ملتقى أهل الدعوة إلى الله عز وجل
 

العودة   ملتقى أهل الدعوة إلى الله عز وجل > المنتدى للتصفح فقط ولا يوجد تسجيل أو مشاركات سوى الإدارة .. لمراسلتنا على بريدنا ahldawa@gmail.com > قسم عقيدة أهل السنة والجماعة والرد على المخالفين
المنتديات موضوع جديد التعليمـــات المجموعات التقويم مشاركات اليوم البحث

آخر 1 مشاركات دعواتكم لإخوانكم في فلسطين وفي كل مكان ممن اُعتدي عليهم ودعواتكم لكل مسلم متضرر في شتى بقاع الأرض (الكاتـب : - )      
إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-19-2011, 03:22 PM   #1
إداري
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 1,222
Lightbulb (دعوتنا مبنية على الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة ) لا بد لكل طالب علم أن يقرأه مرارا وتكرارا مهم جدا جدا !..

..مبينا أهمية فهم السلف وطريقتهم محذرا من الزيغ عن طريقهم إلى الطرق المخالفة للحق وأهله ، حيث قال :

( القاعدة الثانية )
(دعوتنا مبنية على الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة )
وقد حرص السلف رحمهم الله تعالى على تقييد هذا الأمر في عقيدة الأمة ، فقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى ( أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم وترك البدع وكل بدعة فهي ضلالة ) وقال ابن مسعود رضي الله عنه ( اتبعوا ولا تبتدعوا ؛ فقد كفيتم ) وقال اللالكائي رحمه الله تعالى (فلم نجد في كتاب الله وسنة رسوله وآثار صحابته إلا الحث على الاتباع ، وذم التكلف والاختراع ، فمن اقتصر على هذه الآثار كان من المتبعين ، وكان أولاهم بهذا الاسم ، وأحقهم بهذا الوسم ، وأخصهم بهذا الرسم أصحاب الحديث ؛ لاختصاصهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتباعهم لقوله ، وطول ملازمتهم له وتحملهم علمه ، وحفظهم أنفاسه وأفعاله ، فأخذوا الإسلام عنه مباشرة ، وشرائعه مشاهدة وأحكامه معاينة ، من غير واسطة ولا سفير بينهم وبينه وصلة , فجاولوها عيانا ، وحفظوا عنه شفاها ، وتلقفوه من فيه رطبا ، وتلقنوه من لسانه عذبا ، واعتقدوا جميع ذلك حقا ، وأخلصوا بذلك من قلوبهم يقينا ، فهذا دين أخذ أوله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشافهة ، لم يشبه لبس ولا شبهة ، ثم نقلها العدول عن العدول من غير تحامل ولا ميل ، ثم الكافة عن الكافة والصافة عن الصافة ، والجماعة عن الجماعة ، أخذ كف بكف ، وتمسك خلف بسلف, كالحروف يتلو بعضها بعضا ، ويتسق أخراها على أولاها رصفا ونظما، وقال الآجري محمد بن الحسين رحمه الله تعالى ( علامة من أراد الله عز وجل به خيراً : سلوك هذه الطريق : كتاب الله عز وجل ، وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسنن أصحابه رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان رحمة الله تعالى عليهم ، وما كان عليه أئمة المسلمين في كل بلد إلى آخر ما كان من العلماء ، مثل الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل والقاسم بن سلام ، ومن كان على مثل طريقهم ، ومجانبة كل مذهب لا يذهب إليه هؤلاء العلماء ) وقال أبو العالية رحمه الله تعالى (عليكم بالأمر الأول الذي كانوا عليه قبل أن يفترقوا) وقال الأوزاعي رحمه الله تعالى ( اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم ) ومن مأثور قول الإمام مالك رحمه الله تعالى ويروى عن عمر رضي الله عنه ( لن يصلُح آخرُ هذه الأمَّة إلاَّ بما صلح به أوَّلُها ) وقال ابن مسعود رضي الله عنه ( مَن كان منكم متأسِّياً فليتأسَّ بأصحاب محمد، فإنَّهم كانوا أبرَّ هذه الأمَّة قلوباً، وأعمقَها علماً، وأقلَّها تكلُّفاً، وأقومَها هدياً، وأحسنَها حالاً، قوماً اختارهم الله تعالى لصحبة نبيِّه ، فاعْرِفُوا لهم فضلَهم واتَّبِعوهم في آثارهم؛ فإنَّهم كانوا على الهدي المستقيم ) وتقدم قول عمر بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى في هذا ، و عن عثمان بن حاضر، قال: دخلتُ على ابن عباس، فقلت: أَوْصني، فقال:( نعم! عليك بتقوى الله والاستقامة، اتَّبع ولا تبتدع ) وعن ابن سيرين قال ( كانوا يرون أنَّه على الطريق ما كان على الأثر ) و عن ابن مسعود قال ( تعلَّموا العلمَ قبل أن يُقبض، وقبضُه أن يذهب أهلُه ألا وإيّاكم والتَّنطُّع والتَّعمُّق والبدع، وعليكم بالعتيق ) والمراد بالعتيق ما دلَّ عليه دليلٌ، وكان عليه السلف، ولم يكن محدَثاً, وعن عبد الله بن مسعود قال ( إنَّكم اليوم على الفطرة، وإنَّكم ستحدثون ويُحدث لكم، فإذا رأيتم محدَثةً فعليكم بالهَدي الأوَّل ) وعن أبي الدرداء قال ( اقتصادٌ في سنّة خيرٌ مِن اجتهادٍ في بدعةٍ، إنَّك إنْ تتَّبِعْ خيرٌ مِن أنْ تبتدع، ولن تخطئَ الطريقَ ما اتَّبعْتَ الأثرَ ) وقال القيرواني في مقدمته في بيان أصول السلف ( والطَّاعَةُ لأئمَّة المسلمين مِن وُلاَة أمورِهم ، وعُلمائهم واتِّباعُ السَّلَفِ الصَّالِح واقتفاءُ آثارِهم، والاستغفارُ لهم، وتَركُ المراءِ والجِدَالِ في الدِّين، وتَركُ ما أَحْدَثَهُ المُحْدِثُونَ) وقال الحافظ أبو القاسم اللالكائي رحمه الله تعالى ( فإِنّ أوجب ما على المرء معرفة اعتقاد الدين ، وما كلّف الله به عباده من فَهم توحيده وصفاته ، وتصديق رسله بالدلائل واليقين ، والتوصل إِلى طرقها ، والاستدلال عليها بالحجج والبراهين ، وكان من أعظم مقول وأوضح حجةِ ومعقول : كتاب الله الحق المبين ، ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وَصحابته الأخيار المتقين ، ثم ما أجمع عليه السلف الصالحون ، ثم التمسك بمجموعها والمقام عليها إِلى يوم الدين ، ثم الاجتناب عن البدع والاستماع إِليها مما أحدثها المضلون ) وقال كثير من السلف الصالح ( لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من قبل كبرائهم ، فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم هلكوا ) ومن مأثور القول عن ابن مسعود رضي الله عنه ( إنا نقتدي ولا نبتدي ، ونتبع ولا نبتدع ، ولن نضل ما تمسكنا بالأثر ) وقال سفيان رحمه الله تعالى ( وجدت الأمر الاتباع ) وكلامهم في هذه المسألة كثير لا يكاد يحصر ، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق ، وعلى ما قررته هذه النقول المباركة عن السلف تواترت الأدلة من الكتاب والسنة ،
