ولا أحد من صحابته ولا أحد من التابعين ولا أحد من سلف الأمة وأئمتها, فهو فعل محدث وقد تقرر في القواعد أن كل إحداثٍ في الدين فهو رد .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أنه يسن الرمل في الأشواط الثلاثة الأُوَل من أول طواف يطوفه القادم إلى مكة سواءً كان طواف عمرة أو طواف قدوم في حج, وأما الأشواط الأربعة الأخيرة فإنه يمشي فيها ولا يرمل وذلك ثابت عن النبي  في الصحيحين وغيرهما, فقد تقدم لك قول جابر  (( فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً )) وقال البخاري في صحيحه:- حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (( قدم رسول الله  وأصحابه فقال المشركون:- إنه يقدم عليكم اليوم قوم قد وهنتهم حمى يثرب فأمرهم النبي  أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا مابين الركنين ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم )) وقال:- حدثنا أصبغ بن الفرج قال أخبرني ابن وهبٍ عن يونس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه  قال (( رأيت رسول الله  حين يقدم مكة إذا استلم الركن الأسود أول ما يطوف يخب ثلاثة أطواف من السبع )) وقال أيضاً:- حدثني محمد قال حدثنا سريج بن النعمان قال حدثنا فليح عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال (( سعى النبي  ثلاثة أشواط ومشى أربعة في الحج والعمرة )) وقال في صحيحه أيضاً بسنده من حديث ابن عمر رضي الله عنهما (( أن رسول الله  كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول يخب ثلاثة أطواف ويمشي أربعة )) وبهذه النقول الصحيحة الصريحة يتبين لك إن شاء الله تعالى أن الرمل سنة في الأشواط الثلاثة من الطواف الأول أي في طواف العمرة أو القدوم, والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- إن قلت:- كيف يكون الرمل من السنن في الطواف الآن وقد زالت علته فإن علته المذكورة في بعض النصوص السابقة إظهار القوة أمام المشركين وإبطالاً لدعواهم أن المسلمين قد وهنتهم حمى يثرب, وهذه العلة قد زالت وقد تقرر في الأصول أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً فكيف نقول بمشروعية الرمل الآن وقد زالت علته؟ فأقول:- هذا الكلام من حيث التأصيل صحيح ولكن بقي لك النظر في عدة أمور:- أحدها:- أن النبي  رمل في حجته ولم يكن بالبيت مشركون, وقد كانت حجته بعد العمرة التي أمرهم فيها بالرمل, مما يدل على أن الرمل من السنن الثابتة في الأشواط الثلاثة الأُوَل من الطواف الأول, لأنه لو كان الرمل قد زال بزوال علته لما رمل عليه الصلاة والسلام, وهذا واضح, الثاني:- أن بقاء حكم الرمل مع زوال علته لا ينافي أن لبقائه علة أخرى وهي أن يتذكر به المسلمون نعمة الله عليهم حيث كثرهم وقواهم بعد القلة والضعف, فيكون ذلك من باب الحكم المعلل بعده علل, والحكم إذا كان كذلك فإنه لا يلزم من زوال أحد هذه العلل, زوال الحكم بالكلية لأنه معلل بعللٍ أخرى والله أعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن من سنن الطواف الأول الاضطباع, لثبوت ذلك عن النبي  قال أبو داود في سننه:- حدثنا محمد بن كثير قال أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن ابن يعلى عن يعلى قال (( طاف النبي  مضطبعاً ببردٍ أخضر )) وقال أيضاً:- حدثنا أبو سلمة موسى, قال حدثنا حماد عن عبدالله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما (( أن النبي  وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم, وقد قذفوها على عواتقهم اليسرى ))"حديثان صحيحان" وحديث ابن عباس هذا قد رواه البيهقي بإسنادٍ صحيح أيضاً ولفظه (( اضطبع النبي  هو وأصحابه ورملوا ثلاثة أشواطٍ ومشوا أربعاً )) وعن أسلم مولى عمر بن الخطاب  قال:- سمعت عمر يقول (( فيم الرملان والكشف عن المناكب وقد واطأ الله الإسلام ونفى الكفر وأهله, ومع ذلك لا نترك شيئاً كنا نصنعه مع رسول الله  ))"رواه البيهقي" وقال النووي:- بإسنادٍ صحيح. وبذلك تعلم أن الاضطباع من سنن الطواف, ولا عبرة بقول أحدٍ يمنعه, فإن الأقوال توزن بالكتاب والسنة, والرجال يوزنون بما معهم من الحق ولا يوزن الحق بالرجال, واعلم أنه لا اضطباع إلا في ابتداء الطواف الأول ويستمر الاضطباع إلى نهاية الطواف, وأما في سائر المناسك فلا اضطباع لأنه لم ينقل عنه  الاضطباع إلا في هذا الموضع فقط وقد تقرر في الأصول أن الفعل لا عموم له, وصفة الاضطباع أن يجعل وسط الرداء تحت كتفه اليمنى ويرد طرفيه على كتفه اليسرى وتبقى كتفه اليمنى مكشوفة والله تعالى أعلم .
مسألة :- اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في اشتراط الطهارة للطواف, فمذهب جماهير أهل العلم رحمهم الله تعالى إلى أنها واجبة فلا يصح الطواف بدونها, وخالف في ذلك أبو حنيفة فقال:- ليست الطهارة شرطاً في الطواف وإنما هي من جملة مستحباته وقوله أسعد بالدليل والتقعيد وبيان ذلك أن يقال:- أن الأصل في الاشتراط الشرعي التوقيف, والاشتراط حكم شرعي والاحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة الصريحة, ولم يثبت عنه  أنه أمر بالوضوء قبل الطواف, وأما حديث عائشة رضي الله عنها إنما هو حكاية فعلٍ وقد تقرر في الأصول أن حكاية الأفعال لا تفيد إلا الاستحباب واقترانها بقوله  (( لتأخذوا عني مناسككم )) لا يفيد أن هذا الفعل صار واجباً لأن هذا الوضوء لا يدخل في حقيقة مسمى النسك, كما أننا قلنا في ركعتي الطواف بأنها سنة مع اقترانها بهذا القول واقترانها بقوله  واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى  وكما قلنا بأن طواف القدوم سنة مع أنه مقترن بقوله (( لتأخذوا عني مناسككم )) وقلنا إن المبيت في منى ليلة التاسع سنة مع أنه مقترن بقوله (( لتأخذوا عني مناسككم )) فهذا يفيدك أن هذا الوضوء جار على عادته  فإنه كان يطلب دائماً أن يكون على طهارة ولأن هذا القول أي استحباب الوضوء هو الأيسر على الناس ويتحقق فيه رفع الحرج عنهم ومن مقاصد الشريعة رفع الحرج والضيق عن الناس, ولأنه يبعد جداً أن يكون الوضوء من الشرائط المتحتمات ولا يبينه النبي  بياناً شافياً كافياً قاطعاً للعذر كما بين ماهو أدنى منه, فهذا يفيدك أن وضوءه في حديث عائشة هذا إنما هو لتكميل الطهارة فقط كعادته عليه الصلاة والسلام ألا ترى أنه  لما أفاض من عرفات بال في الطريق ثم توضأ, فهكذا كانت عادته وقد قال عليه الصلاة والسلام لمن لم يرد عليه السلام إلا بعد التطهر (( إني كرهت أن أذكر الله إلا وأنا على طهارة )) ولأن الطواف من المحال التي يتأكد فيها الذكر حرص النبي  من باب الاستحباب أن يتوضأ قبله ليدخل في العبادة على أكمل أحواله عليه الصلاة والسلام, فحديث عائشة رضي الله عنها وإن كان صحيحاً في سنده إلا أنه ليس بصريح في الوجوب, فضلاً عن الشرطية والأصل في العبادات الإطلاق عن الشرط والله أعلى وأعلم. وأما حديث ابن عباس الذي فيه (( الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح الكلام فيه )) فإنه حديث لا تقوم به الحجة مرفوعاً والصحيح أنه موقوف على ابن عباس رضي الله عنهما وإن سلمنا صحته مرفوعاً فإننا لا نسلم أن المقارنة بين الصلاة والطواف هنا تختص بالحكم الشرعي وإنما بالمرتبة والمنزلة, وذلك لأن قوله (( إلا أن الله أباح الكلام فيه )) يفيد أن غيره لايباح وهذا غلط فالأكل فيه مباح والشرب فيه مباح والضحك فيه مباح, وغير ذلك مما لايجوز في الطواف فأراد ابن عباس رضي الله عنهما أن يبين منزلة الطواف في الشريعة وأنه بمنزلة الصلاة, ثم أراد أن يكشف شبهة قد تعرض للمكلف وهي:- كيف يكون صلاة ونحن نتكلم فيه؟ فأراد قطع ذلك بقوله (( إلا أنكم تتكلمون فيه )) أي أن كلامكم في الطواف لا يخرجه عن كونه صلاة لأن الكلام فيه شيء قد أباحه الله تعالى فهو بمنزلة الصلاة وإن كنتم تتكلمون فيه, ولا يقصد بهذا الكلام أنه يشترط للطواف جميع ما يشترط للصلاة فحديث ابن عباس هذا لا يفيد وجوب الطهارة للطواف فضلاً عن كونها شرطاً فيه وأما حديث عائشة (( افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بابيت حتى تطهري )) وحديث (( أحابستنا هي )) فإن المنع هنا إنما لأن الحائض ممنوعة من دخول المسجد ومن لوازم طوافها دخول المسجد, أو يقال:- إن هذه الأدلة إنما تفيد اشتراط الطهارة الكبرى فقط, ولكن أي الطهارة من الحيض والنفاس والجنابة, أي الطهارة مما يوجب غسلاً, ولكن أين الدليل على اشتراط الطهارة الصغرى, وهذه احتمالات قوية ترد على هذا الدليل وقد تقرر في الأصول أن الدليل إذا تتطرق إليه الاحتمال المقبول بطل به الاستدلال, وبالجملة فإننا لا نعلم دليلاً واحداً يصلح أن يكون مستنداً للقول بشرطية الطهارة الصغرى للطواف, مع أن هذا القول فيه من المشقة على الناس الشيء الكثير فالراجح إن شاء الله تعالى هو القول بأن الطهارة للطواف ليس هو من الواجبات المتحتمات وإنما هو من المندوبات المستحبات والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم أنه يستحب الاستحباب الشديد الذي يقرب من الوجوب، بعد الفراغ من الطواف أن يصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم, ويستحب أن يقرأ فيهما بسورتي  قل ياأيها الكافرون  و  قل هو الله أحد  كما ثبت ذلك في حديث جاب الطويل الذي تقدم سياقه. واعلم أن جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى لا يشترطون لصحة هاتين الركعتين أن تكون خلف المقام, بل الأفضل أن تكون خلفه مع القدرة وعدم المزاحمة, فإن لم تتيسر خلف المقام فليصليهما في أي جزء من أجزاء البيت, بل حتى لو صلاهما خارج البيت فلا بأس فقد ثبت أن عمر  صلاها بذي طوى, كما ذكره البخاري في صحيحه تعليقاً, واعلم رحمك الله تعالى أنه لو حصل الطواف في وقت النهي فإنه يصليهما على القول الصحيح, ذلك لأن هاتين الركعتين من ذوات الأسباب وقد تقرر في القاعدة أنه لا نافلة في وقت نهي إلا ماله سبب, ولو درست أحاديث النهي عن الصلاة بعد العصر والفجر لوجدتها من العام المخصوص, وحديث هاتين الركعتين عامة, كحديث جبير بن مطعم  قال قال رسول الله  (( يابني عبدمناف لا تمنعوا من طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليلٍ أو نهار ))"حديث صحيح" وهذا الحديث محفوظ أي ليس بمخصوص, وقد تقرر في الأصول أنه إذا تعارض حديثان أحدهما محفوظ والآخر قد دخله الخصوص, فإن العام المحفوظ مقدم على العام المخصوص والله تعالى أعلى وأعلم. واعلم أن ما يفعله بعض الحجاج – هداه الله تعالى- من الصلاة خلف المقام مباشرة في طريق الناس مع شدة زحامهم ليس من الفقه في شيء لأنه سيفعل سنة بارتكاب محرم من إيذاء إخوانه وتعريض نفسه للتلف, ولن يتحقق في قلبه مقصود هاتين الركعتين من الخشوع والتدبر والخضوع لله تعالى ولو تعبد لله تعالى بالابتعاد عن هذا المكان كي لا يزاحم إخوانه لكان ذلك خير وأبر والله أعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أنه إذا أقيمت الصلاة في أثناء الطواف أو السعي فإنه يتوقف عنهما ويصلي في مكانه أو قريباً منه, وعليه تحديده, فإذا فرغ من الصلاة فإنه يكمل طوافه أو سعيه من حيث انتهى, وهذا أظهر قولي أهل العلم, وهذا الانقطاع للصلاة المفروضة لا يؤثر لأنه انقطاع ضرورة, والانقطاع للضرورة لا يؤثر, والله أعلم.
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أنه لا رمل على المرأة في طواف القدوم, ولا سعي عليها بين العلمين أي لا يشرع في حقها أن تسرع بين العلمين في السعي, وذلك لأنه أستر لها وحتى لا يسقط حجابها أو تبين مع السعي مفاتنها ولأنه يخشى عليها أن تسقط أو يكثر اصطدامها بالرجال فتحل الفتن, وقد تقرر في الأصول أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح, وأنه إذا تعارض ضرران روعي أشدهما بارتكاب أخفهما, والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن السعي ركن من أركان الحج والعمرة, فلا حج إلا بسعي ولا عمرة إلا بسعي, برهان ذلك قوله تعالى  إن الصفا والمروة من شعائر الله  فتصريحه جل وعلا بأن الصفا والمروة من شعائر الله يدل على أن السعي بينهما أمر حتم لا بد منه لأن شعائر الله عظيمة لا يجوز التهاون بها, وتعظيم هذه الشعائر من تقوى القلوب قال تعالى  ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب  وكذلك فإن النبي  قد طاف سبعاً بين الصفا والمروة وقال (( خذوا عني مناسككم )) وقد تقرر في الأصول أن الفعل إذا اقترن بقولٍ يفيد الوجوب فإن الفعل للوجوب ومن الأدلة أيضاً:- مارواه البخاري في صحيحه قال:- حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال عروة:- سألت عائشة رضي الله عنها فقلت:- إني لأظن رجلاً لولم يطف بين الصفا والمروة ما ضره؟ قالت:- لم, قلت:- لأن الله عزوجل يقول  إن الصفا والمروة من شعائر الله...الآية  فقالت (( ما أتم الله حج امرئٍ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة, ولو كان كما تقول لكان ( فلا جناح عليه ألا يطوف بهما ) وهل تدري فيما كان ذاك إنما كان ذاك أن الأنصار كانوا يهلون في الجاهلية لصنمين على شط البحر يقال لهما:- إساف وتائلة ثم يجئون فيطوفون بين الصفا والمروة ثم يحلقون فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية, قالت فأنزل الله عزوجل:-  إن الصفا والمروة من شعائر الله... الآية  قالت فطافوا )) وهذا الحديث له حكم المرفوع. ومن الأدلة على ركنيته أيضاً حديث ابن عباس  أن النبي  قال (( إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا )) وقد روي هذا الحديث أيضاً عن حبيبة بنت أبي تجارة ومن حديث تملك العبدرية ومن حديث صفية بنت شيبة, وهذا الحديث حديث صالح للاحتجاج ولا شك, فقد حسنه النووي, ويدل على ذلك أيضاً:- مارواه مسلم في صحيحه:- حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار, قال ابن المثنى:- حدثنا محمد بن جعفر قال أخبرنا شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى قال:- قدمت على رسول الله  منيخ بالبطحاء فقال لي (( أحججت؟ )) فقلت:- نعم, فقال (( بما أهللت )) قال قلت:- لبيك بإهلالٍ كإهلال النبي  قال (( قد أحسنت, طف بالبيت وبالصفا والمروة )) فقوله (( طف بالبيت )) هذا أمر وقوله (( وبين الصفا والمروة )) أمر أيضاً وقد تقرر في الأصول أن الأمر المطلق عن القرينة يفيد الوجوب, فهذه بعض الأدلة الدالة على أن السعي من أركان الحج والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن الواجب في السعي هو استيفاء مابين الجبلين, فإذا استوفى الساعي مابين الجبلين فقد جاء بما عليه من الواجب, وأما صعود الجبل فإنه سنة وليس بواجب, وكذلك السعي الشديد بين العلمين أيضاً سنة وليس بواجب, ويستحب فيه الإكثار من الدعاء, وليس له دعاء مخصوص, وإنما يدعو بما أراد وعليه بجوامع الدعاء والصحيح أيضاً أنه لا تشترط له الطهارة من الحدث, فلو سعى وهو محدث لصح سعيه ولكن الأفضل للإنسان أن لا يسعى إلا وهو على طهارة كاملة, وبرهان عدم الاشتراط حديث عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله  (( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري )) ومما يفعله الحاج السعي, فلما لم يأمرها بترك السعي دل على أنه يصح منها لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لايجوز, والله أعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن الصحيح هو أن السعي لا يصح إلا مرتباً والمراد بالترتيب أي البدء بالصفا والختم بالمروة, فإن بدأ بالمروة قبل الصفا, لم يحسب له هذه السعية, وهذا هو مذهب الجمهور, وهو الحق بلا ريب, خلافاً للحنفية, رحمهم الله تعالى, ودليل صحة ما قلناه أن النبي  بدأ بالصفا وقال (( لتأخذوا عني مناسككم )) فتكون البداءة بالصفا من جملة هذه المناسك التي يلزمنا أن نأخذها عنه, وأما قول الحنفية فإنه مبني على قياسات صادمت النصوص وقد تقرر في القواعد أن القياس إذا صادم النص فإنه يكون فاسد الاعتبار, والله أعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن العلماء أجمعوا على أن الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج لا يصح الحج بدونه نقله ابن المنذر وابن حزم والوزير والشنقيطي وغيرهم. وأجمعوا أيضاً على أن الوقوف بعرفة ينتهي وقته بطلوع فجر يوم النحر, فمن طلع عليه فجر يوم النحر وهو لم يأتي عرفة فقد فاته الحج إجماعاً, وقال عليه الصلاة والسلام (( الحج عرفة فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحج )) .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن أرض عرفة كلها موقف فمن وقف في أي جزء منها فقد صح حجه ولا يلزم أن يقف في الموقف الذي وقف فيه رسول الله  بل عرفة كلها موقف, وقد أجمع أهل العلم على ذلك ويدل عليه أيضاً مع دلالة الإجماع قوله  (( ووقفت هاهنا وعرفة كلها موقف ))"حديث صحيح" .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن القول الصحيح هو أن من اقتصر على في وقوفه بعرفة على الليل فقط ولم يقف فيها جزءاً من النهار أن وقوفه صحيح تام, ولا دم عليه على أصح أقوال أهل العلم رحمهم الله تعالى, فلو لم يقف بها إلا فيما بين مغيب الشمس وطلوع فجر يوم النحر, لو وقف في أي جزءٍ من هذا الليل فإنه قد وقف بعرفة وقوفاً صحيحاً ولا يلزمه دم, والمسألة خلافية, لكن هذا هو القول الصحيح, والدليل على ذلك مارواه أحمد أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم بإسنادهم من حديث عبدالحمن بن يعمر الديلي  أن النبي  (( الحج عرفة فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحج ))"حديث صحيح" وهذا الإدراك المذكور في الحديث مطلق والأصل بقاء المطلق على إطلاقه ولا يقيد إلا بدليل, والذي اقتصر في وقوفه على الليل فقط, يصدق عليه أنه قد أدرك عرفة, ويؤيد ذلك ما ورد في بعض الروايات من هذا الحديث (( الحج عرفة من جاء عرفة قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه )) وهذا لفظ أحمد في المسند, وفي رواية لأبي داود (( من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج )) وفي لفظ النسائي (( فمن أدرك ليلة عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه )) وكلها ألفاظ صحيحة, ووجه الاستشهاد منها قوله  (( فقد تم حجه )) ولفظ التمام هنا صريح بأنه لا دم عليه, لأنه لو كان يحتاج إلى جبر لما صدق عليه وصف التمام فلما وصفه بالتمام علمنا أنه لا يحتاج إلى الجبر بالدم, وهذا واضح, وقد قال به الجمهور, فالصحيح هو أن من وقف بعرفة في الليل فقط دون النهار فقد صح حجه ولا دم عليه لما قدمنا والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن القول الصحيح هو أن من اقتصر في وقوفه بعرفة على النهار فقط أن حجه صحيح ولا دم عليه على القول الصحيح, فإذا ابتدأ الوقوف مثلاً الساعة الثانية عشر ظهراً أي بعد الزوال ثم خرج منها قبل غروب الشمس, فهذا يسمى شرعاً وعرفاً أنه قد وقف بعرفة فقد جاء بركن الحج الأعظم, فلا حُجة للمالكية في القول بعدم الإجزاء, بل أصح قولي أهل العلم هو الإجزاء, بل والأصح أيضاً أنه لا يلزمه دم, وقد كنا سابقاً نقول إن عليه دماً لكن بعد إعادة النظر وزيادة التحقيق رأينا أنه لا دم عليه, وبرهان ذلك, حديث عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لامٍ الطائي قال:- أتيت النبي  بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت يارسول الله إني جئت من جبلي طيء, أكللت راحلتي, وأتعبت نفسي, والله ماتركت من جبلٍ إلا وقفت عليه فهل لي من حج؟ فقال رسول الله  (( من شهد صلاتنا هذه, ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى نفثه )) "صححه الترمذي والدارقطني والحاكم والنووي وأبو بكر بن العربي وهو كما قالوا" ووجه الاستشهاد منه هو أنه قال (( ووقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً )) فقوله (( أو نهاراً )) أي في أي جزءٍ من أجزاء النهار, ورتب على ذلك قوله (( فقد تم حجه )) وهذا يدل على أن الواقف نهاراً يتم حجه بذلك, والتعبير باللفظ التمام ظاهر في عدم لزوم الجبر بالدم, ولم يثبت نقل صريح في معارضة ظاهر هذا الحديث, لأنه لو كان يلزمه بذلك دم لما كان حجه قد تم إلا بهذا الدم, لكن لما قال (( فقد تم حجه )) علمنا بذلك أن حجه تام لا يحتاج لجبر بدمٍ ولا بغيره, ولأن الأصل براءة الذمة من وجوب الدم, وأما قول ابن عباس (( من ترك نسكه أو شيئاً فعليه دم )) فإنه قول مقبول كما سيأتي إن شاء الله تعالى لكن في غير هذه المسألة لأن النبي  قد صرح التصريح الذي لا يحتمل أن من وقف بعرفة في أي جزءٍ من أجزاء النهار فقد تم حجه, وهذه شهادة منه  بتمام حجه وتمامه دليل على أنه لا دم عليه فلو أوجبنا الدم هنا لكنا بذلك ممن عارض قوله  بقول ابن عباس وهذا لا يجوز لأن قوله  مقدم على كل قولٍ, فانتبه لهذا, فالحق الحقيق بالقبول هو أنه لا دم على من اقتصر في وقوفه على النهار فقط, والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن القول الصحيح هو أن الوقوف بعرفة يبدأ من أول نهار يوم التاسع, وهذا أصح قولي أهل العلم رحمهم الله تعالى, لكن الأفضل والأتم والأكمل في الاتباع, أن لا يبدأ وقوفه إلا بعد الزوال فقلنا بأن بدء الوقوف من أول النهار لحديث عروة بن مضرس الذي ذكرناه قبل قليل, فإن فيه (( وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى نفثه )) ووجه الاستشهاد به أنه نوع بين الليل والنهار فقال (( ليلاً أو نهاراً )) ونحن قد قلنا:- بأن قوله (( ليلاً )) يدخل فيه كل أجزاء الليل, فكذلك نقول في قوله (( نهاراً )) يدخل فيه كل أجزاء النهار أيضاً, وكما أننا لا نقبل تخصيص جزءٍ من الليل إلا بدليل, فكذلك أيضاً لا نقبل تخصيص جزءٍ من النهار إلا بدليل, وأنت تعلم أن النهار اسم الأول جزءٍ بعد طلوع الفجر الثاني إلى قبيل الغروب, هذا إذا قرن بالليل, فقيل الليل والنهار, كما هنا, فهذا يدل على أن الوقوف بعرفة يبدأ من أول نهار اليوم التاسع, فإن قلت:- فالنبي  لم يبدأ الوقوف إلا بعد الزوال, فأقول:- نعم ولذلك قلنا بأن الأفضل أن لا يدخل عرفات ولا يبدأ الوقوف إلا بعد الزوال, وهذا هو الجمع بين الأدلة وقد تقرر في القواعد أن الجمع بين الأدلة واجب ما أمكن فقلنا بأن الوقوف يبدأ من أول جزء من النهار لحديث عروة بن مضرس, وقلنا بأن الأفضل له أن لا يبدأ بالوقوف إلا بعد الزوال لأنه  لم يبدأ وقوفه إلا بعد الزوال وهذا القول هو الذي تتآلف به الأدلة ويعمل بها كلها وقد تقرر في القواعد أن إعمال الكلام أولى من إهماله ما أمكن, وتقرر أيضاً أن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما ما أمكن, والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أنه قد اتفق أهل العلم رحمهم الله تعالى على عدم اشتراط الطهارة لصحة الوقوف فلو وقف بلا طهارة فإن وقوفه صحيح, وبناءً عليه فيصح وقوف الجنب والحائض والنفساء, ومن عليه حدث أصغر من باب أولى ويستدل على ذلك بالإجماع السابق وبحديث عائشة رضي الله عنهما أن النبي  قال لها لما حاضت (( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري )) ولأن الاشتراط حكم شرعي والأصل في الأحكام التوقيف على الدليل. والله أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن أهل العلم قد اختلفوا في وقوف المغمى عليه إذا استوفى الوقت كله وهو مغمى عليه, فذهب بعض أهل العلم إلى أن وقوف المغمى عليه لا يصح, وذهب بعضهم إلى صحة وقوفه, وهو القول الصحيح, وسبب الخلاف هو خلافهم في اشتراط نية خاصة للوقوف من عدم الاشتراط, فمن اشترط للوقوف نية خاصة قال لا يصح وقوف المغمى عليه, ومن قال لا يشترط قال:- يصح وقوفه والأصح أنه لا يشترط للوقوف نية خاصة بل يكتفى في ذلك بالنية العامة للحج وللمناسك على وجه العموم فإنه لما دخل في الإحرام بالحج كان ناوياً أنه يقف ويطوف ويسعى ويرمي, وهذه النية كافية لا سيما إذا تعذرت النية الخاصة, بسبب الإغماء ولأنه قد يطرأ كثيراً على كثير من الحجاج لا سيما مع شدة الحر وكثرة الزحام وحيث لا دليل يبطل وقوفه فالأصل الصحة, ولأن المغمى عليه كالنائم فكما أن النائم يصح وقوفه لو أستغرق أجزاء الوقوف في النوم فكذلك لو استغرقها في الإغماء أيضاً يصح منه, فالإغماء بهذا المقدار أي بمقدار يوم وليلة ونحو ذلك فإنه كالنوم, ولا فرق فالصحيح المعتمد في هذه المسألة هو أن وقوف المغمى عليه صحيح, وبه قال عطاء وغيره من أهل العلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن الجمع والقصر في عرفة, فيصلي الإمام والحجاج خلفه بعرفة قصراً وجمعاً الآفاقيون وأهل مكة, وكذلك كانوا يفعلون خلف أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما ولم يأمر النبي  ولا خلفاؤه أحداً من أهل مكة أن يتموا الصلاة ولا قال لهم بعرفة ومزدلفة ومنى:- أتموا الصلاة فإنا قوم سفر, ومن حكى ذلك عن أحد منهم فقد أخطأ وغلط غلطاً بيناً ووهم وهماً قبيحاً وقال قولاً باطلاً باتفاق أهل الحديث ولكن المنقول عن النبي  أنه قال لأهل مكة يوم الفتح إذ كان يصلي بهم إماماً (( أتموا فإنا قوم سفر )) وأما في حجة الوداع فإنه لم يثبت عنه  ولا عن أبي بكرٍ من بعده ولا عن عمر من بعدهما أنه كان يأمر أهل مكة بالإتمام فالقول الصحيح في هذه المسألة هو أن أهل مكة إذا حجوا فإنهم تابعون للإمام وسائر الحجاج يجمعون معهم ويقصرون معهم, ومن قال غير ذلك فإنه يكون مخالفاً للسنة نعوذ بالله من خلاف السنة والله أعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن الوقوف راجلاً أو راكباً كله جائز بالاتفاق وأما الأفضل فإنه يختلف باختلاف أحوال الناس فإن كان ممن ركب رآه الناس لحاجتهم إليه أو كان يشق عليه الوقوف وقف راكباً فإن النبي  وقف راكباً قاله شيخ الإسلام رحمه الله تعالى, وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:- التحقيق أن الركوب أفضل إذا تضمن مصلحة من تعليم المناسك والاقتداء به وكان أعون له على الدعاء ولم يكن فيه ضرر على الدابة ا.هـ. كلامه رحمه الله تعالى. والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم بارك الله فيك أن الصعود على جبل الرحمة الذي يفعله كثير من العوام لا أصل له, ولا فضيلة فيه قال النووي رحمه الله تعالى:- وأما ما اشتهر عند العوام من الاعتناء بالوقوف على جبل الرحمة الذي هو بوسط عرفات كما سبق بيانه وترجيحهم له على غيره من أرض عرفات حتى ربما توهم من جهلتهم أنه لا يصح الوقوف إلا فيه فخطأ ظاهر ومخالف للسنة ولم يذكر أحد ممن يعتمد في صعود هذا الجبل فضيلة يختص بها, بل له حكم سائر أرض عرفات غير موقف رسول الله  إلا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري فإنه قال:- يستحب الوقوف عليه, وكذلك قال الماوردي في الحاوي:- يستحب قصد هذا الجبل الذي يقال له جبل الدعاء, قال:- وهذا الذي قالوه لا أصل له ولم يرد فيه حديث صحيح ولا ضعيف فالصواب الاعتناء بموقف رسول الله  ا.هـ. كلامه رحمه الله تعالى. قلت:- وقد تقرر في القواعد أن الأصل في العبادات الحظر والتوقيف إلا بدليل وتقرر أيضاً أنه لا يجوز تعظيم زمانٍ أو مكانٍ لم يرد بتعظيمه نص صحيح صريح, ولأنه قد تقرر أن الاستحباب حكم شرعي والأصل في الأحكام الشرعية افتقارها للأدلة الصحيحة الصريحة وأزيدك تنبيهاً آخر لا أدري هل ذكرته سابقاً أم لا, وهو أن المتقرر في الشريعة سد الذرائع, ومن الذرائع المفضية للاعتقادات الفاسدة في هذا الجبل هذه التسمية, أعني تسميته بجبل الرحمة, فإنها تضفي عليه شيئاً من التعظيم والقدسية, ولا أصل نعلمه لهذه التسمية حتى وإن ذكر في كتب بعض الأكابر فإن ذكرها فيه ليس دليلاً على إثباتها إذا كانت تفضي إلى شيء من المفاسد, وإنما يسمى بجبل إلال أو جبل عرفات ونحو ذلك, أما التسميات التي تحمل في طياتها شيئاً من التعظيم فالواجب اجتنابها والتباعد عنها من باب سد الذرائع والله يحفظنا وإياك. وأنبهك على تنبيه آخر وهو أنه يجب على ولاة الأمر أن يزيلوا الشاهد الذي نصب فوق هذا الجبل فإنه مما يفتتن به الناس حتى رأيت أن بعض الناس يصلي إليه ويتمسح بأجزائه وهذا منكر عظيم وبدعة وخيمة فيجب على أهل العلم أن يكتبوا بإزالته لولاة الأمر, وعلى ولي الأمر أن يهتم بذلك, وكم من المظاهر البدعية التي أزالها ولاة الأمر في هذه البلاد, فلن يعجزوا إن شاء الله تعالى عن تتميم الأمر بإزالة هذا الشاهد الذي صار سبباً في كثير من البدع والمحدثات التي ما أنزل الله بها من سلطان, وهم على ذلك قادرون إن شاء الله تعالى فأسأله جل وعلا أن يوفقهم للهدى والسداد إنه ولي ذلك والقادر عليه. وأنبهك لأمرٍ ثالث أيضاً وهو أن بعض الناس هداه الله تعالى يتقصد أن يأخذ الحصى الذي سيرمي به من هذا الجبل خاصة ويرى أن ذلك أفضل وهذه الأفضلية لا أصل لها من كتابٍ ولا سنة ولا من قول صاحب ولا نعلمه ثابتاً عن أحدٍ من أهل العلم, والأفضلية من أحكام الشريعة والأصل في التعبدات الحظر والتوقيف, فهذا من محدثات الأمور المنكرة وقد تقرر في القواعد أن كل إحداث في الدين فهو رد, وأعظم من ذلك من يتمسح بالأحجار هناك أو يأخذ شيئاً منها إلى بلاده ويبيعها هناك بأغلى الأثمان, وكل ذلك من المحدثات والبدع التي لا أصل لها فالواجب على أهل العلم إنكارها, نسأله جل وعلا أن يفقهنا في ديننا وأن يعيذنا وإياكم من شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن والله ربنا أعلى .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أنه لا خلاف بين أهل العلم أنه إذا غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً أنه قد حل وقت الإفاضة من عرفات, وهكذا فعله النبي  فينبغي مراعاة ذلك, فإنه  قد فعل ذلك وقال (( لتأخذوا عني مناسككم )) والله أعلم.
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن التحقيق أن عرنة ليست من عرفات , فمن وقف بعرنة لم يجزئه ذلك, وما يروى عن مالك رحمه الله تعالى لا أظنه يصح عنه, ودليل ذلك قوله  (( وكل عرفة موقف وارفعوا عن بطن عرنة )) والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم أنه  لما أفاض من مزدلفة كان يحث الناس على السكينة, وقد نزل  في الطريق فبال وتوضأ وضوءاً خفيفاً وأخبرهم أن الصلاة أمامهم, ثم أتى المزدلفة فأسبغ الوضوء وصلى المغرب والعشاء بأذانٍ واحد وإقامتين, جمع تأخير بقصر العشاء ثم اضطجع حتى طلع الفجر, وصلى الفجر في أول وقتها ثم مكث يدعو ربه في المشعر الحرام حتى أسفر جداً ثم ذهب لرمي جمرة العقبة وكان يقول في ذلك (( لتأخذوا عني مناسككم )) والله أعلم .
مسألة :- اعلم أن أهل العلم رحمهم الله تعالى قد اختلفوا في المبيت بمزدلفة على ثلاثة أقوال:- فمنهم من قال بأنه ركن, ومنهم من قال بأنه واجب, ومنهم من قال بأنه سنة والقول بالوجوب هو قول أكثر أهل العلم, مالك وأحمد وأبي حنيفة والشافعي في المشهور عنه وعطاء والزهري وقتادة والثوري وإسحاق وأبو ثور, قاله ابن قدامة, وقال النووي رحمه الله تعالى:- وبهذا قال جماهير العلماء من السلف, وهو ما أفتت به اللجنة الدائمة, وهو الأقرب إن شاء الله تعالى فامبيت بمزدلفة واجب لا ركن, أي أنه إذا فات فإنه لا يفوت بفواته الحج وإنما يجبر بدم, والدليل على إنه واجب أنه  بات بها وقال (( لتأخذوا عني مناسككم )) وقد تقرر في الأصول أن الفعل يفيد الوجوب إذا كان مقترناً بأمرٍ لساني مفيد للوجوب, ويدل على ذلك أيضاً:- الأحاديث المفيدة للإذن للضعفة بالخروج من مزدلفة إلى منى كما ستأتي إن شاء الله تعالى فإن هذا الإذن دليل على أن المبيت من الواجبات, إذ لو لم يكن من الواجبات لما احتاجوا معه إلى الإذن فهذه الأدلة تفيد أنه من الواجبات, وأما قولنا ( وليس بركن ) فدليل ذلك حديث عبدالرحمن بن يعمر قال:- شهدت النبي  وهو واقف بعرفات وأتاه ناس من أهل نجد فقالوا يارسول الله كيف الحج؟ فقال (( الحج عرفة, من جاء عرفة قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه )) ووجه الاستدلال بالحديث هو أن النبي  حكم بأن من وقف بعرفة قبل طلوع فجر يوم النحر أنه مدرك للحج, فيدخل في ذلك من أدرك الوقوف بها في آخر جزء من ليلتها أي قبل طلوع الفجر بدقائق وهذا الرجل بالطبع لن يدرك المبيت بمزدلفة لأنه لا وقت معه لإدراكه لأنه آخر جزء من الليل كان بعرفة ومع ذلك فقد قال عليه الصلاة والسلام (( فقد تم حجه )) لأنه أدرك عرفة في جزءٍ من أجزاء إمكانية الوقوف بها, وهذا يفيدك أن المبيت بمزدلفة ليس ركناً لأنه لو كان ركناً لما كان حجه تاماً, بل لما كان له حج أصلاً, وهذا النوع من الاستدلال يسميه أهل الأصول الاستدلال بالإشارة والله أعلم. فإن قلت:- ألم يقل الله تعالى  فإذا أفضتم من عرفاتٍ فاذكروا الله عند المشعر الحرام  ؟ فأقول:- بلى ولكن هل هذه الآية الكريمة تعرضت للمبيت بمزدلفة؟ الجواب:- لا, لأنها إنما بالذكر فقط عند المشعر الحرام, وقد أجمعوا كلهم على أن من وقف بمزدلفة ولم يذكر الله تعالى أن حجه تام, مما يفيد أن الذكر هنا من المستحبات لا من الواجبات, وعلى كل حال فالآية إنما أمرت بالذكر في المشعر الحرام, ولما بين النبي  ذلك إنما بينه بعد الفجر لما جاء عند المشعر الحرام وهلل الله ودعاه ووحده وكبره, فالآية لا تعلق لها بالمبيت فلا تفيد وجوب المبيت فضلاً عن الاستدلال بها على ركنية المبيت بمزدلفة. فإن قلت:- ألم يقل النبي  في حديث عروة بن مضرس  (( من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى نفثه )) فهنا قد علق النبي  تمام الحج عن شهود الصلاة والدفع معه فهذا يفيد أنه ركن أليس كذلك؟ فأقول:- بلى هو كذلك لو لم ترد قرائن تصرفه عن هذا إلى غيره, لكن قد ورد عندنا قرائن تصرفه عن هذا الفهم إلى الوجوب فقط وهي كما يأتي:-
الأول :- أنه قد تقرر في الأصول أن الجمع بين الأدلة واجب ما أمكن, ولا يتم الجمع بين حديث عبدالرحمن بن يعمر السابق وحديث عروة بن مضرس هذا إلا إذا قيل بعدم ركنية المبيت بمزدلفة لأنه  قضى قضاءً جازماً بأن من أدرك عرفة قبل الفجر فقد أدرك الحج, وكلاهما حديثان صحيحان, ولا يتم الجمع بينهما إلا إذا قيل بوجوب المبيت فقط لا أنه ركن, فجمعاً بين الأدلة قلنا إنه واجب, ويوضحه الوجه الثاني .
الثاني:- أنه قال في الحديث (( من شهد صلاتنا هذه )) أي صلاة الفجر وأنت خبير بأن أهل العلم رحمهم الله تعالى قد أجمعوا كلهم أنه لو بات بمزدلفة ووقف قبل ذلك بعرفة ونام عن صلاة الصبح فلم يشهدها مع الإمام حتى فاتته أن حجه تام, مما يدل على أن الحديث لا يفيد ركنية شهود صلاة الفجر في مزدلفة, وبناءً عليه فالصحيح إن شاء الله تعالى أن المبيت بمزدلفة واجب لا ركن والله أعلم, فإن قلت:- فماذا تقول في رواية النسائي لحديث عروة بن مضرس فإن النسائي قال في سننه:- أخبرنا محمد ابن قدامة, قال حدثني جرير عن مطرف عن الشعبي عن عروة بن مضرس  قال قال رسول الله  (( من أدرك جمعاً مع الإمام والناس حتى يفيض منها فقد أدرك ومن لم يدرك مع الناس والإمام فلم يدرك )) فإنه قاضٍ بركنية الوقوف بمزدلفة؟ نعم هو كذلك لو كانت هذه الزيادة ثابتة, لكنها ضعيفة, قال ابن حجر في الفتح:- وقد صنف أبو جعفر العقيلي في إنكار هذه الزيادة ا.هـ. وحيث كانت هذه الزيادة ضعيفة فلا نثبت بها حكماً, لأن المتقرر في القواعد أن الأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة الصريحة. فإن قلت:- فقد روى أبو يعلى هذا الحديث بلفظ (( ومن لم يدرك جمعاً فلا حج له )) فإنها صريحة في أنه ركن, قلت:- نعم لو كانت هذه الرواية صحيحة, لكنها ضعيفة أيضاً لا يثبت أهل الحديث مثلها, فقد ضعفها النووي وابن حجر وغيرهما من المحققين وحيث كانت ضعيفة فلا نثبت بها حكماً شرعياً لأن الأحكام الشرعية وقف على الأدلة الصحيحة الصريحة, وبه تعلم إن شاء الله تعالى أن القول الصحيح والرأي الراجح المليح هو أن المبيت بمزدلفة من واجبات الحج وإذا فات فإنه يجبره بدم والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن مزدلفة كلها محل صالح للوقوف, فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال قال رسول الله  (( نحرت هاهنا ومنىً كلها منحر فانحروا في رحالكم ووقفت هاهنا وعرفة كلها موقف, ووقفت هاهنا وجمع كلها موقف )) وقد أجمع أهل العلم رحمهم الله تعالى على ذلك, وقد قامت الدولة السعودية مشكورة بتحديد هذا المشعر وغيره تحديداً دقيقاً مبنياً على لجانٍ شرعية موثوقة في علميتها ودرايتها التاريخية فإذا وقف الحاج في أي جزءٍ من أجزاء مزدلفة فقد قام بالواجب عليه والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحكم الله تعالى أن المستحب للحاج أن يبدأ بالصلاة إذا وصل للمزدلفة قبل حط رحله هكذا فعل النبي , ولكن هل يوتر أم لا؟ أقول:- هذا فيه خلاف يسير, لأن الوتر سنة فإن أوتر فقد جاء بالسنة وإن لم يوتر فلا شيء عليه ولكن هل يترك وتر هذه الليلة على وجه الخصوص أم السنة له فعلها كسائر الليالي؟ هذا قد حصل فيه خلاف, والأفرب إن شاء الله تعالى أنه يصلي الوتر كسائر الليالي والذي جعلنا نرجح ذلك عدة أمور :-
الأول :- أن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما إنما ذكر مايتعلق بالحج ومناسكه, وأنت تعلم أن الوتر وقيام الليل ليس من النسك ولا علاقة له بالحج, فلو أن جابراً ذكر تفاصيل ما فعله النبي  من حركاته وسكناته وتعبده  وما يفعله في سائر يومه لصار الحديث أضعاف أضعاف ما هو عليه, ولكن كان هَمُّ جابر  إنما هو ذكر مايتعلق بالمناسك وقد تقرر في القواعد أن عدم الذكر ليس دليلاً على عدم الوقوع .
الثاني :- أن المعلوم من حاله  شدة محافظته على الوتر وقيام الليل, ولا نعرف في حديث أنه أخلَّ بهما لا حضراً ولا سفراً, ومن المعلوم من حاله  أنه كان يتطوع على راحلته حيث توجهت به, ولم يأت في ليلة المزدلفة ما ينقض هذا الأصل المعلوم من حاله  إلا قول جابر (( ثم اضطجع )) ولم يذكر أنه صلى الوتر أو قام الليل, وهذا كما ذكرت لك لا يفيد أنه لم يوتر لأن جابراً لم يذكر إلا مايتعلق بالمناسك, فحيث كان الأمر كذلك فالمتقرر في القواعد أن الأصل هو البقاء على الأصل حتى يرد الناقل أي أن الأصل من حالته شدة محافظته على الوتر, ولم يأتنا ناقل في الليلة بخصوصها عن هذا الأصل فحيث لا ناقل فالأصل هو البقاء على الأصل .
الثالث :- أننا قلنا:- إن السنة هي صلاة ركعتي الفجر قبل صلاة الفجر بالمزدلفة وغير المزدلفة, فسنة الفجر لا تسقط لا حضراً ولا سفراً, مع أن هاتين الركعتين لم يذكرهما جابر  في حديثه هذا ونحن نقول بأن السنة صلاتهما قبل صلاة الفجر, مما يدل على استصحاب الأصل فيهما وأن عدم ذكر جابر لهما لا يدل على عدمهما في نفس الأمر فكما أننا استصحبنا الأصل في سنة الفجر فكذلك فلنستصحب الأصل في سنة الوتر وقيام الليل, وكما أننا لم نجعل عدم ذكرهما في حديث جابر دليلاً على عدمهما فكذلك فلنقل إن عدم ذكر الوتر في حديث جابر ليس دليلاً على عدمه .
الرابع :- أن أشد الناس تأسياً به  هو صحابته الكرام وقد ثبت أن بعضهم كان يحي ليلة المزدلفة بالصلاة, كما في حديث أسماء في الصحيحين وسيأتي بطوله بعد قليل إن شاء الله تعالى, فالصحيح في هذه المسألة إن شاء الله تعالى هو أن الوتر وقيام الليل ليلة المزدلفة يقال فيه ما يقال في سائر الليالي, والله ربنا أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أنه يباح للضعفة من الحجاج ذكوراً وإناثاً النفر من مزدلفة بعد منتصف الليل أو بعد مغيب القمر, وهذا من رخص الشريعة لهذه الطائفة فيدخل فيها كبار السن والصغار والمرضى والنساء الحوامل بل الذي نراه في هذه الأزمنة أن المرأة يجوز لها ذلك مطلقاً أي سواءً كانت مريضة أو صحيحة لشدة الزحام في هذه الأزمنة, فإنه يحصل عند الجمرة يوم النحر زحام شديد يجعل فحول الرجال يتهيبون من التقحم فيه وهم أصحاء أقوياء فكيف بالمرأة التي هي ضعيفة في أصلها وذاتها, فلا بد من رحمتهن بالترخيص لهن بالرمي ليلاً, وأما الذكور الأقوياء فالواجب لهم البقاء إلى الإسفار ثم الدفع لرمي الجمرة بعد طلوع الشمس, وقد ثبتت الأدلة بذلك, وهذا الفرع يدخل تحت قاعدة:- رفع الحرج, وتحت قاعدة:- المشقة تجلب التيسير, وتحت قاعدة:- إذا ضاق الأمر اتسع, وتحت قاعدة:- كل فعل في تطبيقه عسر فإنه يصحب باليسر فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (( استأذنت سودة رسول الله  ليلة المزدلفة تدفع قبله وقبل حطمة الناس وكانت ثبطة فأذن لها فخرجت قبل دفعه وحبسنا حتى أصبحنا فدفعنا بدفعه ولأن أكون استأذنت رسول الله  كما استأذنته سودة فأكون أدفع بإذنه أحب إلي من مفروح به ))"متفق عليه" وعنها رضي الله عنها قالت (( كانت سودة امرأة ضخمة ثبطة فاستأذنت رسول الله  أن تفيض من جمع بليل فأذن لها )) وعن عبدالله مولى أسماء قال (( قالت لي أسماء وهي عند دار المزدلفة:- هل غاب القمر؟ قلت:- لا, فصلت ساعة, ثم قالت:- يا بني هل غاب القمر؟ قلت:- نعم, قالت:- ارتحل بي فارتحلنا حتى رمت الجمرة ثم صلت في منزلها فقلت لها:- أي هنتاه لقد غلسنا قالت:- كلا أي بني, إن النبي  أذن للظعن ))"متفق عليه" ولمسلم عن أم حبيبة رضي الله عنها (( أن رسول الله  بعث بها من جمع بليل )) وفي لفظ (( كنا نفعله على عهد رسول الله  نغلس من جمعٍ إلى منى )) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال (( بعثني رسول الله  في الثقل أو في الضعفة من جمعٍ بليل ))"متفق عليه" وفي لفظ (( أنا ممن قدم رسول الله  في ضعفة أهله )) والأدلة على ذلك كثيرة, قال ابن قدامة:- ولا نعلم فيه مخالفاً ا.هـ. وأما الذكور الأقوياء فلا يحل لهم أن يرموا الجمرة إلا بعد طلوع الشمس, ويدل على ذلك بأن الأصل هو وجوب المبيت وإنما الرخصة وردت في حق الضعفاء فيخرجون هم فقط ويبقى من عداهم على أصل وجوب البقاء, ولأن هذه رخصة للضعفاء حتى لا يشاركهم فيها غيرهم فيتمكنون من الرمي بيسر وسهولة وبلا مزاحمة, فلو أجزناه أيضاً للأقوياء لذهبت الحكمة من الترخيص, فلا تتم الحكمة من هذا الترخيص إلا بحبس الأقوياء في مزدلفة ليتمكن الضعفة من الرمي قبل الفجر, فإن الناس في هذه المشاعر يصيبهم الضيق ويبحثوا عن الجائز ويغضون الطرف عن السنة, فإذا علم الأقوياء أنه يجوز لهم النفر في الليل ولكن السنة لهم أن يبقوا, لتخلف كثير من الحجاج الأقوياء عن السنة لما يشعرون به من التضايق ولرغبتهم الأكيدة في التحلل من ثياب الإحرام, وهذا أمر معروف مجرب, فالأصح هو وجوب بقاء الأقوياء وعدم جواز الرمي لهم ليلاً وإنما جواز الرمي ليلاً من خصائص الضعفاء فقط, ولأنه  رماها ضحىً وقال (( لتأخذوا عني مناسككم )) وأنت تعلم أن الفعل إذا اقترن به قول مفيد للوجوب فإنه – أي الفعل للوجوب – كما قدمناه سابقاً. ويستدل عليه أيضاً بحديث ابن عباس رضي الله عنهما (( أن النبي  بعث بضعفة أهله فأمرهم أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس ))"رواه أصحاب السنن" وفي رواية أن ابن عباس قال:- قَدَّمَنَا رسول الله  ليلة المزدلفة أغيلمة بني عبدالمطلب على جمرات فجعل يُلَطِّخ أفخاذنا ويقول (( أي بني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس )) وهذا الحديث صحيح, قال الترمذي:- حديث ابن عباس حديث صحيح, والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم ا.هـ. وقال النووي:- أما حديث ابن عباس فصحيح رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم بأسانيد صحيحة, وقال ابن القيم في زاد المعاد:- حديث حسن صححه الترمذي وغيره وقال الشنقيطي:- وهذا الحديث صحيح, وقوله  (( أي بني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس )) وهذا نهي وقد تقرر في الأصول أن النهي المطلق عن القرينة يفيد التحريم, وقوله في الحديث الآخر (( فأمرهم أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس )) هذا يفيد أنه أمرهم بذلك وقد تقرر في الأصول أن الأمر المطلق عن القرينة يفيد الوجوب, وهذا الأمر والنهي وإن كان متوجهاً لابن عباس والأغيلمة معه إلا أنه قد تقرر في القواعد أن كل حكم ثبت في حق واحدٍ من الأمة فإنه يثبت في حق الأمة تبعاً إلا بدليل الاختصاص, وحيث لا دليل على التخصيص فيدخل غيرهم معهم ولأن القاعدة تقول:- الأصل في الأحكام الشرعية التعميم, والله أعلى وأعلم .
