08-17-2010, 03:26 PM | #1 |
إداري تاريخ التسجيل: Jun 2010 المشاركات: 1,222 | أفضل من قرأت عنه في مسألة الدم . قال الشيخ الفاضل وليد السعيدان في رسالتة فقة الدليل والتعليل والتأصيل مسألة:- واختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في الدم ، والراجح عندي التفصيل فيه فأما دم الحيض فقد قدمنا اتفاق أهل العلم رحمهم الله تعالى على نجاسته مع بيان الأدلة على ذلك ، وأما الدم المسفوح فكذلك أيضا هو نجس على القول الصحيح ، وهو قول عامة أهل العلم إلا ما ندر ، وبرهان ذلك قوله تعالى } قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ { والرجس :- النجس ، وقوله } أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا { هذا قيد للإطلاق في قوله تعالى } حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ { فالدم أطلق هنا في سورة المائدة وقيد هناك في سورة الأنعام ، والمتقرر في الأصول أن المطلق يبنى على المقيد إذا اتفقا في الحكم ، وهنا قد اتفقا في الحكم والسبب ، فإن قلت :- وكيف يبنى المطلق على المقيد والمطلق هو المتأخر ، فإن سورة المائدة من أواخر ما نزل من القرآن ، فهي مدنية بالاتفاق ، وأما سورة الأنعام فهي مكية بالاتفاق ؟ فأقول :- لقد تقرر في الأصول:- أنه لا يضر في بناء المطلق على المقيد تقدم أحدهما على الآخر ، أو تأخره عنه ، كما قلناه في العموم والخصوص ، فإن العام يبنى على الخاص ولو كان العام هو المتأخر فتأخره لا يضر عند جمهور الأصوليين ، خلافا للحنفية ، فكذلك المطلق والمقيد ، فإن المطلق يبنى على المقيد وإن كان المطلق هو المتأخر ، فالدم المطلق في سورة المائدة إنما يراد به الدم المسفوح ، على القيد الوارد في سورة الأنعام ، وقد تقرر في القواعد أن العموم المطلق بدلي لا شمولي ، يعني أنه المطلق بعد التقييد لا يصدق إلا على ما يصدق عليه المقيد فقط ، فلا يبقى منه شيء بعد التقييد ، بخلاف العام بعد التخصيص ، وهذه مسألة أصولية ذكرتها في كتابي ( تعريف الطلاب بأصول الفقه في سؤال وجواب ) والمهم أن قوله " أو دما مسفوحا " يفيد أن الدم المسفوح نجس ، ولأن الدم المسفوح أصلا هو علة تنجيس الميتة حتف أنفها ، فكيف يكون هو العلة في نجاستها ولا يكون هو في ذاته نجسا ؟ هذا بعيد ، وأما ما عدا هذين من الدماء ، فإنني لا أعلم دليلا صريحا صحيحا يفيد أنها نجسة ، وإنما الدليل فقط قام على نجاسة دم الحيض ، والدم المسفوح ولكن بقية الدماء ، أين الدليل على القول بنجاستها ؟ بل إنه قد ورد الدليل على أنه طاهر وليس بنجس ، فمن الأدلة حديث عائشة رضي الله عنها قالت :- أصيب سعد يوم الخندق في الأكحل ، فضرب النبي عليه الصلاة والسلام خيمة في المسجد ليعوده من قريب ، فلم يرعهم - وفي المسجد خيمة من بني غفار - إلا الدم يسيل إليهم فقالوا :- يا أهل الخيمة ، ما هذا الذي يأتينا من قبلكم ؟ فإذا سعد يغذو جرحه دما فمات فيها . متفق عليه ، ومن أصيب في أكحله فإن نزيف الدم منه متوقع في أي لحظة ومع ذلك فقد أدخله النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ، وهو عالم بأن دمه قد ينزف ويلوث المسجد في أي لحظة ، فإدخاله في المسجد والحال كذلك دليل على أن الدم ليس بنجس ، إذ لو كان نجسا لتحفظ من ذلك ، مع قوله (( إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من هذا البول ولا القذر )) ومن الأدلة أيضا :- حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه ، وهي مستحاضة ترى الدم ، فربما وضعت الطست تحتها من الدم . والحديث في صحيح البخاري ، فانظر بالله عليك ، كيف أذن لها النبي صلى الله عليه وسلم بالاعتكاف الذي تطول مدته في الغالب ، وهي على هذه الحال من خروج الدم منها ، مع أنهم يضعون الطست تحتها أحيانا من كثرة ما تثج الدم ، فلو كان نجسا لنزه النبي صلى الله عليه وسلم المسجد عن