فمن الأدلة على ذلك :- قوله تعالى  وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا  قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله تعالى (وقد استدل بهذه الآية الكريمة على أن إجماع هذه الأمة حجة وأنها معصومة من الخطأ ووجه ذلك: أن الله توعد من خالف سبيل المؤمنين بالخذلان والنار، و  سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ  مفرد مضاف يشمل سائر ما المؤمنون عليه من العقائد والأعمال, فإذا اتفقوا على إيجاب شيء أو استحبابه، أو تحريمه أو كراهته، أو إباحته فهذا سبيلهم، فمن خالفهم في شيء من ذلك بعد انعقاد إجماعهم عليه، فقد اتبع غير سبيلهم) وقال أبو العباس رحمه الله تعالى (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى  وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا  وَقَدْ شَهِدَ اللَّهُ لِأَصْحَابِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانِ بِالْإِيمَانِ . فَعُلِمَ قَطْعًا أَنَّهُمْ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَقَالَ تَعَالَى  وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ  وَقَالَ تَعَالَى  لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا  فَحَيْثُ تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ وَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى وَأَصْلَاهُ جَهَنَّمَ, فَمَنْ سَبِيلُهُمْ فِي الِاعْتِقَادِ : ( الْإِيمَانُ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْمَائِهِ ) الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ وَسَمَّى بِهَا نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ وَتَنْزِيلِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَيْهَا وَلَا نَقْصٍ مِنْهَا وَلَا تَجَاوُزٍ لَهَا وَلَا تَفْسِيرٍ لَهَا وَلَا تَأْوِيلٍ لَهَا بِمَا يُخَالِفُ ظَاهِرَهَا وَلَا تَشْبِيهٍ لَهَا بِصِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ ؛ وَلَا سِمَاتِ المحدثين بَلْ أَمَرُوهَا كَمَا جَاءَتْ وَرَدُّوا عِلْمَهَا إلَى قَائِلِهَا ؛ وَمَعْنَاهَا إلَى الْمُتَكَلِّمِ بِهَا ) فانظر كيف جعل المراد بالآية الصحابة رضوان الله عليهم ، وقال رحمه الله تعالى ( وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ ؛ فَكُلُّ مَنْ شَاقَّ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى فَقَدْ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَكُلُّ مَنْ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ شَاقَّ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى . فَإِنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ مُتَّبِعٌ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ مُخْطِئٌ ؛ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مُتَّبِعٌ لِلرَّسُولِ وَهُوَ مُخْطِئٌ . وَهَذِهِ " الْآيَةُ " تَدُلُّ عَلَى أَنَّ إجْمَاعَ الْمُؤْمِنِينَ حُجَّةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مُخَالَفَتَهُمْ مُسْتَلْزِمَةٌ لِمُخَالَفَةِ الرَّسُولِ وَأَنَّ كُلَّ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَصٌّ عَنْ الرَّسُولِ ؛ فَكُلُّ مَسْأَلَةٍ يُقْطَعُ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ وَبِانْتِفَاءِ الْمُنَازِعِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ؛ فَإِنَّهَا مِمَّا بَيَّنَ اللَّهُ فِيهِ الْهُدَى ) ومن المعلوم لدى أهل العلم أن جمهور مسائل الاعتقاد مما هو متفق عليه بين أهل السنة رحمهم الله تعالى ، وقد استدل عمر بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى بهذه الآية على وجوب اتباع سبيل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد استدل الجمع الكثير الغفير من أهل السنة رحمهم الله تعالى على بطلان كثير من المعتقدات والأقوال والأعمال بأنها مخالفة لسبيل المؤمنين والذين هم الصحابة في المقام الأول ، والتابعون وتابعوهم بإحسان ، مما يفيد أن أهل العلم متفقون إن شاء الله تعالى على أن الآية يراد بها السلف الأوائل, وأزيد الأمر إيضاحا فأقول :- لقد تقرر في الأصول أن ذم الفعل يستفاد منه التحريم ، وتقرر أن الوعيد على الفعل يستفاد منه التحريم ، فلما توعد الله تعالى مخالف سبيل المؤمنين بالنار ، أفاد ذلك أن متابعة سبيلهم من الواجبات المتحتمات لأن المتقرر أن النهي عن الشيء أمر بضده من جهة المعنى ، والنهي عن مخالفة سبيلهم يتضمن الأمر باتباع سبيلهم ، واتباعهم يكون باعتماد ما اعتمدوه وأجمعوا عليه من القول والعمل ، ومن المعلوم أن الأقوال والأعمال إنما تصدر عن فهم ، ومتابعتهم في أقوالهم واعتقاداتهم يتضمن متابعتهم في فهمهم ، لأن من خالفهم في الفهم فلزاما أن يخالفهم في القول والعمل ، وهذا واضح ، فإنه ما خولف السلف في شيء إلا ممن خالفهم أصلا في الفهم ، فالبدع التي نراها والمعتقدات التي انتحلها أهل البدع إنما هي أثر من آثار مخالفة السلف في الفهم ، فصار الاتفاق في الفهم سبيلا للاتفاق في القول والعمل .
ومن الأدلة أيضا :- قوله تعالى  وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ... الآية  وهذا المدح يتضمن صحة ما كانوا عليه من العقيدة والعمل ، وهذه الصحة مستمدة من صحة التأصيل والفهم ، فمن أراد أن يكون له حظ من هذا المدح والثناء فليتفق معهم في فهمهم المفضي إلى صحة الاعتقاد والعمل ، ودل ذلك على أن من خالفهم فإنه الممقوت الضال المغضوب عليه ، والمخالفة في العمل فرع عن المخالفة في الفهم ، فدل ذلك على صحة فهمهم الذي أثمر لهم صحة الاعتقاد والعمل ، وحيث كان فهمهم هو الفهم الصحيح ، فهو الفهم الذي يجب حينئذ اتباعه ، لأن خلاف الحق باطل ، كما قال تعالى  فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ  ففهمهم هو الحق ، وما عداه هو الضلال ، والضلال لا يجوز اتباعه ، فأفاد ذلك أن فهمهم حجة على من بعدهم في مسائل العقيدة والعمل ، وهو المطلوب .
ومن الأدلة أيضا :- قوله تعالى  كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ  وهذه الخيرية دليل على صحة ما كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من العقيدة والعمل ، وهي نابعة من سلامة الفهم عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والآية خطاب للصحابة في المقام الأول ، فهم سلف الأمة ، فحيث كانوا هم خير أمة أخرجت للناس فهذا تنبيه على وجوب الأخذ بما كانوا عليه من الفهم والتأصيل المثمر لسلامة العقيدة وصحة العمل .
ومن الأدلة :- قوله تعالى  وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ... الآية  والوسط هم الخيار العدول والخطاب للصحابة في أول التنزيل ، وهذا تنبيه لمن يأتي بعدهم أنه لا خيرية له ولا عدالة إلا في اقتفاء آثارهم والسير على منهاجهم واعتماد ما اعتمدوه من العقيدة والعمل ، فالخيرية والعدالة إنما تكون بحسب ما في العبد من الاتباع لهم ، فأكملنا اتباعا أكملنا خيرية وعدالة ، فالخيرية والعدالة مربوطة باتباع سلف الأمة من الصحابة ومن سار على منهاجهم من التابعين وتابعيهم .
