ملتقى أهل الدعوة إلى الله عز وجل
 

العودة   ملتقى أهل الدعوة إلى الله عز وجل > المنتدى للتصفح فقط ولا يوجد تسجيل أو مشاركات سوى الإدارة .. لمراسلتنا على بريدنا ahldawa@gmail.com > استراحة الملتقى ..
المنتديات موضوع جديد التعليمـــات المجموعات التقويم مشاركات اليوم البحث

آخر 1 مشاركات دعواتكم لإخوانكم في فلسطين وفي كل مكان ممن اُعتدي عليهم ودعواتكم لكل مسلم متضرر في شتى بقاع الأرض (الكاتـب : - )      
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-14-2011, 10:06 PM   #1
إداري
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 1,222
افتراضي الألباني الإمام ومستقبل الإسلام ..

الألباني الإمام ومستقبل الإسلام

بقلم » الشيخ سليم بن عيد الهلالي





لقد كان شيخنا الإمام الألباني من أشد الناس تفاؤلاً في النصر والتمكين لهذا الدين؛ لأن التفاؤل تقوية للعزم، وباعث على الجد، ومعونة على بلوغ الهدف، ومؤنة لبلوغ المنزل، رغم ما يدركه من عقبات وعقابيل وعراقيل توضع في طريق أمة الإسلام؛ بيّن ذلك في محاضراته ودروسه، وكتبه، وسجله في رسائله، فقد بدأ سلسلته الذهبية «سلسلة الأحاديث الصحيحة» بعنوان: «المستقبل للإسلام»، وافتتحها بتأصيل هذه المسألة؛ فقال:

«المستقبل للإسلام

قال الله -عز وجل-: ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) [التوبة:33]

تبشرنا هذه الآية الكريمة بأن المستقبل للإسلام بسيطرته وظهوره وحكمه على الأديان كلها، وقد يظن بعض الناس أن ذلك قد تحقق في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين والملوك الصالحين، وليس كذلك، فالذي تحقق إنما هو جزء من هذا الوعد الصادق؛ كما أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:

1- «لا يذهب الليل و النهار حتى تعبد اللات و العزى , فقالت عائشة: يا رسول الله! إن كنت لأظن حين أنزل الله ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون )أن ذلك تامًا.

قال: «إنه سيكون من ذلك ما شاء الله».

و قد وردت أحاديث أخرى توضح مبلغ ظهور الإسلام و مدى انتشاره, بحيث لا يدع مجالاً للشك في أن المستقبل للإسلام بإذن الله و توفيقه.

وها أنا أسوق ما تيسر من هذه الأحاديث عسى أن تكون سببًا لشحذ همم العاملين للإسلام, وحجة على اليائسين المتواكلين.

2- «إن الله زوى لي الأرض, فرأيت مشارقها و مغاربها، و إن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها».

و أوضح منه و أعم الحديث التالي:

3- «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل و النهار, ولا يترك الله بيت مدر، ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين؛ بعز عزيز، أو بذل ذليل, عزًّا يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر».

و مما لا شك فيه: أن تحقيق هذا الانتشار يستلزم أن يعود المسلمون أقوياء في معنوياتهم و مادياتهم و سلاحهم؛ حتى يستطيعوا أن يتغلبوا على قوى الكفر والطغيان, و هذا ما يبشرنا به الحديث:

4- (عن أبي قبيل؛ قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاصي، و سئل أي المدينتين تفتح أولاً: القسطنطينية أو رومية? فدعا عبد الله بصندوق له حلق؛ قال: فأخرج منه كتابًا؛ قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب؛ إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولاً: أقسطنطينية أو رومية? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مدينة هرقل تفتح أولاً. يعني: قسطنطينية».

و(رومية): هي روما؛ كما في «معجم البلدان»، و هي عاصمة إيطاليا اليوم.

وقد تحقق الفتح الأول على يد محمد الفاتح العثماني؛ كما هو معروف, وذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح, و سيتحقق الفتح الثاني بإذن الله –تعالى- و لابد, ولتعلمن نبأه بعد حين.

