| |||||
|
06-24-2010, 11:46 AM | #1 |
إداري تاريخ التسجيل: Jun 2010 المشاركات: 1,222 | بالتدليل والتأصيل مسألة الدم ( قيم جدا ..) قال الشيخ وليد السعيدان حفظه الله في كتبه القيم فقه الدليل : واختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في الدم ، والراجح عندي التفصيل فيه فأما دم الحيض فقد قدمنا اتفاق أهل العلم رحمهم الله تعالى على نجاسته مع بيان الأدلة على ذلك ، وأما الدم المسفوح فكذلك أيضا هو نجس على القول الصحيح ، وهو قول عامة أهل العلم إلا ما ندر ، وبرهان ذلك قوله تعالى قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ والرجس :- النجس ، وقوله أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا هذا قيد للإطلاق في قوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ فالدم أطلق هنا في سورة المائدة وقيد هناك في سورة الأنعام ، والمتقرر في الأصول أن المطلق يبنى على المقيد إذا اتفقا في الحكم ، وهنا قد اتفقا في الحكم والسبب ، فإن قلت :- وكيف يبنى المطلق على المقيد والمطلق هو المتأخر ، فإن سورة المائدة من أواخر ما نزل من القرآن ، فهي مدنية بالاتفاق ، وأما سورة الأنعام فهي مكية بالاتفاق ؟ فأقول :- لقد تقرر في الأصول:- أنه لا يضر في بناء المطلق على المقيد تقدم أحدهما على الآخر ، أو تأخره عنه ، كما قلناه في العموم والخصوص ، فإن العام يبنى على الخاص ولو كان العام هو المتأخر فتأخره لا يضر عند جمهور الأصوليين ، خلافا للحنفية ، فكذلك المطلق والمقيد ، فإن المطلق يبنى على المقيد وإن كان المطلق هو المتأخر ، فالدم المطلق في سورة المائدة إنما يراد به الدم المسفوح ، على القيد الوارد في سورة الأنعام ، وقد تقرر في القواعد أن العموم المطلق بدلي لا شمولي ، يعني أنه المطلق بعد التقييد لا يصدق إلا على ما يصدق عليه المقيد فقط ، فلا يبقى منه شيء بعد التقييد ، بخلاف العام بعد التخصيص ، وهذه مسألة أصولية ذكرتها في كتابي ( تعريف الطلاب بأصول الفقه في سؤال وجواب ) والمهم أن قوله " أو دما مسفوحا " يفيد أن الدم المسفوح نجس ، ولأن الدم المسفوح أصلا هو علة تنجيس الميتة حتف أنفها ، فكيف يكون هو العلة في نجاستها ولا يكون هو في ذاته نجسا ؟ هذا بعيد ، وأما ما عدا هذين من الدماء ، فإنني لا أعلم دليلا صريحا صحيحا يفيد أنها نجسة ، وإنما الدليل فقط قام على نجاسة دم الحيض ، والدم المسفوح ولكن بقية الدماء ، أين الدليل على القول بنجاستها ؟ بل إنه قد ورد الدليل على أنه طاهر وليس بنجس ، فمن الأدلة حديث عائشة رضي الله عنها قالت :- أصيب سعد يوم الخندق في الأكحل ، فضرب النبي عليه الصلاة والسلام خيمة في المسجد ليعوده من قريب ، فلم يرعهم - وفي المسجد خيمة من بني غفار - إلا الدم يسيل إليهم فقالوا :- يا أهل الخيمة ، ما هذا الذي يأتينا من قبلكم ؟ فإذا سعد يغذو جرحه دما فمات فيها . متفق عليه ، ومن أصيب في أكحله فإن نزيف الدم منه متوقع في أي لحظة ومع ذلك فقد أدخله النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ، وهو عالم بأن دمه قد ينزف ويلوث المسجد في أي لحظة ، فإدخاله في المسجد والحال كذلك دليل على أن الدم ليس بنجس ، إذ لو كان نجسا لتحفظ من ذلك ، مع قوله (( إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من هذا البول ولا القذر )) ومن الأدلة أيضا :- حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه ، وهي مستحاضة ترى الدم ، فربما وضعت الطست تحتها من الدم . والحديث في صحيح البخاري ، فانظر بالله عليك ، كيف أذن لها النبي صلى الله عليه وسلم بالاعتكاف الذي تطول مدته في الغالب ، وهي على هذه الحال من خروج الدم منها ، مع أنهم يضعون الطست تحتها أحيانا من كثرة ما تثج الدم ، فلو كان نجسا لنزه النبي صلى الله عليه وسلم المسجد عن مثل ذلك ، مع قوله (( إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من هذا البول ولا القذر )) فانظر بعين الإنصاف ، تجد الأمر واضحا فيما رجحناه ومن الأدلة أيضا القول الصحيح ، جواز وطء المستحاضة ، ولو كان دمها ينزل ، بأدلة ستأتينا في باب الحيض إن شاء الله تعالى ، فلو كان دمها نجسا لما جاز ذلك ، ولكن لما جاز وطؤها أفاد ذلك أن دمها طاهر وليس بنجس ، ومن الأدلة أيضا أن الصحابة في الحروب لم يزالوا يصلون بجراحاتهم ، والدم على ثيابهم وسيوفهم ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يأمرهم بالتحرز من شيء من ذلك مما يفيد أن الدم طاهر ، لا سيما من بني آدم ، لأنه لو كان نجسا لأمرهم بغسله ، لأن التطهر من النجاسة شرط من شروط صحة الصلاة ، فلما لم يأمرهم دل على أنه طاهر ، وأن الصلاة معه صحيحة ، والمتقرر أن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم حجة على الجواز ، والمتقرر أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ، ومن الأدلة أيضا حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما وهو حديث طويل في قصة الحارسين ، المهاجري والأنصاري ، اللذين بعثهما النبي صلى الله عليه وسلم لحراسة الجيش ، فنام المهاجري وقام الأنصاري يصلي ، وجاء مشرك فرمى الأنصاري بثلاثة أسهم ، كل ذلك ينزعها وهو لا يقطع صلاته ... الحديث . وهو حديث حسن إن شاء الله تعالى ، ووجه الاستشهاد به أن هذا الأنصاري قد استمر في صلاته والدماء تنزف منه ، ومن المعلوم أن مثل هذا الفعل لا يخفى على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قائد الجيش ، وهو الذي بعثهم بنفسه ، فلا جرم أنه سيعلم الحادثة بكل تفاصيلها ، ومع ذلك فلم ينكر على الأنصاري استمراره في الصلاة مع خروج الدم ، مما يفيد أن خروج الدم لا يضر من جهتين :- من جهة أنه لا ينقض الوضوء ومن جهة أنه طاهر وليس بنجس ، والله أعلم ، ومن الأدلة أيضا ثبوت طهارته عن جمع من الصحابة بحسب أفعالهم ، فابن عمر عصر بثرة في وجهه فخرج شيء من دمه فحكه بين أصبعيه ، وصلى ولم يتوضأ ، وسنده صحيح ، وبزق عبدالله بن أبي أوفى دما ثم قام فصلى ، وسنده حسن ، وعمر حين طعن ، بقي في صلاته ، ولم يخرج منها إلا لما أثقلته الجراح ، وأدخل أبو هريرة أصبعه في أنفه فخرج وفيها دم ، ففته بأصبعه ، ثم صلى ولم يتوضأ ، وابن مسعود صلى وعلى بطنه فرث ودم ، فلم يعد الصلاة ، وسنده صحيح ، ومن الأدلة