ومن الأدلة :- الآيات التي فيها مدح لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الله تعالى رضي عنهم ورضوا عنه ، كقوله تعالى  مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ...الآية  وكقوله تعالى  لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا  وكقوله تعالى  وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ  ونحو هذه الآيات التي فيها تسطير الرضا وأنهم كانوا على الهدى ، وفيها أعظم المدح والثناء ، وهذا كله تنبيه للأمة على صحة مسلكهم ، ووضوح حجتهم ، والأمر باتباع آثارهم ، وأن فهمهم هو الفهم الصحيح ، وما سواه مما عارضه فهو فهم سقيم عاطل ورأي باطل ، لأن هذا المدح والثناء دليل على أن ما كانوا عليه من العقيدة والعمل هو الحق ، وماذا بعد الحق إلا الضلال ، فمن كان على مثل ما كانوا عليه من العلم والهدى ودين الحق فقد فاز وأفلح ودخل في هذا الثناء العاطر ومن خالف فهو الشقي الخاسر ، وهذا واضح .
ومن الأدلة أيضا :- قوله تعالى  وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ  وكل من الصحابة منيب إلى الله تعالى فيجب اتباع سبيله ، وأقواله واعتقاداته من أكبر سبيله، والدليل على أنهم منيبون إلى الله تعالى قوله تعالى  وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ  والصحابة أكمل الأمة هداية ، فلا كان ولا يكون بعدهم أحد مثلهم .
ومن الأدلة :- قَوْله تَعَالَى  قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي  فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ مَنْ اتَّبَعَ الرَّسُولَ يَدْعُو إلَى اللَّهِ ، وَمَنْ دَعَا إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ وَجَبَ اتِّبَاعُهُ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيمَا حَكَاهُ عَنْ الْجِنِّ وَرَضِيَهُ  يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ  وَلِأَنَّ مَنْ دَعَا إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ فَقَدْ دَعَا إلَى الْحَقِّ عَالِمًا بِهِ ، وَالدُّعَاءُ إلَى أَحْكَامِ اللَّهِ دُعَاءٌ إلَى اللَّهِ ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ إلَى طَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى ، وَإِذًا فَالصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ قَدْ اتَّبَعُوا الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُمْ إذَا دَعَوْا إلَى اللَّهِ. قاله ابن القيم .
ومن الأدلة أيضا :- قَوْله تَعَالَى  قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى  قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي مَالِكٍ : هُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى  ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا  وَحَقِيقَةُ الِاصْطِفَاءِ : افْتِعَالٌ مِنْ التَّصْفِيَةِ ، فَيَكُونُ قَدْ صَفَّاهُمْ مِنْ الْأَكْدَارِ ، وَالْخَطَأُ مِنْ الْأَكْدَارِ ، فَيَكُونُونَ مُصَفَّيْنِ مِنْهُ ، وَلَا يُنْتَقَضُ هَذَا بِمَا إذَا اخْتَلَفُوا لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَعْدُهُمْ ، فَلَا يَكُونُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ كَدَرًا ؛ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُ الْكَدَرَ ، وَبَيَانَهُ يُزِيلُ كَوْنَهُ كَدَرًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلًا وَلَا يُخَالِفُ فِيهِ فَلَوْ كَانَ قَوْلًا بَاطِلًا ، وَلَمْ يَرُدَّهُ رَادٌّ لَكَانَ حَقِيقَةَ الْكَدَرِ ، وَهَذَا لِأَنَّ خِلَافَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِمَنْزِلَةِ مُتَابَعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أُمُورِهِ فَإِنَّهَا لَا تُخْرِجُهُ عَنْ حَقِيقَةِ الِاصْطِفَاءِ ، قاله ابن القيم .
ومن الأدلة أيضا :- أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَهِدَ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ أُوتُوا الْعِلْمَ بِقَوْلِهِ  وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إلَيْك مِنْ رَبِّك هُوَ الْحَقَّ  وَقَوْلِهِ  حَتَّى إذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِك قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا  وَقَوْلِهِ  يَرْفَعُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَاَلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ  وَاللَّامُ فِي  الْعِلْمِ  لَيْسَتْ لِلِاسْتِغْرَاقِ ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلْعَهْدِ ، أَيْ الْعِلْمِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِذَا كَانُوا أُوتُوا هَذَا الْعِلْمَ كَانَ اتِّبَاعُهُمْ وَاجِبًا، قاله ابن القيم.
ومن الأدلة :- قَوْله تَعَالَى  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ  قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ : هُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُمْ أَئِمَّةُ الصَّادِقِينَ ، وَكُلُّ صَادِقٍ بَعْدَهُمْ فِيهِمْ يَأْتَمُّ فِي صِدْقِهِ ، بَلْ حَقِيقَةُ صِدْقِهِ اتِّبَاعُهُ لَهُمْ وَكَوْنُهُ مَعَهُمْ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي شَيْءٍ وَإِنْ وَافَقَهُمْ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فِيمَا خَالَفَهُمْ فِيهِ ، وَحِينَئِذٍ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُمْ ، فَتَنْتَفِي عَنْهُ الْمَعِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ ، وَإِنْ ثَبَتَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الْمَعِيَّةِ وَفِيمَا وَافَقَهُمْ فِيهِ ، فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَعَهُمْ بِهَذَا الْقِسْطِ ، وَهَذَا كَمَا نَفَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ الْإِيمَانَ الْمُطْلَقَ عَنْ الزَّانِي وَالشَّارِبِ وَالسَّارِقِ وَالْمُنْتَهِبِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ الْمُؤْمِنِ ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ مُطْلَقُ الِاسْمِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ لِأَجْلِهِ أَنْ يُقَالَ : مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْإِيمَانِ ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ اسْمَ الْفَقِيهِ وَالْعَالِمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يُقَالُ لِمَنْ مَعَهُ مَسْأَلَةٌ أَوْ مَسْأَلَتَانِ مِنْ فِقْهٍ وَعِلْمٍ ، وَإِنْ قِيلَ : مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْعِلْمِ ، فَفَرْقٌ بَيْنَ الْمَعِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَمُطْلَقِ الْمَعِيَّةِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْأَوَّلُ لَا الثَّانِي ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ مِنَّا أَنْ نَكُونَ مَعَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ ، وَأَنْ نُحَصِّلَ مِنْ الْمَعِيَّةِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ ، وَهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ فِي فَهْمِ مُرَادِ الرَّبِّ تَعَالَى مِنْ أَوَامِرِهِ ؛ فَإِذَا أَمَرَنَا بِالتَّقْوَى وَالْبِرِّ وَالصِّدْقِ وَالْعِفَّةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالْجِهَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يُرِدْ مِنَّا أَنْ نَأْتِيَ مِنْ ذَلِكَ بِأَقَلَّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ ، وَهُوَ مُطْلَقُ الْمَاهِيَّةِ الْمَأْمُورُ بِهَا بِحَيْثُ نَكُونُ مُمْتَثِلِينَ لِأَمْرِهِ إذَا أَتَيْنَا بِذَلِكَ ، وَتَمَامُ تَقْرِيرِ هَذَا الْوَجْهِ بِمَا تَقَدَّمَ فِي تَقْرِيرِ الْأَمْرِ بِمُتَابَعَتِهِمْ سَوَاءٌ، قاله ابن القيم .