محب الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-30-2011, 08:30 AM   #9
إداري
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 1,222
افتراضي رد: تبصير الناسك بأحكام المناسك ( تشمل عامة أحكام الحج مختصرة محررة ) للشيخ وليد السعيدان

مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن أول شيء يصنعه إذا قدم منى أن يؤم جمرة العقبة وهي آخر الجمرات أقصاهن من منى وأدناهن من مكة, وهي الجمرة الآخرة وقد تسمى الجمرة القصوى باعتبار من يؤمها من منى, وسمية جمرة العقبة لأنها في عقبة مأزم منى وخلفها من ناحية الشام وادٍ فيه بايع الأنصار رسول الله  بيعة العقبة, وقد ذكر الأصحاب أن رميها هذه الجمرة هو تحية منى, كما أن تحية البيت الطواف, ورمي جمرة العقبة من واجبات الحج بلا ريب, وذلك لأن النبي  رماها وقال (( لتأخذوا عني مناسككم )) والفعل إذا اقترن به أمر لساني فإنه يفيد الوجوب, أعني إذا كان الأمر القولي يفيد الوجوب, وقال الوزير وغيره أجمعوا – أي الأئمة الأربعة – على وجوب رمي جمرة العقبة يوم النحر خاصة بسبع حصيات ا.هـ. ويكون رميها بحصياتٍ مثل حصى الحذف, ويرميها واحدة بعد واحدة, فلو رماها دفعة واحدة لم يجزئه إلا عن واحدة فقط, قال في الإنصاف:- لا أعلم فيه خلافاً, وكذلك لو وضع السبع بيده في الحوض وضعاً, أي من غير رمي ولا طرح, قولاً واحداً لأنه خلاف الوارد ولا يسمى رمياً, ولا هو في معنى الرمي, والمقصود من الرمي إقامة ذكر الله تعالى, واتباع سنة النبي  وإحياء لسنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما في الحديث (( إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة والرمي لإقامة ذكر الله تعالى )) ويرميها مستقبلاً لها بجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه, هذا هو الذي صح عن رسول الله , وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود  أنه انتهى إلى جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ورمى بسبع, وقال:- هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة ولا تكون مكة عن يساره ومنى عن يمينه إلا وهو مستقبلاً للجمرة, والمقصود هو وقوع حصاة في المرمى, ولا يلزم أن تضرب الشاخص, بل المطلوب وقوعها في المرمى فقط وتكفي غلبة الظن في الوقوع, لأن القاعدة تقول:- غلبة الظن كافية في العمل, وهذه الغلبة مرجعها أمران:- الأول:- أن تكون رميته مواجهة للمرمى, الثاني:- أن تكون الرمية قوةً وتخفيفاً مناسبة لبعد المرمى وقربه فإذا تحقق هذان الأمران كفاه ذلك ولا يلزمه أن يتحقق التحقق اليقين من وقوع حصاته في المرمى فإن هذا من تكليف مالا يطاق وقد قال تعالى  لا يكلف الله نفساً إلا وسعها  وقد قدمنا أن هذه الجمرة لا ترمى إلا بعد طلوع الشمس بالنسبة للذكور الأقوياء والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أنه لا بأس بلقط الحصيات من المزدلفة, أي التي سترمى يوم النحر, وبعض أهل العلم يقول:- إن لقطها من المزدلفة مستحب واستدلوا لذلك بأمرين:- الأول:- حديث الفضل بن العباس رضي الله عنهما أن النبي  قال له غداه يوم النحر (( القط لي حصى )) فلقط له حصيات مثل حصى الحذف, وسنده صحيح, الثاني:- أنه إذا أتى إلى منى فالسنة له أن لا يشتغل بشيء قبل الرمي فاستحب له أن يأخذ الحصى من المزدلفة لئلا يشتغل عن الرمي بلقطه إذا أتى منى, ولكن أقول:- لا شك أنه إن أخذ الحصى من غير المزدلفة أنه يجزئه لأن اسم الحصى يقع عليه والله أعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن الأصل في العبادات الحظر والتوقيف, وأن الأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة الصريحة وبناءً عليه, فإن غسل الحصى ليس من السنة, بل إذا اعتقد أنه من القرب, فإنه قد أتى باب بدعة, لأنه  أمر بلقط الحصى ولم يثبت عنه  أنه أمر بغسلها أو غسلها هو, فلو كان غسل الحصى من الخير لدلنا عليه النبي  فإنه المشرع لنا بقوله وفعله وإقراره, وقد قال عليه الصلاة والسلام (( من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد )) ولمسلم (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) وقد تقرر في القواعد أن كل فعلٍ توفر سببه على عهد النبي  ولم يفعله فالمشروع تركه, وقد لقط الحصى في حجته وكان غسلها من الأمور المتيسرة بلا كلفة فلو كان غسلها مشروعاً لفعله فلما لم يفعله دل على أنه ليس بمشروع. فكما أن فعله  يأخذ منه تشريع, فكذلك تركه  يأخذ منه تشريع. والله أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن الأفضل في رمي جمرة العقبة أن يكون راكباً, وهذا مع تيسر الأمر, ولا أظنه في هذا الزمان متيسراً ولكن المقصود معرفة الأفضل, فإن تيسر لك أن ترمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً فإنه الأفضل, وذلك لأنه  رمى جمرة العقبة راكباً, فقد روى مسلم في صحيحه بسنده من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال:- رأيت رسول الله  يرمي على راحلته يوم النحر, ويقول (( خذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه )) وروى مسلم أيضاً في صحيحه بسنده من حديث يحيى بن حصين عن جدته أم الحصين قالت (( حججت مع رسول الله  حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة فانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة, أحدهما يقود راحلته والآخر رافع ثوبه على رسول الله  من الشمس,...الحديث )) وقال أبو داود في سننه:- حدثنا إبراهيم بن مهدي, حدثني علي بن مسهر عن يزيد بن أبي زياد, أخبرنا سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه قالت (( رأيت رسول الله  يرمي الجمرة من بطن الوادي وهو راكب يكبر مع كل حصاة...الحديث )) وفي لفظ له (( رأيت رسول الله  عند جمرة العقبة راكباً ورأيت بين أصابعه حجراً فرمى ورمى الناس ))"حديث صحيح" وهذا في رمي جمرة العقبة فقط وأما ما تبقى من الرمي في أيام التشريق فالأفضل فيها أن يكون ماشياً, هكذا نقل عنه , قال أبو داود في سنه:- حدثنا القعنبي قال حدثنا عبدالله – يعني ابن عمر – عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما (( أنه كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر ماشياً ذاهباً راجعاً ويخبر أن النبي  كان يفعل ذلك ))"حديث صحيح" ولكن كما ذكرت لك أن هذا فيما إذا تيسر له ذلك وإلا فليرم الإنسان حسب ما تيسر له, والله أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن المتقرر في القواعد أن الأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة الصريحة, وقد شرحناها في موضعٍ آخر, وبناءً عليه فالراجح المحفوف بالدليل والقاعدة أنه يجوز الرمي بحصاةٍ قد رمي بها, وذلك لأن الأصل في الأشياء الحل والإباحة إلا بدليل, ولا أعلم دليلاً صالحاً لإثبات الكراهة المدعاة من بعض أهل العلم رحمهم الله تعالى, فالحق الحقيق بالقبول هو جواز ذلك ولا حرج فيه وإن احتاط الإنسان فتورع عن ذلك فهو الأفضل عندنا ولا شك خروجاً من الخلاف ولكن لو أنه فعل ذلك فلا حرج عليه البتة ورميه صحيح لا غبار عليه, وذلك لأنه لم يثبت دليل صحيح صريح في كراهة الرمي بحصاة قد رمي بها, وأما قولهم:- إنها حصاة قد فعل بها عبادة, فليس بشيء إذ لا دليل يدل على كراهة إعادة العبادة بها مرة أخرى وليس الاستحسان طريقاً تعرف به الأحكام الشريعة, أما قولهم:- قياساً على الوضوء بماءٍ قد استعمل في طهارة, فليس بشيء أيضاً لأن القول الصحيح والرأي الراجح المليح جواز التطهر بماء قد تطهر به, ولا حرج في ذلك وقد شرحنا المسألة في موضع آخر والكراهة لا يجوز ادعاؤها إلا بدليل ولا أعلم إلى ساعتي هذه دليلاً صحيحاً صريحاً على هذه الكراهة لا من القرآن ولا من السنة ولا من هدي السلف ولا من الإجماع ولا من القياس الصحيح, فحيث لا دليل فالأصل عدم الكراهة لأن الأصل العدم, والأصل أن الأحكام الشرعية لا تثبت إلا بدليل الصحيح الصريح, والأصل هو البقاء على الأصل حتى يرد الناقل, فإن قلت:- ولماذا ادعيت الأفضلية في الرمي بحصاةٍ لم يرم بها مع عدم وجود الدليل على الكراهة؟ فأقول:- لأنك لو رميت بحصاةٍ لم يرم بها لما أنكر عليك أحد من أهل العلم, بل اتفق أهل العلم جميعاً على أنك قد فعلت ما أمرت به شرعاً وأما لو خالفت ورميت بحصاةٍ قد رمي بها لأنكر عليك من يمنع ذلك, وقد تقرر في القواعد أن فعل مااتفق عليه العلماء أولى من فعل ما انفرد به أحدهما ما أمكن, وهذا واضح, فالحق في هذه المسألة عدم الكراهة ولكن الأحسن أن لا ترمي إلا بحصاةٍ لم يرم بها والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن الشريعة مبنية على أصلين عظيمين هما قطب رحا الشريعة, الأول:- ألا نعبد إلا الله تعالى, الثاني:- أن لا نعبده إلا بما شرعه لنا نبيه  وبناءً عليه فليس من السنة الوقوف للدعاء بعد رمي جمرة العقبة لا في يوم النحر ولا في أيام التشريق بل السنة بعد رميها الانصراف, وذلك لأنه  رماها وانصرف, ونحن نفعل كما فعل من غير زيادة ولا نقصان, لأن العبادات مبناها على الاتباع والاقتفاء لا على الابتداع والابتداء, فنحن نتبع ولا نبتدع, ولا نزال بخير ماكنا على ذلك, فلا ينبغي لأحد أن يعتقد استحباب الدعاء في هذا الموطن بخصوصه, لأن الاستحباب حكم شرعي والأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة الصريحة, وقد تقرر في القواعد أن الأصل في العبادات الحظر والتوقيف, وأما من قاس الدعاء هنا على الدعاء بعد رمي الجمرة الأولى والثانية في أيام التشريق, فيقال له:- إن قياسك هذا باطل لأنه في مصادمة النص, وقد تقرر في القواعد أن القياس إذا صادم النص فإنه باطل, وتقرر في القواعد أيضاً أنه لا اجتهاد مع النص, فإن قال:- إنما فعلت دعاء والدعاء مطلوب في كل وقت, فيقال له:- نعم ولكن أنت تعتقد فضيلة الوقوف للدعاء في هذا الموطن بخصوصه, فهو شيء زائد على مجرد استحباب الدعاء وقد تقرر في القواعد أن شرعية الأصل لا تستلزم شرعية الوصف, فالدعاء الذي فعلته مشروع باعتبار أصله ولكنه ممنوع باعتبار وصفه وأنت خبير بأن العبادة لا تكون عبادة إلا إذا وافقت المشروع أصلاً ووصفاً, ولا يكتفى فقط باتفاق الأصل مع مخالفة الوصف, وبالجملة فلو كان الدعاء عند جمرة العقبة من الخير لدلنا عليه النبي  فإنه ماترك لنا وجهاً من وجوه الخير إلا دلنا عليه ولا شراً إلا حذرنا منه, فالحق الحقيق بالقبول أن الدعاء بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر وفي أيام التشريق ليس من السنة في شيء بل إذا أصر العبد عليه مع علمه بالحكم الشرعي معتقداً فضيلته في هذا الموطن بخصوصه فقد أتى ببدعة وأحدث في الدين ما ليس منه وقد تقرر في القواعد أن كل إحداثٍ في الدين فهو رد, والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- قاعدة:- ( من شك في نسكٍ يطلب فيه العدد فإنه يبني على غالب ظنه وإلا فعلى الأقل ) وقد شرحنا هذه القاعدة في ضوابط كتاب الحج من كتابنا إتحاف النبهاء في شرح ضوابط الفقهاء, وبيانها أن يقال:- إن من أنساك الحج ما يطلب فيه العدد كالطواف والسعي والرمي, ومع الغفلة والسهو ومعاركة الزحام قد يداخل الإنسان شك في شيء من عدد ذلك, فإذا ورد عليك شك في العدد فتعامل معه بحالتين:- الأولى:- أن تبني أولاً على غالب ظنك, فإن كان عندك غلبة ظن فاعمل بها تقبل الله منا ومنك, وغلبة الظن تكون بعد النظر في القرائن, فإذا توصلت بعد النظر في القرائن إلى غلبة الظن فاعمل بها, ولا يجب عليك إلا ذلك وذلك لأنه قد تقرر في القواعد أن غلبة الظن كافية في العمل, وتقرر أيضاً أن غلبة الظن منزلة منزلة اليقين, الثانية:- إذا لم يغلب على ظنك شيء ولا تزال في دائرة الشك ولم يترجح عندك أحد الطرفين, ففي هذه الحالة يجب عليك أن تطرح الزائد وتعمل بالأقل, وذلك لأن الأقل متيقن لأنه لم يحصل الشك فيه وإنما الشك حصل في الزيادة وقد تقرر في القواعد أن اليقين لا يزول بالشك, ولأنك شاك في الشيء الزائد هل فعلته أم لم تفعله؟ وقد تقرر في القواعد أن من شك هل فعل أو لم يفعل فالأصل أنه لم يفعل, فهذا هو طريقة التعامل الصحيحة فيما إذا طرأ عليك شك في نسكٍ يطلب فيه العدد, ولكن أنبهك لأمرٍ مهم في الحالة الثانية:- وهو أن هذا الشك الذي أدى بنا إلى البناء على الأقل إنما هو الشك الصادر في أثناء العبادة ومن رجل معتدل الشك, وبناءً عليه فلو أن الشك لم يطرأ عليك إلا بعد الفراغ من هذا النسك, فإنه لا اعتداد به ولا تلتفت إليه مطلقاً والهُ عنه واشغل نفسك وتفكيرك بغيره, ولا تصرف له أي نوعٍ من أنواع الهمة لأن الأصل أن المسلم قد فعل العبادة على وجه المأمور به شرعاً, ولأن الشيطان حريص على أن يدخل على النفس ما ينكدها ويكدر صفو تعبدها, فلا تفتح له الأبواب وكذلك إذا كان الرجل مصاباً بكثرة الشكوك والوساوس فإن هذا الرجل لو أعملنا شكه واعتبرناه لأهلكناه وقتلناه وزدنا في علته ووجعه, بل علاجه أن لا يلتفت إلى شكه مطلقاً لا أثناء العبادة ولا بعدها,ولذلك قرر أهل العلم هذه القاعدة التي تقول:- ( لا يعتبر الشك بعد الفعل ومن كثير الشك ) وفيها قال الناظم:-

وبناءً عليه فإذا طفت وشككت هل أنت في الشوط الرابع أو الخامس؟ فاعمل بما يغلب على ظنك أولاً, فإن لم تكن عندك غلبة ظن فاعمل بالأقل, فأنت الآن في الشوط الرابع, وإذا سعيت وشككت هل سعيت خمساً أم ستاً؟ فاعمل بغالب ظنك أولاً وإلا فابني على الأقل دائماً, وإذا رميت وشككت هل رميت خمساً أم ستاً فاعمل بما يغلب على ظنك أولاً, وإلا فاعمل بالأقل دائماً, وهكذا والله أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن الشريعة مبناها على التيسير لا على التعسير وعلى التخفيف لا الإثقال, ولذلك فقد تقرر في القواعد أنه لا واجب مع العجز ولا محرم مع الضرورة وتقرر أيضاً أنه إذا ضاق الأمر اتسع, وتقرر أيضاً أن المأمور مناط بالاستطاعة قال تعالى  فاتقوا الله ما استطعتم  وقال تعالى  لا يكلف الله نفساً إلا وسعها  وقال عليه الصلاة والسلام (( إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم )) وتقرر أيضاً أن التكاليف مشروطة بالقدرة على العلم والعمل, وبناءً عليه فالأصل في الرمي أن يرمي كل حاجٍ عن نفسه, ولا يجوز لأحد أن يوكل أحداً في الرمي عنه هذا هو الأصل, لكن قد يعرض للعبد حالة لا يستطيع معها أن يرمي عن نفسه كمرضٍ ونحوه, فإذا كان هذا العذر مانعاً له من الرمي عن نفسه فليوكل غيره بالرمي, وهذا من تخفيف الله على عباده ولله الحمد والمنة, وقد تقرر في القواعد أن المشقة تجلب التيسير, وتقرر أيضاً أنه إذا تعذر الأصل فإنه يصار إلى البدل, ويقاس على المرض ما كان في معناه من الأعذار المانعة من الرمي, كالكبر والحمل والصغر ونحو هذه الأعذار, وهو مذهب كثير من أهل العلم رحمهم الله تعالى, والأصل فيه مارواه ابن ماجه في سننه قال:- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبدالله بن نمير عن أشعث عن أبي الزبير عن جابر  قال (( حججنا مع رسول الله  ومعنا النساء والصبيان, فلبينا عن الصبيان ورمينا عنه )) ورجال هذا الإسناد ثقات معروفون إلا أشعث وهو ابن سوار الكندي النجار الكوفي مولى ثقيف فقد ضعفه غير واحد, ومسلم إنما أخرج له في المتابعات, وهو ممن يعتبر بحديثه كما يدل على ذلك إخراج مسلم له في المتابعات وروى الدورقي عن يحيى:- أشعث بن سوار الكوفي ثقة, وقال ابن عدي:- لم أجد لأشعث متناً منكراً وإنما يغلط في الأحايين في الأسانيد ويخالف. والحديث قد ضعفه الإمام الألباني رحمه الله تعالى, وقال ابن حجر عن أشعث هذا في التقريب ( ضعيف ) فإذا ثبت ذعف الحديث فلا نستدل به وإنما الدليل يكون بالأدلة والقواعد الدالة على التخفيف والتيسير وقد قدمنا لك طرفاً منها في أول المسألة, وقد سئل سماحة الوالد الشيخ عبدالعزيز بن باز رفع الله درجته في الفردوس الأعلى عن حكم الاستنابة في رمي الجمار للعاجز عن مباشرة الرمي لمرض أو نحوه؟ فقال:- ( نعم تجوز الاستنابة في رمي الجمار للعاجز عن مباشرة ذلك لمرضٍ أو كبر سن أو لصغر وكذا لم يخشى على غيره كالحامل وذات الطفل التي لا تجد من يحفظ طفلها حتى ترجع لما عليهما من الخطر والضرر في مزاحمة الناس وقت الرمي, وقد نص أهل العلم على هذه المسألة, واحتجوا عليها بما رواه أحمد وابن ماجه عن جابر  أنه قال:- أحرمنا عن الصبيان ورمينا عنهم, ومن الحجة على ذلك أيضاًَ قوله تعالى  فاتقوا الله ما استطعتم  وقوله عليه الصلاة والسلام (( لا ضرر ولا ضرار )) ا.هـ. كلامه رحمه الله تعالى. وقد ذكر بعض أهل العلم دليلاً حسناً في هذا فقال:- إن الاستنابة في أصل الحج جائزة للمريض الذي لا يستطيع الحج بنفسه فإذا جاز التوكيل في أصل الحج فلأن يجوز التوكيل في الرمي الذي هو بعض الحج من باب أولى, وبالجملة فالصحيح في هذه المسألة هو جواز التوكيل ويدخل تحت هذا الجواز عدة فروع :-
الأول :- المريض الذي مرضه يمنعه من الذهاب للرمي ومزاحمة الناس إذا لم يستطع الرمي من الليل إن كان المرمى لا زحام فيه .
الثاني :- المغمى عليه طيلة أيام التشريق فإنه يرمى عنه بعض الحجاج لأنه الآن عاجز عن الرمي وسيفوته الوقت لو لم يرم عنه أحد .
الثالث:- الكبير في السن الذي لا يستطيع الدخول في زحام الناس ويغلب على ظنه الهلكة لو رمى بنفسه .
الرابع :- الصغير الذي لا يستطيع الرمي بنفسه لصغر سنه وضعف قوته, لا سيما وأن الرمي بالليل الآن صار ذا زحامٍ شديد فقد لا يستطيع الصغير مزاحمة الناس حتى بعد منتصف ليلة المزدلفة, فيرمي عنه وليه أو بعض الحجاج بالوكالة, لأنه لا ضرر ولا ضرار.
الخامس :- من كسر في قدمه كسراً يعيقه عن الذهاب للرمي ومزاحمة الناس فإنه يوكل من يرمي عنه ولا يكلف الله إلا وسعها .
السادس :- من كان مرافقاً للمريض لا يستغنى عنها وليس ثمة أحد يعقبه في هذه المرافقة حتى يرمي ويرجع, فلا حرج عليه في هذه الحالة أن يوكل من يرمي عنه, هذا إذا طال زمن المرافقة وأما إذا كانت تستغرق أيام التشريق فلا حرج عليه أن يؤخر رمي يومٍ ليرميه في اليوم الذي بعده, فإن مراعاة النفس البشرية أولى من مراعاة حال البهائم والقياس الأولوي حجة, فإذا جاز ذلك للرعاة تأخير الرمي يوماً لمراعاة حال البهائم فكيف بمراعاة النفس الآدمية, وأما إذا طال زمن المرافقة واستغرق كل أيام التشريق فلا بأس عليه أن يوكل من يرمي عنه, ولكن كما ذكرت لك:- هذا التوكيل مشروط بثلاثة شروط:- الأول:- أن تكون مرافقة لا يستغنى عنها, الثاني:- أن لا يجد بدلاً عنه يعقبه مدة ذهابه للرمي ورجوعه, الثالث:- أن يطول زمنها, والله أعلم .