مثل ذلك ، مع قوله (( إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من هذا البول ولا القذر )) فانظر بعين الإنصاف ، تجد الأمر واضحا فيما رجحناه ومن الأدلة أيضا القول الصحيح ، جواز وطء المستحاضة ، ولو كان دمها ينزل، بأدلة ستأتينا في باب الحيض إن شاء الله تعالى ، فلو كان دمها نجسا لما جاز ذلك ، ولكن لما جاز وطؤها أفاد ذلك أن دمها طاهر وليس بنجس ، ومن الأدلة أيضا أن الصحابة في الحروب لم يزالوا يصلون بجراحاتهم ، والدم على ثيابهم وسيوفهم ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يأمرهم بالتحرز من شيء من ذلك مما يفيد أن الدم طاهر ، لا سيما من بني آدم ، لأنه لو كان نجسا لأمرهم بغسله ، لأن التطهر من النجاسة شرط من شروط صحة الصلاة ، فلما لم يأمرهم دل على أنه طاهر ، وأن الصلاة معه صحيحة ، والمتقرر أن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم حجة على الجواز ، والمتقرر أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ، ومن الأدلة أيضا حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما وهو حديث طويل في قصة الحارسين ، المهاجري والأنصاري ، اللذين بعثهما النبي صلى الله عليه وسلم لحراسة الجيش ، فنام المهاجري وقام الأنصاري يصلي ، وجاء مشرك فرمى الأنصاري بثلاثة أسهم ، كل ذلك ينزعها وهو لا يقطع صلاته ... الحديث . وهو حديث حسن إن شاء الله تعالى ، ووجه الاستشهاد به أن هذا الأنصاري قد استمر في صلاته والدماء تنزف منه ، ومن المعلوم أن مثل هذا الفعل لا يخفى على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قائد الجيش ، وهو الذي بعثهم بنفسه ، فلا جرم أنه سيعلم الحادثة بكل تفاصيلها ، ومع ذلك فلم ينكر على الأنصاري استمراره في الصلاة مع خروج الدم ، مما يفيد أن خروج الدم لا يضر من جهتين :- من جهة أنه لا ينقض الوضوء ومن جهة أنه طاهر وليس بنجس ، والله أعلم ، ومن الأدلة أيضا ثبوت طهارته عن جمع من الصحابة بحسب أفعالهم ، فابن عمر عصر بثرة في وجهه فخرج شيء من دمه فحكه بين أصبعيه ، وصلى ولم يتوضأ ، وسنده صحيح ، وبزق عبدالله بن أبي أوفى دما ثم قام فصلى ، وسنده حسن ، وعمر حين طعن ، بقي في صلاته ، ولم يخرج منها إلا لما أثقلته الجراح ، وأدخل أبو هريرة أصبعه في أنفه فخرج وفيها دم ، ففته بأصبعه ، ثم صلى ولم يتوضأ ، وابن مسعود صلى وعلى بطنه فرث ودم ، فلم يعد الصلاة ، وسنده صحيح ، ومن الأدلة أيضا أن المتقرر شرعا أن الشهيد في المعركة يدفن بثيابه وكلومه ودمائه ، ولا يمسح عنه شيء منها ، فلو كان الدم نجسا لأمر بغسله عنه ، ولكن لما أمر بدفنه بدمه أفاد ذلك أنه طاهر ، ومن الأدلة أيضا أن المتقرر أن ما عمت به البلوى وكثر ، فإنه يجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يبينه للناس بيانا شافيا قاطعا للعذر وخروج الدم من المسائل التي تعم بها البلوى ، ومما يحتاج الناس إلى معرفة الحال فيه ومع ذلك فليس في السنة فيما أعلم دليلا صحيحا صريحا يفيد وجوب غسله ، إلا في الدمين اللذين ذكرتهما لك سابقا ، وأعني الدم المسفوح ودم الحيض ، فقط ، وأما غيرهما من الدماء ، فلا دليل فيها ، بل الأدلة فيها تقضي أنه طاهر ، ومن الأدلة أيضا حديث عائشة أنهم كانوا يأكلون اللحم والدم خطوط على القدر ، وهو الدم الباقي في العروق بعد ذبح الحيوان وخروج الدم المسفوح ، مما يفيد أن المحرم إنما هو الدم المسفوح ، وأما النهي عن بيعه وشربه فإن النهي عن الشيء لا يستلزم أنه نجس ، لأن المتقرر أنه ليس كل حرام نجس ، فإن قلت :- فقد ادعى بعض أهل العلم رحمهم الله تعالى الإجماع على نجاسة الدم ، والإجماع من حجج الشرع ، فأقول :- نعم ، هذا صحيح ، ولكن حكاية الإجماع فيها نظر ، وذلك لثبوت الخلاف ، وما ذكرناه من الآثار عن بعض الصحابة ، كاف في نقض هذه الدعوى ، والله أعلم . |
| |