ومن الأدلة أيضا :- قَوْله تَعَالَى  وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ  فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ اجْتَبَاهُمْ ، وَالِاجْتِبَاءُ كَالِاصْطِفَاءِ ، وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنْ " اجْتَبَى الشَّيْءَ يَجْتَبِيه " إذَا ضَمَّهُ إلَيْهِ وَحَازَهُ إلَى نَفْسِهِ ، فَهُمْ الْمُجْتَبُونَ الَّذِينَ اجْتَبَاهُمْ اللَّهُ إلَيْهِ وَجَعَلَهُمْ أَهْلَهُ وَخَاصَّتَهُ وَصَفْوَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ ، وَلِهَذَا أَمَرَهُمْ تَعَالَى أَنْ يُجَاهِدُوا فِيهِ حَقَّ جِهَادِهِ ، فَيَبْذُلُوا لَهُ أَنْفُسَهُمْ ، وَيُفْرِدُوهُ بِالْمَحَبَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ ، وَيَخْتَارُوهُ وَحْدَهُ إلَهًا مَعْبُودًا مَحْبُوبًا عَلَى كُلِّ مَا سِوَاهُ كَمَا اخْتَارَهُمْ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ ، فَيَتَّخِذُونَهُ وَحْدَهُ إلَهَهُمْ ، وَمَعْبُودَهُمْ الَّذِي يَتَقَرَّبُونَ إلَيْهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَجَوَارِحِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ وَمَحَبَّتِهِمْ ، وَإِرَادَتِهِمْ ، فَيُؤْثِرُونَهُ فِي كُلِّ حَالٍ عَلَى مَنْ سِوَاهُ ، كَمَا اتَّخَذَهُمْ عَبِيدَهُ ، وَأَوْلِيَاءَهُ ، وَأَحِبَّاءَهُ وَآثَرَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ تَعَالَى أَنْ يَسَّرَ عَلَيْهِمْ دِينَهُ غَايَةَ التَّيْسِيرِ ، وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِمْ فِيهِ مِنْ حَرَجٍ أَلْبَتَّةَ لِكَمَالِ مَحَبَّتِهِ لَهُمْ وَرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَحَنَانِهِ بِهِمْ ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِلُزُومِ مِلَّةَ إمَامِ الْحُنَفَاءِ أَبِيهِمْ إبْرَاهِيمَ ، وَهِيَ إفْرَادُهُ تَعَالَى وَحْدَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ وَالتَّعْظِيمِ وَالْحُبِّ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالتَّوَكُّلِ وَالْإِنَابَةِ وَالتَّفْوِيضِ وَالِاسْتِسْلَامِ فَيَكُونُ تَعَلُّقُ ذَلِكَ مِنْ قُلُوبِهِمْ بِهِ وَحْدَهُ لَا بِغَيْرِهِ ، ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ نَوَّهَ بِهِمْ وَسَمَّاهُمْ كَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَوْجَدَهُمْ اعْتِنَاءً بِهِمْ وَرِفْعَةً لِشَأْنِهِمْ ، وَإِعْلَاءً لِقَدْرِهِمْ ، ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِيُشْهِدَ عَلَيْهِمْ رَسُولُهُ وَيَشْهَدُوا هُمْ عَلَى النَّاسِ ؛ فَيَكُونُونَ مَشْهُودًا لَهُمْ بِشَهَادَةِ الرَّسُولِ شَاهِدِينَ عَلَى الْأُمَمِ بِقِيَامِ حُجَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، فَكَانَ هَذَا التَّنْوِيهُ ، وَإِشَارَةُ الذِّكْرِ لِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ الْجَلِيلَيْنِ وَلِهَاتَيْنِ الْحِكْمَتَيْنِ الْعَظِيمَتَيْنِ ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَهُ تَعَالَى فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَحْرِمَهُمْ كُلَّهُمْ الصَّوَابَ فِي مَسْأَلَةٍ فَيُفْتِي فِيهَا بَعْضُهُمْ بِالْخَطَأِ ، وَلَا يُفْتِي فِيهَا غَيْرُهُ بِالصَّوَابِ ، وَيَظْفَرُ فِيهَا بِالْهُدَى مِنْ بَعْدِهِمْ ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ، قاله ابن القيم .

ومن الأدلة أيضا :- قَوْله تَعَالَى  وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاَللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ  وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ الْمُعْتَصِمِينَ بِهِ بِأَنَّهُمْ قَدْ هُدُوا إلَى الْحَقِّ ؛ فَنَقُولُ : الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مُعْتَصِمُونَ بِاَللَّهِ فَهُمْ مُهْتَدُونَ ، فَاتِّبَاعُهُمْ وَاجِبٌ ، أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فَتَقْرِيرُهَا مِنْ وُجُوهٍ ، أَحَدُهَا : قَوْله تَعَالَى  وَاعْتَصِمُوا بِاَللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ  وَمَعْلُومٌ كَمَالُ تَوَلِّي اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ وَنَصْرُهُ إيَّاهُمْ أَتَمَّ نُصْرَةٍ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ اعْتَصِمُوا بِهِ أَتَمَّ اعْتِصَامٍ فَهُمْ مَهْدِيُّونَ بِشَهَادَةِ الرَّبِّ لَهُمْ بِلَا شَكٍّ ، وَاتِّبَاعُ الْمَهْدِيِّ وَاجِبٌ شَرْعًا وَعَقْلًا وَفِطْرَةً بِلَا شَكٍّ . قاله ابن القيم .
ومن الأدلة : - قَوْله تَعَالَى عَنْ أَصْحَابِ مُوسَى  وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ  فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ جَعَلَهُمْ أَئِمَّةً يَأْتَمُّ بِهِمْ مَنْ بَعْدَهُمْ لِصَبْرِهِمْ وَيَقِينِهِمْ ؛ إذْ بِالصَّبْرِ وَالْيَقِينِ تُنَالُ الْإِمَامَةُ فِي الدِّينِ فَإِنَّ الدَّاعِيَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا يَتِمُّ لَهُ أَمْرُهُ إلَّا بِيَقِينِهِ لِلْحَقِّ الَّذِي يَدْعُو إلَيْهِ وَبَصِيرَتِهِ بِهِ وَصَبْرِهِ عَلَى تَنْفِيذِ الدَّعْوَةِ إلَى اللَّهِ بِاحْتِمَالِ مَشَاقِّ الدَّعْوَةِ وَكَفِّ النَّفْسِ عَمَّا يُوهِنُ عَزْمَهُ وَيُضْعِفُ إرَادَتَهُ ، فَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ كَانَ مِنْ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ يَهْدُونَ بِأَمْرِهِ تَعَالَى وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ ، وَأَوْلَى بِهَذَا الْوَصْفِ مِنْ أَصْحَابِ مُوسَى فَهُمْ أَكْمَلُ يَقِينًا ، وَأَعْظَمُ صَبْرًا مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ ، فَهُمْ أَوْلَى بِمَنْصِبِ هَذِهِ الْإِمَامَةِ ، وَهَذَا أَمْرٌ ثَابِتٌ بِلَا شَكٍّ بِشَهَادَةِ اللَّهِ لَهُمْ وَثَنَائِهِ عَلَيْهِمْ ، وَشَهَادَةِ الرَّسُولِ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ ، وَأَنَّهُمْ خِيرَةُ اللَّهِ وَصَفْوَتُهُ ، وَمِنْ الْمُحَالِ عَلَى مَنْ هَذَا شَأْنُهُمْ أَنْ يُخْطِئُوا كُلُّهُمْ الْحَقَّ ، وَيَظْفَرَ بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا مُمْكِنًا لَانْقَلَبَتْ الْحَقَائِقُ ، وَكَانَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَئِمَّةً لَهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الرُّجُوعُ إلَى فَتَاوِيهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ ، وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ مُحَالٌ حِسًّا وَعَقْلًا فَهُوَ مُحَالٌ شَرْعًا ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ ، قاله ابن القيم .