ولا شك أيضًا أن تحقيق الفتح الثاني يستدعي أن تعود الخلافة الراشدة إلى الأمة المسلمة , وهذا مما يبشرنا به صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث:

5- «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون, ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة, فتكون ما شاء الله أن تكون, ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها, ثم تكون ملكًا عاضًا؛ فيكون ما شاء الله أن تكون, ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها, ثم تكون ملكًا جبريًا، فتكون ما شاء الله أن تكون, ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها, ثم تكون خلافة على منهاج النبوة, ثم سكت».

ومن البعيد عندي حمل الحديث على عمر بن عبد العزيز؛ لأن خلافته كانت قريبة العهد بالخلافة الراشدة، ولم تكن بعد ملكين: ملك عاض وملك جبرية, والله أعلم.

هذا، وإن من المبشرات بعودة القوة إلى المسلمين، واستثمارهم الأرض استثمارًا يساعدهم على تحقيق الغرض, و تنبىء عن أن لهم مستقبلاً باهرًا، حتى من الناحية الاقتصادية والزراعية: قوله صلى الله عليه وسلم:

6- «لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجًا و أنهارًا».

رواه مسلم.

وقد بدأت تباشير هذا الحديث تتحقق في بعض الجهات من جزيرة العرب، بما أفاض الله عليها من خيرات و بركات و آلات ناضحات تستنبط الماء الغزير من بطن أرض الصحراء، و هناك فكرة بجر نهر الفرات إلى الجزيرة كنا قرأناها في بعض الجرائد المحلية، فلعلها تخرج إلى حيز الوجود, و إن غدا لناظره قريب( 1).

هذا، و مما يجب أن يعلم بهذه المناسبة أن قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم».

رواه البخاري في «الفتن» من حديث أنس مرفوعًا.

فهذا الحديث ينبغي أن يفهم على ضوء الأحاديث المتقدمة وغيرها؛ مثل أحاديث المهدي، و نزول عيسى -عليه السلام-؛ فإنها تدل على أن هذا الحديث ليس على عمومه؛ بل هو من العام المخصوص؛ فلا يجوز إفهام الناس أنه على عمومه فيقعوا في اليأس الذي لا يصح أن يتصف به المؤمن؛ ( إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ) أسأل الله أن يجعلنا مؤمنين به حقًا.


حض الإسلام على استثمار الأرض وزرعها

فيه أحاديث كثيرة؛ أذكر ما تيسر منها:

7- عن أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم:

«ما من مسلم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة إلا كان له به صدقة».

8- عن جابر مرفوعًا:

«ما من مسلم يغرس غرسًا؛ إلا كان ما أكل منه له صدقة، و ما سرق منه له صدقة، وما أكل السبع منه، فهو له صدقة، وما أكلت الطير، فهو له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة [إلى يوم القيامة])».

9- عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

«إن قامت الساعة و في يد أحدكم فسيلة, فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها».

الفسيلة: هي النخلة الصغيرة.

ولا أدل على الحض على الاستثمار من هذه الأحاديث الكريمة, لاسيما الحديث الأخير منها؛ فإن فيه ترغيبًا عظيمًا على اغتنام آخر فرصة من الحياة في سبيل زرع ما ينتفع به الناس بعد موته؛ فيجري له أجره، وتكتب له صدقته إلى يوم القيامة.

وقد ترجم الإمام البخاري في «الأدب المفرد» لهذا الحديث بقوله: «باب اصطناع المال».

ثم روى عن الحارث بن لقيط قال:

«كان الرجل منا تنتج فرسه؛ فينحرها، فيقول: أنا أعيش حتى أركب هذه؟ فجاءنا كتاب عمر: أن أصلحوا ما رزقكم الله؛ فإن في الأمر تنفسًا».

وسنده صحيح.

وروى بسند صحيح عن داود قال: قال لي عبد الله بن سلام: إن سمعت بالدجال قد خرج وأنت على ودية تغرسها؛ فلا تعجل أن تصلحه, فإن للناس بعد ذلك عيشًا.

وروى ابن جرير عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي : ما يمنعك أن تغرس أرضك? فقال له أبي: أنا شيخ كبير أموت غدًا.

فقال له عمر: أعزم عليك لتغرسنها. فلقد رأيت عمر بن الخطاب يغرسها بيده مع أبي».