السابع :- المرأة الحامل الذي لاتستطيع الرمي, خوفاً على نفسها أو خوفاً على ولدها فيجوز لها التوكيل لاسيما في هذا الزحام الشديد فإن التدافع قد يؤدي إلى إسقاط جنينها كما هو معروف .
الثامن :- المرأة المرضع ذات الطفل إذا لم تجد من يمسك طفلها حتى ترمي وتعود فيجوز لها التوكيل. وعلى ذلك فقس وهذا كله داخل تحت أصل عظيم من أصول الشريعة وهو ( رفع الحرج ) والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أنه إذا زال عذر المستنيب ولا تزال أيام الرمي باقية أنه لا يلزمه إعادة الرمي, وذلك لأنه قام بما وجب عليه شرعاً, ومن قام بما وجب عليه شرعاً فإنه لا يلزمه الإعادة, ولاسيما أن الانتقال من الأصل إلى البدل هنا انتقال رخصة لا انتقال ضرورة, كمن قدر على الهدي بعد الشروع في الصيام فإنه لا يلزمه الهدي بل يكمل أيام صومه وكمن كفر بالصيام عن يمينه لعجزه عن الإطعام والكسوة ثم قدر عليهما في أثناء الصيام فإنه لا يلزمه الانتقال لهما بل يكمل أيام صومه, وأزيدك إيضاحاً فأقول:- إن الانتقال من الأصل إلى البدل لا يخلوا من حالتين:- إما أن يكون انتقال ضرورة وإما أن يكون انتقال رخصة, فإذا كان انتقال ضرورة فإنه يلزمه عند زوال العذر الانتقال إلى الأصل ولو في أثناء فعل البدل كمن قدر على التطهر بالماء وقد صلى بالتيمم وكمن قدرت على الاعتداد بالحيض وقد بدأت بالاعتداد بالأشهر, وأما إذا كان الانتقال انتقال رخصة وتوسع فلا يلزمه العودة إلى الأصل بعد الشروع في بدله كما مثلنا سابقاً, ولأنه قد تقرر في الشريعة أن الجواز ينافي الضمان, ونحن قد أجزنا له بالأدلة أن يوكل غيره, فحيث اجزنا له ذلك فإنه لاضمان عليه في إعادة الرمي بعد زوال العذر, ولأنه حال توكيله كان يغلب على ظنه أنه لا يقدر على الرمي وزوال العذر من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله, وغلبة الظن كافية في العمل, ولأن إعادة الرمي دليل على نقض رمي وكيله, وقد وقع رمي وكيله صحيحاً, وما وقع صحيحاً فلا يجوز نقضه إلا ببينة صحيحة صريحة لأن العبادة المنعقدة بالدليل لا تنقض إلا بالدليل ولأن رمي وكيله منزل منزلة رميه هو بنفسه وقد برأت ذمته برمي وكيله عنه, فأمرنا له بالإعادة إعمار لذمته مرة أخرى, والأصل براءة الذمة بالرمي الأول. فقد سقط وجوب الرمي عنه بالرمي الأول فأين الدليل الدال على إعمار ذمته بوجوب آخر, ولأن العبد لم يطالب إلا برمي واحد, وقد رمى بالوكالة فلو أوجبنا عليه رمياً آخر نكون بذلك قد أوجبنا عليه رميين والأصل أنه رمي واحد فأين الدليل الموجب لرمي آخر ولأن وجوب رمي آخر عليه حكم شرعي والأصل في الأحكام الشرعية التوقيف, ولا نعلم دليلاً يصلح أن يكون سنداً لهذا الوجوب الجديد فالأصل عدمه, وما كان الأصل عدمه فثبوته يفتقر لدليل صحيح صريح, وحيث لا دليل فالأصل هو صحة الرمي الأول والاكتفاء به والله أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن رمي جمرة العقبة له وقتان وقت ابتداء ووقت انتهاء فأما وقت الابتداء بالنسبة للضعفة ومن في حكمهم فإنه من منتصف ليلة يوم النحر أو من مغيب القمر تلك الليلة, وأما وقته بالنسبة للأقوياء فإنه من طلوع الشمس, وقد قدمنا الأدلة على ذلك, وأما انتهاؤه, فلا أعلم إلى ساعتي هذه دليلاً يفيد أنه ينتهي إلى وقت كذا وكذا, ولكن نجزم جزماً أنه يستمر إلى غروب الشمس يوم النحر, وذلك للإجماع. قال ابن عبدالبر رحمه الله تعالى:- أجمع أهل العلم على أن من رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها وإن لم يكن مستحباً لها, ذكره ابن قدامة عنه في المغني. فهذا الوقت مجزوم به للإجماع المذكور وقد تقرر في الأصول أن الإجماع حجة شرعية يجب قبولها والمصير إليها وتحرم مخالفتها, وأما تأخير الرمي إلى مابعد غروب الشمس فقد اشتد خلاف أهل العلم فيه, والراجح إن شاء الله تعالى هو استمرار وقت رمي جمرة العقبة إلى آخر الليل أي قبل طلوع الفجر من اليوم الحادي عشر, وبهذا أفتى أهل العلم في زماننا وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى والدليل على ذلك عدم الدليل المانع والأصل التوسعة على الناس فيما لم يرد فيه نص صحيح صريح, ولاسيما مع شدة الزحام, وقد تقرر في القواعد أن رفع الحرج أصل من أصول الشريعة وما خير  بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثماً ولا إثم في الرمي ليلاً, إذ لا دليل يمنعه والأصل عدم المنع, والمنع حكم شرعي والأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة, ولأنه  أجازة للرعاة أن يتخلفوا عن رمي يوم كامل ويرموه في اليوم الذي بعده من أجل مراعاة حال البهائم ورحمة بها وشفقة عليها, فلأن يجوز الرمي ليلاً مراعاة لحال الآدميين حتى لا يقتل بعضهم بعضاً من باب أولى, بل من باب أوجب وقد تقرر في الأصول أن القياس الأولوي حجة, ولم نعلم على مدى السنين التي حججناها أن أحداً مات في الرمي ليلاً, وإنما الآفة تكون بالرمي ضحىً فإنه تزدحم على الجمرة الأعداد الكثيرة والجموع الغفيرة, ويحصل من الزحام والتدافع والتقاتل والأذى ما الله به عليم, فكان المناسب شرعاً التوسعة على الناس في ذلك فيقال لهم :- لا بأس بتأخير الرمي إلى قبيل الفجر من يوم الحادي عشر, فإن الناس إذا علموا بذلك وفقهوه وتعودوا عليه سهل عليهم الأمر ولانت لهم هذه الشعيرة, وأما زحم الناس في وقت الضيق بلا دليل فإن هذا من التعدي والعدوان, فالراجح جواز الرمي ليلاً وأن وقت رمي جمرة العقبة يمتد إلى طلوع الفجر من يوم الحادي عشر فمن رماها في هذا الوقت فقد أصاب النسك ويستدل عليه أيضاً بحديث (( رميت بعد ما أمسيت )) فقال (( لا حرج )) وهو حديث صحيح, ولكن عليه مناقشات في صراحته جعلتنا نؤخره إلى آخر المسألة والله أعلم . والصحيح أيضاً أن من أخر رمي جمرة العقبة إلى الليل ورماها فإن رميه هذا أداء لا رمي قضاء على الصحيح من أقوال أهل العلم لأن القضاء فعل العبادة بعد خروج وقتها, والليل وقت للرمي , فالرمي في الليل رمي في الوقت لا رمي خارج الوقت فيكون أداءً لا قضاء والله ربنا أعلى وأعلم .
مسألة :- قاعدة ( أعمال يوم النحر مبناها على التوسعة ) وقد شرحناها في ضوابط الحج من إتحاف النبهاء, وبيانه أن يقال:- إن يوم النحر هو يوم الحج الأكبر على الصحيح من أقوال أهل العلم رحمهم الله تعالى, وذلك لأن غالب أعمال الحج فيه وهي كما يلي:- الرمي – أي رمي جمرة العقبة - , فذبح الهدي, فالحلق أو التقصير, فالطواف أي طواف الإفاضة ثم السعي لمن عليه السعي, فهذه هي المرادة بقولنا ( أعمال يوم النحر ) وأما قولنا ( مبناها على التوسعة ) أي أن العبد إذا قدم بعضها على بعض فلا بأس عليه, وهذا من رحمة الله تعالى بعباده, ومن إرادة التخفيف عليهم, لكن الأفضل للحاج أن يحرص كل الحرص على الترتيب الوارد عنه  لأنه أكمل وأتم وأحسن, لكن لو خالف وقدم بعضها على بعض فلا حرج عليه, لأن مبناها على التوسعة وعلى ذلك وردت الأدلة الصحيحة الصريحة, ففي الصحيحين من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص قال:- وقف رسول الله  في حجة الوداع بمنىً للناس يسألونه, فجاء رجل فقال يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أنحر فقال (( اذبح ولا حرج )) ثم جاءه رجل آخر فقال يا رسول الله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي فقال(( ارم ولا حرج )) قال:- فما سئل رسول الله  عن شيء قدم ولا أخر إلا قال (( افعل ولا حرج )) وقوله (( لا حرج )) نكرة في سياق النفي فيعم كل أنواع الحرج فلا إثم ولا فدية ولا أي شيء من أنواع الحرج لأن المتقرر في الأصول أن النكرة في سياق النفي تعم. وعنه  قال:- وقف رسول الله  على راحلته, فطفق ناس يسألونه فيقول القائل منهم يا رسول الله لم أكن أشعر أن الرمي قبل النحر فنحرت قبل الرمي فقال رسول الله  (( فارم ولا حرج )) قال:- وطفق آخر يقول:- إني لم أشعر أن النحر قبل الحلق فحلقت قبل أن أنحر فيقول (( انحر ولا حرج )) فما سمعته سئل يومئذٍ عن أمرٍ مما ينسى المرء ويجهل من تقديم بعض الأمور قبل بعض وأشباهها إلا قال رسول الله  (( افعلوا ولا حرج )) وعنه  قال سمعت رسول الله  وأتاه رجل يوم النحر وهو واقف عند الجمرة فقال يا رسول الله حلقت قبل أن أرمي؟ فقال (( ارم ولا حرج )) وأتاه آخر فقال إني ذبحت قبل أن أرمي فقال (( ارم ولا حرج )) وأتاه آخر فقال:- إني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي فقال (( ارم ولا حرج )) قال:- فما رأيته سئل يومئذٍ عن شيء إلا قال (( افعلوا ولا حرج )) ولمسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي  قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال (( لا حرج )) وفي بعض طرق البخاري عن ابن عباس في هذا الحديث:- زرت قبل أن أرمي قال (( لا حرج )) فقال آخر:- رميت بعد ما أمسيت؟ قال (( لا حرج )) وللبخاري من حديث جابر  تعليقاً:- سئل رسول الله  عن من حلق قبل أن يذبح ونحوه فقال (( لا حرج, لا حرج )) وقال أبو داود في سننه:- حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا جرير عن الشيباني عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك قال خرجت مع رسول الله  حاجاً فكان الناس يأتونه فمن قال:- يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف أو قدمت شيئاً أو أخرت شيئاً فكان يقول (( لا حرج, لا حرج إلا على رجل اقترض عرض رجل مسلم وهو ظالم فذلك الذي حرج وهلك ))"حديث صحيح". وبناءً على ذلك فمن طاف قبل رمي جمرة العقبة فليرم ولا حرج, ومن سعى قبل طواف الإفاضة فليطف الإفاضة ولا حرج, ومن حلق قبل الرمي فليرم الجمرة ولا حرج, ومن ذبح قبل الرمي فليرم الجمرة ولا حرج, ومن طاف قبل الحلق فليحلق ولا حرج, ومن طاف قبل النحر فلينحر ولا حرج, وعلى ذلك فقس, وهذا من نعمة الله وتوفيقه لهذه الأمة ورحمته بها زادها الله شرفاً ورفعة والحمد لله أولا ً وآخراً وظاهراً وباطناً والله ربنا أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم أرشدك الله لطاعته أن الحلق في الحج أفضل من التقصير, وهذا لا نعلم فيه مخالفاً والمقصود في حق الرجال لا النساء, والدليل على ذلك ما في الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال:- حلق رسول الله  وحلق طائفة من أصحابه وقصر بعضهم, قال عبدالله:- إن رسول الله  قال (( يرحم الله المحلقين )) مرة أو مرتين ثم قال (( والمقصرين )) وفي لفظ:- أن رسول الله  قال (( رحم الله المحلقين )) قالوا:- والمقصرين يا رسول الله, قال (( رحم الله المحلقين )) قالوا:- والمقصرين يا رسول الله, قال (( رحم الله المحلقين )) قالوا:- والمقصرين يا رسول الله قال (( والمقصرين )) وفي رواية:- فلما كانت الرابعة قال (( والمقصرين )) ولهما من حديث أبي هريرة  قال قال رسول الله  (( اللهم اغفر للمحلقين )) قالوا:- وللمقصرين, قال (( اللهم اغفر للمحلقين )) قالوا:- يا رسول الله وللمقصرين, قال (( اللهم اغفر للمحلقين )) قالوا:- يا رسول الله وللمقصرين, قال (( وللمقصرين )) وروى مسلم في صحيحه بسنده عن أم الحصين أنها (( سمعت رسول الله  في حجة الوداع دعا للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة واحدة )) وفي المتفق عليه من حديث ابن عمر (( أن رسول الله  حلق رأسه في حجة الوداع )) وأما النساء فالتقصير هو المشروع في حقهن لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله  (( ليس على النساء حلق, إنما على النساء التقصير ))"حديث صحيح". واعلم رحمك الله تعالى أن الأفضل في الحلق أو التقصير الابتداء بشق الرأس الأيمن ثم الأيسر لحديث أنس بن مالك  أن رسول الله  أتى منىً فأتى الجمرة فرماها, ثم أتى منزله ونحر ثم قال للحلاق (( خذ )) وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر...الحديث ))"رواه مسلم" وقد تقرر في القواعد أن اليمين تقدم في كل ماكان من باب التكريم والتزيين واليسرى فيما عداه وقد شرحناه في مواضع أخرى. واعلم أن التقصير لا بد أن يكون من عامة الرأس لا من بعض جوانبه فقط, كما يفعله بعض الجهلة, واعلم أن التقصير يكون أفضل في حالة واحدة فقط وهي تقصير التحلل من عمرة التمتع, وذلك ليجعل الحلق في التحلل من حجه لأن هذا أكمل, وهو الوارد عن السلف من الصحابة والتابعين, واعلم أن الحلق أو التقصير من جملة أنساك الحج على القول الصحيح فهو واجب من واجبات الحج, واعلم أن الأصلع الذي لا شعر له أصلاً لا يجب عليه شيء, لأن الحلق إنما يجب على من رأسه شعر وهذا لا شعر له وقد تقرر في القواعد أنه لا واجب مع العجز, ولأن من شروط التكليف أن يكون بتحصيل ما ليس بحاصل والأصلع قد حصل زوال شعره سابقاُ فكيف يكلف بإزالته وقد زال, فإن تحصيل ماهو حاصل من تكليف مالا يطاق ولا تأتي الشريعة به البتة, ولأن المتقرر في القواعد أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً وعلة الحلق أو التقصير أخذ شيء من الرأس ليحصل التحلل,وهذا فيمن كان له شعر لوجود العلة التي هو وجود الشعر وأما الأصلع فلا شعر له فقد زالت العلة فيزول الحكم بزوالها, فلا حلق لعدم الشعر, وأما من قال:- بأنه يمر الموسى على شعره, فهذا شيء لا دليل عليه وإنما هو استحسان منه, وقد تقرر أن الاستحسان لا مدخل له في التشريع مالم يستند إلى نص, ولأن حركة الموسى لا يتعبد بها لذاتها حتى نقول بذلك وإنما حركة الموسى لانتزاع الشعر, والأصلع لا شعر له حتى ينتزع, فيكون أمرنا له بهذه الحركة التي لا فائدة منها عبث لا طائل من ورائه, ولأن استحبابنا له تحريك الموسى على رأسه إثبات لحكم شرعي والحكم الشرعي لا يثبت إلا بدليل صحيح صريح, ولأن الأصل في الذمة البراءة فأين الدليل الذي يعمرها بوجوب إمرار الموسى على الرأس أو استحبابه؟ فحيث لا دليل فالأصل عدم الوجوب والأصل عدم الاستحباب, فالصحيح في هذه المسألة أن الأصلع الذي لا شعر له لا يلزمه شيء لا من باب الوجوب ولا من باب الاستحباب, والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في الشيء الذي يحصل به التحلل الأول والمراد بالتحلل الأول أي أن بعض ما كان حراماً عليه بالإحرام صار حلالاً, ويقابله التحلل الثاني وهو أن تحل له جميع محظورات الإحرام, فالتحلل الأول يحصل به حل بعض هذه المحظورات والتحلل الثاني يحصل به حل جميع المحظورات, والمسألة الآن فيما يحصل به التحلل الأول, وقد اختلف أهل العلم في ذلك على مذاهب ولكن أقول:- اعلم أولاً أن الأصل بقاء حكم الإحرام حتى يكمل الحاج جميع نسكه, هذا هو الأصل لأنه إنما أحرم ليؤدي هذه المناسك من طواف وسعي ووقوف بعرفة ومبيت بمنى ومزدلفة ورمي وهو في حال الإحرام, فالأصل إذاً بقاء حكم الإحرام, ولأن المتقرر في القواعد أن الأصل هو البقاء على الأصل حتى يرد الناقل والأصل الذي يجب البقاء عليه هنا هو حكم الإحرام, ولأنه قد تقرر في القواعد أيضاً أن اليقين لا يزول بالشك والمتيقن هنا هو أنه محرم فلا يجوز أن نلقي هذا الحكم المتيقن بمجرد الشكوك والأوهام والنقول الواهية الضعيفة أو الآراء التي لم تبن على علمٍ ولا على بصيرة, ولأنه قد تقرر في القواعد أيضاً أن الأصل بقاء ما كان على ما كان, وأن الحالة السابقة مستصحبة في الحالة الراهنة وأنت تعلم أن الإحرام هو ما كان, فالأصل بقاؤه على ما كان, أي كما أن حكم الإحرام ثابت في السابق فإنه أيضاً يثبت الآن, ومن رفعه إجمالاً أو رفع شيئاً منه فإنه مطالب بالدليل, لأن المتقرر في القاعدة:- أن الدليل يطلب من الناقل عن الأصل لا من الثابت عليه, وبناءً على ذلك فأقول:- نحن لا نطالب من قال بأنه محرم بشيء من الأدلة لأنه جار على الأصل المتقرر وإنما نطالب من قال, قد حل التحلل الأول بالدليل المثبت لهذه الدعوى فإن جاء به صحيحاً صريحاً فعلى العين والرأس ونكون باعتماده قد انتقلنا عن اليقين الأول باليقين الثاني, ونحقق بذلك القاعدة التي تقول:- اليقين لا يزول إلا باليقين وأما إذا كان الدليل الذي يستدل به من قال بالتحلل لا يصلح أن يعتمد عليه إما لعدم صحة سنده أو لعدم صراحة متنه وولالته ,فنعتذر عن القول بالتحلل لأنه خلاف الأصل, فانتبه لهذه المسألة فإن المنبه عليها قليل وبالله التوفيق فهذا أولاً, وأما ثانياً:- فاعلم رحمك الله تعالى أن أهل العلم اتفقوا على أن محظور الوطء لا يكون حلالاً إلا بالفراغ من سائر أنساك الحج عدا طواف الوداع, فلا يكون الوطء حلالاً بإجماع أهل العلم إلا بعد الرمي والنحر والحلق والطواف, والسعي لمن عليه سعي, هذا مالا نعلم فيه خلافاً وإنما الخلاف حصل في غير الوطء, وأما ثالثاً:- استدل من قال بأن التحلل الأول يحصل بعد رمي جمرة العقبة فقط, فإذا رمى الحاج جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء, استدلوا بحديث ابن عباس الذي رواه أحمد والنسائي وابن ماجه, قال ابن ماجه في سننه:- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا, حدثنا وكيع ( ح ) وحدثنا أبو بكر خلادٍ الباهلي قال حدثنا يحيى بن سعيد ووكيع وعبدالرحمن بن مهدي قالوا:- حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن الحسن العرني عن ابن عباس قال (( إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيءٍ إلا النساء, فقال له رجل:- ياابن عباس والطيب, فقال:- أما أنا فقد رأيت رسول الله  يضمخ رأسه بالمسك, أفطيب ذلك أم لا؟ )) وهذا الحديث كما ترى رجال إسناده ثقات, ولكن له علتان:-
الأولى:- الانقطاع بين الحسن العرني وابن عباس, فإن الحسن العرني رحمه الله تعالى لم يدرك ابن عباس قاله أبو حاتم, وقال الإمام أحمد:- لم يسمع منه, وأنت خبير بأن هذا الانقطاع سبب قوي من أسباب تضعيف هذا الحديث.