ومن الأدلة أيضا :- ما رواه البخاري في صحيحه قال :- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِى ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَجِىءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ » وهذه الخيرية خيرية الاعتقاد والعمل ، وهي نابعة من خيرية الفهم والتأصيل ، فأفاد ذلك أنهم خير الأمة فهما ، وأزكاها علما ، وأعمقها تأصيلا ، وهذا ينتج أن من بعدهم يجب أن يكون على ما كانوا عليه من العلم والعمل ، وإلا فما هو إلا الضلال والتيه .قال ابن القيم (فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ خَيْرَ الْقُرُونِ قَرْنَهُ مُطْلَقًا ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَقْدِيمَهُمْ فِي كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ ، إلَّا لَوْ كَانُوا خَيْرًا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ ، فَلَا يَكُونُونَ خَيْرَ الْقُرُونِ مُطْلَقًا فَلَوْ جَازَ أَنْ يُخْطِئَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ فِي حُكْمٍ وَسَائِرُهُمْ لَمْ يُفْتُوا بِالصَّوَابِ - وَإِنَّمَا ظَفَرَ بِالصَّوَابِ مَنْ بَعْدَهُمْ ، وَأَخْطَئُوا هُمْ - لَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَرْنُ خَيْرًا مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ ؛ لِأَنَّ الْقَرْنَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الصَّوَابِ خَيْرٌ مِنْ الْقَرْنِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْخَطَأِ فِي ذَلِكَ الْفَنِّ ، ثُمَّ هَذَا يَتَعَدَّدُ فِي مَسَائِلَ عَدِيدَةٍ لِأَنَّ مَنْ يَقُولُ " قَوْلُ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ " يَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ مَنْ بَعْدَهُمْ أَصَابَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ قَالَ فِيهَا الصَّحَابِيُّ قَوْلًا ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ صَحَابِيٌّ آخَرُ ، وَفَاتَ هَذَا الصَّوَابُ الصَّحَابَةَ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا يَأْتِي فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ تَفُوقُ الْعَدَّ وَالْإِحْصَاءَ ، فَكَيْفَ يَكُونُونَ خَيْرًا مِمَّنْ بَعْدَهُمْ وَقَدْ امْتَازَ الْقَرْنُ الَّذِي بَعْدَهُمْ بِالصَّوَابِ فِيمَا يَفُوقُ الْعَدَّ وَالْإِحْصَاءَ مِمَّا أَخْطَئُوا فِيهِ ؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّ فَضِيلَةَ الْعِلْمِ وَمَعْرِفَةَ الصَّوَابِ أَكْمَلُ الْفَضَائِلِ ، وَأَشْرَفُهَا ، فَيَا سُبْحَانَ اللَّهِ ، أَيُّ وَصْمَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الصِّدِّيقُ أَوْ الْفَارُوقُ أَوْ عُثْمَانُ أَوْ عَلِيٌّ أَوْ ابْنُ مَسْعُودٍ أَوْ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ أَوْ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَأَضْرَابُهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ أَنَّهُ كَيْتَ وَكَيْتَ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ ، وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ ، وَلَمْ يَشْتَمِلْ قَرْنُهُمْ عَلَى نَاطِقٍ بِالصَّوَابِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ حَتَّى تَبِعَ مَنْ بَعْدَهُمْ فَعَرَفُوا حُكْمَ اللَّهِ الَّذِي جَهِلَهُ أُولَئِكَ السَّادَةُ ، وَأَصَابُوا الْحَقَّ الَّذِي أَخْطَأَهُ أُولَئِكَ الْأَئِمَّةُ ؟ سُبْحَانَك هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ )
ومن الأدلة :- حديث العرباض بن سارية ،رضي الله تعالى عنه قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا : يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال (( أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيري اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة )) رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح ، وهذا أمر باتباع سبيل الخلفاء الراشدين والأخذ بما هم عليه من العقيدة والعمل والفهم ، وهو أمر وقد تقرر في الأصول :- أن الأمر المطلق عن القرينة يفيد الوجوب ، ففهمهم حجة ، والحجة لا يجوز مخالفتها .
ومن الأدلة :- قوله صلى الله عليه وسلم "النجومُ أَمنةٌ للسماءِ، فإذا ذهبتِ النجوُمِ، أَتى السماءَ ما تُوعدُ، وأَنا أَمَنةٌ لأَصْحَابى. فإذا ذهبتُ أَتَى أَصْحَابِى ما يُوعدونَ، وأَصْحَابى أَمنةٌ لأُمَّتِى، فإِذا ذهب أصحابى أتى أُمِتى ما يُوعَدُون" فأفاد هذا أن الفهم الذي سار عليه سلف الأمة هو الفهم الحق ، وأنه متى ما غاب هذا الفهم عن الأمة فإنه سيأتيها ما توعد من الفتن والقلاقل والزوابع ، فلا تزال الأمة بخير ما تمسكت بفهم سلفها الصالح من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا يفيدك أن الاعتصام والتمسك بهديهم في الفهم والتأصيل والهدى أمان من الهلاك وأمان من الضلالة والتيه وأن من دعا الأمة إلى نبذ ما كان عليه السلف الصالح فإنه ساع في هلاك الأمة بقوله هذا وسيكون حجيجه يوم القيامة نبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم .قال ابن القيم رحمه الله تعالى (وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ جَعَلَ نِسْبَةَ أَصْحَابِهِ إلَى مَنْ بَعْدَهُمْ كَنِسْبَتِهِ إلَى أَصْحَابِهِ ، وَكَنِسْبَةِ النُّجُومِ إلَى السَّمَاءِ ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا التَّشْبِيهَ يُعْطِي مِنْ وُجُوبِ اهْتِدَاءِ الْأُمَّةِ بِهِمْ مَا هُوَ نَظِيرُ اهْتِدَائِهِمْ بِنَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَظِيرُ اهْتِدَاءِ أَهْلِ الْأَرْضِ بِالنُّجُومِ ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ جَعَلَ بَقَاءَهُمْ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَمَنَةً لَهُمْ ، وَحِرْزًا مِنْ الشَّرِّ وَأَسْبَابِهِ ، فَلَوْ جَازَ أَنْ يُخْطِئُوا فِيمَا أَفْتَوْا بِهِ وَيَظْفَرَ بِهِ مَنْ بَعْدَهُمْ لَكَانَ الظَّافِرُونَ بِالْحَقِّ أَمَنَةً لِلصَّحَابَةِ وَحِرْزًا لَهُمْ ، وَهَذَا مِنْ الْمُحَالِ )
ومن الأدلة أيضا :- قوله صلى الله عليه وسلم "إن الله اختار أصحابى على العالمين، سوى النبيين والمرسلين، واختار لي من أصحابي أربعة أبا بكر، وعمر وعثمان، وعلياً رضي الله عنهم فجعلهم أصحابي قال في أصحابي كلهم خير، وأختار أمتي على الأمم، وأختار من أمتي أربعة قرون، القرن الأول والثاني والثالث، والرابع" رواه البزار ورجاله ثقات ، وهذه الخيرية والاختيار الرباني يفيدك أن ما هم عليه من الفهم أصح وأحق أن يتبع من فهم غيرهم المخالف لهم . ويؤكد ابن مسعود رضي الله عنه ما سبق من الآية والحديث قائلاً : "إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه صلى الله عليه وسلم يقاتلون عن دينه "
ومن الأدلة أيضا :- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ )) وَفِي لَفْظٍ (( فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِه )) وَهَذَا خِطَابٌ مِنْهُ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَلِأَقْرَانِهِ مِنْ مُسْلِمَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْفَتْحِ ، فَإِذَا كَانَ مُدُّ أَحَدِ أَصْحَابِهِ أَوْ نَصِيفُهُ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ مِثْلِ أُحُدٍ ذَهَبًا مِنْ مِثْلِ خَالِدٍ ، وَأَضْرَابِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَحْرِمَهُمْ اللَّهُ الصَّوَابَ فِي الْفَتَاوَى وَيَظْفَرَ بِهِ مَنْ بَعْدَهُمْ ؟ هَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْمُحَالِ ، قاله ابن القيم .