ولذلك عدّ بعض الصحابة الرجل يعمل في إصلاح أرضه عاملاً من عمال الله -عز وجل-.

فروى البخاري في «الأدب المفرد» عن نافع بن عاصم أنه سمع عبد الله بن عمرو قال لابن أخ له خرج من (الوهط): «أيعمل عمالك?». قال: لا أدري. قال: «أما لو كنت ثقفيًا؛ لعلمت ما يعمل عمالك», ثم التفت إلينا فقال:

«إن الرجل إذا عمل مع عماله في داره (و قال الراوي مرة: في ماله)؛ كان عاملاً من عمال الله -عز وجل-».

و سنده حسن إن شاء الله تعالى .

و(الوهط) في اللغة: هو البستان، وهي أرض عظيمة كانت لعمرو بن العاص بالطائف على ثلاثة أميال من (وج)؛ يبدو أنه خلفها لأولاده.

وقد روى ابن عساكر في«تاريخه» بسند صحيح عن عمرو بن دينار قال:

«دخل عمرو بن العاص في حائط له بالطائف يقال له: (الوهط)، [فيه] ألف ألف خشبة, اشترى كل خشبة بدرهم»

يعني: يقيم بها الأعناب.

هذه بعض ما أثمرته تلك الأحاديث في جملتها من السلف الصالح -رضي الله عنهم-.

وقد ترجم البخاري في«صحيحه»" للحديثين الأولين بقوله:

«باب فضل الزرع إذا أكل منه».

قال ابن المنير :

«أشار البخاري إلى إباحة الزرع, وأن من نهى عنه؛ كما ورد عن عمر فمحله ما إذا شغل الحرث عن الحرب ونحوه من الأمور المطلوبة, وعلى ذلك يحمل حديث أبي أمامة المذكور في الباب الذي بعده».


التكالب على الدنيا يورث الذل

ذكرت بعض الأحاديث الواردة في الحض على استثمار الأرض, مما لا يدع مجالاً للشك في أن الإسلام شرع ذلك للمسلمين، ورغبهم فيه أيما ترغيب.

والآن نورد بعض الأحاديث التي قد يتبادر لبعض الأذهان الضعيفة أو القلوب المريضة أنها معارضة للأحاديث المتقدمة, و هي في الحقيقة غير منافية له, إذا ما أحسن فهمها, وخلت النفس من اتباع هواها!

10- عن أبي أمامة الباهلي قال، ورأى سكة و شيئًا من آلة الحرث فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

«لا يدخل هذا بيت قوم؛ إلا أدخله الله الذل».

وقد وفق العلماء بين هذا الحديث، والأحاديث المتقدمة في آنفًا بوجهين اثنين:

الأول: أن المراد بالذل ما يلزمهم من حقوق الأرض التي تطالبهم بها الولاة من خراج أو عشر, فمن أدخل نفسه في ذلك؛ فقد عرضها للذل.

قال المناوي في «الفيض»:

«وليس هذا ذمًا للزراعة؛ فإنها محمودة مثاب عليها لكثرة أكل العوافي(2 ) منها, إذ لا تلازم بين ذل الدنيا، وحرمان ثواب البعض».

ولهذا قال ابن التين:

«هذا من أخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات؛ لأن المشاهد الآن أن أكثر الظلم إنما هو على أهل الحرث».

الثاني: أنه محمول على من شغله الحرث والزرع عن القيام بالواجبات؛ كالحرب ونحوه, وإلى هذا ذهب البخاري حيث ترجم للحديث بقوله:

«باب ما يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع, أو مجاوزة الحد الذي أمر به».

فإن من المعلوم أن الغلو في السعي وراء الكسب يلهي صاحبه عن الواجب، ويحمله على التكالب على الدنيا والإخلاد إلى الأرض، والإعراض عن الجهاد, كما هو مشاهد من الكثيرين من الأغنياء.

و يؤيد هذا الوجه قوله صلى الله عليه وسلم:

11- «إذا تبايعتم بالعينة(3 ), وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم».