الثانية:- الاختلاف في رفعه ووقفه, فإن أكثر الرواة عن سفيان أوقفوه على ابن عباس رضي الله عنهما ولم يرفعه إلا وكيع في الرواية وأما في روايته الثانية المقرونة بعبدالرحمن بن مهدي فإنها موقوفة أيضاً, فالأشبه بالصواب أن حديث ابن عباس هذا موقوف, وأن رفعه خطأ, والدليل على أنه موقوف أن ابن عباس احتاج لتأييد كلامه بقوله (( أما أنا فقد رأيت رسول الله  يضمخ رأسه بالمسك, أفطيب ذلك أم لا؟ )) ولو كان كلامه في أول الحديث من المرفوع لما احتاج إلى تأييده بشيء, مما يفيدك أن الحكم على حديث ابن عباس هذا بأنه موقوف هو الأشبه والأقرب إن شاء الله تعالى. وحيث كان الحديث موقوفاً على ابن عباس فإنه يشترط للاحتجاج به بعد صحة السند أن لا يخالفه صحابي آخر, وابن عباس هنا قد خولف, فقد خالفه ابن الزبير وعائشة رضي الله عنهما لأنهما يريان أنه لا تحلل إلا بعد الرمي والحلق, كما نقله عنهما ابن قدامة في المغني فالحق في هذا الحديث أنه لا يصلح للاستدلال لأنه ضعيف ولأنه مختلف في رفعه ووقفه, وعلى ترجيح وقفه فقد خالف ابن عباس جمعٌ من الصحابة رضي الله عن الجميع وأرضاهم فهذا ثالثاً, وأما رابعاً:- فاعلم أن من جملة ما استدل به من قال بأن التحلل يحصل بمجرد رمي جمرة العقبة أثر مروي عن مكحول عن عمر  أنه قال (( إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء والطيب والصيد )) كذا ينقله بعض أهل الفقه في كتبهم ولكن لا نعلم لهذا الأثر سنداً تمكن دراسته, فضلاً عن أنه ضعيف بمجرد معرفتنا أن مكحولاً يرويه عن عمر مباشرة, ومن المعلوم أن مكحولاً لم يدرك عمر فهذا الأثر مرسل, وأنت تعلم أن المتقرر في الأصول أن المرسل قسم من أقسام الضعيف، إلا مرسل الصحابي فالقول الصحيح فيه القبول, وأما مرسل غيره فإن الراجح فيه أنه لا يقبل وأما رجال أسناد هذا الأثر الذين هم دون مكحول فإننا لا نعلمهم وبالجملة فهذا الأثر حقه الإطراح لا الاعتماد لأن المتقرر في الأصول أن الحكم الشرعي يفتقر في ثبوته للأدلة الصحيحة الصريحة, فلا يصلح هذا الأثر لأن ينقلنا عن حكم الأصل المتقرر هو بقاء حكم الإحرام لأن الأصل هو البقاء على الأصل حتى يرد الناقل, وأما خامساً :- فاعلم أن من جملة أدلتهم على أن التحلل يحصل بمجرد رمي الجمرة فقط, ما رواه أبو داود في سننه من طريق الحجاج بن أرطأة عن الزهري عن عمرة بنت عبدالرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله  (( إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء )) ولكن نأسف جداً عن قبول هذا الحديث واعتماده, لأنه عندنا ضعيف و والله لو صح لقلنا به, لأنه صريح في الدلالة لكنه غير صحيح السند لأنه من رواية الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف ولأن الحجاج المذكور يرويه عن الزهري مباشرة ومن المعلوم أن الحجاج بن أرطأة لم يسمع من الزهري ولم يره كما أفاده أبو داود في سننه, فإنه قال بعد روايته لهذا الحديث:- هذا حديث ضعيف, والحجاج لم يرى الزهري ولم يسمع منه ا.هـ. وقد ضعفه النووي في شرح المهذب فإنه قال:- أما حديث عائشة رضي الله عنها فرواه أبو داود بإسنادٍ ضعيف جداً من رواية الحجاج ابن أرطأة ا.هـ. فحيث ثبت ضعف هذا الحديث أيضاً فإننا لا نقول به لأن الأصل هو البقاء على الأصل حتى يرد الناقل ولا يصلح الحديث الضعيف أن يكون ناقلاً لنا عن حكم الأصل المتقرر بالدليل لأن الانتقال عنه حكم شرعي والأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة الصريحة, أما سادساً :- فقد استدل من قال بزيادة الحلق في التحلل بحديث يرويه أحمد والبيهقي والدارقطني من طريق الحجاج بن أرطأة, عن أبي بكر بن محمد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله  (( إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شيء إلا النساء )) ونأسف أيضاً عن قبول هذا الحديث لأنه ضعيف لضعف الحجاج بن أرطأة, ولا أعلم إلى ساعتي هذه طريقاً آخر لهذا الحديث إلا ويمر على الحجاج بن أرطأة, أي أن مدار حديث عائشة المذكور في المسألة الخامسة والسادسة مدار مخرجه على الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف والنتيجة من هذا البحث إلى هذه المسألة السادسة هو أن كل حديث فيه إذا رميتم أو إذا رميتم وحلقتم فهو من قبيل الضعيف, والأحكام الشرعية لا تثبت بالأحاديث الضعيفة لأنها وقف على الدليل الشرعي الصحيح الصريح. فإن قلت:- وماذا تقول أنت في هذه المسألة؟ فأقول:- انتظر حتى تنتهي من جميع فروع هذه المسألة وسيتبين لك إن شاء الله تعالى وجه الصواب فيها والمهم الآن أن تعرف حديث (( إذا رميتم )) أو حديث (( إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء... )) أنها ضعيفة لا تقوم بها الحجة. وقد ذكرتها لك وذكرت لك وجه الضعف فيها فإذا علمت هذا فانتقل الآن معي إلى الأمر السابع فأقول:- وأما سابعاً:- فالصواب في التحلل الأول هو أنه لا يكون إلا بعد رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير, ولا بد من مجموع الأمرين, فليس التحلل الأول يحصل بالرمي فقط, وإنما الرمي يعتبر بداية الشروع في التحلل, قال ابن تيمية رحمه الله تعالى:- فإذا شرع في الرمي قطع التلبية فإنه حينئذٍ يشرع في التحلل ا.هـ. لكن تحلله الأول لا يكون إلا بالحلق أو التقصير مع الرمي, هذا هو الصواب في هذه المسألة, فإن قلت:- وما الدليل على ذلك؟ فأقول:- الدليل على ذلك الإجماع, وقد نقل هذا الإجماع العارف بمذاهب العلماء ابن تيمية رحمه الله تعالى, فإنه لما ذكر الرمي والحلق أو التقصير قال بعد ذلك:- وإذا فعل ذلك فقد تحلل باتفاق المسلمين التحلل الأول, فيلبس الثياب ويقلم أظافره وكذلك له على الصحيح أن يتطيب ويتزوج ويصطاد ولا يبقى عليه من المحظورات إلا النساء ا.هـ. وقول الشيخ هنا ( باتفاق المسلمين ) تفيد أن الإجماع مما ثبت عنده الثبوت القطعي كما هي عادته في نقل الإجماع, فإنه بالتتبع للمسائل التي قال فيها ( باتفاق المسلمين ) وجدنا أنها مما تأكد عنده التأكد التام الذي لا يخالطه ريب, وحيث ثبت هذا الإجماع فنحن نقول به لأن المتقرر في الأصول أن الإجماع حجة شرعية يجب قبولها واعتمادها والمصير إليها وتحرم مخالفتها, ولم يقع الإجماع إلا على مجموع الأمرين, الرمي والحلق أو التقصير, وبناءً عليه فالصواب الذي لا شك فيه عندنا أن التحلل الأول لا يكون إلا بالرمي والحلق أو التقصير ويؤيد هذا أيضاً ما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت (( كنت أطيب رسول الله  لإحرامه حين يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت )) وهذا نص صحيح صريح في أن التحلل حصل قبل الطواف, ونحن نعلم جزماً أنه  قبل هذا الطيب قد رمى ونحر وحلق فاستعماله للطيب قبل الطواف يدل على إنه قد تحلل التحلل الأول, وهو الذي ذكر ابن تيمية عليه الإجماع, ومن المعلوم عندنا أن الحلق أو التقصير هو الذي يحصل به التحلل من النسكين الحج والعمرة ولذلك فإنه  لما أمر أصحابه بأن يحلوا من القران والإفراد إلى التمتع ويجعلوا طوافهم وسعيهم للعمرة قال لهم (( أحلوا من إحرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة وقصروا ثم أقيموا حلالاً...الحديث )) ولذلك فإن المعتمر إذا طاف وسعى فإنه لا يزال على إحرامه حتى يتحلل بالحلق أو التقصير وكذلك الحج فإنه لا يحصل التحلل الأول منه إلا بالحلق أو التقصير, مع تقديم الرمي, فلا بد للتحلل الأول من رمي وتقصير أو رمي وحلق, ويؤيد ذلك أيضاً ما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن أخته حفصة رضي الله عنها أنها قالت يارسول الله ما شأن الناس حلوا بعمرة ولم تحلل أنت من عمرتك؟ فقال (( إني لبدت رأسي وقلدت هدي فلا أحل حتى أنحر )) ومن المعلوم أنه  لم ينحر إلا بعد الرمي, فلو كان التحلل يحصل بمجرد الرمي لقال (( فلا أحل حتى أرمي )) لكنه لم يقل ذلك وإنما قال (( فلا أحل حتى أنحر )) مما يدل على أن الرمي وحده غير كاف في التحلل, فإن قلت:- ومن أين لك أن الحلق شرط في الحل فإنه لم يقل (( فلا أحل حتى أحلق )) وإنما قال (( فلا أحل حتى أنحر ))؟ فأقول:- نعم هذا سؤال جيد ولكن نجيب عنه بجوابين:- أحدهما:- أن الحل المذكور في الحديث إنما يقصد به التحلل بالحلق, فينحر ثم يتحلل بالحلق, وهكذا فعل , ويؤيد هذا أن حفصة رضي الله عنها رأت الناس تحللوا من عمرتهم بالتقصير ورأت هي رسول الله  لم يتحلل معهم بالتقصير فسألت عن المانع فأجابها بأن المانع له من التحلل بالتقصير هو سوق الهدي فإذا زال المانع بنحره حلق, وبه تعرف الحكمة من قوله (( إني لبدت رأسي )) مع أن تلبيد الشعر ليس من موانع الحل وإنما المانع هو سوق الهدي, لكن لأن السؤال وقع على إرادة معرفة المانع من التحلل بالتقصير فذكر لها حال رأسه وأنه لبده ولن يتعرض له إلا بعد النحر, فقوله (( فلست أحل حتى أنحر هديي )) أي لن أغير حال هذا التلبيد بتقصير أو حلق إلا بعد نحر الهدي, فبان بهذا أن المراد بالحل في قوله (( فلا أحل )) أنه يريد به الحلق, الثاني:- إجماع المسلمين بأنه إن حلق أو قصر مع تقديم الرمي فإنه قد حل التحلل الأول، ولذلك فالمفتى به عندنا وعليه أكثر أهل العلم أن ذبح الهدي لا دخل له في التحلل. والمقصود:-أن التحلل الأول لا يكون إلا بالرمي مع الحلق أو التقصير وعمدتنا في ذلك الإجماع، والله تعالى أعلى وأعلم. وأما ثامناً:- اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في جواز عقد النكاح بعد التحلل الأول على أقوال والراجح منها الجواز وهو رواية عن الإمام أحمد واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى . وأما تاسعاً :- اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في جواز الصيد خارج الحرم بعد التحلل الأول والأقرب منها الجواز واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. وأما عاشراً :- فالجماع, والعبد الضعيف لا يعلم خلافاً بين أهل العلم في أن الجماع لا يحل إلا بعد التحلل الثاني, فهذا هو التفصيل في هذه المسألة حسب الجهد والطاقة مع الاعتراف التام بالعجز والتقصير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وحسبنا الله ونعم الوكيل والله ربنا أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أنه لا بد من طواف الإفاضة باتفاق المسلمين, حكاه أبو العباس في الفتاوى, ووقته للضعفة ومن في حكمهم يبدأ من منتصف ليلة النحر أو بعد غياب القمر فيها, وأما للأقوياء فيبدأ من الفجر ويستحب لهم أن لا يطوفوا إلا بعد الرمي والنحر والحلق كما فعله  ويجوز تقديمه على ذلك كله لحديث:- أفضت قبل أرم ؟ فقال (( ارم ولا حرج )) وإن لم يطف طواف الإفاضة فإن حجه لم يتم باتفاق الأمة, وتقدمت تفاصيل الطواف في ما مضى من المسائل والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن المبيت بمنى ليالي أيام التشريق من واجبات الحج وفي المسألة خلاف لكن هذا هو الراجح, فالمبيت بمنى من جملة مناسك الحج الواجبة وذلك لأن النبي  بات بها وقال (( لتأخذوا عني مناسككم )) وهذا فعل مقرون بأمر لساني مفيد للوجوب وقد تقرر في الأصول أن الفعل إذا كان كذلك فإنه يفيد الوجوب, فعلينا أن نأخذ عنه مناسكنا, ومن جملة ذلك البيتوتة بمنى ليالي أيام التشريق ويدل على وجوبه أيضاً ما في الصحيحين (( أن النبي  رخص للعباس أن يبيت بمكة أيام منى من أجل السقاية )) وفي رواية (( أذن للعباس )) وهذا يفيد أن المبيت واجب لأن التعبير بالرخصة والإذن يقتضي أن ما يقابلها عزيمة وأن الإذن وقع للعلة المذكورة وإذا لم توجد هي أو ما في معناها لم يحصل الإذن, ويدل عليه أيضاً أنه قد ثبت عن عمر بن الخطاب أنه كان يمنع الحجاج من المبيت خارج منى وكان  يرسل رجالاً يدخلونهم في منى, وهو من الخلفاء الراشدين الذين أمرنا بالاقتداء والتمسك بسنتهم ويدل عليه أيضاً ما رواه أبو داود في سننه قال:- حدثنا عبدالله بن مسلمة القعنبي عن مالك ( ح ) وحدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب, قال أخبرني مالك عن عبدالله ابن أبي بكر بن محمد بن حزم عن أبيه عن أبي البداح بن عاصم عن أبيه أن رسول الله  (( رخص لرعاء الإبل في البيتوتة يرمون يوم النحر ثم يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين ويرمون يوم النفر ))"حديث صحيح" فترخيصه لهم بالبيتوتة خارج منى من أجل الرعاية دليل على أن الأصل في البيتوتة الوجوب, فالقول الحق في هذه المسألة هو أن المبيت بمنى ليالي أيام التشريق من أنساك الحج الواجبة والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن أهل الأعذار الملحة لا يجب عليهم المبيت بمنى كأهل السقاية إن عاد زمن الاحتياج إليها, وكرعاة الإبل إن عاد زمن الاحتياج إليها وكالجند المرابطين في أماكنهم لحفظ أمن الحجاج وسلامتهم وهذا من باب قياس الأولى لأنه إذا جاز التخلف عن المبيت من أجل مراعاة حال البهائم فكيف بالتخلف لمراعاة حال الآدميين لا شك أنه أولى بالجواز وأحرى به, وكالمسبوق في المكان الذي بحث وبحث في منى فلم يجد له مكاناً فإن واجب المبيت يسقط عنه لأنه لا واجب مع العجز ولكن من باب الاحتياط عليه أن يبيت حيث انتهت خيام القوم, وليست الطرقات مكاناً للمبيت لما فيه من تعطيل مصالح الناس ولما فيه من إيذاء المارة وأصحاب الحاجات ولما فيه من الخطر العظيم كما هو معروف ويجوز للطبيب أيضاً أن يتخلف عن المبيت لما لابد له منه من مراعاة حال المرضى ومراقبة سير صحتهم. فمن كان له عذر من هذه الأعذار أو ما يقاس عليها أو أولى منها فإنه يرخص له في ترك المبيت في منى ليالي أيام التشريق والله أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن الرمي بعد الزوال في أيام التشريق من واجبات الحج وذلك لأنه  رمى بعد الزوال في هذه الأيام وقال (( لتأخذوا عني مناسككم )) فدل ذلك على أن الرمي في هذه الأيام من جملة النسك والله أعلم .
مسألة :- واعلم عفا الله عنا وعنك أن الرمي في هذه الأيام لا يكون إلا بعد الزوال فمن رمى قبل الزوال فعليه أن يعيده بعده, وهذا لا نقوله إثقالاً ولا تعقيداً وإنما نقوله متابعة لسيد الأولين والآخرين  وذلك لأنه  لم يكن يرمي في هذه الأيام إلا بعد الزوال فإذا قرنت هذا الفعل بقوله (( لتأخذوا عني مناسككم )) أفادك أن هذا الفعل واجب من الواجبات فقد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال (( رمى رسول الله  الجمرة يوم النحر ضحىً وأما بعد, فإذا زالت الشمس )) ومن المعلوم أنه  كان يحب التيسير والتخفيف على أمته فمكوثه في منى ضحى أيام التشريق وتأخيره للرمي إلى ما بعد الزوال دليل على أن الرمي هذه الأيام لا يكون إلا بعد الزوال, وهذا الفعل الصادر منه  يعتبر نصاً في المسألة وبناءً فكل قياسٍ صادم النص فإنه يعتبر فاسد الاعتبار, وليس أحد بأرحم على الأمة منه , ولا يجوز لأحدٍ كائناً من كان أن يصف هذا التشريع بأن فيه تعقيداً وإثقالاً لأن الله تعالى قال  لا يكلف الله نفساً إلا وسعها  وقال  يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر  وقد تقرر في القواعد أن العبادة المؤقتة لا تصح قبل دخول وقتها, فمن رمى في أيام التشريق قبل الزوال فكأنه وقف بعرفة في اليوم الثامن وكأنه صلى قبل الوقت, ولقد فقه الصحابة هذا التعبد عن النبي  حق فقهه فكانوا لا يرمون إلا بعد الزوال فقد روى البخاري في صحيحه بسنده عن وبرة قال:- سألت ابن عمر رضي الله عنهما, متى أرمي الجمار؟ قال:- إذا رمى إمامك فارمه, فأعدت عليه المسألة فقال (( كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا )) وقد تقرر في الأصول في مباحث السنة أن الصحابي إذا قال (( كنا نفعل كذا )) ولم يقرن هذا الفعل بعهد النبي  فإنه يعتبر نقلاً للإجماع السكوتي, وقوله (( نتحين )) فيه دليل على ترقب دخول الوقت إذ لو لم يكن الزوال هو بداية وقت الرمي لما كانوا يشددون على أنفسهم بهذا التحين والترقب, ولكن لأن المتقرر في نفوسهم أن الرمي في هذه الأيام لا يكون إلا بعد الزوال صاروا يحرصون على مراقبة الزوال ويتتبعون حركة الفيء حتى إذا مالت الشمس عن كبد السماء رموا الجمرات وخير الهدي هديهم ولا عبرة بمن خالف هذا الهدي, وكل تخفيف يدعى في هذه المسألة فإنه لا يقبل إذا كان مضمونه مخالفة المتقرر شرعاً, ومذاهب أهل العلم وفتاويهم لا تأخذ كيفما اتفق, بل لابد فيها من أن توزن بالكتاب والسنة فما وافقهما منها أخذنا به وإلا فهو لصاحبه, عفا الله عن أهل العلم وغفر لهم ورفع نزلهم في الفردوس الأعلى وجزاهم الله تعالى خير ما جزى عالماً عن أمته والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- واعلم رحمك الله تعالى أن الرمي في أيام التشريق لابد فيه من الترتيب, فيرمي أولاً الجمرة الأولى وهي التي تلي مسجد الخيف, فيرميها بسبع حصيات متعاقبات ويكبر مع كل حصاة وأما البسملة فلا نعلم لها ذكراًَ في شيء من المنقول الصحيح. فإذا رماها فيستحب له أن يتقدم قليلاً ويأخذ ذات اليمين أي يجعل الجمرة عن يساره, ويبتعد عن حطمة الناس, ويرفع يديه ويدعو دعاءً طويلاً, بقدر سورة البقرة إن استطاع, قاله الشيخ تقي الدين وتلميذه, فإذا انتهى جاء إلى الجمرة الوسطى فيرميها بسبع حصيات متعاقبات ويكبر مع كل حصاة, فإذا رماها فيستحب له أن يتقدم قليلاً ويأخذ ذات الشمال أي يجعل الجمرة عن يمينه, ويرفع يديه ويدعو دعاءً طويلاً بقدر ذلك, ثم يتقدم فيرمي جمرة العقبة ويمضي ولا يقف عندها للدعاء لعدم النقل وقد شرحنا مسألة الدعاء عند جمرة العقبة في مسألة تقدمت والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- واعلم رحمك الله تعالى أن صيام أيام التشريق حرام إلا لمن لم يجد الهدي. وعلى ذلك دلت السنة الصحيحة الصريحة, قال الإمام أبو داود في سننه حدثنا عبدالله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن يزيد بن الهاد عن أبي مرة مولى أم هانيء أنه دخل مع عبدالله بن عمرو على أبيه عمرو بن العاص فقرب إليه طعاماً فقال ( كل ) قال:- إني صائم فقال عمرو (( كل فهذه الأيام التي كان رسول الله  يأمرنا بإفطارهن وينهى عن صيامها )) قال مالك:- وهي أيام التشريق, وهذا الحديث له حكم الرفع على القول الصحيح عند الأصوليين, والأمر يفيد الوجوب, والنهي يفيد التحريم ولأنها أيام عيد, قال أبو داود في سننه:- حدثنا الحسن بن علي قال حدثنا وهب قال حدثنا موسى ابن علي (ح ) وحدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن موسى بن علي قال سمعت أبي أنه سمع عقبة بن عامر يقول قال رسول الله  (( يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب ))"حديثان صحيحان" وعن عائشة رضي الله عنها وابن عمر  قالا (( لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي ))"رواه البخاري" والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- واعلم رحمك الله تعالى أن المبيت بمنى أول أيام التشريق واجب, وهكذا المبيت الليلة الثانية, فإذا أراد أن يتعجل في يومين فلا إثم عليه لقوله تعالى  فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى  إلا أنه ينبغي له أن يخرج من منى قبل غروب شمس اليوم الثاني وقبل حلول ليلة اليوم الثالث وذلك لأنه تعالى إنما جوز له التعجل في اليومين, واليوم اسم لبياض النهار فإذا غربت الشمس لزمه المبيت والرمي من الغد بلا نزاع, قال ابن المنذر:- وثبت عن عمر أنه قال (( من أدركه المساء في اليوم الثاني فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس ))"رواه مالك" وقال الشافعي:- ليس له أن ينفر بعد غروب الشمس ا.هـ. وهو رواية عن أبي حنيفة وقاله الشيخ تقي الدين وغيره ونص عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى واعلم أنه إن نفر في وقت جواز النفرة ثم عاد لمنى في اليوم الثالث لم يضره رجوعه وليس عليه رمي لحصول الرخصة، قال ابن تيميه رحمه الله تعالى:- ولا ينفر الإمام الذي يقيم للناس المناسك بل السنة أن يقيم إلى اليوم الثالث ا.هـ. ولكن اعلم أن الأفضل لكل الحجاج أن يتأخروا لفعله ، ونفي الإثم لا يقتضي المساواة لنزولها بسبب أن أهل الجاهلية منهم من يؤثم المتعجل ومنهم من يؤثم المتأخر، فنفى الله تعالى عنهما الإثم، ولأن التأخر فيه زيادة تعبد فإنه يبيت ليلة كاملة ويرمي ليومٍ كامل وهذا أعظم أجراً فالتأخر أفضل, ولا يعني هذا أن حج المتعجل ناقص, لا وإنما المقصود أننا لو سئلنا عن الأفضل لقلنا إن التأخر أفضل والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن طواف الوداع واجب إلا أنه خفف عن الحائض والنفساء, والدليل على وجوبه مارواه مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال رسول الله  (( لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت )) وفي لفظ (( أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض )) وللبخاري في صحيحه عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:- رخص للحائض أن تنفر إذا أفاضت, قال:- وسمعت ابن عمر يقول:- إنها لا تنفر, ثم سمعت ابن عمر يقول بعد ذلك (( إن النبي  أرخص لهن )) وللبخاري من حديث أنس  (( أن النبي  صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم رقد رقدة بالمحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به )) وعن عائشة رضي الله عنها قالت:- حاضت صفية بنت حيي بعدا ما أفاضت, فذكرتُ حيضها لرسول الله  فقال (( أحابستنا هي؟ )) قالت فقلت:- إنها قد كانت أفاضت وطافت بالبيت ثم حاضت بعد الإفاضة فقال رسول الله  (( فلتنفر )) فيجب على الحاج قبل أن ينفر أن يطوف بالبيت سبعاً ويجعل هذا الطواف آخر الأعمال ليخرج بعده, لكن إن تأخر لربط المتاع أو لانتظار رفقة أو للبحث عن ضائع أو لإصلاح سيارة أو لشراء شيء لابد منه ونحو ذلك فلا بأس, وبهذا تكون مناسك حجه قد تمت, وبهذه المسألة يتم ما أردنا إثباته في هذه الوريقات اليسيرة وقد كتبناها في وقت قصير لم نتجاوز به شهراً, ولكن وبعد الانتهاء منها تبين أننا تركنا مسائل لابد منها, فأحببنا أن نلحقها بالكتاب تكميلاً لفائدته وليكون مرجعاً في هذا الباب إن شاء الله تعالى, وسوف تكون طريقتنا في هذه المسائل الزائدة على الأصل كطريقتنا فيما مضى من المسائل فأقول وبالله التوفيق ومنه أستمد الفضل والعون:-
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن القول الصحيح والرأي الراجح المليح أن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد فإن شاء قدم السعي بعد طواف القدوم وإن شاء أخره ليطوفه بعد طواف الإفاضة, وأما المتمتع فإن عليه طوافين وسعيين, طواف لعمرته وسعي لعمرته وطواف لحجه وسعي لحجه, وهذا مذهب الجمهور مالك والشافعي وأحمد في أصح الروايتين عنه, والدليل على ذلك مارواه مسلم في صحيحه من حديث عبدالله بن طاوس عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها أهلت بعمرة فقدمت ولم تطف بالبيت حتى حاضت فنسكت المناسك كلها وقد أهلت بالحج فقال لها النبي  (( يسعك طوافك لحجك وعمرتك )) وفي لفظ لأبي داود (( طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك )) ففي هذا الحديث الصحيح التصريح بأنها كانت محرمة أولاً ومنعها الحيض من الطواف فلم يمكنها أن تحل بعمرة فأهلت بالحج مع عمرتها الأولى فصارت قارنة وقد صرح النبي  في هذا الحديث الصحيح بأنها قارنة حيث قال (( لحجك وعمرتك )) ومع ذلك فقد صرح بأنها يكفيها لهما طواف واحد وفي لفظ لمسلم (( يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك )) فهذا الحديث الصحيح صريح في أن القارن يكفيه لحجه وعمرته طواف واحد وسعي واحد ومن الأدلة أيضاً على ذلك ما أخرجه الشيخان في صحيحهما عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت:- خرجنا مع رسول الله  في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال رسول الله  (( من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً )) ...الحديث... وفيه (( وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً )) وهو نص صحيح صريح متفق عليه دال على اكتفاء القارن بطوافٍ واحد لحجه وعمرته, ومن الأدلة أيضاً أننا قد رجحنا سابقاً أن النبي  كان في حجته قارناً والمنقول عنه أنه  لم يطف بالبيت إلا طوافاً واحداً أعني طواف الإفاضة, ولم يسع بين الصفا والمروة إلا سعياً واحداً وهو السعي الذي سعاه بعد طواف القدوم ومن الأدلة أيضاً حديث جابرٍ  عند مسلم وفيه أن النبي  قال (( دخلت العمرة في الحج مرتين )) وتصريحه  بدخولها فيه يدل على دخول أعمالها في أعماله حال القران. والأدلة في ذلك كثيرة, وفيما ذكر من النصوص الصحيحة الصريحة كفاية ومقنعة لمن أراد الحق, فهذا بالنسبة للقارن وأنه يكفيه طواف واحد وسعي واحد, وأما المتمتع فقلنا إنه لابد من طوافين وسعيين ويدل على ذلك مارواه البخاري في صحيحه قال:- وقال أبو كامل فضيل بن حسين البصري:- حدثنا أبو معشر قال حدثنا عثمان بن غياث عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما (( أنه سئل عن متعة الحج؟ فقال:- أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي  في حجة الوداع وأهللنا, فلما قدمنا مكة قال رسول الله  (( اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي )) وطفنا بالبيت وبالصفا والمروة وأتينا النساء ولبسنا الثياب وقال (( من قلد الهدي فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله )) ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج فإذا فرغنا من المناسك جئنا و طفنا بالبيت و بالصفا والمروة وقد تم حجنا وعلينا الهدي ... الحديث )) فهذا الحديث يفيد إفادة واضحة أن المتمتع لا يكفيه طوافه وسعيه الأول، بل لابد من طواف ثانٍ وسعي ثانٍ، وهو نص في محل النزاع، وقول البخاري هنا ( قال أبو كامل ) ليس من المعلقات كما ادعاه بعضهم بل لأن الراجح في هذه المسألة هو ما ذهب إليه الجمهور من المتأخرين من أن الراوي إذا قال:- قال فلان, فكأنه قال:- عن فلان, فالرواية بذلك متصلة لا معلقة إن كان الراوي غير مدلس, كما هو الحال هنا. ومن الأدلة على ذلك أيضاً مارواه البخاري في صحيحه قال حدثنا عبدالله بن مسلمة قال حدثنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي  قالت:- خرجنا مع النبي  في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال النبي  (( من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً...الحديث )) وفيه قالت:- فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً, وقال مسلم بن الحجاج في صحيحه:- حدثنا يحيى بن يحيى التميمي قال:- قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت (( خرجنا مع رسول الله  عام حجة الوداع...الحديث وفيه... فطاف الذين أهلوا بعمرة بالبيت وبالصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً )) فهذا نص صحيح متفق عليه يدل على الفرق بين القارن والمتمتع وأن القارن يفعل كفعل المفرد والمتمتع يطوف لعمرته ويطوف لحجه, ويسعى لعمرته ويسعى لحجه, فإن قلت:- فماذا تقول في حديث جابر في صحيح مسلم وفيه (( خرجنا مع رسول الله  مهلين بالحج معنا النساء والولدان فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت – وقال فيه – فلما كان يوم التروية أهللنا بالحج وكفنا الطواف الأول بين الصفا والمروة...الحديث )) فهذا نص صحيح صريح في الاكتفاء بالطواف الأول ولم يذكر طوافاً آخر, فكيف تقول في ذلك؟ فالجواب:- أن المتقرر في الأصول أن الجمع بين الأدلة واجب ما أمكن وأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما ما أمكن, فينزل حديث جابر هذا على أصحاب النبي  الذين لم يحلوا من إحرامهم أي على المفردين والقارنين فقط وينزل حديث ابن عباس وعائشة رضي الله عنها على المتمتعين, وبهذا يزول الإشكال وإن لم يقبل هذا الجواب فنقول:- إن حديث ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما فيهما زيادة حفظاها, وجابر ترك هذه الزيادة لعدم حفظها وقد تقرر في الأصول أن من حفظ حجة على من لم يحفظ, ويقال أيضاً:- أن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما يثبتان طوافاً وسعياً آخر غير الطواف والسعي الأول, وجابر ينفيه وقد تقرر في الأصول أن المثبت مقدم على النافي لأن المثبت معه زيادة علم خفيت على النافي وبهذا فلا يكون ثمة إشكال بينهما ولله الحمد والمنة. وهذا يبين لك أن قول الجمهور في هذه المسألة هو الصواب, بل لا نشك في أنه هو الصواب. وبه تعلم أن ما ذهب إليه أبو العباس ابن تيمية في هذه المسألة مرجوح, وأن الحق خلافه والدليل عندنا أعظم من كل أحدٍ, وإن كانت هيبة أبي العباس متقررة في نفوسنا ولكن هيبة الدليل وعظمته في نفوسنا أكبر وأقوى ولا يمكن أبداً أن تخالف الدليل من أجل أحدٍ كائناً من كان والله تعالى أعلى وأعلم. ويقال أيضاً:- إن عدم طواف المتمتع بعد رجوعه من منى الثابت في صحيح مسلم إنما رواه جابر وحده وأما طوافه بعد رجوعه من منى رواه في الصحيح ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما, وما رواه اثنان أرجح مما رواه الواحد. فإن قلت:- فما تقول في أدلة من ذهب إلى أن القارن لابد له من طوافين وسعيين؟ فأقول باختصار حتى لا أطيل:- كل حديث فيه أن القارن عليه سعيان فهو ضعيف لا تقوم به الحجة وقد تقرر في الأصول أن الأحكام الشرعية لا تثبت إلا بالأدلة الصحيحة الصريحة, ولو راجعت أسانيدها لتبين لك صحة ما قلناه, فالحق الحقيق بالقبول في هذه المسألة هو أن القارن كالمفرد يكفيه طواف واحد وسعي واحد وأن المتمتع لابد له من طوافين وسعيين, طواف وسعي لعمرته, وطواف وسعي لحجه والله تعالى أعلم وأعلى .