أيضا أن المتقرر شرعا أن الشهيد في المعركة يدفن بثيابه وكلومه ودمائه ، ولا يمسح عنه شيء منها ، فلو كان الدم نجسا لأمر بغسله عنه ، ولكن لما أمر بدفنه بدمه أفاد ذلك أنه طاهر ، ومن الأدلة أيضا أن المتقرر أن ما عمت به البلوى وكثر ، فإنه يجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يبينه للناس بيانا شافيا قاطعا للعذر وخروج الدم من المسائل التي تعم بها البلوى ، ومما يحتاج الناس إلى معرفة الحال فيه ومع ذلك فليس في السنة فيما أعلم دليلا صحيحا صريحا يفيد وجوب غسله ، إلا في الدمين اللذين ذكرتهما لك سابقا ، وأعني الدم المسفوح ودم الحيض ، فقط ، وأما غيرهما من الدماء ، فلا دليل فيها ، بل الأدلة فيها تقضي أنه طاهر ، ومن الأدلة أيضا حديث عائشة أنهم كانوا يأكلون اللحم والدم خطوط على القدر ، وهو الدم الباقي في العروق بعد ذبح الحيوان وخروج الدم المسفوح ، مما يفيد أن المحرم إنما هو الدم المسفوح ، وأما النهي عن بيعه وشربه فإن النهي عن الشيء لا يستلزم أنه نجس ، لأن المتقرر أنه ليس كل حرام نجس ، فإن قلت :- فقد ادعى بعض أهل العلم رحمهم الله تعالى الإجماع على نجاسة الدم ، والإجماع من حجج الشرع ، فأقول :- نعم ، هذا صحيح ، ولكن حكاية الإجماع فيها نظر ، وذلك لثبوت الخلاف ، وما ذكرناه من الآثار عن بعض الصحابة ، كاف في نقض هذه الدعوى ، والله أعلم . مسألة:- والصحيح طهارة دم الإنسان الذي يخرج من العرق ، لأن الأصل الطهارة ويستدل له بما قدمنا من الأدلة ، والصحيح أن دم الشهيد كغيره من الدماء الطاهرة لكن ثبت أن له مزية على الدماء في الآخرة ، كما في حديث (( اللون لون الدم والريح ريح المسك )) والصحيح أن علقة الحيوان الطاهر طاهرة ، لأنها متولدة من طاهر ، والمتولد من الطاهر طاهر ، ولأن الأصل في الأعيان الطهارة حتى يقوم الدليل على نجاستها ، وليس هناك دليل يدل على نجاسة العلقة ، والصحيح طهارة دم الكبد والطحال من الحيوان الطاهر ، لأن هذه الأشياء تتبع حكم الذات ، فما كانت ذاته طاهرة ، فهذه الأشياء منه طاهرة ، وما كانت ذاته نجسة ، فإنها تكون منه نجسة, ولأن المتقرر أن الأصل في الأعيان الطهارة حتى يقوم دليل النجاسة ، والصحيح أن دم السمك طاهر ، لأنه أصلا يحل بلا ذكاة ، مما يفيد أن الدم المحتبس فيه ليس هو الدم الذي يوجب نجاسة الميتة ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( أحل لنا ميتتان ودمان ، فأما الميتتان فالجراد والحوت ، وأما الدمان ، فالكبد والطحال )) لا بأس بسنده مرفوعا ، وإن قلنا إنه موقوف ، فإن له حكم الرفع ، والصحيح أن القيح والصديد طاهرة من الحيوان الطاهر ، لأن الأصل في الأشياء الطهارة ، ولا دليل يقوم على تنجيس هذه الأشياء ، والمتقرر أن الأصل هو البقاء على الأصل حتى يرد الناقل والحكم بنجاسة شيء حكم شرعي ، والمتقرر أن الأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة الصريحة ، والله أعلم . |
06-24-2010, 02:50 PM | #2 |
داعية مميز تاريخ التسجيل: Jun 2010 الدولة: الحمد لله المشاركات: 423 | رد: بالتدليل والتأصيل مسألة الدم ( قيم جدا ..) جزاك الله خيرا |
|
|