فتأمل كيف بين هذا الحديث ما أجمل في حديث أبي أمامة المتقدمة قبله, فذكر أن تسليط الذل ليس هو لمجرد الزرع والحرث؛ بل لما اقترن به من الإخلاد إليه والانشغال به عن الجهاد في سبيل الله, فهذا هو المراد بالحديث, وأما الزرع الذي لم يقترن به شيء من ذلك، فهو المراد بالأحاديث المرغبة في الحرث؛ فلا تعارض بينها ولا إشكال.

(تنبيه): من البواعث على كتابة هذا المقال: أن مستشرقًا ألمانيًا زعم لأحد الطلاب المسلمين السوريين هناك أن الإسلام يحذر من تعاطي أسباب استثمار الأرض! واحتج بهذا الحديث، وقال: إنه في البخاري؛ متعاميًا عن المعنى الذي ذكره البخاري نفسه في ترجمته للحديث السابق.

12- «لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا».

قال القرطبي: يجمع بينه وبين حديث الباب بحمله على الاستكثار والاشتغال به عن أمر الدين, وحمل حديث الباب على اتخاذها للكفاف أو لنفع المسلمين بها وتحصيل توابعها».

قلت: ومما يؤيد هذا الجمع لفظ في حديث عبد الله بن مسعود؛ (التبقر): التكثر والتوسع.والله أعلم.

واعلم أن هذا التكثر المفضي إلى الانصراف عن القيام بالواجبات التي منها الجهاد في سبيل الله؛ هو المراد بالتهلكة المذكورة في قوله تعالى: ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة )[البقرة:195]، وفي ذلك نزلت الآية خلافًا لما يظن كثير من الناس! فقد قال أسلم أبو عمران :

13- «غزونا من المدينة, نريد القسطنطينية, وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد, والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة, فحمل رجل منا على العدو, فقال الناس: مه مه! لا إله إلا الله! يلقي بيديه إلى التهلكة! فقال أبو أيوب الأنصاري: إنما تأولون هذه الآية هكذا؛ أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة, أو يبلي من نفسه! إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار, لما نصر الله نبيه، وأظهر الإسلام؛ قلنا: بيننا خفيًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلم نقيم في أموالنا ونصلحها, فأنزل الله تعالى: (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة: أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد.

قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله، حتى دفن بالقسطنطينية».


إعلام الأنام بفقه مستقبل الإسلام عند الشيخ الإمام

1- مستقبل الإسلام ينقسم إلى قسمين:

أ- قسم تحقق في عهده صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين والملوك الصالحين.

ب- وقسم لم يتحقق بعد.

2- أن القسم الذي تحقق جزء من هذا الوعد الصادق؛ لأن الآتي هو انتشار الإسلام في كل مكان وظهوره على جميع الملل والنحل.

3- أن القسم الذي تحقق مقدمة ودليل على القسم الذي لم يأت أوانه، فالذي صدق في إخباره أول مرة دليل على صدقه كل مرة؛ لأن ما وعد فيه تحقق وسيتم الله وعده.

4- أن الإيمان بأن المستقبل للإسلام وحده بإذن الله وتوفيقه عون للمسلمين على العمل لتحقيق ذلك، وسبب لشحذ هممهم، وحجة على اليائسين البائسين أن الخير في أمة الإسلام موصول؛ فجلسوا متواكلين خاذلين.

5- المرجعية في تأصيل هذا المنهج وتفصيله كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم:

أ- السنة تفسر القرآن، وتفصل مجمله، ولذلك استدل بقوله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ...) ثم فسرها بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ب- أن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوضح بعضها بعضًا، ولذلك لا بد من جمعها في الباب الواحد.

6- أن تحقيق ذلك وفق سنن الله الجارية؛ فلا بد أن يرجع المسلمون أقوياء في معنوياتهم برجوعهم إلى دينهم الحق ومادياتهم وسلاحهم باستثمارهم أرضهم واستخراج ثرواتها.

7- أن رجوع المسلمين إلى مكانتهم العالمية وتمكنهم من القوتين الإيمانية والمادية يكون بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة وتطبيق حكم الله في الأرض، فالخلافة الراشدة تنشر التوحيد وتوحد كلمة المسلمين.

8- أن القوة السياسية والعسكرية ينبغي أن يردفها قوة اقتصادية هائلة تجعل الأمة الإسلامية في اكتفاء ذاتي؛ فلا بد أن تلبس مما تصنع، وتأكل مما تزرع، وتستثمر الأرض زراعة، وتعمرها صناعة.