مسألة :- اعلم أن القول الصحيح هو جواز تأخير طواف الإفاضة إلى طواف الوداع فيطوف طوافاً واحداً لإفاضته ووداعه بنيتهما أو بنية طواف الإفاضة ويدخل معه طواف الوداع تبعاً, وذلك لأنه قد تقرر في القواعد أنه إذا اجتمع عبادتان من جنسٍ واحد وفي وقتٍ واحد فإن الصغرى تدخل في الكبرى ولكن فصلهما أولى, فإن قلت:- وماذا يفعل المتمتع الذي عليه سعي آخر بعد طواف الإفاضة أو المفرد والقارن إذا أخرا سعي الحج ليطوفاه بعد طواف الإفاضة؟ فأقول:- لا حرج في ذلك فليطوفوا طواف الإفاضة ويدخل معه الوداع تبعاً ثم يسعون سعي الحج وبقائهم في الحرم للسعي لا يؤثر لأنه بقاء اضطراري لتكميل النسك لا بقاء اختياري, وبهذا أفتى كثير من أهل العلم, وهو الحق في هذه المسألة, ولكن ينبغي للحاج أن لا يعود نفسه على هذه الرخص بل لابد له من الأخذ بالعزائم لما في ذلك من تعظيم شعائر الله تعالى والله تعالى أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم رحمك الله تعالى أن القول الصحيح أن حديث ابن عباس (( من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً )) إنما يصح موقوفاً على ابن عباس وقد روي مرفوعاً ولكنه لم يثبت عنه, فقد روى مالك في الموطأ عن أيوب عن أبي تميمة السختياني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال (( من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً )) وهذا إسناد في غاية الصحة إلى ابن عباس رضي الله عنهما. وقد رواه أيضاً البيهقي في سننه بسنده من حديث سعيد بن جبير أن ابن عباس قال الحديث نفسه, وقال النووي في شرح المهذب:- وأما حديث ابن عباس (( من ترك نسكاً فعليه دم )) فرواه مالك والبيهقي وغيرهما بأسانيد صحيحة عن ابن عباس موقوفاً لا مرفوعاً ا.هـ. ولذلك فالضابط عندنا في كتاب الحج يقول ( من ترك نسكه أو شيئاً منه فعليه دم ) ودليل هذا الضابط هو حديث ابن عباس المتقدم, ووجه الاحتجاج به أمران:- الأول:- أن هذا الإيجاب من ابن عباس له حكم الرفع إذ لا مجال للرأي فيه وابن عباس ليس ممن يأخذ عن أهل الكتاب وقد تقرر في الأصول وقواعد التفسير أن الراوي إذا قال قولاً لا مجال للرأي فيه وليس ممن يأخذ عن أهل الكتاب فإن لقوله هذا حكم الرفع, الثاني:- أن المتقرر في الأصول أن قول الصحابي حجة إذا لم يخالف نصاً ولم يخالفه صحابي آخر وقول ابن عباس هذا لم يخالف نصاً ولم يخالفه صحابي آخر, فلذلك فقول ابن عباس عندنا معتمد في وجوب الدم على كل من ترك نسكاً أو ترك شيئاً منه, إما لأنه له حكم الرفع وإما لأنه لا يعرف له مخالف من الصحابة وهم خير الأسوة لنا بعد رسولنا . وقوله ابن عباس ( من ترك نسكه ) أي الترك الكامل, وقوله ( أو شيئاً منه ) أي الترك الجزئي بأن يفعل بعضه ويترك بعضه بغض النظر عن مقدار هذا المتروك لأن قوله ( من ترك ) هو شرط, وقوله ( أو شيئاً منه ) نكرة وقد تقرر في الأصول أن النكرة في سياق الشرط تعم, فيعم كل متروك من النسك, ولأن المناسك التي أمرنا بها تدخل في حيز المأمورات وقد تقرر في الأصول أن المأمورات لا تسقط بالجهل والنسيان وأن الذمة لا تبرأ إلا بفعلها ولا ننظر إلى أن المتروك من النسك نزر يسير وإنما ننظر إلى أنه لم يكمل النسك الذي أمر به, فلم يقم بالعبادة على وجهها الشرعي بالصفة الواردة عنه , أرأيت على قول من أوجب تسبيح الركوع والسجود لو أن المصلي ترك تسبيحه الركوع أو السجود, ولم يسجد للسهو وطال الفصل فإن الموجبين لها يأمرونه بإعادة الصلاة لأنه ترك المأمور به فلم تبرأ ذمته مع أن المتروك نزر يسير لكنهم لم ينظروا إلى مقدار المتروك وإنما نظروا إلى أنه لم يوقع العبادة على الوجه المأمور به شرعاً وبناءً عليه فأقول:- القول الصحيح والرأي الراجح المليح هو أن من ترك مبيت ليلة واحدة من ليالي التشريق فلم يبتها في منى فإن عليه دم, لأنه ترك شيئاً من نسكه, ومن ترك رمي يوم واحدٍ من أيام التشريق فإن عليه دم إذا انتهت أيام التشريق ولم يرم لأنه ترك شيئاً من نسكه ومن ترك بعض الحصيات في جمرة واحدة فلم يرمها مثلاً إلا بأربع أو خمس فإن عليه دم إذا لم يكمل ما أمر به من الرمي, لأنه ترك شيئاً من نسكه, وأما من أوجبوا عليه إطعام مساكين فإنه ليس معهم شيء من الأدلة إلا مجرد القياسات والاستحسانات التي لا تستند إلى شيء من الأدلة, ومن ترك المبيت بمزدلفة أو وقف بها وقفاً غير معتبر لأنه قليل جداً فإن عليه دم لأنه ترك نسكاً كاملاً في الصورة الأولى ولأنه ترك شيئاً من نسكه في الصورة الثانية. ومن لم يرم جمرة العقبة أصلاً فعليه دم لأنه ترك نسكاً كاملاً, ومن رماها بحصاتين أو ثلاث فقط فإنه يجب عليه دم أيضاً إذا لم يعد الرمي أو يكمل لأنه ترك شيئاً من نسكه, ولا يأتينا رجل يقول:- قد توسعتم في إيجاب الدم, لأننا سنقول له:- إننا لم نقله من باب الهوى وإنما قلناه بمقتضى الدليل الصحيح الصريح, الذي هو حديث ابن عباس السابق, فاحفظ هذا الضابط, وأفت به ولا عليك من أحدٍ والله يحفظنا وإياك وهو أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم أن القول الصحيح أنه لو رمى بحصاة نجسة فإن ذلك يجزئه، وذلك لأنه مأمور بالرمي بالحصى وقد تحقق صدق ذلك ومسماه بمجرد هذا الرمي والأصل في العبادة عدم الاشتراط, وأن الاشتراط مخالف للأصل وقد تقرر في الأصول أن الدليل يطلب من الناقل عن الأصل لا من الثابت عليه, ولكن لاشك أن الأحسن والأكمل هو أن لا يرمي إلا بحصاة طاهرة, وإذا حصل شك في طهارة حصاة ونجاستها فاعلم أن الأصل الطهارة وأن اليقين لا يزول بالشك, وهذا القول وهو صحة الرمي ولو بحصاةٍ نجسة هو الأيسر على الناس في هذا الزمان فإن الناس كثير وقد لا يجد بعضهم مكاناً يقضي فيه الحاجة إلا في نواحي الطريق, وقد رأينا – من غير قصدٍ – من يبول في جوانب الطريق والناس يلتقطون الحصى من جانبه, فحيث لادليل فالأصل الجواز, والله أعلى وأعلم .
مسألة :- ما الحكم فيمن حاضت أو نفست قبل طواف الإفاضة؟ والجواب أن يقال:- لا يجوز لها أن تطوف إلا بعد أن تطهر لأن النبي  قال لعائشة (( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ))"متفق عليه" وبناءً عليه فيجب عليها البقاء في مكة حتى تطهر, هذا إذا لم يشق عليها البقاء مشقة خارجة عن العادة, فإن شق عليها البقاء المشقة الخارجة عن العادة فلها الذهاب لديارها حتى تطهر ثم تعود للبيت الحرام وتطوف به طواف الإفاضة, وهذا أيضاً إذا لم يشق عليها أمر العودة المشقة الخارجة عن العادة, فإن شق عليها أمر العودة المشقة الخارجة عن العادة ودخلت في دائرة الضرورة ولم يرضى الرفقة أن يبقوا معها ولزم من بقائها في مكة أن تكون وحيدة لا والي ولا منفق أو كانت ديارها بعيدة جداً عن البيت لا تستطيع أن تأتيه إلا بالنفقات الكثيرة الكبيرة التي لا يستطيعها مثلها, فلها في هذه الحالة أن تتلجم بحفاظة أو خرقة وتطوف بالكعبة ويسقط عنها اشتراط الطهارة من الحدث الأكبر في هذه الحالة لأنها عاجزة عنها وليس الأمر في يدها والواجبات تسقط بالعجز, ولأنه إذا تعارض مفسدتان روعي أشدهما بارتكاب أخفها, واختاره أبو العباس ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى, وقد بحثها ابن القيم بحثاً لا مزيد عليه وقدر في أمر الحائض هذه ثمانية أشياء ثم أجاب عن التقديرات السبعة, ثم قال بعد ذلك:- فإذا بطلت هذه التقديرات تعين التقدير الثامن وهو أن يقال:- تطوف بالبيت والحالة هذه وتكون هذه ضرورة مقتضية لدخول المسجد مع الحيض والطواف معه, وليس في هذا ما يخالف قواعد الشريعة بل يوافقها إذ غايته سقوط الواجب أو الشرط بالعجز عنه ولا واجب مع الشريعة مع العجز ولا حرام مع الضرورة ا.هـ.كلامه وقولهم في المسألة هو القول الصحيح والله ربنا أعلى وأعلم .
محب الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-30-2011, 08:32 AM   #10
إداري
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 1,222
افتراضي رد: تبصير الناسك بأحكام المناسك ( تشمل عامة أحكام الحج مختصرة محررة ) للشيخ وليد السعيدان

مسألة :- في قيد فروع في أحكام الهدي على ما يقتضيه الدليل فأقول:-
الفرع الأول :- اعلم رحمك الله تعالى أن الهدي لا يجزئ إلا إذا بلغ السن المعتبرة شرعاً فإن كان إبلاً فلابد فيه من بلوغ خمس سنين وإن كان بقراً فلابد فيها من بلوغ سنتين وإن كان معزاً فلابد فيها من بلوغ سنة, وإن كان ضأناً فلابد فيه من بلوغ ستة أشهر هذا هو السن المعتبر وبناءً عليه فمن ذبح من بهيمة الأنعام مادون هذه السن فإنه لا يعتبر من الهدي. والدليل على ذلك مارواه مسلم في صحيحه من حديث جابر  قال قال رسول الله  (( لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن )) وقال أبو داود في سننه حدثنا الحسن بن علي قال حدثنا عبدالرزاق قال أخبرنا الثوري عن عاصم بن كليب عن أبيه قال:- كنا مع رجل من أصحاب النبي  يقال له مجاشع من بني سليم فعزت الغنم فأمر منادياً فنادى:- إن رسول الله  يقول (( إن الجذع يوفي مما يوفي منه الثني ))"حديث صحيح" .
الفرع الثاني :- اعلم أنه لابد أن يكون سليماً من العيوب المانعة من الإجزاء, وهي المذكورة في حديث البراء  قال قال رسول الله  (( أربع لا تجوز في الأضاحي العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء بين ضلعها, والكسير التي لا تنقي ))"حديث صحيح" والعوراء يقاس عليها العمياء من باب أولى, والعرجاء يقاس عليها مقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين من باب أولى, وكذلك المشلولة التي لا حركة بها أصلاً, وأما الهتماء التي سقط بعض أسنانها ففيها خلاف والصحيح الإجزاء واختاره أبو العباس ابن تيمية. قال النووي رحمه الله تعالى:- أجمعوا على أن التي فيها العيوب المذكورة في حديث البراء لا تجزئ في الأضحية وكذا ما كان في معناها أو أقبح منها كالعمى وقطع الرجل ونحوه ا.هـ.
الفرع الثالث :- أن ذبح الهدي لا يصح في غير وقته لأنه عبادة مؤقتة والعبادات المؤقتة بوقت لا يجوز فعلها قبل وقتها ولا بعده, والصحيح أن وقت الذبح يبدأ من يوم العيد ويستمر إلى مغيب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق والله أعلم .
الفرع الرابع :- لابد أن يكون الذبح أيضاً في مكان الذبح لأن الهدي لايسمى هدياً إلا إذا ذبح في المكان المحدد له شرعاً والصحيح أن كل فجاج مكة طريق ومنحر, ففي حديث جابر  أن رسول الله  قال (( نحرت هاهنا ومنىً كلها منحر...الحديث))"رواه مسلم" وفي لفظ له (( وكل فجاج مكة طريق ومنحر )) .
الفرع الخامس :- اعلم أن البدن إذا سيقت هدياً فإنه يسن تقليدها وإشعارها فيقلدها نعلين, ومعنى إشعارها أن يجرحها في صفحة سنامها ويسلت عنها الدم, والليل على سنية ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال (( صلى رسول الله  الظهر بذي الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن وسلت الدم, وقلدها نعلين ثم ركب راحلته فلما استوت به على البيداء أهل بالحج ))"رواه مسلم". وفيه بيان أيضاً أن هذا الجرح يكون في صفحة سنامها الأيمن خلافاً للمالكية, وأما الغنم فإنها لا تشعر إجماعاً كما حكاه الحافظ في الفتح, وأما تقليدها, فإنه سنة أيضاً, لما في الصحيحين من حديث عائشة أن النبي  أهدى غنماً فقلدها فالإبل تقلد وتشعر, وأما الغنم فتقلد ولا تشعر, وأما البقر فلا نعلم في تقليدها وإشعارها نصاً, ولكن حكى الحافظ ابن حجر أنها تقاس على الإبل في الإشعار وإن كان لها سنام فإن بعض البقر يكون لها مرتفع في وسط ظهرها كالسنام فتشعر فيه قياساً على الإبل, وهو الراجح عندنا, والصحيح أيضاً أنها تقلد من باب القياس الأولوي على الغنم ومن القياس المساوي على الإبل, قال الشيخ الشنقيطي:- والأظهر أن الصواب إن شاء الله تعالى أن البقر والإبل والغنم كلها تقلد إن كانت هدياً وأن الغنم لا تشعر قولاً واحداً وأن السنة الصحيحة ثابتة بإشعار الإبل ومقتضى القياس أن البقر كذلك إن كان لها سنام ا.هـ. كلامه رحمه الله تعالى .
الفرع السادس :- اعلم رحمك الله تعالى أن الهدي لا يكون إلا من بهيمة الأنعام خاصة وهي الإبل والبقر والغنم, وأما الإهداء بغيرها فإنه لا يصح ولا يسمى هدياً وهذا مالا نعلم فيه خلافاً, ولكن صدرت في هذه الأزمنة بعض الفتاوى والتي حقها أن تقلب تاؤهاً سيئاً, تفيد جواز الهدي بالأرانب والدجاج, وهذه طامة كبيرة ومصيبة خطيرة لابد من الوقوف في وجه أصحابها وتحذير العامة من مثل هذه الفتاوى والله أعلم .
الفرع السابع :- اعلم رحمك الله تعالى أن القول الصحيح أن من أهدى إلى الحرم هدياً وهو مقيم في بلده ليس بحاجٍ ولا معتمر أنه لا يحرم عليه شيء بمجرد إرسال هذا الهدي والدليل على ذلك ماهو ثابت في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها قالت (( فتلت قلائد هدي النبي  ثم أشعرها وقلدها – أو قلدتها – ثم بعث بها إلى البيت وأقام بالمدينة فما حرم عليه شيء كان له حل ))"متفق عليه", وفي رواية لهما:- عن عمرة بنت عبدالرحمن (( أن زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة رضي الله عنها إن عبدالله ابن عباس قال:- من أهدى هدياً, حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر هديه, قالت عمرة:- فقالت عائشة:- ليس كما قال ابن عباس أنا فتلت قلائد هدي رسول الله  بيدي ثم قلدها رسول الله  بيديه, ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله  شيء أحله الله عليه حتى نحر هديه )) وفي رواية لهما (( كنت أفتل القلائد للنبي  فيقلد الغنم ويقيم في أهله حلالاً )) وفي رواية لهما عن مسروق أنه أتى عائشة فقال لها (( يا أم المؤمنين إن رجلاً يبعث بالهدي إلى الكعبة ويجلس في المصر فيوصي أن تقلد بدنته فلا يزال من ذلك اليوم محرماً حتى يحل الناس, قال:- فسمعت تصفيقها من وراء الحجاب فقالت:- لقد كنت أفتل قلائد هدي رسول الله  فيبعث به إلى الكعبة فما يحرم عليه مما حل للرجل من أهله حتى يرجع الناس )) ومع صحة هذه النصوص وصراحتها فلا عبرة بخلاف أحد كائناً من كان والله أعلم .
الفرع الثامن :- اعلم رحمك الله تعالى أن السنة الصحيحة قد وردت بجواز ركوب الهدي مع الحاجة لركوبه, فإذا احتاج صاحب الهدي أن يركبه فله ذلك ومجرد كونه هدياً لا يمنع صاحبه أن يركبه والدليل على ذلك حديث أبي هريرة  أن رسول الله  رأى رجلاً يسوق بدنة فقال (( اركبها )) فقال:- إنها بدنة فقال (( اركبها )) قال إنها بدنة قال (( اركبها ويلك )) في الثالثة أو في الثانية."متفق عليه" وأيضاً في المتفق عليه من حديث أنس مثله. فهذا يفيد جواز ركوب الهدي, وأما تقييد الجواز بالحاجة فيدل عليه حديث أبي الزبير قال سمعت جابر بن عبدالله رضي الله عنهما وسئل عن ركوب الهدي فقال:- سمعت رسول الله  يقول (( اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهراً )) فالحديثان الأوليان مطلقان, وحديث جابر مقيد وحكمهما واحد وسببهما واحد, وقد تقرر في الأصول أن المطلق يبنى على المقيد إذا اتفقا في الحكم والسبب والله أعلم .
الفرع التاسع :- اعلم رحمك الله تعالى أنه لا يجوز أن يعطى الجزار من الهدي شيئاً مقابل جزارته هذه, لا جلداً ولا عظماً ولا لحماً ولا أي شيء من الهدي, وإنما يعطى مقابل جزارته شيئاً آخر لا تعلق له بالهدي, هكذا مضت السنة والدليل على ذلك حديث علي  (( أن النبي  أمره أن يقوم على بدنة وأن يقسم البدنة كلها لحومها وجلالها وجلودها ولا يعطي في جزارتها شيئاً ))"متفق عليه" ولمسلم (( وأن لا أعطي الجزار منها وقال (( نحن نعطيه من عندنا )) والله أعلم .
الفرع العاشر :- اعلم رحمك الله تعالى أن القول الصحيح والرأي الراجح المليح أن الاشتراك في الإبل والبقر جائز, والسنة وردت بأنها تغني عن سبعة, فإذا اشترك سبعة في ناقة, أو اشترك سبعة في البقرة فهذا مجزئ, والدليل على ذلك مارواه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما (( نحرنا مع رسول الله  عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة )) وفي رواية (( نحرنا يومئذٍ سبعين بدنة اشتركنا كل سبعة في بدنة )) وفي رواية (( خرجنا مع رسول الله  مهلين بالحج فأمرنا رسول الله  أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة )) وفي رواية (( كنا نتمتع مع رسول الله  بالعمرة فنذبح البقرة عن سبعة نشترك فيها )) والله تعالى أعلى وأعلم .
