| |||||
|
|
آخر 1 مشاركات |
| أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
04-22-2011, 03:22 PM | #1 |
إداري تاريخ التسجيل: Jun 2010 المشاركات: 1,222 | وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (لا يبدي العلماء عناية جادة بمعنى ثالث هو عندي أهم , ألا وهو تأثير الإنسان على نفسه ، فالإنسان كائن واعٍ .. ) الكاتب: الشيخ . د. سلمان بن فهد العودة حفظه الله السبت 12 جمادى الأولى 1432الموافق 16 إبريل 2011 حين ناظر أبو الوليد الباجي ابنَ حزم قال الباجي : أنا أعظم منك همّة في طلب العلم ؛ لأنك طلبته وأنت معان عليه ، تسهر بمشكاة الذهب ، وطلبتُه وأنا أسهر على قنديل حارس السوق! فقال ابن حزم : هذا الكلام عليك وليس لك ، لأنك طلبت العلم في تلك الحال الرثّة رجاء تبديلها بمثل حالي ، وأنا طلبتُه في الحال التي تعلمُها من السّعة والغنى ، فلم أرج به إلا علو القدر العلمي في الدنيا والآخرة . وكانت حجة ابن حزم أقوى وأفلج . يتحدث العلماء عادة عن تأثّر الإنسان بأحد شيئين : أولهما : العامل الوراثي البيولوجي ، فالجينوم يحتوى على الكثير من الأسرار والحروف التي تشكّل بإذن الله حدقة العين ولون البشرة ، ولون الشعر والطول ومجموعة من الصفات الجسدية ، كما يقرر العلماء أن ما بين 40-50% من ذكاء الإنسان هو وراثي ، ولابد أن للوراثة تأثيراً كبيراً في الطبائع والأخلاق والصفات كالتسامح أو الشدة أو الغضب ، وكذلك مجموعة الخصائص النفسية . قد ينزع المرء لأبيه ، أو لأمه ، أو يأخذ من هذه الفصيلة وتلك؛ ليصبح هو مزيجاً جديداً مختلفاً عن والديه ، ومتأثراً بهما في الوقت ذاته (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)(النمل: من الآية88) . ويبقى السؤال عن الإنسان الأول قبل هذا التسلسل التاريخي لبني الإنسان ... ؛ هل كانت جيناته خالية من أي قرارات مسبقة فيما من شأنه أن يتغير ؟ ينظر بعض الناس إلى هذه المعلومة المتعلقة بتأثير الوالدين وكأنها جبرية لازمة ، وحتمية قائمة لا مخلص منها ولا مفرّ ، وهو هنا يجد عذراً عمّا يسوؤه من السمات والخصائص والعيوب ! ولسان حاله ما يقول أبو العلاء : هَذا جناه أبي عليّ .. وما جنيتُ على أحد ! وهذه قَدَريّة عمياء ، تمليها الجهالة ويسوغها العجز ، وتزيّنها نظريات تسمح للإنسان بألوان من الانحراف والشذوذ تحت ذريعة الحتمية الوراثية, أو تأثير الخلايا والهرمونات . وأوسع من ذلك نظرية فرويد الذي كانت أفكاره فيما يسمى " عقدة أوديب " والدافع الجنسي واللاوعي تُناقَش في كل مكان في منتصف القرن العشرين . ثم آلت إلى أن تصبح " هامشاً " في دفتر المعرفة لدى الأطباء والعلماء والمختصين ، ويتبيّن أن ولع بعض المفتونين بها كان نتيجة عقدة النقص ، وليس البحث العلمي النزيه . المؤثر الثاني : هو الجانب البيئي الاجتماعي ، كتأثير الأسرة والشارع والأصدقاء والمدرسة ووسائل الإعلام وقنوات الاتصال . من المتفق عليه لدى جميع علماء النفس والاجتماع والتربية أن ثمّ تأثيراً كبيراً لهذه الأوعية على الإنسان ، أكان تأثيراً في ذات الاتجاه بخضوع الإنسان لمطالبها وإلحاحاتها وهو الأعم الأغلب ، أو كان تأثيراً عكسياً بردّة الفعل لدى فئة قليلة ترفض سطوة المجتمع وتسير في خط مضاد لأسبابها الخاصة بها . الغريب حقاً أن هؤلاء العلماء يعترفون بالعجز عن الفصل بين الأشياء التي هي من تأثير الوراثة ، والأشياء التي هي من تأثير المجتمع ، ويؤمنون بالتداخل الشديد بينها بحيث يبدو الفصل بينها نوعاً من التزييف أو ضرباً من المحال . وحتى الجواب عن سؤال : أيها أكثر تأثيراً : الموروث أو البيئة .. هذا غير معروف على وجه الدقة . لا يبدي العلماء عناية جادة بمعنى ثالث هو عندي أهم , ألا وهو تأثير الإنسان على نفسه ، فالإنسان كائن واعٍ ، ومنذ سني الطفولة الأولى يلتقط كلمة " أنا " ويبدأ بالإحساس بأنه شيء آخر غير والديه وغير إخوانه ، بخلاف الحيوانات والطيور التي لا تعقل هذا المعنى . تطوير هذا الوعي ليصبح قدرة على قراءة النفس ، ومعرفة دوافعها فيما تفعل ، ومعرفة أخطائها وعيوبها الجوهرية ، والرقي بأدائها من الحسن إلى الأحسن بعيداً عن التعذير والخداع هو معنى عظيم . (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) (القيامة:15،14) . قال سعيد بن جبير: شاهد على نفسه ولو اعتذر. وقال مجاهد : ولو جادل عنها ، فهو بصيرة عليها. حتى معرفة العيوب الموروثة من الوالدين أو الأسرة ، أو العيوب المتكونة بسبب التربية وتأثير المدرسة أو الأصدقاء أو ظروف الطفولة. هل هذا من تأثير التربية ؟ نعم ! رُبّ تربية يكون من حسناتها حفز الإنسان على أن يعرف ذاته, وأن ينشغل بها ويصنع الأحافير ويكتشف الكهوف والمغارات والسراديب في أطوائها ، ليس هذا فقط ، بل ويعمل بجد وصبر ودأب على ترميمها وإصلاحها أو تحجيم نفوذها وتأثيرها على شخصيته وحياته . الفارق هو بين من يلتقط هذه الفكرة (فكرة عالج نفسك بنفسك) ، وقد يجدها عند والده أو مُدرّسه أو زميله, أو يقرؤها في كتاب أو يسمعها في برنامج , ثم يعمل على تحويلها إلى عادة سلوكية يمارسها بانتظام ، ليس في التصرفات العملية فحسب ، بل وفي الإحساسات العاطفية والتي يمليها القلب ، والأحكام العلمية التي يقررها العقل . فالقلب والمخ هي أعضاء يستطيع المرء أن يتحكم فيها بدرجة ما ، وهو مسؤول عنها . وحين يمارسها بانتظام فهذا يعني أن تتحول مع الوقت والمداومة واليقظة إلى مؤثر أكبر في شخصيته . ستدين له نفسه وتستسلم في أشياء ، وستظل جيوب مقاومة ورفض في أشياء ، وسيعجز عن معالجة نمطٍ مستعصٍ من العيوب ، فالأشياء التي لا يحبها في نفسه عليه أن يغيرها ، وحين يعجز عن تغييرها فعليه أن يحاول ، وحين يعجز عن المحاولة عليه أن يتكيف معها . حين يتحقق لك نجاح عليك أن تقرأ على ملامحه بصمات كثيرة شاركتك في صناعته ، والدك ، زوجتك ، أصدقاؤك ، رئيسك ، القريب الذي تبنّى المشروع ودعمه .. إلى آخر القائمة التي تتسع وتطول أو تقصر , حسب طبيعتك النفسية , وحسب قدرتك على التجرد من الأنانية وحظ النفس , لتمنح الآخرين دورهم وتثني على إنجازهم . وفي سياق الذم ذكر الله تعالى قول قارون : (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)(القصص: من الآية78) ، حتى خصومك ساعدوك على النجاح من حيث لم تتوقع . عِداتي لَهُم فَضلٌ عَليَّ وَمِنَّةٌ فَلا أَبعدَ الرَحمنُ عَنّي الأَعاديا همُ بَحَثوا عَن زلَّتي فَاجتَنَبتُها وَهُم نافَسُوني فَاكتَسَبت المَعاليا هل من العدل أن ينسب الإنسان النجاح لنفسه ومواهبه وسهره ، ليثبت الفشل لمجتمعه وبيئته حين يتحدث عن العقبات التي واجهها في بداية حياته ، حتى نجد كثيراً من الكاتبين أو المتحدثين عن سيرهم الذاتية يبالغون في رسم التحدي الذي لقوه ، وما أبرئ نفسي أن يكون القلم تجاوز بشيء من هذا في " طفولة القلب " ! فرق ما بين الواعي والمتخلف أن الواعي يدرك أن النجاح ليس صفة لازمة للإنسان ، والذي نجح في حفر قناة السويس فشل في حفر قناة بنما ، والنجاح يكون حتى في التعامل مع الفشل .. فهنا لدينا القدرة على التعبير بـ " الفشل الناجح " أي : الذي يمنح المرء دروساً وخبرة ، ويزيده صبراً وإصراراً ، ويكشف له جوانب خلل في ذاته ، ليعيد المحاولة ويحقق الهدف . والنجاح ليس سمة حتمية دائمة , وإنما هو نتيجة ؛ ولذا فعلى المرء أن يكون قادراً على استيعاب الفشل والإخفاق كقدرته على استيعاب النجاح. وربما كان الفشل سبباً إلى النجاح أو كان النجاح سبباً إلى الفشل . وربّما كانَ مكروه النفوسِ إلى محبوبِها سبباً ما مثله سببُ يقظة الفرد عامل جوهري في النجاح ، نجاح العلاقة الزوجية ، أو الصداقة ، أو المشروع التجاري أو الثقافي ، أو النهضوي ، وهذا إيمان بالفرد القادر على التغيير (لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ)(النساء: من الآية84) . والمجتمع والبيئة هي الحاضن لهذا النجاح ، ومن صميمها وجد الدفع والتحفيز ، أكان إيجابياً بصناعة المناخات الداعمة للإبداع والتألق والبحث والتطوير ، أو حتى سلبياً بصناعة التحدي الذي يستفز كوامن الإبداع ويحركها . ليس من العدل أن تتحدث عن البيئة بلغة الازدراء والتنقص أو التسفيه المطلق ، أو الأحكام التعميمية " الناس منافقون ، أغبياء ، جهلة ، ماديون .. إلخ " . أو أن تردد مع (الحريري) ؟ قوله : لا تغتررْ ببني الزمانِ ولا تقلْ عند الشدائد: لي أخ ونديمُ جربتُهم فإذا المعاقر عاقر والآل آل والحميم حميمُ ! الحميم الأول : القريب ، والحميم الثاني : هو الماء الشديد الحرارة .. ولهذا الحرف تعليق قادم بإذن الله . |
|
|