9- أن الإسلام دين عملي ينتقل بالإنسان من مجال الفكرة المجردة إلى الإيمان القلبي والعقلي إلى التطبيق العملي، ولذلك حض على ذلك كله.

10- أن السلف الصالح فهموا ذلك كله، فعاشوه عمليًا وطبقوه واقعيًا فكانوا أئمة ولغيرهم قدوة صالحة.

11- أن التقدم السياسي والعسكري والاقتصادي وسائل وليس غايات؛ فإذا انقلبت الوسائل إلى غايات، وانتكست النتائج فصارت مقدمات، أصاب الأمة ذل، وطمع بها أعداؤها، وغزوها في عقر دارها؛ فمزقزها شر ممزق.

12- إذا وقعت الأمة في ذلك فلا نجاة لها إلا بالرجوع الأمين لهذا الدين؛ فإنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها، وما لم يكن يومئذ دينًا فليس بدين.

13- أن الدعاة المصلحين والعلماء الربانيين لا بد أن يحذروا الأمة المسلمة من فتنة الشهوات، المتمثلة في حب الدنيا، وفتنة الشبهات التي ينشرها أعداء الأمة من المستشرقين والمستغربين.


رفع الملام عن شيخنا الإمام

في ضوء ما سبق ذكره، يتبين لكل منصف أن شيخنا على بصيرة بشرع الله وقدره، وأنه من عدول هذه الأمة الذين أطاعوا الله في نهيه وأمره.

لأن هذه القرائن لغة بذاتها لا يفهمها إلا الرجال الذين هم مفاتيح الخير مغاليق الشر؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «عند الله خزائن الخير والشر، مفاتيحها الرجال، فطوبى لمن جعله الله مفتاحًا للخير، مغلاقًا للشر، وويل لمن جعله الله مفتاحًا للشر، مغلاقًا للخير»( 4).

وإليك مفردات هذه القرائن.

1- معرفة شيخنا الإمام التامة بفقه التربية الربانية، ومنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أشاع الأمل في نفوس أصحابه بمستقبل الإسلام في عصري التكوين والتمكين؛ فقد ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه على الأمل واليقين في فجر مستطير لأمة الإسلام، يملأ أرجاء الكون ويبسط سلطانه على أصقاع المعمورة.

فلا شيء في هذه الحياة يعدل الثقة للمسلمين بدينهم، وبث الأمل في نفوسهم، ولذلك فإن الذي يعيش هموم أمته وواقعها، ويعمل لربطها بماضيها، لتستقر في حاضرها، وتنتصر في مستقبلها، يعيش كبيرًا كبيرًا، وتتضاعف حياته بقدر ما يتضاعف إحساسه بالمسلمين.

2- اهتمام شيخنا الإمام بأمر المسلمين ومعرفته الشاملة لواقع الأمة سياسيًا، فهو يدعو إلى توحيدها في ظلال الخلافة الراشدة مما يستلزم نبذ التفرق والتشرذم والاختلاف، واقتصاديًا فهو يدعو إلى استثمار الأرض بزراعتها وإعمارها باستخراج خيراتها وبركاتها، وعسكريًا فهو يدعو إلى رجوع المسلمين أقوياء بمادياتهم وسلاحهم؛ ليفتحوا البلاد ويحرروا العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.

3- إدراك شيخنا لعناصر النهضة الإسلامية القادمة ومعرفته الحقيقية بها، وأنها شاملة عالمية، ويتجلى ذلك فيما يأتي:

أ- اعتقاده الجازم بأن المستقبل للإسلام وحده بإذن الله وحده، تصديقًا بموعود الله ورسوله.

ب- أمله الواسع ورجاؤه الكبير بذلك كله؛ فالمؤمن أوسع الناس أملاً، وأكثرهم تفاؤلاً واستبشارًا؛ لأن قلبه موصول بالله، واثق بما عنده، مطمئن بالإيمان.