الفرع الحادي عشر :- اعلم رحمك الله تعالى أن القول الصحيح الذي لا ينبغي العدول عنه أن من بعث معه هدي إلى الحرم فعطب في الطريق قبل بلوغ محله أنه ينحره ثم يصبغ نعليه في دمه ويضرب بالنعل المصبوغ بالدم صفحة سنامها ليعلم من مر بها أنها هدي ويخلي بينها وبين الناس ولا يأكله هو ولا أحد من أصحابه منها شيئاً, ونعني بأصحابه أي أهل القافلة السائرين معه, والدليل على ذلك مارواه مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:- بعث رسول الله  بستة عشر بدنة مع رجل وأمره فيها, فمضى ثم رجع وقال:- يا رسول الله كيف أصنع بما أبدع علي منها؟ قال (( انحرها ثم اصبغ نعليها في دمها ثم اجعله على صفحتها ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك )) وفي رواية في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ذؤيباً أبا قبيصة حدثه أن رسول الله  كان يبعث بالبدن ثم يقول (( إن عطب منها شيء فخشيت عليه موتاً فانحرها ثم اغمس نعلها في دمها, ثم اضرب بها صفحتها ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك )) ومع ثبوت هذا النص الصريح في دلالته لا عبرة بخلاف أحد كائناً من كان. قال النووي في شرح مسلم في بيانه لتعليل نهي الرفقة عن الأكل من الهدي الذي عطب, قال:- والسبب في نهيهم قطع الذريعة لئلا يتوصل بعض الناس إلى نحره أو تعييبه قبل أوانه ا.هـ. وأما قول من قال إن المساكين الذين معه يأكلون منه لأنهم من جملة المساكين فقول مرد ولأنه قياس في مقابلة النص وكل قياس صادم النص فإنه فاسد الاعتبار .
الفرع الثاني عشر :- الأحسن أن يتولى ذبح هديه بنفسه, لأنه أكمل في التعبد وأشد تعظيماً لشعائر الله تعالى لأن هذا هو الذي فعله النبي  فإنه ذبح من هديه ثلاثاً وستين بدنة بيده, وإن تعذر ذلك فله التوكيل لأنه أمر تدخله النيابة وقد تقرر في القواعد أن كل أمرٍ تدخله النيابة فيصح التوكيل فيه والله أعلم .
الفرع الثالث عشر :- اعلم أن القول الصحيح هو أن الإنسان إذا عين هدياً ثم ضل فجعل مكانه هدياً آخر فذبحه ثم وجد الهدي الأول, أنه يذبحه أيضاً لأنه لا يزال هدياً والأحق به الفقراء, وليس ضياعه يخرجه عن كونه هدياً لأنه خرج بالتعيين عن ملكه فلا يزال هدياً حتى يذبح, والأصح كذلك أنه إن وجد الهدي الضال قبل ذبح الهدي البدل أنه يذبحهما جميعاً لأن أحكام ثابتة فيهما قال ابن قدامة في المغني عن هذا القول:- وروي ذلك عن عمر وابنه وابن عباس وفعلته عائشة  وبه قال مالك والشافعي وإسحاق ا.هـ.كلامه. والله أعلى وأعلم .
الفرع الرابع عشر :- اعلم رحمك الله تعالى أن السنة المقطوع بها في الهدي أنه يأكل منه ولو شيئاً يسيراً, قال تعالى  فكلوا منها وأطعموا البائس والفقير  وقد ثبت عنه  أنه أمر بأن يقطع له من كل بدنةٍ قطعة وأن تطبخ جميعاً فأكل من لحمها وشرب من مرقها. واعلم أن الأمر في قوله فكلوا منها  للندب لا للوجوب, قال ابن كثير:- والقول بوجوب الأكل قول غريب ا.هـ. والقول بأن الأمر هنا للندب هو الذي اختاره إمام المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى, واختاره القرطبي في تفسيره أيضاً والأظهر أيضاً أنه لا تحديد لمقدار المأكول منه, فيأكل ما شاء ويتصدق بما شاء, فهذه بعض أحكام الهدي والله ربنا أعلى وأعلم .
مسألة :- اعلم أرشدك الله لطاعته أن القول الصحيح هو أن الإحصار يكون بالمرض كما يكون بالعدو, فمن أحصر عن البيت بأحدهما فإنه يهدي ويحلق ويقصر, وعليه إتمام النسك في العام القابل, فإن كان ما أحرم به عمرة فعليه العمرة إذا زال هذا الإحصار متى ما تيسر له ذلك وإن كان الذي أحرم به هو الحج فعليه الحج من العام القابل, هذا إذا لم يكن قد اشترط فإن كان قد اشترط فله أن يحل مجاناً من غير شيء قال تعالى  فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي  والله أعلم .
مسألة :- واعلم رحمك الله تعالى أن القول الصحيح هو أن الإنسان بعد الإحصار إذا كان يقدر على إرسال هديه إلى الحرم ليذبح هناك حتى يبلغ الهدي محله وجب عليه ذلك وأما إن لم يستطع ذلك فله أن يذبحه في المكان الذي أحصر فيه ولا شيء عليه إلا هذا. وهو مذهب ابن عباس والله أعلم وأعلى .
مسألة :- في تفصيل الكلام على العمرة المكية:- فأقول و بالله التوفيق ومنه أستمد الفضل و العون:- نعني بالعمرة المكية أي أن يخرج من بمكة إلى الحل ليحرم بعمرة, فما حكم ذلك؟ فأقول:- هذه مسألة طويلة الذيول وتحتاج حتى تفهم أن نفصلها لك في عدة أمور:-
الأمر الأول :- اعلم رحمك الله تعالى أنه قد ورد الترغيب في العمرة على وجه العموم وذلك في عدة أحاديث:- ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة  قال قال رسول الله  (( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة )) وفي المتفق عليه أيضاً من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله  (( إن عمرة في رمضان تعدل حجة )) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله  (( أديموا الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد ))"حديث صحيح" وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال قال رسول الله  (( الحجاج والعمار وفد الله, دعاهم فأجابوه, وسألوه فأعطاهم ))"حديث صحيح" وغير ذلك من الأدلة الواردة في فضل العمرة, ووجه ما نريده هنا هو أن المتقرر في الأصول وجوب بقاء العام على عمومه ولا يخص إلا بدليل ووجوب بقاء المطلق على إطلاقه ولا يقيد إلا بدليل, ومن المعلوم أن الأدلة السابقة فيها تعميم وإطلاق فهي تشمل أهل مكة وغير أهل مكة بل إن الخطاب فيها عام لكل مسلم, وبناءً عليه فمن أخرج من أفراد المسلمين أحداً بغض النظر عن مكان سكناه من عموم وإطلاق هذه الأدلة فإنه مطالب بالدليل لأن المتقرر أن الدليل يطلب من الناقل عن الأصل لا من الثابت عليه, فمن قال:- إن العمرة من مكة غير مشروعة أو أنها بدعة فقد ادعى تخصيصاً بلا دليل وادعى تقييداً بلا دليل, وهذا غير مقبول ويوضح هذا:-
الأمر الثاني :- اعلم رحمك الله تعالى أنه قد وردت أدلة خاصة في شأن عمرة المكي ففي الصحيحين من حديث المواقيت الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما بعد أن حدد النبي  المواقيت قال (( هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة ومن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة )) فهذا الحديث فيه دليل على أن أهل مكة إذا أرادوا العمرة من مكة فإن مهلهم مكة فهو دليل على أمرين:- أحدهما:- دليل على جواز عمرة المكي, وهو كالفصل في محل النزاع ثانيها:- فيه دليل على أن المكي يحرم بالعمرة من مكة, فأما الأول فهو باق على عمومه وأما الثاني فقد جاء ما يخصصه وهو حديث عائشة الآتي بعد قليل إن شاء الله تعالى وهذا الحديث – أعني حديث ابن عباس – رضي الله عنهما فيه دليل على جواز العمرة من مكة للمكي ولمن بمكة من الوافدين من غير أهلها, فهو دليل على مشروعيتها ونحن نقول بما أثبته النص, ولا دخل لنا في قول أحدٍ كائناً من كان ومن الأدلة على جواز العمرة من مكة أيضاً حديث عائشة رضي الله عنها قالت:- خرجنا مع النبي  في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال النبي  (( من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً )) فقدمت مكة وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى النبي  فقال (( انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة )) ففعلت فلما قضينا الحج, أرسلني النبي  مع عبدالرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت فقال (( هذه مكان عمرتك...الحديث ))"متفق عليه" والشاهد منه أن النبي  أذن لها رضي الله عنها أن تعتمر من الحل, وهي العمرة المكية وهذا نص في محل النزاع, وهو دليل على جواز العمرة لمن بمكة ولكن يكون إحرامه من أدنى الحل كالتنعيم, ولا يقال:- إن هذا الحكم مخصوص بعائشة رضي الله عنها لأن المتقرر في الأصول أن الخصائص لا تثبت إلا بدليل ولأن المتقرر أن الأصل في الأحكام الشرعية التعميم, ولأن المتقرر أن كل حكم ثبت في حق واحدٍ من الأمة فإنه يثبت في حق الأمة تبعاً إلا بدليل الاختصاص, فهذه العمرة لها ولغيرها, ولا يقال:- أن عامة من كان معه لم يعتمر, لأن هذا ليس بشيء إذ لا يلزم من ثبوت الحكم أن يعمل به اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو أكثر بل ثبوت الحديث والإذن منه  كافٍ في كون ذلك مشروع مع عمل عائشة رضي الله عنها به, ولو كان شرط ثبوت الحكم أن يعمل به الأكثر لسقط كثير من الشريعة ولا يقال:- لابد من دليل في إثباتها لأننا نقول:- لقد ثبتت عمرة المكي بالدليل العام والدليل الخاص, فثبتت بالأدلة العامة كما ذكرناها في الأمر الأول, وثبتت بالدليل الخاص كما ذكرنا ذلك في الأمر الثاني, ولا يقال:- إنه أعمرها من التنعيم تتطيباً لخاطرها فقط لأننا سنقول إن النبي  لم يكن يجامل في دين الله تعالى بحيث يحبس الجيش هذا الحبس الطويل ويتعب أحب الخلق إليه مع أخيها عبدالرحمن بأعمال العمرة كاملة مع أنها في حقيقتها ليست بمشروعة ولا ثواب ولا أجر فيها وإنما لتطييب خاطرها فقط, هذا لا أظنه يصدر من عاقل, فضلاً عن عالم ولكن بعض الناس يتفوه بأشياء لا يدري عن لوازمها, واختصاراً نقول:- العمرة التي فعلتها عائشة رضي الله عنها, مشروعة أم ليست بمشروعة, فإن قالوا مشروعة فقد وافقونا في مشروعية العمرة للمكي, وإن قالوا مشروعة على وجه الخصوص فيجاب عنهم بأن التخصيص لابد له من دليل وإن قالوا غير مشروعة فقد أتوا باباً عظيماً من الاتهام, إذ كيف يجيز النبي  ما ليس بمشروع في ذاته مجاملة لأحد, فلا مخرج من هذا الإلزام إلا أن نقول مشروعة بل وقد ورد في بعض روايات الصحيح قوله (( انتظري فإذا طهرتي فاخرجي إلى التنعيم فأهلي...الحديث )) ولا يتصور أبداً أنه  يأذن ويأمر بما ليس بمشروع في ذاته وهذا ما ندين الله تعالى به. فبان بهذين الأمرين أن العمرة للمكي مشروعة بالأدلة العامة والخاصة.
الأمر الثالث :- إذا ثبت لك مشروعيتها فاعلم أنه لا ينقض المشروعية عدم اعتماره  من مكة حيث كان بها طيلة ثلاث عشرة سنة لأن الشريعة تتجدد ولا تزال الأحكام تنزل، وشرعية الاعتمار من مكة تأخر حتى أذن النبي  لعائشة بالعمرة منها، مع أن الأدلة التي أوردناها في الأمر الأول دليل على مشروعيتها أيضاً، فهي أي الاعتمار من مكة تأخرت مشروعيتها إلى ذلك الحين أي بعد هجرته  إلى المدينة, وأذن بها فعلاً وتطبيقاً في حجته  سنة عشر من الهجرة, لما أذن لعائشة رضي الله عنها في الاعتمار بعد حجتها, فلا يستدل علينا مستدل بأنها لو كانت مشروعة لفعلها النبي  إذ كان بمكة لما ذكرته لك من التعليل, فتركه لها لا يدل على أنها غير مشروعة البتة, لكن يدل على أنها لم تشرع بعد, ثم وردت الأدلة بمشروعيتها قولاً وفعلاً, قولاً بالأدلة الحاثة عليها ويدخل فيها أهل مكة بالعموم والإطلاق, وفعلاً لما أذن لأمنا عائشة رضي الله عنها بالاعتمار من التنعيم .
الأمر الرابع :- واعلم رحمك الله تعالى أنه لا يشكل علينا أيضاً عدم اعتماره  من مكة بعد مشروعيتها, لأننا سنقول:- أن التشريع يؤخذ من أقواله وإقراره, وقد وردت مشروعية العمرة للمكي بالقول كما في الأدلة العامة والخاصة المتقدمة في الأمر الأول والثاني, وقد أمر عائشة رضي الله عنها وأذن لها في الاعتمار, وهذا كاف في مشروعيتها ولا يلزم في شرعيتها أن يباشر فعلها بنفسه, ويوضح ذلك أننا اتفقنا جميعاً على مشروعية, بل واستحباب الاعتمار في رمضان, ومستند ذلك قوله  كما في الحديث السابق في الأمر الأول، ومع ذلك فإنه لم يثبت عنه  أنه اعتمر في رمضان في دليل صحيح, فهل عدم مباشرته للعمرة في رمضان دليل على عدم استحبابها بعد ثبوت استحبابها بقوله؟ فالجواب:- بالطبع لا, وكذلك نقول في عمرة المكي, إنها ثبتت بقوله وإذنه وإقراره, فهي مشروعة وإن لم يباشرها بنفسه  وتشريعها بالقول والإذن والإقرار وهذا كاف, لاسيما أنه  كان يترك الشيء المشروع وهو يحب أن يفعله مخافة فرضيته وأن يشق على أمته .
الأمر الخامس :- قولهم:- إن الطواف للمكي أفضل من العمرة المكية لا نسلمه لأن الطواف جزء من أجزاء العمرة, فكيف يكون الجزء أفضل من الكل, بل القول المستقيم أن يقال:- إن الكل أفضل من الجزء لأن الكل مشتمل على الجزء وزيادة ويقال أيضاً:- إن الطواف للمكي بلا عمرة شيء مستحب, وأما الطواف في العمرة فهو واجب والواجب أفضل من المستحب, والأجر على فعل الواجب أعظم من الأجر على فعل المستحب, ويكفي في تفضيل العمرة قوله  (( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما )) ولم يقل:- الطواف إلى الطواف كفارة لما بينهما فكيف يفضل الطواف المستحب على العمرة الواجبة؟ هذا مالا يكون أبداً. ثم إن النبي  لم يرشد عائشة إلى أن تكتفي بالطواف عن العمرة بل أذن لها في أن تفعل ماتشوقت له نفسها, ولو كان الطواف المجرد أفضل لها لأرشدها إليه , والله أعلم .
الأمر السادس :- وبعد اعتقاد مشروعيتها فأقول:- إن شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم قد نقلا اتفاق السلف على أنه لا يستحب بل على كراهة الموالاة بين العمرة لمن يحرم من الميقات وما سوا عليه من باب أولى من يعتمر من أدنى الحل, وقال ابن قدامة:- فأما الإكثار من الاعتمار والموالاة بينهما فلا يستحب في ظاهر قول السلف الذي حكيناه ا.هـ. وقال ابن مفلح:- ويكره الإكثار والموالاة بينهما باتفاق السلف ا.هـ. فأقول:- إن صح هذا الاتفاق فإنه محمول على الإكثار منها متوالية بلا فاصل بينها, لكن لو كان بينهما فاصل ولو بمقدار ما يخرج شيء من رأسه فلا أظن الكراهة تكون باقية, وقد روى البيهقي بسنده عن أنس (( أنه كان إذا حمم رأسه خرج فاعتمر )) وقال ابن قدامة:- وظاهر كلام الإمام أحمد أنه لا يستحب أن يعتمر في أقل من عشرة أيام ا.هـ. ولكن يشكل على هذا الاتفاق ما نقله ابن عبدالبر رحمه الله تعالى فإنه قال:- والجمهور على جواز الاستكثار منها في اليوم والليلة ا.هـ. ويشكل عليه أيضاً ما ذكر النووي رحمه الله تعالى فإنه قال:- لا يكره عمرتان وثلاث وأكثر في السنة الواحدة ولا في اليوم الواحد بل يستحب الإكثار منها بلا خلاف عندنا ا.هـ. بل لو نظرت إلى عمرة عائشة رضي الله عنها الثانية لوجدت أن الفاصل بينها وبين عمرتها الأولى إنما هو بمقدار خمسة أيام بل أقل لأنها حجت قِراناً واعتمرت بعد ذلك من التنعيم, بل لو نظرت إلى عمومات الأدلة الماضية في الأمر الأول, لو جدت أنها خرجت مخرج الإطلاق عن الزمان, ولا يقيد المطلق إلا بدليل بل استمع وتفكر في قوله عليه الصلاة والسلام (( تابعوا بين الحج والعمرة )) وهذه المتابعة مطلقة عن التحديد والأصل بقاء المطلق على إطلاقه ولا يقيد إلا بدليل, وبالجملة فالاتفاق الذي نقله أبو العباس وابن القيم رحمهما الله تعالى إن صح فإنه لا يضرب في أصل المشروعية, بل يفيد أن هدي السلف عدم الإكثار من العمرة, ويوضح هذا أكثر ويجليه ما سيأتي من:-
الأمر السابع :- أن أبا العباس ابن تيمية هو نفسه نص على مشروعية العمرة للمكي من مكة, فإنه قال في الفتاوى:- روى الشافعي عن علي بن أبي طالب  أنه قال العمرة في كل شهر مرة وعن أنس أنه كان إذا حمم رأسه خرج فاعتمر وروى وكيع عن إسرائيل عن سويد بن أبي ناجية عن أبي جعفر قال قال علي:- اعتمر في الشهر إن أطقت مراراً, وروى سعيد بن منصور عن سفيان بن أبي حسين عن بعض ولد أنس أن أناساً كان إذا كان بمكة فحمم رأسه خرج إلى التنعيم واعتمر, وهذه والله أعلم هي عمرة المحرم فإنهم كانوا يقيمون بمكة إلى المحرم ثم يعتمرون وهو يقتضي أن العمرة من مكة مشروعة في الجملة وهذا مما لا نزاع فيه والأئمة متفقون على ذلك...الخ كلامه رحمه الله تعالى, فأنت هنا ترى أن أبا العباس ينص على اتفاق أهل العلم على جواز العمرة المكية وهذا يفيدك أن النقاش بين أهل العلم ليس في أصل المشروعية وإنما هو في الموالاة بينها والإكثار منها, وكذلك نص هو نفسه على جواز العمرة من مكة للمكي وذلك في شرح العمدة فإنه قال:- وأما المكي إذا أراد أن يعتمر فإنه يخرج إلى الحل سواءً في ذلك أهل البلد وغيرهم ممن هو في الحرم ا.هـ. وبه تعلم فصل النزاع في هذه المسألة وأن الخلاف بين السلف فيها يشبه أن يكون من الخلاف اللفظي, لأن الجميع اتفقوا على جواز العمرة للمكي, كما حكاه أبو العباس قبل قليل, والجميع اتفقوا على كراهة الإكثار منها والموالاة بينها بلا فاصل, كما حكاه ابن تيمية وابن القيم أيضاً فإن ابن تيمية قد نقل اتفاقين:- الاتفاق الأول:- هو في جواز العمرة من مكة, الاتفاق الثاني:- هو في كراهة الإكثار منها, فأما الاتفاق الأول فلا كلام لنا فيه, ولكن الكلام في الاتفاق الثاني, إذ كيف ينعقد الاتفاق على هذه الكراهة مع وجود المخالف, فإن من العلماء من أجاز العمرة مراراً والإكثار منها, بل إن ابن تيمية نفسه قد حكى أسماء المجيزين لذلك فقال في الفتاوى:- ورخص في ذلك آخرون – أي في الإكثار من العمرة- ثم قال:- منهم من مكة عطاء وطاوس وعكرمة وهو مذهب الشافعي وأحمد وهو المروي عن الصحابة كعلي وابن عمر وابن عباس وأنس وعائشة بل إن ابن عبدالبر قال:- والجمهور على جواز الاستكثار منها في اليوم والليلة ا.هـ. ولكن يزول هذا الإشكال إذا عرفت أن ابن تيمية رحمه الله تعالى إنما نقل اتفاق السلف على كراهة الإكثار من العمرة للمكي خاصة لا لمن هو خارج مكة وأنه يقصد بالسلف السلف الأكابر من الصحابة والتابعين لا من جاء بعدهم, وعلى كل حال, فالأصل عدم الاتفاق, ولا يمكن أن ينعقد اتفاق ظاهره يخالف عموم الأدلة, وبناءً فالصحيح في هذه المسألة إن شاء الله تعالى هو أن العمرة للمكي لا إشكال في جوازها, ولكن على العبد احتياطاً لدينه أن لا يكثر منها ولا يوالي بينها, بل يجعل بين العمرتين من باب الخروج من الخلاف فاصلاً بمقدار مايحمم رأسه والله ربنا أعلى وأعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
مسألة :- وهذه جمل من اختيارات أبي العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى في ما يخص الحج والعمرة, فأقول وبالله التوفيق :-
اختار الشيخ أنه ليس للأبوين منع ولدهما من الحج الواجب لكنه يستطيب أنفسهما فإن أذنا وإلا خرج .
واختار الشيخ أنه ليس للزوج منع زوجته من الحج الواجب مع ذي رحم محرم .
واختار الشيخ أن وجوب الحج على الفور .
واختار الشيخ أن العمرة سنة .
واختار الشيخ جواز التجارة في الحج لكن ليس له أن يشتغل بها الاشتغال الذي يلهيه من مقصود مجيئه .
واختار الشيخ وجوب الكف عن سلوك طريق يستوي فيها احتمال السلامة والهلكة فإن لم يكن فيكون قد أعان على نفسه فلا يكون شهيداً .
واختار الشيخ جواز دفع الخفارة عند الحاجة إليها فقط وأما مع عدم الحاجة فاختار عدم الجواز .
واختار الشيخ جواز حج المرأة بلا محرم إذا كانت مع نساءٍ مأمونات وله قول ثانٍ في المسألة .
واختار الشيخ أن الإنسان إذا كان له أقارب محاويج فإن الصدقة عليهم أفضل من الحج.
واختار الشيخ استحباب عقد الإحرام عقيب فرض إن كان وقته وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه .
واختار الشيخ أن القران أفضل لمن ساق الهدي, وأن الإفراد أفضل لمن اعتمر في سفرة مستقلة وإلا فالتمتع .
واختار الشيخ أن النبي  قد حج قارناً .
واختار الشيخ أن المرأة تغطي وجهها بملاصق خلا النقاب والبرقع .
واختار الشيخ جواز عقد الرداء ولا فدية .
واختار الشيخ أن من كان ميقاته الجحفة كأهل مصر والشام إذا مروا على المدينة فلهم تأخير الإحرام إلى الجحفة ولا يجب عليهم الإحرام من ذي الحليفة .
واختار الشيخ لبس الخف المقطوع إلى الكعبين ولو مع وجود النعل .
واختار الشيخ سنية استقبال الحجر الأسود في الطواف .
واختار الشيخ سنية القراءة في الطواف بلا جهر .
واختار الشيخ أن الشاذروان ليس من البيت .
واختار الشيخ أن أفضلية الحج راكباً وماشياً بحسب الناس .
واختار الشيخ أن الوقوف بعرفة راكباً أفضل .
واختار الشيخ عدم استحباب طواف المتمتع بعد رجوعه من عرفة قبل الإفاضة .
واختار الشيخ أن المتمتع يكفيه سعي واحد بين الصفا والمروة .
واختار الشيخ أنه يحل للمحرم بعد التحلل الأول كل ما كان حراما ً عليه حتى عقد النكاح, وإنما المحرم عليه فقط الوطء .
واختار الشيخ استحباب التأخير للإمام الذي يقيم للناس المناسك .
واختار الشيخ كراهة الخروج من مكة للإتيان بعمرة .
واختار الشيخ أن الوضوء للطواف سنة وليس بواجب .