ومن الأدلة أيضا :- ما رواه ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : إنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ ، فَبَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاخْتَارَهُمْ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ وَنُصْرَةِ دِينِهِ ، فَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ ، وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُخْطِئَ الْحَقَّ فِي حُكْمِ اللَّهِ خَيْرُ قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَظْفَرَ بِهِ مَنْ بَعْدَهُمْ ، وَأَيْضًا فَإِنَّ مَا أَفْتَى بِهِ أَحَدُهُمْ وَسَكَتَ عَنْهُ الْبَاقُونَ كُلُّهُمْ فَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا قَدْ رَأَوْهُ حَسَنًا أَوْ يَكُونُوا قَدْ رَأَوْهُ قَبِيحًا ، فَإِنْ كَانُوا قَدْ رَأَوْهُ حَسَنًا فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ رَأَوْهُ قَبِيحًا ، وَلَمْ يُنْكِرُوهُ لَمْ تَكُنْ قُلُوبُهُمْ مِنْ خَيْرِ قُلُوبِ الْعِبَادِ ، وَكَانَ مَنْ أَنْكَرَهُ بَعْدَهُمْ خَيْرًا مِنْهُمْ وَأَعْلَمَ ، وَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْمُحَالِ ، قاله ابن القيم .
ومن الأدلة :- مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : مَنْ كَانَ مُتَأَسِّيًا فَلْيَتَأَسَّ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَبَرَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا ، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا ، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا ، وَأَقْوَمَهَا هَدْيًا ، وَأَحْسَنَهَا حَالًا ، قَوْمٌ اخْتَارَهُمْ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ ، وَإِقَامَةَ دِينِهِ فَاعْرِفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ ، وَاتَّبِعُوا آثَارَهُمْ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَحْرِمَ اللَّهُ أَبَرَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا ، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا ، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا ، وَأَقْوَمَهَا هَدْيًا الصَّوَابَ فِي أَحْكَامِهِ وَيُوَفِّقَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُمْ . قاله ابن القيم .
ومن الأدلة :- مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ ، وَأَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُمَا عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ أَنَّهُ قَالَ : يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ ، خُذُوا طَرِيقَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَوَاَللَّهِ لَئِنْ اسْتَقَمْتُمْ لَقَدْ سُبِقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا ، وَلَئِنْ تَرَكْتُمُوهُ يَمِينًا وَشِمَالًا لَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا .وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ ، فِي غَيْرِ طَرِيقِ مَنْ سَبَقَ إلَى كُلِّ خَيْرٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ .قاله ابن القيم .

ومن الأدلة :- حديث حُذَيْفَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ، وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ )) قَالَ التِّرْمِذِيُّ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ ،ووجه الاستدلال به هو عين القول فيما قبله .
ومن الأدلة :- مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (( إنْ يُطِعْ الْقَوْمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا )) وَهُوَ فِي حَدِيثِ الْمِيضَأَةِ الطَّوِيلِ ، فَجَعَلَ الرُّشْدَ مُعَلَّقًا بِطَاعَتِهِمَا ، فَلَوْ أَفْتَوْا بِالْخَطَأِ فِي حُكْمٍ ، وَأَصَابَهُ مَنْ بَعْدَهُمْ لَكَانَ الرُّشْدُ فِي خِلَافِهِمَا .قاله ابن القيم .
ومن الأدلة :- حديث الافتراق المشهور ، وهو حديث صحيح بطرقه ، وفيه (( وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة ، وهي الجماعة )) والمقصود الأول هم الصحابة ، كما في الرواية الأخرى (( من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي )) ووجه الدلالة منه واضحة .
ومن الأدلة :- الإجماع ، فقد أجمع أهل السنة والجماعة أن طريق الفهم الصحيح لأدلة الكتاب والسنة هو أن تفهم كما فهمها سلف الأمة وأئمتها ، وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم قال ابن تيمية رحمه الله ( وطريقتهم - أي أهل السنة والجماعة - هي دين الإسلام الذي بَعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم ، لكن لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته « تَفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إِلاّ واحدة » وهي الجماعة ، وفي حديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال « هم مَنْ كان على مِثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي » صار المتمسكون بالإِسلام المحض الخالص عن الشوب ، هم أصحاب السنة والجماعة ، وفيهم الصدِّيقون ، والشهداء والصالحون ، ومنهم أعلام الهدى ومصابيح الدجى ، وأولو المناقب المأثورة ، والفضائل المذكورة ، وفيهم الأبدال الأئمة الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم .وهم الطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم « لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق ظاهرين ، لا يضرُّهم من خَذلهم ولا من خَالفهم حتى تَقوم الساعة » ) وقال الأشعري رحمه الله تعالى في الإبانة (مقولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها : التمسك بكتاب ربنا، وسنة نبينا، وما جاء عن الصحابة والتابعين، وأئمة المسلمين ) وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى (فإن الصحابة والتابعين والأئمة إذا كان لهم في تفسير الآية قول وجاء قوم فسروا الآية بقول آخر لأجل مذهب اعتقدوه، وذلك المذهب ليس من مذاهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان صاروا مشاركين للمعتزلة وغيرهم من أهل البدع في مثل هذا .وفي الجملة من عَدَل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئًا في ذلك، بل مبتدعًا وإن كان مجتهدًا مغفورًا له خطؤه . فالمقصود بيان طرق العلم وأدلته، وطرق الصواب . ونحن نعلم أن القرآن قرأه الصحابة والتابعون وتابعوهم، وأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث اللّه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن خالف قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعًا ) بل إنك لا تكاد تجد كتابا صنف في الاعتقاد إلا وهو يبني كتابه على فهم سلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم ، ويوصي بالأخذ به ويحذر من مخالفته ، ولو نظرت في كتاب اللالكائي المسمى بشرح أصول اعتقاد أهل السنة ، وفي كتاب الشريعة للآجري ، وفي الكتب المسماة بـ( السنة ) لعرفت أن هذا الإجماع من الإجماعات القطعية المنقولة بالتواتر ، وقد تقرر في القواعد أن الإجماع حجة شرعية يجب اتباعها والمصير إليها وتحرم مخالفتها .