قال أبو حاتم السجستاني:

إذا اشتملت على اليأس القلوب وضاق لما به الصدر الرحيب

وأوطأت المكاره واطمأنت وأرست في أماكنها الخطوب

ولم تر لانكشاف الضر وجهًا ولا أغنى بحيلته الأريب

أتاك على قنوط منك غوث يمن به اللطيف المستجيب

وكل الحادثات إذا تناهت فموصول بها الفرج القريب

ث- ذكره للأحاديث الدالة على رجوع المسلمين أقوياء في عقيدتهم ومنهجهم واقتصادهم وسلاحهم في ظلال أمة واحدة، ودولة واحدة، يدل على أن عناصر النهضة الإسلامية القادمة:

- القوة السياسية.

- القوة المعنوية الإيمانية.

- القوة الاقتصادية.

- القوة العسكرية.

4- محاربته للوساوس القاتلة، والأفكار الهدامة التي تروج لليأس، والقنوط وتدعو إلى العجز والقعود، والتواكل على ما هو موعود.

أ- تصحيح مفاهيم الناس حول الأحاديث التي ظاهرها كذلك.

ب- رده على شبه المستشرقين والمستغربين.

وتأمل قوله في «قصة المسيح الدجال» (ص36-38): «وصدق الله إذ يقول: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) [التوبة:105]

من أجل ذلك؛ لا يجوز للمسلمين اليوم أن يتركوا العمل للإسلام وإقامة دولته على وجه الأرض؛ انتظارًا منهم لخروج المهدي، ونزول عيسى عليهما الصلاة والسلام؛ يأسًا منهم؛ أو توهمًا أن ذلك غير ممكن قبلهما! فإن هذا توهم باطل، ويأس عاطل، فإن الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم لم يخبرنا أن لا عودة للإسلام، ولا سلطان له على وجه الأرض إلا في زمانهما، فمن الجائز أن يتحقق ذلك قبلهما إذا أخذ المسلمون بالأسباب الموجبة لذلك؛ لقوله تعالى:(إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)[محمد:7]، وقوله: (ولينصرنَّ الله من ينصره إن الله لقويٌ عزيز) [الحج:40].

ولقد كان هذا التوهم من أقوى الأسباب التي حملت بعض الأساتذة المرشدين والكتّاب المعاصرين على إنكار أحاديث المهدي، وعيسى –عليهما السلام- على كثرتها وتواترها- لما رأوا أنها عند المتوهمين مدعاة للتواكل عليها وترك العمل لعز الإسلام من أجلها! فأخطؤوا في ذلك أشد الخطأ من وجهين:

الأول: أنهم أقروهم على هذا التوهم؛ على اعتبار أن مصدره تلك الأحاديث المشار إليها؛ وإلا لم يبادروا إلى إنكارها!

والآخر: أنهم لم يعرفوا كيف ينبغي عليهم أن يعالجوا التوهم المذكور؟ وذلك بإثبات الأحاديث، وإبطال المفاهيم الخاطئة من حولها، وما مثلهم في ذلك إلا كمثل من أنكر عقيدة الإيمان بالقدر خيره وشره؛ لأن بعض المؤمنين به فهموا أن لازمه الجبر، وأن المكلف لا كسب له ولا اختيار، ولما كان هذا الفهم باطلاً بداهة سارعوا إلى إنكاره، ولكنهم أنكروا معه القدر أيضًا؛ لتوهمهم –أيضًا مع المتوهمين- أنه يعني الجبر، فوافقوهم في خطئهم في التوهم المذكور، ثم زادوا عليهم خطأ آخر –فرارًا من الأول- وهو إنكارهم القدر نفسه! فلولا أنهم شاركوهم في فهمهم منه الجبر لما أنكروه!

وهذا هو عين ما صنعه البعض المشار إليه من الأساتذة والكتاب؛ فإنهم لما رأوا تواكل المسلمين –إلا قليلاً منهم- على أحاديث المهدي وعيسى؛ بادروا إلى إنكارها لتخليصهم بزعمهم من التواكل المذكور! فلم يصنعوا شيئًا؛ لأنهم لم يستطيعوا تخليصهم بذلك من جهة؛ ولا هم كانوا على هدى في إنكارهم للأحاديث الصحيحة من جهة أخرى.