واختار الشيخ أن الإحصار ليس مقصوراً على الحصر بالعدو فقط بل يكون بالمرض وبذهاب النفقة. والله تعالى أعلم وأعلى .
مسألة :- وهذه جمل من اختيارات الشيخ عبدالعزيز بن باز في كتاب الحج والعمرة فأقول وبالله التوفيق :-
اختار سماحته أن العمرة تجب في العمر مرة كالحج .
واختار أيضاً وجوب الحج على من عليه دين يستطيع سداده ولا يؤثر عليه في نفقة الحج.
واختار الشيخ صحة حج المرأة بلا محرم مع الإثم لأنه لا يجوز السفر بلا محرم ولو للحج والعمرة .
واختار سماحته أفضلية الإنفاق على المجاهدين على الحج التطوع .
واختار سماحته عدم صحة الحج من تارك الصلاة ولو كان يصلي أحياناً ويدع أحياناً .
واختار سماحته عدم اشتراط ذكر اسم المستنيب لصحة الاستنابة لكن إن سماه فهو الأفضل .
واختار سماحته وجوب الحج عن من مات ولم يحج إذا كان مستطيعاً لأنه مفرط بهذا التأخير وتكون نفقة الحج من ماله قبل قسمته على الورثة. أوصى بذلك أولم يوصي .
واختار سماحته أن العمى ليس عذراً في الإنابة للحج لا فرضاً ولا نفلاً .
واختار سماحته أن من أهل عن أحدٍ بل الإنابة فإنه لا يجوز له تغيير هذه النية لشخص آخر .
واختار الشيخ وجوب الدم على من جاوز الميقات وهو مريد للنسك بلا إحرام , إذا لم
يرجع للميقات ويحرم منه .
واختار سماحته جواز الإحرام بالمحاذاة جواً وبحراً وبراً .
واختار سماحته أن جدة ليست ميقاتاً للوافدين .
واختار الشيخ بطلان القول بنسخ الإفراد والقران .
واختار سماحته أفضلية التمتع مطلقاً .
واختار الشيخ أن عمرة التمتع يقطعها مجرد السفر بل لابد أن يكون سفراً لبلده هو .
واختار سماحته استحباب فسخ الحج إلى عمرة إذا لم يسق الهدي .
واختار الشيخ جواز تغيير ملابس الإحرام .
واختار الشيخ تحريم وضع الطيب على ملابس الإحرام .
واختار الشيخ استحباب الإهلال بالحج يوم التروية من مكانه الذي هو نازل فيه .
واختار الشيخ أن من قلم ظفره أو تطييب أو قص شاربه أو حلق عانته ناسياً أو جاهلاً فإنه لاشيء عليه .
واختار سماحته استحباب الإحرام في نعلين .
واختار سماحته أن قطع الخف منسوخ .
واختار سماحته استحباب الإهلال بعد ركوب الدابة .
واختار سماحته جواز لبس هميان النفقة والحزام والمنديل .
واختار سماحته جواز قراءة القرآن للحائض .
واختار سماحته جواز أخذ الحبوب المانعة من نزول الدورة إذا لم يكن فيها مضرة بعد استشارة طبيب مختص .
واختار سماحته جواز صلاة ركعتي الطواف في أي جزء من المسجد الحرام إذا لم يتيسر له صلاتهما خلف المقام .
واختار سماحته أن الإحصار يكون بالمرض وعدم النفقة .
واختار سماحته أن من أحصر ولم يكن اشترط فإن عليه الهدي فإن لم يجده صام عشرة
أيام .
واختار سماحته أن ذبح الهدي بسبب الإحصار يكون في المكان الذي أحصر فيه .
واختار سماحته أن خروج الدم لا يؤثر في الطواف إذا كان يسيراً عرفاً من غير القبل والدبر .
واختار سماحته رجحان تكميل ما تركه من السعي أو الطواف إن لم يطل الفصل عرفاً.
واختار سماحته أن من مات في أثناء الحج فإنه لا يكمل عنه .
واختار سماحته جواز الطواف للحائض – أي طواف الإفاضة – إذا كانت لا تستطيع البقاء حتى تطهر, أو كانت من البلاد البعيدة بحيث لا تستطيع العودة لمكة إذا سافرت لبلدها. قلت :- وكذا اختاره أبو العباس وابن القيم .
واختار الشيخ جواز تأخير طواف الإفاضة عن ذي الحجة ولكن الأفضل المبادرة به .
واختار الشيخ جواز تأخير الرمي إلى اليوم الثالث عشر لكن يرميه مرتباً فيبدأ برمي جمرة العقبة, وهذا عن رمي يوم النحر, ثم يرمي الصغرى فالوسطى فالكبرى عن اليوم الأول من أيام التشريق, ثم هكذا عن اليوم الثاني, ثم هكذا عن اليوم الثالث. لكن متابعة السنة أولى وأتم وأكمل .
واختار الشيخ وجوب الدم على من خرج من عرفات قبل الغروب إذا لم يعد لها في الليل .
واختار الشيخ الاكتفاء بالمرور بعرفة ليلاً .
واختار سماحته أن المبيت بمزدلفة واجب لا ركن .
واختار سماحته أن الأقوياء الذين يصحبون الضعفة هم في حكمهم فيجوز لهم الرمي بعد منتصف الليل .
واختار الشيخ وجوب الدم على من ترك المبيت بمزدلفة .
واختار سماحته جواز الإنابة في الرمي مع العذر .
واختار سماحته أن الوكيل في الرمي يرمي عن نفسه الجمرة الأولى ثم عن موكله, والثانية
كذلك والثالثة كذلك .
واختار الشيخ أن الرمي في أيام التشريق لا يجوز قبل الزوال .
واختار سماحته أن الطهارة شرط لصحة الطواف .
واختار سماحته أنه لا يجوز الرمي بالحصى الذي في الحوض, أما الحصى الذي بجانبه فلا بأس .
واختار سماحته أن من رمى السبع دفعة واحدة, فإنها عن حصاة واحدةٍ فقط. وعليه أن يأتي بالباقي .
واختار سماحته جواز الرمي ليلاً .
واختار سماحته ضعف حديث (( لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس )) .
واختار سماحته جواز الرمي بعد منتصف الليل للضعفة وغيرهم لكن السنة للأقوياء التريث إلى طلوع الشمس .
واختار الشيخ سقوط المبيت بمنى عن أصحاب الأعذار .
واختار سماحته لزوم المبيت بمنى على من غربت عليه شمس اليوم الثاني عشر .
واختار سماحته أفضلية الصوم لمن لم يجد الهدي قبل يوم عرفة وإن صامها في أيام التشريق فلا بأس .
واختار سماحته أن من ذبح هديه قبل يوم النحر فإنه لا يجزئه .
واختار سماحته عدم جواز إخراج قيمة الهدي بل لابد من ذبحه .
ووصف الإفتاء بجواز إخراج القيمة بأنه شرع جديد ومنكر .
واختار سماحته أن من ترك هديه بمكان لا ينتفع به فإنه لا يجزئه .
واختار سماحته أن الهدي إذا ذبح خارج الحرم فإنه لا يجزئ سواءً كان صاحبه عالماً أو جاهلاً .
واختار الشيخ أن الأضحية سنة مؤكدة .
واختار سماحته عدم وجوب طواف الوداع على المعتمر .
واختار سماحته جواز بيع ماء زمزم ونقله من مكة .
واختار سماحته أن السيئات إنما تضاعف كيفاً لا كماً. بحسب شرف الزمان والمكان .
واختار سماحته أن مجرد الهم بالإلحاد في الحرم يوجب على صاحبه الوعيد المذكور في الآية .
واختار سماحته صحة الحج من المال الحرام مع الإثم وأن عليه التوبة .
واختار سماحته أن الأفضل لأهل مكة الاشتغال بالطواف .
واختار سماحته عدم أفضلية الاقتراض لأداء الحج .
واختار سماحته أن الحج واجب على الفور مع الاستطاعة .
واختار سماحته ان توقيت ذات عرق لأهل العراق منصوص عليه من النبي , واجتهاد عمر  كان موافقاً للنص .
واختار سماحته عدم وجوب الإحرام لمن أراد مكة ولم يرد حجاً ولا عمرة .
واختار سماحته عدم استحباب الإكثار من الاعتمار من التنعيم .
واختار سماحته أن أشهر الحج هي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة فقط .
واختار سماحته جواز إسدال المرأة الطرحة على وجهها من غير تكلف لمجافاته بشيء عن وجهها .
واختار سماحته عدم استحباب غسل الحصى .
واختار سماحته الأحوط أن لا يرمي بحجرٍ قد رمي به .
واختار سماحته عدم اشتراط بقاء الحصاة في المرمى وإنما الشرط وقوعها فيه فقط فلو وقعت فيه وتدحرجت منه فلا بأس .
واختار سماحته أن السنة إنما هي قصد الرمي في الحوض لا مجرد إصابة الشاخص, بل قال الشيخ ( ولا يشرع رمي الشاخص ) .
واختار سماحته أن توجيه المذبوح إلى القبلة سنة وليس بواجب .
واختار سماحته استحباب الأكل من لحم الهدي , و لم يقل بالوجوب كما ذهب إليه
بعض أهل العلم .
واختار سماحته عدم جواز الإنابة في الحج عمن كان صحيح البدن مطلقاً أي في حج الفرض أو النفل .
واختار سماحته أن الاشتراط في الإحرام مخصوص بدعاء الحاجة فقط .
واختار سماحته جواز استعمال الحناء للمحرم وقال ( الحناء ليست طيباً ) .
واختار سماحته جواز استعمال الصابون المعطر لكن إن تركه تورعاً فهو الأحسن .
واختار سماحته عدم تحريج من قدم السعي على الطواف نسياناً أو خطأً, ولكن الأحوط عنده أن لا يفعله متعمداً .
واختار سماحته أن صعود الصفا والمروة ليس بواجب وإنما هو سنة, وإنما الواجب عليه استيعاب ما بين الجبلين .
واختار سماحته أن السعي في الطابق العلوي كالسعي في الطابق الأول لأن الهواء يتبع القرار .
واختار سماحته أن من قطع طوافه أو سعيه للصلاة فإنه بعد الفراغ يبدأ من حيث انتهى ولا يلزمه أن يستأنف الشوط من جديد .
واختار الشيخ استحباب تكميل الآية عند الإقبال على الصفا, ولم يستحب ذلك عند المروة ولا عند الصفا مرة ثانية وقال ( أما تكرار ذلك فلا أعلم ما يدل على استحبابه )
واختار سماحته عدم جواز صوم يوم عرفة للحاج .
واختار سماحته عدم إجزاء الوقوف بعرفة قبل الزوال, فمن وقف بها فبل الزوال فقط فكأنه لم يقف, وقال ( وهذا هو الأحوط ) .
واختار سماحته جواز الدفع من مزدلفة بعد منتصف الليل لكل النساء ولو كن قويات .
واختار سماحته في حديث ابن عباس (( من ترك نسكه أو شيئاً منه فليهرق دماً )) أن له حكم الرفع لأنه لا يقال من جهة الرأي ولا يعرف له مخالف من الصحابة .
واختار سماحته أنه لا يجزئ في ذبح الهدي ولا الفدية إلا ما بلغ السن المعتبرة .
واختار سماحته وجوب الدم على من ترك المبيت بمنى ولو كان جاهلاً بحدودها .
واختار سماحته جواز ترك المبيت بمنى للقائمين على مصلحة الحجاج .
واختار سماحته جواز الاستدانة لشراء الهدي ولكن لا يجب ذلك عليه .
واختار سماحته أن من نسي فلم يقصر من شعره أنه يقصر متى ذكر ذلك ولو رجع إلى بلاده فمتى ما ذكر يخلع ثيابه ويلبس الإزار ويقصر وإن قصر وعليه ثيابه جهلاً منه فلا حرج عليه. والله ربنا أعلى وأعلم .
مسألة :- ونتمم لك الفائدة بذكر بعض الاختيارات لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى فأقول وبالله التوفيق:-
اختار فضيلته أن العمرة واجبة .
واختار فضليته أن الحج واجب على الفور .
واختار فضيلته أن فرض الحج كان في السنة التاسعة .
واختار فضيلته أن الصبي إذا دخل في النسك فإنه لا يلزمه الإتمام لأنه غير مكلف ولا ملزم بالواجبات .
واختار الشيخ أن العبد إذا حج بإذن سيده فإنها تجزئه عن حجة الإسلام .
واختار فضيلته وجوب الحج على من وجد الزاد والراحلة ولو لم يكونا صالحين لمثله لأن هذا لا يعد عجزاً .
واختار فضيلته أنه لا يجب على النائب أن يحج من بلد المستنيب .
واختار فضيلته أن المحرم شرط لوجوب الحج .
واختار فضيلته أن أم المزني بها ليست حراماً على الزاني, وأن بنت المزني بها ليست حراماً على الزاني .
واختار فضيلته عدم إلزام الولي بالحج مع موليته, فلا تجب عليه الموافقة ولا يلزمه السفر معها .
واختار فضيلته عدم وجوب الإحرام على كل داخل إلى مكة .
وقال فضيلته ( الأحوط أن من مر بميقاته أحرم الأول ) .
واختار فضيلته أن حدود الحرم توقيفية وليس للرأي فيها مجال .
واختار فضيلته أن شهر ذي الحجة يدخل كله في أشهر الحج .
واختار فضيلته عدم انعقاد الإحرام بالحج قبل حلول أشهره .
واختار فضيلته كراهة عقد الإحرام قبل المواقيت المكانية .
واختار فضيلته أن من لم يمر بالمواقيت فإنه يحرم بمحاذاة أحدها براً أو جواً أو بحراً .
واختار فضيلته أن المحرم إذا لم يجد الماء ليغتسل لإحرامه فإنه لا يشرع له التيمم إنما شرع لرفع الحدث فلا يقاس عليه غيره .
واختار فضيلته حرمة تطييب الثياب .
واختار فضيلته أنه يعفى عن المحرم إذا حك رأسه أو مسحه فانتقل إلى يده شيء من طيب رأسه .
واختار فضيلته أنه ليس للإحرام صلاة تخصه .
واختار فضيلته أن الاشتراط يشرع في حق من خاف مانعاً .
واختار فضيلته أن من اشترط فمنع من البيت فإنه يحل مجاناً فلا شيء عليه .
واختار فضيلته أن من اشترط بلا خوف المانع فإنه اشتراط لاغ لا ينفع صاحبه .
واختار فضيلته أن التمتع كان واجباً على الصحابة فقط فليس هو واجباً مطلقاً، فالفسخ كان واجباً في حق الصحابة سنة فيمن بعدهم .
واختار فضيلته أن المراد بحاضر المسجد الحرام أهل مكة وأهل الحرم .
واختار فضيلته أن ذبح الهدي لا يكون إلا في يوم العيد وأيام التشريق .
وقال فضيلته ( الأحوط للإنسان والأكمل لنسكه أن يهدي ) أي القارن
واختار فضيلته أن التمتع ينقطع إذا سافر بعد العمرة إلى أهله فقط وأما إن سافر إلى غير أهله فإنه لا ينقطع تمتعه وعليه الهدي .
واختار فضيلته استحباب الطهارة للطواف .
واختار فضيلته أن التلبية بعد ركوب الدابة. وعلق القول بحديث ابن عباس على صحته فقال ( الأولى أن لا يلبي المحرم إلا إذا ركب إلا إن صح حديث ابن عباس فإنه يبدأ بالتلبية عقب الصلاة ) ا.هـ.
واختار فضيلته استحباب الاقتصار على التلبية الواردة وإن زاد عليها ( لبيك إله احق ) أو ماثبت عن ابن عمر فإنه لا بأس بذلك .
واختار فضيلته عدم وجوب الفدية على من أخذ من شعر شاربه بعد نموه .
واختار فضيلته عدم وجوب الفدية في الأخذ من شعر الرأس إلا إذا أخذ القدر الذي يحصل فيه إماطة الأذى .
واختار فضيلته عدم المنع من إزالة القمل .
وأجاز فضيلته للمحرم الاستظلال بالشمسية والسيارة ومحل البعير وما أشبه ذلك .
واختار فضيلته عدم جواز لبس الخفين إلا عند عدم وجود النعلين .
واختار فضيلته أن من أحرم في قميص ثم وجد الرداء فإنه يخلعه عادياً ولا يشقه ولا أن ينزله من أسفل .
واختار فضيلته حرمة شم الطيب إذا كان المقصود التلذذ بهذا الشم .
ومنع الشيخ من وضع الطيب على الحجر الأسود وشدد فيه ووصف الواضعين له بالإساءة والعدوان .
واختار فضيلته أن العلة في منع حلق الشعر هي أن فيه إسقاط لنسك مشروع, وقال بعد ذلك ( وهذا التعليل عند التأمل أقرب من التعليل بالترفه ) .
واختار فضيلته أن من طرح القباء على كتفيه دون أن يدخل يديه في كميه أنه لا يعد لابساً للمخيط .
واختار الشيخ جواز لبس الساعة والخاتم والمرآة في العينين وسماعة الإذن وتركيبة الأسنان ونحوه .
واختار فضيلته أن الأفضل للمحرمة كشف وجهها مالم يكن حولها رجال أجانب .
واختار فضيلته جواز أكل الصيد للمحرم إذا لم يصده ولم يصد له ولم يشترك في صيده بقولٍ أو إشارة .
واختار فضيلته أن العقد على ميمونة إنما وقع في حال الحل ورجح حديث ميمونة وأبي رافع على حديث ابن عباس .
واختار فضيلته أن عقد النكاح حرام ولكن لا فدية فيه بل فيه الإثم والعدوان وعدم صحة النكاح .
واختار فضيلته أن المباشرة لا تجب فيها البدنة, بل فيها ما في بقية المحظورات .
واختار فضيلته جواز تغطية الرجل لوجهه حال الإحرام .
واختار فضيلته أنه لا شيء على من قتل الصيد الذي صال عليه ولم يندفع إلا بقتله .
وقال فضيلته ( المحرم إذا قتل الصيد فهو حرام عليه وعلى غيره لأنه بمنزلة الميتة ) .
وضعف الشيخ قاعدة ( إحرام المرأة في وجهها ) .
واختار فضيلته عدم اشتراط التتابع في صيام المتعة والفدية .
واختار فضيلته أن الذي يقوم إنما هو المثل لا الصيد .
واختار فضيلته عدم جواز إخراج قيمة المثل بل لابد من الإطعام بها .
واختار فضيلته سقوط الصوم بسبب فقد الهدي إن كان العبد لا يستطيع الصيام. أي أن ذمته تبرأ .
واختار فضيلته أن القارن عليه طواف واحد وسعي واحد فقط .
واختار فضيلته في هدي الإحصار أنه يذبح في مكانه الذي أحصر فيه .
واختار فضيلته أنه لا شيء على المحصر إذا عدم الهدي أي فلا صيام .
واختار فضيلته عدم فساد حج المكرهة على الجماع .
واختار فضيلته أن من كرر محظوراً من نفس الجنس ولم يفد فإنه يفدي مرة واحدة, إلا إن علمنا أنه أخر الفدية ليكرر فإنه يعامل حينئذٍ بنقيض قصده . وقال الشيخ ( والصحيح أن المحرم لا يجوز له رفض إحرامه ولو رفضه فإنه لا يحل من إحرامه اللهم إلا أن يكون غير مكلفٍ ... ) ا.هـ.
واختار فضيلته سقوط الفدية عن من جامع ناسياً أو مكرهاً أو جاهلاً .
واختار فضيلته سقوط الفدية عن من صاد ناسياً أو مكرهاً أو جاهلاً .
واختار فضيلته أن لرجال الأمن لبس المخيط لحفظ الأمن ويفدون احتياطاً .
واختار فضيلته أن مثل الصيد إذا كان شاة فإنه لا يقوم مقامها – في هذه المسألة – سبع البدنة أو البقرة .
واختار فضيلته أن وادي وج لا يسمى حرماً .
وقال فضيلته ( الصحيح أن الصيد إذا دخل به الإنسان من الحل فهو حلال لأنه ليس صيداً للحرم, بل هو صيد لمالكه وقد كان الناس يشترون الظباء والأرانب في مكة من غير نكير في خلافة عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما ) ا.هـ.
واختار الشيخ جواز صيد الحيوان البحري في الحرم .
وأجاز الشيخ أخذ الكمأة من الأرض .
واختار الشيخ أن قطع الأشجار حرام وفاعله آثم ولكن لا فدية عليه .
واختار فضيلته جواز أخذ الشوك من الطريق إذا تأذى به المارة ولم يكن لهم طريق إلا هذا .
وقال الشيخ ( والصحيح أن صيد المدينة يحرم ولا جزاء فيه إلا إن رأى الحاكم أن يعزره بأخذ سلبه أو تضمينه فلا بأس ) ا.هـ.
واختار الشيخ جواز الرعي بمكة والمدينة .
واختار فضيلته أفضلية دخول مكة من أعلاها إن تيسر له ذلك .
وضعف الشيخ سائر الآثار المروية عند دخول المسجد الحرام وجعل دعاء دخول المسجد الحرام هو بعينه دعاء دخول سائر المساجد .
وجعل فضيلته البدء بالطواف قبل الحجر الأسود من البدع .
واختار فضيلته أن من فاته الرمل في الأشواط الأولى فإنه لا يشرع له قضاؤه .
والقاعدة عند الشيخ ( أن مراعاة الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى من مراعاة الفضيلة المتعلقة بزمانها أو مكانها ) .
واختار فضيلته البناء على غالب الظن عند حصول الشك .
واختار فضيلته عدم اعتبار الشك الحاصل بعد الفراغ من الفعل .
واختار فضيلته عدم صحة الطواف على الشاذروان .
واختار فضيلته جواز تقديم السعي على الطواف في الحج فقط لا في العمرة .
واختار فضيلته شرطية الموالاة في السعي فإن فرق لحاجة فلا بأس .
واختار فضيلته قطع التلبية عند الشروع في الطواف .
واختار أيضاً أن الإحرام بالحج يوم التروية يكون من مكان الحج نفسه الذي هو نازل فيه .
واختار فضيلته أن النزول بنمرة سنة .
واختار فضيلته أن عرنة ليست من عرفات وإن كانت منه تاريخياً .
ومال فضيلته إلى أفضلية الوقوف بعرفة راكباً إلا إذا كان النزول أجمع لقلبه وأخشع له . وقال فضيلته ( الأفضل أن يدعو كل لوحده, فإن دعوا مجتمعين بأن يدعوا أحدهم ويؤمن عليه فلا حرج وقد يكون أخشع لبعضهم ) .
وقال فضيلته ( لا شك أن الوقوف بعد الزوال أحوط ) .
واختار فضيلته جواز صلاة العشاءين في الطريق وقال ( فإن صلاها في الطريق أجزأ خلافاً لابن حزم ) .
واختار فضيلته أن المبيت بمزدلفة واجب لا ركن .
وقال فضيلته ( الأقرب للصواب أن من فاته الوقوف بمزدلفة مكرهاً لزحامٍ ونحوه وقف ولو شيئاً قليلاً ويصح منه وحكمه حكم الذين عذروا عن وقت الصلاة حتى خرج وقتها ) ا.هـ.
واختار فضيلته أفضلية النوم في ليلة المزدلفة وقال ( وهو أفضل من أحيائها بالذكر ) .
واختار فضيلته جواز دفع الأقوياء من مزدلفة قبل الفجر مع شدة الزحام لكن الأفضل البقاء حتى يسفر جداً .
وقال فضيلته ( الذي يظهر لي من السنة أنه لا يستحب أخذ الحصى من المزدلفة بل من عند الجمرة ) ا.هـ.
وقال فضيلته ( الصحيح أن غسل الحصى بدعة لأن النبي  لم يغسله ) ا.هـ.
وقال رحمه الله تعالى ( منى وعرفة ومزدلفة كلها مشاعر لا يجوز لأحدٍ أن يبني فيها بناءً ويؤجره فإن فعل فالناس معذورون في دفع الإيجار والإثم عليه, وكذا مكة ) ا.هـ.
واختار فضيلته أنه لا يكتفى بوضع الحصى في مرمى الجمرات بل لابد من الرمي والتتابع فإن رمى الحصيات مرة واحدة كانت عن حصاة واحدة .
واختار فضيلته جواز الرمي بحصاةٍ قد رمي بها .
واختار فضيلته أن جمرة العقبة ترمى حسب الأيسر للحاج والأخشع لقلبه لكن إن وافق المكان الذي رمى منه  فهو أفضل .
واختار فضيلته جواز عقد النكاح بعد التحلل الأول .
محب الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:41 AM بتوقيت مسقط


Design By: aLhjer Design
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Translated By Sma-jo.com