بل و المعقول والاعتبار الصحيح ، وبيان هذا من وجوه : الأول :- أن المتقرر عند عامة أهل الإسلام أن الصحابة هم أكمل الأمة عقولا ، وأشدها اتباعا ، وأقواها إيمانا ، وأزكاها علما ، وأتمها فهما ، وأنه لا كان ولا يكون مثلهم ، وأنهم خير الأمة وتاج رأسها ، وأنهم سادات العلم والعمل ، فمن المحال والممتنع أن من تكون هذه صفته أن يكون من بعده من الخلف أزكى منه وأتم لمعرفة الحق بالفهم الصحيح منه ، هذا لا يكون أبدا، وهذا لا يعتقده إلا من كان على غير الهدى من الخلوف المبتدعة الذين لا يعرفون للسلف قدرهم، نعوذ بالله من هذه الحال، الثاني :- أنه عند اختلاف فهم السلف مع فهم الخلف ، فلا يخلو الحال من أحد أمرين :- إما أن يكون الحق مع القوم الذين اصطفاهم الله تعالى لصحبة خير خلقه وصفوة رسله ، وإما أن يكون الحق مع قوم إنما أخذوا علومهم من المنطق اليوناني ومن القواعد الفلسفية المناقضة للمعقول والمصادمة للمنقول ،فبالله عليك ، بم يحدثك قلبك ؟ لا جرم إن شاء الله تعالى أنك من الموفقين ، ممن لا يقارن أصلا بين المذهبين ، وأن الحق لا يكون البتة إلا مع سلف الأمة وأئمتها ، وأن فهم الخلف باطل ، إذ كيف يكون أفراخ علماء اليونان أعلم وأحكم وأدرى بالشرع وبالفهم الصحيح من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ؟ وكيف تكون زبالات أذهان الفلاسفة المتهوكين أعلم و أقرب للحق ممن أخذ العلم غضا طريا من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل كيف يكون من اتفق السلف على ذمهم وتجريمهم في حق الأمة أحق بالاتباع من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ؟ إنه أمر لو تدبره العقل الخالي من الشبهة لعلم أن الحق لا يكون إلا مع السلف ، ولكن ثمة أقوام طمس الله بصائرهم ، فلا يرون الشمس في رابعة النهار ، الثالث :- أن الصحابة رضي الله عنهم قد شاهدوا التنزيل وهم أعلم بالتأويل ، فلا جرم مع ذلك أن يكون فهمهم أتم من فهم غيرهم ومذهبهم أحق بالاتباع من مذاهب غيرهم ، إذ غيرهم لم ينل هذا الشرف العظيم ، وإنما هو من خصيصة الصحابة ، رضي الله عنهم , الرابع :- أن أساطين علماء الخلف قد اعترفوا بخطأ ما هم عليه من الفهم وطرائق الاستدلال ، وندموا على ما تعلموه مما هو مخالف لفهم السلف ، وأنهم لم يكن معهم إلا الوهم والخيالات الفاسدة والظنون الكاذبة ، وأن ما جمعوه من العلوم إنما هو ضلال وتخرص ، قال أبو العباس رحمه الله تعالى (وَتَجِدُ عَامَّةَ هَؤُلَاءِ الْخَارِجِينَ عَنْ مِنْهَاجِ السَّلَفِ مِنْ الْمُتَكَلِّمَةِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ يَعْتَرِفُ بِذَلِكَ إمَّا عِنْدَ الْمَوْتِ وَإِمَّا قَبْلَ الْمَوْتِ وَالْحِكَايَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ . هَذَا أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ : نَشَأَ فِي الِاعْتِزَالِ أَرْبَعِينَ عَامًا يُنَاظِرُ عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَصَرَّحَ بِتَضْلِيلِ الْمُعْتَزِلَةِ وَبَالَغَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ . وَهَذَا أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ مَعَ فَرْطِ ذَكَائِهِ وَتَأَلُّهِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِالْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ وَسُلُوكِهِ طَرِيقَ الزُّهْدِ وَالرِّيَاضَةِ وَالتَّصَوُّفِ يَنْتَهِي فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ إلَى الْوَقْفِ وَالْحَيْرَةِ وَيُحِيلُ فِي آخِرِ أَمْرِهِ عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْكَشْفِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعَ إلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَصَنَّفَ " إلْجَامَ الْعَوَامِّ عَنْ عِلْمِ الْكَلَامِ " وَكَذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الرازي قَالَ فِي كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي أَقْسَامِ اللَّذَّاتِ : لَقَدْ تَأَمَّلْت الطُّرُقَ الْكَلَامِيَّةَ وَالْمَنَاهِجَ الْفَلْسَفِيَّةَ فَمَا رَأَيْتهَا تَشْفِي عَلِيلًا وَلَا تَرْوِي غَلِيلًا وَرَأَيْت أَقْرَبَ الطُّرُقِ طَرِيقَةَ الْقُرْآنِ أَقْرَأُ فِي الْإِثْبَاتِ  الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى   إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ  وَأَقْرَأُ فِي النَّفْيِ  لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ   وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا   هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا  ثُمَّ قَالَ : وَمَنْ جَرَّبَ مِثْلَ تَجْرِبَتِي عَرَفَ مِثْلَ مَعْرفَتِي وَكَانَ يَتَمَثَّلُ كَثِيرًا :

وَهَذَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَرَكَ مَا كَانَ يَنْتَحِلُهُ وَيُقَرِّرُهُ وَاخْتَارَ مَذْهَبَ السَّلَفِ, وَكَانَ يَقُولُ : يَا أَصْحَابَنَا لَا تَشْتَغِلُوا بِالْكَلَامِ فَلَوْ أَنِّي عَرَفْت أَنَّ الْكَلَامَ يَبْلُغُ بِي إلَى مَا بَلَغَ مَا اشْتَغَلْت بِهِ, وَقَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ : لَقَدْ خُضْت الْبَحْرَ الْخِضَمَّ وَخَلَّيْت أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَعُلُومَهُمْ وَدَخَلْت فِيمَا نَهَوْنِي عَنْهُ . وَالْآنَ : إنْ لَمْ يَتَدَارَكْنِي رَبِّي بِرَحْمَتِهِ فَالْوَيْلُ لِابْنِ الجويني وَهَا أنذا أَمُوتُ عَلَى عَقِيدَةِ أُمِّي - أَوْ قَالَ - : عَقِيدَةِ عَجَائِزِ نَيْسَابُورَ . وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الشِّهْرِسْتَانِيّ : أَخْبَرَ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عِنْدَ الْفَلَاسِفَةِ والمتكلمين إلَّا الْحَيْرَةَ وَالنَّدَمَ, وَكَانَ يَنْشُدُ :



وَابْنُ الْفَارِضِ - مِنْ مُتَأَخِّرِي الِاتِّحَادِيَّةِ - صَاحِبُ الْقَصِيدَةِ التَّائِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ " بِنَظْمِ السُّلُوكِ " وَقَدْ نَظَمَ فِيهَا الِاتِّحَادَ نَظْمًا رَائِقَ اللَّفْظِ فَهُوَ أَخْبَثُ مَنْ لَحْمِ خِنْزِيرٍ فِي صِينِيَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ . وَمَا أَحْسَنَ تَسْمِيَتَهَا بِنَظْمِ الشُّكُوكِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهَا وَبِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ وَقَدْ نَفَقَتْ كَثِيرًا وَبَالَغَ أَهْلُ الْعَصْرِ فِي تَحْسِينِهَا وَالِاعْتِدَادِ بِمَا فِيهَا مِنْ الِاتِّحَادِ - لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَنْشَدَ :



وقال رحمه الله تعالى (كَيْفَ يَكُونُ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرُونَ لَا سِيَّمَا وَالْإِشَارَةُ بِالْخَلَفِ إلَى ضَرْبٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ الَّذِينَ كَثُرَ فِي بَابِ الدِّينِ اضْطِرَابُهُمْ وَغَلُظَ عَنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ حُجَّابُهُمْ وَأَخْبَرَ الْوَاقِفُ عَلَى نِهَايَةِ إقْدَامِهِمْ بِمَا انْتَهَى إلَيْهِ أَمْرُهُمْ حَيْثُ يَقُولُ :


وَأَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمَا قَالُوهُ مُتَمَثِّلِينَ بِهِ أَوْ مُنْشِئِينَ لَهُ فِيمَا صَنَّفُوهُ مِنْ كُتُبِهِمْ كَقَوْلِ بَعْضِ رُؤَسَائِهِمْ
لَقَدْ تَأَمَّلْت الطُّرُقَ الْكَلَامِيَّةَ وَالْمَنَاهِجَ الْفَلْسَفِيَّةَ ؛ فَمَا رَأَيْتهَا تَشْفِي عَلِيلًا وَلَا تَرْوِي غَلِيلًا وَرَأَيْت أَقْرَبَ الطُّرُقِ طَرِيقَةَ الْقُرْآنِ . اقْرَأْ فِي الْإِثْبَاتِ  الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى   إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ  وَاقْرَأْ فِي النَّفْيِ  لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ   وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا  وَمَنْ جَرَّبَ مِثْلَ تَجْرِبَتِي عَرَفَ مِثْلَ مَعْرِفَتِي اهـ . وَيَقُولُ الْآخَرُ مِنْهُمْ : لَقَدْ خُضْت الْبَحْرَ الْخِضَمَّ وَتَرَكْت أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَعُلُومَهُمْ وَخُضْت فِي الَّذِي نَهَوْنِي عَنْهُ وَالْآنَ إنْ لَمْ يَتَدَارَكْنِي رَبِّي بِرَحْمَتِهِ فَالْوَيْلُ لِفُلَانِ وَهَا أَنَا أَمُوتُ عَلَى عَقِيدَةِ أُمِّي ا هـ . وَيَقُولُ الْآخَرُ مِنْهُمْ : أَكْثَرُ النَّاسِ شَكَا عِنْدَ الْمَوْتِ أَصْحَابَ الْكَلَامِ . ثُمَّ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمُونَ الْمُخَالِفُونَ لِلسَّلَفِ إذَا حَقَّقَ عَلَيْهِمْ الْأَمْرَ : لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُمْ مِنْ حَقِيقَةِ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ وَخَالِصِ الْمَعْرِفَةِ بِهِ خَبَرٌ وَلَمْ يَقَعُوا مِنْ ذَلِكَ عَلَى عَيْنٍ وَلَا أَثَرٍ كَيْفَ يَكُونُ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُوبُونَ الْمُفْضَلُونَ الْمَنْقُوصُونَ الْمَسْبُوقُونَ الْحَيَارَى الْمُتَهَوِّكُونَ : أَعْلَمَ بِاَللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَحْكَمَ فِي بَابِ ذَاتِهِ وَآيَاتِهِ مِنْ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانِ مِنْ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَخُلَفَاءِ الرُّسُلِ وَأَعْلَامِ الْهُدَى وَمَصَابِيحِ الدُّجَى الَّذِينَ بِهِمْ قَامَ الْكِتَابُ وَبِهِ قَامُوا وَبِهِمْ نَطَقَ الْكِتَابُ وَبِهِ نَطَقُوا الَّذِينَ وَهَبَهُمْ اللَّهُ مِنْ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ مَا بَرَزُوا بِهِ عَلَى سَائِرِ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ فَضْلًا عَنْ سَائِرِ الْأُمَمِ الَّذِينَ لَا كِتَابَ لَهُمْ وَأَحَاطُوا مِنْ حَقَائِقِ الْمَعَارِفِ وَبَوَاطِنِ الْحَقَائِقِ بِمَا لَوْ جُمِعَتْ حِكْمَةُ غَيْرِهِمْ إلَيْهَا لَاسْتَحْيَا مَنْ يَطْلُبُ الْمُقَابَلَةَ ثُمَّ كَيْفَ يَكُونُ خَيْرُ قُرُونِ الْأُمَّةِ أَنْقَصَ فِي الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ - لَا سِيَّمَا الْعِلْمُ بِاَللَّهِ وَأَحْكَامِ أَسْمَائِهِ وَآيَاتِهِ - مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَصَاغِرِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ ؟ أَمْ كَيْفَ يَكُونُ أَفْرَاخُ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَأَتْبَاعُ الْهِنْدِ وَالْيُونَانِ وَوَرَثَةُ الْمَجُوسِ وَالْمُشْرِكِينَ وَضُلَّالِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ وَأَشْكَالُهُمْ وَأَشْبَاهُهُمْ : أَعْلَمَ بِاَللَّهِ مِنْ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَهْلِ الْقُرْآنِ وَالْإِيمَانِ وَإِنَّمَا قَدَّمْت " هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ " لِأَنَّ مَنْ اسْتَقَرَّتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ عِنْدَهُ عَرَفَ طَرِيقَ الْهُدَى أَيْنَ هُوَ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ وَعَلِمَ أَنَّ الضَّلَالَ وَالتَّهَوُّكَ إنَّمَا اسْتَوْلَى عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِنَبْذِهِمْ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ عَمَّا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى وَتَرْكِهِمْ الْبَحْثَ عَنْ طَرِيقَةِ السَّابِقِينَ وَالتَّابِعِينَ وَالْتِمَاسِهِمْ عِلْمَ مَعْرِفَةِ اللَّهِ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِفْ اللَّهَ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَبِشَهَادَةِ الْأُمَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَبِدَلَالَاتِ كَثِيرَةٍ ؛ وَلَيْسَ غَرَضِي وَاحِدًا مُعَيَّنًا وَإِنَّمَا أَصِفُ نَوْعَ هَؤُلَاءِ وَنَوْعَ هَؤُلَاءِ) والله يحفظنا وإخواننا من الضلال والتيه ، فإن الهداية من أعظم النعم وأجل المنن فاشدد عليها بيديك ، واحمد الله تعالى على السلامة ، فهذا الأصل الأصيل لا بد من اعتماده في الدعوة إلى الله تعالى ، ويجب الإيمان به ، فلا تكون الدعوة صحيحة إلا باعتماده ، والله المستعان ،ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
اقتبس من كتاب ... قواعد الدعوة
محب الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:25 PM بتوقيت مسقط


Design By: aLhjer Design
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Translated By Sma-jo.com