والحقيقة أن هؤلاء المنكرين –الذين يفهمون من هذه الأحاديث ما لا تدل عليه من التواكل المزعوم، ولذلك يبادرون إلى إنكارها تخلصًا منه- قد جمعوا بين المصيبتين: الضلال في الفهم، والكفر بالنص! ولكنهم عرفوا أن الفهم المذكور ضلال في نفسه؛ فأنكروه بإنكار النص الذي فهموا ذلك منه! وعكس ذلك العامة؛ فآمنوا بالنص مع الفهم المذكور، فمع كل من الفريقين هدى وضلال، والحق الأخذ بهدى كل منهما، ونبذ الضلال الذي عندهما؛ وذلك بالإيمان بالنص دون ذلك الفهم الخاطئ.

وما مثل هؤلاء وهؤلاء إلا كمثل المعتزلة من جهة؛ والمشبهة من جهة أخرى، فإن الأولين تأولوا آيات وأحاديث الصفات بتآويل باطلة أودت بهم إلى إنكار الصفات الإلهية، وما حملهم على ذلك إلا فرارهم من التشبيه الذي وقع فيه المشبهة، والحقيقة أن المعتزلة أنفسهم شاركوا المشبهة في فهم التشبيه من آيات الصفات، ولكنهم افترقوا عنهم بإنكار التشبيه بطريق التأويل الذي هو باطل أيضًا؛ كالتشبيه لما لزم منه من إنكار الصفات الإلهية، وأما المشبهة فلم يقعوا في هذا الباطل، ولكنهم ثبتواعلى التشبيه، والحق الجمع بين صواب هؤلاء وهؤلاء، ورد باطل هؤلاء وهؤلاء؛ وذلك بالإثبات والتنزيه؛ كما قال الله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) [الشورى:11].

وكذلك أقول في أحاديث نزول عيسى –عليه السلام- وغيرها؛ فإن الواجب فيها إنما هو الإيمان بها، ورد ما توهمه المتوهمون منها؛ من ترك العمل والاستعداد الذي يجب القيام به في كل زمان ومكان، وبذلك نكون قد جمعنا بين صواب هؤلاء وهؤلاء، ورددنا باطل هؤلاء وهؤلاء. والله المستعان.







---------------------------------



(1 ) أجاب البرفسور الفريد كرونر –من أشهر علماء الجيولجيا- لما سئل: هل كانت بلاد العرب بساتين وأنهارًا؟ فقال: نعم.

فسئل: متى كان هذا؟ قال: في العصر الجيلدي الذي مر بالأرض، إن الجليد يتراكم في القطب الشمالي ثم يزحف نحو الجنوب، فإذا اقترب من جزيرة العرب قربًا نسبيًا طبعًا تغير الطقس، وتكون بلاد العرب بساتين وأنهارًا.

فسئل: وهل ستعود بلاد العرب بساتين وأنهارًا؟

قال: نعم، هذه حقيقة علمية.

فتعجب منه سائلوه كيف يقول هذه حقيقة علمية، وهي مسألة تتعلق بالمستقبل.

وسئل: لماذا؟

قال: لأن العصر الجليدي قد بدأ، فهذه الثلوج تزحف من القطب المتجمد الشمالي مرة ثانية نحو الجنوب، وهي في طريقها لتقترب من المناطق القريبة من بلاد العرب، ثم قال: إن من أدلتنا على ذلك ما تسمعون عنه من العواصف الثلجية التي تضرب في كل شتاء المدن الشمالية في أوربة وأمريكا.

هذه من أدلة العلماء على ذلك، لهم أدلة كثيرة أنها حقيقة علمية.

ولما علم أن هناك حديث لرسول الله × قال: إن هذا لا يمكن أن يكون إلا بوحي من أعلى.

انظر «إنه الحق» (ص46).

(2 ) جمع (عافية). قال في «النهاية»:

«العافية والعافي: كل طالب رزق؛ من إنسان، أو بهيمة، أو طائر».

(3 ) (العينة): أن يبيع شيئًا من غيره بثمن مؤجل، ويسلمه إلى المشتري، ثم يشتريه قبل قبض الثمن أقل من ذلك القدر يدفعه نقدًا. قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

«فهذا مع التواطؤ يبطل البيعين؛ لأنها حيلة».

( 4) «صحيح الجامع الصغير» (3987).
محب الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:16 AM بتوقيت مسقط


Design By: aLhjer Design
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Translated By Sma-jo.com